حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » أنا طالب علم، لدي خوف من أن أتكلم بغير علم.. ما الحل؟
ج »

وعليكم السلام

لا بد لطالب العلم في مساره العلمي أن يتسلح بأمرين أساسيين:
الأول: الاستنفار العلمي وبذل الجهد الكافي لمعرفة قواعد فهم النص واستكناه معناه ودلالاته بما يعينه على التفقه في الدين وتكوين الرأي على أسس صحيحة.
الثاني: التقوى العلمية ويُراد بها استحضار الله سبحانه وتعالى في النفس حذراً من الوقوع في فخ التقوّل على الله بغير علم. ومن الضروري أن يعيش مع نفسه حالة من المحاسبة الشديدة ومساءلة النفس من أن دافعه إلى تبني هذا الرأي أو ذاك: هل هو الهوى والرغبة الشخصية أم أن الدافع هو الوصول إلى الحقيقة ولو كانت على خلاف الهوى.
أعتقد أن طالب العلم إذا أحكم هذين الامرين فإنه سيكون موفقاً في مسيرته العلمية وفيما يختاره من آراء أو يتبناه من موقف.

 
س » كيف علمنا أن الصحيفة السجادية ناقصة؟ وهل ما وجده العلماء من الأدعية صحيح؟؟
ج »

أقول في الإجابة على سؤالكم:

أولاً: إن الصحيفة السجادية في الأصل تزيد على ما هو واصل إلينا وموجود بين أيدينا، قال المتوكل بن هارون كما جاء في مقدمة الصحيفة: " ثم أملى عليّ أبو عبد الله (ع) الأدعية، وهي خمسة وسبعون باباً، سقط عني منها أحد عشر باباً، وحفظت منها نيفاً وستين باباً"، بيد أن الموجود فعلاً في الصحيفة الواصلة إلينا هو أربعة وخمسون دعاء. آخرها دعاؤه في استكشاف الهموم، وهذا آخر دعاء شرحه السيد علي خان المدني في رياض السالكين، وكذا فعل غيره من الأعلام.

ثانياً: إن سقوط عدد من أدعية الصحيفة وضياعها دفع غير واحد من الأعلام للبحث والتتبع في محاولة لمعرفة ما هو الضائع منها، وبحدود اطلاعي فإنهم عثروا على أدعية كثيرة مروية عن الإمام زين العابدين (ع)، لكنهم لم يصلوا إلى نتائج تفيد أن ما عثروا عليه هو من الأدعية الناقصة منها، ولذا عنونوا مؤلفاتهم بعنوان مستدركات على الصحيفة، ولم يجزموا أن ما جمعوه من أدعية هو الضائع من أدعية الصحيفة. وهذا ما تقتضيه الضوابط العلمية والدينية، فما لم يعثر الإنسان على نسخة قديمة موثوقة أو قرائن مفيدة للوثوق بأن هذا الدعاء أو ذاك هو من جملة أدعية الصحيفة فلا يصح له إضافة بعض الأدعية على الصحيفة بعنوان كونها منها.

ثالثاً: لقد ابتُلينا بظاهرة خطيرة، وهي ظاهرة الإضافة على الصحيفة أو غيرها من كتب الأدعية، وهذا العمل هو خلاف الأمانة والتقوى، وقد ترتّب على ذلك الكثير من المفاسد، وأوجب ذلك وهماً للكثيرين، فتوهموا أن بعض الأدعية هي جزء من الصحيفة السجادية المشهورة، ومردّ ذلك بكل أسف إلى أن مجال الأدعية والزيارات شرعة لكل وارد، وتُرك لأصحاب المطابع والمطامع! وأعتقد أن هذا العبث في كتب الأدعية والزيارات ناشئ عن عدم عناية العلماء بالأمر بهذه الكتب كما ينبغي ويلزم، كما نبه عليه المحدث النوري في كتابه "اللؤلؤ والمرجان" مستغرباً صمت العلماء إزاء التلاعب والعبث بنصوص الأدعية والزيارات مما يعدّ جرأة عظيمة على الله تعالى ورسوله (ص)!

رابعاً: أما ما سألتم عنه حول مدى صحة الأدعية الواردة بعد دعاء استكشاف الهموم، فهذا أمر لا يسعنا إعطاء جواب حاسم وشامل فيه، بل لا بدّ أن يدرس كل دعاء على حدة، ليرى ما إذا كانت قرائن السند والمتن تبعث على الحكم بصحته أم لا. فإن المناجاة الخمس عشرة بنظرنا لم تصح وربما كانت من وضع الصوفية، وقد أوضحنا ذلك بشكل مفصل في كتاب الشيع والغلو.


 
س » ابني المراهق يعاني من التشتت، وأنا جدا قلق ولا اعرف التصرف معه، ما هي نصيحتكم؟
ج »

التشتت في الانتباه في سن المراهقة مع ما يرافقه من الصعوبات هو في حدود معينة أمر طبيعي وظاهرة تصيب الكثير من المراهقين ولا سيما في عصرنا هذا.

وعلينا التعامل مع هذه المرحلة بدقة متناهية من الاستيعاب والتفهم والإرشاد والتوجيه وتفهم سن المراهق، وأن هذه المرحلة تحتاج إلى أسلوب مختلف عما سبقها.

فالمراهق ينمو لديه الإحساس بالذات كثيرا حتى ليخيل إليه أنه لم يعد بحاجة إلى الاحتضان والرعاية من قِبل والديه.

وبالتالي علينا أن نتعامل معه بأسلوب المصادقة "صادقه سبعا.." والتنبه جيدا للمؤثرات التي تسهم في التأثير على شخصيته واستقامته وتدينه، ومن هذه المؤثرات: الأصدقاء ووسائل التواصل الاجتماعي، فإن نصيبها ودورها في التأثير على المراهق هو أشد وأعلى من دورنا.

وفي كل هذه المرحلة علينا أن نتحلى بالصبر والأناة والتحمل، وأن نبتدع أسلوب الحوار والموعظة الحسنة والتدرج في العمل التربوي والرسالي.

نسأل الله أن يوفقكم وأن يقر أعينكم بولدكم وأن يفتح له سبيل الهداية. والله الموفق.


 
س » اعاني من عدم الحضور في الصلاة، فهل أحصل على الثواب؟
ج »
 
لا شك أن العمل إذا كان مستجمعا للشرائط الفقهية، فهو مجزئٌ ومبرئٌ للذمة. أما الثواب فيحتاج إلى خلوص النية لله تعالى بمعنى أن لا يدخل الرياء ونحوه في نية المصلي والعبادة بشكل عام.
ولا ريب أنه كلما كان الإنسان يعيش حالة حضور وتوجه إلى الله كان ثوابه أعلى عند الله، لكن لا نستطيع نفي الثواب عن العمل لمجرد غياب هذا الحضور في بعض الحالات بسبب الظروف الضاغطة على الإنسان نفسيا واجتماعيا.
لكن على الإنسان أن يعالج مشكلة تشتت الذهن أثناء العمل العبادي وذلك من خلال السعي الجاد للتجرد والابتعاد عن كل الهواجس والمشكلات أثناء الإقبال على الصلاة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، باستحضار عظمة الله عز وجل في نفوسنا وأنه لا يليق بنا أن نواجهه بقلب لاهٍ وغافل. والله الموفق.

 
س » أنا إنسان فاشل، ولا أتوفق في شيء، وقد كتب عليّ بالخسارة، فما هو الحل؟
ج »

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أولاً: التوفيق في الحياة هو رهن أخذ الإنسان بالأسباب التي جعلها الله موصلة للنجاح، فعلى الإنسان أن يتحرك في حياته الشخصية والمهنية والاجتماعية وفق منطق الأسباب والسنن. على سبيل المثال: فالإنسان لن يصل إلى مبتغاه وهو جليس بيته وحبيس هواجسه، فإذا أراد الثروة فعليه أن يبحث عن أسباب الثروة وإذا أراد الصحة فعليه أن يأخذ بالنصائح الطبية اللازمة وإذا أراد حياة اجتماعية مستقرة عليه أن يسير وفق القوانين والضوابط الإسلامية في المجال الاجتماعي وهكذا.

ثانياً: لا بد للإنسان أن يعمل على رفع معوقات التوفيق، وأني أعتقد أن واحدة من تلك المعوقات هي سيطرة الشعور المتشائم على الإنسان بحيث يوهم نفسه بأنه إنسان فاشل وأنه لن يوفق وأنه لن تناله البركة الإلهية.

إن هذا الإحساس عندما يسيطر على الإنسان فإنه بالتأكيد يجعله إنسانا فاشلا ومحبطا ولن يوفق في حياته ولذلك نصيحتي لك أن تُبعد مثل هذا الوهم عن ذهنك وانطلق في الحياة فإن سبيل الحياة والتوفيق لا تعد ولا تحصى.


 
س » ما هو هدف طلب العلم الذي يجب أن يكون؟
ج »

عندما ينطلق المسلم في طلبه للعلم من مسؤوليته الشرعية الملقاة على عاتقه ومن موقع أنه خليفة الله على الأرض، فإن ذلك سوف يخلق عنده حافزاً كبيراً للجد في طلب العلم والوصول إلى أعلى المراتب. أما إذا انطلق في تحصيله من موقع المباهاة أو إثبات ذاته في المجتمع أو من موقع من يريد أن يزين اسمه بالشهادة الجامعية ليُقال له "الدكتور" وما إلى ذلك، فإنه - في الغالب - لن يصل إلى النتيجة المرجوة.

وعلى كل إنسان منا أن يعي أنّنا في هذه الحياة مسؤولون في أن نترك أثراً طيباً، وأن نقوم بواجباتنا قبل أن يطوينا الزمان، إننا مسؤولون عن عمرنا فيما أفنيناه وعن شبابنا فيما أبليناه، وسنُسأل يوم القيامة عن كل هذه الطاقات التي منّ اللهُ بها علينا.

وأضف إلى ذلك، إنه من الجدير بالمسلم، أن لا يفكر في نفسه وما يريحه هو فحسب في طلبه للعلم، بل أن يفكر أيضاً في أمته والنهوض بها ليكون مستقبلها زاهراً، وهذا كله يحتم عليه أن يكون سقف طموحاته عالياً ليتمكن هو وأقرانه من الطلاب والعلماء من ردم الفجوة بيننا وبين الغرب الذي سبقنا على أكثر من صعيد.

باختصار: إن مسؤوليتنا ورسالتنا وانتماءنا لهذه الأمة يفرض علينا أن نعيش حالة طوارئ ثقافية وعلمية.


 
س » ما رأيكم في الاختلاط المنتشر في عصرنا، وكيف نحاربه؟
ج »

إنّ الاختلاط قد أصبح سمة هذا العصر في كثير من الميادين، ومنها الجامعات والطرقات والساحات وكافة المرافق العامة.. والاختلاط في حد ذاته ليس محرماً ما لم يفضِ إلى تجاوز الحدود الشرعية في العلاقة بين الرجل والمرأة الأجنبيين؛ كما لو أدى إلى الخلوة المحرمة بالمرأة أو مصافحتها أو كان المجلس مشوباً بأجواء الإثارة الغرائزية أو غير ذلك مما حرمه الله تعالى.

وفي ظل هذا الواقع، فإنّ العمل على تحصين النفس أولى من الهروب أو الانزواء عن الآخرين بطريقة تشعرهم بأن المؤمنين يعيشون العُقد النفسية. إن على الشاب المسلم أن يثق بنفسه وأن يفرض حضوره ووقاره، وأن يبادر إلى إقناع الآخرين بمنطقه وحججه، وأن يبيّن لهم أن الانحراف والتبرج والفجور هو العمل السيّئ الذي ينبغي أن يخجل به الإنسان، وليس الإيمان ومظاهر التدين.

وأننا ندعو شبابنا عامة وطلاب الجامعات خاصة من الذكور والإناث إلى أن يتزينوا بالعفاف، وأن يحصنوا أنفسهم بالتقوى بما يصونهم من الوقوع في الحرام.


 
س » كيف يمكن التخلص من السلوكيات والعادات السيئة؟
ج »

إن التغلب على السلوكيات الخاطئة أو العادات السيئة – بشكل عام – يحتاج بعد التوكل على الله تعالى إلى:

أولاً: إرادة وتصميم، ولا يكفي مجرد الرغبة ولا مجرد النية وانما يحتاج بالإضافة إلى ذلك إلى العزم والمثابرة وحمل النفس على ترك ما اعتادته.

ثانياً: وضع برنامج عملي يمكّن الإنسان من الخروج من هذه العادة السيئة بشكل تدريجي؛ وأرجو التركيز على مسألة "التدرج" في الخروج من هذه العادات السيئة؛ لأن إدمان النفس على الشيء يجعل الخروج منه صعباً ويحتاج إلى قطع مراحل، وأما ما يقدم عليه البعض من السعي للخروج الفوري من هذه العادة، فهو - بحسب التجربة - سيُمنى في كثير من الأحيان بالفشل. والله الموفق


 
 
  كتب >> قراءات في الكتب
قراءة في كتاب: تنزيهاً لرسول الله(ص)
قراءة لرحيل دندش



 

أصبحت الحاجة إلى نقد التراث الديني أمراً مُلحاً وضرورياً، وخصوصاً أن الكثير من الموروثات الدينية تحوّلت إلى عقائد ويقينيات مطلقة اكتسبت صفة القداسة والحاكمية والتوجيه، بفعل انعدام مدارس التفكير النقدي في مختلف مراحل التاريخ الإسلامي. وتكمن الخطورة في أن الكثير من الموروثات المنقولة التي ظلَّ العقل أسيراً لها تسيء إلى الإسلام وإلى شخص رسول الله النبي محمد(ص)، وهو الذي لا ينطق عن الهوى.. وقد جاء المنهج التبريري الذي يقوم على الاعتقاد الوهمي بـ"صفاء" الموروث الديني،  ليبرر الكثير من المقولات والتصرفات التي نسبت إلى مفاهيم ورموز دينية إسلامية، في حين أن الإسلام حضَّ على استخدام العقل والتفكُّر والتبصُّر والتأمُّل.وكتاب "تنزيها لرسول الله(ص) قراءة نقدية في مقولة زواج النبي من السيدة عائشة في التاسعة من عمرها" لسماحة العلامة الشيخ حسين الخشن الصادر عن المركز الإسلامي الثقافي، يأتي ليدفع الشبهة والإشكالية على مسألة هي من المشهورات في التاريخ الإسلامي، وهي مسألة زواج النبي(ص) من السيدة عائشة عندما كان(ص) في الستين من عمره الشريف وهي في التاسعة من عمرها، والتي وجد فيها المستشرقون وبعضٌ من كتّاب العرب فرصةً للنيل من قداسة ونزاهة الرسول حسب ما قال مدير المركز السيد شفيق الموسوي في مقدمة الكتاب.

 

يَعتبر الشيخ الخشن أن الطريق والمنهج للتعامل مع المقولات الموروثة هو وضعها تحت سؤال الدليل والشرعية، الذي لا يكتفي بوثاقة رجال السند ورواة الحديث، بل يحلّل المضمون بكلّ أمانة ويحاكمه بكل دقّة، وهذا المنهج العلمي كما عبر عنه هو "صناعة قرآنية"، فقد نصّ القرآن الكريم على ضرورة اعتماده في مواجهة الدعاوى والمزاعم {قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين}.

 

 ويقول سماحته "إن المبرر المنطقي لاعتماد هذا المنهج حتى في القضايا المشهورة والمقولات السائدة والمتداولة، هو علمنا بأن كثيراً من هذه المشهورات، لا أصل لها، وهي إن لم تكن من الموضوعات من أصلها، فإنها ربما تشكّلت بطريقة عاطفية وليست علميّة، كما تتشكل الكثير من الأساطير والخرافات التي تنطلق في بادئ الأمر من التباس معيّن، ومن ثمّ تغذيها حاجة دفينة لدى الإنسان تشدّه إليها، وتستعين بخيال خصب وأدوات ترويج مختلفة، وهكذا تتحول الخرافة إلى حقيقة، والأسطورة إلى أمر واقع".

 

ويُرجّح بأن المقولات التاريخية التي تلقيناها بتسليم وخضوع تامّين دون أن نُخضعها للفحص العلمي، والنقد الموضوعي ليست قليلة، بل هي كثيرة جداً، وبعض هذه المقولات تتصل بحياة النبي محمد (ص) عموماً وحياته الزوجيّة خصوصاً.

 

ولعل واحدة من أبرز تلك المقولات قضية زواجه(ص) من أم المؤمنين عائشة وهي في التاسعة من عمرها بينما كان هو في العقد السادس من عمره!

 

وتكمن الخطورة في هذه المقولة أنها تعد من المشهورات عند المسلمين، وأصبحت مستنداً رئيساً يعتمد عليه فقهاء المسلمين في فتواهم باعتبار التاسعة هي السّن الشرعي للزواج اقتداءً برسول الله وعملاً بسنته لأنه (ص) مصدر الشرعيّة في كل أفعاله وأقواله، ما لم يقم دليل على أن الأمر من مختصاته.
كذلك "أضحت مثاراً للإشكال من قبل البعض، ومدعاة للاستغراب من قبل بعض آخر، ولم يعد الكثيرون من أبناء هذا الجيل من المسلمين –قبل غيرهم- يتقبّلون هذه الفكرة أو يتفهمونها بسهولة، ولذا فلا عجب إن استغلها أعداء الإسلام استغلالاً سيئاً بهدف تحطيم صورة الإسلام أو تشويهها والإساءة إلى النبي(ص) والطعن في شخصيّته واتهامه بالشذوذ والانحراف الجنسي" والعياذ بالله.

 

بالإضافة إلى ذلك، يتناول الكتاب باختصار قضيتين أُخريين تتصلان بالحياة الزوجية لرسول الله(ص)، وقد حاول البعض التمسّك بهما للنيل من نزاهته واعتبارهما دليلاً على ما أسموه "شهوانية" النبي(ص) وهاتان القضيّتان هما: تعدّد زوجاته(ص) وزاوجه من السيدة زينب بنت جحش.

 

وفي هذه الدراسة يستعرض الشيخ الخشن بعض المقدمات الضرورية التي تسبق البحث وأوَّلها هي حاجة التاريخ إلى الغربلة والتدقيق وقال: "لا ينبغي أن تمنعنا شهرة الحادثة أو الرواية، من إخضاعها للبحث والدرس حتى لو كانت روايتها مشهورة ومتداولة، فإن ذلك لا يجعلها من المسلّمات أو القطعيات، ولا سيّما بملاحظة أن هذه الشهرة لم تنطلق من تواتر روايات هذه القصة، وإنما هي قضية تنتهي في نهاية المطاف إلى أشخاص معدودين لا يتجاوزون عدد أصابع اليد الواحدة، بل ربّما انتهت إلى شخص واحد".

 

 والمقدمة الثانية التي  يسجّلها هي ضرورة أن يضع الباحث في قضية زواج النبي(ص) من السيدة عائشة في الحسبان أن مسألة طقوس الزواج والعلاقة بين الجنسين لا يصح إخضاعها لرؤيتنا الثقافية المعاصرة والتي فرضت علينا جملة من العادات والتقاليد مما لم تعرفه الشعوب في العصور المنصرمة، ولذا ينبغي درس هذه القضية طبقاً لسياقاتها التاريخية وظروفها الزمانية والمكانية والخاصة.

 

المقدمة الثالثة يتطرق فيها سماحة الشيخ إلى الحديث عن رساليّة النبي ومكارم أخلاقه فيقول: فإن النَّبي ومهما قيل عن تماشيه مع الظُّروف التاريخية، وانسجامه مع مقتضيات الفطرة في العلاقة مع الجنس الآخر، باعتبار حاجة الإنسان ولو كان نبياً أو وليّاً إلى المسألة الجنسية، فإنه يبقى صاحب رسالة سماوية، وسلوكه يمثّل تشريعاً وقدوة، ومن هذا المنطلق فإنه قد لا يتماشى مع ما هو سائد في زمانه من علاقات أو عادات، بل هو معني بمواجهة كل ما هو مخالف للفطرة أو مسيء للكرامة الإنسانية، مؤكداً أن حياء النبي ومحاسن أخلاقه التي اشتُهر بها تشكّل ضابطاً رئيساً يتمُّ بموجبه محاكمة بعض النصوص والروايات.

 

وفي المقدمة الرابعة، يؤكد سماحته على أن ليس في قاموس المستحبّات ولا الواجبات شيء اسمه الرهبنة والتبتّل أو العزوف عن الدنيا وملذّاتها، لأن ذلك يشكّل عزوفاً عن مقتضى الجِبِلّة الإنسانية وجنوحاً عن الطبيعة البشرية، وعلى ضوء ذلك فليس مطلوباً من الأنبياء ولا ممدوحاً لهم أن يختاروا الرهبنة سبيلاً في الحياة، والنبي محمد(ص) هو كغيره من الأنبياء فليس من المنطق تجريده من عواطفه وأحاسيسه وغرائزه، إلا إذا أُريد تجريده من بشريته، ليكون ملكاً من الملائكة، وهذا خلاف الحكمة الإلهية التي قضت بأن يكون الرسول المبعوث إلى البشر من جنسهم وطينتهم ليتسنى لهم بذلك الاقتداء به، والسير على خُطاه، واتخاذه لهم مثلاً أعلى لهم في الحياة.

 

والمقدمة الأخيرة يلفت الشيخ الخشن إلى أن مدرسة أهل البيت(ع) ترى لأمهات المؤمنين جميعهن حرمة خاصة، لأنهن عِرضُ رسول الله(ص)، ولا يجوز لمسلم النّيل منهن أو التعرّض لهن بسوء أو بسبٍّ أو قذف أو رميهن بالفاحشة، ولو صدر ذلك من مسلم، فيلزم تأديبه لإساءته الأدب مع رسول الله(ص)  ونيله من عرضه من حيث يدري أو لا يدري.

 

بعد هذه المقدمات، يعمد الشيخ الخشن إلى الحديث عن العلاقات الزوجيّة لرسول الله، وخصوصاً أنها وقعت محلاً للإشكال من قبل الكثيرين، مُرجعاً سبب هذا الإشكال بسبب رئيسي إلى التراث الإسلامي المحمل بالمقولات التي تتحدث عن علاقاته(ص) الزوجية بطريقة غير متوازنة، بل مبالغ فيها، ومسيئة في بعض الأحيان، ما شكّل مادة للدراسات الاستشراقية، فيتحدث عن ثلاث قضايا مفنداً إياها: 

 

الأولى هي تعدد زوجات النبي، فقد اجتمع لديه منهن تسع نساء في وقت واحد في حين أن المسلم لا يجوز له أن يجمع أكثر من أربع زوجات

 

ثانيها: قضية زواجه من زينب بنت جحش، بعد أن رآها -كما زُعِم- وهي في لباس غير محتشم، الأمر الذي تسبب بطلاقها من زوجها زيد بن حارثة، وتزوّجها رسول الله(ص) بعد ذلك.

 

ثالثها: إقدامه على الزواج بصغيرة في السنّ، حيث لم يتجاوز عمرها عندما أُدخلت عليه تسع سنوات، وهي أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر، ويدرس هذه القضية  عبر ثلاثة محاور:

 

- المحور الأول: في دراسة المضمون الداخلي للروايات(نقد المتن).

 

-    المحور الثاني: في نقد السَّند وملاحظة الشواهد المعارضة.

 

-    المحور الثالث: في محاولة التعرّف على من نَسَجَ هذه القصة، ومن له مصلحة في نشرها.

 

يُعد هذا المؤلَّف لسماحة الشيخ حسين الخشن -كما ما يسبقه من مؤلفات- من الكتب القيِّمة والجديرة بالاهتمام والقراءة، لما يحويه من الخلاصات الهامة والتي تمثل مسألة عدم ثبوت قصة هذا الزواج بالطريقة التي اشتُهر بها من أبرز تلك الخلاصات التي دعمها بالشواهد والقرائن، منزهاً بذلك الرسول الأكرم(ص) عما يُنسب إليه مما يسيء ويشوّه صورته الناصعة.. مرجحاً أن السيدة عائشة كانت امرأة ناضجة عمرها حوالي العشرين عاماً أو ما هو قريب من ذلك حينما تزوجها الرسول (ص) قائلاً: "إنه لا ثقافة عائشة، ولا وعيها، ولا دورها الذي قامت به مع بداية حياتها الزوجيّة، تساعد على قبول أنّها كانت آنذاك في العقد الأول من عمرها".

 

 ولعلَّ في تلك المسألة -وغيرها الكثير- ما يدفع بإلحاح إلى إعادة النظر في تراثنا الإسلامي وتحليله والعمل على التأسيس لإصلاح فكري من شأنه  إحداث التغيير الفعلي للكثير من القناعات التي تتعارض مع القيم الدينية الصافية.
 





اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon