حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » هل ممكن إثبات وحيانية القرآن وعدم تحريفه من خلال مضمونه؟
ج »

إن الوحي الإلهي في عملية وصوله إلى البشر يحتاج إلى مرحلتين أساسيتين ليصلح كمصدر معصوم وعلى البشر الانقياد له، وهما:

المرحلة الأولى: مرحلة التلقي عن الله تعالى، بمعنى أنه حقاً وحي نزل من قِبل الله تعالى على رسول الله (ص).

المرحلة الثانية: مرحلة الصدور عن النبي (ص) والوصول إلينا سالماً من التحريف.

 

أما بالنسبة إلى المرحلة الثانية، أعني إثبات صحة صدوره عن رسول الله (ص) وعدم تعرضه للتحريف من بعده. فتوجد عشرات الدراسات والكتب والمصادر التي تؤكد على عدم تعرض القرآن الكريم للتحريف، وقد بحثنا هذا الأمر بشكل مفصل وأقمنا أدلة كثيرة على أنّ هذا القرآن هو عين القرآن الذي جمعه النبي (ص) ودونه وانتشر بعد ذلك بين المسلمين جيلاً بعد جيل، راجع كتابنا "حاكمية القرآن الكريم": الرابط  https://al-khechin.com/article/632

 

أما بالنسبة للمرحلة الأولى، أعني إثبات وحيانية الكتاب وأنه ليس مختلقاً من النبي (ص) أو من وحي الخيال، فهو أمر نستطيع التوثق منه بملاحظة العديد من العناصر التي - إذا ضمت إلى بعضها البعض - تورث الإنسان اليقين بأن هذا الكتاب لا يمكن إلا أن يكون وحياً من الله تعالى، وهذه العناصر كثيرة وأهمها:

 

أولاً: ملاحظة المنظومة المعرفية المتكاملة والرؤية الكونية والوجودية المتماسكة التي جاء بها القرآن، ففي عصر عرف بالجاهلية والخواء الفكري، يأتي محمد (ص) بكتاب يمثل منعطفاً تاريخياً بما يتضمنه من تأسيس معرفي لرؤية فكرية جديدة، إن فيما يتصل بالخالق وصفاته وعلاقة المخلوق به، أو رحلة المبدأ والمعاد، أو يتصل بالكون ودور الإنسان فيه، أو ما ما تضمنه من نظام اجتماعي وأخلاقي وروحي، وعلى القارئ الموضوعي للقرآن أن ينظر إليه نظرة واسعة وشمولية ولا يغرق في بعض الجزئيات المتصلة ببعض الآيات المتشابهة التي أشكل عليه فهمها بما يحجب عنه ما رسالة القرآن الحقيقية. وأنصحك بقراءة كتاب "وعود الإسلام" للمفكر والفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي في هذا الشأن، وكتاب "الإسلام كبديل" للمفكر الألماني مراد هوفمان.

 

ثانياً: نظم القرآن، فإنّ كل منصف أمعن ويمعن النظر والتأمل والتدبر في آيات القرآن، لا مفر له من الاذعان أنّه أمام نصٍّ عظيم ومتميّز في تماسكه وتناسق موضوعاته وعلو مضامينه، وعمق معانيه، والقوة في حججه وبراهينه، والبلاغة العالية في أسلوبه المتميز عن النثر والشعر، وفي ألفاظه وجمله وتراكيبه مما يأخذ بالألباب والعقول. وسوف لن يتوانى عن الإقرار بأنّ هذا الكتاب هو - كما وصف نفسه - قول فصل: {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ} [الطارق 13- 14] خالٍ من التناقض والاختلاف، {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء 82] وأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

 

باختصار: إنّ في آيات القرآن الكريم كيمياءً خاصة وروحاً عجيبة وعذوبة فائقة الجمال وقوة بيانية ومضمونية لا تضاهى، ولا شك أنّ من وطّن النفس على اتباع الحق وأصغى إلى آيات الكتاب بمدارك العقل ومسامع القلب سوف يرى فيها جاذبية ونورانيّة مميزة وروحانية عالية، كما أنّ فيها نُظماً راقية ومتقدمة لا يمكن أن تبلغ قوّتها وعمق مضامينها وتدفق معانيها أي نصوص أخرى. وهذا في الوقت الذي يدل على إعجاز القرآن فهو يدل أيضاً على عدم تعرضه للتحريف.

وإنّ الجاذبيّة المذكورة لآيات القرآن الكريم هي مما اعترف بها البلاغاء العرب وكثير من الحكماء من المسلمين وغيرهم، ولم يجرؤ فطاحلة الشعراء والأدباء من العرب أن يعارضوه بطريقة جديّة ذات قيمة رغم تحديه لهم ودعوتهم إلى معارضته، قال سبحانه: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء 88] وما هذا إلا دليل على قوة القرآن وعدم وجود أية ثغرة فيه أو زيادة أو نقيصة.

 

ثالثاً: ملاحظة صفات الشخصية (ص) التي جاءت بهذا الكتاب، فهو شخص أمّي لم يدرس عند أحد ومع ذلك أتى بهذا القرآن بكل ما يتضمنه من تناسق مبدع ومضمون روحي ومعرفي غير مسبوق، وكذلك ملاحظة سيرته وأقواله وسلوكه الشخصي وخصائصه الذاتية التي تؤكد على تمتعه بأعلى درجات النزاهة والصدقية والطهارة، ومعلوم أنّ حياة الإنسان هي أهم مختبر لصدقية طروحاته ومقولاته، ويلي ذلك دراسة مشروعه الثقافي والحضاري وما تتضمنه رسالته من معارف ومفاهيم لم يعرف الإنسان عنها إلا القليل، ويلي ذلك ملاحظة إنجازاته وحجم التأثير والتغيير الذي أحدثه في المجتمع، والمقارنة بين ما جاء به وبين الموروث الثقافي في السائد في مجتمعه أو الذي جاءت به الكتب الأخرى، فإنّ البشر مهما كان عبقرياً لا يتسنى له أن يخرج عن الموروث الثقافي الذي يحكم بيئته الاجتماعية، فعندما ترى شخصا قد أوجد انقلاباً حضارياً معتمداً على منظومة فكرية وثقافية لا تمت بصلة إلى المستوى الثقافي لمجتمعه، فهذه القرائن وسواها قد تورث اليقين بصدقيته، أأسميتها معجزة أم لم تسمها.

 

رابعاً: أما بعض التفاصيل مثل قضية طول عمر الإنسان، أو قضية يأجوج ومأجوج، أو غيرها، فهي قضايا تسهل الإجابة عليها، ولا أعتقد أنها تشكل معضلة كبيرة، إذا أخذنا بعين الاعتبار أمرين:

 الأول: أن التجارب العلمية لا تزال تفاجئنا كل يوم بجديد وأنّ ما قد نخاله اليوم غير معقول قد يصدقه العلم بعد غد. 

 الثاني: إنّ فهم الكتاب وآياته، ليس محكوماً بالقراءة العرفية اللغوية، وأنّ ثمة مجالاً للقراءة الرمزية – على الأقل – بالنسبة لصنف من الآيات القرآنية.


 
 
  مقالات >> اجتماعية
زواج القاصرات
الشيخ حسين الخشن



 

 مع ارتفاع مستوى الوعي الاجتماعي والثقافي لدى شعوب العالم أخذت تبرز إلى الضوء بعض الممارسات والعادات التي يرى فيها البعض ممارسات خاطئة تنتمي إلى العصور الماضية، ولا تتلاءم ومنظومة حقوق الإنسان في عصرنا الحاضر.

 

   ومن هذه الممارسات أو العادات الخاطئة عادة زواج الفتيات القاصرات، وهي عادة عرفتها بعض الشعوب قديماً، ولا تزال منتشرة في الكثير من دول العالم، ومنها الدول العربية والإسلامية، كاليمن والمغرب ومصر وتركيا وغيرها، الأمر الذي دفع بعض المنظمات الدولية والاقليمية إلى رفع صوتها عالياً للتنديد بهذه الظاهرة والتحذير من مخاطرها والدعوة إلى ضرورة التوعية العامة بمضارها وآثارها السلبية. ويساعد على تعزيز بشاعة هذه الظاهرة أمران:

 

   أولاً: حصول زيجات بين فتيات في سن الحادية أو الثانية عشرة ورجال هم في عمر أجدادهن، حيث بلغ بعضهم سن السبعين أو الثمانين، (على سبيل المثال فإن قضية زواج طفلة من بريدة في السعودية وهي بعمر 12 سنة من مسن ثمانيني قضية معروفة ومشهورة وقد تناقلتها وسائل الاعلام المختلفة).

 

   ثانياً: دخول عامل الاستغلال الرخيص، حيث يعمد بعض الأثرياء إلى استغلال حاجة الأباء الفقراء فيدفعون لهم المال الوفير لقاء تزويجهم ببناتهم القاصرات في عملية اتجار رخيص هدفها جني الأموال، وفي بعض الحالات تنتهي هذه العلاقة الزوجية بعد أشهر حيث تترك هذه "الطفلة" عالة على ذوييها بعدما يقضي هذا الثري وطره منها، وهو الأمر الذي أثارته وسائل الإعلام مؤخراً في كل من مصر وتركيا، حيث يتمّ مثل هذا الاتجار الرخيص، وقد ذكرت بعض الصحف أنه قد تَمّ انتاج مسلسل تركي بعنوان "وتستمر الحياة" سلط معدّوه الضوء على هذه الظاهرة، وفي مصر كان للمفتي العام للديار المصرية وغيره من الشخصيات موقف صارم مما نشرته وسائل الاعلام المصرية من دراسات وتحقيقات أجريت في بعض المحافظات المصرية وأظهرت أن نسبة زواج القاصرات فيها قد بلغت نسبة 74%، حيث تتم في الغالب عملية "بيع" هؤلاء الفتيات القاصرات إلى أثرياء من بعض الدول العربية...

 

عادات وغطاء شرعي:

 

   ولا يخفى أن هذه الظاهرة لا تعبر عن مجرد عادات شرقية أو عربية، وإنما هناك غطاء شرعي إسلامي يضفى عليها، باعتبار أن الفتوى المشهورة عند فقهاء المسلمين تنص على أن للأب ولاية على ابنته القاصر، فله أن يزوجها ممن يريد، وليس لها أن تعترض، بل ولا تستأمر في ذلك، وفقاً لبعض المذاهب الفقهية، باعتبارها قاصر، وإنما تستأذن البكر في الزواج إذا كانت راشدة ، هذا من جهة ومن جهة أخرى، فإنه يجوز للزوج بنظر الفقهاء أن يدخل بزوجته بمجرد بلوغها التاسعة من عمرها، ويستندون في ذلك إلى سنّة النبي(ص) وفعله، فقد تزوّج السيدة عائشة بنت أبي بكر وهي ابنة ست، وبنى(دخل) بها وهي ابنة تسع، كما هي الرواية المشهورة، وقد يتخذ البعض من الفعل المزعوم للنبي(ص) ذريعة له، أو قل " أسوة حسنة"، فيسعى الى الاقتداء بنبيه(ص) وتطبيق سنته، فيقدم على الزواج من طفلة صغيرة في التاسعة أو العاشرة من عمرها ولو كان هو في عمر جدها أو والدها!

 

ما هو موقفنا؟

 

   والسؤال: أنه ما هو موقفنا من هذه القضية؟ وهل من جديد يمكن تقديمه في هذا المجال؟ وهل من السليم والمنطقي التعامل مع قضية الزواج وما يتصل بعمر الزوجين استناداً إلى نصوص تروى عن رسول الله(ص) من دون أن نعرف مدى صحتها؟ بل لك أن تتساءل: هل إن النص يمثل مرجعية وحيدة في مقاربة مفهوم كمفهوم البلوغ الذي يخضع لتغيرات وتأثيرات المناخ والبيئة والغذاء، والسؤال عينه يرد إزاء مفهوم الرشد والذي يتداخل فيه الجانب الثقافي والنفسي والجسدي؟ ثم هل يصح التمسك بهذه النصوص حتى لو كانت صحيحة قبل معرفة مدى ملاءمتها لزماننا، على اعتبار أن ما قاله النبي (ص) أو فعله وإن كان حجة شرعاً، لكن ذلك مشروط بأن لا تتوفر قرائن تشهد وتؤيد اختاص ذلك بزمانه (ص)، إذ لا  يمكن لنا هدر الفوارق الزمانية بين ذاك العصر وبين عصرنا وما يستتبع ذلك من تغيرات تطال مفهوم البلوغ نفسه وتؤثر على سرعة أو بطء النضوج الجنسي لدى المرأة أو الرجل.

 

تحديد المصطلحات

 

    ومن المفيد وربما الملح قبل الاسترسال في الحديث واتخاذ أي موقف سلبي أو إيجابي، مؤيد أو معارض لفكرة زواج القاصرات أن ننبّه على مسألة مهمة وأساسية، وهي مسألة تحديد المفاهيم والمصطلحات، فما المراد بالقاصر أو القاصرة، أوالراشد والراشدة؟ وهكذا فإن علينا أن نتفق على تعيين المرجعية الصالحة لتشخيص معنى القصور وهل هي العرف أو الشرع؟ 

 

   إن هذا الأمر مهم جداً وتأكيدنا عليها نابع من الخشية في وقوعنا أسرى المصطلحات الوافدة والمفاهيم المعبئة بمضامين خاصة تنتمي إلى رؤية ثقافية وحضارية لا تلاءم ثقافتنا وانتماءنا، ومع الأسف فإننا كثيراً ما نقع تحت سطوة المفاهيم التي تنتجها العقلية والرؤية الثقافية والحضارية المهيمنة على العالم والتي  تنظر إلى الإنسان ودوره في الحياة من منظار خاص، يسيطر عليه البعد المادي ويتغيب فيها البعد الروحي والأخلاقي والبعد الالهي، ونحن من موقع انتمائنا إلى الاسلام وإيماننا بأن التشريع الاسلامي لم يترك فراغا على هذا الصعيد ، فلا يسعنا – وبكل اعتزاز - إلا الرجوع الى الاسلام واعتباره المرجعية الصالحة في تحديد معنى الرشد أو القصور.

 

   ولكننا في الوقت عينه على ثقة تامة بأن مرجعية الاسلام ليست جامدة ولا مقفلة في وجه التفكير الاجتهادي المنفتح على شتى المستجدات والمعطيات المختلفة ، وذلك لأن التشريع الإسلامي إنما يستهدف تحقيق المصلحة الإنسانية بشكل عام، ولا يمكن أن يكون سبباً في بؤس الإنسان أو إيقاعه في المشاكل الصحية والنفسية... ولا أعتقد أن التشريع الإسلامي يختلف عن التشريع الوضعي في السعي إلى بلوغ هذا الهدف السامي، وإنما قد يقع الخلاف في تشخيص ما هي المصلحة أو المفسدة؟ وهل أن هذا العمل أو السلوك هو من مصلحة الانسان أم لا؟

 

   ما نريد التأكيد عليه هنا هو ضرورة أن لا يقفل أو يتوقف البحث الفقهي الاجتهادي في هذه القضايا وغيرها عند حدود ما أنتجه السلف الصالح من علمائنا وما توصلوا إليه من أراء فقهية على هذا الصعيد، لأنّ ما أفتى به هؤلاء هو اجتهادات وقراءات يؤجرون عليها، لكنها قد لا تمثل الحقيقة الشرعية الحاسمة ولا القراءة النهائية، الأمر الذي يفرض إعادة طرح هذه المسائل على طاولة البحث والدرس، مع الإفادة من مرونة التشريع الاسلامي في قواعده الاجتهادية المواكبة لكل المستجدات والتي ترى أن للزمان والمكان دوراً مهماً في عملية استنباط الحكم الشرعي.

 

رفض الجمود والازدواجية 

 

   وفي هذا الإطار فإننا إذا كنا نسجل نقداً على الطريقة التي قد يتعامل بها فقهياً مع هذه القضية – قضية زواج القاصرات- حيث يتم الجمود على حرفية النصوص دون أن يطل على ما وراء النص من مقاصد وعلى علاقة هذا النص بالواقع، ولا يعير بالاً لاحتمال تاريخية النص، والغريب في أمر البعض من المدافعين نظرياً عن زواج الصغيرة  أنهم وفي الوقت الذي يصرون على تبني هذه الآراء، فإنك لن تجد أحداً منهم يرضى أو يتقبل أن يزوّج ابنته وهي في التاسعة من عمرها – مثلاً-  لرجل أربعيني، فضلاً عن أن يكون كهلاً خمسينياً أو شيخاً ستينياً، ناهيك عن أن يكون قد وصل إلى أرذل العمر.

 

   فإننا في المقابل نسجل استغرابنا لهذه الازدواجية التي يتعامل بها دعاة حقوق الإنسان أو بعضهم على الأقل مع هذه القضايا، ففي الوقت الذي ينادون فيه بضرورة اعتماد سن 18 لزواج الفتاة أو الشاب ويحاربون ظاهرة زواج القاصرات في المجتمعات الإسلامية، فإنهم لا يجدون غضاضة في أن تمارس الفتاة الجنس عن طريق الزنا قبل هذا السن، ويرون ذلك حقاً من حقوقها، ونحن من حقنا أن نسألهم: لِمَ تكون ممارسة الجنس مع بنت في السابعة عشرة من عمرها- مثلا -  تحت عنوان الزواج عملاً مشيناً ومداناً، لأنه زواج من قاصر، ولا تكون ممارسة هذه البنت للجنس تحت عنوان الزنا عملاً قبيحاً، بل هي عمل "مشروع" ومتفهم؟! إن الممارسة الجنسية التي يراد حظرها قانوناً قبل سن ال18 منتشرة في دول الغرب بشكل كبير، بحيث تتضاءل أو تكاد تنعدم نسبة الفتيات اللاتي يصل بهن العمر إلى سن الثامنة عشرة وهنَّ لا يَزَلْنَ يحافظن على عذريتهن!... بل ربما عُدَّ ذلك علامة تخلف، أومؤشراً على وجود عقدة نفسية أو اجتماعية لدى البنت!

 

البلوغ في القرآن الكريم:

 

   بالعودة إلى السؤال الرئيس عما إذا كان هناك جديد تمكن إضافته على الموقف الإسلامي والفقهي السائد والموروث فيما يرتبط بزواج القاصرات، فإننا نحاول أن نسجل بعض الوقفات التأملية إزاء الموقف التقليدي من سن البلوغ عند الأنثى مع الحرص على مقاربة المسألة بعيداً عن اللغة الفقهية الاستدلالية.

 

  الوقفة الأولى: وهي ترتبط بتحديد مفهوم البلوغ، حيث نلاحظ أنه لم ترد أية إشارة في القرآن الكريم إلى تحديد سن معين، وإنما تمّ استخدام مصطلحين للإشارة إلى موضوع البلوغ:

 

   المصطلح الأول: هو مصطلح بلوغ النكاح، قال تعالى: {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم..}(النساء 6)، فإنّ بلوغ النكاح معناه - بحسب الظاهر - أن يصبح الشخص مهيئاً لذلك ومستعداً له استىعداداً جسدياً ونفسياً، ويلاحظ أن الآية قد أوجدت فصلا بين البلوغ الجنسي وبين الرشد، عندما ألمحت إلى إمكان بلوغ النكاح مع عدم بلوغ الرشد.

 

   المصطلح الثاني: هو بلوغ الحلم، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ...وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم كذلك يبين الله لكم آياته والله عليم حكيم} (النور 58).

 

   والحلم بمعنى العقل وكني به عن البلوغ، لأنه - أعني البلوغ- ملازم للحلم، وهو يعبر عن طفرة عقلية وفكرية ومرحلة جديدة في حياة الإنسان، وقيل: إن الحلم بمعنى الرؤيا، فهو كناية عن احتلام الشاب حين البلوغ. (أنظر تفسير الأمثل ج11 ص160).

 

   وربما يُرجَّح المعنى الأول وهو أن يراد بالحلم مرتبة من النضج العقلي، وذلك لمساعدة السياق عليه، على اعتبار أنّ الآية أرشدت إلى ضرورة تعليم وتوجيه "الذين لم يبلغوا الحلم" إلى ضرورة الاستئذان، والمراد بهم هنا الذين بلغوا سن التمييز والقرينة على ذلك قوله بعد ذلك: "ثلاث عورات لكم"، ثم أمرت هؤلاء إذا بلغوا الحلم أن يستأذنوا، لأنهم أصبحوا بالغين وتوجه الخطاب إليهم، ومن المعلوم أن البلوغ الجنسي لا يكفي وحده لتوجه التكليف والخطاب، بل لا بدّ أن يقترن بالبلوغ العقلي.

 

   ومن مجموع الآيتين المتقدمتين يتحصل أنّ البلوغ يتحقق بمجموع أمرين: البلوغ الجنسي، والرشد العقلي.

 

وعلى ضوء السنة

 

   وأمّا على مستوى السنة وما ورد فيها بشأن البلوغ، فيهمني بداية أن أسجل تحفظا بل رفضا لما ينسب إلى النبي (ص) من أنه تزوج السيدة عائشة وهي في التاسعة من عمرها، فهذا أمر - بالرغم من شهرته - لم يثبت بدليل مقنع وموثوق، بل إنّ روايات ذلك هي روايات مستغربة ومستنكرة ولا يمكن التصديق بها، لعدة اعتبارات، كما أنها معارضة بشواهد تاريخية ترجح أنّ عمرها عند دخوله (ص) بها كان بحدود 18 سنة تقريباً، (ولكاتب هذا المقال دراسة مستفيضة حول هذا الموضوع نأمل أن نوفق لنشرها سريعاً بعون الله تعالى). 

 

   وأما سائر الروايات الواردة في بلوغ الفتاة، فيمكن تصنيفها إلى عدة مجاميع، فمنها ما يركز على العلامة الجسدية لبلوغها، وهي العادة الشهرية، وهذه المجموعة تتلاقى مع ما جاء في القرآن الكريم، ومنها ما يعتبر السن علامة على البلوغ، وهنا تختلف هذه الروايات في سن المرأة، فبعضها يحدد البلوغ بالتاسعة، وقد أفتى بها مشهور الفقهاء، ومنها ما يحدده بالثالثة عشرة.

 

 وأمام هذا التعارض فقد يقال - كما عن بعض أعلامنا- بالتساقط، طبقاً لما هي القاعدة في باب التعارض، ويصار بعد التساقط إلى الأخذ بما جاء في الذكر الحكيم، وهذا بحث موكول إلى الحقل الفقهي التخصصي.

 

هل من شرط آخر؟: 

 

الوقفة الثانية: إنه وبصرف النظرعن تحديد البلوغ بمعناه القانوني الشرعي الذي تترتب عليه المسؤوليات، فإنّ ثمة سؤالاً يفرض نفسه في المقام هو: أنه هل يكتفى في تزويج الفتاة والدخول بها بمجرد بلوغها الزمني وذلك بوصولها إلى سن التاسعة أو الثالثة عشرة، (على القولين في ذلك) أو بمجرد بلوغها الجسدي وذلك عند دخولها في الدورة الشهرية ولو للمرة الأولى؟

 

   المشهور بين فقهاء الفريقين الاكتفاء بالبلوغ بإحدى العلامتين المتقدمتين، إلاّ أنّ معارضي مثل هذا الزواج يتذرعون بعدم كفاية هذا المستوى من البلوغ لدخول البنت في الحياة الزوجية، لما يستتبعه ذلك من الأضرار الصحية والنفسية والاجتماعية التي تلحق بها، ويبنون موقفهم على دراسات علميّة وأخرى ميدانية، وكلها تؤكد على مخاطر الزواج في هذا السن المبكر.

 

   ويمكننا أن نسجل في المقام رأياً وحاصله: إنّه لا مفر من أن نأخذ بعين الاعتبار المعطيات العلميّة والتحذيرات والنصائح الطبية المتصلة بالصحة الانجابية، وهي معطيات تؤكد على جدية المخاطر النفسية والجسدية التي تتعرض لها الأنثى في حال حصول الزواج في سن مبكر، كسن التاسعة أو العاشرة أوالثانية عشرة أوالثالثة عشرة... وهذه المعطيات قد تصلح لتكوين موقف فقهي يفتي بتحريم هذه العلاقة المضرة بالبنت، ولا سيما في بعض مستويات الضررالفادحة، وقد لا يجد الفقيه مفراً من الافتاء بحرمة المعاشرة الجنسية مع البنت التي لا تكون مهيأة لذلك، حتى لو كان سنها قد بلغ الخامسة عشرة مثلاً، وحتى لو كانت النصوص مطلقة تجيز ذلك في هذا السن، فإن المعاشرة معها إذا ثبت أنها مؤذية لها ومضرة بها ضررا معتدا به فهي أشبه بالعدوان والاغتصاب، وحرمة هذا الفعل لا تحتاج إلى دليل خاص، إذ يكفينا القاعدة العامة القاضية بحرمة كل عمل يؤدي إلى إلحاق الإضرار بالغير بما في ذلك الزوجة حتى لو كان هذ التصرف حقا من حقوق الزوج من حيث المبدأ، فإن سلطة الإنسان على الأخذ بحقوقه مقيدة بأن لا يكون ذلك على حساب الآخرين وحساب صحتهم أو مؤديا إلى إلحاق الضرر بهم، والموجب لتقييد حقه بهذا القيد هو ما جاء في النصوص القرآنية والحديثية التي تؤكد على نفي كل تشريع ضرري في الإسلام، وتحرّم كل ممارسة ضررية بحق النفس أو الغير، أرأيت لو أن الزوجة البالغة التي عاشت مع زوجها ردحا من الزمن دون أن تكون الممارسة الجنسية معها مضرة بها، لكنها وبسبب ظرف صحي طارىء أصبحت مضرة بها، فإن إرغامها على الممارسة المذكورة والحال هذه يغدو عملا محرما بكل تأكيد، كذلك ما نحن فيه.  

 

هل نوافق على تحديد سن معين للزواج؟

 

   وربما يتساءل البعض: هل توافقون- إذن - على تحديد سن معين للزواج، لأن ما تقدم من اشتراط كون الزواج غير مضر بها قد لا يحل المشكلة من جذورها، إذ قد تكثر المزاعم بشأن تضررها أو عدم تضررها، ما يفرض من الناحية التنظيمية وضع سقف عمري محدد يقدّر أنه السقف المثالي  أو الأنسب لزواج البنت ؟   

 

   أقول: إنه وبملاحظة ما تقدم من عدم صلاحية سن التاسعة كسقفٍ عمري للزواج على اعتبار أن هذا العمر (التاسعة) وإن ورد في بعض النصوص والتي أكدت على أنه يجوز الدخول في الزوجة إذا بلغت التاسعة وحَظّرت ذلك قبل هذا السن، إلاّ أنّ هذا العمر - بحسب الظاهر- ليس سقفاً تعبدياً لا يجوز تخطيه في كل الحالات، إذ كيف يتعبدنا الشارع باعتماد سن للزواج تكون له مخاطر عديدة على المرأة ولو في بعض المجتمعات أو المراحل الزمنية، كما تؤكد ذلك الدراسات والوقائع في زماننا، وهذا ما جعلنا نرجح أن تلك النصوص تنظر إلى مجتمع ربما كانت الفتاة فيه تصل سن البلوغ وهي في التاسعة من عمرها دون أن يكون للمارسة الجنسية معها أية مضاعفات سلبية على صحتها وسلامتها، وفي ضوء ذلك، فإنّ السؤال الأصح ليس عن مدى مشروعية الدخول بالبنت في التاسعة من عمرها، فهذا أمر ما دام أنه يشكل ضرراً عليها فهو غير جائز بمقتضى قواعد الشريعة الإسلامية، وإنما السؤال المنطقي هو حول مشروعية رفع سقف الزواج من سن التاسعة وتحديد سن آخر، فما هو المبرر لهذا التحديد؟ 

 

والجواب: إنّ تحديد سن معين للزواج وإن كنا لا نملك دليلاً شرعياً عليه إلاّ أن المسألة من الأمور التي قد تدعو المصلحة إلى وضع سقف زمني لها لاعتبارات تنظيمية، الأمر الذي قد يبرر وضع سقف زمني لذلك، والذي يخوّل بوضع هكذا سقف هو الحاكم الشرعي الذي عليه الاستعانة بأهل الخبرة ليكوّن رأياً حول السن الملائم لتزويج البنت، وأما تحديده بـ 18 عاما الذي اعتمدته دول الغرب وغيرها فليس قانوناً منزلاً ولا مقدساً وإن توافقت عليه معظم دول العالم، إذ لا بدّ أن يؤخذ بعين الاعتبار:

 

أولا مصلحة الفتاة ومدى ملاءمة هذا السن لسلامتها النفسية والجسدية وصحتها الانجابية وقيامها بوظائف الأمومة على الوجه الأحسن والأفضل.  ثانياً: لابد من مراعاة المقاصد الشرعية والتعاليم التي تؤكد على مبدأ العفة وعلى أهمية تحصين الفتاة مقدمة لتحصين المجتمع برمته، باعتبارذلك  غاية سامية للزواج، فهذه العناصر لا بدّ أن تؤخذ كلها بعين الاعتبار قبل البتّ بالسن الملائم للزواج لدى الفتاة. 

 

سلطة الولي وحدودها:

 

   الوقفة الثالثة: ونتوقف فيها عند صلاحيات الولي التي قد يستخدمها بشكل خاطىء في تزويج ابنته القاصر، حيث لا زلنا نشهد حالات يتم فيها تزويج البنت في سني عمرها الأولى - وربما كانت رضيعة - من ذكرهو في مثل عمرها أو أكبر، وتبقى هذه الطفلة على اسم هذا "الزوج" إلى حين البلوغ، ثم تزف بعدها إليه، الأمر الذي قد يعترض عليه بأن إدخال الصغار في هذه العلقة الزوجية ليس صحيحا من الناحية التربوية، لأنه يشكل استباقا لمرحلة عمرية لم يأت أوانها بعد ولا يعلم مستجداتها إلا الله ، فما الموجب لإدخال الطفل والطفلة في هذا الأمر الذي قد يؤدي ولا سيما في حال إعلامهما بذلك وتهيئتهما له إلى ما يشبه إلغاء مرحلة الطفولة ومتطلباتها وهو أمر له مضاعفاته السلبية نفسيا واجتماعيا؟! .
 وهكذا قد يقدم البعض من الآباء على تزويج ابنتهم ممن بلغت سن الرابعة أو الخامسة عشرة .. من رجل لم تختره ولم تعرف عنه شيئا ، مستغلين ولايتهم الشرعية عليها ومتذرعين بأنها لا تملك ولاية على نفسها، بل إنّ الولاية في ذلك هي للأب أو الأقارب، وهذا الفعل له الكثير من التداعيات السلبيات والتي قد تبرز مع بدايات الحياة الزوجية.

 

 وأمام هذه الظاهرة يهمني أن أؤكد على النقاط التالية : 

 

أولا : إنّ الولاية على الأبناء القاصرين – ذكوراً أو إناثاً- هي صيغة عقلائية تنظيمية أقرها التشريع الإسلامي كونها تهدف إلى حماية الأولاد القاصرين ورعاية شؤونهم وتربيتهم والعمل لما فيه صلاحهم على كافة الأصعدة، والولاية بهذا المعنى هي مسؤولية وليست سلطة استبدادية، ولا يُسمح للولي باستغلال الولاية في غير صالح المولى عليه، ولا أن يحركها بما يؤدي إلى ظلمه والاضرار به أو أكل أمواله بغير حق، وإذا فعل شيئا من ذلك فإنّ ولايته تسقط وتفقد مبررها الشرعي والأخلاقي.
 وبكلمة أخرى: إن الولاية ليست سلطة مطلقة فوق سلطة القانون الشرعي ، ولهذا فهي لا تبيح ما هو حرام في أصل التشريع ، بل لا بد أن تتحرك تحت سقف الشرع الحنيف، وأي استغلال لها خارج نطاق الشرع لا يعد تصرفا محرما فقط بل  هو تصرف لاغ وباطل بطلانا مطلقا.

 

 ثانيا: إنّ تصرف الولي وفقا لرأي فقهي معروف لا يكفي في مشروعيته ونفوذه خلوه من المفسدة، بل هو مشروط بأن يكون فيه مصلحة للمولَّى عليه،{ ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير.}(البقرة 220 )، وقضية المصلحة أوحتى عدم المفسدة هي قضية متحركة ويدخل فيها عناصر جديدة تفرضها حركة الاجتماع الإنساني وما تفرضه من تغيرات على هذا الصعيد، ومسألة اختيار الزوج أوالزوجة وصفات كل منهما العمرية أو الجمالية أوغيرها هي من المسائل المتحركة والمتغيرة، فليس بالضرورة أنّ ما كان يمثل مصلحة في الزمن الغابر هو كذلك في زماننا الحاضر حتى لو كان الذي فعل ذلك في الأزمنة الغابرة هم الأولياء والعلماء والصلحاء.

 

وفي هذا السياق يمكننا الجزم بأن تزويج الصغار إن كان له ما يبرره في الزمن السابق، فإن الأمر ليس كذلك في زماننا الحاضر، حيث نلاحظ أنه تكثر النزاعات الزوجية التي قد تفضي إلى الطلاق بين الأشخاص الذين اختاروا أزواجهم بأنفسهم وتزوجوا عن سابق معرفة ووئام، فما بالك بمن يزوجهم الآباء أو الأمهات دون معرفتهم ولا اختيارهم، وقد ورد في بعض الأحاديث التأكيد على كراهة تزويج الصغار معللة ذلك بأن هذا الزواج لن يكلل بالنجاح، ففي الحديث الصحيح عن الامام الصادق (ع) أو أبي الحسن (ع) قيل له : إنا نزوج صبياننا وهم صغار فقال: " إذا زوجوا وهم صغار لم يكادوا أن يأتلفوا" (يتألفوا خ ل(، (أنظر: وسائل الشيعة ج20 ص104،الباب 46 من أبواب )

 

ثالثا: لا ولاية للأب على البالغة الرشيدة طبقاً لرأي فقهي معروف تماماً كما لا ولاية له على البالغ الرشيد، ويرى آخرون أن له الولاية عليها لكن لا بمعنى أنه هو الذي يختار لها الزوج ويزوجها منه، بل هي صاحبة الحق في اختيار الشريك، لكن عليها أن تستأذن وليها، ولا تتزوج إلا بإذنه ورضاه، ما يعني أنه لا بدّ من رضا الأب والبنت معاً، أما البنت غير الرشيدة،  فإنّ للأب ولاية عليها، إلاّ أن الولاية لا تسمح له بالتعسف أو الاتجار الرخيص بها ، بل هي تعني سد نقص المولى، فالولاية إنما جُعلت له ليأخذ بيد الطفل لما فيه الأحسن، وإذا ما تصرف الأب في غير صالح ابنته، كما لو زوجها وهي في سن التاسعة أو العاشرة من رجل تسعيني أو خمسيني فإنه يُعدُّ خائناً للأمانة وتسقط ولايته على ابنته كما أشرنا آنفا.

 

   رابعاً: إنه وطبقاً لمدرسة أهل البيت(ع) فلا ولاية على القاصر أو القاصرة إلا للأب أوالجد من قبل الأب، أما سائر الأقارب من الأعمام أو الأخوة أوالأخوال أو غيرهم من الأقارب فلا ولاية لهم على الفتاة فضلا عن غيرها .

 






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon