حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » من المقصود في الزيارة: السلام على عليّ بن الحسين.. هل هو زين العابدين (ع) أم الأكبر أم الرضيع؟
ج »

الظّاهر - بحسب السّياق - أنّ المُراد به هو عليّ الأكبر الشّهيد لدوره الكبير وحضوره في المعركة، ولعظيم مُصيبته على الإمام الحسين (ع)، أمّا الطفل الّرضيع فيكون ُمندرجاً في فقرة أخرى وهو قوله في الزّيارة - وعلى أولاد الحسين -  والتي تشمل سائر أولاده بمن فيهم الإمام زين العابدين (ع) والبنات أيضاً .

 


 
س » يوجد لديّ إشكالات كثيرة على الاستدلال بحديث الثقلين على العصمة، فهو يشمل إجماع العترة وليس آحادهم، ويشمل العباس عم النبي (ص)، فهل هؤلاء معصومون؟؟
ج »

أولاً: إنّ حديث الثقلين لا شكّ فيه من حيث السّند وهو مُستفيض حتى في روايات السّنة ناهيك عن روايات الشيعة ، وأّما من حيث الدّلالة فإنّه وبصرف النّظر عن كون القرآن الكريم أفضل من العترة أم عدم كونه كذلك ، فلا ريب في دلالة الحديث على أن التمسّك بالعترة يُشكّل صمّام أمان للأمّة يمنعهم ويعصمهم من الضّلال - ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا - ، ولا شكّ في دلالته أيضاً على أن العترة لا يفترقون عن القرآن الكريم ، ولا يُتصور أن يصدر عنهم ما يُخالف القرآن وهذا ما يدل عنه قوله في الحديث - لن يفترقا - .


- ثانياً : إنّ ما ذكرتموه بأنّ المراد بالحديث هو إجماع العترة هو كلام ضعيف ولا وجه له لأنّه إن أريد بالعترة ما هو أوسع من الأئمة من أهل البيت (ع) ليشمل العباس وذريته أو غيره، فمن المعلوم أنّ هؤلاء أعني العباسيين لا ميزة لهم عن سائر الصّحابة والنّاس فهم يُخطئون كغيرهم ويُمكن أن ينحرفوا كما انحرف غيرهم، وبالتالي فلا يُعقل أن يكون لرأيهم أو إجماعهم أيّ قيمة أو أن يُشكّل إجماعهم أو قولهم عاصماً للأمّة  عن الضّلال ، ما يعني أن نظر الحديث فقط إلى خصوص شريحة من العترة وهم الذين لا يُمكن أن يقعوا في الضّلال والانحراف، وهؤلاء لا فرق بين الواحد منهم أو الجميع ، فكما يكون قول الجميع حُجّة وعاصماً عن الضّلال ، كذلك قول الواحد، والقرينة على ذلك أنّه حين قال النبيّ (ص) هذا الكلام لم يكن من العترة التي يؤمَن وقوعها في الضّلال إلا عليّ (ع)، أما الحسن والحسين (ع) فكانا طفلين صغيرين، فهل كان الحديث لا قيمة له آنذاك لأنّه بعد لم يتحقّق إجماع العترة؟ من الواضح أن هذا بعيد جداً لأنّ كلامه (ص) ساري المفعول من حين إطلاقه ولا يتوقف على مرور عقود من الزّمن حتى يتشكّل إجماع العترة.


 
 
  مقالات >> عقائدية
شبهات حول مشروع الإمام المهدي (عج)
الشيخ حسين الخشن



قال الله تعالى: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكننّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدِّلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني ولا يشركون بي شيئاَ ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون}( النور 55).
 
 
    لا يخفى أنّ قضية المهدي الموعود هي من القضايا الحساسة والمهمة والتي لها تأثيرها الكبير والفاعل على واقع الأمة ومستقبلها، وقد تعرضت هذه القضية ولا تزال إلى الكثير من الشبهات ومحاولات التشويه والتحريف لمقاصدها وأهدافها، وفيما يلي نطل على بعض هذه المحاولات التي نراها في معرض التدوال في الآونة الأخيرة. 

 

ضرورة دراسة أخبار الملاحم والفتن

 

   وربما كان المنشأ أو السبب لكل هذه التحريفات، هو التلاعب الذي طال التراث الروائي المتصل بعصر ظهور الإمام المهدي (ع) وتفاصيل مشروعه وحركته وصورة العالم إبان ظهوره وهو الذي اصطلح عليه  بـأخبار" الملاحم والفتن"، وهذا التراث على أهميته - كونه يرتبط بأخطر وأهم  حركة سيشهدها تاريخ الإنسانية - لا يزال بمنأى عن البحث العلمي الموضوعي الهادف الذي يعمل على دراسة الروايات سنداً ومتناً ومضموناً، هذا مع أنّ التراث المذكور يشتمل على الغثّ والسمين، وقد كثرت فيه الأكاذيب، وذلك لأنّ عالم النهايات والمستقبليات هو عالم يمثل حقلاً خصباً للخيال الإنساني الواسع وتتطلع إليه النفوس البشرية وتهتم له وبه اهتماماً بالغاً، الأمر الذي يغري الكذابين بالوضع والدس، ونسج التصورات الخيالية، هذا فضلاً عن أنّ هذا العالم قد تحدثت عنه معظم النصوص الدينية سواءً التابعة للأديان السماوية التوحيدية أو غيرها، وقد تسرّب مضمون كثير من تلك النصوص إلى الفضاء الإسلامي من خلال مسلمة أهل الكتاب وهو ما عرف بالإسرائيليات.

 

   والخطورة في ترك هذا المجال بعيداً عن المحاكمة العلميّة التي تعتمد ضوابط تقييم الخبر ومحاكمته، من خلال وثاقة السند، إلى ملاحظة المضمون وضرورة انسجامه مع المفاهيم الإسلامية الأصيلة، هي أنّ هذا الأمر جعل الباب مفتوحاً على مصراعيه، فصار هذا الحقل شرعةً لكل وارد، الأمر الذي أدى إلى تشويه صورة المهدي ونهضته وخلق إرباكاً كبيراً في واقع الأمة، إذ إنّ عزوف العلماء والفقهاء عن تنقية هذه التراث وتقديمه بصورة تليق بالنهضة المهدوية فتح الباب أمام عامة الناس فأخذوا بأنفسهم يرجعون إلى المصادر والكتب ويستخرجون منها الروايات ويسقطونها على الواقع ويرسمون صورة لعصر الظهور دون تثبت أو تفقه أو اعتماد منهج علمي أو ميزان صحيح، وهذا المناخ شكل فرصة سانحة للدجالين ليدعوا نسباً معيناً يربطهم بالإمام المهدي، إما عن طريق دعوى السفارة أو النيابة أو نحوهما، كما سمح للمغرضين ليعملوا على تشويه صورة المهدي عجل الله فرجه، استناداً إلى بعض المرويات التي ينتقونها انتقاءً مما يمكن أن يخدم أغراضهم، ومن هنا فإننا نوّجهها دعوة صريحة إلى ضرورة تنقية تراثنا المتصل بالمهدي المنتظر ومجريات آخر الزمان، ونعتقد أن هذا العمل التحقيقي هو من الأولويات التي لا بد أن يضطلع بها المحققون والباحثون، بدل هذا الإنهماك بقضايا هامشية أو تجريدية لا تخدم الإسلام ولا الأمة ألإسلامية بشيء.

 

   وإنه لمحزن جداً أن تجد أنّ معظم الكتابات التي تتحدث عن عصر الظهور وتحاول تبيين ملامحه أو ترسم صورته هي في الأعم الأغلب كتابات عاطفية لم     تراع المعايير العلمية ، كما أنّها نظرت إلى الواقع الراهن أكثر من نظرها إلى ما جاء في النصوص المعتبرة، وبعبارة أخرى: إنّها نظرت إلى النصوص من خلال الواقع المعاش، ولا يخفى أنّ ضغط الواقع وهمومه وأحداثه تؤثر على سلامة القراءة – قراءة النصوص- إذ يغدو الكاتب أسير واقعه المأزوم ويحاول إسقاط علامات الظهور على هذا الواقع.

 

 بناء المعتقدات يتطلب اليقين

 

   ويهمني أن أذكّر بواحد من أهم معايير البحث العلمي، ألا وهو معيار التثبت من صدور النص عن المعصوم، إذ لا يمكن بناء تصور كامل حول مشروع الإمام المهدي (عج) إلاّ على ضوء الأدلة القطعية والمعتبرة، أما الأخبار فلا يعوّل عليها إلا إذا كانت متواترة أو متضافرة بما يبعث على الاطمئنان بصدورها، وأمّا أخبار الآحاد فإن كانت ضعيفة السند فلا يعبأ بها مطلقا، وإن كانت صحيحة فإنّها لا تصلح لبناء التصورات العقائدية، ومنها قضية الإمام المهدي، فالمعتقدات لا تبنى على أساس الظنون، كما أن الروايات المخالفة للمفاهيم القرآنية والإسلامية الأصيلة لا بد من طرحها جانباً ولو كانت صحيحة السند.

 

   بالعودة إلى التشويهات التي طالت النهضة المرتقبة للإمام المهدي (ع) فإننا نشير إلى بعضها مما نراها متداولة في أيامنا ويثيرها بعض الناس بطريقة تشهيرية:
 
 
1- عقيدة إسلامية بامتياز

 

  وعلى رأس هذه الشبهات ما أثاره مؤخراً بعض الشيوخ ( الشيخ القرضاوي)عبر وسيلة إعلامية معروفة من التشكيك في أصل فكرة المهدوية، بيد أن هذا التشكيك ليس ذا قيمة علمية، لأنّ الاعتقاد بالإمام المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشريف هو عقيدة إسلامية أصيلة بامتياز، فقد بشّر به النبي الأكرم (ص)، وذلك فيما ورد عنه من الروايات الكثيرة التي تلقتها الأمة بالقبول، ودوّنها المحدّثون والحفّاظ، وإنّ ملاحظة الروايات الواردة من طرق الفريقين(الشيعة والسنة) في موضوع الإمام المهدي ومجريات آخر الزمان نجد أنّها قد بلغت حد التواتر، بل إنّه إذا كان هناك مصداق واضح وجلي للخبر المتواتر فإنّ أخبار المهدي وخروج رجل من ذرية النبي (ص) في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلما ًوجوراً هو من أجلى مصاديق التواتر، وقد ألّف علماء الأمة من الفريقين العديد من الكتب في ظهور المهدي ومواصفاته.

 

   وقد لاحظنا أنّ العديد من الحفاظ والعلماء من أهل السنة من المتقدمين والمتأخرين لم يكتفوا بذكر روايات الإمام المهدي عجل الله فرجه ولا بالنص على صحتها، بل إنّهم نصوا على تواترها، مثل: ابن حجر الهيثمي في "الصواعق المحرقة" وكذا في كتابه: "القول المختصر في علامات المهدي المنتظر"، والسيوطي في كتابه: "العرف الوردي في أخبار المهدي" والسخاوي في كتابه: "فتح المغيث بشرح ألفية الحديث"، والحافظ ابن حجر في "فتح الباري بشرح صحيح البخاري"، وابن قيم الجوزية في كتابه "المنار المنيف"، والقرطبي في  كتابه "التذكرة بأحوال الموتى وأحوال الآخرة" وابن الحجاج المزي في كتابه "تهذيب الكمال" وغيرهم من أعلام المحدثين .1

 

   وفي ضوء  ذلك فلا يصغى إلى كلام ابن خلدون والذي يعد من أوائل الذين فتحوا باب التشكيك في فكرة المهدوية، وقد تبعه على ذلك بعض المتأخرين  كأحمد أمين  وبعض المعاصرين ممن لم يستندوا إلى قاعدة علمية للتشكيك، فكانوا أشبه بمن يعمل على إخفاء نور الشمس بأوهام خاوية، وقد كتب المحدث أحمد بن محمد بن صديق الغماري المغربي رسالة في تفنيد أوهام ابن خلدون أسماها "إبراز الوهم المكنون  في كلام ابن خلدون".
 
2- مهدي الإسلام والإنسانية 

 

   يكثر الحديث في زماننا عن "مهدي السنة" و "مهدي الشيعة" وكل طرف يحاول تهشيم "مهدي" الطرف الآخر وتشويه صورته، وتلك واحدة من أخطر سلبيات العصبية المقيتة التي تفتك بالمسلمين، والتي بلغت حداً جعلتهم ينقسمون حتى على الجوامع والمشتركات ويدخلونها في أتون الصراعات العصبية، فتراهم - مثلاً - يختلفون على القرآن الكريم، ليتحدّث هذا الطرف عن "قرآن الشيعة"، ويتحدث الآخر عن "قرآن السنة"، وإننا نسمع بعضهم يقول: إن إلهنا غير إلههم، ونبينا هو غير نبيهم!!

 

   والحقيقة أنّ المهدي يجب أن يكون عنواناً جامعاً بين المسلمين يتطلعون إليه باعتباره إمام هدى من ذرية نبيهم (ص) يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، والإختلاف في بعض التفاصيل المتعلقة ببعض صفاته لا ينبغي أن يدفع إلى التنازع والتدابر، بل لا بدّ أن يقود إلى الحوار الهادىء.  

 

   إنّ المهدي عليه السلام ليس إمام مذهب بعينه ولا يريد الانتصار لجماعة على أخرى، إنه فوق المذاهب، هو إمام الحق والعدل وإمام المسلمين جميعاً، "يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلما ًوجوراً"، (كما هو شعاره ما أخبر به جده المصطفى(ص))، إنّه(ع) مصلح عالمي يعيد إلى الإسلام إشراقته، ويضع حداً لكل هذا التردي الأخلاقي والاجتماعي والروحي الذي تعاني منه البشرية.

 

 وعقيدة المخلص والمهدي الموعود ليست عقيدة إسلامية فحسب، فالإيمان بالمخلص هو عقيدة يؤمن بها أتباع موسى وعيسى عليهما السلام وكذا أتباع زرداشت.

 

3- المهدي والدين الجديد 

 

تتضمن بعض النصوص الروائية حديثاً عن أنّ الإمام المهدي (ع) يأتي بدين جديد أو أمر جديدة أو سنة جديدة،  فهل يصح ذلك ؟ وما المقصود به؟ 

 

وتعليقاً على ذلك نقول: 

 

أولاً: إنّ عقيدتنا في المهدي المنتظر(ع) أنّه تابع لدين جده المصطفى(ص) وسائر على هديه، وهو خليفته كما تنص على ذلك الكثير من الروايات الوارة عن الأئمة من أهل البيت(ع)، وعليه فكيف ينسخ دينه أو يأتي بدين جديد!؟ ففي تفسير العياشي عن رفاعة بن موسى قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول في تفسير قوله تعالى: {وله أسلم من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً}، قال: "إذا قام القائم (ع) لا يبقى أرض إلا نودي فيها بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله (ص)" .2

 

   إنّ الإمام المهدي (ع)هو محيي كتاب الله تعالى وسنة رسوله (ص) وليس ناسخاً لهما، فعن الإمام علي (ع) في ذكر المهدي ونهضته: "ويحيي ميت الكتاب والسنة"، ويشير عليه السلام في الخطبة عينها إلى أنّ رأي المهدي (ع) هو تبع للكتاب والسنة: "ويعطف الهوى على الهدى إذا عطفوا الهدى على الهوى، ويعطف الرأي على القرآن إذا عطفوا القرآن على الرأي" 3، وعن الباقر (ع) في تفسير قوله: "وقاتلوا المشركين كافة...ويكون الدين كله" "وليبلغن دين محمد ما بلغ الليل حتى لا يكون شرك على ظهر الأرض كما قال الله" 4 في إشارة منه (ع) إلى قوله الله تعالى:{ ويكون الدين كله لله} . والروايات في هذا المجال كثيرة جداً. 

 

ثانياً:  وأمّا ما جاء في بعض الروايات من أنّه (ع) "يقوم بأمر جديد وكتاب جديد وسنة جديدة وقضاء جديد" ، كما جاء في رواية أبي حمزة الثمالي عن الإمام الباقر (ع) 5، فلا يراد بها إطلاقاً أنّه يأتي بدين جديد مغاير لدين جده المصطفى (ص)، كلا، وإنّما المقصود به أنّه وبسبب غربة الأمة عن دينها وابتعادها عن صفاء التوحيد وإشراقة الرسالة، كما نبّهت على ذلك الأحاديث النبوية الشريفة كما في قوله (ص) فيما روي عنه: "إنّ الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدا فطوبى للغرباء" 6، وفي كتب أهل السنة روي عنه (ص): "يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب حتى لا يدري ما صام  ولا صدقة ولا نسك" 7، إنه وبسبب ذلك وحيث إنّه (ع) سوف يواجه كل هذ الزيف ويزيل كل تلك البدع التي أدخلت على الإسلام ويصحح كل تلك التحريفات التي شوّهت صورته النقية، وأدّت إلى اندراس مفاهيمه وقيمه وحدوده .. سيبدو أن ما يفعله الإمام (ع) هو الإتيان بأمر جديد أو دين جديد، لأنّ الناس قد اعتادت نمطاً خاصاً من دينها وألفت صورة خاصة عنه مع أنها مجرد عادات بعيدة عن حقائق الإسلام. فما يفعله المهدي (ع) ليس سوى إعادة الناس إلى أصالة الإسلام، ففي الحديث عن أبي عبد الله (ع) قال: " إذا قام القائم عليه السلام دعا الناس إلى الإسلام جديداً وهداهم إلى أمر قد دثر، فضّل عنه الجمهور، وإنّما سمي القائم مهدياً لأنه يهدي إلى أمر قد ضلوا عنه ، وسمي بالقائم لقيامه بالحق"8

 

ولو أن بعض الروايات أوهمت أنّه يأتي بسنة مغايرة لسنّة جده المصطفى (ص)، أو بكتاب غير كتاب الله تعالى فلا بدّ أن ترمى وتضرب عرض الحائط بإجماع علماء الأمة.  

 

4- المهدي ومشروع القتل!

 

   ومن أخطر الإساءات والتشويهات التي تعرضت لها النهضة المهدوية الموعودة تلك المحاولة التي تعمل على تصويرها باعتبارها مشروعاً دموياً، ويتحول الإمام المهدي(ع) في هذا المشروع إلى شخص سفاح وقتّال، ونابش للقبور ومنكل بأجساد الموتى، ومع الأسف فإنّ العقل الدموي المتوحش لدى بعض المسلمين قد أساء إلى كل العقائد الإسلامية وصورّها بصورة العنف ولون الدم، فالله تعالى في نظر هذا العقل ليس سوى منتقم جبار يتلذذ بتعذيب عباده، والنبي (ص) إنما أرسل بالذبح، ويوم القيامة هو يوم الانتقام والعذاب في نار مهولة يمكن لذرة صغيرة منها أن تحرق والدنيا ومن عليها، والمهدي الموعود سفاك ووظيفته أن يقتل معظم الناس. 

 

   إنّ مشروع الإمام المهدي عليه السلام هو بسط الأمن والسلام والعدل، وليس القتل وسفك الدماء، وهذا ما أكدت عليه النصوص المعتبرة ، ففي الحديث عن أمير المؤمنين (ع) والذي رواه الشيخ الصدوق في كتاب الخصال وهو جزء من حديث الأربعمائة: "ولو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها ولأخرجت الأرض نباتها ولذهبت الشحناء من قلوب العباد واصطلحت السباع والبهائم حتى تمشي المرأة بين العراق إلى الشام لا تضع قدميها إلا على النبات وعلى رأسها زينتها لا يهيجها سبع ولا تخافه لو تعلمون" 9، فقد اشتمل هذا الحديث على مضامين دالة: 

 

1- وفرة النعم الإلهية، (لأنزلت السماء قطرها ولأخرجت الأرض نباتها).

 

2- إقامة العدل، (اصطلحت السباع والبهائم) فهذا التعبير كناية عن بسط العدل، فلا يحصل عدوان، كما أنّه تعبير عن حصول الاكتفاء ووفرة النعم . 

 

3- الأمن، (تمشي المرأة بين العراق والشام لا تضع قدميها إلا على النبات وعلى رأسها زينتها)، وهذا تعبير واضح عن الاستقرار الأمني الذي تنعم به البشرية وعن تحسن وضع البيئة، بحيث تتحول الصحاري إلى واحات خضراء، أي أنّ مشروعه هو الإعمار، وليس الدمار، وإنقاذ الإنسان وليس إبادته.

 

 وعليه فما يطرحه البعض من تصور من أنّه عجل الله فرجه يبيد معظم بني الإنسان وأنّه يقتل ولا يستتب، استناداً إلى بعض الروايات، من قبيل رواية أبي حمزة الثمالي عن الباقر (ع): "ليس شأنه إلا القتل ولا يستتب أحداً ولا تأخذه في الله لومة لائم" 10، أو ما روي عن زرارة عن أبي جعفر الباقر(ع)، قال قلت: "أيسير بسيرة محمد (ص)؟ قال: هيهات هيهات يا زرارة ما يسير بسيرته، قلت: جعلت فداك لِمَ؟ قال: إن رسول الله (ص) سار في أمته باللين وكان يتألف الناس، والقائم (ع) يسير بالقتل، بذلك أمر في الكتاب الذي معه أن يسير بالقتل ولا يستتب أحداً" 11 هو طرح مرفوض رفضاً باتاً، لا لأن الروايات المذكورة ضعيفة السند  12 فحسب، بل ولأنّها تعطي انطباعاً عن أنّ المشروع الإسلامي الواعد والذي نتطلع إليه ونبشّر به الإنسانية جمعاء هو مشروع دموي لا يقوم إلا على القتل وسفك الدم ! وهذا فضلاً عن أنه كيف يمكن لنا أن نفسر أو نفهم عدم استتابة المهدي (ع) لأحد من الناس مخالفاً بذلك لسيرة جده المصطفى (ص)؟!  

 

 نعم من الطبيعي أن يواجه الإمام المهدي عليه السلام - باعتباره صاحب مشروع إنقاذي وتغييري يرمي إلى بسط العدل في المعمورة - كل أولئك الظلمة والمستبدين واللصوص والذين يستبيحون أمن الناس وأعراضهم ويسرقون خيراتهم، لأنّ هؤلاء متضررون من مشروع العدل وسوف يعملون على تقويضه بكل ما أوتوا من قوة، بيد أن هذا شيء ومحاولة إعطاء حركته طابعاً دموياً وكأن همه أو هدفه هو القتل وسفك الدم ولا يقبل توبة أحد شيء آخر.

 

5- نبش القبور

 

وأسوء تشويه يمكن أن تتعرض له نهضة الإمام المهدي عجّل الله فرجه هو ما تلوكه بعض الألسن من أنّه يتوجه منذ اليوم الأول لخروجه إلى قبور بعض الناس فينبشها وينشر أجساد أصحابها ويصلبهم على جذوع الشجر، ما يوحي بأنه صاحب مشروع انتقامي وثأري، وقد حاول بعض الكتّاب وهو محب الدين الخطيب  تحميل الشيعة الإمامية وزر هذا الاعتقاد زاعماً أنهم يؤمنون بأن المهدي يُخرج فلاناً وفلاناً من حجرة الرسول (ص) ويأمر بصلبهما، بيد أن هذا الكلام هو افتراء واضح، ولا يمت إلى الحقيقة بصلة،  لأن مثل هذا التصرف هو أمر مرفوض ولا يمكن القبول به، لأنّه يمثل تجاوزاً وانتهاكاً لكل القيم الأخلاقية والإسلامية التي نهت عن التمثيل بجثث الموتى.

 

 والعجيب ( وما عشت أراك الدهر عجباً) أنّ الخطيب مؤلف كتاب "الخطوط العريضة" ينقل مثل هذا الاعتقاد عن السيد المرتضى، وأنه قال في كتابه "المسائل الناصرية": "إنّ أبا بكر وعمر يصلبان يومئذ على شجرة في زمن المهدي... وتكون تلك الشجرة رطبة قبل الصلب فتصير يابسة بعده" 13! وهذا كلام لا صحة له على الإطلاق، فلا يوجد مثل هذا الكلام في المسائل الناصرية والمعروف بـ"الناصريات"، ولا سيماّ أنّ المسائل الناصرية هو كتاب فقهي فرعي، وليس فيه ما يتصل بالعقيدة.

 

  وإذا ورد شيء من ذلك في بعض المرويات 14 ولا يمكن بناء تصور عقائدي حول دور الإمام المهدي ومشروعه على أساس هذه الروايات الضعيفة، ولا يمكن نسبة مضمونها إلى أهل البيت (ع) ولا إلى أتباع نهجهم.
 
6- المهدي وعداوة العرب

 

   إنّ مشروع الإمام المهدي هو مشروع الإسلام، والإسلام قد هدم كل العصبيات ودفنها إلى غير رجعة، { إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم }، وفي الحديث النبوي الشهير: "لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى"، وهدف المهدي (ع) هو إحقاق الحق وإقامة العدل، وليس من العدل من شيء ولا من قيم الإسلام ولا العدالة في شيء أن يتم استعداء صنف من البشر على أساس عرقي، سواءً كانوا من العرب أو العجم، فكيف يُنسب إلى المهدي عداوة العرب؟! إنّ هذا تشويه لصورة المهدي (عج) ولمشروعه النهضوي، ليغدو مشروعاً عنصرياً، كما حولته بعض التصورات إلى مشروع مذهبي خاص، إنّ مشروع المهدي هو مشروع إنساني، لأن محقق العدل ورافع رايته ولوائه، وليس من العدل في شيء استعداء جماعة على أساس العرق أو اللون، فما جاء في بعض الروايات : "ويل للعرب من شر قد اقترب"، أو ما ورد في رواية أخرى: "إذا خرج القائم لم يكن بينه وبين العرب وقريش إلا السيف"  إلى غيرها من الروايات 15. هي أخبار آحاد ولا يمكننا التعويل عليها حتى لو كانت صحيحة، كيف وهي ضيفة! على أنّها تتعارض مع روايات أخرى تتضمن مدحاً وتمجيداً لطوائف من العرب ممن سيكونون في مقدمة أنصار المهدي وجنوده، ففي رواية عن رسول الله (ص): "إذا كان خروج القائم ينادي منادٍ من السماء: أيها الناس ... فألحقوا بمكة، فيخرج النجباء من مصر والأبدال من الشام وعصائب العراق رهبان بالليل كأن قلوبهم زبر الحديد، فيبايعونه بين الركن والمقام.." .16

 

وأضف إلى ذلك أنّ المهدي (عج) هو من أجلّ بيوت العرب وأشرفها، فكيف يكون عدواً للعرب أو يحمل عصبية تجاههم!
'

 

 

محاضرة ألقيت في المعهد الشرعي الإسلامي في بيروت في 13 شعبان 1434هـ.
 
 
1-  أنظر: كتاب المهدي المنتظر في ضوء هذه الأحاديث والآثار الصحيحة للدكتور عبد العليم عبد العظيم، منشور ضمن مكتبة أهل البيت الإلكترونية.
2-  تفسير العياشي ج1 ص183، وعنه منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر ص136 ونحو ذلك روايات أخرى أنظر المصدر نفسه.
3-  نهج البلاغة: ج2 ص21.
4-  تفسير العياشي ج2 ص56.
5-  أنظر: الغيبة للنعماني: ص239.
6-  أنظر: صحيح مسلم، ج1 ص90 والحديث مروي من طرق الشيعة أيضاً، فلاحظ: كمال الدين وتمام النعمة ص66.
7-  المستدرك للحاكم النيسابوري: ج4 ص473.
8-  الإرشاد للمفيد: ج2 ص383.
9-  الخصال ص 626 ونظيره أحاديث كثيرة مروية من طرق العامة، أنظر: منتخب الأثر ج3 ص141 وما بعدها
10-  مختصر بصائر الدرجات: ص213.
11-  الغيبة للنعماني: ص236.
12-  وذلك لأن الرواية الأولى قد اشتمل سندها على الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني وهو كذاب ملعون وفيه يوسف بن كليب وهو مجهول، أما الرواية الثانية فهي أشد  وهناً وضعفاً من الأولى  فقد اشتمل السند على محمد بن علي الكوفي المعروف بأبي سمينة وهو ضعيف حداً فاسد الاعتقاد لا يعتمد في شيء، ولذلك أخرجه أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري من قم، انظر رجال النجاشي ص 332، إلى غير ذلك من الروايات التي أجاد الشيخ المنتظري في تفنيدها وردها  انظر: موعود الأديان ص191 وما بعدها .
13-  نقلاً عن كتاب "المهدي المنتظر في ضوء الأحاديث والآثار الصحيحة " ص 79. والمؤسف أن كتاب الخطيب هذا( الخطوط العريضة ) قد أعيد طبعه في الآونة الأخيرة من قبل الأزهر.
14-  ورد ذلك في مختصر بصائر الدرجات في خبر نقلاً عن الإمام المهدي :"فأهدمُ الحجرة وأُخرجُ مَنْ بها وهما طريان، فآمر بهما تجاه البقيع وآمر بخشبتين يصلبان عليهما، فتورقان من تحتهما فيفتتن الناس بهما أشد..." بيد أنّ الرواية ضعيفة السند، فلا يعوّل عليها، ونحوها ما في مختصر بصائر الدرجات أيضاً في حديث المفضل عن الإمام الصادق (ع): "أخرجوهما من قبريهما فيخرجان غضين رطبين لم يتغير خلقهما ولم يشحب لونهما... ثم يأمر فيقضى منهما في ذلك الوقت بمظالم من حضر ثم يصلبهما على الشجرة ويأمر ناراً تخرج من الأرض فتحرقهما والشجرة ثم يأمر ريحاً فتنسفهما في اليم نسفاً..." وهذه ضعيفة السند أيضاً ومليئة بعلامات الاستفهام وتشتمل على الكثير من الغرائب والمنكرات ومنها أن يقضي عليها أفعالها ومنها قتل هابيل.. وجمع النار لإبراهيم وطرح يوسف في الجب!
15-  لقد ذكرها الشيخ منتظري رحمه الله في كتابه موعود الأديان ص148 وما بعدها، وناقشها سنداً، وعلّق عليها ببعض التعليقات النافعة، فلاحظ.
16-  الاختصاص للشيخ المفيد: ص208.
 





اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon