حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » من المقصود في الزيارة: السلام على عليّ بن الحسين.. هل هو زين العابدين (ع) أم الأكبر أم الرضيع؟
ج »

الظّاهر - بحسب السّياق - أنّ المُراد به هو عليّ الأكبر الشّهيد لدوره الكبير وحضوره في المعركة، ولعظيم مُصيبته على الإمام الحسين (ع)، أمّا الطفل الّرضيع فيكون ُمندرجاً في فقرة أخرى وهو قوله في الزّيارة - وعلى أولاد الحسين -  والتي تشمل سائر أولاده بمن فيهم الإمام زين العابدين (ع) والبنات أيضاً .

 


 
س » يوجد لديّ إشكالات كثيرة على الاستدلال بحديث الثقلين على العصمة، فهو يشمل إجماع العترة وليس آحادهم، ويشمل العباس عم النبي (ص)، فهل هؤلاء معصومون؟؟
ج »

أولاً: إنّ حديث الثقلين لا شكّ فيه من حيث السّند وهو مُستفيض حتى في روايات السّنة ناهيك عن روايات الشيعة ، وأّما من حيث الدّلالة فإنّه وبصرف النّظر عن كون القرآن الكريم أفضل من العترة أم عدم كونه كذلك ، فلا ريب في دلالة الحديث على أن التمسّك بالعترة يُشكّل صمّام أمان للأمّة يمنعهم ويعصمهم من الضّلال - ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا - ، ولا شكّ في دلالته أيضاً على أن العترة لا يفترقون عن القرآن الكريم ، ولا يُتصور أن يصدر عنهم ما يُخالف القرآن وهذا ما يدل عنه قوله في الحديث - لن يفترقا - .


- ثانياً : إنّ ما ذكرتموه بأنّ المراد بالحديث هو إجماع العترة هو كلام ضعيف ولا وجه له لأنّه إن أريد بالعترة ما هو أوسع من الأئمة من أهل البيت (ع) ليشمل العباس وذريته أو غيره، فمن المعلوم أنّ هؤلاء أعني العباسيين لا ميزة لهم عن سائر الصّحابة والنّاس فهم يُخطئون كغيرهم ويُمكن أن ينحرفوا كما انحرف غيرهم، وبالتالي فلا يُعقل أن يكون لرأيهم أو إجماعهم أيّ قيمة أو أن يُشكّل إجماعهم أو قولهم عاصماً للأمّة  عن الضّلال ، ما يعني أن نظر الحديث فقط إلى خصوص شريحة من العترة وهم الذين لا يُمكن أن يقعوا في الضّلال والانحراف، وهؤلاء لا فرق بين الواحد منهم أو الجميع ، فكما يكون قول الجميع حُجّة وعاصماً عن الضّلال ، كذلك قول الواحد، والقرينة على ذلك أنّه حين قال النبيّ (ص) هذا الكلام لم يكن من العترة التي يؤمَن وقوعها في الضّلال إلا عليّ (ع)، أما الحسن والحسين (ع) فكانا طفلين صغيرين، فهل كان الحديث لا قيمة له آنذاك لأنّه بعد لم يتحقّق إجماع العترة؟ من الواضح أن هذا بعيد جداً لأنّ كلامه (ص) ساري المفعول من حين إطلاقه ولا يتوقف على مرور عقود من الزّمن حتى يتشكّل إجماع العترة.


 
 
  مقالات >> اجتماعية
المرأة في الحضارات والأديان القديمة ولدى الفلاسفة والشعراء
الشيخ حسين الخشن



المرأة في الحضارات والأديان القديمة ولدى الفلاسفة والشعراء

 

والتعرّف على أهميّة الإنجازات التي جاء بها الإسلام على صعيد المرأة وحقوقها، لا يتوضح فقط من خلال المقارنة والمقايسة مع ما كان عليه حالها في الجاهلية العربية، بل يتوضح أيضاً بعقد مقارنات أخرى، ومن أهمها:

مقارنة حالها في ظلِّ الإسلام مع حالها في ظلِّ الحضارات والأديان الأخرى، ولاسيّما الحضارات والأديان الشرقية التي أورثت العرب والمسلمين الكثير من عاداتها وتقاليدها.

 مقارنة مضامين النص الإسلامي ولا سيما القرآني الذي يتحدّث عن المرأة مع مضامين النصوص المأثورة عن الفلاسفة وأهل الرأي في القرون الغابرة.

مقارنة مضامين النصّ الديني المتصل بالمرأة مع مضامين النصوص الأدبية الواردة في الموضوع عينه.

وأعتقد أنّ هذه المقارنات جيّدةٌ ونافعة، لا لكونها تساهم في بيان الخطوات الهامة التي خطاها الإسلام على صعيد النهوض بالمرأة فحسب، بل لأنّها تساعد على تكميل الصورة وبيان تطوّر الرؤية البشرية إزاء المرأة، الأمر الذي يقود إلى تفهم (لا تبرير) بعض الاجتهادات الدينيّة التي حاصرت المرأة ولم تُنْصِفْها. فإنّ هذه الاجتهادات قد تكون متأثرة برؤية فلسفية أو دينيّة أو أدبية معينة، لأنّ البشر هم في حالة من التلاقح المعرفي المستمر.

وفيما يلي إطلالة موجزة على هذه المقارنات، وحيث إننا قد قدمنا صورة كافية عن مكانة المرأة في النصّ الإسلامي، وعن موقعها في التجربة التاريخية للمسلمين، فيكون العنصر الأهم في هذه المقارنة هو بيان الرأي الآخر في المسألة، وهذا ما تتكفله العناوين التالية:

أولاً: المرأة في الحضارات والأديان القديمة

وعندما نفتح صفحات التاريخ البشري لنتحرى حال المرأة ومكانتها في الحضارات القديمة، سوف نكتشف أنّها ربما نالت شيئاً من حقوقها في بعض تلك الحضارات، ونظر إليها نظرة تقدير لدرجة أنّ بعض الشعوب اتخذتها إلهاً مما يعكس تقديراً لها، بيد أنّها - في الأعم الأغلب - ظلّت مضطهدة ومحتقرة، الأمر الذي مثّل صفحة سوداء في هذا التاريخ، وإليك نبذة موجزة عن نظرة أهم الحضارات والديانات المختلفة حول المرأة:   

 

 

 

 

المرأة عند الإغريق

إن وضع المرأة في المجتمع اليوناني بصفة عامة كان سيئاً، «فأثينا» سجنتها في ركن مظلم هو الحريم، وحرّمت عليها الخروج إلا وعلى وجهها خمار تعلن بواسطته أنّها «ملكيّة خاصة» للرجل، ينبغي أن لا تمس، بينما جرّدتها «أسبرطة» من أنوثتها وحوّلتها إلى امرأة «مسترجلة»، لا تهمها العواطف أو المشاعر، حتى لو كانت عواطف الأم ومشاعرها»[1].

ويحدثنا «ول ديوارنت» صاحب قصة الحضارة عن الزواج اليوناني، فيقول:

«فهذا الزواج يقطع الصلة بين العروس وأقاربها، فتذهب لتعيش عيشة لا تكاد تختلف عن عيشة الخدم في غير بيتها، تعبد فيها آلهة غير آلهتها. ولم يكن في مقدورها أن تتعاقد على شيء أو تستدين أكثر من مبلغ تافه أو أن ترفع قضايا أمام المحاكم. ومن شرائع «صولون» أنّ العمل الذي يقوم به إنسان تحت تأثير المرأة باطل قانوناً؛ وإذا مات الزوج لم ترث زوجته شيئاً من ماله[2].

 

اليونانيون ووأد الأولاد

ويبدو أنّ عادة وأد البنات التي عرفها المجتمع العربي لم تكن يتيمة في هذا المجال، فقد عرف اليونانيون شكلاً من أشكال قتل الأولاد، بحجة تحديد النسل، يقول «ول ديورانت»: «أضحى تحديد النسل من أهمّ الظواهر البارزة في ذلك العصر، فلم يكن يعاقب على الإجهاض مثلاً إذا لجأت إليه المرأة على غير إرادة زوجها، أو بتحريض من أغواها؛ وكان الطفل في كثير من الأحيان يعرض للجو القاسي، ولم يكن عدد الأسر التي تربي أكثر من بنت واحدة في المدن اليونانية القديمة يزيد على واحد في المائة من مجموع أسرها. وكان الفلاسفة يتجاوزون عن قتل الأطفال بحجة أنّه يخفف من ضغط السكان على موارد الرزق؛ فلما أن لجأت الطبقات الدنيا إلى هذه العادة وأسرفت فيها تساوت نسبة الوفيات مع نسبة المواليد»[3].

 

المرأة في الهند

وأمّا وضع المرأة في الهند، فقد كان مزرياً على شتى الأصعدة.

يتحدث ديورانت عن المرأة الهنديّة فيقول: «في الأصقاع الجنوبية كانت رغبات الرجل الشهواني تشبعها له من كُنّ يطلق عليهن «خادمات الله» طائعات في ذلك أمر السماء، وما خادمات الله - أو «دفاداس» كما يسمونه - إلّا العاهرات؛ وفي كل معبد في «تامِل» مجموعة من «النساء المقدسات» اللائي يستخدمهن المعبد أول الأمر في الرقص والغناء أمام الأوثان، ثم من الجائز أن يُستخدمن بعد ذلك في إمتاع الكهنة البراهمة؛ وبعض هؤلاء النسوة - فيما يظهر - قد قصرن حياتهن على عزلة المعابد وكُهّانها، وبعضهن الآخر قد وسّع من نطاق خدماته بحيث يشمل كل من يدفع أجراً لمتعته، على شريطة أن يدفعن لرجال الدين جزءاً من كسبهن عن هذا الطريق، وكان كثير من زانيات المعابد - أو فتيات الرقص - يقمن بالرقص والغناء في الحفلات العامة والاجتماعات الخاصة، على نحو ما يفعل فتيات «الجيشا» في اليابان. ويحدّثنا نص مقدس أنّه في سنة 1004 ميلادية كان في معبد الملك الكوليّ «راجا راجا» في تانجور أربعمائة امرأة من  «خادمات الله»؛ وأكسب الزمان هذه العادة صبغة الجلال، فلم ير فيها أحد ما يتنافى مع الأخلاق، حتى إنّ السيدات المحترمات كن آناً بعد آن يهبن ابنة إلى مهنة العُهر في المعابد، بالروح نفسها التي يوهب بها الابن إلى الكهنوت، ويصف «دِيبوا» - في أول القرن التاسع عشر - معابد الجنوب بأنها كانت في بعض الحالات تتحول إلى بيوت للدعارة ولا شيء غير هذا، وكانت عامة الناس تطلق على «خادمات الله» - بغض النظر عن مهمتهن في بداية الأمر - اسم الزانيات، ويستخدمونهن على هذا الأساس».

وأمّا عن الأسرة في بلاد الهند فيقول: «كانت الأسرة الهندية من الطراز الأبوي الصميم، فالوالد هو السيد الكامل السيادة على الزوجة والأبناء والعبيد، وكانت المرأة مخلوقاً جميلاً يُحَب، لكنها أحطّ منزلة من الرجل؛ تقول أسطورة هندية: «إنّ «تواشتري» المبدع الإلهي، حين أراد في البداية أن يخلق المرأة وجد أنّ مواد الخلق قد نفدت كلها في صياغة الرجل، ولم يبق لديه من العناصر الصلبة بقية، فإزاء هذه المشكلة طفق يصوغ المرأة من القصاصات والجذاذات التي تناثرت من عمليات الخلق السابقة».

ومن مكانة المرأة وموقعها في النظام الاجتماعي يكتب: «ولقد نصّ التشريع على أنّ المرأة طول حياتها ينبغي أن تكون تحت إشراف الرجل فأبوها أولاً وزوجها ثانياً وابنها ثالثاً، وكانت الزوجة تخاطب زوجها في خشوع قائلة له: «يا مولاي» و«يا سيدي» بل «يا إلهي» وهي تمشي خلفه بمسافة إن مشيا على مرأى من الناس، وقلّما يُوجِّه إليها هو كلمة واحدة وينتظر من المرأة أن تبدي إخلاصها بخدماتها في كل المواقف، بإعدادها للطعام، وبأكلها لما يتبقى بعد أكل زوجها وأولادها، وبضمها لقدمي زوجها إذا حانت ساعة النوم.

وعن شخصيتها الحقوقية يكتب أيضاً: « ثلاثة أشخاص في تشريع مانو لا يجوز لهم أن يملكوا شيئاً: الزوجة والابن والعبد، فكل ما يكسبه هؤلاء يصبح ملكاً لسيد الأسرة».

وأما عن حق المرأة في التعليم فيقول: «ولم يكن نساء الهند يتلقين تعليماً. إلا إن كنَّ من سيدات الطبقة الراقية أو زانيات المعبد، ففنُّ القراءة كان في عرفهم لا يليق بامرأة وليس من حقها أن تلمّ بكتب الفيدا، ففي الماهابهاراتا: «إذا درست المرأة كتب الفيدا كانت هذه علامة الفساد في المملكة، ويروي المجسطي عن أيام «شاندراجوبتا»: «أنّ البراهم يحولون بين زوجاتهم - ولهم زوجات كثيرات - وبين دراسة الفلسفة؛ لأنّ النساء إن عرفن كيف ينظرن إلى اللذة والألم، والحياة والموت، نظرة فلسفية، أصابهن مسٌّ من جنون، أو أبيْنَ بعد ذلك أن يظْلَلْن على خضوعهن».

ومن أسوأ العادات والممارسات الظالمة للمرأة والتي عرفها تاريخ الهنود: «عادة إحراق الأرامل على الكومة التي احترق فيها أزواجهن». وكانوا في هذه المناسبات يحرقون جسد الزوجة.. أو يدفنونها حية، كما كان يحدث بين قبيلة «تلوج» في الجنوب، ويروي لنا سترابو أنّ عادة قتل الزوجة بعد موت زوجها كانت شائعة في الهند أيام الإسكندر. ولقد عارضها البراهمة أول الأمر، لكنهم عادوا فقبلوها، وأخيراً خلعوا عليها قداسة دينية تحميها من العبث، وذلك بأن جعلوها مرتبطة بأبدية الرابطة الزوجية: فالمرأة إذا ما تزوجت رجلاً كان عليها أن تظل زوجته إلى الأبد»[4].

 

المرأة في الصين

وعن أحوال المرأة في الصين يقول « ديورانت»: «فلما أن حلّ عهد كنفوشيوس كاد سلطان الأب يكون سلطاناً مطلقاً في جميع الأمور، فكان في وسعه أن يبيع زوجته وأبناءه ليكونوا عبيداً، وإن لم يفعل هذا إلّا إذا ألجأته إليه الضرورة القصوى؛ وكان يستطيع إذا شاء أن يقتل أبناءه، لا يحول بينه وبين هذا إلا حكم الرأي العام. وكان يتناول طعامه بمفرده لا يدعو زوجته ولا أبناءه إلى المائدة معه إلّا في أوقاتٍ قليلةٍ نادرة، وإذا مات كان ينتظر من أرملته ألا تتزوج بعده، وكان يطلب إليها في بداية الأمر أن تحرق نفسها تكريماً له.

وكان النساء يعشن في أقسام خاصة من المنزل، وقلما كن يختلطن فيه بالرجال، وكانت الحياة الاجتماعية كلها مقصورة على الرجال إلا إذا كانت النساء من الطبقات التي تسمح لأفرادها بالاختلاط بالرجال كالمغنيات والمحدثات ومن إليهن.

وكان الرجل لا يفكر في زوجته إلّا بوصفها أم أبنائه ولا يكرمها لجمالها أو لثقافتها بل لخصوبتها وجدّها وطاعتها؛ يشهد بذلك ما كتبته السيدة «بان هوبان» إحدى بنات الطبقة العليا في رسالة ذائعة الصيت بعبارات غاية في التواضع والخضوع تصف فيها المكانة الحقيرة للمرأة:

نشغل نحن النساء آخر مكان في الجنس البشري، ونحن أضعف قسم من بني الإنسان، ويجب أن يكون من نصيبنا أحقر الأعمال.. وما أعدل ما يقوله في حقنا كتاب قوانين الجنسين وأصدقه: «إذا كان للمرأة زوج يرتضيه قلبها وجب أن تبقى معه طيلة حياتها»[5].

 

 

 

المرأة السومريّة

ويتحدّث عن المرأة في الحضارة السومرية فيقول: «وكانت تسمو أحياناً إلى منزلة الملك كما سمت «شوب آد» وتحكم مدينتها حكماً رحيماً رَغِداً قوياً، غير أنّ الرجل هو السيد المسيطر في الأزمات جميعها وكان من حقه في بعض الظروف أن يقتل زوجته أو يبيعها أمة وفاءً لما عليه من الديون.

وكان الحكم الأخلاقي على الرجل يختلف عن الحكم الأخلاقي على المرأة حتى في العهد السحيق. فزنى الرجل كان يُعدّ من النزوات التي يمكن الصفح عنها، أما زنى الزوجة فكان عقابه الإعدام، فقد ينتظر منها أن تلد لزوجها وللدولة كثيراً من الأبناء، فإذا كانت عاقراً جاز طلاقها لهذا السبب وحده، أما إذا كرهت أن تقوم بواجبات الأمومة، فكانت تقتل غرقاً»[6].

 

المرأة في مصر القديمة

وأمّا في مصر القديمة فيبدو أنّ حال المرأة كان جيداً مقارنة بنظيراتها لدى سائر الشعوب، لكن مع ذلك فإننا نجد الكثير من العادات الشائنة، يقول ديورانت: «لقد كانت حكومة مصر شبيهة بحكومة نابليون حتى في مضاجعة الملك لأقاربه، وكثيراً ما كان الملك يتزوّج أخته، بل كان يحدث أحياناً أن يتزوج ابنته، ليحتفظ بالدم الملكي نقياً خالصاً من الشوائب. وانتقلت عادة الزواج بالأخوات من الملوك إلى عامة الشعب حتى لقد وجد في القرن الثاني بعد الميلاد أن ثلثي سكان أرسينوئي يسيرون على هذه السُّنة.

وكان في مقدور الزوج أن يخرج زوجته من داره دون أن يعوضها بشيء إذا زنت، أما إذا طلقها لغير هذا السبب فكان عليه أن يخصص لها جزءاً كبيراً من أملاك الأسرة. وكان مركز المرأة عندهم أرقى من مركزها عند كثير من الأمم في هذه الأيام»[7].

 

المرأة في بابل

وأمّا عن وضع المرأة لدى البابليين فيكتب «ديورانت»: «وأهم ما يلفت نظر المراقب الأجنبي في حياة البابليين تلك العادة التي تعرفها من وصف لها في إحدى صفحات «هيرودوت» الذائعة الصيت: «ينبغي لكل امرأة بابلية أن تجلس في هيكل الزهرة مرة في حياتها، وأن تضاجع رجلاً غريباً. ومنهن كثيرات يترفعن عن الاختلاط بسائر النساء، لكبريائهن الناشئ من ثرائهن، وهؤلاء يأتين في عربات مقفلة ويجلسن في الهيكل ومن حولهن عدد كبير من الحاشية والخدم. أما الكثرة الغالبة منهم فيتبعن الطريقة الآتية: تجلس الكثيرات منهن في هيكل الزهرة وعلى رأسهن تيجان من الحبال، بين الغاديات والرائحات اللاتي لا ينقطع دخولهن وخروجهن. وتخترق جميع النساء ممرات مستقيمة متجهة في كل الجهات، ثم يمرّ فيها الغرباء ليختاروا من النساء من يرتضون. فإذا جلست امرأة هذه الجلسة كان عليها ألا تعود إلى منزلها حتى يلقي أحد الغرباء قطعة من الفضة في حجرها ويضاجعها في خارج المعبد. وعلى من يلقي القطعة الفضية أن يقول: أضرع إلى الإلهة «ميلتا» أن ترعاك؛ ذلك بأنّ الآشوريين يطلقون على الزهرة اسم «مليتا» ومهما يكن من صغر القطعة الفضية فإنّ المرأة لا يجوز أن ترفضها، فهذا الرفض يحرمه القانون لما لها في نظرهم من قداسة. وتسير المرأة وراء أول رجل يلقيها إليها، وليس من حقها أن ترفضه أياً كان. فإذا ما ضاجعته وتحللت مما عليها من واجب للإلهة، عادت إلى منزلها.

وكان يسمح للبابليين في العادة بقسط كبير من العلاقات الجنسية قبل الزواج، ولم يكن يُضنّ على الرجال والنساء أن يتصلوا اتصالاً غير مرخص به «بزيجات تجريبية» تنتهي متى شاء أحد الطرفين أن ينهيها.

على أن بعض الزيجات كانت بيعاً صريحاً، من ذلك أنّ شمشتريز حصل على عشرة شواقل (50 ريالاً) ثمناً لابنته.  وإذا جاز لنا أن نصدق أبا التاريخ «فإنّ من كانت لهم بنات في سن الزواج يأتون بهن مرة في كل عام إلى مكان يجتمع فيه حولهن عدد كبير من الرجال، ثم يصفهن دلّال عام ويبيعهن جميعاً واحدة في إثر واحدة، فينادي أجملهن، وبعد أن يقبضن فيها ثمناً عالياً ينادي على من تليها في الجمال. ولكنه لم يكن يبيعهن إلا بشرط أن يتزوجن المشترين.. وهذه العادة المستحبة لم يعد لها الآن بقاء».

إلى أن يقول: «وفي وسعنا أن نقول بوجه عام إنّ مركز المرأة في بابل كان أقل منه في مصر وفي روما، ولكنه مع ذلك لم يكن أقلّ من مركزها عند اليونان الأقدمين أو عند الأوروبيين في العصور الوسطى. وكان لا بدّ لها لكي تؤدي أعمالها الكثيرة - من ولادة الأبناء وتربيتهم، ونقل الماء من النهر أو الآبار العامة، وطحن الحبوب، والطهو، وغزل الخيوط ونسجها، وتنظيف دارها - كان لا بدّ لها لكي تؤدي هذه الأعمال أن تكون حرة في غدوّها ورواحها بين الناس لا تكاد تفترق من هذه الناحية عن الرجل في شيء. وكان من حقها أن تمتلك الثروة وتستمتع بدخلها، وتتصرف فيها بالبيع والشراء، وأن ترث وتُوَرَّث. ومن النساء من كانت لهن حوانيت، يتجرن فيها، بل إنّ منهن من كنّ كاتبات وفي هذا دليل على أن البنات كن يتعلمن كالصبيان»[8].

 

المرأة في اليابان والشرق

والنظام الأبوي الصارم نجده لدى اليابانيين، فقد كان من حق الأب «أن يطرد من الأسرة زوج ابنته أو زوجة ابنه بينما يحتفظ بحفدته في صحبته، بل كان من حقه أن يقتل ابنه أو ابنته إذا اتهم أحدهما بالدعارة أو غيرها من الجرائم الخطيرة، وأن يبيع أبناءه أو بناته في سوق النخاسة أو سوق الدعارة وفي مستطاعه أن يطلق زوجته بكلمة واحدة».

إلى أن يقول: «وأصبح المجتمع يسوده الذكور، وأذعن النساء «للطاعات الثلاث» - الولد والزوج والابن -؛ وأوشك الناس ألا يضيعوا جهدهم في تعليم النساء، اللهم إلّا تعليمهن آداب الأوضاع الاجتماعية».

وأمّا عن الأخلاق الأسرية، فقد «سبق الزوجات أزواجهن في عالم الزنا، بحيث كنّ يبعن العفة بقول جميل يقال»[9].

 

المرأة عند اليهود

وربما كان التعرّف على حال المرأة لدى اليهود ونظرتهم إليها هو الأهم في هذا الباب، وذلك لأنّ عرب الحجاز ولا سيما أهل المدينة وجوارها وكذلك عرب اليمن كانوا متأثرين باليهود بحكم مجاورتهم لهم، وكانوا ينظرون إليهم نظرة إجلال وإكبار وتقدير، ويعتقدون أنّ دينهم هو أفضل دين[10]، وربما وصل تأثرهم بهم إلى درجة أنّ المرأة الأنصاريّة كانت إذا لم يعشْ لها تنذر إن عاش ولدها أن تهوّده[11]، ولهذا من الطبيعي أن يتأثر العرب ببعض الأفكار أو الممارسات اليهوديّة إزاء المرأة.

وإذا ألقينا نظرة على التوراة فسوف نجد أنّ المرأة كائن تابع للرجل، وأنّ لعنة الخطيئة التي ارتكبتها حواء تلاحق نسلها، وأنّها غير مؤهلة لخدمة المعبد وأنّها في غالب الأحيان تمارس الخداع والرذيلة. وعلى المستوى الحقوقي، فهي محرومة من كثيرٍ من الحقوق، ولا تتساوى مع الرجل، وأغرب ما في الأمر هو الصورة غير اللائقة التي نجد عليها حال بنات وزوجات الأنبياءb، ولطول البحث في ذلك وكثرة النصوص التوارتية المهينة للمرأة ارتأينا أن نُرجئ الحديث في ذلك إلى ملاحق الكتاب، انظر: الملحق رقم (2).

 

 

 

المرأة في عصر النهضة

وأخيراً فإنّ حال المرأة في أوروبا لم يكن بالمستوى المطلوب، حتى في العصر الذي عرف بـ «عصر النهضة» وإلى ذلك يشير «ديورانت» فيقول: «على أننا لا ينبغي أن نظن أنّ هذه المكانة العليا كانت هي نصيب المرأة العادية في عصر النهضة، فالواقع أنّه لم ينلها إلا قلة من النساء المحظوظات؛ أما الكثرة الغالبة منهن فكن يخلعن ثياب العرس ليحملن أعباء المنزل ومتاعب الأسرة حتى يوارين الثرى، وليستمع القارئ إلى برنردينو يحدد الوقت المناسب لضرب الزوجة:

«وأوصيكم أيها الرجال ألا تضربوا زوجاتكم وهن حاملات فإنّ في ذلك أشدّ الخطر عليهن. ولست أعني بهذا أنّكم يجب ألا تضربوهن أبداً؛ ولكن الذي أعنيه أن تختاروا الوقت المناسب لهذا الضرب.. وأنا أعرف رجالاً يهتمون بالدجاجة التي تضع بيضة كل يوم أكثر من اهتمامهم بأزواجهم. فقد تكسر الدجاجة أحياناً وعاءً أو قدحاً، ولكن الرجل لا يضربها خشية أن يفقد بذلك البيضة التي يحصل عليها منها، إذن فما أشد جنون الكثيرين من الرجال الذين لا يطيقون سماع كلمة من زوجاتهم اللائي يأتين بهذه الثمار الطيبة! ذلك أنّ الواحد منهم إذا سمع من زوجته كلمة يرى أنّها نابية، عمد من فوره إلى عصا وشرع يضربها بها، أما الدجاجة التي لا تنقطع عن الوقوقة طوال النهار فإنّه يصبر عليها من أجل بيضتها»[12].  

 

ثانياً: الفيلسوف والمرأة

 

ليس خافياً على أحد قوّة التأثير الذي تركته الفلسفة اليونانية من خلال أقطابها المعروفين، أعني سقراط، وأفلاطون، وأرسطو، على عقول المسلمين، بسبب هيمنة هذه الفلسفة على عقول الفلاسفة المسلمين، فإذا علمنا أنّ فلاسفة اليونان كان لهم نظرة دونيّة تجاه المرأة، فهذا قد يفسر لنا أحد مناشئ النظرة الدونيّة تجاه المرأة لدى الكثير من المسلمين المتأثرين بالفلسفة اليونانية.

ومن المهم أن يُبحث عن سبب هذا الموقف السلبي المستخفّ بالمرأة، والذي وقفه الفلاسفة، وهذا ما سوف نشير إليه إشارة عابرة في مستهل العنوان الثالث الآتي «الشاعر والمرأة»، ولكنّ ما يعنينا هنا هو التعرف على موقف الفلاسفة اليونانيين من المرأة، وتأثير ذلك على العقل الإسلامي.

ولو بدأنا مع أرسطو لوجدنا أنّه كان يرى أنّ المرأة لا تصلح سوى للإنجاب، ولا يمكنها أن تشغل أي منصب سياسي أو اجتماعي وحتى قيادة المنزل[13]. يقول إمام عبدالفتاح إمام: «وتأتي خطورة نظرية أرسطو عن المرأة أنّها ترددت بعد ذلك بكثرة في تراثنا العربي، ربما لأنّها وجدت أرضاً خصبة مهيأة لتقبلها..» تماماً كما حدث في التراث الغربي، وفي هذا المعنى تقول سوزان بل: «إن الصورة التي رسمها أرسطو للمرأة بالغة الأهميّة، وذات أثر هائل، فقد ترسبت في أعماق الثقافة الغربية، وأصبحت هي الهادي والمرشد عن النساء بصورة عامة»[14].

وأمّا سقراط فـ « يحكى أنّه قيل له: أي السباع أجسر؟ قال: المرأة».

وحكي أنّه مرّت بسقراط امرأة وهي تتشوف، فقالت: يا شيخ ما أقبحك؟ فقال: لولا أنك من المرايا الصدئة لغمَّني ما بان من قبحِ صورتي فيك!» [15].

وحتى أفلاطون الذي ربما قُدّم باعتباره نصيراً للمرأة وأحد دعاة المساواة بينها وبين الرجل، كما هو شائع في الكتب الفلسفية، لا يبدو - بحسب إمام عبدالفتاح إمام - أنّ نصوصه تساعد كثيراً على تدعيم هذه الرؤية أو الفكرة[16]، فـ«أفلاطون لا يذكر وظيفة واحدة يمكن أن تشغلها المرأة إلا لجنة الإشراف على الزواج المؤلفة من مجموعة من النساء العجائز، وهي وظيفة كانت تقوم بها عجائز أثينا بالفعل.. وفضلاً عن ذلك فالمرأة في قوانين أفلاطون قاصر ولا يحق لها أن ترث»[17].

وقد تسربت هذه الأفكار المنتقصة من مكانة المرأة إلى العالم الإسلامي بعد عصر الترجمة، حيث تأثر معظم الفلاسفة المسلمين بالفلسفة اليونانية، وهيمنت على عقولهم ردحاً طويلاً، وكان لها سطوة كبيرة في النفوس، ولا زلنا إلى الآن نعاني من تبعاتها على أكثر من صعيد، ولا سيما ما يتصل بتأثيراتها على علم الكلام وعلم أصول الفقه، ولذا لم يكن مستغرباً أن تجد الشيخ الرئيس أبا علي بن سينا يذكر في توجيه منع المرأة من أن يكون أمر الطلاق بيدها: «إنّها بالحقيقة واهية العقل مبادرة إلى طاعة الهوى والغضب»[18]. وتتصاعد هذه اللهجة عند أبي حامد الغزالي فيقول محذراً من النساء: «فإنّ كيدهن عظيم، وشرّهن فاشٍ، والغالب عليهن سوء الخلق، وركاكة العقل»[19].

وهكذا وجدنا أنّ الكثير من علماء المسلمين أخذوا يرددون تلك الكلمات المنقولة عن فلاسفة اليونان في كتبهم ويدعمونها بأقاويل أخرى تنسب إلى بعض الحكماء، لاحظ على سبيل المثال ما ينقله ابن أبي الحديد المعتزلي من نصوص في هذا المجال، يقول:

«ونظر حكيم إلى امرأة مصلوبة على شجرة، فقال: ليت كل شجرة تحمل مثل هذه الثمرة!

ورأى بعضهم مؤدباً يعلّم جاريةً الكتابة، فقال: لا تزد الشرّ شراً، إنما تُسقي سهماً سماً لِتُرْمَى به يوماً ما.

ورأى بعضهم جارية تحمل ناراً فقال: نار على نار، والحامل شرّ من المحمول.

وتزوّج بعضهم امرأة نحيفة، فقيل له في ذلك، فقال: اخترت من الشر أقلّه.

كتب فيلسوف على بابه: ما دخل هذا المنزل شرّ قط، فقال له بعضهم: اكتب: إلا المرأة.

ورأى بعضهم امرأة غريقة في الماء، فقال: زادت الكدر كدراً، والشر بالشر يهلك.

وفى كلام الحكماء: اعص هواك والنساء، وافعل ما شئت.

دعا بعضهم لصاحبه، فقال: أمات الله عدوك؟ فقال: لو قلت: زوّج الله عدوك، لكان أبلغ في الانتقام.

ومن الكنايات المشهورة عنهن: «سلاح إبليس»[20].

 

فلاسفة الغرب

 

وأما الفلاسفة الغربيون فلم تكن نظرتهم عن المرأة تختلف كثيراً عن نظرائهم من اليونانيين، بل إنّ الكثيرين منهم تأثروا بفلاسفة اليونان وتبنّوا رؤيتهم وأفكارهم التي تنضح بكراهية المرأة، كما اتضح، وأكتفي هنا بنقل نصّين عدائيين تجاه المرأة لاثنين من فلاسفة الغرب المعروفين:

النص الأول: هو لفريدريك نيتشه (1900م) الذي رأى أنّ المرأة كائن غير قادر على الصداقة، وأنّ في «داخل المرأة كان هناك دوماً عبدٌ وطاغية متسترين، لذلك ما تزال المرأة غير قادرة على الصداقة، إنّها لا تعرف سوى الحبّ. في حب المرأة هناك ظلم وعماء تجاه كل من لا تحبّه.. ما تزال المرأة غير قادرة على الصداقة، قِطَطاً ما تزال النساء وعصافير أو في أحسن الأحوال أبقاراً»[21].

النصّ الثاني: هو للفيلسوف الألماني أرتور شبنهاور (ت 1860م) والذي رأى أنّ «المرأة بحكم طبيعتها يجب أن تطيع». وأنّ «الرجال بطبيعتهم غير مبالين ببعضهم البعض، ولكنّ النساء بطبيعتهن متنافسات»[22].

أجل، لا بدّ من الاعتراف بكل تقدير، أنّ الموقف من المرأة قد تغيّر كثيراً في الغرب المعاصر ومنذ عقود طويلة، وتبدلّت الصورة كثيراً، وبدأ التنظير الفلسفي والقانوني لفكرة المساواة بين الرجل والمرأة في شتى الحقوق والواجبات، وبصرف النظر عن تحفظنا على الكثير من التفاصيل والمسارات التي أدخلت إليها المرأة دونما ضرورة لذلك، بما أساء إلى كرامتها، فلا ريب أنّ المسار العام التي خطته المرأة في الغرب كان له الكثير من الإيجابيات، حيث رُفع الحيف والظلم عنها على أكثر من صعيد وأعطيت الكثير من الحقوق التي كانت مهدورة ومصادرة، وقد أثمرت الجهود التي بذلت على صعيد التنظير الفكري والتنشئة التربوية والحماية القانونية ووفّرت مظلة كبيرة للمرأة في الغرب ما مكّنها من أن تثبت نفسها وجدارتها، لكنّ بالرغم من ذلك فإنّ الأمر لا يزال بحاجة إلى المزيد من الخطوات التربوية والتثقيفية.

كانت هذه كلماتٌ أو مواقف تنسب إلى جمعٍ من الفلاسفة، وهي - في معظمها - تكاد تجمع على تخوين المرأة وشيطنتها وعدم ائتمانها، ونحن لا نريد باستعراضها تبرير المنطق الذي تتضمنه، أو التخفيف من وطأة أية نظرة سلبيّة تجاه المرأة ترمي إلى سلبها حقاً من حقوقها، وإنّما غرضنا - كما أسلفنا في مستهل هذه الفقرة - بيان الرؤية السائدة تاريخياً عن المرأة وفي أوساط النخبة من المفكرين والفلاسفة والأدباء، الأمر الذي يبعث على تقدير الموقف الديني الذي جاء به القرآن الكريم. فإنّه ولا سيما عند مقارنته بتلك المواقف يُعدُّ موقفاً تحررياً، فقد أسّس للتعامل مع المرأة باعتبارها إنساناً، لها ما للرجل من حقوق، وعليها ما عليه من واجبات، إلا بلحاظ ما يقتضيه الاختلاف السيكولوجي والبيولوجي بين الجنسين.

 

 

 

ثالثاً: الشاعر والمرأة

 

إنّ طبيعة الشاعر وحسّه المرهف تجعله عاشقاً للجمال بكل تجلياته ومظاهره، ولذا كان من الطبيعي أن تكون المرأة باعتبارها رمز الجمال ملهمة له ومقرّبة منه، وأن تكون رؤيته حولها مختلفة تماماً عن رؤية الفيلسوف، فالفيلسوف ينظر إلى الأمور نظرة عقلية تجريدية، ولعله لذلك لم ير في المرأة سوى كيان مادي يرمز إلى الحسّ والشهوة الجسديّة، ولكن مع ذلك فإنّ ما نلاحظه في هذا المجال هو أنّ ذمّ المرأة لم يقتصر على الفلاسفة، بل انخرط الشعراء في عمليّة ذمّها ولو بنسبة أقل. وحيث إنّ الشعر ليس مرآةً للأفكار السائدة فحسب، بل هو في كثير من الأحيان موّلد للأفكار ومعزز لها، بدليل أننا نرى أنّ الكثيرين من المؤلّفين والواعظين والمتكلّمين، إذا أرادوا دعم فكرة معيّنة فإنهم يستشهدون عليها ببيت من الشعر، حيث كان للشعر هذه المنزلة كان من الأهميّة بمكان إيلاء الرؤيّة الشعرية عناية خاصة، سواء فيما يتصل بالمرأة أو غيرها، فأي تغييرٍ في وضع المرأة لا يمكن أن ينجح ويصل إلى غاياته المنشودة إلا إذا انخرط فيه كافة المثقفين من الفلاسفة والأدباء والشعراء والإعلاميين والروائيين ورجالات القانون، فضلاً عن علماء الدين.

وما قلناه عن تلك النظرة الدونية المسيطرة على عقول الكثير من الشعراء تجاه المرأة، ليس خافياً على المهتمين بالأدب والملمّين بالشعر، ويمكن لكل خبير أو مطلع على التاريخ الأدبي أن يعثر على العديد من النصوص الشعريّة في هذا المجال، ولا بأس أن نذكر بعض تلك النصوص من الشعر العربي:

قال ذو الرمة:[23]

عصبن برأسه إبّةً وعارا

 

 إذا المرئيُّ شبّ له بناتٌ (1)

 

وقال شاعر آخر:[24]

ألا إنّ تقويم الضلوع انكسارها

 

هي الضلع العوجاء لست تقيمها

أليس عجيباً ضعفها واقتدارها

 

أيجمعن ضعفاً واقتداراً على الفتى (2)

 

وقال أحدهم:

ثلاثة أصهار إذا ذكر الصّهر

 

لكل أبي بنت يرجّى بقاؤها

وقَبْرٌ يواريها، وخيرهما القبر

 

فبيتٌ يُغَطِّيها، وبعلٌ يصونُها (3)

[25]

وقال بعضهم:[26]

ولم أَجُبْ في الليالي حندس الظُّلم

 

لولا أميمة لم أجزع من العدم

ذلَّ اليتيمة يجفوها ذوو الرحم

 

وزادني رغبةً في العيش معرفتي

فيهتك الستر من لحمٍ على وضم

 

أحاذر الفقر يوماً أن يلّمَ بها

والموت أكرم نزّال على الحرم

 

تهوى حياتي وأهوى موتها شفقاً  (4)

 

ونقل عن بعض الشعراء قوله: [من الطويل]

جزوعاً إذا بانت فسوف تبين

 

تمتع بها ما ساعفتك ولا تكن

 على قدم الأيام سوف تخون

 

وخنها وإن كانت تفي لك إنّها

لغيرك من طلابها ستلين

 

وإن هي أعطتك الليان فإنها

فليس لمخضوب البنان يمين

 

وإن حلفت أن ليس تنقض عهدها

فليس لعمر الله ذاك يقين

 

وإن سكبت يوم الفراق دموعها

 

 

 

 

وقال ابن بشار: [من الطويل]

سراب لمرتاد المناهل حافل

 

رأيت مواعيد النساء كأنها

يؤمل يوماً أن تلين الجنادل

 

ومنتظر الموعود منهن كالذي

 

وقال الغنوي: [من البسيط]

فإنّه واقع لا بدّ مفعول

 

إن النساء متى ينهين عن خلق

 

وقال السمعاني: [من الكامل]

ما في الرجال على النساء أمين

 

لا تأمنن على النساء ولو أخاً

لا بد أن بنظرة سيخون

 

إن الأمين وإن تحفظ جهده

 

وقال غيره: [من الكامل]

[27]

ولا تثق بعهودهن

 

لا تركنن إلى النساء

معلَّقٌ بفروجهن(1)

 

فرضاؤهن جميعهن

 

 

 

 

 

 

 

وقال ابن قتيبة: «وكان يقال: ما نهيت امرأة عن أمر إلا أتته». وفي هذا المعنى يقول طفيل الغنوي:

[28]

هنّ المرار وبعض المر مأكول

 

إنّ النساء كأشجار نبتن معاً

فإنه واجب لا بد مفعول(2)

 

إنّ النساء متى ينهين عن خلق

 

وقال علقمة بن عبدة:

 

[29]

بصيرٌ بأدواء النساء طبيب

 

فإنْ تسألوني بالنساء فإنني

فليس له من ودّهنّ نصيب

 

إذا شاب رأس المرء أو قلَّ ماله

وشرخ الشباب عندهن عجيب(1)

 

يردن ثراء المال حيث علمنه

 

ويُعَدُّ أبو العلاء المعري من أبرز الشعراء الذين نقدوا المرأة نقداً عنيفاً لا يعرف الهوادة، ولعلّ السبب في ذلك يعود إلى ما عُرِفَ عن مذهبه التشاؤمي في الحياة، تلك الحياة التي قست عليه وتركته رهين المحبَسَيْن[30]، الأمر الذي جعله «يتمنى الفناء للبشرية.. ووَلَّدَ في نفسه الكره للمرأة، وهي التي تلد وتزيد في النسل وتكثر في العالم الأشقياء»[31]، فاستمع إليه يقول وهو يتحدث عن بؤس الأب الذي يرزقه الله أنثى، وما تجرّه عليه من متاعب:

 

تبيّن في وجوه مُقْسماتِ

 

وإن تُعْطَ الإناث فأيُّ بؤسٍ

ويلقين الخطوب مَلوماتِ

 

يُردن بُعُولةً ويُردْن حُلياً

 

ونجد نَفَسَ الجاهلية ورجعَ صداها يتردد في كلماته وأشعاره، إذ يدعو صراحة إلى دفن المرأة، فيقول: [32]

لإحداهنَّ إحدى المكرمات

 

ودفنٌ - والحوادث فاجعات -

إذا أمسينا في المتهضِمات

 

يَلِدْن أعادياً ويكنَّ عاراً

ولا في غارة متغمشات

 

ولسن بدافعاتٍ يوم حربٍ

وقد واجهننا متظلَّمات

 

أُولاتُ الظُّلم جئنَ بشر ظُلْمٍ

لقينك بالأساور معلمات(4)

 

فوارس فتنة أعلام غيٍّ

 

ويستمر المعري في تائيته هذه بشن هجومٍ لاذع على المرأة، فيصفها بنقصان العقل، والكذب ويرى أنّها لا تؤتمن على سِرٍّ، وأنّها تسعى بكل ما تملك إلى إغواء الرجل وجرّه إلى شباكها وحبال غيّها، يقول في موضع آخر:

ألا إنّ النسـاء حِبـال غيٍّ            بهنَّ يُضَيَّعُ الشرف التليد[33]

أجل، إنّ المعري قد دافع عن المرأة في موردين، مثّلا - برأي البعض[34]-  «انتهاكين اجتماعيين» تعرّضت لهما النساء:

أحدهما: موقفه الرافض للضرائرية، والداعي إلى الاكتفاء بزوجة واحدة، حيث يقول:

 

 

 لهنّ فلا تحمل أذاة الحرائر

 

قرانك ما بين النساء أذية

فتكفيك إحدى الآنسات الغرائر(3)

 

وإن كنت غِراً بالزمان وأهله

[35]

وثانيهما: رفضه لتزويج الفتاة الشابة من الشيخ المسن، وله في ذلك العديد من النصوص في «اللزوميات»[36].

إنّ النصوص الشعرية الآنفة أكانت لشعراء جاهليين أو مخضرمين أو إسلاميين، فهي تعكس اتساع الفجوة بين تعاليم القرآن الكريم التي تفيض إنسانية وتزخر احتراماً وتكريماً للمرأة وبين ثقافة هؤلاء الشعراء وذهنيتهم المشبعة عنصرية وتحيزاً ضد المرأة واحتقاراً لها.

 

هذا المقال من كتاب "المرأة في النص الديني"

 

 

 

 

 


[1]  انظر: موسوعة الفيلسوف والمرأة، أفلاطون والمرأة، إمام عبدالفتاح إمام، مكتبة مدبولي الطبعة الثانية 1996، ص 13.

 

[2]  ول وايريل ديورانت، قصة الحضارة، ج7 ص117-118، دار الجيل النهضة، ترجمة محمد بدران، بيروت- تونس، 1408هـ/ 1988م.

 

[3]  ول وايريل ديورانت، قصة الحضارة، ج 8 ص 27.

 

[4]  قصة الحضارة، ج 3 ص 174-182.

 

[5]  المصدر نفسه، ج 4 ص 272 - 273.

 

[6]  قصة الحضارة، ج 2 ص 32 - 33.

 

[7]  المصدر نفسه، ج 2 ص 95-96.

 

[8]  قصة الحضارة، ج 2 ص 229 - 233.

 

[9]   قصة الحضارة، ج 5 ص 62 - 63.

 

[10]  انظر: المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ج 6 ص 403.

 

[11]  فعن ابن عباس قال: كانت المرأة تكون مقلاتاً (لا يعيش لها ولد)، فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوده، فلما أجليت بنو النضير كان فيهم من أبناء الأنصار، فقالوا: لا ندع أبناءنا! فأنزل الله تعالى ذكره: ﵛﳎ ﳏ ﳐ ﳑﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖ ﳗﵚ [البقرة 256] وفي خبر آخر عن عامر، قال: كانت المرأة من الأنصار تكون مقلاتاً لا يعيش لها ولد، فتنذر إن عاش ولدها أن تجعله مع أهل الكتاب على دينهم. فجاء الإسلام وطوائف من أبناء الأنصار على دينهم، فقالوا: إنّما جعلناهم على دينهم، ونحن نرى أنّ دينهم أفضل من ديننا، وإذ جاء الله بالإسلام فلنكرهنهم! فنزلت: ﵛﳎ ﳏ ﳐ ﳑﵚ، انظر: جامع البيان للطبري، ج 3 ص 21.

 

[12]  قصة الحضارة، ج 21 ص 101-102.

 

[13]  انظر حول ذلك كتاب: أرسطو والمرأة، من تأليف إمام عبدالفتاح إمام، القاهرة، الناشر: مكتبة مدبولي، ط 1، 1996،  ص 8.

 

[14]  المصدر نفسه ص 7.

 

[15]  شرح نهج البلاغة، ج 18 ص 198.

 

[16]  أفلاطون والمرأة، ص 13.

 

[17] أفلاطون والمرأة، ص 14.

 

[18]  الشفاء - الإلهيات، المقالة العاشرة، الفصل الرابع، ج 2 ص 449. ويقول في الباب عينه: «ولما كان من حق المرأة أن تصان لأنها مشتركة في شهوتها وداعية جداً إلى نفسها وهي مع ذلك أشد انخداعاً وأقل للعقل طاعة والاشتراك فيها يوقع أنفة وعاراً عظيماً وهي من المضار المشهورة والاشتراك في الرجل لا يوقع عاراً بل حسداً والحسد غير ملتفت إليه فإنه طاعة للشيطان. فبالحري أن يسن عليها في بابها التستر والتخدر، فلذلك ينبغي أن لا تكون المرأة من أهل الكسب كالرجل فلذلك يجب أن يسن لها أن تكفى من جهة الرجل فيلزم الرجل نفقتها لكن الرجل يجب أن يعوض من ذلك عوضاً وهو أنه يملكها وهي لا تملكه فلا يكون لها أن تنكح غيره. وأما الرجل فلا يحجر عليه في هذا الباب».

 

[19]  إحياء علوم الدين، ج4 ص 139. وانتقل هذا الكلام بحذافيره إلى المحجة البيضاء في تهذيب الإحياء للفيض الكاشاني، ولم يشمله التهذيب، انظر: المحجة البيضاء، ج 3 ص 100.

 

[20]  شرح نهج البلاغة، ج 18 ص 198.

 

[21]  هكذا تكلم زرادشت، نيتشه، فريدريك، ترجمة علي مصباح، ط1، منشورات الجمل، بيروت لبنان،  ص 117-118.

 

[22]  ويكبيديا الموسوعة الحرة، كره النساء أو الميسوجينية.

 

[23]  العين، للخليل بن أحمد ج8 ص420، والمرئي بمعنى المرء، قال الزبيدي: «والنسبة إلى امرئ مرائي بفتح الراء، ومنه المرائي الشاعر، وأمّا الذين قالوا مرئي، فكأنّهم أضافوا إلى مرءٍ، فكان قياسه على ذلك مرئي، ولكنه نادر»، تاج العروس، ج1 ص249، والإبة بمعنى الخزي، انظر: العين، مصدر سابق.

 

[24] البداية والنهاية، ج11 ص334، رواه عن ابن الأعرابي، وعيون الأخبار للدينوري، ج4 ص77، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج18 ص200.

 

[25]  زهر الآداب وثمر الألباب للقيرواني، ج 2 ص 529.

 

[26]  تاريخ مدينة دمشق، ج38 ص135.

 

[27]  انظر: المستطرف في كل فن مستظرف، ج 2 ص 788.

 

[28]  البيان والتبيين للجاحظ، 539، وعيون الأخبار، ج 4 ص 111، وشرح النهج، ج 18 ص 200.

 

[29]  البيان والتبيين، ص 539. ونزهة الأبصار ومحاسن الآثار، ص 338.

 

[30]  وهما محبس العمى ومحبس البيت.

 

[31]  أبو العلاء المعري، حياته- شعره، تأليف سمير الصارم، ص24.

 

[32]  ديوان أبي العلاء المعري (اللزوميات)، ج1 ص169-174.

 

[33]  ديوان أبي علاء المعري، ج1 ص235.

 

[34]  فصول عن المرأة لهادي العلوي، ص 80.

 

[35]  ديوان أبي العلاء المعري، ج1 ص 356.

 

[36]  انظر: المصدر نفسه، ج 2 ص 215.

 

 






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon