حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » من المقصود في الزيارة: السلام على عليّ بن الحسين.. هل هو زين العابدين (ع) أم الأكبر أم الرضيع؟
ج »

الظّاهر - بحسب السّياق - أنّ المُراد به هو عليّ الأكبر الشّهيد لدوره الكبير وحضوره في المعركة، ولعظيم مُصيبته على الإمام الحسين (ع)، أمّا الطفل الّرضيع فيكون ُمندرجاً في فقرة أخرى وهو قوله في الزّيارة - وعلى أولاد الحسين -  والتي تشمل سائر أولاده بمن فيهم الإمام زين العابدين (ع) والبنات أيضاً .

 


 
س » يوجد لديّ إشكالات كثيرة على الاستدلال بحديث الثقلين على العصمة، فهو يشمل إجماع العترة وليس آحادهم، ويشمل العباس عم النبي (ص)، فهل هؤلاء معصومون؟؟
ج »

أولاً: إنّ حديث الثقلين لا شكّ فيه من حيث السّند وهو مُستفيض حتى في روايات السّنة ناهيك عن روايات الشيعة ، وأّما من حيث الدّلالة فإنّه وبصرف النّظر عن كون القرآن الكريم أفضل من العترة أم عدم كونه كذلك ، فلا ريب في دلالة الحديث على أن التمسّك بالعترة يُشكّل صمّام أمان للأمّة يمنعهم ويعصمهم من الضّلال - ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا - ، ولا شكّ في دلالته أيضاً على أن العترة لا يفترقون عن القرآن الكريم ، ولا يُتصور أن يصدر عنهم ما يُخالف القرآن وهذا ما يدل عنه قوله في الحديث - لن يفترقا - .


- ثانياً : إنّ ما ذكرتموه بأنّ المراد بالحديث هو إجماع العترة هو كلام ضعيف ولا وجه له لأنّه إن أريد بالعترة ما هو أوسع من الأئمة من أهل البيت (ع) ليشمل العباس وذريته أو غيره، فمن المعلوم أنّ هؤلاء أعني العباسيين لا ميزة لهم عن سائر الصّحابة والنّاس فهم يُخطئون كغيرهم ويُمكن أن ينحرفوا كما انحرف غيرهم، وبالتالي فلا يُعقل أن يكون لرأيهم أو إجماعهم أيّ قيمة أو أن يُشكّل إجماعهم أو قولهم عاصماً للأمّة  عن الضّلال ، ما يعني أن نظر الحديث فقط إلى خصوص شريحة من العترة وهم الذين لا يُمكن أن يقعوا في الضّلال والانحراف، وهؤلاء لا فرق بين الواحد منهم أو الجميع ، فكما يكون قول الجميع حُجّة وعاصماً عن الضّلال ، كذلك قول الواحد، والقرينة على ذلك أنّه حين قال النبيّ (ص) هذا الكلام لم يكن من العترة التي يؤمَن وقوعها في الضّلال إلا عليّ (ع)، أما الحسن والحسين (ع) فكانا طفلين صغيرين، فهل كان الحديث لا قيمة له آنذاك لأنّه بعد لم يتحقّق إجماع العترة؟ من الواضح أن هذا بعيد جداً لأنّ كلامه (ص) ساري المفعول من حين إطلاقه ولا يتوقف على مرور عقود من الزّمن حتى يتشكّل إجماع العترة.


 
 
  مقالات >> عقائدية
قصة المعمر المغربي "أبو الدنيا" بين الحقيقة والخيال
الشيخ حسين الخشن



ثمة قصة مثيرة وفي منتهى الغرابة انتشرت في بداية القرن الرابع الهجري. وتدور فصولها حول شخصيّة رجلٍ أعجوبة بكل معنى الكلمة، فهو طبقاً لدعواه قد ولد في اليمن قبيل بعثة النبي (ص)، ومن ثمّ توجه وهو في عمر الشباب برفقة أبيه وعمّه قاصدين مكة المكرمة لحج بيت الله الحرام ومن ثمّ

زيارة المدينة المنورة للقيا النبي (ص). وفي الطريق إلى الحجاز يتيه القوم ويضيعون في الصحراء، وينفذ ماؤهم حتى كادوا أن يموتوا من العطش، إلى أن منّ الله عليهم، فاهتدى الشاب إلى عين ماء وجد عليها شخصين فقدّما الماء لأبيه وعمه فلم يشربا فقدّماه للشاب فتناول الماء، وعندها أخبره الرجلان

بهويتهما وأنهما الخضر وإلياس، وأنّ العين التي سقياه منها هي عين الحياة ومن شرب منها فسوف يرزقه الله العمر المديد! وأخبراه أنه سيظل حياً إلى حين ظهور الإمام المهدي (ع) كما أخبراه ببعض تفاصيل الرحلة، ومن أهمها أنّه لن يدرك رسول الله (ص) على قيد الحياة وأن عمّه سيموت في

الطريق. وبعدها يواصل الشاب المسيرة ويصل المدينة المنورة لكن بعد وفاة النبي (ص)، فيلتقي بأصحابه، ويتعلّق قلبه بالإمام علي (ع)، وهكذا فيلتحق به ويحضر معه بعض معاركه. وقد أصابته في إحدى المعارك شجّة في جبهته! ثمّ ومع استشهاد علي (ع) يلتحق بالإمام الحسن (ع) ثم بأخيه

الحسين (ع)، ويحضر معه معركة كربلاء، وينجو منها، ثمّ بعدها يحصل تحوّل في حياته، حيث يفر من بني أمية باتجاه المغرب العربي، فيستوطن مدينة طنجة أو مدينة أخرى من مدن المغرب، ويعيش فيها مع ذراريه وأحفاده وأحفاد أحفاده.

 

 والقصة (المعمر المغربي) ليست مجرد مادة للترف الفكري، بل هي – بناء على صحتها - قضية حساسة وتتصل بواحدة من أهم عقائد الشيعة الإمامية، أعني بها عقيدة المهدوية، لا لجهة أن المعمر سيعيش إلى حين ظهور المهدي (عج) ليكون واحدًا من أصاره وجنوده فحسب، بل لأن عمره الطويل

يُعدُ شاهدًا على إمكانية العمر الطويل للإمام المهدي (عج)، ومن هنا يكتسب بحثها ودرسها أهمية خاصة واستثنائية. ونحن سوف نحاول دراسة هذه القصة من خلال الوقفات التالية:

 

1-   آثار القصة وانعكاساتها على المعارف الإسلامية.

2-   القصة في المصادر الشيعيّة.

3-   القصة في مصادر السنة.

4-   معمر واحد أم معمران مغربيان؟

5-   هل المعمر المغربي شخصية حقيقية أم وهمية؟

6-   على فرض كونه شخصية حقيقية فهل يمكن تصديق الرجل والوثوق بقصته؟

7-   تناقضات القصة وتضارب رواياتها!

8-   ظهور جديد للمعمر المغربي بعد غيبة طويلة!

9-   هل مات المعمر أم لا يزال حياً؟

10-              استيلاد معمر آخر هو المعمر المشرقي!

11-              نتائج وخلاصات

 

الوقفة الأولى: آثار القصة وانعكاساتها على المعارف الإسلامية

 

إنّ هذه القصة ليست قصة عابرة، بل إنّها ذات أهمية لمَ لها من تأثيرات امتدت إلى العديد من المعارف الإسلامية، وهذه هي إحدى الأسباب التي تدفع إلى دراسة هذه القصة وتحري صدقيتها. والمعارف التي لها صلة بهذه القصة هي:

1-   علم العقيدة، فإنّ هذه القصة صارت تذكر في عداد القرائن على إمكانية ومعقولية طول عمر الإنسان، رداً على استبعاد ذلك في حق الإمام المهدي (ع)[1]. كما أنّ القصة فيها العديد من خوارق العادات والعجائب من قبيل طول العمر وما يحصل في عنفقة (العنفقة: الجزء الأسفل من الشفة)

المعمر من تبدل مستمر في لون شعرها، إلى غير ذلك مما ستعرفه عند سرد الروايات الآتية.

 

2-   علما الحديث والفقه، فإنّ بعض الأخبار المتضمنة لأحكام شرعية قد رويت بالإسناد إلى المعمر المغربي عن أمير المؤمنين (ع)، والأخبار المنقولة عنه تنتهي إلى أبي بكر المفيد الجرجرائي، الذي نقل عنه اثني عشر حديثاً[2]. وقيل ثلاثة عشر[3] وقيل خمسة عشر حديثاً[4]،

وقد نقل المحدث النوري هذه الأخبار في مستدرك الوسائل[5]. ونقل عنه أيضاً العلامة المجلسي في البحار[6] مستنداً إلى "مجالس الشيخ الطوسي"، مع أنّه لا وجود لهذه الأخبار في كتاب المجالس، ومن الطبيعي أن تغدو هذه الأخبار مستنداً لبعض الأحكام الشرعيّة.

 

3-   علما الرجال والدراية، فقد ذكر بعض العلماء هذا المعمر في عداد الرواة، وتفاخروا بأنهم يمتلكون من خلاله سنداً عالياً إلى رسول الله (ص)، مع أنه يفصلهم عنه (ص) قرون طويلة ومتمادية، وهو السند الذي يمر بأبي الدنيا المعمر المغربي[7]. كما أنّ قصته مليئة بأسماء الأشخاص الذين لهم دخل في رواياته.

 

4-   وأضف على ذلك أن القصة لها صلة وثيقة بالجانب التاريخي، وبالأخص فيما يتصل ببعض الأحداث التي حصلت في صدر الإسلام، فالمعمر المذكور ينقل أموراً حساسة إزاء ما جرى مع عثمان بن عفان وكيفية مقتله، وينقل لنا صفات الأشخاص وملامحهم[8]. وكان له حضور لافت في

معارك الإمام علي (ع) مع خصومه ومن ثم حضر مع الإمام الحسن (ع) وأخيراً شهد معركة كربلاء إلى جانب الإمام الحسين (ع).

 

5-   هذا ناهيك عن أنها تتصل بعلم الجغرافيا والبلدان، لأنها تنص على وجود مناطق معينة كمنطقة الظلمات أو المنطقة التي تضم عين الحياة، كما يرد فيها اسم مجموعة من البلدان، من قبيل طنجة ومزيدة المغربيتين، حسب الرواية، وكذلك اسم باهرت العليا، وغير ذلك من وصف لبعض تفاصيل

المدن وتنظيمها وبيان أزقتها ونمط الحياة فيها.

 

الوقفة الثانية: القصة في المصادر الشيعيّة

 

قصة المعمر المغربي هذه، مروية في عدة مصادر شيعية، ورواياتها أربعة، أما المصادر فهي:

 

1-   كتاب "كمال الدين وتمام النعمة" للشيخ الصدوق، وفي هذا المصدر رويت بطريقين، وبينهما بعض وجوه الاختلاف.

2-   كنز الفوائد، للعلامة الكراجكي ويرويها بسند آخر.

3-   المصدر الثالث هو بحار الأنوار للعلامة المجلسي وهو ينقلها عن مجالس الشيخ الطوسي، لكن لم نعثر عليها في المجالس المطبوع، وهي تختلف اختلافاً جوهرياً عما جاء في سائر المصادر.  

 

وفيما يلي ننقل القصة من مصادرها الثلاثة، ورواياتها الأربع:

 

الرواية الأولى:  روى الشيخ الصدوق قائلاً: وأخبرني أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبد الله ابن الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام فيما أجازه لي مما صح عندي من حديثه، وصحّ عندي هذا الحديث برواية الشريف أبي عبد الله محمد بن الحسن

بن إسحاق بن الحسين (الحسن) بن إسحاق بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي أبي طالب عليهم السلام أنه قال: حججت في سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة، وفيها حجّ نصر القشوري ( العشوري) صاحب المقتدر بالله، ومعه عبد الله بن حمدان المكنى بأبي الهيجاء. فدخلت مدينة الرسول

صلى الله عليه وآله في ذي القعدة، فأصبت قافلة المصريين وفيها أبو بكر محمد بن علي الماذراثي ( المادراني) ومعه رجل من أهل المغرب، وذكر أنّه رأى [رجلاً من] أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله فاجتمع عليه الناس وازدحموا وجعلوا يتمسحون به وكادوا يأتون على نفسه، فأمر عمي أبو

القاسم طاهر بن يحيى رضي الله عنه فتيانه وغلمانه، فقال: أفرجوا عنه الناس، ففعلوا وأخذوه فأدخلوه إلى دار ابن أبي سهل الطفي، وكان عمي نازلها، فأدخل وأذن للناس فدخلوا، وكان معه خمسة نفر [ و ] ذكروا أنهم أولاد أولاده، فيهم شيخ له نيف وثمانون سنة، فسألناه عنه، فقال: هذا ابن ابني، وآخر

له سبعون سنة فقال: هذا ابن ابني، واثنان لهما ستون سنة أو خمسون سنة أو نحوها وآخر له سبع عشرة سنة، فقال :هذا ابن ابن ابني ولم يكن معه فيهم أصغر منه، وكان إذا رأيته قلت: هذا ابن ثلاثين سنة أو أربعين سنة، أسود الرأس واللحية، شاب نحيف الجسم أدم، ربع من الرجال خفيف العارضين،

[هو] إلى القصر أقرب، قال أبو محمد العلوي: فحدثنا هذا الرجل واسمه علي بن عثمان بن الخطاب بن مرة بن مؤيد بجميع ما كتبناه عنه وسمعنا من لفظه، وما رأيناه من بياض عنفقته[9] بعد اسودادها ورجوع سوادها بعد بياضها عند شبعه من الطعام.

 

 

وقال أبو محمد العلوي رضي الله عنه: ولولا أنّه حدّث جماعة من أهل المدينة من الأشراف والحاج من أهل مدينة السلام وغيرهم من جميع الآفاق، ما حدثت عنه بما سمعت وسماعي منه بالمدينة وبمكة في دار السهميين في دار المعروفة بالمكبرية وهي دار علي بن عيسى بن الجراح، وسمعت منه

في مضرب القشوري ومضرب الماذرائي عند باب الصفا، وأراد القشوري أن يحمله وولده إلى مدينة السلام إلى المقتدر، فجاءه أهل مكة فقالوا: أيد الله الأستاذ إنا روينا في الأخبار المأثورة عن السلف أنّ المعمر المغربي إذا دخل مدينة السلام فنيت وخرجت وزال الملك فلا تحمله وردّه إلى المغرب.

فسألنا مشايخ أهل المغرب ومصر فقالوا: لم نزل نسمع به من آبائنا ومشايخنا يذكرون اسم هذا الرجل، واسم البلدة التي هو مقيم فيما طنجة، وذكروا أنّهم كان يحدثهم بأحاديث قد ذكرنا بعضها في كتابنا هذا. قال أبو محمد العلوي [رضي الله عنه]: فحدثنا هذا الشيخ أعني علي بن عثمان المغربي ببدء

خروجه من بلدة حضرموت، وذكر أن أباه خرج هو وعمه محمد، وخرجا به معهما يريدون الحج وزيارة النبي صلى الله عليه وآله فخرجوا من بلادهم من حضرموت وساروا أياماً، ثم أخطأوا الطريق وتاهوا في المحجة فأقاموا تائهين ثلاثة أيام وثلاث ليال على غير محجة، فبينا هم كذلك إذا وقعوا

على جبال رمل يقال لها: رمل عالج، متصل برمل إرم ذات العماد .قال: فبينما نحن كذلك إذا نظرنا إلى أثر قدم طويل فجعلنا نسير على أثرها، فأشرفنا على وادٍ وإذا برجلين قاعدين على بئر أو على عين، قال: فلما نظرا إلينا قام أحدهما فأخذ دلواً فأدلاه فاستقى فيه من تلك العين أو البئر، واستقبلنا وجاء

إلى أبي فناوله الدلو فقال أبي: قد أمسينا ننيخ على هذا الماء ونفطر إن شاء الله، فصار إلى عمي وقال له: اشرب فرد عليه كما رد عليه أبي، فناولني وقال لي: اشرب فشربت فقال لي: هنيئا لك إنك ستلقى علي بن أبي طالب عليه السلام فأخبره أيّها الغلام بخبرنا وقل له: الخضر وإلياس يقرئانك السلام،

وستعمر حتى تلقى المهدي وعيسى بن مريم عليهما السلام فإذا لقيتهما فأقرئهما منا السلام، ثم قالا: ما يكونان هذان منك؟ فقلت :أبي وعمي، فقالا: أما عمك فلا يبلغ مكة، وأما أنت وأبوك فستبلغان ويموت أبوك وتعمر أنت ولستم تلحقون النبي صلى الله عليه وآله لأنه قد قرب أجله .ثم مرا فوالله ما

أدري أين مرا في السماء أو في الأرض فنظرنا فإذا لا بئر ولا عين ولا ماء، فسرنا متعجبين من ذلك إلى أن رجعنا إلى نجران فاعتل عمي ومات بها، وأتممت أنا وأبي حجنا ووصلنا إلى المدينة فاعتل أبي ومات، وأوصى بي إلى علي بن أبي طالب عليه السلام، فأخذني وكنت معه أيام أبي بكر وعمر

وعثمان وأيام خلافته حتى قتله ابن ملجم لعنه الله .وذكر أنه لما حوصر عثمان بن عفان في داره دعاني، فدفع إلي كتاباً ونجيبا وأمرني بالخروج إلى علي بن أبي طالب عليه السلام، وكان غائبا بينبع في ضياعه وأمواله، فأخذت الكتاب وسرت حتى إذا كنت بموضع يقال له: جدار أبي عباية، فسمعت

قرآنا فإذا أنا بعلي بن أبي طالب عليه السلام يسير مقبلا من ينبع وهو يقول: {أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون} [المؤمنون، 15] فلما نظر إليّ قال: يا أبا الدنيا[10] ما وراءك؟ قلت: هذا كتاب أمير المؤمنين عثمان، فأخذه فقرأه فإذا فيه : فان كنت مأكولا فكن أنت آكلي * وإلا

فأدركني ولما أمزق، فإذا قرأه قال : بر سر[11]. فدخل إلى المدينة ساعة قتل عثمان بن عفان فمال عليه السلام إلى حديقة بني النجار، وعلم الناس بمكانه فجاؤوا إليه ركضا وقد كانوا عازمين على أن يبايعوا طلحة بن عبيد الله ، فلما نظروا إليه ارفضوا إليه ارفضاض الغنم يشد عليها السبع، فبايعه

طلحة ثم الزبير، ثم بايع المهاجرون والأنصار فأقمت معه أخدمه فحضرت معه الجمل وصفين، فكنت بين الصفين واقفا عن يمينه إذا سقط سوطه من يده، فأكببت آخذه وأدفعه إليه، وكان لجام دابته حديدا مزججا فرفع الفرس رأسه فشجني هذه الشجة التي في صدغي، فدعاني أمير المؤمنين عليه السلام

فتفل فيها وأخذ حفنة من تراب فتركه عليها، فوالله ما وجدت لها ألما ولا وجعاً! ثم أقمت معه عليه السلام وصحبت الحسن بن علي عليهما السلام حتى ضرب بساباط المدائن، ثم بقيت معه بالمدينة أخدمه وأخدم الحسين عليه السلام حتى مات الحسن عليه السلام مسموما، سمته جعدة بنت الأشعث بن

قيس الكندي لعنها الله دسا من معاوية .ثم خرجت مع الحسين بن علي عليهما السلام حتى حضرت كربلاء وقتل عليه السلام وخرجت هارباً من بني أمية، وأنا مقيم بالمغرب أنتظر خروج المهدي وعيسى بن مريم عليه السلام ."

 

قال أبو محمد العلوي رضي الله عنه: ومن عجيب ما رأيت من هذا الشيخ علي ابن عثمان وهو في دار عمي طاهر بن يحيى رضي الله عنه، وهو يحدث بهذه الأعاجيب وبدء خروجه فنظرت عنفقته قد احمرت ثم ابيضت فجعلت أنظر إلى ذلك لأنه لم يكن في لحيته ولا في رأسه ولا في عنفقته بياض ،

قال : فنظر إلى نظري إلى لحيته وإلى عنفقته وقال : أما ترون أن هذا يصيبني إذا جعت وإذا شبعت رجعت إلى سوادها ، فدعا عمي بطعام فأخرج من داره ثلاث موائد، فوضعت واحدة بين يدي الشيخ وكنت أنا أحد من جلس عليها فجلست معه، ووضعت المائدتان في وسط الدار وقال عمي للجماعة:

بحقي عليكم إلا أكلتم وتحرمتم بطعامنا ، فأكل قوم وامتنع قوم ، وجلس عمي عن يمين الشيخ يأكل ويلقي بين يديه فأكل أكْلَ شاب وعمي يحلف عليه وأنا أنظر إلى عنفقته تسود حتى عادت إلى سوادها وشبع"[12].

 

 

 الرواية الثانية: الصدوق أيضاً قال: "حدثنا أبو سعيد عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب بن نصر السجزي قال: حدثنا أبو بكر محمد بن الفتح الرقي وأبو الحسن علي بن الحسن بن الأشكي ختن أبي بكر قالا: لقينا بمكة رجلا من أهل المغرب فدخلنا عليه مع جماعة من أصحاب الحديث ممن كان حضر

الموسم في تلك السنة، وهي سنة تسع وثلاثمائة فرأينا رجلاً أسود الرأس واللحية كأنه شِنٌّ بالٍ، وحوله جماعة هم أولاده وأولاد أولاده ومشايخ من أهل بلده ، وذكروا أنّهم من أقصى بلاد المغرب بقرب باهرت العليا وشهدوا [ وشهد] هؤلاء المشايخ أنّا سمعنا آباءنا حكوا عن آبائهم وأجدادهم أنا عهدنا هذا

الشيخ المعروف بأبي الدنيا معمراً، واسمه علي بن عثمان بن خطاب بن مرة بن مؤيد، وذكروا أنه همداني ، وأنّ أصله من صنعاء اليمن، فقلنا له: أنت رأيت علي بن أبي طالب عليه السلام ؟ فقال بيده (أومأ) ففتح عينيه وقد كان وقع حاجباه عليهما ففتحهما كأنهما سراجان، فقال: رأيته بعيني هاتين

وكنت خادما له، وكنت معه في وقعة صفين، وهذه الشجة من دابة علي عليه السلام، وأرانا أثرها على حاجبه الأيمن، وشهد الجماعة الذين كانوا حوله من المشايخ ومن حفدته وأسباطه بطول العمر، وأنهم منذ ولدوا عهدوه على هذه الحالة. وكذا سمعنا من آبائنا وأجدادنا، ثم إنا فاتحناه وساءلناه عن قصته

وحاله وسبب طول عمره؟ فوجدناه ثابت العقل ، يفهم ما يقال له ويجيب عنه بلب وعقل ، فذكر أنه كان له والد قد نظر في كتب الأوائل وقرأها وقد كان وجد فيها ذكر نهر الحيوان وأنها تجري في الظلمات، وأنّه من شرب منها طال عمره ، فحمله الحرص على دخول الظلمات فتحمل وتزود حسب ما

قدر أنه يكتفي به في مسيره، وأخرجني معه وأخرج معنا خادمين باذلين وعدة جمال لبون ( عليها ) روايا وزاد وأنا يومئذ ابن ثلاثة عشر سنة، فسار بنا إلى أن وافينا طرف الظلمات ، ثم دخلنا الظلمات فسرنا فيها نحو ستة أيام ولياليها، وكنا نميز بين الليل والنهار بأنّ النهار كان يكون أضوء قليلاً وأقلّ

ظلمة من الليل، فنزلنا بين جبال وأودية ودكوات، وقد كان والدي رضي الله عنه يطوف في تلك البقعة في طلب النهر، لأنه وجد في الكتب التي قرأها أنّ مجرى نهر الحيوان في ذلك الموضع، فأقمنا في تلك البقعة أياماً حتى فني الماء الذي كان معنا واستقيناه جمالنا، ولولا أنّ جمالنا كانت لبونا لهلكنا

وتلفنا عطشاً، وكان والدي يطوف في تلك البقعة في طلب النهر ويأمرنا أن نوقد ناراً ليهتدي بضوئها إذا أراد الرجوع إلينا، فمكثنا في تلك البقعة نحو خمسة أيام ووالدي يطلب النهر فلا يجده وبعد الأياس عزم على الانصراف حذراً على [ من ] التلف لفناء الزاد والماء، والخدم الذين كانوا معنا ضجروا

فأوجسوا التلف على أنفسهم وألحوا على والدي بالخروج من الظلمات، فقمت يوماً من الرحل لحاجتي فتباعدت من الرحل قدر رمية سهم فعثرت بنهر ماء أبيض اللون، عذب لذيذ، لا بالصغير من الأنهار ولا بالكبير، ويجري جريانا لينا فدنوت منه وغرفت منه بيدي غرفتين أو ثلاثة فوجدته عذبا باردا

لذيذا ، فبادرت مسرعا إلى الرحل وبشرت الخدم بأني قد وجدت الماء ، فحملوا ما كان معنا من القرب والأدوات لنملأها ، ولم أعلم أن والدي في طلب ذلك النهر وكان سروري بوجود الماء ، لما كنا عدمنا الماء وفني ما كان معنا، وكان والدي في ذلك الوقت غائبا عن الرحل مشغولا بالطلب فجهدنا

وطفنا ساعة هوية [ سوية] على أن نجد النهر، فلم نهتد إليه حتى أنّ الخدم كذبوني وقالوا لي : لم تصدقْ! فلما انصرفت إلى الرحل وانصرف والدي أخبرته بالقصة، فقال لي: يا بني الذي أخرجني إلى هذا المكان وتحمل الخطر كان لذلك النهر ولم أرزق أنا وأنت رزقته وسوف يطول عمرك حتى تملّ

الحياة، ورحلنا منصرفين وعدنا إلى أوطاننا وبلدنا وعاش والدي بعد ذلك سنيات ثم توفي رضي الله عنه . فلما بلغ سني قريبا من ثلاثين سنة وكان ( قد ) اتصل بنا وفاة النبي صلى الله عليه وآله ووفاة الخليفتين بعده، خرجت حاجاً فلحقت آخر أيام عثمان فمال قلبي من بين جماعة أصحاب النبي صلى الله

عليه وآله إلى علي بن أبي طالب عليه السلام فأقمت معه ، أخدمه وشهدت معه وقايع، وفي وقعة صفين أصابتني هذه الشجة من دابته ، فما زلت مقيما معه إلى أن مضى لسبيله عليه السلام ، فألح علي أولاده وحرمه أن أقيم عندهم فلم أقم وانصرفت إلى بلدي. وخرجت أيام بني مروان حاجاً وانصرفت

مع أهل بلدي إلى هذه الغاية، ما خرجت في سفر إلا ما كان [ إلى ] الملوك في بلاد المغرب يبلغهم خبري وطول عمري فيشخصوني إلى حضرتهم ليروني ويسألوني عن سبب طول عمري وعما شاهدت، وكنت أتمنى وأشتهي أن أحج حجة أخرى فحملني هؤلاء حفدتي وأسباطي الذين ترونهم حولي.

وذكر أنه قد سقطت أسنانه مرتين أو ثلاثة ، فسألناه أن يحدثنا بما سمعه من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فذكر أنه لم يكن له حرص ولا همة في العلم في وقت صحبته لعلي بن أبي طالب عليه السلام ، والصحابة أيضا كانوا متوافرين فمن فرط ميلي إلى علي بن أبي طالب عليه السلام

ومحبتي له لم أشتغل بشيء سوى خدمته وصحبته ، والذي كنت أتذكره مما كنت سمعته منه قد سمعه مني عالم كثير من الناس ببلاد المغرب ومصر والحجاز ، وقد انقرضوا وتفانوا وهؤلاء أهل بيتي وحفدتي قد دونوه فأخرجوا إلينا النسخة ، فأخذ يملي علينا من حفظه"[13].

 

 

الرواية الثالثة: ما رواه الكراجكي (ت 449 هـ) قال: حدثني الشريف أبو الحسن طاهر بن موسى بن جعفر الحسني بمصر في شوال سنة سبع وأربعمائة قال أخبرنا الشريف أبو القاسم ميمون ابن حمزة الحسني قال: رأيت المعمر المغربي وقد أتي به إلى الشريف أبي عبد الله محمد بن إسماعيل سنة

عشر وثلاثمائة وأدخل إلى داره ومن معه، وهم خمسة رجال وأغلقت الدار وازدحم الناس وحرصت في الوصول إلى الباب فما قدرت لكثرة الزحام، فرأيت بعض غلمان الشريف أبي عبد الله محمد بن إسماعيل وهما قنبر وفرح، فعرّفتهما أني أشتهي أنظره فقالا لي در إلى باب الحمام بحيث لا يدري

بك، فصرت إليه ففتحا لي سرا ودخلت وأغلق الباب وحصلت في مسلخ الحمام، وإذا قد فرش له ليدخل الحمام فجلست يسيرا فإذا به قد دخل رجل نحيف الجسم ربع من الرجال خفيف العارضين آدم اللون إلى القصر أقرب ما هو أسود الشعر، يقدر الانسان أن له نحواً من أربعين سنة وفي صدغه أثر كأنه

ضربة فلما تمكّن من الجلوس والنفر معه وأراد خلع ثيابه قلت: ما هذه الضربة؟ قال: أردت أن أناول مولاي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام السوط يوم النهروان، فنفض الفرس رأسه فضربني اللجام وكان مدجاً (مستكحماً) فشجني! فقلت له: أدخلت هذه البلدة قديماً؟ قال: نعم، وكان موضع

جامعكم الفلاني مبقلة وفيها قبر. فقلت: هؤلاء أصحابك؟ فقال: ولدي وولد ولدي، ثم دخل الحمام فجلست حتى خرج ولبس ثيابه فرأيت عنفقته قد ابيضت فقلت له: كان بها صباغ؟ قال: لا ولكن إذا جعت ابيضت وشبعت إذا اسودت، فقلت: قمْ ادخلْ الدار حتى تأكل فدخل الباب"، ثم نقل الكراجكي رواية

الصدوق الأولى[14]. ثم قال: " قال أبو بكر المعروف بالمفيد: رأيت أثر الشجّة في وجهه، وقال: أخبرت أمير المؤمنين عليه السلام بحديثي وقصّتي في سفري وموت أبي وعمّي والعين التي شربت منها وحدي، فقال: هذه عين لم يشرب منها أحد الّا عمّر عمراً طويلا، فأبشر فانّك تعمّر ما كنت

لتجدها بعد شربك منها "[15].

 

 

الرواية الرابعة: في البحار عن "مجالس الشيخ" عن المفيد ، عن إبراهيم بن الحسن بن جمهور قال: حدثني أبو بكر المفيد الجرجرائي في شهر رمضان سنة ست وسبعين وثلاثمائة قال: اجتمعت مع أبي عمرو عثمان بن الخطاب بن عبد الله بن العوام بمصر في سنة ست عشرة وثلاث مائة وقد ازدحم

الناس عليه حتى رقي به إلى سطح دار كبيرة كان فيها، ومضيت إلى مكة ولم أزل أتبعه إلى مكة إلى أن كتبت عنه خمسة عشر حديثا. و ذكر أنه ولد في خلافة أبي بكر عتيق بن أبي قحافة، وأنه لما كان في زمن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام خرجت ووالدي معي أريد لقاءه فلما صرنا

قريباً من الكوفة أو الأرض التي كان بها، عطشنا عطشا شديدا في طريقنا وأشرفنا على التلف وكان والدي شيخا كبيرا فقلت له: اجلس حتى أدور الصحراء أو البرية فلعلي أقدر على ماء أو من يدلني عليه أو ماء مطر. فقصدت أطلب ذلك فلم ألبث عنه غير بعيد إذ لاح لي ماء، فصرت إليه فإذا أنا ببئر

شبه الركية أو الوادي، فنزعت ثيابي واغتسلت من ذلك الماء وشربت حتى رويت وقلت: أمضي وأجئ بأبي فإنه قريب مني فجئت إليه فقلت: قم فقد فرج الله عز وجل عنا وهذه عين ماء قريب منا، فقام فلم نر شيئا ولم نقف على الماء وجلس وجلست معه ولم يضطرب إلى أن مات واجتهدت إلى أن

واريته، وجئت إلى مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه ولقيته وهو خارج إلى صفين وقد أخرجت له البغلة فجئت وأمسكت له الركاب، فالتفت إلي فانكببت اقبل الركاب فشجني في وجهي شجة. قال أبو بكر المفيد: ورأيت الشجة في وجهه واضحة. ثم سألني عن خبري فأخبرته بقصتي وقصة والدي

وقصة العين فقال: عين لم يشرب منها أحد إلا وعمر عمرا طويلا فأبشر فإنك تعمر وما كنت لتجدها بعد شربك منها وسماني بالمعتمر. قال أبو بكر المفيد: فحدثنا عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام بالأحاديث وجمعتها ولم تجتمع لغيري منه وكان معه جماعة مشايخ من بلده وهي طنجة. فسألتهم

عنه فذكروا أنهم من بلده وأنهم يعرفونه بطول العمر وآباؤهم وأجدادهم بمثل ذلك واجتماعه مع مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وأنه توفي في سنة سبع عشرة وثلاث مائة"[16].

 

الوقفة الثالثة: القصة في مصادر السنة

 

وقصة الرجل ذكرتها المصادر السنيّة، وبينما صدّقَ بعضهم المعمر وقصته فقد كذبه آخرون، يقول العسقلاني في ترجمته للمعمر المذكور: [17]" طير طرأ على بغداد وحدّث بقلة حياء بعد الثلاثمائة عن علي بن أبي طالب، فافتضح بذلك وكذبه النقادون". ويضيف أن "القصة المذكورة وقعت لنا

من رواية أبي نعيم الأصبهاني وغيره"[18]، و"ذكره ابن عتاب في فهرسته"[19].

 

وحيث نقلنا روايات القصّة من مصادر الشيعة فلا بأس أن ننقل روايتها من بعض مصادر السنة، قال الخطيب البغدادي: " أخبرنا العبد الصالح أبو بكر أحمد بن موسى بن عبد الله الروشنائي، أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب المفيد قال: سمعت أبا عمرو عثمان بن الخطاب بن عبد الله البلوي -

من مدينة بالمغرب - يقال لها رندة - وهو المعمر ويعرف بأبي الدنيا - يقول : ولدت في أول خلافة أبي بكر الصديق ، فلما كان في زمن علي ابن أبي طالب خرجت أنا وأبي نريد لقاءه ، فلما صرنا قريبا من الكوفة - أو من الأرض التي هو فيها - لحقنا عطش شديد في طريقنا أشفينا منه على الهلكة ،

وكان أبي شيخا كبيراً ، فقلت له اجلس حتى أدور أنا الصحراء والبرية. لعلّي أقدر على ماء أو من يدلني على ماء، أو ماء المطر. فجلس ومضيت أطلب، فلما كنت منه غير بعيد لاح لي ماء فصرت إليه، فإذا أنا بعين ماء وبين يديها شبيه بالبركة أو الوادي من مائها، فنزعت ثيابي واغتسلت من ذلك

الماء وشربت حتى رويت، ثم قلت: أمضي فأجيء بأبي فهو غير بعيد، فجئت إليه فقلت له: قمْ فقد فرج الله، وهذا عين ماء قريب منا، فقام ومضينا نحو العين الماء فلم نر شيئاً، فدرنا نطلب فلم نقدر على شيء، حتى أجهد أبي جهداً شديداً فلم يقدر على النهوض لشدة ما لحقه، فجلست معه فلم يزل

يضطرب حتى مات، فاحتلت حتى واريته. ثم جئت حتى لقيت أمير المؤمنين عليا وهو خارج إلى صفين، وقد أسرجت له بغلة. فجئت فمسكت بالركاب ليركب، وانكببت أقبل فخذه، فنفحني بالركاب فشجني في وجهي شجة. قال المفيد: ورأيت الشجة في وجهه واضحة. قال: ثم سألني عن خبري

فأخبرته بقصتي وقصة أبي وقصة العين. فقال: هذه عين لم يشرب منها أحد إلا عمر عمرا طويلا، فابشر فإنك معمر، ما كنتَ لتجدها بعد شربك منها. قال المفيد: ثم سألناه فحدثنا عن علي بن أبي طالب بأحاديث، ثم لم أزل أتتبعه في الأوقات وألح عليه حتى يملي عليّ حديثا بعد حديث، ثم أعود حتى

جمعت عنه خمسة عشر حديثا لم تجتمع عنه لغيري، لتتبعي له وإلحاحي عليه، وكان معه شيوخ من بلده فسألتهم عنه فقالوا: هو مشهور عندنا بطول العمر. حدثنا بذلك آباؤنا عن آبائهم عن أجدادهم. وأنّ قوله في لقياه علي بن أبي طالب معلوم عندهم أنه كذلك "[20].

 

 

الوقفة الرابعة: معمر واحد أم معمران مغربيان؟

 

قد يتوهم أنّ الروايات المتقدمة تتحدث عن وجود معمرين وليس معمر واحد، وهما:

 

 الأول: هو علي بن عثمان بن خطاب بن مرة، وهذا وارد اسمه في روايتي "كمال الدين" للصدوق وفي رواية "كنز الفوائد" للكراجكي، فقد نقل عن الصيرفي قال: "حدثنا علي بن عثمان بن الخطاب بن عوام البلوي من مدينة بالمغرب يقال لها مزيدة.

الثاني: هو عثمان بن الخطاب بن عبد الله العوام كما ورد اسمه في رواية البحار، وبما يشهد للتعدد وجود تغاير أو اختلاف ليس بين الاسمين فحسب بل وبين القصتين، والتغاير هو ما رجحه السيد عبد الله الجزائري سبط السيد نعمة الله الجزائري[21].

 

ولكن الظاهر اتحاد القصة والرجل، وهذا ما أصرّ عليه المحدّث النوري، فقال: "ولكن الحق اتحادهما ما تغاير الاسم فقد علمت أنّ الكراجكي نقل عن نفس هذا المفيد الجرجرائي أنّ اسمه ( علي بن عثمان بن خطاب )، وعليه فيعرف أنّه سقط من مجالس الشيخ أوّل نسب علي ، والاختلاف في بعض

الأجداد في مثل هذه الحكايات كثير. وإذا كان اختلاف القصّة سبباً لتعدّدها وذلك لأنهم كانوا أربعة أشخاص، فإنّ اتحادهما بالاسم والأب والبلد وشرب ماء الحياة، وشجّ رأسه من دابة أمير المؤمنين عليه السلام في معركة صفين أو النهروان، وقرب عصر ملاقاته، وموت أبيه في الطريق وغير ذلك،

فإنّها لا يمكنها أن تعطي احتمال تعدّدهما"[22]. وما ذكره المحدث النوري في بيان اتحاد الشخصيّة متين وقوي، وهذا ما تؤكده المصادر السنية، فالعسقلاني في لسان الميزان يؤكد أنّ اسمه عثمان بن خطاب، وينقل أنّ الناس يلقبونه أبا الحسن ويسمونه علي بن عثمان[23].

 

الوقفة الخامسة: هل المعمر المغربي شخصية حقيقية أم وهمية؟

 

 إنّ الروايات التي تنقل قصته هي في جملتها موضع شك في أسانيدها، فبالنظر إلى الروايات الشيعية يلاحظ أنّ سند الرواية الأولى، ضعيف من جهة الراوي الأول الذي روى عنه الصدوق، وهو الحسن بن محمد العلوي، ضعيف جداً، قال النجاشي: "وروى عن المجاهيل أحاديث منكرة رأيت أصحابنا

يضعفونه"[24]. وأما ابن الغضائري فاتهمه بالكذب قائلاً: " كان كذاباً يضع الأحاديث مجاهرة ويدعي رجالاً غرباء ولا يعرفون"[25]. هذا ولكن الصدوق روى الحديث عن رجل علوي آخر وهو محمد بن الحسن بن إسحاق، وهذا الرجل هو الذي ألف الصدوق لأجله كتاب " من لا يحضره

الفقيه"، متحدثاً عن " أخلاقٍ قد جمعها إلى شرفه من ستر وصلاح، وسكينة ووقار وديانة وعفاف، وتقوى وإخبات"[26]، ولكن لم نجد له توثيقاً واضحاً، وربما كان رجلاً متديناً ولكنه لا يملك ذهنية تدقق في مصدر الأخبار.

 

وأمّا الرواية الثانية فسندها كلّه مجاهيل، ولذا لا يمكن التعويل عليها.

 

وأما الرواية الثالثة، فسندها مجهول، وفيه ما يريب، إذ إنّ الكراجكي ينقل أن الشريف طاهر بن موسى بن جعفر الحسيني حدّثه في مصر سنة 407 هـ، وهذا الشريف يحدّث أن الشريف ميمون بن حمزة الحسيني قد أخبره برؤيته للمعمر المغربي في سنة 310 هـ أي أن المدّة الفاصلة بين سماعه للقصة

وتحديثه بها تقرب من مائة عام وهذا من الأمور البعيدة جداً، لأنّه يعني أن عمر المحدث قد ناف على مائة عام، ولا أدري كيف وثق الكراجكي بخبر هذا حاله؟! اللهم إلا أن يكون ناقلو قصة المعمر المغربي هم مثله من المعمرين جداً!

 

وأما الرواية الرابعة فينقلها العلامة المجلسي عن مجالس الشيخ الطوسي ولكننا لم نجد لها ذكر في المجالس المذكور، هذا من جهة ومن جهة أخرى، فإنّ المفيد يروي عن إبراهيم بن الحسن بن جمهور، وهذا الرجل ليس له ترجمة في كتب الرجال، أجل قال ابن حجر في لسان الميزان: "إبراهيم بن الحسن

بن جمهور أبو الفتح، ذكره أبو جعفر الطوسي في شيوخ الشيعة، وقال: روى عن أبي بكر المفيد نسخة [قصة] الأشج يعني عثمان بن الخطاب" [27]. ولكن لا يوجد اسم كهذا في كتب الشيخ، ولهذا فإنّ السيد محسن الأمين علّق عليه قائلاً:" ولم أعلم أين ذكره أبو جعفر الطوسي"[28].

 وبالنظر إلى ما جاء في مصادر السنة فإنّ ثمة رأياً ينكر وجود هذه الشخصية. ينقل العسقلاني عن ابن سليم في تاريخه أنّ " المعمر لا يصح وجوده عند علماء النقد".[29]   

ومما يؤيد ذلك أنّه لو كان لهذا الشخص وجود حقيقي لسجلت اسمه صفحات التاريخ، ولذكر في كافة المصادر وكان أشهر من نار على علم، مع أننا لم نجد ذكراً له، لا في مصادر أهل اليمن التي هي موطنه الأصلي ولا في مصادر المغربيين الذي يسكن في إحدى مدائنهم وهي طنجة، ولا في سائر

مصادر أهل المشرق الذين عرفوه ورأوه وعاش معهم في المدينة! غاية ما هناك أنّ أبا محمد العلوي يقول إنّ المعمر المذكور:" حدّث جماعة من أهل المدينة من الأشراف والحاج من أهل مدينة السلام وغيرهم من جميع الآفاق"، فلمَ يا ترى لم ينقل هذا الخبر سواه؟!

 

الوقفة السادسة: على فرض كونه شخصية حقيقية فهل يمكن تصديق الرجل والوثوق بقصته؟

 

لكن بصرف النظر عمّا تقدم من الشك في أصل وجود الرجل، وافتراض أنّه شخصية حقيقيّة وليس وهمية، ولا سيما أنّ العديد من المصادر تؤكد وجوده ورؤية الأشخاص له ونقلهم الحديث عنه، مما يجعل من الصعب تكذيبهم، ولكن هل نستطيع أن نصدق الرجل أو نثق بالقصة التي ينقلها؟

الجواب: إنّ العديد من القرائن المحيطة بهذه القصة والتي تدفع إلى الشك الكبير في صدق الرجل أو واقعية قصته، وإليك أهم الشواهد والقرائن التي نستند إليها في رأينا هذا:

 

أولاً: لو كان لهذا المعمِر المغربي وجود حقيقي وفعلي في عصر أمير المؤمنين (ع) وولديه الحسنين (ع) لكان أشهر من نار على علم، لأنّ الروايات ولا سيما الأولى تتحدّث عن شخص ليس عادياً، فهو حضر إلى المدينة وكان إلى جانب علي (ع) في مرحلة الخلفاء الثلاثة ثم أيام خلافته (ع) ولعب

دوراً فيما جرى على عثمان عندما حوصر في بيته، وحمل رسالة منه إلى الإمام علي (ع) ثمّ كان معه (ع) في كل معاركه، ثم صحب الحسن (ع) وأقام معه وخدمه. ثم إن الرواية تقول إنه أدرك الحسين (ع) وكان معه في كربلاء فلما قتل عليه السلام فرّ هارباً من بني أمية، والسؤال: ما هو دوره في

هذه المعركة؟ ولماذا لم نجد له ذكراً في أسماء الرجال الذين حضروا في كربلاء؟ وكيف تسنى له الهروب؟ ولماذا هرب ولم يقاتل الظالمين بين يدي الإمام كما فعل بقية الشهداء أو بعد استشهاده (ع)؟! ولو فرض أنّه بقي حياً لأنه وجد أن لا جدوى من القتال، فلمَ لم يتحدث عنه أحد من المؤرخين في عدد

الناجين في تلك الوقعة أو المشاركين فيها؟!

 

وقصارى القول أنّه لماذا بقي هذا الرجل خامل الذكر مدة ثلاثة قرون، ولم يسمع به أحد ولا روى عنه الرواة؟! ثم يظهر فجأة في بداية القرن الرابع ويذهب إلى الحج ويلتقي به الناس ويحدثهم عن خبره وقصته ويروي لهم أحاديث سمعها من أمير المؤمنين (ع)! إنّ هذا أمر مثير ومستغرب جداً. ولو

فرض أنّ التقية فرضت عليه التخفي لأنه نجى من كربلاء فهرب خوفاً من بني أميّة، كما تقول الرواية الأولى. فإن التقية إنما تفرض ذلك لمدة قصيرة، وأما بعد موت يزيد وسقوط دولة بني أمية فكان اللازم أن يظهر ويشتهر خبره بين أهل الحديث والمؤرخين، مع أننا لا نجد له ذكراً ولا حديثاً!!

 

ثانياً: ثمّ إن السؤال الأبرز هو أنه إذا كان الرجل سيظل حياً إلى آخر الزمان كما تقول بعض الروايات، فأين هو اليوم؟ وأين يسكن وكيف يعيش؟ وأين ذريته؟! فالقصة – لو صحّت - لا تتحدث عن رجل شبح بل عن شخص حقيقي وهو باقٍ على قيد الحياة إلى آخر الزمان، فبحسب الرواية الأولى فإنّ

الخضر وإلياس أخبراه أنه سيعمّر حتى يلقى المهدي وعيسى بن مريم عليهما السلام وأمراه بأن يوصل سلامهما إليهما، كما أنّ الروايات الناقلة لقصته تتفق على أنه يعيش مع الناس حياة طبيعية، فهو ليس متخفياً، ولا معزولاً، بل هو متزوج وله ذرية وأولاد وهو معروف بين الناس، ويتردد - كما في

الرواية الثانية - على "الملوك في بلاد المغرب "ممن يبلغهم خبره وطول عمره، حيث يحضرونه إليهم ليروه ويسألوه عن سبب طول عمره وعما شاهد، ورجل كهذا لو كان لبان واشتهر لأنه - بحق - أعجوبة الزمان، وإذا كان من الممكن أن يُجهل خبره في الأزمنة السابقة، فإن خبره في زماننا هذا لا

يمكن أن يُجهل، بل لو وجد لعدّ من عجائب الدنيا وغرائبها!

 

ولم ينقل عن أحد أنّه رآه أو سمع به بعد القرن الرابع الهجري باستثناء ما نقل عن الشيخ محمد الحرفوشي ( ت 1059هـ) أنّه قد رآه في مسجد في الشام وصدقه في دعواه، وهو خبر غريب للغاية ولا يمكن تصديقه، كما سيأتي. .

 

ثالثاً: ثمّ إنّ القصّة تقول: إنّ ذكر هذا الرجل ورد في الأخبار والتي نصّت على أنّه إذا دخل دار السلام بغداد فإنّ ذلك سيكون سبباً لفنائها، حيث إنّه لما أراد نصر العشوري ( القشوري) " أن يحمله وولده إلى مدينة السلام إلى المقتدر، فجاءه أهل مكة فقالوا: أيّد الله الأستاذ إنّا روينا في الأخبار المأثورة عن

السلف أنّ المعمر المغربي إذا دخل مدينة السلام فنيت وخرجت وزال الملك فلا تحمله ورده إلى المغرب". ففي أي أخبار ورد هذا المعنى؟ وأين هي تلك الأخبار؟ وما هذه الكيمياء التي يمتلكها هذا المعمر والتي تجعل من مجرد دخوله إلى بغداد سبباً لفنائها؟!

 

ومما يشهد لكذب القضية أنّه - وحسب رواية الخطيب البغدادي - فقد دخل هذا المعمر بغداد ورآه الناس واستمع بعضهم إلى أحاديثه، فلم يحدث لأهلها شيء، يقول الخطيب:" وقدم بغداد بعد سنة ثلاثمائة بعدة سنين"[30].

 

رابعاً: إنّ القصة تشتمل على العديد من الكرامات وخوارق العادات التي تكتنف حياة هذا الرجل، وهذه الأمور تزيد ريبتنا في صحة القضية، لأنّ أمثال هذه القضايا تحتاج إلى التدقيق في أسانيدها ودوافع الرواة لها، ومن هنا كان إثبات الخوارق والكرامات محتاجاً إلى أسانيد ذات قيمة عددية وكيفية أكثر

مما تحتاجه الأخبار الناقلة للأمور العادية، حتى يحصل الوثوق بصدقها، ولا سيما أن القضية تتصل في بعض جوانبها بواحدة من قضايا العقيدة الهامة، عنيت بها قضية المهدي ومجريات آخر الزمان. والخوارق التي تشتمل عليها القصة هي بالإضافة إلى طول عمر الرجل، وكيفية عثورهم على الماء،

حيث رأوا "أثر قدم طويل" فساروا خلفها فوصلوا إلى البئر التي يجلس عليها إلياس والخضر:

 

1-   أنّ الرواية الثانية المتقدمة تحدثنا عن منطقة اسمها الظلمات وفيها نهر الحياة، ويصعب فيها تمييز الليل من النهار، وقد خرج إليها والد ذاك المعمر من بلاد اليمن بغية العثور على ذلك النهر، والسؤال هل إنّ تلك المنطقة حقيقية أم خيالية، وإذا كانت حقيقية فأين هي يا ترى؟ ولمَ لم يعثر عليها سوى

هؤلاء الرجال؟! فنحن اليوم غدونا في عصر متقدم وقد تمّ فيه اكتشاف مجاهل الأرض ولم نسمع أنّ أحداً وصل إلى منطقة بهذه الصفات! 

 

2-   إنّ الروايات الثلاث الأولى تحكي عن أمر غريب يحدث في عنفقة هذا الرجل، وهو أنّه إذا جاع ابيّض شعرها وإذا شبع فإنّه يسوّد، وهذا من عجائب الأمور التي ليس ثمة ما يؤكدها أو يشهد بصحتها، فلا علم ولا تجربة تؤكدان ذلك، فما علاقة بياض شعر العنفقة أو سواده بالأكل والجوع؟! وإذا

كان ثمة علاقة فلماذا هي مقتصرة على شعر العنفقة ولا تمتد إلى شعر اللحية بأكمله؟!

 

3-   والأمر الآخر المثير للغرابة هو ما تتضمنه بعض روايات هذه القصة من تفسير طول العمر، وهو أنّ ثمّة نهراً أو نبعاً أو بئراً له خاصية فريدة، وهي أن من يشرب منه فإنّه سيحيى حياة مديدة وهو ما يعرف بماء الحياة، ووجود مثل هذا الماء يحتاج إلى بحث وتدقيق مستقل، فالأمر ليس محسوماً

وتواجهه العديد من الأسئلة، وإن ورد ذلك في بعض الأخبار[31].

 

خامساً: ومما يثير الريبة في صدقه هو أنه ينقل أشياء لم تثبت صحتها فهو ينقل أنه رأى علياً (ع) "يخلع نعليه ويغسل رجليه ولا يمسح"[32]، في إشارة إلى وضوء الإمام، وهو خلاف ما هو معرف عن ذرية علي (ع) من الأئمة (ع)، وينقل أنه رأى السيدة عائشة فكانت بيضاء طويلة بوجهها

أثر الجدري، والله أعلم بصحة ذلك، وينقل العسقلاني عن " كتاب الأنساب" للهمداني أنّ المعمر المذكور قد سئل أن ينعت الإمام علي (ع) فنعته بغير ما أتى في السيرة"[33]

 

سادساً: إن الكثير من أهل النقل والحديث لم يصدقوا الرجل، واسترابوا به، يقول الخطيب البغدادي: "والعلماء من أهل النقل لا يثبتون قوله، ولا يحتجون بحديثه "[34]. وينقل الخطيب أيضاً حديثا بالإسناد عن أبي القاسم يوسف بن أحمد بن محمد البغدادي التمار: إن الأشج دخل بغداد واجتمع الناس

عليه في دار إسحاق، وأحدقوا به وضايقوه، وكنت حاضره فقال: لا تؤذوني فإني سمعت علي بن أبي طالب يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل مؤذ في النار"، وحدث ببغداد خمسة أحاديث، حفظت منها ثلاثة هذا أحدها. وما علمت أن أحدا ببغداد كتب عنه حرفا واحداً، ولم يكن عندي بذاك

الثقة"[35]. ومع أن بعض علمائنا الإمامية صدّقوا القضية، وسجلوها في كتبهم باعتبارها قصة حقيقية، ولكنّ الفقيه الكبير السيد الخوئي رحمه الله امتلك جرأة عالية في تزييفها وتكذيبها، إذ قال رحمه الله: "لا نضائق في أنّ أبا محمد العلوي قد رأى رجلاً كان يدعي أموراً غريبة فرواها للصدوق -

قدس سره -، إلا أنّه لا ينبغي الشك في أنّ القصة خيالية أو أنّها مكذوبة، فإنه لو كان الرجل قد حضر الجمل وصفين وصحب الحسن عليه السلام حتى ضرب بساباط، وخرج مع الحسين عليه السلام إلى كربلاء، وهرب بعد قتل الحسين عليه السلام، وكان ما ذكره صحيحاً لكان من المشاهير، فلمَ لم

يتعرض لذكره المتعرضون لذكر أصحاب الأئمة عليهم السلام؟! ثم لماذا لم يحضر أحدَ المعصومين عليهم السلام بعد الحسين؟! ولماذا لم يذكر أحدٌ من أرباب المقاتل عنه شيئاً من وقعة الطف قد شهدها؟! ومن الغريب بعد ذلك قول الوحيد - قدس سره -: أنه يظهر من الأخبار حسن حاله!"[36].

 

سابعاً: ومن أهم الملاحظات التي يمكن تسجيلها في المقام أنّ الروايات مع أنها تحكيان قصة واحدة لكنها تختلف اختلافاً كبيراً في العديد من النقاط والتفاصيل، إلى حدّ التنافي أو التناقض الكلي بينها، ما يعدّ أمارة على الوضع، لأنه وكما قيل: "لا حافظة لكذوب"، وتناقضات القصة وأبرز وجوه التنافي

بينها نخصص لها الوقفة التالية.

 

بالإضافة إلى ما تقدّم من الملاحظات، فإنّ ثمّة أسئلة أخرى قد لا يجد الإنسان عليها جواباً مقنعاً، من قبيل أنّه يستفاد من الرواية الأولى أنّ الرجل كان بصحبة أبيه وعمه يسيرون من اليمن إلى الحج وزيارة قبر النبي (ص) مع العلم أنّه لم يظهر أنهم كانوا قد أسلموا، وإذا كان ذهابهم إلى الحج قد يفسر

بأنهم يحجون على طريقة أهل الجاهلية، فما معنى زيارة النبي (ص)؟ إنّ التعبير الملائم في مثل ذلك هو أن يقال: سافرنا بهدف التعرف على خبر النبي (ص) والتثبت من صدقه، وهذا أمر مفهوم، وأما "زيارة النبي" (ص) فلا يعبِّرُ بها من ليس مسلماً. اللهم إلا أن يقال: إنّ القوم لعلهم قد أسلموا في اليمن

وقبل رؤيتهم للنبي (ص) وجاءوا لزيارته.

 

 

الوقفة السابعة: تناقضات القصة وتضارب رواياتها!

 

إن التناقضات والاختلافات التي تضمنتها الروايات التي تحكي قصة هذا الرجل أكثر من أن تحصى، وهي تؤشر إلى أنّ الرجل - على فرض كونه شخصية حقيقية – كاذب مفتر، وسوف نكتفي بالإشارة إلى بعض تلك التناقضات والاختلافات، ونترك الباقي اعتماداً على فطنة القارئ الحصيف:

أولاً: الاختلاف في اسمه واسم أبيه وجده، فقد عرفت أنّ بعضهم يسميه عثمان بن الخطاب بن عبد الله العوام، وآخرون علي بن عثمان بن خطاب بن مرة، وعن بعض ثالث أنّ اسمه بكر بن الخطاب، نقل العسقلاني عن إبراهيم بن محمد بن علي (الذي يدعي أنه من ذرية أبي أيوب الأنصاري) أنه ذكر

في تسميته:" أبو حفص بكر بن الخطاب بن حسان.. "، ثم علّق العسقلاني:" وقد أغرب في تسمية الأشج وكنيته والمشهور أنه أبو الدنيا عثمان ابن الخطاب كما سيأتي وسماه بعضهم علياً"[37].

 

ثانياً: الاختلاف في زمن ولادته، ففي حين نجد أنّ الرواية الثانية للصدوق تؤكد نقلاً عن المعمر المذكور أنه قد كان عمره حوالي ثلاثين سنة عند وفاة النبي صلى الله عليه وآله ووفاة الخليفتين، في المقابل فإنّ رواية الخطيب ورواية البحار (الرابعة من الروايات الشيعية) تتفقان على "أنه ولد في خلافة

أبي بكر".

 

ثالثاً: الاختلاف في ذكر أوصافه وملامحه الشخصية، ففي حين تذكر الرواية الأولى أنّه يبدو للناظر في عمر " ابن ثلاثين أو أربعين سنة، وأنه أسود الرأس واللحية، شاب نحيف الجسم"، فإنّا نجد الرواية الثانية تؤكد أنه عندما أراد الحديث رفع حاجبيه وفتحهما بيديه، في دلالة واضحة على أنّه كان

شيخاً هرماً. 

 

رابعاً: الاختلاف في عدد الأشخاص الذين كانوا في هذه الرحلة، ففي حين يظهر من بعضها (الرواية الأولى) أنّ المعمر خرج مع أبيه وعمّه فحسب، فإنّ بعضها الآخر (الثانية) يؤكد أنه خرج مع أبيه ومعهما خادمان، ولا ذكر فيها للعم، كما لا ذكر في الأولى للخادمين، ويظهر من بعضها ( رواية

الخطيب البغدادي) أنه كان برفقة أبيه فقط ولا ذكر فيها للعم ولا للخادمين.

 

خامساً: ونقطة الاختلاف الأخرى بين الروايات هو في تعيين مقصد الرحلة، ففي حين تذكر الرواية الأولى أنّ المقصد من السفر هو الحج وزيارة النبي (ص) فإنّ الثانية تؤكد أن المقصد هو العثور على نهر الحياة، الواقع في منطقة الظلمات. وفي رواية "لسان الميزان" المنقولة عن القاضي عبد المجيد بن

عبد الله أنّ الرجل (المعمر) خرج مع أبيه في طلب إبل لهم كانت تائهة، وأثناء البحث عطش فوقع على عين ماء تصب في الصحراء[38]. وأما رواية الخطيب البغدادي فيظهر منها أنه كان يقصد أمير المؤمنين (ع) إبان حكمه في الكوفة.

 

سادساً: وتختلف الروايات في تحديد المنطقة التي تاهوا فيها، ففي بعضها (الرواية الأولى ) أنهم قد تاهوا في الصحراء في منطقة جبال رملية يقال لها "جبال رمل عالج" المتصلة برمل إرم ذات العماد، وبحسب الثانية فقد تاهوا في منطقة الظلمات التي كان يصعب عليهم فيها التمييز بين الليل والنهار،

وفي رواية الخطيب أنهم تاهوا قريب الكوفة.

 

سابعاً: مع اتفاق الروايتين الأخيرتين (الثالثة والرابعة) على وجود شجة في جبهة المعمر المذكور وهي علامة فارقة ملازمة له وقد أصابته من لجام فرس أمير المؤمنين(ع)، إلا أنهما تختلفان في تحديد المعركة التي أصيب فيها بهذه الشجة، ففي حين تذكر الروايتان الرابعة والثانية وكذلك رواية

الخطيب أنها حصلت في وقعة صفين، فإنّ الرواية الثالثة من المصادر الشيعية تذكر أنها حدثت في معركة النهروان.

 

ثامناً: وتختلف الروايتان الأولى والثانية في تحديد السنة التي حج فيها الرجل إلى بيت الله الحرام وزيارة المدينة المنورة، بصحبة أبنائه وأحفاده، ففي حين تذكر الرواية الأولى أنّ ذلك كان في سنة 313 للهجرة النبوية، فإنّ الثانية تذكر أن ذلك حصل في سنة 309 هجرية.

 

تاسعاً: الاختلاف في تعيين كيفية العثور على ماء الحياة والشرب منه، فبينما تذكر الأولى أن الجماعة عثروا على بئر أو عين وعليها رجلان، فإن الثانية تذكر أنّ الابن ( وهو المعمر)  وبينما كان يطوف في منطقة الظلمات وإذا به يعثر على نهر فشرب منه ورجع ليبشر أباه والخادمين، بينما رواية

الكراجكي ( الرابعة ) ورواية الخطيب تنصان على أنه عثر على عين ماء وبين يديها شبيه بالبركة ( الركية) أو الوادي من مائها، وأنه نزع ثيابه واغتسل من ذلك الماء وشرب حتى روي. 

 

عاشراً: ومن نقاط الاختلاف الأساسية أنّ الأولى تذكر أنهم وجدوا عند البئر نبيين وهما إلياس والخضر، وقام أحد النبيين بسقي الولد من الدلو، لكن الثانية لا ذكر فيها لهذين النبيين لا من قريب ولا من بعيد، وكذلك فإن روايتي الكراجكي والخطيب لا تتحدثان عن وجود أحد عند العين أو الماء. 

 

حادي عاشر: وتختلف الروايات أيضاً في أمر أساسي آخر، وهو أنّ الرواية الأولى تذكر أنهم وبعدما حصل معهم ما حصل في ذلك المكان، قد أكملوا المسيرة إلى المدينة فبلغوها وكان النبي (ص) قد توفي كما أخبرهما النبيان، فمرض الوالد في المدينة وتوفي فيها بعد أن أوصى بابنه إلى أمير المؤمنين

(ع)، لكن الرواية الثانية تذكر أمراً مغايراً، وهو أن الجماعة بعد الشرب من ماء الحياة عادوا إلى بلادهم وفيها توفي والده، وأما رواية الكراجكي (الرابعة) ورواية الخطيب فإنهما تتحدثان عن أمر مغاير جدا وهو أنه وصل إلى الكوفة والتحق بأمير المؤمنين (ع) عند خروجه إلى صفين.

 

ثاني عشر: الاختلاف في مولده، ففي حين يظهر من الروايتين الأولى والثانية أنه كان مولوداً في زمان النبي (ص) وذهب مع أبيه وعمه إلى المدينة بهدف لقائه (ص) (كما في الرواية الأولى) بل يظهر من الرواية الثانية أنه كان شاباً عندما بلغهم وفاة النبي (ص)، فإنّ الذي تنص عليه الرواية الرابعة

أنه ولد في زمن خلافة أبي بكر، وأنه بعد تولي الإمام علي (ع) للخلافة خرج مع والده للقائه (ع). وهذا ما جاء في رواية الخطيب البغدادي، تقول الرواية نقلاً عنه:" ولدت في أول خلافة أبي بكر الصديق، فلما كان في زمن علي بن أبي طالب خرجت أنا وأبي نريد لقاءه "[39].

 

ثالث عشر: الاختلاف فيمن أخبر المعمر بأن الماء الذي شربه هو ماء الحياة وأنه نتيجة لذلك سوف يعيش عمراً مديداً، ففي حين تؤكد الرواية الرابعة ورواية الخطيب أنّ الإمام علي (ع) هو مَنْ أخبره بذلك، تنص الأولى على أن المخبر هو إلياس أو الخضر، وتنص الثالثة على أنّ والده أخبره بذلك،

ولست أدري من أين استمد والده هذا العلم الذي لا يعلمه إلا علام الغيوب أو من كان متصلاً بالوحي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة !.

 

رابع عشر: الاختلاف في اسم المدينة المغربية التي يقطنها المعمر وذريته، فبينما نصّت الروايتان الأولى والرابعة على أنها طنجة[40]، فإنّ الثالثة نصّت على أنّه "من مدينة بالمغرب يقال لها مزيدة"، ومحاولة الشيخ النوري للتوفيق بين الروايتين بالقول: "ولعل مزيدة من توابع طنجة" لا تستقيم

لأنّ النص المذكور واضح في أنّ مزيدة مدينة وليست قرية لتكون ملحقة بمدينة طنجة، أجل هناك مدينة مغربية باسم مليلية، ولكن هذا مختلف واحتمال الاشتباه بينهما مستبعد ولا سيما أنّ المعمر عرف بالمزيدي، وفي مقابل ذلك كله فإنّ الرواية الثانية أنه يعيش في قرب باهرت العليا، ولعلها تاهرت

الجزائرية المعروفة. وفي رواية الخطيب البغدادي جاء اسم المدينة المغربية التي يقطنها :" رندة"، ولعلها تصحيف مرندة كما جاء اسمها في لسان الميزان، حيث نقل في رواية عن المعمر قوله:" خرجت مع أبي من قرية يقال لها مرندة بطلب الحج .."[41]. وهكذا جاء اسمها في

الأنساب[42]. وفي الأندلس كان هناك قرية اسمها " رُنْدة" وهي مدينة قد عرفت ازدهاراً أبان الحكم الإسلامي، وإليها ينسب الشاعر الأندلسي أبو البقاء المرندي وهو صاحب القصيدة الشهيرة:

 

  لكل شيء إذا ما تمّ نقصان  فلا يغر بطيب العيش إنسان

هي الأمور كما شاهدتها دول  من سرّه زمان ساءته أزمان

وهذه الدار لا تبقي على أحد          ولا يدوم على حال لها شان[43]

ومن أبرز وجوه التضارب والتضاد بين الروايات الناقلة لقصة المعمر المغربي: الاختلاف حول موته وحياته، وهذا ما سوف نتطرّق إليه في الوقفة التاسعةالآتية.

 

إلى غير ذلك من الملاحظات التي يمكن تسجيلها على مضمون القصة، ووجوه التضارب التي يمكن رصدها بين رواياتها. مما يجعلنا نرجح أن الرجل لو كان شخصية حقيقية فإنّ قصته خيالية ولا صحة لها، وقد نسجها من عقله، فلا يصغى إليها لأنها أقرب إلى الأساطير والخرافات التاريخية. يقول

العسقلاني بعد نقل جملة من الروايات الناقلة لخبر المعمر:" فإذا أنت تأملت هذه الروايات ظهرت على تخليط هذا الرجل في اسمه ونسبه ومولده ومن عمره، وأنه كان لا يستمر على نمط واحد في ذلك كله فلا يغتر بمن أحسن الظن به"[44].

 

 

الوقفة الثامنة: ظهور جديد للمعمر المغربي بعد غيبة طويلة!

 

مع انقضاء القرن الرابع الهجري تراجع الحديث عن المعمر المغربي وعن كيفية حياته وذريته، بحيث ينطفأ ذكره من عامة كتب الأحاديث والتواريخ والقصص، باستثناء الكتب التي تذكر قصته التي جرت فصولها في بداية القرن الرابع الهجري، ولكنْ وبعد مضي قرون عديدة على انطفاء ذكره

واختفاء أثره، وإذا به يطلّ علينا مجدداً في القرن الحادي عشر الهجري من خلال التقاء عالم من علمائنا به، وهو الشيخ محمد الحرفوشي المتوفي سنة (1059هـ). وذلك بحسب ما ينقله السيد نعمة الله الجزائري في مقدّمة شرحه على كتاب غوالي اللآلئ بعد ذكره جملة من طرقه يقول: "ولنا طريق

غريب قصير حدّثني وأجازني به السيّد الثقة السيّد هاشم بن الحسين الأحسائي في دار العلم شيراز في المدرسة المقابلة لبقعة مير سيّد محمّد عابد عليه الرحمة والرضوان في حجرة من الطبقة الثانية على يمين الداخل ، قال:حكى لي أستاذي الثقة المقدّس الشيخ محمّد الحرفوشي قدّس الله تربته قال : لمّا

كنت بالشام عمدت يوما إلى مسجد مشهور بعيد من العمران فرأيت شيخا أزهر الوجه عليه ثياب بيض وهيئة جميلة ، فتجارينا في الحديث وفنون العلم فرأيته فوق ما يصف الواصف ، ثمّ تحقّقت منه الاسم والنسبة ثمّ بعد جهد طويل قال : أنا معمّر أبو الدنيا المغربي صاحب أمير المؤمنين عليه السلام

وحضرت معه حرب صفّين وهذه الشجّة في وجهي من رمحة فرسه سلام الله عليه . ثمّ ذكر لي من الصفات والعلامات ما تحقّقت معه صدقه في كلّ ما قال ، ثمّ استجزته كتب الأخبار فأجازني عن أمير المؤمنين عليه السلام وعن جميع أئمّتنا عليهم السلام حتّى انتهى في الإجازة إلى صاحب الدار عليه

السلام ، وكذلك أجاز لي كتب العربيّة من مصنّفيها من الشيخ عبد القاهر والسكَّاكي وسعد الدين التفتازاني ، وكتب النحو عن أهلها ، وغير ذلك من العلوم المتعارفة"[45].

 

أقول: ونظير هذا الكلام ذكره السيد نعمة الله الجزائري أيضاً في كتابه "الأنوار النعمانية"، قال:" حدثني أوثق مشايخي السيد هاشم الإحسائي في شيراز في مدرسة الأمير محمد عن شيخه العادل الثقة الورع الشيخ محمد الحرفوشي أعلى الله مقامه في دار المقامة أنه دخل يوماً مسجداً من مساجد الشام،

وكان مسجداً عتيقاً مهجوراً فرأى رجلاً حسن الهيئة في ذلك المسجد فأخذ الشيخ في المطالعة في كتب الحديث، ثم إنّ ذلك الرجل سأل الشيخ عن أحواله وعمن نقل الحديث فأخبره الشيخ، ثم إنّ الشيخ سأله عن أحواله وعن مشايخه فقال ذلك الرجل: أنا معمر أبو الدنيا، وأخذت العلم عن علي بن أبي طالب

(ع) وعن الأئمة الطاهرين عليهم السلام، وأخذت فنون العلم عن أربابها وسمعت الكتب من مصنفيها، فاستجازه الشيخ في كتب الأحاديث، الأصول وغيرها، وفي كتب العربية والأصول فأجازه، وقرأ عليه الشيخ بعض الأخبار في ذلك المسجد توثيقاً للإجازة، فمن ثم كان شيخنا الثقة قدس الله روحه

يقول لي: يا بني إنّ سندي إلى المحمدين الثلاثة وغيرهم من أهل الكتب قصير، فإني أروي عن الفاضل الحرفوشي عن الإمام علي بن أبي طالب وكذا إلى الصادق والكاظم عليهما السلام إلى آخر الأئمة وكذلك روايتي لكتب الأصول مثل الكافي والتهذيب ومن لا يحضره الفقيه وأجزتك أن تروي يعني

بهذه الإجازة، فنحن نروي الكتب الأربعة عن مصنفيها بهذا الطريق"[46].

وتعليقاً على قصة التقاء الحرفوشي بالمعمر المغربي نقول:

 

أولاً: إن ما رواه الحرفوشي أمر في غاية الغرابة، إذ بعد غيبة طويلة للمعمر المغربي استمرت ما يقرب من ستة قرون لم يذكره ولم يسمعه ولم يره فيها أحد يعود إلى البروز من جديد في مسجد من مساجد الشام! ويقول للحرفوشي إنه المعمر المغربي فيصدقه الحرفوشي، فأنى له بتصديقه وما هي

الأمارات التي أوجبت صدقه؟! ثمّ ما الذي أحضر المعمر المغربي إلى الشام من بلاد المغرب التي يقطنها مع ذريته؟! ولمَ لم يره أحدٌ غير الحرفوشي؟!

 

ثانياً: أنّى للمعمر المغربي أن يجيز الحرفوشي برواية كتب الأخبار عن مصنفيها كالكافي والتهذيب ومن لا يحضره الفقيه؟! ومتى تلمّذ عليهم أو استجازهم بروايتها. إنّ الشيخ الصدوق يروي عن المعمر بواسطة بعض شيوخه، كما مرّ ثمّ يتحوّل المعمر نفسه إلى راوٍ عن الصدوق وطالب إجازة منه؟!

وكذلك يغدو راوياً عن الشيخين الطوسي والكليني، ومع ذلك لا يذكر في عداد تلامذتهما؟! ثمّ إنّ المعمّر هنا يبرز كتلميذ ليس لعلي (ع) بل ولسائر الأئمة من ولده(ع)، فمتى وكيف تلّمذ عليهما مع أنه قد هرب بعد معركة كربلاء إلى المغرب؟ّ! ولو كان من تلامذة الأئمة (ع) فلمَ لم يذكر في عدادهم؟!

ولمَ يتحول إلى راوٍ لكتب ألفت بعد عصر الأئمة (ع)، مع أنه معاصر لهم؟!

 

وقد علّق السيد الخوئي على هذه الحكاية التي اعتبرها من أغرب ما يكون في قصة هذا الرجل بالقول: "لا شك في أنّ الشيخ محمد الحرفوشي كان رجلاً ساذجاً، إذ كيف حصل له الاطمئنان بصدق الرجل! وبأي صفة أو علامة يمكن الجزم بصدقة؟!. ثم كيف صح لأبي الدنيا أن يجيز الشيخ محمد بكتب

الأخبار مع أنه لم يقع في إسنادها وهو أجنبي عنها بالمرة، فالقصة خيالية أو مكذوبة لا محالة"[47].

 

ومن خلال ما ذكرناه آنفاً يتضحّ أنّ الاستغراب الذي سجله السيد الخوئي في محله، ولكنه لا ينحصر بالشيخ محمد الحرفوشي رحمه الله[48]، بل يمتد وينسحب على كل الذين وثقوا بهذه القصة الخيالية وأدرجوها في كتبهم، وأولهم الشيخ الصدوق رحمه الله، فضلاً عن غيره من العلماء، من أمثال

السيد نعمة الله الجزائري والسيد هاشم الأحسائي، وكذلك العلامة السيد حسن الصدر، والذي فاخر بأنّ له إسناداً عالياً إلى رواية الأحاديث عن الأئمة (ع)، قال رحمه الله: "وصحّ لي بحمد الله الرواية من عدة طرق عالية عن السيد العلامة السيد نصر الله الحائري عن الشيخ صالح صاحب

الترجمة[49]عن الشيخ الجليل محمد الحرفوشي عن ابن أبي الدنيا المعمر المغربي عن أمير المؤمنين عليه السلام ، وهو من الطرق العالية التي رزقناها، وهذا مما يتنافس عليه أهل العلم بالحديث في علوم الاسناد. وقد ذكرت طرق اتصالي بهذا الطريق العالي في إجازتي الكبيرة لبعض علماء الهند

المسماة ب‍ " بغية الوعاة في طبقات مشايخ الإجازات"[50].

 

 

الوقفة التاسعة: هل مات المعمر أم لا يزال حياً؟

 

 ومن أبرز وجوه الاختلاف بين الروايات والأخبار الناقلة لقصة هذا المعمر هو الاختلاف حول نقطة جوهرية في قصته، وهي موته أو بقاؤه حياً إلى حين خروج المهدي (عج)، ففي حين نصّت الرواية الأولى أن الخضر أو إلياس قد أخبره أنه سيعمر حتى يلقى المهدي (عج) فإن الرواية الرابعة - على

ما جاء في ذيلها نقلاً عن أبي بكر المفيد الجرجرائي - تؤكد أنه قد مات في سنة 317هـ، ويحتمل المحدّث النوري أن عبارة "توفي في سنة سبع عشر وثلاث مائة" ليست من الخبر (الرابع) معززاً هذا الاحتمال بكلام الكراجكي (تلميذ أبي بكر المفيد) الذي يؤكد أنه ما زال حياً إلى زمانه، وينقل عن

الشيعة أنه سيجتمع مع المعمر المغربي في زمن المهدي (عج)، إلاّ أنّ هذا الاحتمال لو كان صحيحاً فهذا يعني أنّ رواية "مجالس الشيخ" – بحسب نقل المجلسي قد تعرضت للتلاعب وزيدت فيها هذه العبارة، وهذا احتمال يصعب الالتزام به، ولا سيما أنه قد يجرّ إلى ما لا تحمد عقباه، على أن ما جاء

في الرواية الثانية لا ينافي وفاته، فإنّ والده – طبقاً لتلك الرواية – أخبره أنه سوف "يطول عمره حتى يملَّ الحياة" وليس فيها ما ينص على بقائه حياً إلى آخر الزمان، ومن يعشْ ثلاثة قرون ونيف يصدق عليه أنه طال عمره حتى ملّ الحياة. كما أنّ الرواية الرابعة قد نصّت (وذلك في المقطع السابق على

العبارة التي احتمل النوري أنها ليست من الخبر) على أنّ الإمام علياً (ع) بشره بالعمر الطويل وهذا يتلاءم مع موته في النصف الأول من القرن الرابع للهجرة.

 

ولو أخذنا بنظر الاعتبار ما ذكرته المصادر السنية فهي تؤكد صراحة موته في القرن الرابع للهجرة[51]. ونقل العسقلاني عن " كتاب الأنساب" للهمداني أنّ الخضر قد أخبره أنه يعيش أربعمائة سنة[52]، وينقل عن أبي عمر الداني بإسناده عن ابن تميم المعروف بابن أبي العرب قال:

وسمعت القاضي عبد المجيد بن عبد الله:" ".فإذا برجلين فقالا لي أشربت من العين؟ قلت: نعم، قالا: فإنك تعيش ثلاثمائة سنة"[53]. وينقل عن الهجيم" أنّه زعم أنّ الأشج هذا مات سنة ست وسبعين وأربعمائة"[54].

 

الوقفة العاشرة: استيلاد معمر آخر هو المعمر المشرقي!

 

ويبدو أنّ العقل الخيالي الذي ابتكر أو وثق بقصة المعمر المغربي قد تلقى بالقبول فكرة معمر آخر تمّ استيلاده بطريقة أشد غرابة من صاحبه المعمر المغربي، وهذا المعمر هو المعمر المشرقي، وهو على ما تقول القصة يعيش في سهرورد، وثمّة شبه كبير بينه وبين المعمر المغربي، من حيث اللقاء

بأمير المؤمنين (ع)، ومن حيث العمر الطويل الذي سيمتد إلى زمن الإمام المهدي (ع)، ليكون المعمران من جنوده عجل الله له الفرج.

 

 قال الكراجكي: "وقد ذاع بين كثير من الخصوم ما يروى ويقال اليوم من حال المعمر (أبي الدنيا المغربي) المعروف بالأشبح (الأشج) وأنه باق من عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام إلى الآن وأنه مقيم من ديار المغرب في أرض طنجة ورؤية الناس له في هذه الديار، وقد عبر متوجهاً

إلى الحج والزيارة وروايتهم عنه حديثه وقصته وأحاديث سمعها من أمير المؤمنين صلوات الله عليه وسلامه وقوله إنه كان ركابياً بين يديه. ورواية الشيعة أنه يبقى إلى أن يظهر صاحب الزمان صلى الله عليه وآله وكذلك حال المعمر (الآخر) المشرقي ووجوده بمدينة من أرض المشرق يقال لها

سهرورد إلى الآن، ورأينا جماعة رأوه وحدثوا حديثه وأنه أيضاً كان خادماً لأمير المؤمنين صلوات الله عليه، والشيعة تقول: إنّهما يجتمعان عند ظهور الإمام المهدي عليه وعلى آبائه أفضل السلام"[55].

 

وتعليقنا على ما ذكره الكراجكي حول قصّة المعمر المشرقي نقول:

 

أولاً: إنّ الجماعة الذين حدثوا الكراجكي بحديث المعمر المشرقي غير معروفين ولم يذكر لنا أسماءهم فلا تحرز وثاقتهم، ولا ندري كيف وثق بحديثهم؟! وما هي الأمارات التي أوجبت الركون إلى قولهم؟!

ثانياً: لم يعثر على خبر هذا المعمر في المصادر، ولم يذكر اسمه، والحال أنّه لو كان موجوداً لاشتهر وبان وسارت بخبره الركبان وتوترات الأخبار بنقل قصته، ولا سيما أنه من أصحاب أمير المؤمنين (ع).

 

ثانياً: أين هذا المعمر ما دام أنه سيبقى حياً إلى زمن المهدي المنتظر عجل الله له الفرج؟! فأين هو هل الآن؟ هل لا يزال في سهرورد أو هاجر إلى غيرها؟ وعلى التقديرين فأين الرجل ولماذا لم يره أحد؟ ولم ينقل أحد أنه شاهده بعد ذلك الوقت؟! أليس من المفترض بحسب طبيعة الأمور أن يشتهر ذكره

ولا سيما في عصرنا حيث وسائل الإعلام على شتى أنواعها، وحيث الاهتمام البالغ بالظواهر العجيبة، ورصد الأشخاص المعمرين في العالم؟! فلو كان حياً لشكل ظاهرة غريبة تدفع الأطباء إلى درسها لمعرفة أسباب العمر الطويل!

 

الوقفة الحادية عشر: نتائج وخلاصات

 

وفي محصلة هذه الدراسة نشير إلى أهمّ النتائج والخلاصات التي توصلنا إليها:

 

أولاً: إنّ قصة المعمر المغربي لا يمكن الوثوق بها، لأن القرائن المتعددة لا تساعد على تصديق الرجل ولا التعويل على كلامه، هذا لو كان بالفعل شخصيّة حقيقية، ولها وجودها الواقعي.

 

ثانياً: إنّ فكرنا الديني يحتاج إلى مراجعات عديدة، لأنّه قد ابتنى في بعض الأحيان على استدلالات واهية وضعيفة، الأمر الذي يسيء إلى أصالة هذا الفكر، ويكون مبعثاً للشك لدى كثيرين في المبادئ الدينية نفسها. فقضية بأهمية العقيدة المهدوية لا يصحّ أن نتشبث لإثباتها أو إثبات بعض تفاصيلها

بقصص ملفقة أو غير واقعية. إننا معنيون بإثبات عقائدنا على أسس متينة من العقل القطعي أو من النقل الموثوق بصدوره.

 

ثالثاً: إنّ حسن الظن بالعلماء المتقدمين، لا يجوز أن يدفعنا للقبول والتسليم بكل ما ذكروه في كتبهم، أو حدثوا به تلامذتهم، فإنّ بعضهم على جلالته وتدينه ربما كان صاحب ذهنية لا تخلو من بساطة تدفعه لتصديق ما يسمع من الغرائب والعجائب.

 

رابعاً: إنّ النقاش في قصة هذه المعمر أو ذاك، لا يعني رفض فكرة العمر الطويل للأشخاص، فهذا الأمر ليس مستحيلاً لا من الناحية العقلية ولا من الناحية العلمية ولا التاريخية.  

 

نُشر على الموقع في 10-5-2017

نُشر في مجلة الاجتهاد والتجديد عدد 44.



[1] ذكر العلامة المجلسي هذه القضية في أول الباب الذي عقده تحت عنوان:" ذكر أخبار المعمرين لرفع استبعاد المخالفين عن طول غيبة مولانا القائم صلوات الله عليه"، انظر: بحار الأنوار ج 51 ص 225، وذكرها السيد نعمة الله الجزائري للغاية عينها في الأنوار النعماني ج 2 ص 4، وهكذا أوردها المحدث النوري للغرض عينه في كتابيه : النجم الثاقب 2 ص 275. وجنة المأوى المدرج في الجزء الثالث والخمسين من بحار الأنوار ص 278.

[2] يقول الكراجكي:" حدّثني القاضي أبو الحسن أسد بن إبراهيم السلمي الحرّاني، وأبو عبد الله الحسين بن محمد الصيرفي البغدادي، قالا جميعاً : أخبرنا أبو بكر محمد بن محمد المعروف بالمفيد لقراءتي عليه بجرجرايا. وقال الصيرفي: سمعت منه إملاءً سنة خمس وستين وثلاثمائة، قال: حدّثنا علي بن عثمان بن الخطّاب بن عوام البلوي من مدينة بالمغرب يقال لها: مزيدة يعرف بأبي الدنيا الأشجّ المعمّر ، قال : سمعت علي بن أبي طالب يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم يقول: "كلمة الحق ضالّة المؤمن حيث وجدها فهو أحقّ بها.." أنظر: كنز الفوائد ج 265. وقد نقل اثني عشر خبراً بهذا السند.

[3] لسان الميزان ج 4 ص 135. ويقول العسقلاني عن الأحاديث التي حدّث بها أنها "معروفة من رواية غيره". المصدر نفسه.

[4] تاريخ بغداد ج 11 ص 297.

[5] أنظر على سبيل المثال: مستدرك الوسائل ج 2 ص 379، وج 11 ص 103.

[6] انظر على سبيل المثال: بحار الأنوار ج 34 ص 363، وج 78 ص 68.

[7] انظر: تكملة أمل الآمل للسيد حسن الصدر ص 232.

[8] ينقلون عنه قوله:" ورأيت عائشة طويلة بيضاء بوجهها أثر جدري وسمعتها تقول لأخيها محمد يوم الجمل أحرقك الله بالنار في الدنيا

والآخرة وسمعت عثمان يقول لمحمد بن أبي بكر وقد اخذ بلحيته خل عنها فقد كان أبوك يكرمها. قال ورأيت الأشتر النخعي وقد طعن عثمان بسهم في نحره"، انظر: لسان الميزان ج 4 ص 136.

[9] العنفقة: الشعر الذي في الشفة السفلى.

[10] هو يؤكد أن الذي سماه بأبي الدنيا هو الإمام علي (ع)، أنظر: لسان الميزان ج 4 ص 137.

[11] رجل بر سر، أي يبر ويسر.

[12] كمال الدين وتمام النعمة ص 543 – 547.

[13] انظر: كمال الدين وتمام النعمة ص 538.

[14] كنز الفوائد ص 262 – 265.

[15] كنز الفوائد ص 265 – 266.

[16] بحار الأنوار ج 51 ص 261.

[17] لسان الميزان ج 4 ص 135.

[18] لسان الميزان ج 4 ص 135.

[19] المصدر نفسه.

[20] تاريخ بغداد ج 11 ص 296 – 297.

[21] انظر: كتابه: الإجازة الكبيرة ص 109 - 110.

[22] النجم الثاقب في أحوال الإمام الحجّة الغائب ( عج ) للشيخ حسين الطبرسي النوري، ترجمة: السيّد ياسين الموسوي ج 2 ص 388.

[23] لسان الميزان ج 4 ص 135.

[24] رجال النجاشي ص 64.

[25] رجال ابن الغضائري، ص 54.

[26] من لا يحضره الفقيه ج 1 ص 2.

[27] لسان الميزان ج 1 ص 44.

[28] أعيان الشيعة ج 2 ص 133.

[29] لسان الميزان ج 4 ص 139.

[30] تاريخ بغداد ج 11 ص 296.

[31] من قبيل ما رواه الصدوق بإسناده عن الإمام علي بن موسى الرضا عليهما السلام: "إن الخضر عليه السلام شرب من ماء الحياة فهو حي لا يموت حتى ينفخ في الصور .."، أنظر: تمام الدين وكمال النعمة ص 390، وثمّة روايات حول ماء الحياة أو عين الحياة ، انظر: بحار الأنوار ج 13 ص298 - 300، ويظهر من السيد ابن طاووس أن الخبر بذلك متواتر، أنظر: سعد السعود ص 165، لكن هذا الأمر غير متحقق،  

[32] لسان الميزان ج 4 ص 136.

[33] لسان الميزان ج 4 ص 139.

[34] تاريخ بغداد ج 11 ص 296. الخطيب البغدادي، أحمد بن علي، (ت 463هـ)، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية - بيروت – لبنان  1417 - 1997 م

 

 

[35] المصدر نفسه 11 ص 297.

[36] معجم رجال الحديث ج 13 ص 98.

[37] لسان الميزان ج 1 ص 106.

[38] لسان الميزان ج 4 ص 137.

[39] تاريخ بغداد ج 11 ص 296

[40] وهذا ما يتبناه الكراكجي في كنز الفوائد ص262.

[41] لسان الميزان ج 4 ص 137.

[42] قال السمعاني في ترجمته:" هو من مدينة بالمغرب يقال لها مرندة ، وقد ذكرته في الأشج " انظر الأنساب ج 5 ص 262، عبد الكريم بن محمد ابن منصور التميمي السمعاني المتوفي سنة 562 ه‍ تحقيق: عبد الله عمر البارودي، الطبعة الأولى،  دار الجنان للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت – لبنان ، 1408 - 1988 م

[43] مستدركات أعيان الشيعة ج 3 ص 99، حسن الأمين، ( ت 2002 م) ، ط 1  دار التعارف للمطبوعات، بيروت لبنان 1989م.

[44] لسان الميزان ج 4 ص 140.

[45] منتهى المقال في أحوال الرجال، للشيخ محمد بن إسماعيل المازندراني ( ت: 1216هـ)، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت (ع) لإحياء التّراث – قم، الطبعة : الأولى، رمضان 1416هـ، ومعجم رجال الحديث ج 13 ص 98.

[46] الأنوار النعمانية ج2 ص7.

[47] معجم رجال الحديث ج 13 ص 98.

[48] الشيخ محمد الحرفوشي، عالم لغوي أديب شاعر، وهو من آل حرفوش، أمراء بعلبك المعروفين، وقد ترحم له الشيخ الحر في أمل الآمل، وغيره من الأعلام، انظر: أعيان الشيعة ج 10 ص 22.

[49] يقصد به الشيخ صالح بن سلمان العاملي.

[50] تكملة أمل الآمل ص 232.

[51] يقول الخطيب البغدادي:" وقد روى بعض الناس عن المفيد قال: بلغني أن الأشج مات في سنة سبع وعشرين وثلاثمائة وهو راجع إلى بلده"، انظر تاريخ بغداد ج 11 ص 397. ويؤكد العسقلاني أن وفاته كانت في سنة 327 هـ لسان الميزان ج 4 ص 135، وينقل قولا بموته في سنة 316 هـ ، المصدر نفسه ص 137.

[52] لسان الميزان ج 4 ص 139.أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ( ت 852 هـ) مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، ط 3 بيروت لبنان 1986.

[53] لسان الميزان ج 4 ص 137.

[54] لسان الميزان ج 4 ص 136.

[55] كنز الفوائد للكراجكي ص 262.

 






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon