حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » هل صحيح ما ورد في بعض الرّوايات عند الشيعة من أنّ علياً قسيم الجنة والنار؟
ج »

أولاً: إنّ فكرة أن يكون عليّ قسيم الجنة والنار مفهومة وما الضير في ذلك؟ وفقاً لما نقل عن الإمام أحمد بن حنبل، فقد نقل عن محمد بن منصور الطوسي: "كنا عند أحمد بن حنبل ، فقال له رجل : يا أبا عبد الله ، ما تقول في هذا الحديث الذي روي أن عليا قال : أنا قسيم النار ؟ فقال : ما تنكرون من ذا؟! أليس روينا أن النبي صلى الله عليه ( وآله ) وسلم قال لعلي: لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق؟! قلنا: بلى. قال: فأين المؤمن؟ قلنا: في الجنة. قال : فأين المنافق ؟ قلنا: في النار . قال: فعلي قسيم النار". فيكون المقصود بكونه (ع) قسيم الجنة والنار أنّ حبّه وموالاته تكون فارقاً بين أهل الجنة والنار، فمن والاه واتبعه ( واتّباعه لا ينفك عن اتّباع القرآن وسنّة النبي (ص) ) فهو من أهل الجنة ومن حاربه وعاداه عن جحود أو تقصير فهو من أهل النار.

ثانياً: أما أنه هو الذي يتولى أو من جملة من يتولى إدخال الناس الجنة والنار، فليس ثمة ما يمنع أن يأذن الله تعالى لبعض أنبيائه أو أوليائه أن يتولوا هذه المهمة إكراماً لهم، بحيث يُدخلون من يستحقّ الجنة إلى الجنة ويُدخلون من يستحقّ النار إلى النار، فيكون هؤلاء الأنبياء والأولياء منفذين لأمر الله تعالى، ويكون دورهم شبيهاً بدور الملائكة التي تتولى بحسب ما يستفاد من القرآن هذه المهمة. وعليه فإذا صحّت الرواية التي تتحدث عن أن علياً (ع) يتولى إدخال الناس إلى الجنة والنار فلا ينبغي رفضها من هذه الجهة.

 


 
 
  كتب >> قراءات في الكتب
قراءة في كتاب: ظواهر ليست من الدين
قراءة لرحيل دندش



 

 كتاب ظواهر ليست من الدين للشيخ حسين الخشن
رحيل دندش

 

"احترموا عقولكم، ولا تجعلوا بعض النَّاس يعيشون على غبائكم...". بهذه الكلمات للفقيه المجدِّد، سماحة المرجع السيّد محمّد حسين فضل الله(ره)، قدَّم مدير المركز الإسلامي الثَّقافي، السيِّد شفيق الموسوي، كتاب "ظواهر ليست من الدّين"، لمؤلّفه سماحة الشّيخ حسين الخشن. وقد اعتبر السيِّد الموسوي أنَّ "الفراغ الفكري والرّوحي والعقائدي الّذي يجتاح الأوساط الشعبيَّة، وبعض الأوساط التي تدّعي العلم والثّقافة والوعي، دفعهم، وكمحاولةٍ للخروج من مشاكلهم الحياتيّة والعاطفيّة، أو حبّاً في معرفة المستقبل، إلى اللّجوء إلى من توهّموا أنَّهم يحقّقون لهم أهدافهم فيما يرغبون بتحقيقه، فلم يحصدوا إلا الهواء، علماً أنّ من لجؤوا إليهم قد استطاعوا ابتزازهم مادّيّاً، إضافةً إلى اللَّعب على عقولهم وعواطفهم".

 

تمهيد

 

بدايةً، يردُّ سماحة الشَّيخ حسين الخشن انتشار جملة من المفاهيم العقيديَّة المحرَّفة والمزوَّرة إلى انكفاء علم الكلام عن القيام بوظيفته الأساسيَّة في التَّجديد، وأيضاً في الرَّصد المستمرّ للمفاهيم الدّخيلة والأفكار المشوّهة، وغربلتها وتصحيحها، ووضْع الحدود الفاصلة بين الحقائق والأوهام، والمقدّس والنّسبي، والثّابت والمتغيّر...

 

وقد خصّص الشّيخ الخشن دراسته هذه، ليتناول جملةً من المفاهيم المزوّرة والاعتقادات الدّخيلة التي أُلبست لبوساً دينيّاً، ليُبيّن موقف الإسلام من هذه المعتقدات، ويوضّح بعض المفاهيم الملتبسة التي أعاقت نهوض الأمّة وتطوّرها. وقد ضمّت الدراسة مفردات من قبيل: "التنبّؤات الفلكيّة، نحوسة الأيّام، التّشاؤم أو الطِّيَرة، الرّقى والأحراز، الإصابة بالعين، الحظّ والنّصيب"، وغيرها من المفردات التي أُضفي عليها طابع ديني، وساد الاعتقاد بها في الأوساط الشعبيَّة وغير الشعبيّة على امتداد العالم.

 

في القواعد العامّة

 

يركّز الشّيخ الخشن قبل البدء بدراسته، على بعض القواعد الّتي تحكم عمليّة البحث في مجموعة المفردات المطروحة أعلاه، وتُشكّل مدخلاً أساسيّاً لدراستها

 

أ ـ هاتوا برهانكم

 

فالقاعدة الأولى تؤكِّد أنَّ معيار الإيمان وعدمه هو الحجّة والبرهان: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}[البقرة:111].
 
ب ـ الوحي والعقل والعلم

 

القاعدة الثَّانية تتمحور حول بيان الدَّليل، ففي حين يصرّ البعض على اعتبار التَّجربة العلميَّة مرجعيّةً وحيدةً في محاكمة هذه المعتقدات، يؤكِّد الشَّيخ الخشن أنَّ للعلم الدَّور الكبير في الكشف عن بعض هذه المعتقدات، ولكنَّه يرفض أن يكون هو المرجعيّة الوحيدة على هذا الصَّعيد، ويعلّل ذلك بأنَّ بعض القضايا لا مجال لاختبارها من خلال الوسائل العلميَّة التقنيَّة.
 
ج ـ لا يعلم الغيب إلا الله

 

القاعدة الثّالثة تقول: "إنَّ علم الغيب هو بيد الله وحده"، وما عدا الله عزّ وجلّ لا أحد يعلم الغيب، إلا من قد يمنّ الله عليه ويصطفيه، فيطلعه على بعض المغيّبات. ويؤكِّد الشَّيخ الخشن هذه القاعدة، منطلقاً في دراسة بعض المعتقدات الّتي يزعم أصحابها أنَّهم يكشفون عن الحوادث قبل وقوعها، وهي مزاعم تلقى صدى واسعاً لدى جمهور عريض من النَّاس.

 

د ـ اعتماد منطق الأسباب والمسبّبات

 

القاعدة الرّابعة، قوامُها ضرورة رعاية القوانين الطبيعيَّة، واعتماد منطق الأسباب والمسبّبات، لأنَّ الكون، كما يؤكّد الشّيخ الخشن، "تحرّكه ـ كما أراد الله ـ جملة من القوانين، وتحكمه رزمة من المبادئ التي لا تتخلّف... وكلّ محاولة لتجاوز هذه القوانين أو القفز فوقها وتخطّيها، ليست سوى محاولة للبقاء في مستنقع التخلّف والجهل، حتى لو تمّ تغليف تلك المحاولة بغلافٍ ديني". ويتابع الشيخ الخشن بأنّ أبلغ وأعظم جناية على الدّين، هي وضعه في مقابل السّنن والقوانين الحاكمة على هذا الكون...".

 

ولذلك، يتطرَّق الشّيخ الخشن إلى مجموعةٍ من المفاهيم التي توضح المعنى الأخير، فيتحدّث في عنوانٍ أوّل عن القرآن وقانون العليّة، فيبيّن أنّ المنطق القرآنيّ، ومن خلال العديد من الآيات القرآنيّة، يؤكّد قانون العلّيّة، وإسناد الظّواهر إلى أسبابها الطّبيعيّة، ما يعني "أنّ مبدأ العليّة أو السّببيَّة، ليس فقط لا ينافي التَّوحيد، بل يؤكِّده وينسجم معه".

 

ويتوقّف في عنوانٍ ثانٍ ليميِّز بين مفهومي التوكّل والتّواكل، وهنا يشير إلى ما تعرّض له مبدأ التوكّل من التّحريف لدى البعض، بحيث خُيّل إليهم أنَّ التوكّل يتنافى واللّجوء إلى الأسباب الطبيعيّة، "ما مهّد لانتشار ثقافة الاستشفاء بالأحراز أو القرآن، وطلب الرّزق أو النّصر بمجرد الدّعاء والتوسّل، بعيداً من الأخذ بأسباب ذلك".

 

ويمثِّل العنوان الثَّالث، وهو النّظرة التّبخيسيّة للدّنيا، إحدى علامات التشوّه المفاهيمي وأماراته الّتي أشاعت روح الاتكاليّة، وسمحت بتسرّب المعتقدات أو العادات التي تستغلّ الدّين وتوظّفه بطريقةٍ سلبيّة، فالقراءة الخاطئة للمأثورات الدينيّة التي تُزهّد في الدّنيا وتذّم التعلّق بها، أسّست لنظرةٍ تفاضليةٍ بين علوم الدّين وعلوم الدّنيا، إلى حدّ التّبخيس من شأن علوم الدّنيا، الأمر الّذي يخالف المنطق القرآني، حسبما يؤكّد الشيخ الخشن.

 

وربطاً بقانون العليَّة، يتحدَّث الشَّيخ الخشن أيضاً عن الأسباب النَّفسيَّة، الّتي يكشف الالتفات إليها بعض الألغاز، فيقول: "إنَّ ثمة ترابطاً واضحاً وجليّاً من النَّاحية العلميَّة بين الوضعيَّة النَّفسيَّة للإنسان والجهاز العصبيّ.. والحالات النّفسيَّة كما تؤثّر سلباً في صحّة الإنسان، فإنّها تؤثّر فيها إيجاباً.. وعلى ضوء ذلك، يتَّضح سرّ التَّأثير الّذي تتركه بعض الأمور الّتي لم تثبت واقعيَّتها، سواء أكان تأثيراً إيجابيّاً، كما في الاستشفاء بآيات القرآن.. أم تأثيراً سلبياً، كما في تأثّر الشَّخص المعتقد بصيبة العين...".

 

ومن ثمّ ينتقل الشَّيخ الخشن إلى دراسة تفصيليَّة لأهمّ المفردات الّتي ذكرت أعلاه، والّتي لا صلة لها بالدّين، فيناقشها، ويدلّل على وهنها وضعفها، وعدم ارتباطها بالدّين، لا من قريب ولا من بعيد.

 

المفردة الأولى: التنبّؤات الفلكيّة واستطلاع المغيّبات

 

يحاول الشّيخ الخشن من خلال هذه المفردة، أن يفسّر ظاهرة التّنبؤات الفلكيَّة، وسبب إقبال النَّاس عليها، حتّى المتديّنين والمتعلّمين منهم، هذه الظّاهرة التي، وعلى الرّغم من التطوّر العلميّ، ما تزال منتشرة وبقوّة، لافتاً إلى مساهمة وسائل الإعلام في ترويجها، "حتى أصبحنا اليوم أمام "نجوم" من المتنبّئين، الّذين غدا لكلّ واحدٍ منهم جمهور عريض يرجعون إليه ويستفتونه حول ما تخبّئه لهم الأيّام وينتظرهم في قادم الزّمان، فيما يتَّصل بحياتهم الشخصيَّة والعائليَّة والاجتماعيَّة...".

 

لا يجد الشّيخ الخشن سبباً مقنعاً لانتشار هذه الظَّاهرة ـ حتّى في أوساط المتعلّمين ـ سوى قلق الإنسان على مستقبله، وهو ـ أي القلق ـ "ما يحفِّز الإنسان ويدفعه إلى استطلاع المغيّبات بشتّى الطرق والوسائل"، إضافةً إلى ضعف الإيمان بالله تعالى. وبعد ذلك، يُعرِّج على المتنبّئين الّذين تعدَّدت أصنافهم ومصادرهم، فمنهم من يدّعي الإلهام، ورؤية صور معيَّنة في حال اليقظة. وفي هذا الإطار، يقول الشَّيخ الخشن: "إنّ دعاوى الإلهام والإيحاء هي دعاوى فارغة، ولا دليل على صدقيّتها، ولا يمكن التّعويل عليها ولا تصديق أصحابها".

 

ومنهم من يمتلك الفطنة والذّكاء في التعرّف إلى أحوال الآخرين، من خلال ما يسمّى فراسة العين. ومما يقوله الشَّيخ الخشن في هذا الإطار: "إنّ الاعتماد على فراسة العين هو طريق ظنّيّ ولا حجيّة له شرعاً، ولا سيَّما إذا أُريد الاستناد إليه في اتّهام الآخرين". ويعرب سماحته عن استغرابه لجهة أنَّ البعض من هؤلاء المتنبئين "لا ينتظر إلى أن يلتقي بالأشخاص ليتنبّأ لهم، إنّما يكتفي بسماع أصواتهم ولو عبر جهاز التّلفون".

 

وأيضاً من أصناف المتنبّئين من يدّعي الاتّصال بالجنّ، وهنا يؤكِّد الشّيخ الخشن أنّ الجنّ هو حقيقة قرآنيّة، ولكنَّه يُبيّن أنَّ فرصة التَّواصل الثّابتة قرآنيّاً فيما بين الإنس والجنّ، هي الوسوسة التي يمارسها الجنّ تجاه الإنسان. ويبدي استغرابه مما صدر عن بعض الفقهاء من فتاوى حول مشروعيَّة الزَّواج بالجنّ وغيرها من الأمور الغريبة.. كما يؤكّد استناداً إلى الآيات القرآنيّة، أنَّ الجنّ لا يعلمون الغيب.

 

وعن الموقف من زعم البعض أنَّ بإمكانهم تسخير الأرواح واستعلام المغيّبات، يقول الشّيخ الخشن: "إنّ تسخير الأرواح أمر غير ثابت، لأنَّ الرّوح بعد انفصالها عن الجسد بسبب الموت، تدخل في عالم البرزخ"... و"إنّ الرّوح ـ على فرض أنّه يمكن التَّواصل معها ـ لا تعلم الغيب، لأنَّ الغيب لا يعلمه إلا الله". ويفسّر الشّيخ الخشن  بعض الأحداث التي تقع، حيث يتمّ تحضير الرّوح بواسطة الفنجان أو التقمّص في جسد الأطفال والنّطق على لسانهم، فيقول: "هناك احتمال أنَّ ما يجري ليس واقعاً، وإنَّما هو محض تخيّلات وتلاعب بأبصار الحضور..."، وقد يكون من مصائد الشَّيطان ومكائده، بهدف إضلال الإنسان وإرباك حياته..

 

وهناك طريق قد يكون الأكثر شهرةً في عالمنا اليوم، هو طريق التّنجيم، فالمنجّمون، كما يزعمون، يستندون في إخباراتهم وتوقّعاتهم إلى النّظر في النّجوم والأفلاك، لاعتقادهم أنَّ لها تأثيراً في مصير الإنسان. وفي هذا الصَّدد يقول الشّيخ الخشن: "هناك نوع من التّأثير الطبيعيّ للنّجوم لا شكّ فيه، وهو تأثير يرتكز على أسس وقواعد مفهومة تحكم النّظام الكوني... ولذا، فالنَّظر إلى الكواكب لمعرفة تأثيراتها التّكوينيَّة أمر جائز، بل مطلوب.. ولكن ثمة نوعٌ آخر من اعتقاد التّأثير مرفوض، ولا يمكننا القبول به، وهو الاعتقاد بأنّ للنّجوم تأثيراً في حياة الإنسان". ولذلك، يؤكِّد الشيخ الخشن أنّ إخبارات المنجّمين لا قيمة لها، ولا يجوز تصديق المنجّم فيما يقول.

 

كما يرى أنّ استطلاع الغيب بواسطة القرآن يمثّل طريقاً يستخدمه البعض في الكشف عن الأحداث والتنبّؤ بها، وهذا الأمر الّذي يختلف عن الاستخارة في مضمونه وهدفه، ليس طريقاً شرعيّاً، ويعدّ استخدام القرآن الكريم في التنبّؤ بالمغيّبات وقراءة المستقبل، توهيناً للقرآن وتحريفاً لمقاصده.

 

المفردة الثّانية: نحوسة الأيّام وسعودتها

 

يطلّ الشّيخ الخشن في هذه المفردة على ظاهرةٍ يتلاقى عليها معظم النّاس، وهي ظاهرة نحوسة الأيام وسعودتها، بحيث توصف بعض الأيّام بأنّها أيّام نحس، وأخرى بأنّها أيّام سعد، ويتمّ التّعامل مع الأولى بطريقةٍ تشاؤميّةٍ سوداويّة، ومع الثّانية بطريقةٍ احتفاليَّة... وينطلق الشّيخ الخشن ليُبيّن حقيقة النّحوسة، عارضاً لقيمة الزَّمن في التّصوّر الإسلاميّ ومسؤوليَّة العمر، فالزّمن بمثابة الورق الّذي يتلقّى ويتقبّل كلّ ما يكتبه أو يسجّله الإنسان في صفحاته، وربما يكون التَّفسير الوحيد لما يفعله الإنسان من ذمّ الزّمان، هو محاولة التَّخفيف أو التهرّب من مسؤوليّته عمّا ارتكبه فيه من أخطاء. ومن ثمّ عرض للنّصوص القرآنيّة والرّوايات الواردة في نحوسة الأيّام، مؤكّداً "أنّ تساهل الفقهاء إزاء الرّوايات المذكورة حول نحوسة الأيّام، وتعاملهم معها على أساس قاعدة التَّسامح في أدلّة السّنن، كان له محاذير نفسيّة واجتماعيّة واقتصاديّة".

 

المفردة الثّالثة: التّشاؤم: عادة جاهليّة رفضها الإسلام

 

وفي هذه المفردة، يوضح الشَّيخ الخشن أنَّ مفهوم التّشاؤم أو ما يُعرف بالطِّيرة، هو واحد من المفاهيم المتشكّلة خارج الفضاء الدّينيّ، وهو اعتقاد قديم أعاق تطوّر الإنسان وتقدّمه. ويعرض في هذا الصّدد لموقف الإسلام من التَّشاؤم فيقول: "والإسلام في موقفه الصَّارم من الجهل وكلِّ ما يعيق تقدّم الإنسان ونموّه، وفي حرصه الشّديد على أن تسير الحياة وفق منطق السّنن والقوانين، وقف موقف الرّافض لهذا الاعتقاد الجاهلي، لأنَّه اعتقاد غير مبني على علم، أو معتمد على حجَّة أو دليل، بل إنَّه اعتقاد معيق لتقدّم الإنسانيَّة". ويشير ضمن العنوان نفسه، إلى أن لا واقعيّة للتّشاؤم، و"أنّ القضيَّة لا تعدو أن تكون حالة نفسيَّة بحتة يعيشها الشَّخص بحكم اعتقاده بوجود رابط بين ما يواجهه من أسباب التّشاؤم، وفشله في عمله وسفره... وهذا الاعتقاد المتجذِّر في النَّفس قد يؤثِّر في توازن الشّخص، ما قد يؤدّي إلى فشله". ويطرح الشَّيخ الخشن علاجاً للتَّشاؤم قوامه تأكيد مبدأ الارتباط بالله والتّوكّل عليه، ومخالفة ما يقتضيه التّشاؤم وعدم الانسياق معه.
 
المفردة الرّابعة: مفهوم الحظّ في الميزان الإسلامي

 

يفصّل الشَّيخ الخشن ضمن هذه المفردة مفهوم الحظّ، الّذي يعتبر أيضاً من ضمن المفاهيم المتشكّلة خارج الإطار الدّيني، وهو مفهوم "يحتجّ به الكثيرون لتبرير إخفاقاتهم في الحياة، سواء على المستوى الاجتماعيّ أو الاقتصاديّ أو السّياسيّ..."، فيُبيّن موقف الإسلام من الاعتقاد بالحظّ، ومما جاء في كلامه: "إنَّ الحديث عن الحظّ كما لو كان قدراً يرسم مصير الإنسان ويحدّد مساره، بعيداً عن إرادة الله سبحانه وتخطيطه، أمر مرفوض في المنطق الإسلاميّ، بل إنّ الاعتقاد بذلك يحمل شائبة الشِّرك بالله، فليس ثمّة شيء مؤثِّر في هذا الكون خارج إرادة الله". ويؤكِّد: "أنّه ليس في منطق العلم شيء اسمه الصّدفة أو الحظّ، وإنّما هناك القوانين الكونيَّة والسّنن الإلهيَّة التي يُعدُّ كلّ من وُفّق للأخذ بها فائزاً، وسيكون النَّجاح حليفه ولو كان فاجراً أو كافراً، ومن تخلَّف عنها فقد هوى، وإن كان مؤمناً تقيّاً".

 

المفردة الخامسة: الإصابة بالعين بين الحقيقة والخرافة

 

يعالج الشَّيخ الخشن ضمن هذه المفردة، معتقداً هو مثار جدل كبير، ولا يزال منتشراً في مختلف الأوساط ولدى كافَّة الشّعوب، وهو "الاعتقاد بالعين". وبعد أن يعرِّفه، يؤكِّد الشَّيخ الخشن أنَّ صيبة العين، وعلى فرض صحَّتها، تحصل من ذوي النّفوس الخبيثة الّتي يتملَّكها الحسد، ويسيطر عليها الشّعور بالنَّقص. وقد عمد الشَّيخ الخشن إلى بيان حقيقة تأثير العين، معدِّداً ثلاثة تفاسير تحاول شرح هذا التَّأثير، وهي: التَّفسير الاتّفاقيّ، التَّفسير المادّيّ، والتَّفسير الإنسانيّ. ومن ثم يُبيِّن الموقف الإسلاميّ من هذه القضيَّة، بأنَّه ليس هناك سندٌ إسلاميّ يبعث على اليقين أو الاطمئنان بواقعيَّة الإصابة بالعين، مفنِّداً آراء البعض ممن يحاولون إثبات صحَّة هذا الاعتقاد من خلال القرآن الكريم والرِّوايات، خالصاً إلى أن لا دليل حاسماً يقطع الشّكّ باليقين في أمر العين وتأثيرها، دون أن ينفي إمكانيَّة التّأثير، لأنَّ النّفي يحتاج إلى دليل كما الإثبات، واضعاً هذه القضيَّة في دائرة الإمكان الشَّرعيّ.

 

المفردة السَّادسة: التَّداوي بالقرآن والأحراز و"الطّبّ النّبويّ"

 

يوضح الشَّيخ الخشن ضمن هذه المفردة اعتقاداً خاطئاً وشائعاً في مسألة الاستشفاء والتَّداوي، اعتماداً على نظرةٍ خاطئةٍ وفهمٍ مبتورٍ لبعض الآيات القرآنيَّة والرّوايات التي تؤكِّد ضرورة اللّجوء إلى الله سبحانه، وطلب العون منه. وهنا، يعود سماحته ليؤكِّد مسألة القاعدة القرآنيَّة العامَّة، الّتي تقول إنَّ سُنّة الله جرت على ارتباط المسبِّبات بأسبابها وفق قانون العليَّة الحاكم على هذا الكون، آخذاً على بعض العلماء اعتبارهم مسألة التّداوي والتطبّب قضيّة غيبيّة تعبديّة، وإشكالهم على مراجعة الأطبّاء في هذا الخصوص، وقد سجّل تحفّظه عمّا يصطلح عليه بالطّب الدّيني والرّوحاني أو الدّواء الشّرعي، لأنَّ الشّرع ليس له أدويته الخاصّة فيما يرتبط بصحَّة الإنسان، والمرجع في هذا الأمر هم أهل الخبرة من الأطّباء المختصّين، ويدلّل على أنّه لا تعبّد في مثل هذه القضايا لجهة استعمال الدّواء أو تشخيص الدّاء، من خلال ما جاء في سيرة النّبي(ص) وأهل البيت(ع)، عازياً سبب تأخّر المسلمين في الطّب بعدما كانوا روّاداً في هذا المجال، إلى أنّ فكرة الطّب التعبّدي سادت بينهم. 

 

الخاتمة 

 

تأتي هذه الدّراسة التي جاءت في 128 صفحةً من القياس الوسط، لتسلّط الضّوء على بعض المفاهيم التي تشكَّلت خارج الفضاء الدّيني، وأُلبست لبوساً دينيّاً، ولتنزيه ساحة الدّين من تبعات هذه المفاهيم الّتي تمثِّل استهانةً بالعقل، واستخفافاً بالعلم، وتجاوزاً لتعاليم السَّماء، وكمحاولةٍ لنشر الوعي وقطع الطّريق على الّذين يحاولون ترسيخ التخلّف في المجتمع.





اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon