ج »
يمكن أن أوجز رأيي في نقطتين مختصرتين:
أولاً: أعتقد أنّ مدرسة الحكمة المتعالية مثلت في مرحلتها خلاصة الفلسفة الإسلامية لجهة عمقها ونضجها، وعلى يدي صاحب هذه المدرسة أعني صدر المتألهين الشيرازي تبلورت الكثير من المفاهيم الفلسفية بشكل واضح وجلي ومؤصل. وقد امتازت مدرسته بمزايا كثيرة، ومن أبرزها أنها وعلى الرغم من نقدها للمدرسة المشائية ورمزها الكبير ابن سينا قد توافقت معها على أهمية ومحورية البرهان في البناء المعرفي، ولم تكتف أبداً بالعرفان والكشف والشهود، وبذلك جمعت بين المدرستين – أي المشائية والإشراقية - ومدّت جسور التواصل بينهما، مع ميل واضح وجلي إلى مدرسة الإشراق والعرفان، ولا سيما إلى أفكار رمزها الكبير ابن عربي، صاحب الفتوحات المكية، وفي الوقت عينه فقد حرصت مدرسة الحكمة المتعالية على إظهار تناغم الأفكار الفلسفية والعرفانية وتوافقها التام مع نصوص القرآن الكريم، وحذت بذلك حذو ابن رشد في كتابه "فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من اتصال"، وبذلك غدا القرآن والعرفان والبرهان في حالة اتساق واتفاق تام في رؤية هذه المدرسة.
ثانياً: إنّ هذه المدرسة وما تميزت به من رؤى فلسفية، وأفكار ملهمة ومؤثرة من قبيل فكرة الحركة الجوهرية أو نظرية وحدة الوجود جديرة بالبحث والتأمل والنقد والدراسة. وفي هذا السياق أرى أننا – من جهة - معنيون بالتعريف بهذه المدرسة فهي لا تزال مجهولة في بعض الحواضر العلمية، مع أنه ليس من الحكمة في شيء إهمالها أو تجاوزها أو التعامل معها باستخفاف، ومدعوون - من جهة ثانية – إلى مدارستها بطريقة نقدية ومقارنة مع النظريات الفلسفية الغربية أو غيرها، لأننا لا نرى مبرراً للجمود على أفكارها، فضلاً عن إعطاء رموزها - ولا سيما صدر المتأهلين – هالة مبالغاً بها من القداسة، بما يمنع من ممارسة نقد أفكارهم بحرية تامة، وكأن التفكير الفلسفي قد انتهى بعدهم، إنّ هذا ليس صحيحاً ولا يخدم الحكمة ولا الحقيقة ولا الإنسان.