حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » هل ممكن إثبات وحيانية القرآن وعدم تحريفه من خلال مضمونه؟
ج »

إن الوحي الإلهي في عملية وصوله إلى البشر يحتاج إلى مرحلتين أساسيتين ليصلح كمصدر معصوم وعلى البشر الانقياد له، وهما:

المرحلة الأولى: مرحلة التلقي عن الله تعالى، بمعنى أنه حقاً وحي نزل من قِبل الله تعالى على رسول الله (ص).

المرحلة الثانية: مرحلة الصدور عن النبي (ص) والوصول إلينا سالماً من التحريف.

 

أما بالنسبة إلى المرحلة الثانية، أعني إثبات صحة صدوره عن رسول الله (ص) وعدم تعرضه للتحريف من بعده. فتوجد عشرات الدراسات والكتب والمصادر التي تؤكد على عدم تعرض القرآن الكريم للتحريف، وقد بحثنا هذا الأمر بشكل مفصل وأقمنا أدلة كثيرة على أنّ هذا القرآن هو عين القرآن الذي جمعه النبي (ص) ودونه وانتشر بعد ذلك بين المسلمين جيلاً بعد جيل، راجع كتابنا "حاكمية القرآن الكريم": الرابط  https://al-khechin.com/article/632

 

أما بالنسبة للمرحلة الأولى، أعني إثبات وحيانية الكتاب وأنه ليس مختلقاً من النبي (ص) أو من وحي الخيال، فهو أمر نستطيع التوثق منه بملاحظة العديد من العناصر التي - إذا ضمت إلى بعضها البعض - تورث الإنسان اليقين بأن هذا الكتاب لا يمكن إلا أن يكون وحياً من الله تعالى، وهذه العناصر كثيرة وأهمها:

 

أولاً: ملاحظة المنظومة المعرفية المتكاملة والرؤية الكونية والوجودية المتماسكة التي جاء بها القرآن، ففي عصر عرف بالجاهلية والخواء الفكري، يأتي محمد (ص) بكتاب يمثل منعطفاً تاريخياً بما يتضمنه من تأسيس معرفي لرؤية فكرية جديدة، إن فيما يتصل بالخالق وصفاته وعلاقة المخلوق به، أو رحلة المبدأ والمعاد، أو يتصل بالكون ودور الإنسان فيه، أو ما ما تضمنه من نظام اجتماعي وأخلاقي وروحي، وعلى القارئ الموضوعي للقرآن أن ينظر إليه نظرة واسعة وشمولية ولا يغرق في بعض الجزئيات المتصلة ببعض الآيات المتشابهة التي أشكل عليه فهمها بما يحجب عنه ما رسالة القرآن الحقيقية. وأنصحك بقراءة كتاب "وعود الإسلام" للمفكر والفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي في هذا الشأن، وكتاب "الإسلام كبديل" للمفكر الألماني مراد هوفمان.

 

ثانياً: نظم القرآن، فإنّ كل منصف أمعن ويمعن النظر والتأمل والتدبر في آيات القرآن، لا مفر له من الاذعان أنّه أمام نصٍّ عظيم ومتميّز في تماسكه وتناسق موضوعاته وعلو مضامينه، وعمق معانيه، والقوة في حججه وبراهينه، والبلاغة العالية في أسلوبه المتميز عن النثر والشعر، وفي ألفاظه وجمله وتراكيبه مما يأخذ بالألباب والعقول. وسوف لن يتوانى عن الإقرار بأنّ هذا الكتاب هو - كما وصف نفسه - قول فصل: {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ} [الطارق 13- 14] خالٍ من التناقض والاختلاف، {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء 82] وأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

 

باختصار: إنّ في آيات القرآن الكريم كيمياءً خاصة وروحاً عجيبة وعذوبة فائقة الجمال وقوة بيانية ومضمونية لا تضاهى، ولا شك أنّ من وطّن النفس على اتباع الحق وأصغى إلى آيات الكتاب بمدارك العقل ومسامع القلب سوف يرى فيها جاذبية ونورانيّة مميزة وروحانية عالية، كما أنّ فيها نُظماً راقية ومتقدمة لا يمكن أن تبلغ قوّتها وعمق مضامينها وتدفق معانيها أي نصوص أخرى. وهذا في الوقت الذي يدل على إعجاز القرآن فهو يدل أيضاً على عدم تعرضه للتحريف.

وإنّ الجاذبيّة المذكورة لآيات القرآن الكريم هي مما اعترف بها البلاغاء العرب وكثير من الحكماء من المسلمين وغيرهم، ولم يجرؤ فطاحلة الشعراء والأدباء من العرب أن يعارضوه بطريقة جديّة ذات قيمة رغم تحديه لهم ودعوتهم إلى معارضته، قال سبحانه: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء 88] وما هذا إلا دليل على قوة القرآن وعدم وجود أية ثغرة فيه أو زيادة أو نقيصة.

 

ثالثاً: ملاحظة صفات الشخصية (ص) التي جاءت بهذا الكتاب، فهو شخص أمّي لم يدرس عند أحد ومع ذلك أتى بهذا القرآن بكل ما يتضمنه من تناسق مبدع ومضمون روحي ومعرفي غير مسبوق، وكذلك ملاحظة سيرته وأقواله وسلوكه الشخصي وخصائصه الذاتية التي تؤكد على تمتعه بأعلى درجات النزاهة والصدقية والطهارة، ومعلوم أنّ حياة الإنسان هي أهم مختبر لصدقية طروحاته ومقولاته، ويلي ذلك دراسة مشروعه الثقافي والحضاري وما تتضمنه رسالته من معارف ومفاهيم لم يعرف الإنسان عنها إلا القليل، ويلي ذلك ملاحظة إنجازاته وحجم التأثير والتغيير الذي أحدثه في المجتمع، والمقارنة بين ما جاء به وبين الموروث الثقافي في السائد في مجتمعه أو الذي جاءت به الكتب الأخرى، فإنّ البشر مهما كان عبقرياً لا يتسنى له أن يخرج عن الموروث الثقافي الذي يحكم بيئته الاجتماعية، فعندما ترى شخصا قد أوجد انقلاباً حضارياً معتمداً على منظومة فكرية وثقافية لا تمت بصلة إلى المستوى الثقافي لمجتمعه، فهذه القرائن وسواها قد تورث اليقين بصدقيته، أأسميتها معجزة أم لم تسمها.

 

رابعاً: أما بعض التفاصيل مثل قضية طول عمر الإنسان، أو قضية يأجوج ومأجوج، أو غيرها، فهي قضايا تسهل الإجابة عليها، ولا أعتقد أنها تشكل معضلة كبيرة، إذا أخذنا بعين الاعتبار أمرين:

 الأول: أن التجارب العلمية لا تزال تفاجئنا كل يوم بجديد وأنّ ما قد نخاله اليوم غير معقول قد يصدقه العلم بعد غد. 

 الثاني: إنّ فهم الكتاب وآياته، ليس محكوماً بالقراءة العرفية اللغوية، وأنّ ثمة مجالاً للقراءة الرمزية – على الأقل – بالنسبة لصنف من الآيات القرآنية.


 
س » هل صحيح إن الإسلام الحنيف لم يسمح لغير الفقهاء بالإفتاء الشرعي ، ولكن الكلام في العقيدة والمسائل الثقافية هو حقٌَ للجميع ، ولكن لابد أن يكون الكلام عن علم ومعرفة ؟
ج »
إن الافتاء بغير علم أمر مبغوض عقلا وشرعا، قال تعالى: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (الإسراء ٣٦) 

 

ولا يفرق الحال في مبغوضية وكراهية الكلام بغير علم بين الفقه والعقيدة والتاريخ وغيرها من العلوم. ولا يجوز للإنسان، في كل ما لا يملك معرفته، أن يتحدث بضرس قاطع فيه. وبالتالي فإن على الجاهل أن يتعلم ويرجع إلى العالم. والرجوع إلى العالم، هو أيضا أمر عقلاني جرت عليه سيرة العقلاء، وقد أرشد إليه الشارع في قوله تعالى:  ۚ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (النحل ٤٣)
 
أجل، إذا كان ثمة فارق بين الحقل الفقهي والحقل العقدي، فليس لانه يحرم في الفقه الإفتاء لغير الفقهاء بينما في العقيدة يجوز ذلك لغير الفقهاء؛ كلا، إن كان ثمة من فارق، فهو أن على الإنسان في المجال العقدي أن يكون مجتهدا في أمهات قضايا العقيدة ولا يجوز له التقليد خلافا للمجال الفقهي حيث يجوز له التقليد، إلى غيرها من فوارق.. والله الموفق

 
 
  مقالات >> اجتماعية
الشباب والغريزة الجنسية
الشيخ حسين الخشن



وبالنظر إلى الشباب فإنّ قضيّة الغريزة الجنسيّة تكتسب أهميّة بارزة، لأنّها ذات تأثير كبير على استقرار حياة الشاب وانتظامها، ومن هنا كان من الضروريّ إيلاؤها عناية خاصّة بالبحث.

 

1- صمود الشباب في معركة الغريزة

 

وقد لا أكون مبالِغاً ولا مجانباً للصواب إذا قلت: إنّ من أحبّ خلق الله إلى الله تعالى شاباً في مقتبل العمر، أقبل على الله تعالى بقلب سليم وهمّة عالية، وبالرغم من كونها محاطاً بالمغريات من كلّ جانب والتي تثير غرائزه وتشدّه نحو الرذيلة، ناهيك عن الوساوس والمثيرات التي تُزيّن له الحرام، فإنّه

يصمد في معركة جهاد النفس الأمّارة بالسوء، ولا ينهزم، ويظلّ حبّ الله تعالى أقوى من كلّ شيء لديه، ولا يُؤْثِرُ هواه أو هوى غيره على رضا الله تعالى، ولا يبيع آخرته بدنياه ولا بدنيا غيره.

 

 وإنّي أعتقد أنّ صمود الشاب في معركة الغريزة ليس أمراً صعباً ولا عسيراً، خلافاً لما قد يتخيّله البعض من أنّ رضوخ الشاب لنداء الغريزة أكثر من رضوخه لصوت العقل والدين، فهذا الكلام ليس دقيقاً على إطلاقه؛ لأنّ ضغط الغريزة وجموحها عند الشاب - ولا سيّما في هذا الزمن المليء بالمثيرات

– وإن كان أمراً صحيحاً ولا ينكر، بيد أنّ صحوة الضمير والوجدان الدينيّ وسلامة الفطرة لديه كفيلة في إيجاد حالة من التوازن في شخصيّته، بما يساعد على ضبط الغريزة ويَحُول دون انفلاتها من عقالها.

 

وهنا يأتي دور الخطاب الديني والتربوي في أن يعمل ويتحرّك بتوازن دقيق، بما يساهم في إبقاء الشباب في حالة صحوة وجدانية ويقظة روحيّة، بعيداً عن أساليب الرهبنة المبتدَعة أو التصوّف المزيّف، ممّا تقدّم الحديث عنه في المحور الثالث.

 

إنّ من المفترض بالخطاب الدينيّ أن يبتعد عن أسلوب جلد الشاب وتخوينه، أو جعله في قفص الاتهام، أو إشعاره بأنّ غريزته الجنسيّة هي دنس أو عيب، وأنّ عليه أن لا يتحدّث بشأنها ولا يفكّر في أمرها، فضلاً عن الإيحاء له بأنّها مشكلة، وعليه أن يتخلّص منها ويقمعها أو يكبتها، فهذا - فضلاً عن

أنّه غير صحيح من الناحية الدينية - غير صحيح من الناحية التربوية أيضاً، وقد يخلق لدى الشاب ردّة فعل سلبية ربما تدفعه للتفلّت من الدين وتعاليمه، أو تُوقعه في حالة من الكبت الجنسيّ، وقد يخلق لديه بعض العقد النفسيّة.

 

وما أحرانا نحن المتكلمين باسم الدين أن نتعلّم من رسول الله (ص) كيفية مخاطبة الشباب، حيث نراه في بعض كلماته المروية عنه يرشد الشباب بكلّ لطف إلى أهمية السيطرة على الغريزة، مبيناً لهم - بكلام يفيض حبّاً وحناناً - محبّة الله تعالى لهم، يقول (ص): "إنّ الله تعالى يباهي بالشاب العابد الملائكة، يقول: انظروا إلى عبدي! ترك شهوته من أجلي"[1].

 

2- الحلول الواقعيّة لمشكلة غليان الغريزة

 

ولكن ثمّة معضلة حقيقيّة تواجه معظم الشباب اليوم، وهي عجزهم عن الإقدام على الزواج وتكوين الأسرة في فترة النضوج الجنسيّ، ولا يقتصر الأمر على مضيّ أربع أو خمس سنوات مثلاً على سنّ البلوغ، بل يصل التأخير في معظم الأحيان إلى عقد (عشر سنين) أو عقدَين، مع أنّ الغريزة تكون في

أوان التهابها وفورانها، والسؤال: ما هو الحلّ الأمثل لمعالجة هذه المشكلة؟

 

من المنطقيّ أنّ الحلّ ليس في أن يكبت الشاب - رجلاً كان أو امرأة - غريزته باستعمال وسائل تعطيل طاقته الجنسيّة أو تجميدها، لأنّ هذا فضلاً عن أنّه قد لا يكون سبيلاً مشروعاً، فإنّه ليس حلاًّ عمليّاً ولا مُجدياً في معالجة المشكلة، بل إنّ الكبت الجنسيّ يعدّ موئلاً خصباً للعديد من الأمراض الجسدية والنفسية.

 

 ومن الطبيعيّ أيضاً أنّ إطلاق العنان للغريزة والسعي إلى إروائها وإشباعها بشتّى الطرق والوسائل ولو كانت محرّمة، ليس حلاًّ مقبولاً ولا هو صحيّ، بل إنّ هذا الطريق قد يفاقم المشكلة ويزيدها تعقيداً.

 

والإسلام بحكم واقعيته ووسطيته، لا يمكنه أن يتقدّم باقتراحات حلول غير واقعية ولا عمليّة لمعالجة المشاكل النفسية أو الجسدية أو الاجتماعيّة، ومنها مشكلة غليان الغريزة، ولهذا السبب فإنّي لا أعتقد أنّه - أي الإسلام - يكتفي في هذا المجال بدعوة الشباب إلى إطفاء نار الغريزة باللّجوء إلى الصوم،

استناداً إلى ما جاء في الحديث النبويّ الشريف: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوّج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنّه له وجاء"[2]؛ لأنّ الصوم لا يُعدّ علاجاً كافياً للمشكلة، والحديث الشريف إنّما يرمي إلى توجيه الأفراد نحو الصوم باعتباره وسيلة ظرفيّة، وعاملاً مساعداً

ومؤقّتاً على التخفيف من غلواء الغريزة وضغطها على الأعصاب، لكنّه لا يقدم ذلك باعتباره حلّاً دائمياً أو علاجاً جذرياً للمشكلة؛ ولهذا لا بدّ من اقتراح حلول عمليّة وشرعيّة في الوقت عينه.

 

وأعتقد أنّ الحلول الأقرب إلى الواقع والأكثر انسجاماً مع التشريع الإسلاميّ ومقاصده متوفّرة وليست بحاجة إلا إلى السعي في تطبيقها، ويمكن تصنيف هذه الحلول إلى نوعين:

 

 

النوع الأول: الحلول الجذريّة

 

والحلول الجذرية لا تبدأ إلا بعد القيام بدراسة علميّة وميدانية للمشكلة (مشكلة تأخّر سنّ الزواج) للتعرّف على أسبابها وظروفها، ليصار بعد ذلك إلى معالجتها من خلال توزيع المسؤوليات وتحديدها، فنتعرّف على دور الفرد في المشكلة وفي العلاج، وعلى دور المجتمع ومؤسساته المدنية على هذا

الصعيد، ونحدّد ما هي مسؤوليات الدولة وأجهزتها في هذا المجال؟

 

وبعد القيام بهذه الدراسة، يكون من الضروريّ - في الحالة الصحيّة - أن يُصار وعلى ضوء تلك الدراسة إلى وضع خطة شاملة تعمل:

 

أولاً: على رفع الموانع والعوائق أمام عمليّة الزواج ومرونتها وسهولتها. ومن أهمّ هذه الموانع هو نمط حياتنا الجديد في طريقة الصرف والاستهلاك، وهو نمط غزانا من الخارج. فقد فرض علينا نمط الحياة الغربية الذي اتبعناه وقلّدناه، الانخراط في حياة مرفّهة، وفرض علينا - أيضاً - حاجات غير

واقعية، هي في الغالب مجرّد كماليات لا ضرورة لها.

 

هذا ناهيك عن التكاليف الباهظة التي تُدفع لقاء بعض مراسم الزواج، إن فيما يتّصل بمصروف العرس أو فيما يتّصل بغلاء المهور أو موائد الطعام المبالغ فيها، أو حفلات "الغناء" أو "الموالد الشرعية" والتي تحتاج إلى بذل مصاريف كبيرة ينوء الكثير من الشباب بتحمّل أعبائها.

 

 ومن العوائق التي يمكن ذكرها في المقام: محاولة الكثير من الشباب الهرب من الدخول المبكر إلى القفص الزوجيّ لما يرتّبه ذلك عليهم من مسؤوليات، وأمّا غريزتهم فيسعون إلى إروائها من خلال العقد المنقطع أو من طريق آخر، وهذا كلّه من تأثيرات الثقافة المادية المشار إليها والتي تجعل الإنسان

أسير الشهوة واللّذة العابرة، إنّنا نقول لهؤلاء الشباب: إنّ دخولكم إلى القفص الزوجيّ لا يشكّل دخولاً إلى السجن، بل هو دخول إلى السكن الآمن الذي أنتم - كغيركم من بني الإنسان - أحوج ما تكونون إليه، قوله تعالى: وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي

ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم: ٢١]. واستمعوا - أيّها الشباب - وتدبّروا ملياً في قول النبيّ الأكرم (ص) وهو يخاطبكم بكل محبّة ولطف قائلاً: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة (الزواج) فليتزوج"، وهو (ص) لا يتكلّم جزافاً، بل إنّه كلام صادر عن معدن العلم ومصدر الوحي.   

 

ثانياً: تأمين فرص العمل للشباب، وهذا من أفضل السبل لتحصين الشاب وبناء الأسرة، فبدل أن نتصدّق على الشاب ليشتريَ بيتاً ويعدّه للزواج، فإنّ الأجدى والأنفع هو أن نؤمِّن له فرصة عمل كريم، ومن خلالها سوف يتسنّى له تأمين حاجاته ومتطلباته.

 

ثالثاً: ترشيد عمليات التبرّع والإنفاق وتوجيهها إلى هذا الحقل، فإنّ المساعدة على تزويج العزاب وإعفافهم هي من أفضل وجوه الخير وأعمال البرّ، ولا يقتصر البذل على بناء المساجد والحسينيات الفخمة والتي قد لا تكون مورد حاجة ملحّة، إنّنا على يقين أنّ المال الذي يُصرف لبناء أسرة عفيفة هو

أفضل عند الله تعالى من صرفه لبناء مسجد لا حاجة ماسة إليه.

 

رابعاً: تعميم ثقافة العفّة ونشر قيمة الحياء وغيرها من القيم الأخلاقية، فإنّ ذلك كفيل بمساعدة الإنسان على ضبط غرائزه وكبح جماحها، يقول الإمام عليّ (ع): "من كَرُمَتْ عليه نفسُه هانت عليه شهوتُه"[3]، ويقول (ع) – بحسب ما روي عنه -: "ما زنى غيور قط"[4]، فما أروع هذه

الكلمات التي تستنفر في الإنسان القيم الفطرية وتحثّه من خلال ذلك على ترك الرذائل، لمنافاتها للخُلق الأبيّ والطبع السويّ.

 

بيد أنّ هذه الثقافة لن تؤديَ غرضها إلا مع العمل - بالموازاة - على سدّ أبواب الفتنة والإثارة الغرائزية الفاضحة ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، فإنّ وسائل الفساد والإفساد التي تعمل على إثارة غرائز الشباب كثيرة، فيكون من واجب كلّ عاقل وحريص على نظافة المجتمع من الناحية الأخلاقية أن يعمل على

سدّ وإقفال هذه النوافذ المدمرة للفرد والمجتمع، والمخرِّبة للأسرة، والمسيئة لإنسانية الإنسان.

 

النوع الثاني: الحلول المؤقّتة

 

وقد يصاب بعض الشباب بالاكتئاب واليأس إذا حدّثته عن ضرورة وضع خطّة شاملة لمعالجة المشكلة، لأنّه يريد حلاً مستعجلاً لمشكلته الشخصيّة، حيث تضغط عليه الغريزة، ولا يمكنه الانتظار إلى الانتهاء من وضع الخطط موضع التنفيذ، هذا إن وُجدَ من يهتمّ بهذا الأمر ويسعى إلى تنفيذه، ولهذا

يكون من الضروريّ التفكير في وضع حلول جزئيّة ومستعجلة تساعد على حلّ المشكلة، وما يمكننا اقتراحه على هذا الصعيد:

 

 أولاً: توفير قروض ميسّرة لتغطية نفقات الزواج، ويمكن أن تكون هذه القروض من المال العام.

 

ثانياً: إعطاء إجازات شرعيّة تسمح بالإنفاق في هذا السبيل من الأموال والوجوه الشرعية، ولعلّ أحد أبرز موارد الصرف المُثلى للحق الشرعي (الخمس والزكاة)، هو الصّرف على إعفاف الشباب المسلم.

 

ثالثاً: وقد يشكّل أخذ الشباب في هذه المرحلة بأسباب العقد المؤقّت، عاملاً مساعداً في التخفيف من غلواء الغريزة. وإننا نعتقد أن المشرّع الإسلاميّ الحكيم عندما أباح الزواج المؤقّت فإنّه قصد تحقيق جملة من الأهداف والنتائج الطيبة، ومن أهمّها توفير سبيل وطريق محلّل لإرواء الغريزة، وذلك كحلّ

مؤقّت إلى أن تتوفّر للشخص سبل الزواج الدائم، وربّما كان الزواج المؤقّت هو مرحلة تمهيدية للزواج الدائم.  

 

نُشر على الموقع في 29-4-2017

من كتاب "مع الشباب في همومهم وتطلعاتهم". رابط الكتاب على الموقع الإلكتروني: http://www.al-khechin.com/article/440

 

 



[1] انظر: كنز العمال ج16 ص776.

[2] صحيح البخاري ج 6 ص 117، ونحوه ما جاء في الكافي ج 4 ص 180.

[3] نهج البلاغة ج4 ص105.

[4] المصدر نفسه ج4 ص73.

 






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon