حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » سلام عليكم، كيف برأيكم يكون الخطيب ناجحاً ومؤثراً؟
ج »

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

يمكن أن أشير إلى عدة أمور:

أولاً: في اختيار الموضوعات: أنصح أن يأخذ الخطيب عناوين محاضرته من الواقع وما يضج به من أسئلة وإشكالات وعناوين كثيرة في المجال التربوي والسياسي والبيئي والصحي ومن ثم يأتي بأسئلته هذه إلى الكتاب والسنة ليستنطقها بشأن ذلك ويبني موضوع المحاضرة وفق المنهجية العلمية الموضوعية.

وبهذا يكون الخطيب ناجحاً ومؤثراً ولا يكون حديثه بعيداً عن ابتلاء الناس واهتماماتهم.

ثانياً: القراءة المتنوعة: لا بدّ للخطيب أن يمتلك ثقافة إسلامية واجتماعية وتربوية... والثقافة الإسلامية يفترض أن تكون الأولوية بحيث يضع لنفسه برنامجاً دائماً سنوياً أو أسبوعياً أو يومياً للقراءة المركزة في المجالات العقدية والفقهية والتفسيرية (تفسير القرآن) والمفاهيمية والتربوية والأخلاقية والتاريخية... وهذا يشكل له خلفية ثقافية تكون له زاداً يمدّه بالموضوعات ويمنحه العمق والشمولية في الطرح، وليس من الصحيح أبداً أن يقتصر على القراءات ذات الشأن العزائي وما يدور في هذا الفلك. وهذه القراءة لا بد أن تكون مستمرة ودائمة.

 


 
س » ما هو الدليل على أن القرآن من السماء وليس من تأليف النبي؟
ج »
أخي الكريم لقد كُتبت العديد من الكتب والدراسات لإثبات هذا الأمر وأن القرآن الكريم هو كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلقه. ولو أردت أن أضيف هنا لقلت: أن صاحب هذا التشكيك إما أنه يؤمن بنبوة سيدنا محمد (ص) أو ينكرها:
أ‌- فإن كان يؤمن بنبوته، فعليه التصديق بأن القرآن هو كلام الله تعالى أوحى به لنبيه، لأنه (ص) يقول بالفم الملآن إن هذا القرآن هو من عند ربي، ولم أزد عليه حرفاً واحداً من تلقاء نفسي، {ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين}.
ب‌- وإن كان ينكر نبوته (ص)، فهنا سبيلنل لإقناعه هو بالرجوع إلى دلائل النبوة، وما امتاز به هذا القرآن من علوٍ في مضامينه ومن منظومة عقدية وتشريعية، ومن قوة بلاغية، وما اشتمل عليه من إشارات علمية إعجازية ومن قوته المعنوية الآسرة للقلوب والمهيمنة على العقول، ناهيك عن إقرار عشرات المفكرين والفلاسفة والعظماء بأنه ليس من بنات أفكار محمد (ص). إن ذلك هو بعض الشواهد والدلائل على أن مرجعية القرآن الكريم هي الوحي وليس من تأليف شخص عاش في جاهلية  جهلاء ووسط أمة أمية لا تعرف القراءة ولا الكتابة.

 
 
  مقالات >> متنوعة
ثمن الحرية
الشيخ حسين الخشن



في أيام التحرير والإنتصار يطرح السؤال نفسه: كيف نحفظ انجاز التحرير؟ وكيف نفهم الحرية نفسها ؟ وكيف نمارسها ؟
 
 
1- قيمة الحرية

 

الحرية هي دون أدنى شك قيمة رائعة من أجمل القيم الإنسانية وأغلاها:

 

1-  فهي فطرة إنسانية فطر الله الناس عليها، فلدى كل منا نزوع فطري نحو التحرر ورفض العبودية والرقية والاستبداد. 

 

2- وقيمة الحرية تساوي الإنسانية وتضاهي الكرامة وتمنح الحياة معناها ومغزاها، هي روح الإنسان وهي الهواء الذي يتنفسه.

 

3-  هي سر الإبداع لديه، فالإنسان لا يمكن أن يكون مبدعاً وخلاقاً إن لم يكن حراً، فالحرية تؤمِّن فضاءً مناسباً للابداع والابتكار وتشكل منطلقاً للتغيير .

 

4-  والحرية هي سرّ تمايز الإنسان، وهي التي جعلته أفضل من الملائكة، فحرية الإنسان في أن يتمرد حتى على خالقه أو أن يطيعه ويعبده هي التي ميزته على الملائكة التي لا تعرف إلاّ الطاعة، لأنّ الملك مجبور على أن يطيع، بينما الإنسان يختار الطاعة عن وعي وإرادة، والله تعالى أرادنا أن نعبده من موقع الحرية والإرادة لا من موقع الجبر والقسر.

 

5-  إنّها مجمع الفضائل الإنسانية، لأنّ معنى أن تكون حراً، أن تكون عزيزاً أبياً شريفاً مقاوماً كريم النفس لا ترضى بالذل والهوان، ومن هنا كان شعار "هيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك" هو شعار الأحرار على مرّ التاريخ..  

 

2-  عبودية الله منطلق الحرية

 

وإننا نستمد روح الحرية من الله تعالى، لأنه واهب الحرية وهو يحب الأحرار والشرفاء وهو ملهمهم ومعينهم، وقد  أراد للناس أن يظلّوا أحراراً كما خلقهم،  فعن علي(ع): "إنّ آدم لم يلد عبداً ولا أمة وأن الناس كلهم أحرار" .

 

أجل، إنّ الله تعالى يريدك أن تكون عبداً له، وحراً أمام العالم، وعبوديتك لله لا تنافي تطلعلك للحرية، بل إنها تنمي فيك إحساساً قوياً بضرورة التحرر من كل القيود، فمن رضي بعبودية الله فهو يهين نفسه عندما يستعبدها لغير الله.

 

3- تعميق الحرية في النفوس 

 

في ضوء ما تقدم، فإننا مسؤولون عن أن نبني مجتمع الأحرار، ولن يتسنى لنا ذلك إلاّ بتعميق قيمة الحرية في النفوس وتأصيلها في واقع الإنسان وحركة حياته، انسجاماً مع فطرتنا وتطلعاتنا الغريزية، وبناء مجتمع الأحرار يفرض:

 

 أولاً: أن نبدأ بأنفسنا لنحترمها ونكرّمها، فليس مسموحاً لك إهانة نفسك وإذلالها، "لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً"، أي أنّ الحرية تبدأ من داخل النفس الإنسانية، وإذا عشت الحرية في داخلك فلا يمكن لأحد أن يهزمك أو أن يفرض عليك العبودية، فالاستبداد لا يمكن أن يفرض عليك إن لم تكن لك قابلية الاستبداد، ولا شك أنّ من يعيش الحرية في داخله لا يمكن أن ينهزم بل سيبقى حراً ولو أودع في السجون، فعن الإمام الصادق (ع):" إنّ الحر حر في جميع أحواله إن نابته نائبة صبر لها وإن تداكت عليه المصائب لم تكسره وإن أسر وقهر واستبدل باليسر عسراً كما كان يوسف الصديق الأمين لم يضر حريته أن استعبد وقهر وأسر.."

 

ثانياً: علينا أن نربي أبناءنا على ثقافة الحرية وننمي فيهم الإحساس بقيمة الحرية، ولا يحق لنا أبداً أن نذلهم أو نهينهم أو نقهر شخصيتهم أو نصادر حريتهم، وإلاّ سوف يكونون في المستقبل إما طغاة مستكبرين وإما أذلاء خانعين، والشخصية الذليلة الخانعة لا يمكن أن تنال حرية واستقلالاً أو تواجه ظالماً أو مستعمراً أو محتلاً، يقول الشاعر:

 

من يهن يسهل الهوان عليه         ما لجرح بميت إيلام

 

4- ثمن الحرية

 

والحرية لا تعطى ولا تمنح من أحد وإنما تنتزع انتزاعاً وتؤخذ غلاباً، وهي لا تنال بالمجان، بل إنّ ثمنها - في الغالب - يكون باهظاً، وهو المعاناة والمكابدة وبذل التضحيات، وهذا ما يعطيها طعماً خاصاً وقيمة مضاعفة، لأنّ ما يناله الإنسان بالمجان، فإنّه لن يقدّر قيمته، وقد يضيعه بسهولة، بينما الشيء الذي يناله بعرق الجبين، فإنّه يحافظ عليه ويحميه بأشفارالعيون، إنّ الإنسان الحر يأبى المهانة وعيش المذلة، وموت العزة عنده خير من حياة الذل، أليس هذا هو درس كربلاء؟ بلى إنه درس الحرية والكرامة: "هيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون"، وفي الحديث عن الإمام الباقر (ع):"إنّ يزيد بن معاوية دخل المدينة وهو يريد الحجّ فبعث إلى رجل من قريش فأتاه فقال له يزيد: والله يا يزيد! ما أنت بأكرم منّي في قريش حسباً، ولا كان أبوك أفضل من أبي في الجاهليّة والإسلام، وما أنت بأفضل منّي في الدّين، ولا بخير منّي فكيف أُقرّ لك بما سألت؟.

 

فقال له يزيد: إن لم تقرّ لي والله قتلتك، فقال له الرّجل: ليس قتلك إياي بأعظم من قتلك الحسين بن عليّ عليهما السلام ابن رسول الله صلى الله عليه وآله فأمر به فقُتل. 

 

إنّ ما ننعم به اليوم من عزة وكرامة بعد التحرير وبعد انتصار تموز لم ننله بالمجان، بل كان ثمنه دماً عزيزاً ومعاناة أسير وأنين طفل ووجع شيخ ودموع أمٍّ ثكلى .. ولهذا علينا أن نحفظ نعمة الحرية هذه، وأن لا نسمح لأحد بأن يعيدنا إلى زمن الاحتلال والمعاناة، أو يدخلنا نفق الاحتراب المذهبي، أو يجعلنا نفقد البوصلة الصحيحة التي تؤشر إلى فلسطين وإلى أنّ عدونا الأساس هم المحتلون الغاصبون، إنّ الإحتراب المذهبي سيفقدنا طعم الحرية، بل أخشى أن يعيدنا إلى زمن الإحتلال والعبودية، لأنه سيهيء الفرصة الذهبية لعدونا بأن يعاود الإمساك بأرضنا وأن يذل إنساننا، وإذا فرضت علينا معركة هنا أو هناك فلا يجوز أن نغيّر قناعتنا وبوصلتنا وقبلتنا .

 

لهذا إذا أردنا أن نحمي حريتنا وعزتنا وكرامتنا فعلينا في هذه المرحلة الحساسة من تاريخنا(مرحلة الفتنة الداخلية) أن نتحلى بالوعي والحكمة وأن لا ننجرّ إلى الانفعال وأن لا تستفزنا العصبيات، ولا سيما العصبيات المذهبية التي تسلب الإنسان إنسانيته وتحولّه إلى أسوأ من الوحش المفترس !

 

5- الحرية في مواجهة الغريزة

 

والحديث عن الحرية في مواجهة المستكبرين والظالمين الذين يعملون على استعباد الناس أو قهرهم أو ظلمهم لا ينبغي أن ينسينا أن نكون أحراراً في مواجهة الشيطان والنفس الأمارة بالسوء، فلا نخضع لشهواتنا عندما تدعونا إلى معصية الله ولا ننقاد لغرائزنا التي تريد أن تستذلنا وتسترقنا، فإنّ العبوديّة للشهوات والمطامع والغرائز لا تقل هواناً عن العبودية للسلاطين والمستكبرين، فعن علي(ع):" عبد الشهوة أذل من عبد الرق"، وعن أمير المؤمنين(ع):"لا يسترقنك الطمع وقد جعلك الله حراً"، بل إنّ الحرية والعزة في مواجهة الظالمين والمستكبرين لا يصنعها إلاّ من كان حراً في مواجهة أطماعه وخوفه ونفسه الأمارة بالسوء والتي تدعوه إلى الدعة والسلامة.   
 





اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon