حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » من المقصود في الزيارة: السلام على عليّ بن الحسين.. هل هو زين العابدين (ع) أم الأكبر أم الرضيع؟
ج »

الظّاهر - بحسب السّياق - أنّ المُراد به هو عليّ الأكبر الشّهيد لدوره الكبير وحضوره في المعركة، ولعظيم مُصيبته على الإمام الحسين (ع)، أمّا الطفل الّرضيع فيكون ُمندرجاً في فقرة أخرى وهو قوله في الزّيارة - وعلى أولاد الحسين -  والتي تشمل سائر أولاده بمن فيهم الإمام زين العابدين (ع) والبنات أيضاً .

 


 
س » يوجد لديّ إشكالات كثيرة على الاستدلال بحديث الثقلين على العصمة، فهو يشمل إجماع العترة وليس آحادهم، ويشمل العباس عم النبي (ص)، فهل هؤلاء معصومون؟؟
ج »

أولاً: إنّ حديث الثقلين لا شكّ فيه من حيث السّند وهو مُستفيض حتى في روايات السّنة ناهيك عن روايات الشيعة ، وأّما من حيث الدّلالة فإنّه وبصرف النّظر عن كون القرآن الكريم أفضل من العترة أم عدم كونه كذلك ، فلا ريب في دلالة الحديث على أن التمسّك بالعترة يُشكّل صمّام أمان للأمّة يمنعهم ويعصمهم من الضّلال - ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا - ، ولا شكّ في دلالته أيضاً على أن العترة لا يفترقون عن القرآن الكريم ، ولا يُتصور أن يصدر عنهم ما يُخالف القرآن وهذا ما يدل عنه قوله في الحديث - لن يفترقا - .


- ثانياً : إنّ ما ذكرتموه بأنّ المراد بالحديث هو إجماع العترة هو كلام ضعيف ولا وجه له لأنّه إن أريد بالعترة ما هو أوسع من الأئمة من أهل البيت (ع) ليشمل العباس وذريته أو غيره، فمن المعلوم أنّ هؤلاء أعني العباسيين لا ميزة لهم عن سائر الصّحابة والنّاس فهم يُخطئون كغيرهم ويُمكن أن ينحرفوا كما انحرف غيرهم، وبالتالي فلا يُعقل أن يكون لرأيهم أو إجماعهم أيّ قيمة أو أن يُشكّل إجماعهم أو قولهم عاصماً للأمّة  عن الضّلال ، ما يعني أن نظر الحديث فقط إلى خصوص شريحة من العترة وهم الذين لا يُمكن أن يقعوا في الضّلال والانحراف، وهؤلاء لا فرق بين الواحد منهم أو الجميع ، فكما يكون قول الجميع حُجّة وعاصماً عن الضّلال ، كذلك قول الواحد، والقرينة على ذلك أنّه حين قال النبيّ (ص) هذا الكلام لم يكن من العترة التي يؤمَن وقوعها في الضّلال إلا عليّ (ع)، أما الحسن والحسين (ع) فكانا طفلين صغيرين، فهل كان الحديث لا قيمة له آنذاك لأنّه بعد لم يتحقّق إجماع العترة؟ من الواضح أن هذا بعيد جداً لأنّ كلامه (ص) ساري المفعول من حين إطلاقه ولا يتوقف على مرور عقود من الزّمن حتى يتشكّل إجماع العترة.


 
 
  مقالات >> اجتماعية
محاضرات رمضانية: البرنامج الرمضاني الأمثل
الشيخ حسين الخشن



 

 

 

هل ترانا نستعد لاستقبال شهر رمضان كما يليق به؟ أو ترانا نفكر بالترحيب به كما هو أهله؟ وهل وهو قادم نسَعد بقدومه ولقائه؟ أم أنّه ضيف ثقيل على نفوسنا؟

 

الحمد لله على توفيقه لبلوغ شهر رمضان

 

إنّ أولى الواجبات والوظائف الملقاة علينا في استقبال هذا الشهر المبارك أن نحمد الله عزّ وجل على أن وفقنا لبلوغه، بحيث هلّ علينا هلاله بخير وعافية. إنّ هذه نعمة عظيمة لا بدّ أن نشكر الله عليها، فإنّ من هلّ عليه هلال رمضان فهو مرحوم وهو

في عناية الله تعالى ومشمول باللطف الإلهي العميم، "أيها الناس.." - قالها رسول الله (ص) لدى استقبال شهر رمضان - "إنّه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة شهر هو عند الله أفضل الشهور وأيامه أفضل الأيام ولياليه وساعاته

أفضل الساعات هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله وجعلتم فيه من أهل كرامة الله أنفاسكم فيه تسبيح ونومكم فيه عبادة وعملكم فيه مقبول ودعاؤكم فيه مستجاب.."[1]. هذه قيمة ومكانة الشهر الذي هلّ علينا هلاله، أفلا يستحق منا الفرح

والسعادة لقدومه والشكر لله على هذه النعمة العظيمة، حيث وفقنا ومدّ في أعمارنا لنكون مرّة جديدة من ضيوفه ومن أهل كرامته؟! بكل تأكيد هو تعالى يستحق الشكر والثناء، وهذا إمامنا زين العابدين كان إذا دخل شهر رمضان استهل ذلك بالحمد لله

تعالى فيقول: "الحمد لله الذي هدانا لحمده وجعلنا من أهله لنكون لإحسانه من الشاكرين وليجزينا على ذلك جزاء المحسنين، والحمد لله الذي حبانا بدينه واختصنا بملته وسبّلنا في سبل إحسانه لنسلكها بمنّه إلى رضوانه حمداً منا ويرضى به عنا

والحمد لله الذي جعل من تلك السبل شهر رمضان، شهر الصيام وشهر الإسلام وشهر الطهور وشهر التمحيص وشهر القيام"[2].

 

إعداد البرنامج

 

والوظيفة الثانية التي لا بدّ أن نتهيأ لها مع بداية هذا الشهر المبارك هي ضرورة إعداد برنامج متكامل يفي هذا الشهر حقه، فهو شهر الله، شهر مفعم بالبركة واللطف؛ ولذا فإنّ له حقاً كبيراً علينا، وقد سئل بعض الأئمة (ع) عن رجل يقارب أهله في

شهر رمضان في السفر (وهذا عمل ليس محرماً لأنّه مفطر بعذر شرعي) قال: "ما عرف هذا حق شهر رمضان! إنّ له من الليل سبحاً طويلاً"[3].

والسؤال: كيف نعدّ برنامجاً متكاملاً يفي الشهر حقه؟

 

الخطوط العريضة للبرنامج

 

والجواب: إنّ البرنامج الأمثل في شهر رمضان هو البرنامج الذي أكدّه النبي (ص) والأئمة (ع)، فلا حاجة بنا إلى الاجتهاد إلاّ في الوسائل التي من طبيعتها أن تكون متحركة وما يمكنني أن أشير إليه هو بيان الخطوط العريضة لهذا البرنامج، وذلك

ضمن المحاور الأربعة التالية:

 

1-   البرنامج الروحي /2- البرنامج الثقافي/ 3- البرنامج الاجتماعي/ 4 - البرنامج التربوي.

 

 

1-   البرنامج الروحي

 

والبرنامج الروحي هو أهم ما علينا الاهتمام به في هذا الشهر، لأننا في هذه الأيام نواجه حالة خطيرة من الجفاف الروحي، فنحتاج إلى ما يروي ظمأنا وعطشنا الروحي، وهل أفضل من شهر رمضان ليعيننا على ذلك! كثيرون من الناس تراهم مهتمين

بنوع المأكولات الرمضانية، وتنطلق الدعاية الإعلامية لتأخذهم إلى أفضل السهرات والأغاني الرمضانية وأدسم الموائد وأفخر الحلويات الرمضانية... بما يشكل مسخاً لروحية وهويّة هذا الشهر، وحبذا لو نجد دعايةً عن أعذب الأدعية الرمضانية

وأجمل التلاوات القرآنية التي تعطر نفوسنا وتؤنس أسماعنا ونفوسنا في هذا الشهر المبارك!

 

إنّ الإنسان ليس جسداً بحتاً، بل إنّه مزيج مركب من الروح والجسد، وكما أن للجسد علينا حقاً فإنّ لأرواحنا علينا حقاً، والخالق الحكيم أخذ هذا الأمر بنظر الاعتبار، فهيأ لنا ما يلّبي متطلبات الروح ومتطلبات الجسد، وفيما يتصل بمتطلبات الروح،

يأتي شهر رمضان باعتباره أعظم فرصة متاحة تمكّن الإنسان - إذا أحسن استغلالها - من العود إلى الذات، وتأمين حاجيات الروح، فالصيام عن الأكل والشرب وعن العلاقات الجنسية، يهيأ المكلف روحياً ليسمو ويرتبط بالله تعالى ارتباطاً وثيقاً.

وأعتقد أنّ ما يجده الزاد الروحي المأثور عن المعصومين عليهم السلام فيما يتصل بكيفية الدعاء والعبادة في هذا الشهر يعدّ ذخيرة هامة ومنقطعة النظير على هذا الصعيد، ولسنا بحاجة إلا للاغتراف من هذا المعين الذي لا ينضب.

ولهذا نحن مدعوون إلى:

 

أ‌-       تلاوة كتاب الله تعالى، تلاوة تخشع لها القلوب وتقشعر لها الأبدان.

ب‌- الاهتمام قدر المستطاع بالصلوات المندوبة في هذا الشهر الشريف.

ت‌- العناية بالدعاء، فهو روح شهر رمضان، وساعات هذا الشهر هي أعظم فرصة تسمح للعبد بمناجاة ربه. وأدعية شهر رمضان ولا سيما أدعية السحر، تعد كنزاً روحياً هائلاً.

 

2-   البرنامج الثقافي

 

وأما البرنامج الثقافي، فهو أمر مهم للغاية، لأنّ شهر رمضان موسم للتزود الثقافي كما هو موسم للشحن الروحي، وبيان ذلك:

 

 1) إنّ من الطبيعي أن يصبح القرآن في هذا الشهر الشريف هو صاحبنا وصديقنا وأنيسنا، عملاً بوصايا الرسول الأكرم (ص) والأئمة (ع) من ولده والتي دعت إلى الاعتناء بالقرآن في هذا الشهر والتدبر في آياته، حتى ورد في الحديث عن أبي

جعفر الباقر (ع): "لكل شيء ربيع وربيع القرآن شهر رمضان"[4]، ومن المعلوم أنّ قراءة القرآن هي عملية تثقيف للإنسان المسلم، فالقرآن حديقة غناء فيها كل الثمار والمعارف، من العقيدة إلى التشريع إلى التاريخ والقصص إلى المواعظ

والعبر إلى التعرف على آيات الله في الكون، وما علينا عندما نتلو آية إلا أن نقرأها قراءة تدبر وتأمل ونحاول أن نعي عمقها وامتدادها لا أن نقرأها قراءة لقلقة ودندنة.

 

2) ولا تقتصر الثقافة التي يتزودها الصائم على الثقافة الإسلامية، بل إنّه يتزود بالثقافة العلميّة، حيث يتعرف على الظواهر التكوينيّة؛ لأنّ الصوم عندما ربطه الإسلام بحركة القمر فإنّ هذا الأمر يحتّم على المسلم أن يتعرف على بداية الشهر القمري

ونهايته، وأن يستطلع أوضاع القمر ومنازله وتولده وإنارته ومحاقه. تماماً كما يلزمه ذلك أن يتعرّف على بداية الفجر وعلى مغيب الشمس وذهاب الحمرة، ليحدد أوقات إمساكه وإفطاره، وهذه في الحقيقة هي ثقافة علمية، وهي تدفع الإنسان للتدبر في

آيات الله والاهتداء من خلال ذلك على أسرارها وأوضاعها وتأثيراتها، كما يهتدي من خلال ذلك على مبدعها وخالقها، لأنّ هذا التنظيم يحتاج إلى منظم، كما أنّ وحدة النظم تدل على وحدة المنظم.

 

واللافت أنّ العبادات الإسلامية بأجمعها تربط الإنسان بالطبيعة وظواهرها، فبالإضافة إلى ما ذكرناه في شأن الصيام نجد أنّ الصلاة أيضاً ترتبط بالعديد من الظواهر تكوينيّة، فالفجر مبدأ لصلاة الصبح، والشروق هو المنتهى، والزوال هو مبدأ صلاتي

الظهر والعصر، والغروب هو المنتهى، كما أنّه - أي الغروب - مبدأ صلاة العشاء، وهكذا ..

 

إنّ هذا كله يساعد على تكوين ثقافة علمية بيئية وفلكية لدى الإنسان المسلم. ولعل هذا هو أحد أسرار وحِكَم اعتماد القرآن الكريم للتقويم الهجري في الأعمال العبادية من الصلاة والصيام والحج، وربما يكون هناك حكمة أخرى لذلك وهي أنّ الأشهر

القمرية متحركة وتدور دورة كاملة في كل 33 سنة ميلادية، الأمر الذي يجعل المسلم يؤدي عبادتي الصوم والحج في شتى المواسم، ولا يثبت على حال، ولا سيما أنّ المناخ يختلف من منطقة لأخرى ومن سنة لأخرى في شتى أرجاء المعمورة.

 

ومن هنا وجدنا أنّ الإمام زين العابدين (ع) قد استلفتته ظاهرة الهلال فأنشأ دعاءً خاصاً لذلك يشير فيه إلى وظائفه وخصائصه. ويستوقفنا في دعائه (ع) وصفه للهلال بقوله: "أيّها الخلق المطيع الدائب السريع المتردد في منازل التقدير المنصرف في فلك التدبير"[5].

 

فالإمام (ع) ينظر – من خلال هذه الفقرة - إلى الهلال باعتباره مخلوقاً لله تعالى مطيعاً لأوامره ومنقاداً لحركة القوانين الإلهية انقياداً تكوينياً ولا يتخلف عنها قيد أنملة، كما أنّه دائب سريع، والدائب هو المداوم على حالة مستمرة من العمل دون تخلف،

قال تعالى: {وسخر لكم الشمس والقمر دائبين} [ابراهيم - 33] أي مستمرين في حركتها وسيرهما وإضائتهما بشكل مطرد ودائم. ووصف السرعة بالنسبة للهلال لعله بلحاظ أنّ دورته تتم في فترة زمنية هي قصيرة بالقياس إلى حركة الشمس فإنّها لا

تتم إلاّ في سنة.

 

ويستمر الإمام (ع) في وصف الهلال فيقول: "المتردد في منازل التقدير" والتردد هو الرجوع مرة بعد أخرى، والمنازل هي منازل القمر التي قدرها الخالق لها، قال تعالى: {والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم} [يس - 39]، وقال تعالى: {هو الذي جعل الشمس ضياءً والقمر نوراً وقدّره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب} [يونس - 5].

 

ليصل بعد ذلك إلى مرحلة ينخرط هو (ع) فيها ويتشارك مع القمر في دعاء الله تعالى، "فأسأل الله ربي وربك وخالقي وخالقك ومقدري ومقدرك ومصوري ومصورك أن يصلي على محمد وآله وأن يجعلك هلال بركة لا تمحقها الأيام" إنّه (ع) وبهذه

الفقرات من الدعاء يجعلك تشعر أنّك لست الوحيد في هذا الكون الذي يعبد الله ويسبحه ويمجده ويثني عليه، بل إنّك والقمر وسائر الكواكب والأرض وما عليها والسماء وما فيها والبحار وما حوت والأنهار وما حملت، إنّ كل ذلك من الذرة إلى المجرة

هو في محضر الله تعالى ومنقاد لأمره ومحكوم لمشيئته.

 

 

3-   البرنامج الاجتماعي

 

ويتلخص هذا البرنامج بالانفتاح على الآخرين والتواصل معهم والإحساس بهم وبمعاناتهم والسعي في قضاء حوائجهم والعمل على بلسمة جراحهم، ويمكنني أن أشير في هذا المقام إلى العناوين التالية:

1-   صلة الأرحام، في الحديث النبوي الشهير لدى استقبال شهر رمضان: "ومن وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه، ومن قطع فيه رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه".

2-   الصدقة، وقال (ص) في الخطبة نفسها: "وتصدقوا على فقرائكم ومساكينكم ووقروا كباركم وارحموا صاركم.. وتحننوا عل أيتام الناس كما يتحنن على أيتامكم".

3-   إفطار الصائمين، وعنه (ع): "أيها الناس من فطّر منكم صائماً مؤمناً في هذا الشهر كان له بذلك عند الله عز وجل عتق رقبة ومغفرة لما مضى من ذنوبه، فقيل: يا رسول الله وليس كلنا يقدر على ذلك؟ فقال: اتقوا الله ولو بشق تمرة اتقوا النار بشربة من ماء".

4-   الإحسان إلى الضعفاء، كالخدم ونحوهم وعنه (ص): "من خفف في هذا الشهر عما ملكت يمينه خفف الله عليه حسابه".

إلى غير ذلك من حالات التواصل الاجتماعي، والتي تسهم في بناء مجتمع متماسك متحاب، كما أراد الله تعالى. وليس مجتمعاً متفككاً متناثراً لا يهتم الفرد فيه إلا بنفسه ومصالحه.

 

4-   البرنامج التربوي

 

والبرنامج الرابع الذي يجدر بنا الإنشغال به في هذا الشهر هو أن نعمل على تربية أنفسنا والآخرين، فشهر رمضان أعظم مدرسة للتربية النفسية والأخلاقية، وتوضيح ذلك:

 

أولاً: على صعيد التربية النفسية، ولا ريب أنّ هذا الشهر يشكّل فرصة عظيمة لمحاسبة النفس ومراقبتها. والشخص الناجح هو الذي يراقب نفسه ونزعاته ومشاعره ويدرسها دراسة متأنية ليتعرف على نقاط الضعف في تفكيره أو عواطفه أو سلوكه، ويعمل على إصلاحها، وأمّا من لا يقوم بهذا المراجعة والمحاسبة فسوف يظل يتخبط في أخطائه وقد لا يشعر بها.

 

وأهمية المحاسبة في شهر رمضان، أنّ عبادة الصيام تساعد على تهذيب أخلاقنا وصقل شخصياتنا، فالصيام كما يعلّمنا التواضع والإحساس بالآخر، باعتبار أننا جميعاً سواسية في الجوع والعطش، وكذلك فإنّه يعلّمنا أو يساعدنا على ترك العادات السيئة والقبيحة، فمن يضبط نفسه عن تناول الطعام والشراب رغم إلحاح النفس على ذلك يستطيع أن يغير عادات قبيحة أخرى، ومنها تناول الدخان أو غيره.

 

ثانياً: الصوم وحسن الخلق، ومن الأمور يفترض أن نقف عندها في هذا الشهر مسألة الأخلاق، وهذا ما ألفت النبي (ص) أنظارنا إليه في خطبته عند استقبال شهر رمضان: "أيها الناس من حسن منكم في هذا الشهر خلقه كان له جواز على الصراط يوم تزل الأقدام"[6].

 

 ولا بد لي أن أتوقف قليلاً عند حسن الخلق لأهميته، فما المراد بحسن الخلق؟ وما هي أهميته؟ وما هي آثاره الإيجابية في الدنيا والآخرة؟

 

 

أ‌-      تعريف حسن الخلق

 

في الحديث عن الإمام الصادق (ع) وقد سئل عن حدّ حسن الخلق قال: "تُلين جانبك، وتطيب كلامك وتلقى أخاك ببشر"[7]. وقد أشار هذا الحديث إلى ثلاثة عناصر تعدّ حدود حسن الخلق:

الحد الأول: أن "تُلين جانبك" وتخفضه فلا تشمخ بأنفك ولا تتكبر على أحد من الناس، لأنك { لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً} [الاسراء - 37].

الحد الثاني: أن "تطيب كلامك"، فلا تفوه إلاّ بالكلام الجميل والطيب، فقال تعالى: {مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها..}[ابراهيم - 24].

 

الحد الثالث: "وتلقي أخاك ببشر" فلا تقطب حاجبيك بوجه الآخرين أو تعبس في وجوههم كما يفعل بعض الأشخاص الصائمين ممن تراه عبوساً قمطريراً يغضب بسرعة ويرفع صوته على أطفاله أو زوجته بحجة أنّه صائم! فمثل هذا الشخص لم يعِ

مغزى الصوم وعمق دروسه، ولم يفهم رسالة الصيام وهدفها، في الحديث عن الإمام الرضا (ع) عن أبيه عن آبائه (ع) قال: قال رسول الله (ص): إنّ شهر رمضان شهر عظيم يضاعف الله فيه الحسنات ويمحو السيئات ويرفع فيه الدرجات.. ومن

حسّن فيه خلقه غفر الله له ومن كظم فيه غيظه غفر الله له.."[8].

 

 

ب‌-  أهمية حسن الخلق

 

في كلمة تؤثر عن رسول الله (ص) تعبر أروع تعبير عن مكانة حسن الخلق عند الله تعالى، يقول (ص) فيما روي عنه: "الإسلام حسن الخلق"[9]، وفي رواية أخرى عنه: "حسن الخلق نصف الدين"[10]، إنّ هذه الكلمة لرسول الله

(ص) تبين لك موقع الأخلاق في الدين "إنّما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، فالدين ليس صلاة وصياماً وعبادة فحسب، بل هناك عامود آخر للدين ألا وهو حسن الخلق، ولا يقوم الدين بعمود واحد، فإن وقع خلل في عامود البناء تعرّض البناء للتصدع،

فلا تنفعك صلاتك إن لم يكن لديك أخلاق ولا ينفعك صومك إذا كنت سيء الخلق.[11].

 

ث‌-  آثار حسن الخلق

 

وقد تسأل هل يبلغ الأمر إلى هذا المستوى ليصبح حسن الخلق معادلاً للإسلام؟

والجواب: نعم، فرسالة الدين هي رسالة أخلاق، والخلق الحسن هو الذي يساعد على استقرار الحياة وانتظامها على أكثر من صعيد، وإليك مزيد من التوضيح:

 

أولاً: على المستوى النفسي، فإنّ الخلق الحسن يؤمن للإنسان حداً من السعادة والحياة الهانئة، ففي الحديث عن علي (ع): "لا عيش أهنأ من حسن الخلق"[12]، فلا سعادة للمرء في الحياة إذا كانت أخلاقه أو أخلاق من يعاشرهم سيئة.

 

ثانياً: على المستوى الاقتصادي، فإنّ حسن الخلق يساعد على العيش الكريم، ففي الحديث عن الصادق (ع): "حسن الخلق يزيد في الرزق"[13] فإنّك لو كنت صاحب تجارة وكانت أخلاقك سيئة تعبس في وجه الزبائن فلن يدخل دكانك أحد،

وبذلك تسبب الفقر لنفسك وعيالك، ولذا نرى اليوم أنّ المؤسسات الناجحة تعلّم موظفيها على حسن التعامل مع الناس الذين يترددون على المؤسسة وذلك لتكسب الزبائن، وهذا المعنى لا بدّ أن ينعكس على الموظف في الحكومات وأجهزة الدولة الذين

يعتاشون من أموال الناس، فليس من السليم أبداً أنه إذا ذهب المواطن إلى الدوائر الحكومية لحاجة معينة فيتعامل الموظف معه معاملة سيئة وربما أهانه أو أذله، أو استقبله بوجه مكفهر مع أنّ هذا الموظف يعيش من أموال هذا المواطن الذي يدفع

الضرائب للدولة.. وهذا في الحقيقة مؤشر على الفساد الإداري في مجتمعاتنا، إنّ الإدارة الناجحة هي التي تعلّم موظفيها أن يتقنوا فن الابتسام بوجه المراجعين والصبر عليهم واستيعابهم والتعامل معهم بكل احترام وتقدير.

 

 وهذا ما يجعلنا نفهم معنى ومغزى قول الإمام الصادق (ع) فيما روي عنه: "إنّ البر وحسن الخلق يعمران الديار ويزيدان في الأعمار"[14]. إنّ الخلق الحسن   "يعمر الديار" ليس بطريقة غيبية بل من خلال أنّه يحبب الناس إلى صاحب الخلق فيكثر أعوانه وإخوانه وأصدقاؤه، وهو "يزيد في العمر"، ليس على نحو غيبي أيضاً وإنما لأنّه يخفف التوتر والقلق عند الناس، فتطول أعمارهم، وقد قال علي (ع): "سوء الخلق نكد العيش وعذاب النفس"[15].

 

 ثالثاً: على المستوى الرسالي، فإنّ الخلق الحسن هو أفضل داعية إلى الإسلام وإلى الدين، فصاحب الخلق الحسن يفتح قلوب الناس عليه ويجذبهم إلى معتقده ودينه، فعن رسول الله (ص): "حسن الخلق يثبت المودة"[16]. ومن المؤكد أنّ رسول

الله (ص) قد جذب الناس إلى دعوته بأخلاقه الحسنة، وهكذا الأئمة من أهل بيته (ع) فكم من شخص أسلم على يديع عندما عندما عامله النبي (ص) بما هو أهله من الكرم والخلق الحسن، ومن هنا فنحن لا نتفهم أن يكون هناك داعية إلى الإسلام ولا

يحمل أخلاقاً طيبة، فمثل هذا من الأفضل أن يبتعد عن مجال الدعوة، لأنّه بسوء خلقه ينفرّ الناس عن الدين ولا يقربهم منه، فإذا أردت أن تكون داعية لله ولدينه فلا يمكن أن تكون مزاجياً بل لا بدّ أن تتحلى بأخلاق رسول الله (ص) في الصبر على

ألذى {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه..} [الكهف - 28].

 

 

ج - ثواب حسن الخلق

 

ولأنّ للخلق الحسن هذه الآثار الطيبة على صعيد الحياة السعيدة، وعلى صعيد استقرار الحياة الإنسانية وعلى صعيد الدعوة إلى الله تعالى، كان من الطبيعي أن يكون ثوابه في الآخرة جزيلاً وعظيماً، وإليك بعض الحاديث الشريفة التي تؤكد على أجر صاحب الخلق الحسن:

 

1-   عن رسول الله (ص): "إنّ صاحب الخلق الحسن له أجر الصائم القائم"[17]، وربما كان أجره أجر الصائم بالتحديد، على اعتبار أنّ الخلق الحسن يحتاج إلى مجاهدة للنفس وكظم لغيظها تماماً كما يحتاج الصائم إلى صبر على شهوات النفس ورغباتها.

2-    عن رسول الله (ص): "أول ما يوضع في ميزان العبد يوم القيامة حسن خلقه"[18].

3-   وعنه (ص): "ليس شيء أثقل في الميزان من الخلق الحسن"[19].

4-   قيل لرسول الله (ص): ما الذي يلج به الناس الجنة؟ فقال: تقوى الله وحسن الخلق"[20].

 

نُشر على الموقع في 16-5-2018



[1] وسائل الشيعة، ج10، ص313.

[2] الصحيفة السجادية، من دعاء الامام زين العبدين (ع) إذا دخل شهر رمضان.

[3] تهذيب الأحكام ج4 ص241.

[4] الكافي ج2 ص630.

[5] الصحيفة السجادية، دعاء الامام زين العابدين (ع) إذا نظر الهلال.

[6] الأمالي للصدوق ص154.

[7] معاني الأخبار ص253.

[8] الأمالي للصدوق ص109.

[9] كنز العمال

[10] الخصال للصدوق

[11] ففي الحديث عن رسول الله (ص): "قيل له: إنّ فلانة تصوم النهار وتقوم الليل وهي سيئة الخلق تؤذي جيرانها بلسانها، فقال: لا ضير فيها هي من أهل النار"بحار ألأنوار ج68 ص394.

[12] عيون الحكم والمواعظ ص538.

[13] بحار الأنوار

[14] بحار الأنوار

[15] غرر الحكم ودرر الكلم

[16] بحار الأنوار

[17] مستدرك الوسائل ج8 ص443.

[18] قرب الإسناد ص46.

[19] مستدرك الوسائل ج8 ص442.

[20] م. ن. ج 8 ص 448.

 






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon