حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » أنا طالب علم، لدي خوف من أن أتكلم بغير علم.. ما الحل؟
ج »

وعليكم السلام

لا بد لطالب العلم في مساره العلمي أن يتسلح بأمرين أساسيين:
الأول: الاستنفار العلمي وبذل الجهد الكافي لمعرفة قواعد فهم النص واستكناه معناه ودلالاته بما يعينه على التفقه في الدين وتكوين الرأي على أسس صحيحة.
الثاني: التقوى العلمية ويُراد بها استحضار الله سبحانه وتعالى في النفس حذراً من الوقوع في فخ التقوّل على الله بغير علم. ومن الضروري أن يعيش مع نفسه حالة من المحاسبة الشديدة ومساءلة النفس من أن دافعه إلى تبني هذا الرأي أو ذاك: هل هو الهوى والرغبة الشخصية أم أن الدافع هو الوصول إلى الحقيقة ولو كانت على خلاف الهوى.
أعتقد أن طالب العلم إذا أحكم هذين الامرين فإنه سيكون موفقاً في مسيرته العلمية وفيما يختاره من آراء أو يتبناه من موقف.

 
س » كيف علمنا أن الصحيفة السجادية ناقصة؟ وهل ما وجده العلماء من الأدعية صحيح؟؟
ج »

أقول في الإجابة على سؤالكم:

أولاً: إن الصحيفة السجادية في الأصل تزيد على ما هو واصل إلينا وموجود بين أيدينا، قال المتوكل بن هارون كما جاء في مقدمة الصحيفة: " ثم أملى عليّ أبو عبد الله (ع) الأدعية، وهي خمسة وسبعون باباً، سقط عني منها أحد عشر باباً، وحفظت منها نيفاً وستين باباً"، بيد أن الموجود فعلاً في الصحيفة الواصلة إلينا هو أربعة وخمسون دعاء. آخرها دعاؤه في استكشاف الهموم، وهذا آخر دعاء شرحه السيد علي خان المدني في رياض السالكين، وكذا فعل غيره من الأعلام.

ثانياً: إن سقوط عدد من أدعية الصحيفة وضياعها دفع غير واحد من الأعلام للبحث والتتبع في محاولة لمعرفة ما هو الضائع منها، وبحدود اطلاعي فإنهم عثروا على أدعية كثيرة مروية عن الإمام زين العابدين (ع)، لكنهم لم يصلوا إلى نتائج تفيد أن ما عثروا عليه هو من الأدعية الناقصة منها، ولذا عنونوا مؤلفاتهم بعنوان مستدركات على الصحيفة، ولم يجزموا أن ما جمعوه من أدعية هو الضائع من أدعية الصحيفة. وهذا ما تقتضيه الضوابط العلمية والدينية، فما لم يعثر الإنسان على نسخة قديمة موثوقة أو قرائن مفيدة للوثوق بأن هذا الدعاء أو ذاك هو من جملة أدعية الصحيفة فلا يصح له إضافة بعض الأدعية على الصحيفة بعنوان كونها منها.

ثالثاً: لقد ابتُلينا بظاهرة خطيرة، وهي ظاهرة الإضافة على الصحيفة أو غيرها من كتب الأدعية، وهذا العمل هو خلاف الأمانة والتقوى، وقد ترتّب على ذلك الكثير من المفاسد، وأوجب ذلك وهماً للكثيرين، فتوهموا أن بعض الأدعية هي جزء من الصحيفة السجادية المشهورة، ومردّ ذلك بكل أسف إلى أن مجال الأدعية والزيارات شرعة لكل وارد، وتُرك لأصحاب المطابع والمطامع! وأعتقد أن هذا العبث في كتب الأدعية والزيارات ناشئ عن عدم عناية العلماء بالأمر بهذه الكتب كما ينبغي ويلزم، كما نبه عليه المحدث النوري في كتابه "اللؤلؤ والمرجان" مستغرباً صمت العلماء إزاء التلاعب والعبث بنصوص الأدعية والزيارات مما يعدّ جرأة عظيمة على الله تعالى ورسوله (ص)!

رابعاً: أما ما سألتم عنه حول مدى صحة الأدعية الواردة بعد دعاء استكشاف الهموم، فهذا أمر لا يسعنا إعطاء جواب حاسم وشامل فيه، بل لا بدّ أن يدرس كل دعاء على حدة، ليرى ما إذا كانت قرائن السند والمتن تبعث على الحكم بصحته أم لا. فإن المناجاة الخمس عشرة بنظرنا لم تصح وربما كانت من وضع الصوفية، وقد أوضحنا ذلك بشكل مفصل في كتاب الشيع والغلو.


 
س » ابني المراهق يعاني من التشتت، وأنا جدا قلق ولا اعرف التصرف معه، ما هي نصيحتكم؟
ج »

التشتت في الانتباه في سن المراهقة مع ما يرافقه من الصعوبات هو في حدود معينة أمر طبيعي وظاهرة تصيب الكثير من المراهقين ولا سيما في عصرنا هذا.

وعلينا التعامل مع هذه المرحلة بدقة متناهية من الاستيعاب والتفهم والإرشاد والتوجيه وتفهم سن المراهق، وأن هذه المرحلة تحتاج إلى أسلوب مختلف عما سبقها.

فالمراهق ينمو لديه الإحساس بالذات كثيرا حتى ليخيل إليه أنه لم يعد بحاجة إلى الاحتضان والرعاية من قِبل والديه.

وبالتالي علينا أن نتعامل معه بأسلوب المصادقة "صادقه سبعا.." والتنبه جيدا للمؤثرات التي تسهم في التأثير على شخصيته واستقامته وتدينه، ومن هذه المؤثرات: الأصدقاء ووسائل التواصل الاجتماعي، فإن نصيبها ودورها في التأثير على المراهق هو أشد وأعلى من دورنا.

وفي كل هذه المرحلة علينا أن نتحلى بالصبر والأناة والتحمل، وأن نبتدع أسلوب الحوار والموعظة الحسنة والتدرج في العمل التربوي والرسالي.

نسأل الله أن يوفقكم وأن يقر أعينكم بولدكم وأن يفتح له سبيل الهداية. والله الموفق.


 
س » اعاني من عدم الحضور في الصلاة، فهل أحصل على الثواب؟
ج »
 
لا شك أن العمل إذا كان مستجمعا للشرائط الفقهية، فهو مجزئٌ ومبرئٌ للذمة. أما الثواب فيحتاج إلى خلوص النية لله تعالى بمعنى أن لا يدخل الرياء ونحوه في نية المصلي والعبادة بشكل عام.
ولا ريب أنه كلما كان الإنسان يعيش حالة حضور وتوجه إلى الله كان ثوابه أعلى عند الله، لكن لا نستطيع نفي الثواب عن العمل لمجرد غياب هذا الحضور في بعض الحالات بسبب الظروف الضاغطة على الإنسان نفسيا واجتماعيا.
لكن على الإنسان أن يعالج مشكلة تشتت الذهن أثناء العمل العبادي وذلك من خلال السعي الجاد للتجرد والابتعاد عن كل الهواجس والمشكلات أثناء الإقبال على الصلاة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، باستحضار عظمة الله عز وجل في نفوسنا وأنه لا يليق بنا أن نواجهه بقلب لاهٍ وغافل. والله الموفق.

 
س » أنا إنسان فاشل، ولا أتوفق في شيء، وقد كتب عليّ بالخسارة، فما هو الحل؟
ج »

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أولاً: التوفيق في الحياة هو رهن أخذ الإنسان بالأسباب التي جعلها الله موصلة للنجاح، فعلى الإنسان أن يتحرك في حياته الشخصية والمهنية والاجتماعية وفق منطق الأسباب والسنن. على سبيل المثال: فالإنسان لن يصل إلى مبتغاه وهو جليس بيته وحبيس هواجسه، فإذا أراد الثروة فعليه أن يبحث عن أسباب الثروة وإذا أراد الصحة فعليه أن يأخذ بالنصائح الطبية اللازمة وإذا أراد حياة اجتماعية مستقرة عليه أن يسير وفق القوانين والضوابط الإسلامية في المجال الاجتماعي وهكذا.

ثانياً: لا بد للإنسان أن يعمل على رفع معوقات التوفيق، وأني أعتقد أن واحدة من تلك المعوقات هي سيطرة الشعور المتشائم على الإنسان بحيث يوهم نفسه بأنه إنسان فاشل وأنه لن يوفق وأنه لن تناله البركة الإلهية.

إن هذا الإحساس عندما يسيطر على الإنسان فإنه بالتأكيد يجعله إنسانا فاشلا ومحبطا ولن يوفق في حياته ولذلك نصيحتي لك أن تُبعد مثل هذا الوهم عن ذهنك وانطلق في الحياة فإن سبيل الحياة والتوفيق لا تعد ولا تحصى.


 
س » ما هو هدف طلب العلم الذي يجب أن يكون؟
ج »

عندما ينطلق المسلم في طلبه للعلم من مسؤوليته الشرعية الملقاة على عاتقه ومن موقع أنه خليفة الله على الأرض، فإن ذلك سوف يخلق عنده حافزاً كبيراً للجد في طلب العلم والوصول إلى أعلى المراتب. أما إذا انطلق في تحصيله من موقع المباهاة أو إثبات ذاته في المجتمع أو من موقع من يريد أن يزين اسمه بالشهادة الجامعية ليُقال له "الدكتور" وما إلى ذلك، فإنه - في الغالب - لن يصل إلى النتيجة المرجوة.

وعلى كل إنسان منا أن يعي أنّنا في هذه الحياة مسؤولون في أن نترك أثراً طيباً، وأن نقوم بواجباتنا قبل أن يطوينا الزمان، إننا مسؤولون عن عمرنا فيما أفنيناه وعن شبابنا فيما أبليناه، وسنُسأل يوم القيامة عن كل هذه الطاقات التي منّ اللهُ بها علينا.

وأضف إلى ذلك، إنه من الجدير بالمسلم، أن لا يفكر في نفسه وما يريحه هو فحسب في طلبه للعلم، بل أن يفكر أيضاً في أمته والنهوض بها ليكون مستقبلها زاهراً، وهذا كله يحتم عليه أن يكون سقف طموحاته عالياً ليتمكن هو وأقرانه من الطلاب والعلماء من ردم الفجوة بيننا وبين الغرب الذي سبقنا على أكثر من صعيد.

باختصار: إن مسؤوليتنا ورسالتنا وانتماءنا لهذه الأمة يفرض علينا أن نعيش حالة طوارئ ثقافية وعلمية.


 
س » ما رأيكم في الاختلاط المنتشر في عصرنا، وكيف نحاربه؟
ج »

إنّ الاختلاط قد أصبح سمة هذا العصر في كثير من الميادين، ومنها الجامعات والطرقات والساحات وكافة المرافق العامة.. والاختلاط في حد ذاته ليس محرماً ما لم يفضِ إلى تجاوز الحدود الشرعية في العلاقة بين الرجل والمرأة الأجنبيين؛ كما لو أدى إلى الخلوة المحرمة بالمرأة أو مصافحتها أو كان المجلس مشوباً بأجواء الإثارة الغرائزية أو غير ذلك مما حرمه الله تعالى.

وفي ظل هذا الواقع، فإنّ العمل على تحصين النفس أولى من الهروب أو الانزواء عن الآخرين بطريقة تشعرهم بأن المؤمنين يعيشون العُقد النفسية. إن على الشاب المسلم أن يثق بنفسه وأن يفرض حضوره ووقاره، وأن يبادر إلى إقناع الآخرين بمنطقه وحججه، وأن يبيّن لهم أن الانحراف والتبرج والفجور هو العمل السيّئ الذي ينبغي أن يخجل به الإنسان، وليس الإيمان ومظاهر التدين.

وأننا ندعو شبابنا عامة وطلاب الجامعات خاصة من الذكور والإناث إلى أن يتزينوا بالعفاف، وأن يحصنوا أنفسهم بالتقوى بما يصونهم من الوقوع في الحرام.


 
س » كيف يمكن التخلص من السلوكيات والعادات السيئة؟
ج »

إن التغلب على السلوكيات الخاطئة أو العادات السيئة – بشكل عام – يحتاج بعد التوكل على الله تعالى إلى:

أولاً: إرادة وتصميم، ولا يكفي مجرد الرغبة ولا مجرد النية وانما يحتاج بالإضافة إلى ذلك إلى العزم والمثابرة وحمل النفس على ترك ما اعتادته.

ثانياً: وضع برنامج عملي يمكّن الإنسان من الخروج من هذه العادة السيئة بشكل تدريجي؛ وأرجو التركيز على مسألة "التدرج" في الخروج من هذه العادات السيئة؛ لأن إدمان النفس على الشيء يجعل الخروج منه صعباً ويحتاج إلى قطع مراحل، وأما ما يقدم عليه البعض من السعي للخروج الفوري من هذه العادة، فهو - بحسب التجربة - سيُمنى في كثير من الأحيان بالفشل. والله الموفق


 
 
  مقالات >> عقائدية
الجنة والنار: بين ميزان العقل وميزان المذاهب الإسلامية (2)
الشيخ حسين الخشن



استعرضنا في نهاية المقال السابق جملة من الروايات الدالة على أن أعمال وعبادات الأشخاص الذين لا يوالون أهل البيت غير مقبولة عند الله، وأن هؤلاء يدخلون النار.

 

ونحن قبل أن نبدي أي رأي في هذه الأخبار وفي إمكانية الاعتماد عليها ينبغي أن نحدد طبيعة المسألة المبحوث عنها وهل أنها مسألة عقدية أو فرعية؟ فإن كانت مسألة عقدية فلا يمكن الاعتماد فيها على أخبار الآحاد بل لا بدّ أن يكون الخبر متواتر، وأمّا إذا كانت مسألة فرعية فيمكن إثباتها بخبر الواحد إذا كان صحيح السند أو موثقاً.

 

أعمال غير الموالي بين الصحة والقبول:

 

والحقيقة أن أعمال وعبادات غير الموالي لأهل البيت(ع) يمكن النظر إليها من زاويتين؛ الأولى: هي صحة العمل والعبادة وعدمها، والثانية: قبول العمل وعدمه، ولا ملازمة ـ بنظر العلماء ـ بين الصحة والقبول، فربما يحكم بصحة العمل وإجزائه بمعنى عدم وجوب إعادته، ولكن مع ذلك لا يكون مقبولاً عند الله سبحانه، أما مسألة الصحة فهي مسألة فقهية بامتياز لارتباطها بفعل المكلف فتجري عليها أحكام المسألة الفقهية، وأبرز هذه الأحكام: إمكانية إثباتها بخبر الواحد، والذي عليه مشهور الفقهاء هو الحكم بصحة أعمال غير الموالي كلها إلا الزكاة استناداً إلى الأخبار الصحيحة الواردة عن الأئمة(ع) في هذا المجال من قبيل صحيحة الفضلاء عن الصادقيْن(ع): أنهما قالا في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء: الحَرورية ـ وهم الخوارج ـ والمرجئة والعثمانية والقدرية ثم يتوب ويعرف هذه الأمر ويحسن رأيه (أي يصبح موالياً لأهل البيت(ع)) أيعيد كل صلاة صلاها أو صوم أو زكاة أو حج أو ليس عليه إعادة شيء من ذلك؟ قال: ليس عليه إعادة شيء من ذلك غير الزكاة لا بدّ أن يؤديها"(وسائل الشيعة:9/216) إلى غير ذلك من الروايات الظاهرة في صحة عباداته، التي أداها على طبق مذهبه وإن كانت مخالفة لما عليه مذهب أهل البيت، وقد حمل الفقهاء الروايات الحاكمة بالإعادة على الاستحباب (راجع: مستمسك العروة10/223، كتاب الحج من تقريرات بحث السيد الخوئي3/116).

 

واستثناء الزكاة والحكم بلزوم إعادتها لأنّها وضعت في غير موضعها كما عللت بعض الروايات، هو على الأرجح إجراء تدبيري ـ وليس حكماً تشريعياً ـ اتخذه الأئمة(ع)، بهدف التخفيف من ضغط الحصار الاقتصادي الذي مارسته السلطة ضدهم، كما تشهد بذلك بعض الروايات (راجع حول ذلك كتاب الإسلام والعنف ص:91)، هذا كله في مسألة الصحة. وأمّا مسألة القبول فهي مسألة عقدية، لارتباطها بفعل الله سبحانه وكيفية تعامله مع عباده، وعليه فلا يصح الاعتماد في إثباتها على خبر الواحد حتى لو كان صحيحاً، وإنما تحتاج إلى دليل يورث القطع واليقين، فهل إن الروايات الدالة على أن ولاية أهل البيت(ع) شرط في قبول الأعمال متواترة أم أنها أخبار آحاد؟

 

وقفة عند سند الأخبار:

 

ذكر بعض الأعلام أنّ هذه الروايات هي فوق حدّ التواتر(الأربعون حديثاً للإمام الخميني ص632)، ويكفيك أن السيد البروجردي قد أورد 78 حديثاً حول هذا الموضوع في جامع أحاديث الشيعة1/502. إلاّ أن لنا أن نتحفظ على دعوى التواتر على إطلاقها، وتوضيحاً لذلك نقول: إنه ليس لدينا في المقام تواتر لفظي، لأنّ الأخبار لا تشترك في لفظ محدد، فدعوى التواتر لا بدّ أن يراد بها التواتر المعنوي، ويراد بالتواتر المعنوي: اشتراك الأخبار في قضية معنوية محددة، وحتى تكون دعوى التواتر المعنوي صحيحة في المقام فلا بدّ من وجود محور مشترك ومحدد بين الأخبار، وهذا الشرط لا بدّ من توافره في دعوى التواتر اللفظي أيضاً، والحقيقة أن الأخبار المذكورة لا تشترك في محور محدد إلا في خصوص دائرة ضيقة جداً لا خلاف فيها لأحد من المسلمين كما سنرى لاحقاً، أضف إلى ذلك أن ثمة عنصراً سلبياً يُضعِّف من القيمة الاحتمالية للأخبار، وهو ضعفها ـ في معظمها ـ سنداً، فإن الصحيح منها سنداً لا يزيد على سبعة روايات (راجع: الأحاديث المعتبرة في جامع أحاديث الشيعة ص:27)، ومن المعلوم أن التواتر يتأثر بنوعية المخبرين ومدى وثاقتهم، كما أن غرابة بعض الأخبار تشكّل هي الأخرى عنصراً سلبياً يوجب بطء حصول اليقين بالتواتر كما حقق في محله(راجع الحلقة الثانية للشهيد الصدر ص:148)، ومن هذه  الأخبار التي تشتمل  على مضمون لا يخلو من غرابة ويصعب على العارف بمنطق أهل البيت(ع) تصديق صدوره عنهم ما جاء في الحديث رقم9 من الباب المذكور وهو مروي عن الإمام أبي جعفر(ع) قال: دخلت مع أبي جعفر(ع) المسجد الحرام وهو متكئ عليّ منظر إلى الناس ونحن على باب بني شيبة فقال: يا فضيل هكذا كانوا يطوفون في الجاهلية لعنهم الله من خلق مسحور بهم إنظرْ إليهم مكبين على وجوههم!..."، ونحوه الحديث36 من الباب، أين هذا المضمون مما ورد عنهم(ع) بأن الله يغفر لكل من شهد عرفة ويستجيب دعاءه ولو كان كافراً، وأنه لا يرد يوم عرفة سائلاً! (راجع: البحار96/253، الوسائل13/456).

 

تصنيف الأخبار:

 

ومع صرف النظر عما ذكرناه من صعوبة التصديق بمضمون بعض الروايات، فإن مجموع الروايات المشار إليها يمكن توزيعها إلى عدة أصناف:

 

الصنف الأول: ما كان محوره الجاحد بولاية أهل البيت(ع) من قبيل ما ورد عن أبي عبدالله(ع): "من جاء يوم القيامة بولاية إمام جائر ليس من الله وجاء منكراً لحقنا جاحداً بولايتنا أكبّه الله تعالى يوم القيامة في النار" (جامع أحاديث الشيعة ج1 ص448 الحديق رقم60)، وهناك عدة روايات محورها الجاحد (راجع المصدر نفسه الأحاديث: 72،66،65)، وهذا المضمون لا شك فيه ولا اعتراض عليه بل هو مسلّم عند كافة المسلمين، فإن الجحود هو الإنكار مع علم، والجاحد لقضية فرعية يستحق المؤاخذة والعقاب فكيف بجاحد الولاية!

 

الصنف الثاني: ما كان محوره "المعادي " لأهل البيت(ع) أو "الكاره" أو "المبغض" لهم، والأحاديث بهذا المضمون كثيرة (راجع المصدر المتقدم الحديث:37، 48، 49، 50، 51، 52)، وقد جاء في الحديث الأخير عن الإمام الصادق(ع): "عداوتنا تبطل أعمالكم"،  وهذا المضمون لا غبار عليه أيضاً بل هو مقبول ومفهوم لأن "المعادي" أو "المبغض" أو "الكاره" ـ على اختلاف التعابير الواردة في الروايات ـ ليس له عذر، بل إن معاداته لأهل البيت(ع) تشكل انكاراً عملياً لضروري من ضروريات الدين، ولا تجد مسلماً يؤمن بالله ورسوله وكتابه يتجرأ على التفوه بمعاداتهم، وبملاحظة هذا الصنف وكذا الصنف الأول يكون القول: إن من ضروريات مذهب التشيع: عدم قبول العمل بغير الولاية وجيهاً (هذا القول هو للإمام الخميني في الأربعين حديثاً ص:632).

 

وقريب من هذا الصنف ما جاء في روايات أخرى من ربط قبول الأعمال بمحبة آل البيت(ع) كما في الخبر السادس من الباب المشار إليه في جامع أحاديث الشيعة وهو مروي عن أمير المؤمنين(ع) وجاء فيه: "... ومن لم يحبنا منكم لم ينفعه إيمانه ولا يُتقبل عمله"، فإن محبتهم (ع) هي موضع تسالم عند كافة المسلمين، وقد نطق بذلك الذكر الحكيم {قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى}.

 

الصنف الثالث: وهو مورد الإشكال حيث أطلق فيه القول بدخول كل من "لم يجئ بولاية علي(ع)" أو "لم يعرف ولايته" في النار أو ونحو هذا المضمون، وهي عدة روايات (راجع المصدر المتقدم الأحاديث رقم: (56،54،39،36،35،32)، ونكتفي بذكر حديث واحد لهذا الصنف، وهو ما ورد عن رسول الله(ص): "لو جاء أحدكم يوم القيامة بأعمال كأمثال الجبال ولم يجيء بولاية علي بن أبي طالب لأكبه الله عز وجل في النار".

 

إلاّ إن هذا المضمون عام أو مطلق وهو لا يأبى التقييد والحمل على خصوص الجاحد أو ناصب العداء، وذلك بقرينة الصنفين السابقين، مضافاً إلى حكم العقل القطعي والقاضي بقبح إدانة القاصر والمستضعف، وأكثر الناس في زمان الأئمة(ع) كانوا من المستضعفين كما اعترف بذلك الشيخ يوسف البحراني مستفيداً ذلك من الروايات (راجع الحدائق الناضرة14/167)، ومما يؤيد التقييد المذكور وأن المستضعفين لا يدخلون النار بل يدخلون الجنة: ما جاء في رواية إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر(ع) فقد أكد(ع) كما جاء في الرواية على استثناء المستضعفين، ثم قال: أرأيت أم أيمن ـ وهي مولاة رسول الله(ص) ـ فإني أشهد أنها من أهل الجنة وما كانت تعرف ما أنتم عليه"(الكافي 2/52).

 

شواهد الرحمة:

 

على أن الملفت للنظر أن في الروايات المذكورة التي ادعي دلالتها على دخول غير الموالي النار نصاً صحيحاً وصريحاً في أن الله سبحانه يتفضل على المحسن ممن لا يعرف ولاية أهل البيت(ع) ويدخله الجنة، وهو صحيح زرارة عن أبي جعفر(ع): "لو أن رجلاً قام ليله وصام نهاره... ولم يعرف ولاية ولي الله فيواليه ويكون جميع أعماله بدلالته إليه ما كان له على الله عز وجل حق في ثوابه ولا كان من أهل الإيمان، ثم قال(ع): أولئك ـ أي من لم يكن عارفاً ـ المحسن منهم يدخله الله الجنة بفضل رحمته"، إن هذا الحديث يشهد لأمرين:

 

الأول: أن مبدأ دخول الجنة هو استحقاق وليس تفضلاً، كما رجحنا ذلك سابقاً، غايته أن الذي يستحق دخول الجنة ـ طبقاً للحديث ـ هو المؤمن العارف.

 

الثاني: إن الله يمن على المحسن إن لم يكن عارفاً وموالياً لأهل البيت(ع) ويدخله الجنة بسعة رحمة وتفضله، وهذا ما يتناسب وسعة رحمته وأنه لا يخيّب ظن من أحسن الظن به، و"من ذا الذي أحسن الظن بالله فلم يكن عند حسن ظنه به" كما ورد في وصية لقمان لإبنه (بحار الأنوار75/459)، وبلغ من سعة رحمته تعالى حداً أنه يعطي الثواب للإنسان إذا بلغه ثواب على عمل فعمله رجاء ذلك الثواب حتى لو لم يكن العمل على ما بلغه"(بحار الأنوار2/256).

 






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon