حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » من المقصود في الزيارة: السلام على عليّ بن الحسين.. هل هو زين العابدين (ع) أم الأكبر أم الرضيع؟
ج »

الظّاهر - بحسب السّياق - أنّ المُراد به هو عليّ الأكبر الشّهيد لدوره الكبير وحضوره في المعركة، ولعظيم مُصيبته على الإمام الحسين (ع)، أمّا الطفل الّرضيع فيكون ُمندرجاً في فقرة أخرى وهو قوله في الزّيارة - وعلى أولاد الحسين -  والتي تشمل سائر أولاده بمن فيهم الإمام زين العابدين (ع) والبنات أيضاً .

 


 
س » يوجد لديّ إشكالات كثيرة على الاستدلال بحديث الثقلين على العصمة، فهو يشمل إجماع العترة وليس آحادهم، ويشمل العباس عم النبي (ص)، فهل هؤلاء معصومون؟؟
ج »

أولاً: إنّ حديث الثقلين لا شكّ فيه من حيث السّند وهو مُستفيض حتى في روايات السّنة ناهيك عن روايات الشيعة ، وأّما من حيث الدّلالة فإنّه وبصرف النّظر عن كون القرآن الكريم أفضل من العترة أم عدم كونه كذلك ، فلا ريب في دلالة الحديث على أن التمسّك بالعترة يُشكّل صمّام أمان للأمّة يمنعهم ويعصمهم من الضّلال - ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا - ، ولا شكّ في دلالته أيضاً على أن العترة لا يفترقون عن القرآن الكريم ، ولا يُتصور أن يصدر عنهم ما يُخالف القرآن وهذا ما يدل عنه قوله في الحديث - لن يفترقا - .


- ثانياً : إنّ ما ذكرتموه بأنّ المراد بالحديث هو إجماع العترة هو كلام ضعيف ولا وجه له لأنّه إن أريد بالعترة ما هو أوسع من الأئمة من أهل البيت (ع) ليشمل العباس وذريته أو غيره، فمن المعلوم أنّ هؤلاء أعني العباسيين لا ميزة لهم عن سائر الصّحابة والنّاس فهم يُخطئون كغيرهم ويُمكن أن ينحرفوا كما انحرف غيرهم، وبالتالي فلا يُعقل أن يكون لرأيهم أو إجماعهم أيّ قيمة أو أن يُشكّل إجماعهم أو قولهم عاصماً للأمّة  عن الضّلال ، ما يعني أن نظر الحديث فقط إلى خصوص شريحة من العترة وهم الذين لا يُمكن أن يقعوا في الضّلال والانحراف، وهؤلاء لا فرق بين الواحد منهم أو الجميع ، فكما يكون قول الجميع حُجّة وعاصماً عن الضّلال ، كذلك قول الواحد، والقرينة على ذلك أنّه حين قال النبيّ (ص) هذا الكلام لم يكن من العترة التي يؤمَن وقوعها في الضّلال إلا عليّ (ع)، أما الحسن والحسين (ع) فكانا طفلين صغيرين، فهل كان الحديث لا قيمة له آنذاك لأنّه بعد لم يتحقّق إجماع العترة؟ من الواضح أن هذا بعيد جداً لأنّ كلامه (ص) ساري المفعول من حين إطلاقه ولا يتوقف على مرور عقود من الزّمن حتى يتشكّل إجماع العترة.


 
 
  نشاطات >> عامة
برنامج أ ل م على قناة الميادين - هل الجنة للمسلمين أم للبشر جميعًا؟
الشيخ حسين الخشن



رابط الحلقة: https://www.youtube.com/watch?v=K5fg0u_vKL4&feature=youtu.be


هل الجنة للمسلمين أم للبشر جميعاً؟

و عندما يتم التأكيد أن الجنة ليست ملاذاً لقلة من المسلمين وأنها دار الله الأبدية للبشر الأسوياء العدول المحبين للخير العاملين لصالح البشرية والإنسانية سوف نسحب الشرعية من مدعي أن الجنة خاصة بهم و غيرهم من بقية المسلمين والمسيحيين والبشر في النار فقد أصبحت الجنة سبباً في صناعة الموت والدمار الذي حاق بعالمنا العربي والإسلامي, حيث يدعي التكفيريون والإرهابيون أن الطريق إلى الجنة يتم بسيارة مفخخة ولا مانع إذا قتلت الأطفال والنساء والشيوخ والأبرياء.ضيوف الحلقة: الشيخ حسين الخشن - مفكر إسلامي وصاحب كتاب "هل الجنة للمسلمين وحدهم؟"، عبد الحليم العزمي - الأمين العام للاتحاد العالمي للطرق الصوفية، الأب مكاريوس قلومة - أمين سر بطريركية الروم الكاثوليك في دمشق.

 

المحور الأول: مفهوم الجنة في الثقافة الإسلامية والأديان الأخرى.


يحيى أبو زكريا: حيّاكم الله وبيّاكم وجعل الجنة مثواكم.

قال الله تعالى "وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ" في سورة البقرة، وفي السورة أيضا "وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ"، وورد في سورة هود "وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا". تحدّث القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة مليًا عن الجنّة وشروط دخولها ومعالمها الأساسية، هذا في الإسلام.

أما في المسيحية فيقول المسيح عليه السلام عن الناس الذين سيفوزون بالجنّة أنّهم سيكونون كالملائكة لا يزوّجون ولا يتزوّجون، وسيكونون كالملائكة ومن دون التفكير في كل الشهوات، كما كنّا على الأرض لأنّ أرواحنا هي التي سترث ملكوت السماء وليست الأجساد التي كنا نسكنها على الأرض.

ويقول يوحنا الرسول في رسالته الأولى الإصحاح الخامس الآية 13، "إِنِّي كَتَبْتُ هَذَا إِلَيْكُمْ لِكَيْ تتأكّدوا أَنَّ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ مِلْكٌ لَكُمْ مُنْذُ الآنَ". أما في التوراة، فقد ورد فيها أنّ القيام حقّ، وأنّ الله يقتص من الظالمين. وقد ورد في التوراة، "فَهُوَذَا يَأْتِي الْيَوْمُ الْمُتَّقِدُ كَالتَّنُّورِ، وَكُلُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ وَكُلُّ فَاعِلِي الشَّرِّ يَكُونُونَ قَشًّا، وَيُحْرِقُهُمُ الْيَوْمُ الآتِي، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ". وفي سفر دانيال التوراتي، ورد "وَكَثِيرُونَ مِنَ الرَّاقِدِينَ فِي تُرَابِ الأَرْضِ يَسْتَيْقِظُونَ، هؤُلاَءِ إِلَى الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ، وَهؤُلاَءِ إِلَى الْعَارِ لِلازْدِرَاءِ الأَبَدِيِّ".

ورغم أنّ الأديان جميعًا تتحدّث عن الجنّة والخلاص الأخروي وعودة دورة الإنسان، إلا أنّ الخلاف بين العلماء والفقهاء حول من سيدخل هذه الجنة. وقد تسألونني، وقد يُقال، ألا يكفي خلافات المسلمين في دار الدنيا وتقاتلهم بسبب التأويل الخاطئ والتفسير المحرَّف حتى نفتح ملفّ الجنّة؟ وهذا سؤالٌ مشروعٌ ومنطقي.

والرد على هذا الاشكال أنّ كثيرًا من مسارات التكفير والعنف والذبح والقتل والإستئصال الديني تأسّست على قاعدة أنّ هذا في الجنة وذاك في النار. فعندما امتلك البعض وادّعوا امتلاك صكوك الجنة وصكوك الغفران وعيّنوا أنفسهم وكلاء لله تعالى في توزيع الجنة والنار على من يشاؤون وانطلاقا من أهوائهم وأمراضهم الطائفية والمذهبية والتاريخية، وعندما يتمّ التأكيد أنّ الجنة ليست ملاذا لقلة من المسلمين وأنّها دار الله الأبدية للبشر الأسوياء العدول المحبين للخير العاملين لصالح البشرية والإنسانية. عندها، سوف نسحب الشرعية من مدّعي أنّ الجنة خاصةٌ بهم وغيرُهم من بقيّة المسلمين والمسيحيين والبشر جميعًا في النار.

وكلّ ملةٍ ونحلةٍ صارت تقول الجنة لنا والجزاء لنا والمغفرة لنا. وهذه المفاضلة والتفاضل أعطى لأصحاب هذا الاتجاه مبرّر القتل والذبح، كيف لا وهم يملكون زمام الجنة وزمام النار، يُدخلون الجنة من يشاؤون ويعذبون من يشاؤون. والأخطر من كلّ ذلك، يتّخذ هؤلاء المنعّمون والمعذّبون في آن القرآن الكريم قاعدة لتبريراتهم، والقرآن الكريم ليس مع هذا وليس مع ذاك.

القرآن الكريم مع الحق المطلق، مع الإنسانية قاطبة، "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ"، ومثلما أصبحت حور العين والحوريات سببًا للتفخيخ والتقتيل والتنكيب والتفجير والتذبيح، فقد أصبحت الجنّة سببًا في صناعة الموت والدمار، الذي حاق بعالمنا العربي والإسلامي، حيث يدّعي التكفيريون والإرهابيون أنّ الطريق إلى الجنة يتمّ بسيارةٍ مفخخة ولا مانع إذا قُتِل الأطفال والنساء والشيوخ والأبرياء، فهؤلاء تترس بهم الدول الكافرة. نعم هذا منطقهم.

"هل الجنة للمسلمين أم للبشر جميعاً" عنوان برنامج أ ل م، ويشاركنا في النقاش الدكتور عبد الحليم العزمي الأمين العام للاتحاد العالمي للطرق الصوفية ورئيس تحرير مجلة الإسلام وطن، مرحبًا بك من مصر الحبيبة دكتور عبد الحليم. وهنا معي المفكر الإسلامي الشيخ حسين الخشن صاحب كتاب "هل الجنة للمسلمين وحدهم"، وهو كتاب وجيهٌ بنا أن نقرأه جميعًا. وأيضا من سورية الحبيبة هنا معي في دائرة التصوير الأب العزيز مكاريوس قلومة أمين سر بطريركية الروم الكاثوليك في دمشق. مرحبًا بكم جميعًا مشاهديّ الأعزاء.

أبدأ معك شيخ حسين. ربما هو إشكالٌ وجيه. مبدئيًا هل يحق لنا أن نتساءل عن هذا الموضوع؟ قد يُقال لنا تركتم مشاكل الدنيا ومدلهمات خط طنجة جاكرتا وما يحدث في العالم العربي والإسلامي من ذبح وتقتيل ومهرجان القتل والموت لتفتحوا ملف الجنة. هل ضروري لنا أن نفتح هذا الملف؟

 

حسين الخشن: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا ونبينا الهادي الأمين والمبعوث رحمة للعالمين أبي القاسم محمد ابن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الأخيار المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمُرسَلين.

حديث الجنّة ليس حديثاً ترفياً ولا حديثاً غائباً عن حياة الإنسان، بل هو حديثٌ يتّصل بصلب الحياة البشرية، حديثٌ يتصل بانتظام الاجتماع البشري والإنساني. حديث الجنة والنار هو حديث الرقابة التي لا بدّ أن تنعكس على الإنسان، حديث يوم الحساب الذي ينبغي أن يؤدّبنا في هذه الدنيا قبل أن ينالنا الله سبحانه وتعالى بسوء ما اقترفت أيدينا. أضف إلى ذلك أنّ حديث الجنّة والنار كما ذكرتم أصبح متّكأ لبعض أصحاب العقول القاصرة لكي يستبيحوا الدماء، فما دام هذا الآخر من أهل النار فما الضير في أن أقتله وأن أعجّل به إلى جهنم، وما دام المؤمن من أهل الجنّة فما الضير أن أفجّر نفسي في جماعة حتى  لو كان فيهم المؤمنون والأطفال فأعجّل به إلى الجنّة. ولذلك يكون الحديث عن موازين الحساب الإلهي نزعًا للمبرّرات التي يعتمد عليها بعض أصحاب الفكر التكفيري المتشدّد، فيستبيحون الدّماء ويتجرّأون على كرامات الناس.

وإذا سألتَني عن الجنّة؟ ما هي الجنة؟ الجنّة هي دار لقاء الحبيب بحبيبه.

 

يحيى أبو زكريا: يا الله.

 

حسين الخشن: الجنّة هي دار الفوز برضوان الله سبحانه وتعالى. الجنة هي دار السلام السرمدي. قد تقصُرُ همّة بعض الأشخاص بل تقصُرُ عقولهم عن فهم هذا المعنى الواسع للرحمة الإلهية، فينظرون إلى الجنّة على أنّها حديث حور عينٍ ومِتعٍ حسّيةٍ وما إلى ذلك، ويوظّفون هذا الأمر كما نلاحظ اليوم في خديعة بعض الشباب الذين تلتهب فيهم الغريزة، فيحدّثونهم عن الحور بمجرّد أن يفجّروا أنفسهم في هذا المسجد أو الكنيسة أو هذا الشارع أو ذاك. وهذا في حقيقة الأمر تشويهٌ لهذا المفهوم العظيم، مفهوم الجنّة، فلا شكّ أنّ الجنّة في ميزاننا الإسلامي والقرآني فيها الكثير من الطيبات واللذائذ الحسية وما إلى ذلك. بَيدَ أنّ العنصر الأبرز في الجنّة أنّها دار السلام، "الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَة طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَام عَلَيْكُمْ اُدْخُلُوا الْجَنَّة بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ".

الجنة دار السلام، يا حبذا لو نبني مجتمع السلام هنا كنموذجٍ قبل أن نصل إلى دار السلام في الآخرة. من لم يستطع أن يبني مجتمع السلام هنا قد لا يوفَّق أن يكون من أهل السلام هناك. الجنّة دار الرضوان. "وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ".

 

يحيى أبو زكريا: والله أكبر، والله أكبر على كلّ من جعل الجنة مطيّة للقتل. قلت أنها دار سلام، تسمح قبل أن أغوص في التفاصيل.

 

حسين الخشن: فقط بيت من الشعر. رضاك رضاك لا جنات عدن وهل عدن تطيب بلا رضاك.

                                                           

يحيى أبو زكريا: أحسنت. أبانا العزيز مكاريوس، في الثقافة المسيحية، ورد الكثير عن الخلاص الأخروي. ماذا عن القيامة، عن الجنة على وجه التحديد في الثقافة المسيحية، ونحن نعرف أنّ نبي الله عيسى عليه السلام كان عنوانًا للرحمة، للتضحية من أجل الآخرين، والتفاني من أجل الآخرين؟ فهل الجنة في المفهوم المسيحي هي أيضًا عنوان لكلّ هؤلاء الآخرين؟

 

مكاريوس قلومة: بداية اسمحوا لي أن أسلّمكم سلامًا اصطحبني من دمشق الحبيبة، من أهل سورية الجريحة، ليقول لكم المجد لله في العلا وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة.

 

يحيى أبو زكريا: أحسنت.

 

مكاريوس قلومة: كمصطلح تسمية الجنة، لا يوجد في الكتاب المقدس في العهد الجديد مع الرب يسوع المسيح له المجد، وإنما نستمع مصطلح ملكوت الله أو ملكوت السماوات. عندما نقول ملكوت بمعنى متأتٍ من كلمة ملك أو مملكة. عندما نقول مملكة أي أنّ هناك ملكًا ألا وهو الرب عز وجل. والملائكة كما ابتدأت مقدمتك الجميلة عندما قلت على لسان الرب يسوع، "لا يزوجون ولا يتزوجون بل يكونون كملائكة الله في السماء يمجّدون الله ويسبّحونه". لذلك، مع جماعة المؤمنين ممّن اصطفاهم الله ليكونوا معه في ملكوته السماوي. لذلك، لكي نصوّب، كمصطلح مسيحي أقول، وإنما هي متعارف عليها بين الناس كلمة الجنة، ولكن كعقيدة مسيحية ومفهوم مسيحي نقول ملكوت السموات. لذلك، في هذا الملكوت لا يستطيع أحد أن يعيش فيه إلا من يكون على صورة الله ومثاله. والله بالمفهوم المسيحي وبالطبع بالمفهوم الإنساني البشري، الله محبة ونقطة على السطر.

المحبة لا تستطيع أن تفعل أيّ سوءٍ في أيّ إنسان. لذلك أي إنسان بما يقوم به من محبة وغفران ورحمة وتسامح ومساعدة الآخرين والعيش معهم بهدوء وسلام وطمأنينة، هؤلاء من يستطيعون أن يعيشوا مع الله في ملكوته السماوي أو بين قوسين إذا ما أردنا حسب عنوان الحلقة في الجنة. لذلك نقول أنّ الذي يتشبّه بالباري تعالى، وأقول دائمًا وأعيد وأكرّر، أنه بحسب المفهوم المسيحي، بأن كما سلمنا الرب يسوع المسيح مفهوم ملكوت السماوات لا أحد يستطيع أن يعيش في الملكوت إلا الذي كان على صورة الله ومثاله، بمعنى الإنسان المحبّ، الإنسان الرحوم، الإنسان الغفور، المتسامح، الطيّب مع معشر المؤمنين.

لذلك ملكوت السماوات دكتور يحيى جميل جدًا كما قال سماحة الشيخ بأنه دار سلام وليس دار تفجير وقتل وتشريد وخطف، وكله باسم الله. كيف تقتل وتفجّر وتسرق وتنهب باسم الله مع أنّ الله محبة وهو خلق جميع الناس سواسية؟ من وكّلك أن تكون قيّمًا ووكيلاً عن الله في الأرض؟ إنّ الله الذي خلق هذا الإنسان على صورته ومثاله تأتي أنت وتضع حدًا لحياته، هل أقامك الله إلهًا على الأرض لتنهي حياة إنسان هو أعطاه إياها؟ هناك شيءٌ غريب. إذا الله الذي منح الحياة لهذا الإنسان أو لهؤلاء الناس، تأتي أنت كأنسان وتضع نفسك إلهًا تضع حدا له؟ فإذاً وضعت نفسك بمثابة إله، وهذا خطأ جائر ومعمَّم اليوم خاصة في بلادنا العربية، وأقولها خاصة في بلادنا العربية، هذا المفهوم الذي أصبحنا نسمّيه التكفيري أو الجهادي وهو بعيدٌ بُعدَ السماء عن الأرض عن المفهوم الجهادي في الإسلام على حدّ علمي.

 

يحيى أبو زكريا: سنغوص في كلّ التفاصيل أبانا العزيز مكاريوس. لعمري ما اختلفتما في شيء.

 

مكاريوس قلومة: أبدًا.

 

يحيى أبو زكريا: ما تصارعتما في شيء.

 

مكاريوس قلومة: أبداً.

 

يحيى أبو زكريا: والله العظيم لو أننا نترك الطائفية والمذهبية المقيتة في العالم الإسلامي، لالتقى عيسى ومحمد وموسى وإبراهيم وليسع وذو الكفل وكل الأنبياء.

 

مكاريوس قلومة: لكنّا نعيش الجنة على الأرض.

 

يحيى أبو زكريا: صدقت، صدقت.

دكتور عبد الحليم العزمي، سمعتَ هذا الاستدلال الجميل وهذا الكلام الممهّد. أنا بدأت بسلامٍ مع ضيوفي ها هنا، وسوف أنقلك إلى الحرب هناك إن صحّ االتعبير.

الشيخ ابن عثيمين عندما سُئل عن اليهود وعن النصارى، قال هم كفار خالدون في النار. هنالك طائفة من المسلمين يعتبرون أنّ الجنة لهم وحدهم وليس لكل البشر ولكل الناس. هل هذا الاستدلال بنظرك شرعي إسلامي، عندما نقول ان الجنة خاصة بنا وكل الآخرين سيذهبون إلى النار خالدين فيها؟

 

عبد الحليم العزمي: نعم. دكتور يحيى بداية أحييك وأحيي ضيفيك الكريمين وأحيّي السادة المشاهدين، وأنقل لكم تحيات شعب مصر للأمّة الإسلامية جميعًا.

الحقيقة أنه من سيدخل الجنة هو سؤال هام وخطير، وكان سبباً في إشكاليات طوال التاريخ ليس مع المسلمين فقط. هذا السؤال كل أصحاب شريعة أو ملة وخصوصًا الشرائع السماوية، كلّهم يزعم أنه هو صاحب الجنة وهذا ما أكد عليه القرآن بقوله تعالى "وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ"، "وَقَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ"، وكذلك قالها بعض المسلمين، يقصرون الجنة على أنفسهم لأنهم اعتبروا الإيمان للمسلمين فقط، وقالوا أيضا "لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَةً ننقى من الذنوب والآثام ثم ندخل بعدها الجنة".

ماذا رد الله تبارك وتعالى على المسلمين القائلين بهذا القول وعلى اليهود والنصارى القائلين بهذا القول؟ قال تعالى "لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً"، أي أنّ العقاب لعمل السوء واحد لكلّ المِلل والشرائع، ثمّ وضع الأساس لدخول الجنّة "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا". إذاً حدّد الله تبارك وتعالى دخول الجنة للذين آمنوا وعملوا الصالحات، وقالها رسول الله صلى الله عليه وآله يوم خيبر، لا يدخل الجنة إلا مؤمن، وقالها في حجّة الوداع، لا يدخل الجنة إلا مؤمن، وقالها الإمام علي بلاغًا عن رسول الله في حجّة البلاغ، لا يدخل الجنة إلا مؤمن.

فهل الإيمان قاصرٌ على المسلمين فقط؟ يجيبنا القرآن "كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ". إذاً بنصّ القرآن من أهل الكتاب مؤمنون، والجنّة للمؤمن، فهم لهم نصيبٌ في الجنة كما أنّ المسلمين لهم نصيبٌ في الجنة، وقد وضحها القرآن بصورة جلية أنّ هذا الأمر ورد في التوراة والإنجيل والقرآن، قال تعالى" إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ". إذاً جميع الكتب السماوية أثبتت أن الجنة للمؤمنين وليس الإيمان قاصرًا على اتباع سيدنا محمدٍ فقط.

 

يحيى أبو زكريا: دكتور عبد الحليم، وأنا أتوقف هنا لفاصل، ثم أعود لاستكمال كل التفاصيل.

مشاهدينا فاصلٌ قصير ثم نعود إليكم، فابقوا معنا.



المحور الثاني قبول أعمال غير المسلمين.


يحيى أبو زكريا: مشاهدينا أهلاً بكم من جديدِ. عُدنا والعَود أحمد، ومن أدرك حلقتنا الآن، نحن نعالج موضوع الجنّة وهل هي للمسلمين أم للبشر جميعًا.

سماحة الشيخ حسين، دعني أذكّر بكتابك الممتع، طبعًا لمّا أقرأه إن شاء الله، أحاول الليلة أن أقرأه "وهل الدين إلا الحب"، وما أجمل العناوين المرتبطة والمقرنة بين الدين والحبّ، هذا الحب الذي صار عنواناً ضائعًا في عالمنا العربي والإسلامي.

أعود إلى مزيدٍ من التفصيل إذا سمحت. سماحة الشيخ محمد صالح العثيمين سئل، قال له أحد السائلين "زعم أحد الوعاظ في مسجدٍ من مساجد أوروبا في درسٍ من دروسه أنه لا يجوز تكفير اليهود والنصارى"، فأجاب الشيخ قائلا "إنّ هذا القول الصادر عن هذا الرجل ضلالٌ وقد يكون كفرًّا وذلك لأنّ اليهود والنصارى كفّرهم الله عز وجل، قال الله تعالى "وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ". وسئل أحد العلماء الكبار، وأنا هنا لا أريد أن اتطرق إلى أسمائهم تجنّبًا للحساسات المفرطة، سُئل عن أهل الكتاب الذين ورد كثيرًا ذكرهم في القرآن الكريم، فقال أنه من كان يهوديًا أو نصرانيًا ولم يدخل الإسلام ولم يؤمن بنبيّنا محمد ومات على يهوديته أو نصرانيته، فإنه كافرٌ قد حرّم الله عليه الجنّة ومأواه النار، أشار إلى ذلك الكتاب والسنة والإجماع".

أنت قبل قليل كنت تقول أنّ الجنّة للجميع، وهؤلاء يقولون الجنة لنا وغيرنا يذهب إلى النار، فافتِنا يا شيخنا في حلّ هذا التناقض بين ما قلت وما قالوا.

 

حسين الخشن: أعتقد أنّ المشكلة تكمن في قصور الفهم. بالمناسبة، حديث احتكار الجنة حديثٌ قديم، وقد كان المعتقد لدى المسيحيين أيضاً أنه ليس بأحدٍ غيره يكون الخلاص، الخلاص يكون بالسيد المسيح عليه السلام.

 

مكاريوس قلومة: في العصور الوُسطى.

 

حسين الخشن: نعم، وأصبح هناك شيءٌ من التجديد في ما بعد لدى الكنيسة في النظر إلى هذا المفهوم. في النطاق الإسلامي، لا يزال الكثيرون يطرحون مثل هذه الكلمات، وإنني (يعتقد) أنّ منشأ هذا التصوّر الذي يُقدَّم حول احتكار الجنة وأنّ المسلمين في الجنة وغيرهم في النار، بل يا ليت المسلمين كلّهم بالجنّة، لا، أخرجنا معظم المذاهب الإسلامية الذين يفترقون إلى 73 فرقة وأبقينا واحدة في الجنة والباقي في النار. هذا حديث الفرقة الناجية، وهذا ربما نعود إليه في سياق حوارك.

أعتقد أنّ المنشأ من وراء هذه الآراء والمعتقدات يكمن في أحد سببين. السبب الأول هو قصور فهمنا حول الحقيقة الإلهية، فنحن نحاول أن ننزّل الله إلى مستوانا وأن نصوّر الله بمقاييسنا نحن، فلا نستوعب هذا الإله العظيم الرحيم الذي وسعت رحمته كلّ شيء، والذي سبقت رحمته غضبه، لا أن نعي معنى الرحمة الإلهية التي بالتالي لا يضرّه سبحانه وتعالى معصية من عصاه. لا نتصوّر الله القوي، لا نتصور الله العزيز، لا نتصور الله الغني، الغني عن أعمالنا، وما يفعل الله بأعمالنا وعباداتنا، لا تنفعه  طاعة من اطاعه ولا تضره معصية من عصاه، فكأننا نغفل عن هذا الأمر وننزِل الله إلى مستوانا، فنحوله إلى جلادٍ، جلادٍ ينتقم ويتلذذ بتعذيب ضحاياه. عندما تقرأ بعض الخطاب الديني الذي يصور لك كيفية العذاب في جهنم، تخال أنك أمام جلادٍ وليس أمام أرحم الراحمين.

 

يحيى أبو زكريا: سماحة الشيخ، لكن حتى في كتب علم الكلام والعقائد، عندما يتكلم العلماء على لسان ربهم، يجب على الله أن يفعل كذا، يجب على الله أن يكون كذا. لماذا نزّل هؤلاء الله منازلهم وأعطوه مهمّات يجب أن يقوم بها؟

 

حسين الخشن: ربما هم يجيبون أننا لسنا نحن من نوجب على الله بل هو كتب على نفسه، فالعقل هنا يكون ليس حاكمًا على الله بل كاشفاً لما كتبه الله على نفسه. دعني أعود إلى السبب الآخر والأهمّ لأطلّ على هذه الفتاوى التي نقلتها. السبب الآخر هو سوء فهم النصوص الدينية. إذا جاء في نصٍ ديني أنّ فلانا كافر فهذا لا يعني أنه من أهل النار. من قال أنّ كلّ كافر من أهل النار؟ ميزان النار هو ميزان الحجّة، "وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا"، الرسول البيان، الرسول الحجّة. هل هؤلاء الوُعّاظ أقاموا الحجّة على البشرية جميعًا بحجّة بيّنةٍ واضحة بصدقية الإسلام ومع ذلك بعد إقامة الحجة عليهم أنكروا الإسلام حتى يحكموا عليهم أنهم من أهل النار؟

لذلك نحن أمام سوء فهم للنصوص الدينية وأمام قراءة تجزيئية تفكيكية للقرآن الكريم. القرآن لا يُقرأ مجزّءًا. لا يمكن أن يكون ممّن يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض. كما تقرأ آية "وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ"، يجب أن تضع إلى جانبها أيضًا ممّا ورد في السياق القرآني على قاعدة أنّ القرآن يفسّر بعضه بعضًا، يجب أن تضع قاعدة "وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا" لتكون النتيجة.

 

يحيى أبو زكريا: هنا في هذا السياق، شيخنا، دعني أستفيد من عقلك الاستنباطي. عندما تقرأ قوله تعالى "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ"، هنا آية مطلقة إيجابية بالنصارى واليهود الذين آمنوا بالله، في مقابل هذه الآية يوجد آية تشير إلى أنّ النصارى واليهود لديهم موقف سلبي يوم القيامة. أنا كمستنبِط كيف أتعاطى مع ما ظاهره التناقض؟ لا أقول أنّ القرآن متناقض، لكن من هذه الآية فهم الشيخ أن النصارى واليهود إلى النار، وفي هذه الآية نفهم، لا، أنّ من عمل صالحاً من الطائفتين فلهم الجنة. كيف أوازن؟

 

حسين الخشن: التدبّر في القرآن الكريم يوصل إلى النتيجة التالية، وهي أنّ كلّ مَن قامت عليه الحُجّة بالدين الجديد وتمرّد وأنكر، فهذا قد حكم على نفسه باستحقاقه للإدانة. وأما من لا تقم عليه الحجة لم يصله البلاغ، ما كنا معذبين، أنظر لهذه الآية، وما كنّا، يعني ليس من شأننا، لا يليق بنا وبساحة قدسنا العظيم، والمتكلّم هو الله، لا يليق بنا أن نعذّب شخصًا لم تقم عليه الحجة. أنا أسألك وأسأل هؤلاء الوُعّاظ، هل أوصلتم الحجة إلى البشرية؟ هل أقمتم الحجة على الناس ليدخلوا الإسلام أم أنّكم بأقوالكم هذه وبسوء فعالكم تقدّمون حُجّة للناس ليكونوا ضدّ الإسلام بدل أن يكونوا مع الإسلام؟

إنّ ما يفعله هذا الخطاب الديني الذي لا يتدبّر في آيات الله ولا يحيط بكلّ القرآن الكريم لأنّ القرآن كما قلت يفسّر بعضه بعضًا، أنه يقدّم حُجّة للآخرين على الإسلام بدل أن يقدّم حُجّة للإسلام على الآخرين، والأخطر من ذلك أننا نكفّر الناس ليس فقط بالقرآن بل بأخبار الآحاد، نحكم على المليارات من البشر بأنهم من أهل النار استنادًا إلى خبرٍ واحد عن فلان، عن فلان، عن فلان، عن رسول الله، والخبر الواحد ليس حُجّة في العقيدة بإجماع العلماء.

 

يحيى أبو زكريا: وعندما كانت الحُجّة البالغة تصل الناس قاطبة كانوا يدخلون في دين الله أفواجا، وعندما بات السيف عنوانًا للمسلم صار الناس يخرجون من دين الله أفواجا.

سماحة الأب العزيز مكاريوس، أجبني بصراحة، هل الملكوت الذي أشرت إليه في السماء والذي أشار إليه يسوع عليه السلام خاصٌ بالنصارى، خاص بالمسيحيين، أم لا، مطلق من كان طيّبًا، صالحًا، مؤمنًا، هذا الملكوت سوف يشمله؟ ماذا تقولون في الثقافة المسيحية؟

 

مكاريوس قلومة: تعقيبا على حديث سماحة الشيخ، في العصور الوسطى، أي بين القرن العاشر والخامس عشر، كان التفكير السائد في الكنيسة بأنّ الخلاص لا يتمّ إلا في المسيحية.

 

يحيى أبو زكريا: الكنيسة الغربية وليس العربية.

 

مكاريوس قلومة: كانت كنيسة بالمجمل، الكاثوليكية، حتى ان المستشرقين كانوا ينشرون هذا التفكير في بلادنا المشرقية، لذلك كان التفكير السائد في الكنيسة في العصور الوسطى أقولها ألا خلاص خارج الكنيسة وخاصة في المسيحية، ولكن انتقل في ما بعد إلى أنه لا خلاص خارج الكنيسة الكاثوليكية، حصروها أكثر. هؤلاء المستشرقون الذين كانوا يأتون من الغرب إلى بلادنا المشرقية ليبشّروا بالمسيحية كان تفكيرهم أيضًا محدودًا من الناحية الكاثوليكية، ولكن مع المجمع الفاتيكاني الثاني سنة 1962، أصبح الخلاص لجميع الناس بناء على قول الرب يسوع المسيح له المجد، أتيت لتكون لهم الحياة وتكون لهم أفضل، ولم يقل أتيت للمسيحيين لتكون لهم الحياة أفضل، وإنما جاء لكل البشر ليعرّفهم على الباري تعالى وماهيته التي هي المحبة وليس شيئًا إلا المحبة، كما يقول القديس اوغستينوس أحبب وافعل ما تشاء، بمعنى بالمحبة لا نستطيع أن نفعل أي شيء سيىء، الإنسان تجاه أخيه الإنسان، فكم بالأحرى الله تجاه خليقته. عندما نكفّر الآخر باسم الله، عندما نفجّر، عندما نقتل، عندما نذبح الآخر باسم الله، هناك شيء غريب، كيف الله الذي يدعوك أن تتحابب بين الإنسان وأخيه الإنسان ويأتي ويقول لك أقتل أخاك باسمه؟ هناك شيءٌ غريب عن المنطق البشري وعن المفهوم الديني.

بناءً على سؤالك أول قديس في الكنيسة كان لصًا، وهو المتعارف عليه في الإنجيل المقدس اللص اليميني. يا رب اذكرني في ملكوتك. يأتي جواب يسوع مباشرة وصريحًا وواضحًا، اليوم تكون معي في الفردوس. تخيّل هذه الرحمة الواسعة والغفران وماهية الباري تعالى الرحوم المُحِبّ للبشر، حتى الإنسان الخاطئ طيلة حياته في آخر دقائق ولحظات من حياته وهو على الصليب، يقول له اليوم تكون معي في الفردوس. هذه الرحمة الإلهية لا نستطيع أن نتيقظها بين فينة وأخرى. الإنسان، هناك مسيرة طويلة من الإيمان والصلاة والمحبّة والعيش مع الآخر كما خلقنا الباري تعالى لنتحاب ونكون سوية على هذه الأرض. لم يخصّها للمسلمين. ماذا نفعل بالبشر ما قبل الإسلام؟ هل جميعهم إلى النار؟ هل جميعهم كفّار؟ حتى قبل المسيحية، إذا كان هناك لا خلاص إلا في المسيحية، ما قبل المسيح ماذا نفعل بهم؟ يقول القديس بولس كلٌ يُحاسَب بحسب ناموسه. الناموس هنا بمعنى الضمير الذي خلقه الله في كل إنسان منا.

 

يحيى أبو زكريا: أو الفطرة الإنسانية بتعبيرٍ آخر.

 

مكاريوس قلومة: بالطبع، التي خلقها الله في الإنسان. هذا الذي يقطن في أدغال إفريقيا لا يعرف لا الرب يسوع ولا النبي محمد ولا موسى ولا حتى الله. كيف سيحاسبه الله؟ على ماذا سيحاسبه؟ بحسب ناموسه أي بحسب ضميره الذي مخلوق من قبل الله وكونه مخلوق من الله فهو كامل المحبة والخير. من هذا المنطوق يعمل في حياته، والله لا يحاسبنا إلا بحسب أعمالنا الخيّرة.

 

يحيى أبو زكريا: والمصيبة أبانا أنّ المسلمين الذين تركوا نصّ الرحمة وذهبوا إلى نصّ التكفير والقتل تناسوا كلّ ما ورد عن العدل الإلهي. في ثقافة العدل الإلهي أنّ الإنسان الذي لم تبلغه الرسالة المحمدية يُعرَض عليه التوحيد يوم القيامة، وبالتأكيد عندما تنكشف الحقائق أمامه سوف يكون في زمرة الناجين. لقد ضيّقنا الأفق وتفجّر التكفير بين ظهرانينا للأسف الشديد. دعني أذهب إلى الدكتور عبد الحليم.

دكتور عبد الحليم، وأنت من أهل الحلم إن شاء الله، وأنت حليمٌ كما أعرفك. دكتور عبد الحليم اليوم المسلم بطال، زنديق، يؤذي، يغتصب، يكفر أحيانًا بالقول، يسرق، يحسد، نمّام، ويقول أنا من أهل الجنة. وأديسون والذي اخترع لنا دواء داء نباح الكلب والذين اخترعوا لنا لقاحات ضدّ الأدواء والأمراض الخطيرة والذين أتعبوا أنفسهم ليلاً ونهارًا من أجل استكشاف المصعد، ومن أجل استكشاف الطائرة وكلّ ما يفيد الإنسان، هؤلاء في النار خالدين فيها، وهذا المسلم البطّال الذي لا يعمل للأسف الشديد ويؤذي الآخرين يذهب إلى الجنة. أين العدل ها هنا يا دكتور عبد الحليم؟

 

عبد الحليم العزمي: الحقيقة دكتور يحيى نحن ابتعدنا عن العقيدة الصحيحة التي تربينا عليها وتربى عليها آباؤنا، وصرنا نأخذ العقيدة من أغرار لا علم لهم أو أشباه متعلمين لا علم لهم يصدّرون إلينا دينًا جديدًا. نحن الآن أمام دين جديد يختلف عن تعاليم الإسلام الصحيحة، فقد تعلمنا وتربينا على أنّ الأصل عندنا ألا نحكم لمعيَّنٍ أي شخص بعينه بجنّةٍ ولا نار إلا من حكم له الله تعالى، كأبي لهبٍ وامرأته. هذا قاله القرآن.

المعيّن لا نحكم عليه، لا نقول هذا العالم أو هذا الشيخ أو هذا القسيس أو هذا فلان في النار، هذه ليست قضيتنا، أو هو في الجنة. لا نحكم له، هذه أمور تعود إلى الله عز وجل، هو الذي يفصل فيها. من حكم على معين بجنة أو نار فهو يتألى على الله، وفي الحديث أن رجلا قال لآخر أنت لن تدخل الجنة، فقال الله عز وجل من ذا الذي يتألى عليّ، أدخلوا هذا القائل النار وأدخلوا الآخر الجنة. وفي الحديث الآخر من قال هلك الناس فهو أهلكَهم أو هو أهلكُهم، لأننا لا ندري بماذا ختم الله تعالى لهذا المعيّن، فلعلّه تاب إن كان مرتدًا، ولذلك لو فقهنا لماذا شرع لنا الإسلام أن نصلّي على المنتحِر وأن نغسّله وأن ندفنه في مقابر المسلمين، رغم وجود أحاديث أنّ المنتحر يُعذَّب بما انتحر به في النار خالدً، فكيف نجمع بين أنه يعذَّب في النار خالداً في الحديث وبين أننا نصلي عليه ونكفنه ونغسله وندفنه في مقابر المسلمين، لأنّ الشريعة افترضت أنّه بعد أن ضرب نفسه بحديدة أو شرب سمًا، قبل أن تخرج روحه تاب فقبله الله، لأننا لا نحكم على النهايات والأعمال بالخواتيم، فنحن نفترض حسن النية مع هذا الشخص.

 

يحيى أبو زكريا: دكتور عبد الحليم، أنت الآن تتكلم كلامًا نظريًا جميلاً، بل أزيدك، أزيدك أنه في هذه الحلقة على بركة الله المفكر الإسلامي الشيخ حسين الخشن وهو ينتمي إلى مدرسة أهل البيت وعندنا الأب مكاريوس قلومة من الروم الكاثوليك مسيحي، وأنت من أهل السنة والجماعة أيّدكم الله جميعًا، وما اختلفنا وكان الحب سيد الموقف بيننا والحوار سيد الموقف بيننا، ولكأننا روحٌ واحدة بل إنسانٌ واحد، المسيحي والمسلم بكلّ اتجاهاته. من إذاً يفجّر الجسور بين هؤلاء البشر في دار العرب والمسلمين؟

 

عبد الحليم العزمي: الذي زرع هذه الفتنة في ديار العرب والمسلمين هم مجموعة من الأعراب في جزيرة العرب جاؤوا بدين جديد عنوانه القسوة والغلظة والفظاظة، حتى وصلنا الآن إلى ما يُعرَف بداعش وأخواتها، فهؤلاء لا يرقبون في مسلمٍ ولا مسيحيٍ إلاً ولا ذمّة، وما يحدث منهم في العراق وفي ليبيا وحتى في سيناء في مصر هو دليل على أنّهم أعداء لكلّ البشر وليسوا للمسلمين فقط، فالمسلم الذي لا ينتمي إليهم ولا يقرّ بما يقرّون به من تجسيمٍ وتشبيهٍ لله عز وجل ومن عدم توقيرٍ واحترامٍ للنبي ولأئمّة أهل البيت وللصحابة الكرام، فهو عندهم خارج عن هذا الدين والمنطق، حتى أنهم يقتل بعضُهم بعضًا، وما شهدناه منذ أيام من أحد التنظيمات يذبح الدواعش، والدواعش يذبحون نفس التنظيمات. نحن أمام وحشية لا علاقة لها بالإسلام أصلاً، ولا علاقة لها بأيّ دينٍ سماوي أصلاً، إنما هو دينٌ جديد وزرعه الشيطان بيننا لكي يحدث ما نراه الآن، حتى قال أحدهم لن يدخل الجنّة إلا ثلاثة، أنا وزوجتي وصديقٌ لي في الهند.

 

يحيى أبو زكريا: إن شاء الله ليس في الموزمبيق دكتور عبد الحليم، حيّاك الله وبيّاك، أرجو أن تبقى معي.

شيخنا العزيز، طبعًا أبونا العزيز مكاريوس كان يدعو، أنا ألتمس لك ان تدعو لي أن يوفقني الله للجمع بين العرب والإنسانية قاطبة.

شيخ حسين، في السياق نفسه من المسؤول عن احتكارية الجنّة، وبالتالي تبرير القتل، أنا من أهل الجنة إذاً سأبيد الجميع. هؤلاء فاقوا هتلر وربك.

 

حسين الخشن: الله سبحانه وتعالى لم يوكل أحدًا من خلقه في الحكم على الناس، "إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ". هو الذي سيحاسب وهو أرحم الراحمين.

 

يحيى أبو زكريا: اشرح لي وإنّ عليهم لغوياً.

 

حسين الخشن: إنّ علينا إيابهم وإنّ علينا حسابهم، وهذه تفيد الحصر كما يقول أهل اللغة. الحساب بيد الله. الله لم يوكلني ولم يوكل أحدا من خلقه بأن نحصي عدد أهل الجنة وعدد أهل النار حتى يقول هذا ليس في الجنة إلا ثلاثة، ويقول ذاك أنّ النار ملأى بغيرنا ولا يدخل النار إلا أنا وجماعتي وعصابتي، وأنا الذين ألتقي معهم. هذا تصغير لحق الله سبحانه وتعالى.

 

يحيى أبو زكريا: أحسنت.

 

حسين الخشن: هذه إساءة لله سبحانه وتعالى.

 

يحيى أبو زكريا: وتقزيم للذات القدسية.

 

حسين الخشن: ولهذا نحن نقول تعالوا لنكتشف المعايير التي في ضوئها يتمّ الحساب يوم العدل الإلهي. هناك لا مزاجية في الحساب، فالله هو العادِل، وهو الرحمن الرحيم، والعادل من الطبيعي ألا يساوي المحسن بالمسيء، ولا يَكُونَنَّ الْمُحْسِنُ والْمُسِيءُ عِنْدَكَ بِمَنْزِلَةٍ سَوَاءٍ، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ تَزْهِيداً لأَهْلِ الإحْسَانِ فِي الإحْسَانِ، وتَدْرِيباً لأَهْلِ الإسَاءَةِ عَلَى الإسَاءَةِ.

 

يحيى أبو زكريا: شيخنا العزيز، ذكرتَ القيامة والقبرَ والموت والعدل، فالمخرج خاف، قال لي فاصل يا دكتور يحيى.

مشاهدينا فاصلٌ قصير ثم نعود إليكم فابقوا معنا.

 

المحور الثالث: نظرية قلة في الجنة و الأغلبية في النار.


يحيى أبو زكريا: مشاهدينا أهلاً بكم من جديد. من أدرك حلقتنا الآن، موضوعُنا الليلة هو الجنّة، وهل هي للمسلمين فقط. وصدّقوني، صدّقوني، الدين المعاملة، استقيموا، لا تؤذوا جيرانكم، لا تؤذوا غيركم، لا تغتابوا، لا تدخلوا في مشروع النميمة، كونوا أسوياء في أخلاقكم، والرسول يضمن لكم الجنّة، ويسوع يضمن لكم الجنة، وموسى يضمن لكم الجنة، وكل عباد الله الصالحين.

شيخ حسين كنتَ تتحدّث عن مفهوم الحساب، وأنه مهمّة ربّانية ولا دخل للبشر بمعاقبة الناس أو محاسبتهم. ما الذي كنت تودّ أن تستفيض فيه؟

 

حسين الخشن: ما أريد أن أستفيض فيه تعليقاً على هذا الفكر الإقصائي الإلغائي الجهنمي، الفكر الذي يريد إقحام الناس جميعًا في نار جهنم، أن أشير إلى بعض المعايير لأن هؤلاء يستندون إلى بعض النصوص القرآنية أو بعض الأحاديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

المعيار الأول أن نذكّر هؤلاء بعدل الله، ومقتضى عدل الله ألا يعذّب أحدًا ما لم تقم عليه الحُجّة، وقد أشرت إلى ذلك "وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً". من جاءه الرسول، فحُجّته هي الرسول، من لم يأتِه الرسول فرسوله هو العقل، إنّ لله على الناس حجّتين، حجّة ظاهرة وهي الأنبياء والرسل، وحجّة باطنة وهي العقول، هذا معيار. لذلك، عندما تقول لي أنّ هذا الذي لم يصله الإسلام هو من أهل النار، فأنتَ تفتري على الله وعلى رسوله وعلى كتابه، لأنّكَ تصوّر الله ظالمًا والله هو أعدل العادلين، وكيف يعذّب أحدًا لم تقم عليه الحجة. هذا معيار أول.

المعيار الثاني الذي أريد الإشارة إليه هو أننا لا بد أن نستحضر دائمًا أنّ الأساس عند الله هو الرحمة وليس العذاب، " وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ"، يقول جمعٌ من المفسرين "ولذلك"، أي للرحمة خلقهم، بعضهم يقول للاختلاف، والاختلاف طبعًا هو مظهرٌ من مظاهر الرحمة الإلهية، الله خلقنا ليرحمنا لا ليعذّبنا، فلماذا يغيب عن خطابنا الديني الإسلامي، لماذا تغيب صفات الرحمة والمحبّة وتتقدّم صفات العذاب والنار والحيّات والأفاعي والعقارب الموجودة في النار؟ أين سورة "يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ"؟ أين سورة "نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ"؟ هذه السورة، الآية أقصد، من هذا المشهد الرائع؟ أين قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "إنّ لله رحمة تشرئبّ لها عنق إبليس يوم القيامة"؟

فلا بدّ إذا دائمًا أن يكون خطابنا الديني مركّزًا على الصفة الأساس في الله سبحانه وتعالى وهي صفة الرحمة وصفة المحبّة، ولأنّ الله لم يخلقنا ليعذّبنا، خلقنا ليرحمنا، إلا أن نكون نحن من يعذّب أنفسنا. وفي هذا الإطار اسمح لي أن أضيف تعليقاً على قضية العمل، عمل غير المسلمين، حيث يُراد القول بأنّ غير المسلم لا يُقبَل منه شيء وعمله لا يُقبَل منه شيء. كلّ عملٍ أريد به وجه الله أو أريد به وجه الخير وخدمة عيال الله، فهو عملٌ لله سبحانه وتعالى. من اكتشف لي دواءً ليخفّف المعاناة عن المعذبين والمستضعفين والمقهورين، هذا يتقرّب إلى الله حتى لو لم يلتفت أثناء قيامه بهذا العمل، حتى لو لم يلتفت إلى نيّة القربى إلى الله، لأنّ الله سبحانه وتعالى هو نصير المعذَّبين، وإنا لكل كبد حرا أجرا كما ورد في الحديث، وكما يستحقّ هذا الشخص منّا الثناء نحن العقلاء، فإنه بكلّ تأكيد يستحق الثناء والمدح من سيد العقلاء ومن خالق العقلاء وربّهم، وهو الله سبحانه وتعالى. فكلّ عملٍ إنساني يخدم عيال الله هو عملٌ بعين الله ومرضيٌ عند الله سبحانه وتعالى.

 

يحيى أبو زكريا: وقد ورد في الآثار الأخلاقية والعرفانية أنّ أحد الأنبياء سأل المولى عز وجل ماذا تفعل بعبادك وهم تحت الأرض في التراب، قال يا عبدي لقد رحمتُهم وهم أحياء، وأنا أشدّ بهم رحمة وهم موتى تحت الأرض. وهنا أيضًا أشير إلى أنّ بعض الأعراق، عندما احتكرت الحقيقة وادّعت أنّها أفضل من بقية البشر، دمّرت الإنسانية قاطبة، العنصر الجرماني عندما ظنّ أنه الأقدس والأطهر، قتل هذا العنصر 60 مليون من الأوروبيين الغربيين في الحرب الكونية الثانية.

سماحة الأب مكاريوس، بالعودة إلى العدل الإلهي، في الثقافة المسيحية هنالك مفهوم التضحية أنّ المسيح ضحّى من أجل الجميع، من أجل البشر. كيف ينعكس هذا المفهوم التضحوي يوم القيامة؟

 

مكاريوس قلومة: ليس من حبٍّ أعظم من أن يبذل الإنسان نفسه عن أحبائه، نفسه عن أحبائه، وليس أن يضحّي بأحبائه في سبيل نفسه. هذا ما علّمنا إياه المعلم الإلهي الرب يسوع المسيح في أنه ضحّى بنفسه في سبيلنا، وليس كما يحدث اليوم، أننا نضحّي بأنفسنا في سبيل الله. الله ليس بحاجةٍ لنا، الله قوي جبّار، رحوم، محب. جميعنا اتفقنا من أهل البيت ومن أهل السنة ومن المسيحيين أنّ الله يريد أنّ جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يبلغون. الله محبة.

 

يحيى أبو زكريا: أحسنت.

 

مكاريوس قلومة: الله رحيم غفور محب أن جميع الناس يريدون أن يخلصوا وينتقلوا إلى ملكوته السماوي ليحيا معهم كأبناء له، أرواحًا، ملائكة، كما قلنا في بداية الحديث يسبحونه ويمجّدونه على أنه أبوهم السماوي. لذلك، هذا الأسلوب الذي نعتمده اليوم من هؤلاء بين قوسين إذا ما أردنا تسميتهم التكفيريين الجهاديين، أنهم يفجّرون أنفسهم ويفجّرون الآخرين في سبيل الله لكي يذهبوا إلى الله ويعيشوا معه. الله لا يريد أشلاء، الله يريد أناسًا أصحاء خلقهم على صورته ومثاله لكي يحيوا معه، وليس أناسًا شهوانيين ملذيين يريدون أن يتعشّوا معه أو يناموا مع حور العين، أعتذر عن الكلمة، ولكن طفح الكيل وخاصة في هذه الأيام أن كلّ ما نقوم به بطبائعنا البشرية وخاصة الشهوانية الحيوانية القاتلة ندعيه باسم الله. هذا جائر على الله نفسه، الله يبكي على أنفسنا وعلى ذاته لأننا وضعناه، قزّمناه. إذا كان الله يريد أن هؤلاء الناس يخلصون بتفجيرهم في سبيله لا أريد هذا الإله، كرجل دين مسيحي أقولها، لا أريد هذا الإله، إنه إله ظالم. الله محبة وخلقنا على صورته في المحبة وأنا أحب جميع الناس وأساعدهم وأفعل معهم الرحمة والخلاص، إذا لم يتقبلوني بهذا الأسلوب وتقبّل الآخر بحسب مفهومه أنه حيث يفجّر نفسه يفجّر الآخرين ويتقبّله، لا أريد هذا الإله. ولكن أنا أعلم علم اليقين كرجل دين مسيحي وكرجل دين من أهل البيت وكعلماني من أهل السنّة وكل رجال الدين من أهل السنّة يعتقدون ويؤمنون الإيمان الحق بأنّ الله محبّة ويريد أنّ جميع الناس يخلصون ويعودون إليه.

 

يحيى أبو زكريا: فقط للتذكير أبانا، الدكتور عبد الحليم هو إسلامي ومسلم وليس علمانيًا، وهو من دعاة الإسلام الحضاري.

 

مكاريوس قلومة: أنا أقول علمانيا وليس أنه ليس من رجال الدين، من ناحية العلم بالطبع.

 

يحيى أبو زكريا: لكنه من الطريقة العزمية الشهيرة جدًا في مصر. دعني فقط من خلالك أحيّي معلولا التي عادت إلى حضن المسيح عليه السلام، وأنت من أهالي معلولا هذه المدينة اليسوعية المسيحية، نحمد المولى عز وجل أن عاد إليها الأمن والأمان ببركة الصالحين في هذه الأمة.

دكتور عبد الحليم عزمي، ما الذي سوف يُحدِثه توحيد الخطاب في العالم الإسلامي لجهة أنّ الجنّة للجميع، لكلّ البشر. ذكر الشيخ وذكر الأب العزيز أن المولى عز وجل هو مصداقٌ للرحمة، حتى تعرف في كل سورة، هنالك البسملة، بسم الله الرحمن الرحيم، والبسملة هي جزء من السورة عند أغلب المفسّرين وهي العنوان الأساس لهذا القرآن، فلو أراد الجبروت والانتقام لقال بسم الله المنتقم الجبار لكنه اختاره الرحمانية واختار الرحمة كعنوانٍ لقرآنه، فما الذي يجب أن نفعله حتى نوحّد خطابنا، ولا داعي أن نقتل الناس باسم الجنة ونذهب إلى الجنة على متن سيارة مفخخة وناقة للأسف الشديد معبّأة بالنواسف وبالأحزمة الناسفة وما إلى ذلك؟

 

عبد الحليم العزمي: نعم دكتور يحيى، القضية تنحصر في مفهوم كلمة الإسلام. هل كلمة الإسلام خاصة بأتباع سيدنا محمد فقط أم أنّ الإسلام هو دين الله الذي جاء به جميع الأنبياء والمُرسَلين؟ الإسلام هو دين الله الذي جاء به جميع الأنبياء والمرسلين.

الحواريون قالوا "آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ"، سيدنا يوسف قال "تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ‏"، وهكذا، سيدنا سليمان قال "أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ". كل الأنبياء والمرسلين السابقين كان دينهم واحدًا، وهو دين الإسلام، فكلمة أنّ الجنة لا يدخلها إلا المسلم هي كلمة حق، ولكن ليس المسلم فقط هو التابع لسيدنا محمد، وإنما المسلم التابع لجميع الأنبياء والمُرسَلين بمن فيهم النبي محمد صلى الله عليه وآله. هذه نقطة.

النقطة الثانية، ما هي الفضيلة أنني وُلِدت في بيئة مسلمة ولأبوين مسلمين فأصبحت مسلمًا؟ ولماذا يعذّب الله ويعاقب من ولد في بيئة غير مسلمة ولأبوين غير مسلمين فلم يدخل في الدين الذي جاء به سيدنا محمد صلى الله عليه وآله؟ هذا ظلم أن يُحاسَب هذا لأنه وُلِد في هذه البيئة، لكن المنطق السلمي للإسلام الذي تعلّمناه من القرآن أننا لا نحكم على هذا بأنّه كافر إلا إذا بلغته رسالة الإسلام  جليّةَ واضحةَ نقيّة صحيحة، ثمّ اقتنع بصحتها وأيقن بها في نفسه ثم أنكرها.

قال تعالى"فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ. وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا". النقطة الأولى أننا لم نوصّل الإسلام الصحيح إلى غير المسلمين، الذين يحكم عليهم البعض بأنهم كفّار، لم نوصّل إليهم، تقاعسنا ولم نوصّل إليهم، ثمّ إنهم تربّوا على معلومات ومفاهيم خاطئة عن الإسلام فلهم عذرهم، ولو أننا أوصلنا إليهم رسالة الإسلام الصحيحة الجلية النقية ثمّ لم يقتنعوا بها، لم تستيقنها أنفسهم وجحدوها بل استيقنت أنفسهم ثم جحدوها ظلما وعلوا هنا فقط نقول له أنت كافر، فنحن لم نفعل هذه ولا تلك، فكيف يُحكَم عليهم بأنّهم كفار. هذه نقطة.

كيف سيحاسبهم الله يوم القيامة؟ سيحاسبهم على الفطرة، سيحاسبهم على أعمالهم، إن فعلوا خيرًا، مَن يَعْمَلْ سُوَءًا يُجْزَ بِهِ، ومن يعمل خيراً يُجزَ به، هذا ما حكم به القرآن. الذي اخترع لنا الدواء والذي اخترع لنا الطائرة، والذي اخترع لنا، هذه أعمالٌ خيرية ستكون سببًا في أنّ الله يرحمهم بها لأنهم أسعدوا البشرية وفعلوا أعمالا طيّبة احتاج إليها الناس واستفادوا منها، والذي ظلم وقتل سيُحاسَب على ذلك. وربما أقولها واضحة جلية، أقولها واضحة جلية، ربما فوجئ هؤلاء المكفرون يوم القيامة بكثيرٍ ممّن كفّروهم يدخلون الجنة وهذا الذي كفّر ربما حُرِم منها. لذلك فنحن أمام إشكالية كبيرة في الفكر، فإذا ما وضّحنا الصورة وعرضنا الإسلام الصحيح على العالم، والإسلام هو دين عالمي، "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا"، والنبي المصطفى قال "بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً"، فنحن يجب علينا أن نوصّل الإسلام الصحيح للناس وأن نوضّح لهم بالحُجّة والمنطق لأن لا يكون للناس على الله حُجّة بعد الرسل، لنوضّح لهم هذه الحجة وهذا المنطق، ويقتنعوا به ويستيقنوا، وأنا واثق وعلى يقين أنّهم سوف يضعون أيديهم في أيدنا وستسعد البشرية كلّها بخيرات الله وبنعم الله وبفضل الله وإحسانه في الدنيا والآخرة.

 

يحيى أبو زكريا: دكتور عبد الحليم، عندما كنت أؤلّف كتابي"المتحولون إلى الإسلام في الغرب"، أجريت حوارات مع مئات المثقفين، مسرحيين وفنانين ومسؤولين كبار أسلموا، فأحدهم سألته، قلت له ما هو شعورك عندما أسلمت، قال لي كان يجب أن أذهب إلى المسجد لأتشهد بالشهادتين، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، لكن اندلع عندي خوف، قلت سأذهب إلى هؤلاء المسلمين ويذبحونني. تصوّر، أسلم وهو يخاف من المسلمين أن يذبحوه. لله ذر رسول الله الذي قال بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبًا.

 

عبد الحليم العزمي: وقالها السفير الألماني حينما أسلم وهو في ألمانيا وذهب للحجّ، وقال الحمد لله أنني أسلمت قبل أن آتي إلى هنا.

 

يحيى أبو زكريا: رحمة الله عليه الأستاذ مراد هوفمان صاحب كتاب "الإسلام هو البديل".

سماحة الشيخ، أليس من الأولى والواجب الوجوبي ليس الاحتياطي أيضًا، أنني أنا أهيء نفسي للجنة، بدل أن أحكم على الناس بالنار، أنا استوفي شروط الدخول إلى الجنة، فأربّي نفسي وأهذّب نفسي وأثقف نفسي ولا ألحق الأذى بالآخر وأربّي ذاتًا قدسية ربانية حتى أصلح أن أكون من أهل الجنة بدل أن أحكم على الجميع بالدخول إلى النار؟

 

حسين الخشن: الأولى ليس فقط أن أهذّب نفسي لأكون من أهل الجنّة ومن أهل رضوان الله سبحانه وتعالى، بل الأولى أن أعمل لآخذ معي كلّ الناس إلى الجنّة، أن أحمل الخير للناس، أن أفتح قلبي للناس وأن أكون ذا.

 

يحيى أبو زكريا: أعِد  لي هذه الجملة، أعجبتني كثيرًا، أن أعمل لأنقل الناس جميعًا معي إلى الجنة.

 

حسين الخشن: لنأخذ كل الناس. لماذا أسعى أن أدخل الناس في النار؟ لماذا لا أكون متخلقاً بأخلاق الله وهو الرحمن الرحيم الذي يسعى لينقلنا جميعًا، "مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ"؟ الله لا يريد أن يعذّبنا، ما يفعل بعذابنا، يريد أن يأخذنا إلى رضوانه. فلنسعَ نحن أولياء الله، عباد الله، من نزعم أننا نعرف الله حق معرفته، فلنسعَ أن نوصل الله كالمطر إلى القلوب، أن نوصل الإسلام كصورته النقية، أن نوصل محمدًا إلى الناس ليس باعتباره جبارًا جلادًا ذبّاحًا بل باعتباره رحمة للعالمين كما هي حقيقته. هذا ما علينا أن نفعله، ونعم، أنا أعتقد كما ذكر الإمام الخميني في بعض كتبه أنّ غالب الكفار معذورون يوم القيامة، كما يذكر ذلك في كتابه "المكاسب المحرمة"، لذلك لا تتشاءمنّ ايها المسلم.

 

يحيى أبو زكريا: "الحاشية على المكاسب".

 

حسين الخشن: كتابه هو في المكاسب المحرّمة، ويذكر هذا المعنى، يقول غالب الكفار معذورون يوم القيامة، وقد قيل لعلي ابن الحسين عليه السلام إنّ الحسن البصري يقول ليس العَجَب ممّن هلك كيف هلك ولكن العجب ممّن نجا كيف نجا، قال أما انا فأقول ليس العجب ممّن نجا كيف نجا بل العجب ممّن هلك كيف هلك مع سعة رحمة الله، لا تعجبوا من أن تنجوا الناس لأن الله سبحانه وتعالى واسع الرحمة، اعجبوا كيف يهلك الإنسان مع سعة رحمة الله سبحانه وتعالى.

لذلك، تعالوا أيها المسلمون، نخاطب هؤلاء المسلمين، أن نحمل صورة عن الله كما هو، "وَقَدْ عَلِمْتُ يا إلهِي"، يقول زين العابدين في دعائه، "أَنْ لَيْسَ فِي حُكْمِكَ ظُلْمٌ، وَلا فِي نَقِمَتِكَ عَجَلَةٌ، إنَّما يَعْجَلُ مَنْ يَخافُ الْفَوْتَ، وَيَحْتاجُ إلَى الظُّلْمِ الضَّعِيفُ، وَقَدْ تَعالَيْتَ يا إلهي عَنْ ذلِكَ عُلُوَّاً كَبِيراً"، فالله هو العدل، لماذا يُراد تقديمه باعتباره ظالمًا جلّادًا أو ما إلى ذلك؟

ثمّ اسمح لي أن أختم بسؤالٍ أطرحه بدلاً عنك، لماذا خلق الله النار؟ نتحدّث عن الجنّة، فلنسأل سؤالاً آخر، إني أعتقد أنّ الله خلق النار كمظهرٍ من مظاهر رحمته ولطفه لتشكّل رادعًا، ليس بالضرورة أن يعذّبنا في النار، لكنّ الإنسان في عمله التربوي، في عملنا التربوي الآن نقول للطفل، نهدّده حتى يستقيم، فالله سبحانه وتعالى أرادنا أن نستقيم وأن نسير في الطريق الأكمل حتى نصل إلى معدن العظمة، ونبتعد عن حديث الحور والقصور والأشجار والأنهار، ويصبح ولهُنا بذات الله سبحانه وتعالى، ولذلك نجد أنّ الإمام علي عليه السلام في دعاء كميل، هذا الدعاء الرائع، لا تؤلمه النار بقدر ما يؤلمه فراق الحبيب، فراق الله سبحانه وتعالى. هو يريد الاقتراب من الله سبحانه وتعالى، "فَهَبْني يا اِلـهى صَبَرْتُ عَلى عَذابِكَ فَكَيْفَ اَصْبِرُ عَلى فِراقِكَ".

 

يحيى أبو زكريا: حسبنا الله ونعم الوكيل. أبانا مكاريوس قلومة، كلمة أخيرة إذا سمحت تقولها في هذا السياق.

 

مكاريوس قلومة: يقول الرب يسوع المسيح له المجد "ملكوت الله في داخلكم". إذا ما كان الإنسان مؤمنًا ويقوم بأعمال الله على الأرض، يكون يحيا الجنة أو ملكوت الله على الأرض مع أخيه الإنسان، لا ينتظر الآخرة بعد الممات لكي يحياها مع الله، باستطاعته أن يحياها مع أخيه الإنسان.

اسمح لي بكلمة أسفٍ على إخوتي المسلمين في هذا الوقت، وكنّا قد تحدثنا قبل قليل عن تشويه صورة الإسلام في العالم، وأعطيتم أمثلة عن تحول بعض أناس في الغرب إلى الإسلام وخوفهم من الإسلام بحد ذاته. لا يخافون الإسلام لأنّ الإسلام كباقي الديانات يدعو إلى المحبّة والتسامح وتقبّل الآخر، ولكن هم قالوا أنهم يخافون من المسلمين. لذلك أطلب وخاصة على أمثال سماحة الشيخ حسين وأمثال سماحة المفتي أحمد بدر الدين حسون مفتي الجمهورية العربية السورية والمرحوم العلامة محمد سعيد رمضان البوطي، أن يكون المسلمون على هذا المثال.

 

يحيى أبو زكريا: إن شاء الله تعالى، وسوف يكونون كذلك، وسوف تنتصر المحبة.

المفكر الإسلامي الشيخ حسين الخشن شكرًا جزيلا لك، الأب العزيز مكاريوس قلومة شكرا جزيلا لك، الدكتور عبد الحليم العزمي شكرًا جزيلا لك.

أَللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ دَأْبُهُمُ الارْتِياحُ إلَيْكَ وَالْحَنِينُ، وَدَهْرُهُمُ الزَّفْرَةُ وَالأَنِينُ، جِباهُهُمْ سَاجِدَةٌ لِعَظَمَتِكَ، وَعُيُونُهُمْ ساهِرَةٌ فِي خِدْمَتِكَ، وَدُمُوُعُهُمْ سآئِلَةٌ مِنْ خَشْيَتِكَ، وَقُلُوبُهُمْ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحَبَّتِكَ، وَأَفْئِدَتُهُمْ مُنْخَلِعَةٌ مِنْ مَهابَتِكَ، يا مَنْ أَنْوارُ قُدْسِهِ لأَبْصارِ مُحِبِّيهِ رآئِقَةٌ، وَسُبُحاتُ وَجْهِهِ لِقُلُوبِ عارِفيهِ شآئِقَةٌ، يا مُنى قُلُوبِ الْمُشْتاقِينَ، وَيا غَايَةَ آمالِ الْمُحِبِّينَ أَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَحُبَّ كُلِّ عَمَل يُوصِلُنِي إلى قُرْبِكَ.

هذا يحيى أبو زكريا يستودعكم الله الذي لا تضيع أبدًا ودائعه.

شكرًا جزيلا، بوركتم إن شاء الله، شكرًا أبانا العزيز، شيخنا الفاضل شكراً جزيلاً، أدامكم الله.

 






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon