حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » من المقصود في الزيارة: السلام على عليّ بن الحسين.. هل هو زين العابدين (ع) أم الأكبر أم الرضيع؟
ج »

الظّاهر - بحسب السّياق - أنّ المُراد به هو عليّ الأكبر الشّهيد لدوره الكبير وحضوره في المعركة، ولعظيم مُصيبته على الإمام الحسين (ع)، أمّا الطفل الّرضيع فيكون ُمندرجاً في فقرة أخرى وهو قوله في الزّيارة - وعلى أولاد الحسين -  والتي تشمل سائر أولاده بمن فيهم الإمام زين العابدين (ع) والبنات أيضاً .

 


 
س » يوجد لديّ إشكالات كثيرة على الاستدلال بحديث الثقلين على العصمة، فهو يشمل إجماع العترة وليس آحادهم، ويشمل العباس عم النبي (ص)، فهل هؤلاء معصومون؟؟
ج »

أولاً: إنّ حديث الثقلين لا شكّ فيه من حيث السّند وهو مُستفيض حتى في روايات السّنة ناهيك عن روايات الشيعة ، وأّما من حيث الدّلالة فإنّه وبصرف النّظر عن كون القرآن الكريم أفضل من العترة أم عدم كونه كذلك ، فلا ريب في دلالة الحديث على أن التمسّك بالعترة يُشكّل صمّام أمان للأمّة يمنعهم ويعصمهم من الضّلال - ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا - ، ولا شكّ في دلالته أيضاً على أن العترة لا يفترقون عن القرآن الكريم ، ولا يُتصور أن يصدر عنهم ما يُخالف القرآن وهذا ما يدل عنه قوله في الحديث - لن يفترقا - .


- ثانياً : إنّ ما ذكرتموه بأنّ المراد بالحديث هو إجماع العترة هو كلام ضعيف ولا وجه له لأنّه إن أريد بالعترة ما هو أوسع من الأئمة من أهل البيت (ع) ليشمل العباس وذريته أو غيره، فمن المعلوم أنّ هؤلاء أعني العباسيين لا ميزة لهم عن سائر الصّحابة والنّاس فهم يُخطئون كغيرهم ويُمكن أن ينحرفوا كما انحرف غيرهم، وبالتالي فلا يُعقل أن يكون لرأيهم أو إجماعهم أيّ قيمة أو أن يُشكّل إجماعهم أو قولهم عاصماً للأمّة  عن الضّلال ، ما يعني أن نظر الحديث فقط إلى خصوص شريحة من العترة وهم الذين لا يُمكن أن يقعوا في الضّلال والانحراف، وهؤلاء لا فرق بين الواحد منهم أو الجميع ، فكما يكون قول الجميع حُجّة وعاصماً عن الضّلال ، كذلك قول الواحد، والقرينة على ذلك أنّه حين قال النبيّ (ص) هذا الكلام لم يكن من العترة التي يؤمَن وقوعها في الضّلال إلا عليّ (ع)، أما الحسن والحسين (ع) فكانا طفلين صغيرين، فهل كان الحديث لا قيمة له آنذاك لأنّه بعد لم يتحقّق إجماع العترة؟ من الواضح أن هذا بعيد جداً لأنّ كلامه (ص) ساري المفعول من حين إطلاقه ولا يتوقف على مرور عقود من الزّمن حتى يتشكّل إجماع العترة.


 
 
  حوارات >> فكرية
حوار الخط الرسالي مع سماحة العلامة الشيخ حسين الخشن



حوار خاص بموقع ( الخط الرسالي)

 

تاريخ النشر: 2014-06-27 08:00:00

 

 

 

 
أجرى موقع الخط الرسالي بالمغرب حوارا مع سماحة العلامة الشيخ حسين الخشن ( أستاذ الدراسات الإسلامية العليا بلبنان ومدير دائرة الحوزات العلمية في مؤسسة السيد محمد حسين فضل الله -رض- ) حول جملة من القضايا الفكرية المثيرة للجدل في واقعنا المعاصر ، وقد تفضل سماحته مشكورا بالرد على أسئلة الموقع ، وجاء الحوار كالتالي :

 

 

 

1- صدر لكم مؤخراً كتاب عن (العقل التكفيري)، فما هي بنظركم الحلول الممكنة والأكثر نجاعة للقضاء على ظاهرة التكفير خاصة وأننا نعيش في المرحلة الراهنة تطورات خطيرة أبرزها تنامي ظاهرة التطرف الديني والصراع المذهبي؟
عندما نتحدّث عن علاج ظاهرة معيّنة نُقدّر أنّها ظاهرة مرضيّة أو أنّها تشكل خطراً على المجتمع الذي تتفشى فيه، كظاهرة التكفير مثلاً، فإنّ السبيل إلى معالجتها لا يتم إلاّ بالتعرف أولاً على أسباب نشؤها والظروف المساعدة على نموّها، آنذاك يكون التعرف على العلاج أمراً ميسوراً.

 

وفي تحديد الأسباب الكامنة وراء ظاهرة التكفير، فإنّي أرفض نظرية العامل الواحد في تفسير هذه الظاهرة أو غيرها من الظواهر، والأقرب إلى المنطق وإلى موازين علم الاجتماع أنّ هذه الظاهرة يتداخل في نشؤها وتكوينها البعد السياسي مع البعد الاجتماعي مع البعد الاقتصادي
مع البعد الديني.

 

ولا ريب أنّ البعد الديني يلعب دوراً محورياً في بناء الشخصيّة التكفيرية، لجهة أنّ هذه الشخصيّة تتسم بتشدد مبالغ فيه في تطبيق الدين وتعاليمه، مع سذاجة وسطحيّة بيّنة في فهم نصوصه واستهداء قيمه، الأمر الذي يجعل من التكفيري شخصاً لا يفقه عن مقاصد الشريعة شيئاً، ولا يعير اهتماماً للوجوه المختلفة التي تفتح النصّ على قراءات متعددة، فهو لا يؤمن إلاّ بقراءة واحدة، ولا يرى للنص إلّا تفسيراً واحداً، ولا يعترف بشرعية القراءات الأخرى، والأسوأ أنّه يسعى جاهدأ ومستعيناً بكافة الوسائل إلى فرض قراءته للنص وفهمه له على الآخرين.
وحيث يُخيّل للإنسان التكفيري أنّه يمتلك الحقيقة الدينية من ناصيتها، وأنّه على الهدى وغيره على ضلالة، فإنّه سيشعر بنوع من الغرور "الديني" الذي سيدفعه إلى الاستكبارعلى الآخرين من " الكفرة " أو "الضالين" والاستهانة بحرماتهم وكراماتهم دون أن يشعر بتأنيب الضمير، لأنه يتقرب بذلك إلى الله ! ولا ريب أنّ الغرور الديني هو من أسوأ أنواع الغرور، لأنه غرور "مقدس" بنظر صاحبه، ومرض الغرور الديني هذا ليس بالأمر الجديد، وليس هو حكراً على الجماعة التكفيرية الإسلامية، وإنما هو مرض مزمن عرفته كل الجماعات القشرية على امتداد التاريخ الديني، فقد كان اليهود من أشد الناس غروراً واستعلاءً، حتى حسبوا أنّ الجنة لهم {وقالوا لن يدخل الجنة إلاّ من كان هوداّ أو نصارى}.

 

وفي ضوء ما تقدم من بيان العوامل المساهمة في تكوين الشخصيّة التكفيرية، فإنّي لا أعتقد أنّ علاج هذه الظاهرة يكون باعتماد الأساليب القمعية والحلول الأمنية، فهكذا حلول لا يمكنها أن تستأصل الظاهرة ولا أن تحدّ منها، وإن كان اعتماد هذه الأساليب قد يكون ضرورياً ولا م
منه، لأجل منع الإخلال بالأمن وحفظ النظام العام والدفاع عن النفس، وإنّما العلاج الأنفع والأجدى هو العلاج الذي يتناسب مع حجم الظاهرة وتعدد أبعادها المشار إليها آنفاً، وأعتقد أنّ نقطة الارتكاز في مسألة العلاج هي ضرورة إعادة النظر في منهج بناء الشخصيّة الإسلامية، هذا المنهج القائم على منطق "الفرقة الناجية والفرق الهالكة"، وهو منهج إقصائي إلغائي ولا ينتج سوى شخصيات تكفيرية صدامية، ما يحتّم علينا أن نستبدل هذا المنهج الدخيل على الإسلام بمنهج أصيل يقوم على مبدأ الإعتراف بالآخر وبشرعية الاجتهاد وتعدد القراءات .

 

ومن الضروري أن تتضافر في هذا السياق كافة الجهود السياسية والاجتماعية والإقتصادية والتربوية والفكرية بما يناسب طبيعة الظاهرة وتعدد وجوهها وأبعادها. 
2- أين وصل ملف التقريب بين المذاهب الإسلامية؟ وهل تعتقدون أنّه لا يزال ممكناً الحديث عن ذلك في ظل انكماش الخط الوسطي لدى السنة والشيعة وتنامي تيارات الغلو والتطرف لدى الفريقين؟
إنّ الوضع الإسلامي الراهن المتشظي والمتصدع على المستوى المذهبي بنحو غير مسبوق يفترض أن يزيد من إصرارنا على التمسك بدعوة الوحدة الإسلامية وأن يدفع إلى مزيد من التفكير في فتح الأبواب المغلقة بين الأخوة في الدين والإنسانية، لا أن يدفع إلى اليأس والإحباط. أجل، إنّ الإخلاص للأمة الإسلامية يفرض علينا القيام بمراجعة نقدية لكل مسيرة التقريب السابقة، لنتساءل: أين أخفقت لنتلافى الثغرات والنكسات؟ وأين نجحت لنراكم على النجاحات؟

 

وبصراحة أكثر: إنّ السؤال الأهم الذي علينا أن نطرحه هو أنّه إلى أي حدٍ كان دعاة الوحدة جادين في دعوتهم التقريبية؟ أكانت الوحدة بالنسبة إليهم هماً وأولوية؟ أم كانت مجرد مجاملات ولقاءات سنويّة وموسميّة يجتمعون فيها ويتغنون بالوحدة وينظمون فيها الأشعار، ثم إذا عادوا إلى قواعدهم الشعبيّة المتشنجة عصبياً لاذوا بالصمت ؟

 

أمّا انكماش الخط الوحدوي لدى السنة والشيعة في الآونة الأخيرة فهو نتيجة طبيعية للعوامل والأسباب التالية:
أولاً: فقدان الحماسة والجدية وتراجع العمل - بإخلاص وصدق - لوحدة الأمة والتقريب بين أبنائها. 
ثانياً: عدم وجود نماذج وحدوية رائدة تعمل للوحدة بصدق وجديّة وتعتبر أنّ الوحدة الإسلامية دين تدين الله به، كما كان عليه الحال في فترات سابقة.
ثالثاً: انقلاب بعض الوجوه التي كانت تحسب على الخط الوحدوي وتراجعها عن هذا الخط وندمها على مسيرتها السابقة لأسباب غير مقنعة .
رابعاً: الأوضاع الراهنة في المنطقة العربية والمتفجرّة على خلفية مذهبية ( العراق وسوريا ولبنان) بما يزيد شحن النفوس وتأجيج العصبيات.
بالإضافة إلى عوامل أخرى تساهم في الانكماش المذكور

 

لكن وبالرغم من سوداوية المشهد من حولنا وكثرة الصعاب التي نواجه، فإنّ ذلك لا ينبغي أن يفتّ من عزمنا وأن يؤثر على إرادتنا في ضرورة متابعة المسيرة الوحدوية والعمل الجاد على إقناع المسلمين بأهمية التلاقي والتواصل وبمخاطر الفرقة والتناحر، وإذا كنا مقتنعين بضرورة هذا النهج التقريبي فمن الطبيعي أن نواجه الصعاب والتحديات ونتحمل المشقات، لأنه خط غير مفروش بالورود، بل هو محفوف بالمخاطر. ولا ينبغي أن يشك عاقل بأن تمتين أواصر الوحدة بين المسلمين هو سبيل النجاة لهم للتحرر من الهيمنة والاستلاب والتبعية وأنها المدخل الضروري ليكونوا - كما أرادهم الله تعالى - الأمة الرائدة والشاهدة على الأمم ،..

 

3- بصفتكم مديراً لدائرة الحوزات العلمية بمؤسسة العلامة المرجع السيد فضل الله رض، كيف ترون واقع ومستقبل الحوزات العلمية في ظل التطور الكمي والنوعي في المجال التواصلي وتداول المعلومات، فهل تستجيب الحوزات الدينية لحركيّة التحولات المتسارعة حولنا؟
أعتقد أنّ الحوزة العلميّة معنيّة بالانفتاح الجاد على كل أشكال التطور العلمي بما يخدم رسالتها الدينيّة والأخلاقية، كما هي معنيّة بأن تواكب كل مستجد على المستوى الفكري والسياسي والاجتماعي والقانوني.. شريطة أن تكون مواكبتها مواكبةً واعية ناقدة، لأنّك ما لم تعِ العصر وتلم بأزماته فإنّك لن تستطيع المساهمة في صناعة المستقبل أو تسهم في إيجاد حلول لمشكلاته، وكما ورد في الحديث عن بعض أئمة أهل البيت (ع): "العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس".

 

ومن هنا فإنّ من البديهي أن تنفتح الحوزات والمعاهد العلميّة على الإفادة من الوسائل التقنية الجديدة وأن تحسن توظيفها في إيصال رسالتها إلى العالم، والأهم من ذلك أن نحسن كيفية التعامل مع عقل الإنسان في زماننا، هذا العقل الذي استطاع أن يصل إلى هذا المستوى من التقدم العلمي والقدرة على الإبداع المستمر، فهكذا عقل هو حصيلة تراكم معرفي وخبرات علمية متلاحقة، وهو يحتاج إلى خطاب ديني قادر على اقناعه واستيعابه، وليس قمعه وإسكاته ومنعه من طرح الأسئلة الإشكالية.
وفيما أرى فإنّ الحوزة العلمية اليوم - في الكثير من مواقعها - قد خطت خطوات جادة على صعيد تطوير البرامج وتنظيم التخصصات العلمية، مستعينة بكل التقنيات المعاصرة، وهي دون شك تحتاج إلى المزيد من السعي في سبيل دخول العصر من أوسع أبوابه وتقديم الحلول الشرعيّة لكل مشكلاته..

 

4- تطرقتم في كتاب لكم لمسألة دخول غير المسلمين مساجد المسلمين، فهل يمكنكم بشكل موجزعرض نتيجة ذلكم البحث ليطلع عليه من لم يقرأ كتابكم، خاصة وإننا في بالمغرب نعيش هذا الابتلاء في إطار السياحة ورغبة غير المسلمين الاطلاع على المعمار الإسلامي داخل المساجد والزوايا والأضرحة.

 

في الحقيقة إنّ الاعتبار السياحي لم يكن بعيداً عن التفكير عندما بحثت المسألة المذكورة حول حكم دخول غير المسلمين إلى المساجد والمشاهد المشرفة، وذلك أني لاحظت أثناء دراستي العلمية في مدينة قم في إيران أنّ الكثير من السياح الغربيين كانوا يمنعون من قبل بعض خدمة تلك المقامات من دخول بعض المشاهد المشرفة هناك وبطريقة غير لائقة أحياناً، ومن دون أن يفهم السائح سرّ هذا المنع، الأمر الذي دفعني لدراسة هذه المسألة وملاحظة أدلتها، وقد أوصلتني الدراسة الفقهية الاستدلالية إلى أنّه ليس ثمة دليل يعتد به على منع غير المسلمين من الدخول إلى المساجد والمشاهد المشرفة، شريطة أن يكون دخولاً غير استفزازي ولا مترافقاً مع ما يعبّر عن عدم احترام هذه الأماكن.
بل إنّي لاحظت وجود العديد من الشواهد التاريخية والحديثية على دخول غير المسلمين إلى المساجد في عصر النبي الأكرم (ص) وما تلاه وذلك في محضر رسول الله (ص) أو الأئمة من أهل بيته(ع) أو صحابته دون أن نجد نكيراً على ذلك.

 

ومن أبرز الأمثلة على ذلك دخول نصارى نجران في أواخر البعثة النبويّة إلى المسجد النبوي في المدينة، وجاء في بعض الروايات أنّهم صلّوا في المسجد النبوي وضربوا نواقسيهم، ولمّا اعترض بعض الصحابة على ذلك قائلين: أفي مسجدك هذا يا رسول الله؟ قال: دعوهم.. والملاحظ في هذه الرواية أنّ الصحابة لم يستفزهم دخول النصارى إلى المسجد، وإنّما اعترضوا على صلاتهم وضربهم بنواقيسهم في داخله، ومع ذلك قال لهم النبي (ص): دعوهم، إلى غير ذلك من الشواهد التاريخية التي تثبت أنّ النصارى أو غيرهم من أهل الكتاب بل والمشركين أيضاً كانوا يدخلون المساجد الإسلامية على مرأى ومسمع من أئمة أهل البيت (ع) وكبار الصحابة دون أن نجد نكيراً على ذلك.

 

5- كيف تنظرون إلى صورة الإسلام والمسلمين في الغرب؟ وما هو المطلوب اليوم لتحسين تلك الصورة النمطية ودفع الشبهات حول الفكر الإسلامي لدى الغربيين؟
إنّ الصورة العامة التي تحملها غالبية الشعوب الغربية عن الإسلام والمسلمين ليست على ما يرام، بل هي صورة مشوبة بالكثير من التشوّه بما يبعث على الخوف من المسلمين إلى حد الرهاب، والسبب في ذلك لا ينحصر بالعمل الحثيث الذي تقوم به بعض الدوائر المعادية للإسلام في الغرب على شيطنة الإسلام وتشويه صورة المسلم، بل إنّ المسلمين أنفسهم يتحملون قدراً كبيراً من المسؤولية على هذا الصعيد، لأنّهم- في الأغلب- لم يقدموا بسلوكهم وطروحاتهم صورة مشرقة، ولا قدموا نماذج إسلامية تحتذى، بل حملوا تخلفهم من أوطانهم الأصلية إلى مهاجرهم والبلدان التي استضافتهم، وهكذا غدت صورة الإسلام لدى الإنسان الغربي مستمدة من سلوكيات بعض المسلمين المهاجرين الذين يتجاوزون القوانين أو يعتدون على أملاك الناس، هذا ناهيك عن أنّ البلدان الإسلامية والعربيّة لم تقدّم صوراً مشرقة في ملفات الحريات وحقوق الإنسان وتداول السلطة، الأمر الذي أعطي انطباعاً للكثير من الغربيين بأنّ سرّ هذا التخلف الذي يعاني منه العرب والمسلمون هو الإسلام نفسه، ولا ينبغي أن نغفل عن الدور السلبي الذي تركه تنامي الخط التكفيري في الآونة الأخيرة في البلدان الإسلامية والذي وصلت ارتدادته إلى بلاد الغرب فإنّ ذلك كله قد زاد في الطين بلّة وراكم الهواجس الغربية من المسلمين وزاد صورة الإسلام تشوهاً..

 

ولا شك أنّ مسؤلية المسلمين اليوم في إعادة الاعتبار إلى صورة الإنسان المسلم وصورة الإسلام نفسه هي مسؤلية كبيرة ولا تتحملها جماعة دون أخرى، وهي تحتاج إلى عمل مؤسسي طويل النفس يمتلك من الامكانات الثقافية والمادية، ما يمكّنه من تقديم صورة ناصعة عن هذا الدين سواء إلى أتباعه الذين تسرّب الشكّ إلى نفوس بعضهم في قدرة هذه الأمة على النهوض أو إلى نفوس الآخرين من غير المسلمين، وفي هذا المجال يكون لزاماً علينا الأخذ بكافة الأساليب المعاصرة في مجال التمثيل والإعلام والكتابة وكافة التقنيات المعاصرة في سبيل الوصول إلى عقل الإنسان الغربي ومخاطبته بالطريقة التي يفهمها.

 

6- هناك نقاش دار ولا يزال بالمغرب حول موضوع (قتل المرتد)، ونحن نعلم أنّه لا يوجد أي نص قرآني على عقوبة المرتد فضلاً عن وجود ما يزيد عن مائتي آية تتحدث عن مبدأ (لا إكراه في الدين)، فكيف يمكن تفسير هذا التناقض الظاهري بين حكم قتل المرتد ومبدأ لا إكراه في الدين؟

 

في الإجابة على سؤالكم أكتفي بالإشارة إلى أمرين:
أولاً: باعتقادي أنّ الفتوى الفقهية بقتل المرتد ليست من المسلمات أو الضرورات الفقهية التي هي فوق النقاش، بل هي حصيلة فكر اجتهادي يخضع للنظر الاجتهادي في العديد من الجوانب، من قبيل: أنّ الحكم بقتل المرتد هل هو تدبير أم تشريع؟ وهل هو حدّ أم تعزير؟ ومن قبيل: أنّ الردّة التي كان يحكم فيها بالقتل هل هي الردة عن الإسلام كتعبير عن عدم القناعة الفكرية ببعض العقائد الإسلامية أو هي الردة على النظام الإسلامي العام التي يتحول المرتد معها إلى منشق عن جسم الأمة ويعمل على تقويض النظام العام؟ إلى غير ذلك من النقاط التي هي مثار بحث ونقاش.

 

ثانياً: إنّ آية: {لا إكراه في الدين} هي دليل يمكن الركون إليه في إثارة الشك في وجه الفتوى المشهورة القاضية بقتل المرتد، باعتبار أنّ تهديد المرء بالقتل إن هو تبنى قناعة فكرية معينة لا تنسجم مع العقيدة الإسلامية .. إنّ ذلك هو من مصاديق الإكراه في الدين.
وهذا الأمر قد بحثناه بشكل تفصيلي في كتاب مستقل حول الردة والحرية الدينية وسوف يصدر قريباً انشاء الله.
7- هناك مطالبات من منظمات حقوقية عديدة تتجه نحو إلغاء حكم الإعدام، وهو ما دفع الإسلاميين إلى رفض تلك الدعوة، فهل حكم الإعدام في الشريعة الإسلامية مما لا يمكن تغييره والاستعاضة عنه بغيره من العقوبات الزجرية الأخرى؟
أعتقد أنّه ليس خافياً على أحد أنّ القوانين والتشريعات التي اعتمدت عقوبة الإعدام لم تنطلق من دوافع مزاجية أو غرائزية أو من حالة غرائزية تريد الانتقام من المجرم الذي ينفذ فيه حكم الإعدام، وإنّما انطلقت من اعتبارات عقلائية خضعت لتجارب طويلة، ويأتي على رأس هذه الإعتبارات: مبدأ حماية الحياة الإنسانية التي ينتهكها المجرم، على اعتبار أن قانون الإعدام يساهم في نظر هؤلاء في إيجاد قوة ردع في النفوس تمنع من تكرار الجريمة أو الاستهانة بأرواح الناس.
والسؤال: هل أنّ الدعوات المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام تنطلق من دراسة موضوعية استقرائية وافية تثبت بالأرقام أنّ إلغاء عقوبة الإعدام سوف يحاصر الجريمة ويخفف منها، أو أنّ الوقائع تشير إلى تفاقم نسبة الجريمة في الدول التي ألغت العقوبة المذكورة ؟ 
الحقيقة أننا لم نجد إلى الآن مثل هذه الدراسات التي تثبت بالأرقام والتجارب الوافية ما يقنع بإمكانية اعتماد عقوبات رادعة بديلة عن عقوبة الإعدام، ولهذا وجدنا أنّ الكثير من الأصوات القانونية وغيرها وفي الدول التي ألغت قانون الإعدام أخذت تنادي بإعادة تفعيل القانون المذكور، عندما لاحظت أنّ الجريمة آخذة في التزايد منذ إلغاء عقوبة الإعدام .

 

وعلى المستوى الفقهي، فإنّنا نعلم أنّ التشريع الإسلامي إنّما استهدف في إقراره لعقوبة الإعدام أو غيرها من العقوبات حماية الأمن الاجتماعي وحفظ الحياة الإنسانية، وهذا ما عبّرت عنه الآية المباركة خير تعبير، أعني قوله الله تعالى: {ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب}، ولكننا مع ذلك لسنا نرفض مبدأ دراسة تفاصيل قانون العقوبات ومدى خضوع النصوص الواردة في ذلك لعنصري الزمان والمكان، أو إمكانية الاستعاضة عنها ببعض العقوبات الزجرية الأخرى، بما في ذلك الضرائب المالية، ولكن دراسة كهذه لا ينبغي أن تنطلق من حالة محاكاة أو
خضوع للآخر أو انسياق وراء الدعوات البراقة التي تفتقر إلى منهج واضح يأخذ بعين الاعتبار كافة العناصر التي يفترض مراعاتها في تكوين موقف نهائي من قضية حساسة بحجم قانون العقوبات .

 

 

http://www.ressali.com/news/242?language=arabic






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon