حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » أنا طالب علم، لدي خوف من أن أتكلم بغير علم.. ما الحل؟
ج »

وعليكم السلام

لا بد لطالب العلم في مساره العلمي أن يتسلح بأمرين أساسيين:
الأول: الاستنفار العلمي وبذل الجهد الكافي لمعرفة قواعد فهم النص واستكناه معناه ودلالاته بما يعينه على التفقه في الدين وتكوين الرأي على أسس صحيحة.
الثاني: التقوى العلمية ويُراد بها استحضار الله سبحانه وتعالى في النفس حذراً من الوقوع في فخ التقوّل على الله بغير علم. ومن الضروري أن يعيش مع نفسه حالة من المحاسبة الشديدة ومساءلة النفس من أن دافعه إلى تبني هذا الرأي أو ذاك: هل هو الهوى والرغبة الشخصية أم أن الدافع هو الوصول إلى الحقيقة ولو كانت على خلاف الهوى.
أعتقد أن طالب العلم إذا أحكم هذين الامرين فإنه سيكون موفقاً في مسيرته العلمية وفيما يختاره من آراء أو يتبناه من موقف.

 
س » كيف علمنا أن الصحيفة السجادية ناقصة؟ وهل ما وجده العلماء من الأدعية صحيح؟؟
ج »

أقول في الإجابة على سؤالكم:

أولاً: إن الصحيفة السجادية في الأصل تزيد على ما هو واصل إلينا وموجود بين أيدينا، قال المتوكل بن هارون كما جاء في مقدمة الصحيفة: " ثم أملى عليّ أبو عبد الله (ع) الأدعية، وهي خمسة وسبعون باباً، سقط عني منها أحد عشر باباً، وحفظت منها نيفاً وستين باباً"، بيد أن الموجود فعلاً في الصحيفة الواصلة إلينا هو أربعة وخمسون دعاء. آخرها دعاؤه في استكشاف الهموم، وهذا آخر دعاء شرحه السيد علي خان المدني في رياض السالكين، وكذا فعل غيره من الأعلام.

ثانياً: إن سقوط عدد من أدعية الصحيفة وضياعها دفع غير واحد من الأعلام للبحث والتتبع في محاولة لمعرفة ما هو الضائع منها، وبحدود اطلاعي فإنهم عثروا على أدعية كثيرة مروية عن الإمام زين العابدين (ع)، لكنهم لم يصلوا إلى نتائج تفيد أن ما عثروا عليه هو من الأدعية الناقصة منها، ولذا عنونوا مؤلفاتهم بعنوان مستدركات على الصحيفة، ولم يجزموا أن ما جمعوه من أدعية هو الضائع من أدعية الصحيفة. وهذا ما تقتضيه الضوابط العلمية والدينية، فما لم يعثر الإنسان على نسخة قديمة موثوقة أو قرائن مفيدة للوثوق بأن هذا الدعاء أو ذاك هو من جملة أدعية الصحيفة فلا يصح له إضافة بعض الأدعية على الصحيفة بعنوان كونها منها.

ثالثاً: لقد ابتُلينا بظاهرة خطيرة، وهي ظاهرة الإضافة على الصحيفة أو غيرها من كتب الأدعية، وهذا العمل هو خلاف الأمانة والتقوى، وقد ترتّب على ذلك الكثير من المفاسد، وأوجب ذلك وهماً للكثيرين، فتوهموا أن بعض الأدعية هي جزء من الصحيفة السجادية المشهورة، ومردّ ذلك بكل أسف إلى أن مجال الأدعية والزيارات شرعة لكل وارد، وتُرك لأصحاب المطابع والمطامع! وأعتقد أن هذا العبث في كتب الأدعية والزيارات ناشئ عن عدم عناية العلماء بالأمر بهذه الكتب كما ينبغي ويلزم، كما نبه عليه المحدث النوري في كتابه "اللؤلؤ والمرجان" مستغرباً صمت العلماء إزاء التلاعب والعبث بنصوص الأدعية والزيارات مما يعدّ جرأة عظيمة على الله تعالى ورسوله (ص)!

رابعاً: أما ما سألتم عنه حول مدى صحة الأدعية الواردة بعد دعاء استكشاف الهموم، فهذا أمر لا يسعنا إعطاء جواب حاسم وشامل فيه، بل لا بدّ أن يدرس كل دعاء على حدة، ليرى ما إذا كانت قرائن السند والمتن تبعث على الحكم بصحته أم لا. فإن المناجاة الخمس عشرة بنظرنا لم تصح وربما كانت من وضع الصوفية، وقد أوضحنا ذلك بشكل مفصل في كتاب الشيع والغلو.


 
س » ابني المراهق يعاني من التشتت، وأنا جدا قلق ولا اعرف التصرف معه، ما هي نصيحتكم؟
ج »

التشتت في الانتباه في سن المراهقة مع ما يرافقه من الصعوبات هو في حدود معينة أمر طبيعي وظاهرة تصيب الكثير من المراهقين ولا سيما في عصرنا هذا.

وعلينا التعامل مع هذه المرحلة بدقة متناهية من الاستيعاب والتفهم والإرشاد والتوجيه وتفهم سن المراهق، وأن هذه المرحلة تحتاج إلى أسلوب مختلف عما سبقها.

فالمراهق ينمو لديه الإحساس بالذات كثيرا حتى ليخيل إليه أنه لم يعد بحاجة إلى الاحتضان والرعاية من قِبل والديه.

وبالتالي علينا أن نتعامل معه بأسلوب المصادقة "صادقه سبعا.." والتنبه جيدا للمؤثرات التي تسهم في التأثير على شخصيته واستقامته وتدينه، ومن هذه المؤثرات: الأصدقاء ووسائل التواصل الاجتماعي، فإن نصيبها ودورها في التأثير على المراهق هو أشد وأعلى من دورنا.

وفي كل هذه المرحلة علينا أن نتحلى بالصبر والأناة والتحمل، وأن نبتدع أسلوب الحوار والموعظة الحسنة والتدرج في العمل التربوي والرسالي.

نسأل الله أن يوفقكم وأن يقر أعينكم بولدكم وأن يفتح له سبيل الهداية. والله الموفق.


 
س » اعاني من عدم الحضور في الصلاة، فهل أحصل على الثواب؟
ج »
 
لا شك أن العمل إذا كان مستجمعا للشرائط الفقهية، فهو مجزئٌ ومبرئٌ للذمة. أما الثواب فيحتاج إلى خلوص النية لله تعالى بمعنى أن لا يدخل الرياء ونحوه في نية المصلي والعبادة بشكل عام.
ولا ريب أنه كلما كان الإنسان يعيش حالة حضور وتوجه إلى الله كان ثوابه أعلى عند الله، لكن لا نستطيع نفي الثواب عن العمل لمجرد غياب هذا الحضور في بعض الحالات بسبب الظروف الضاغطة على الإنسان نفسيا واجتماعيا.
لكن على الإنسان أن يعالج مشكلة تشتت الذهن أثناء العمل العبادي وذلك من خلال السعي الجاد للتجرد والابتعاد عن كل الهواجس والمشكلات أثناء الإقبال على الصلاة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، باستحضار عظمة الله عز وجل في نفوسنا وأنه لا يليق بنا أن نواجهه بقلب لاهٍ وغافل. والله الموفق.

 
س » أنا إنسان فاشل، ولا أتوفق في شيء، وقد كتب عليّ بالخسارة، فما هو الحل؟
ج »

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أولاً: التوفيق في الحياة هو رهن أخذ الإنسان بالأسباب التي جعلها الله موصلة للنجاح، فعلى الإنسان أن يتحرك في حياته الشخصية والمهنية والاجتماعية وفق منطق الأسباب والسنن. على سبيل المثال: فالإنسان لن يصل إلى مبتغاه وهو جليس بيته وحبيس هواجسه، فإذا أراد الثروة فعليه أن يبحث عن أسباب الثروة وإذا أراد الصحة فعليه أن يأخذ بالنصائح الطبية اللازمة وإذا أراد حياة اجتماعية مستقرة عليه أن يسير وفق القوانين والضوابط الإسلامية في المجال الاجتماعي وهكذا.

ثانياً: لا بد للإنسان أن يعمل على رفع معوقات التوفيق، وأني أعتقد أن واحدة من تلك المعوقات هي سيطرة الشعور المتشائم على الإنسان بحيث يوهم نفسه بأنه إنسان فاشل وأنه لن يوفق وأنه لن تناله البركة الإلهية.

إن هذا الإحساس عندما يسيطر على الإنسان فإنه بالتأكيد يجعله إنسانا فاشلا ومحبطا ولن يوفق في حياته ولذلك نصيحتي لك أن تُبعد مثل هذا الوهم عن ذهنك وانطلق في الحياة فإن سبيل الحياة والتوفيق لا تعد ولا تحصى.


 
س » ما هو هدف طلب العلم الذي يجب أن يكون؟
ج »

عندما ينطلق المسلم في طلبه للعلم من مسؤوليته الشرعية الملقاة على عاتقه ومن موقع أنه خليفة الله على الأرض، فإن ذلك سوف يخلق عنده حافزاً كبيراً للجد في طلب العلم والوصول إلى أعلى المراتب. أما إذا انطلق في تحصيله من موقع المباهاة أو إثبات ذاته في المجتمع أو من موقع من يريد أن يزين اسمه بالشهادة الجامعية ليُقال له "الدكتور" وما إلى ذلك، فإنه - في الغالب - لن يصل إلى النتيجة المرجوة.

وعلى كل إنسان منا أن يعي أنّنا في هذه الحياة مسؤولون في أن نترك أثراً طيباً، وأن نقوم بواجباتنا قبل أن يطوينا الزمان، إننا مسؤولون عن عمرنا فيما أفنيناه وعن شبابنا فيما أبليناه، وسنُسأل يوم القيامة عن كل هذه الطاقات التي منّ اللهُ بها علينا.

وأضف إلى ذلك، إنه من الجدير بالمسلم، أن لا يفكر في نفسه وما يريحه هو فحسب في طلبه للعلم، بل أن يفكر أيضاً في أمته والنهوض بها ليكون مستقبلها زاهراً، وهذا كله يحتم عليه أن يكون سقف طموحاته عالياً ليتمكن هو وأقرانه من الطلاب والعلماء من ردم الفجوة بيننا وبين الغرب الذي سبقنا على أكثر من صعيد.

باختصار: إن مسؤوليتنا ورسالتنا وانتماءنا لهذه الأمة يفرض علينا أن نعيش حالة طوارئ ثقافية وعلمية.


 
س » ما رأيكم في الاختلاط المنتشر في عصرنا، وكيف نحاربه؟
ج »

إنّ الاختلاط قد أصبح سمة هذا العصر في كثير من الميادين، ومنها الجامعات والطرقات والساحات وكافة المرافق العامة.. والاختلاط في حد ذاته ليس محرماً ما لم يفضِ إلى تجاوز الحدود الشرعية في العلاقة بين الرجل والمرأة الأجنبيين؛ كما لو أدى إلى الخلوة المحرمة بالمرأة أو مصافحتها أو كان المجلس مشوباً بأجواء الإثارة الغرائزية أو غير ذلك مما حرمه الله تعالى.

وفي ظل هذا الواقع، فإنّ العمل على تحصين النفس أولى من الهروب أو الانزواء عن الآخرين بطريقة تشعرهم بأن المؤمنين يعيشون العُقد النفسية. إن على الشاب المسلم أن يثق بنفسه وأن يفرض حضوره ووقاره، وأن يبادر إلى إقناع الآخرين بمنطقه وحججه، وأن يبيّن لهم أن الانحراف والتبرج والفجور هو العمل السيّئ الذي ينبغي أن يخجل به الإنسان، وليس الإيمان ومظاهر التدين.

وأننا ندعو شبابنا عامة وطلاب الجامعات خاصة من الذكور والإناث إلى أن يتزينوا بالعفاف، وأن يحصنوا أنفسهم بالتقوى بما يصونهم من الوقوع في الحرام.


 
س » كيف يمكن التخلص من السلوكيات والعادات السيئة؟
ج »

إن التغلب على السلوكيات الخاطئة أو العادات السيئة – بشكل عام – يحتاج بعد التوكل على الله تعالى إلى:

أولاً: إرادة وتصميم، ولا يكفي مجرد الرغبة ولا مجرد النية وانما يحتاج بالإضافة إلى ذلك إلى العزم والمثابرة وحمل النفس على ترك ما اعتادته.

ثانياً: وضع برنامج عملي يمكّن الإنسان من الخروج من هذه العادة السيئة بشكل تدريجي؛ وأرجو التركيز على مسألة "التدرج" في الخروج من هذه العادات السيئة؛ لأن إدمان النفس على الشيء يجعل الخروج منه صعباً ويحتاج إلى قطع مراحل، وأما ما يقدم عليه البعض من السعي للخروج الفوري من هذه العادة، فهو - بحسب التجربة - سيُمنى في كثير من الأحيان بالفشل. والله الموفق


 
 
  مقالات >> اجتماعية
كيف نعزِّز شخصية الطفل ونحفظ كرامته؟
الشيخ حسين الخشن



كيف نعزِّز شخصية الطفل ونحفظ كرامته؟

 

يستهل بعض الناس أمر التعاطي مع الطفل ويستخفّون بذلك فتراهم يتصرّفون معه ويتكلمون أمامه دون ضوابط أو قيود، ولا يعيرونه كبير اهتمام، وكأنما هو كائن غير عاقل ولا حسّاس، ومن الأكيد أن هذا الاستخفاف يعبر عن جهالة وربّما سفاهة في فهم الطفولة، إذ صحيح أن الشخصية القانونية

للطفل لا تكتمل إلا بالبلوغ والرشد، لكنه يمتلك شخصية إنسانية وعقلاً نامياً وحسّاً مرهفاً يتفاعل مع الأحداث ويتأثر بها، الأمر الذي يفرض على الآخرين التعامل معه بدقة وحذر، وصحيح أن الطفل قد رفع عنه قلم التشريع فلا يكلف بإتيان الواجبات ولا يعاقب على ارتكاب المحرمات، بيد أنّ ذلك

لا يسوِّغ للبالغين التعامل معه دون معايير أو ضوابط، وكأن رفع القلم عنه مساوٍ لرفع القلم عنهم! والسؤال بعد هذه المقدمة، كيف نبني لدى الطفل شخصية قوية كريمة لا تتهيّب المصاعب ولا تشعر بالخنوع والمهانة في داخلها؟

 

 

تكريم الطفل

 

وبداية نشير إلى أنّ التكريم الإلهي للإنسان، المشار إليه في قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء:70]، هو تكريم للنوع الإنساني برمته، ذكراً كان أو أنثى، صغيراً أو كبيراً، وانسجاماً مع مبدأ

التكريم هذا يكون لزاماً علينا العمل على حفظ كرامة الطفل بشتّى الوسائل، ويفترض بالعملية التربوية أن تستهدي المبدأ المذكور وتتحرّك ــــ في كل وسائلها وأنشطتها ــــ وفقه، الأمر الذي يحفظ كرامة الطفل ويصون شخصيته وإنسانيته، وفي الحديث عن رسول الله (ص): "أكرِموا أولادكم

وأحسِنوا أدبهم يغفر لكم"(1)

 

 

في بناء شخصية الطفل

 

إنّ بناء شخصية الطفل بناءً سليماً يستدعي اتّباع سياسة تربوية محدّدة المعالم، تتمثّل باعتماد كافة الأساليب التربوية التي تساهم في تحقيق الهدف المذكور مع اجتناب الوسائل المعيقة من الوصول إليه.

 

ففي الجانب الإيجابي: يعتبر عنصر الثقة بالطفل وبمقدّراته وكفاءاته، بالإضافة إلى تقدير جهوده ونجاحاته، والإصغاء إليه والاستماع إلى رأيه ركناً أساسياً في بناء شخصيته، لأنّ ذلك كفيل بتعزيز ثقته بنفسه وتشجيعه على مواصلة رحلة النجاح والتقدّم. هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى فإنّ محبة

الطفل المتمثلة برعايته عاطفياً واحتضانه وإحاطته بسائر متطلبات الإشباع العاطفي تمثل هي الأخرى عنصراً رئيسياً ومدماكاً أساسياً في بناء شخصيته، ويتلمّس الباحث في النصوص الإسلامية الكثير من الشواهد التي تؤكد على أهمية عنصري الثقة والمحبة في بناء شخصية الطفل.

 

ومن جهة ثالثة فإنّ علينا كما جاء في مستهل الحديث أن لا نستخف بالطفل وبمقدراته وطاقاته، وقد أرشدت التعاليم الإسلامية إلى بعض الخطوات العملية التي تساهم في تحقيق الهدف المذكور، وإليك بعضها:

 

1- الوفاء بوعده: كثيراً ما يتعهد الآباء والأمهات ببعض التعهدات لأبنائهم ويقطعون لهم بعض الوعود، ثم لا يبالون بعد ذلك بالوفاء بما تعهدوا به وقطعوه على أنفسهم، وهو ما ينعكس سلباً على نفسية الطفل ويجرحه معنوياً وعاطفياً، لأنّه يُشكِّل مسّاً بكرامته واستخفافاً به، ولذا ورد في الروايات

التحذير من ذلك، فعن أبي عبد الله (ع): قال: قال رسول الله (ص): "أحبّوا الصبيان وارحموهم وإذا وعدتموهم شيئاً ففوا لهم، فإنّهم لا يدرون إلاّ أنّكم ترزقونهم"(1)، وغني عن البيان أن ذكر الصبيان في هذه الرواية وسواها إنّما هو من باب المثال إذ لا خصوصية للذكر في مثل هذه

الإرشادات والتعاليم الأخلاقية.

 

2- السلام عليه: ومن الإرشادات التي تعكس اهتمام الإسلام بالطفل واحترامه، ما درج عليه النبيّ (ص) من التسليم على الصبيان، ففي الحديث عنه (ص): "خمس لست بتاركهن حتى الممات: لباس الصوف، وركوبي الحمار مؤكفاً (الإكاف: برذعة الحمار) وأكلي مع العبيد، وخصفي النعل

بيدي، وتسليمي على الصبيان، ليكون سنة من بعدي"(2)، وعن أنس بن مالك أنّه (ص): "مرَّ على صبيان فسلَّم عليهم، وقال: كان النبيّ (ص) يفعله"(3).   

     

3-  الوقوف له: إنّ الوقوف للطفل المميّز عند قدومه أو دخوله على الكبار والبالغين هو كالسلام عليه يشعره باحترام الآخرين وتقديرهم له، ما يعزّز شخصيته، وفي سيرة النبيّ أنّه (ص): "كان يقدم من السفر فيتلقاه الصبيان فيقف لهم، ثم يأمر بهم فيرفعون إليه، فيرفع منهم بين يديه ومن

خلفه، ويأمر أصحابه أن يحملوا بعضهم، فربّما يتفاخر الصبيان بعد ذلك، فيقول بعضهم لبعض: حملني رسول الله (ص) بين يديه، وحملك أنت وراءه، ويقول بعضهم: أمر أصحابه أن يحملوك وراءهم"(1).

 

4- تكنيته: ومن الإرشادات الإسلامية في هذا المجال: الحثّ على تكنية الطفل كما جاء في أكثر من رواية، من ذلك ما روي عن أبي جعفر الباقر (ع): "إنا لنكنّي أولادنا في صغرهم مخافة النبز أن يلحق بهم"(2)، وهذا الحديث واضح وصريح في أنّ علة التكنية هي الحؤول دون أن ينبز

الطفل ببعض الألقاب القبيحة، قال تعالى: {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ} [الحجرات:11].

 

وليس الهدف من التكنية محاولة إضفاء شخصية الرجل على الطفل، فإنّ هذا الأمر الذي يمارسه بعض الآباء أو الأمهات مع أولادهم ذكوراً وإناثاً، فيقال للصبي: "أنتَ رجل البيت" ويقال للبنت: "أنتِ سيدة البيت" يمثّل خطأً من الناحية التربوية وله سلبيات كثيرة، لأنّ فيه قفزاً على مرحلة الطفولة

ومتطلّباتها وتحميلاً للطفل ما يفوق طاقته، ما يحول دون أن يعيش مرح هذه المرحلة من عمره ولهوها، وقد يجعله ذلك يتمرّد على أبويه ومَنْ هو أكبر سناً منه، ويتعامل مع إخوته الأصغر سناً من موقع السلطة وإصدار الأوامر.

 

 

الإساءة المعنوية ومضاعفاتها

 

هذا كلّه في الجانب الإيجابي، وأما في الجانب السلبي فيمكن القول: إنّ ثمة نوعين من الإساءة التي يتعرّض لها الطفل: فهناك الإساءة المادية المتمثلة بضربه غير المبرر أو حرمانه من بعض متطلباته في الملبس أو المأكل أو المسكن ونحو ذلك، وهناك الإساءة المعنوية المتمثلة بخدش مشاعره

وإهانته وتحقيره، وهذه الإساءة ربما تكون أشد خطراً وضرراً من الأولى، لأنّها تترك بصماتها على نفسية الطفل وشخصيته وعواطفه وتجعل منه إنساناً ضعيفاً منعزلاً منطوياً على ذاته مليئاً بالعقد النفسية، وفيما يلي نشير إلى بعض أنواع الإساءة المعنوية التي يتعرّض لها الأطفال دون رادع

قانوني أو وازع أخلاقي:

 

 

1 ــــ غيبته وسوء الظنّ به:

 

إنّ سوء الظنّ بالطفل والتشكيك بتصرفاته وحمله على الأسوأ والتجسّس عليه وغيبته وفضح أسراره ومعايبه، كل ذلك ممّا يخوض فيه غالب الناس ويخالونه أمراً هيّناً وهو عند الله عظيم، فهو يفقد الطفل خصوصيته وينتهك كرامته ويضعف شخصيته ويخدش مشاعره، كما أنّه محظور شرعاً على

نحو الإجمال، فقد ذهب بعض الفقهاء ــــ كالشيخ الأنصاري(1) ــــ إلى حرمة غيبة الطفل فيما لو كان مميزاً ويتأثر بالغيبة لو سمعها، وذهب آخرون ــــ كالسيد الخوئي(2) ــــ إلى توسعه دائرة الحرمة لمطلق الغيبة سواء تأثر الطفل أو لم يتأثر، لأنّ المناط في حرمة الغيبة هو صدق

عنوان المؤمن عليه، والصبي المميز يصدق عليه عنوان المؤمن، كما أنّ الظاهر في معنى الغيبة أنها كشف عيب قد ستره الله، وقد ستر الله معايب الناس جميعاً، بما في ذلك الأطفال المميزين، فذكرهم بالمساوئ الموجودة فيهم كشفٌ لما ستره الله عليهم(1)، وما قيل في الغيبة يجري في غيرها

من المحرمات التي يتم فيها انتهاك حرمة الآخرين، فإنّ ما ورد في الآيات والروايات بشأن هذه المحرمات مطلق وشامل للطفل كما هو شامل للبالغ.

 

 

2 ــــ إذلاله وتحقيره:

 

وفي السياق ذاته فإن من غير الجائز شرعاً التعاطي مع الأطفال باستخفاف ومهانة فضلاً عن الإذلال والتحقير، فإنّ ذلك يمثّل جريمة من الناحية التربوية، لأنّه يقدّم للمجتمع طفلاً خانعاً ضعيفاً يفتقر الشجاعة والمهابة، بل يدمن الذل والمهانة.

 

قال الشاعر:

من يهن يسهل الهوان عليه           ما لجرحٍ بميّتٍ إيلام

 

فما يفعله بعض المربين والمصلحين من تركيع التلامذة أو غيره من أشكال الإذلال، محظور شرعاً، ويعبّر عن سوء التربية ويتنافى مع أهم مقاصد التشريع الإسلامي الذي يؤكّد على عِزّة الإنسان، ويريد له أن يكون كريماً عزيزاً، ولا يسمح لأحد بإذلال نفسه، فضلاً عن إذلال الآخرين، لأنّ الله

فوَّض إلى المؤمن أموره كلها ولم يفوّض إليه أن يذلّ نفسه. وإن من أسوأ أساليب التربية أن يعمد الأهل إلى ضرب الولد أمام رفقائه فإنّ ذلك يسحق إرادته وكبريائه ويخدش كرامته.

 

 

3 ــــ تخويفه وإفزاعه:

 

ومن أبشع الأساليب التي يتم اعتمادها أحياناً بهدف السيطرة على الطفل والحدّ من حركاته أو متطلباته التي يراها الأبوان مزعجة لهم ومقلقة لراحتهم، ما يلجأ إليه الكثيرون من تخويف أبنائهم وإرعابهم من بعض الحيوانات أو الكائنات الوهمية (الغول) أو الحقيقية (الجن)، ما يخلق لدى الطفل

الكثير من الأزمات والأمراض النفسية، ولذا ورد في الحديث عن رسول الله النهي عن تخويف الطفل وإفزاعه، فعن ابن أبي ليلى أنه كان عند رسول الله (ص) وعلى بطنه الحسن أو الحسين، قال: "فبال حتى رأيت بوله على بطن رسول الله أساريع (طرائق)، وخطوطاً قال: فوثبنا إليه، فقال:

(ص): دعوا ابني أو لا تفزعوا ابني، ثم دعا بماءٍ فصبَّه عليه"(1).

 

وفي رواية أخرى: "دعوا ابني لا تفزعوه حتى يقضي بوله ثم أتبعه بالماء"، وفي رواية ثالثة عن أم الفضل مرضعة الحسين (ع) أنّ رسول الله (ص) دخل عليها وتناول الحسين (ع) فبال عليه، قالت: فأهويت بيدي إليه، فقال (ص): "لا تزرمي ابني" أي لا تقطعي عليه بوله"(2).

 

 

كيف نتعامل مع خوف الطفل؟

 

ثمّ لو أنّ الخوف من بعض الأشياء ــــ كالعتمة أو المفرقعات أو غيرها ــــ تملَّك الطفل وسيطر عليه، فأصبح يصاب بحالة من الذعر لدى مواجهة هذه الأشياء، فإنّ على الوالدين أن لا يهملاه ويتركاه لخوفه، بل عليهما أن يعملا على إخراجه من حالة الخوف، لما لها من سلبيات على صحته

واستقراره النفسي العقلي والاجتماعي، وربّما كان الأسلوب الأفضل في مساعدته على الخروج من هذه الحالة أن تتمّ مواجهته مع ما يخاف منه، لا أن يُبعد عنه باستمرار، فإنّ ذلك سيزيده خوفاً وذعراً من ذلك الشيء، لأنّ الناس أعداء ما جهلوا، لكن لا بدّ أن يحصل ذلك بإشراف وحماية الوالدين

أو أحدهما، فإذا كان يخاف الظلمة فليدخله والده أو والدته إلى غرفة مظلمة لبرهة ويفهمه أن لا شيء يبعث على الخوف والهلع، إنّ ذلك كفيل بكسر حاجز الخوف نتيجة الألفة مع الشيء الذي يخافه، وهذا الأمر الذي يؤكّد عليه علماء النفس قد أشار إليه أمير المؤمنين (ع) في حكمته المعروفة "إذا

هِبْتَ شيئاً فَقَعْ فيه"(1).

 

 

تم نشر المقال في 19-5-2015

من كتاب "حقوق الطفل في الإسلام"

 

 

(1) مكارم الأخلاق: 222.

(1) الوسائل: 21/484، الباب 88 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 3 و5.

(2) الوسائل: 12/63، الباب 35 من أبواب أحكام العشرة، الحديث 1 و2.

(3) صحيح البخاري: 7/131، ومكارم الأخلاق ص: 16.

(1) المحجّة البيضاء: 3/366، نقلاً عن الطفل بين الوراثة والتربية: 2/88.

(2) الكافي: 6/19.

(1) المكاسب المحرّمة: 1/319.

(2) راجع مصباح الفقاهة ضمن موسوعة الإمام الخوئي: 35/499.

(1) راجع مصباح الفقاهة ضمن موسوعة الإمام الخوئي: 35/499.

(1) مسند أحمد 4/348.

(2) راجع هامش ترجمة الإمام الحسين لابن عساكر ص:13، وفي مكارم الأخلاق ص:25، ما يظهر منه أنّ هذا الأمر كان سلوكاً له مع الأطفال، نعم ثمّة تأمل في هذه الروايات، لجهة احتمال عدم تناسب مضمونها مع مكانة الأئمة (ع) وعصمتهم.

(1) نهج البلاغة: 4/42 رقم الحكمة 175.

 

 






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon