في حوار فكري مع موقع لبنان الجديد
الشيخ حسين الخشن
أجرى موقع لبنان الجديد الإلكتروني حواراً فكرياً مع سماحة الشيخ حسين الخشن عن "الزواج المدني" وعن "الوحدة الإسلامية" وعن "دور رجال الدين في العصر الحاضر" وعن مواضيع فكرية أخرى.
سماحة الشيخ حسين الخشن أستاذ ومحاضر في المعهد الشرعي الإسلامي أعدّ وألّف العديد من الكتب الإسلامية والفقهية ولديه العديد من المعالجات الدينية والفقهية لمختلف القضايا الاجتماعية والفكرية والدينية المعاصرة , كما أن سماحة الشيخ من أبرز تلامذة الفقيه المجدد سماحة آية الله المرجع السيد محمد حسين فضل الله (قدس سره) .
إلتقينا سماحة في حوار تناول عددا من المواضيع والقضايا وفيما يلي نص الحوار .
ما هي رسالتكم كرجل دين وفكر وما هو دوركم ومساهمتكم في معالجة الازمات ذات المنبع الديني؟
أعتقد أنّ وظيفة عالم الدين ومهمته هي أن يحرص على إبقاء الدين رسالة حياة ودعوة حب وانفتاح على الله وعلى عيال الله، وأن يسعى جهده في التخفيف من وتيرة الأحقاد والضغائن وأن يزرع البسمة في القلوب ويوزّع البشر على الوجوه، وليس مفهوما ولا مبررا أن ينظر الناس إلى عالم الدين نظرة رهبة أو خوف، فعندما يخاف الناس من رجل الدين فهذا يعني أنه قد ابتعد عن الدين وقيمه، لأنّ الدين هو بشائر رحمة، قال تعالى:{يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم}.
وأما في مواجهة الأزمات المختلفة ذات الطابع الديني، فإنّ على المفكر الإسلامي أن يبقى في حالة استنفار دائم وأن يجنّد نفسه للمساعدة في إيجاد الحلول لها، وذلك من خلال حيوية العقل الاجتهادي الذي يشكل حارسا أمينا لحماية الدين ومفاهيمه الأصيلة من كل ما علق ويعلق به من شوائب، أو ما يقحم عليه من عادات وتقاليد تشوه نقاءه وإشراقه، فيتحوّل الدين معها إلى عنصر توتر وقلق، بدل أن يكون عنصر أمن وأمان، ولعل أسوأ أنواع التشوه التي يتعرض لها الدين هو العمل على تحويله إلى سيف مسلط على الرقاب بدل أن يكون الماء العذب الذي يحيي القلوب العطشى، وليس أقل سوءاً من ذلك تحويله - أي الدين - إلى غطاء لسياسات السلطان الظالم والمستبد، ومن الطبيعي أن المواجهة في هذا الميدان تحتاج إلى علماء فدائيين لا يخافون في الله لومة لائم، علماء يحملون روحاً جهادية قادرين على التضحية أمام كل حملات الإسقاط والتهميش، وحملات التضليل والحصار والإرهاب الفكري.
وسط المنازعات القائمة في موضوع الزواج المدني ما رأي الإسلام الفقهي بهذا الزواج هل يؤيد سماحة الشيخ لجوء البعض إليه في لبنان ؟
تعليقا على الموضوع القديم الجديد وهو موضوع الزواج المدني فإني أحب تسجيل عدة ملاحظات:
الملاحظة الأولى: إنّ ثمة اجتهادأ فقهياً لا يرى مشكلة في الزواج المدني في حد ذاته، فهو كعقد ليس باطلا بحيث تكون علاقة الطرفين علاقة غير شرعية، لأنّ الزواج في الإسلام هو بطبيعته مدنياً وليس سراً إلهياً، ولا تتوقف شرعية الزواج على إجراء العقد على يد وسيط، سواء كان كاهنا أو شيخاً، إلاّ أنّ المسألة أو المشكلة هي في المفاعيل المترتبة على الزواج المدني والتي لا تلتقي مع أحكام الفقه الإسلامي سواء ما يتصل بالطلاق أو الميراث أو الحضانة أو زواج المسلمة بغير المسلم .. ومن الطبيعي أنّ المسلم مدعو إلى الإلتزام بأحكام الشريعة الإسلامية، مع العلم بأنّ بعض هذه القضايا يمكن إيجاد مخارج شرعية لها، كما هو الحال في الطلاق الذي يمكن تخريجه شرعا على قاعدة توكيل المرأة أو طرف ثالث في الطلاق.
الملاحظة الثانية: إنّ الأصوات المتطرفة والتي تدعو إلى قمع الآخر واسكاته أو تمنعه حقه في التعبير عن رأيه هي أصوات مرفوضة من أي جهة صدرت، فكما أنه لا يحق لرجل الدين قمع الآخرين باسم الدين، فليس من حق الآخرين أن يمنعوا رجل الدين من إبداء رأيه في أية قضية، سياسية كانت أو تشريعية أو اجتماعية أو أخلاقية أو غيرها مما هو على صلة بتنظيم شؤون الناس، ولا سيما عندما نتحدث عن عالم الدين الذي يملك رؤية دينية تملي عليه إبداء رأيه، إذ لا يرى أنّ دينه يضع فاصلاً بين شؤون الدين وشؤون الدنيا، ففي هذه الحالة يحق له أن يقول: إنه ومن وجهة نظري الإسلامية والفقهية فإنّي أرفض الزواج المدني ولو بلحاظ بعض مفاعيله التشريعية.
الملاحظة الثالثة: إنّه وبصرف النظر عن الموقف الرافض أو المتحفظ إزاء الزواج المدني ومفاعيله، فإنّ السؤال الملح الذي نضعه برسم كل علماء الدين هو: أنه ما هو السبيل الأمثل للتعبيرعن رفض هذا القانون؟ هل إن أسلوب التكفير وإخراج الناس عن الدين هو الأسلوب المجدي في هذا المقام؟! أوليس أسلوب الحكمة والموعظة الحسنة هو الأسلوب الأمثل كما يعلمنا القرآن الكريم؟ أليس إبداء الرفض بهذه الطريقة التكفيرية قد يولّد ردة فعل سلبية تجاه الدين نفسه؟ أليس من الأهمية بمكان أن يعمل علماء الدين على إقناع الناس بأهمية الزواج "الشرعي"، وأن يزيلوا الأسباب والمبررات التي تدفع البعض إلى اختيار الزواج المدني؟ وهذه الأسباب كثيرة ولا تنحصر بالإجراءات البائسة والتعيسة والمذّلة أحيانا أو التصرقات الاستغلالية التي تحصل في الكثير من المحاكم، بل إنّ عليهم أن يسعوا من خلال الفقهاء إلى تطوير الكثير من نصوص القوانين المعتمدة في المحاكم وإعادة النظر فيها، لأنّها قوانين مبنية على اجتهادات معينة قد تكون خاضعة للنظر، إنّ المعاناة التي يتعرض لها الكثيرون من الناس ولا سيّما النساء على أعتاب المحاكم أو أثناء المحاكمات وما قد يحصل فيها من تعسف ظالم يرتكبه بعض الأزواج، دون أن يتم إيجاد مخارج شرعية لذلك، إنّ ذلك هو بالتأكيد أحد أسباب لجوء البعض إلى الزواج المدني.
في أجواء ولادة الرسول الأكرم (ص) وأسبوع الوحدة الاسلامية هناك رؤيتان حول الوحدة بين المسلمين حيث يعتبرها البعض عنوانا ثانويا ويعتبرها البعض الآخر أصلا أولياً ما هو رأي سماحة الشيخ حسين ؟
إن الوحدة الإسلامية لو كانت - في الأصل - من المندوبات والمستحبات، فإنّها تغدو اليوم في عداد الواجبات والفرائض، وذلك لأنّنا في زمن أصبح شبح الفتنة المذهبية يطل علينا برأسه منذراً بحرب لا تبقِ ولا تذر، فكيف لو كانت الوحدة من الأساس فريضة دينية يفرضها علينا انتماؤنا إلى دين واحد، واعتقادنا بنبي واحد وكتاب واحد وقبلة واحدة ..
والوحدة الإسلامية التي نطمح إليها لا تحققها الشعارات ولا الكلمات الاستهلاكية ولا اللقاءات الاستعراضية ولا النوايا الطيبة، وإنّما هي عمل مضنٍ لا بد أن يتحرك على عدة جبهات:
أ-- ---_فهناك العمل الفكري الذي لا بد أن يعمل على رفع المعوّقات العقدية من أمام مشروع الوحدة، لأنّ العقيدة السائدة التي يلتزمها كافة المسلمين والمبنية على منطق الفرقة الناجية هي حجرعثرة أمام وحدة الأمة، إذ كيف لنا أن ندعو إلى الوحدة الإسلامية في ظل اعتقاد كل فرقة بأنها الفرقة الناجية وأنّ الآخرين هم في النار ؟!
ب-_ وهناك العمل الفقهي الذي عليه أن يعمل على تأصيل فقه الوفاق، بدلاً من فقه الشقاق، وهو الفقه السائد في كافة المعاهد والحوزات العلمية عند الشيعة والسنة.
ت-_وهناك الجهد السياسي الذي لا بد أن يعمل على تجميع المسلمين من خلال دولهم وكياناتهم المختلفة في اتحادات حقيقية يجلس فيها قادة المسلمين ليخططوا لكل ما فيه عزة الأمة ومنعتها وتقدمها على جميع المستويات، وفي الحد الأدنى فإنه ومن خلال هذه المجاميع السياسية يتسنى لهم دراسة قضاياهم وهمومهم ومصالحهم المشتركة، ولا سيما أمام تحديات الاحتلال الذي يعمل جاهدا على نهب ثروات الأمة وقهر إرادة شعوبها .
ث-_وهناك العمل الإعلامي الذي يبشر بثقافة الوحدة والتقريب ويساهم في رفع الحواجز النفسية التي تمّ وضعها بين المسلمين، ويحل محل الإعلام المذهبي الذي يبشر بثقافة الحقد ويثير الفتن والحساسيات المذهبية، كما نلاحظ في هذه الفضائيات الفتنوية المشبوهة والتي تحرك الغرائز المذهبية والنعرات الطائفية بشكل لا نظير له بما يطيح بجهود عشرات بل الآف الوحدويين، ولا نبالغ بالقول: إنّ هذه الفضائحيات ( وليس الفضائيات)تمثل أكبر خطر في وجه مشروع التقريب بين المذاهب الإسلامية.
والقضية كل القضية أن يكون لنا إرادة الوحدة وأن نكون صادقين في دعوى التقريب وأن نعيش الوحدة كهمّ من همومنا .
ماذا علينا أن نستلهم من ذكرى ولادة الرسول الأعظم محمد (ص) ؟
أعتقد أنّ علينا في هذه المرحلة الحساسة من تاريخنا حيث يراد تشويه صورة النبي الأكرم (ص) وتقديمه باعتباره داعية العنف ورمز القتل، ومع الأسف فإنّ من يقدّم رسول الله كذلك هم صنفان من الناس، أحدهما: أعداء الإسلام المغرضون، ثانيهما: صنف من جهلة المسلمين الذين يسيؤن بسلوكهم إلى الرسول(ص)، ويقدمونه كداعية للقتل وسفك الدم، إننا في هذه المرحلة معنيون بتصحيح هذه الصورة ولا أبالغ إذا قلت إنّ ذلك هو أولوية الأولويات، والتصحيح يكون بأن نستحضر رسول الله (ص) باعتباره رسول المحبة والرحمة، {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك}، فرسول الله (ص) لم يبعث ليكون جزاراً، وإنما ليكون رحمة للعالمين {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}.
والرحمة ليس عنوانا فضفاضاً وطوباويا، بل إنها منهج حياة، ولا بدّ أن تتحول إلى سلوك عملي، لتحكم العلاقات الإنسانية كافة، فعلاقة الزوج بزوجته يحكمها قانون الرحمة :{ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة}، وعلاقة الإبن بوالديه يحكمها قانون الرحمة: {واخفض لهما جناح الذل والرحمة}، وعلاقة الجار بجاره والإنسان بأخيه الإنسان، يحكمها القانون نفسه. ولكننا نتساءل باستغراب: أين قيمة الرحمة في واقعنا الإسلامي؟ سواءً في علاقة المسلم مع أخيه المسلم، أو في علاقة الزوج مع زوجته.. إنّ المجتمع الذي أرسى النبي قواعده على قاعدة {أشداء على الكفار رحماء بينهم} قد انقلبت لديه الآية، فأصبحنا أشداء بيننا رحماء على غيرنا !.
وتجدر الإشارة إلى أنّ الرحمة في الإسلام لا تعني الذل والمهانة ولا تلغي حق الإنسان في الدفاع عن نفسه، أو أن يكون كفرد أو كأمة قوياُ عزيزاً مقتدراً.
ثمة نزاعات ما بين المفاهيم الاسلامية القديمة ومتطلبات العصر الحديث,كيف يمكن تحديث الفكر الديني لمواكبة الحداثة ومتطلبات العصر ؟
أعتقد أنّ الاجتهاد هو المفتاح الأساسي لحل هذه المعضلة، فالاجتهاد – كما قال بعض المفكرين - هو القوة المحركة للإسلام، ففي ضوء العقل الاجتهادي هذا نستطيع أن نميّز - بادئ ذي بدء - بين الدين من جهة وبين الفكر الديني من جهة أخرى، فالدين هو الذي يمتلك القداسة أمّا الفكر الديني فهو في معظمه نتاج اجتهاد بشري خاضع لإعادة النظر والدرس المجدد من قبل أهل الفكر والاختصاص.
وفي ضوء العقل الاجتهادي نستطيع أيضا أن نميّز بين الثابت والمتحرّك، فالثبات هو سمة المبادئ، والمرونة هي سمة الوسائل، فمثلاً نقرأ قوله تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل} نجد أن الآية ذكرت مبداً ووسيلة، فالمبدأ هو إعداد القوة، لأنّ المجتمع الإسلامي لا بد أن يكون قوياً عزيزاً، أمّا الوسيلة فهي رباط الخيل، فالخيل وسيلة متحركة ومتغيرة، وهذا الأمر يسري في الكثير من الأمور كما هو الحال في اللباس، وفي الكثير من أنماط العيش، والمؤسف أنّ الكثيريم منا لم يستطيعوا التمييز بين المبادىء والوسائل فصاروا يثيرون المعارك على الوسائل المتغيرة ويهملون المبادىء الثابتة !
وعلى صعيد آخر فإنّ العقل الاجتهادي سيقود حتما إلى تفعيل الفقه المقاصدي الذي يخرج الإسلام عن الجمود والشكلانية، ويسمح بمواكبة كافة المستجدات وتقديم إجابات واضحة عليها.
سماحة الشيخ في ظل الظروف العربية الراهنة وتطور الأحداث في المنطقة ،كيف تنظرون اليوم إلى واقع الأمة الإسلامية والعربية ؟
إننا ننظر بأمل كبير إلى الصحوة التي تعيشها الأمة، وإلى نسائم الحرية التي انتشرت في ربوعها، ونرحّب بهذه العودة إلى الإسلام .. إلا أنّ ثمة ما يدعونا إلى القلق، وأهم ما يدعو للقلق هو هذه العصبية المذهبية المقيتة التي تفتك في جسم الأمة، وهذا التمزق الذي تعيشه، إنّ الأمة الإسلامية تملك من المقدرات البشرية والطاقات الطبيعية ما يجعلها أمة رائدة قائدة شاهدة على الأمم إلاّ أننا نراها لا تزال تعيش في مستنقع الجهل والتخلف، فأمة "إقرأ" هي أجهل الأمم! وأمة {كنتم خير أمة أخرجت للناس} تعيش عالة على هامش الأمم! وأمة {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة}، هي من أضعف الأمم! وأمة المليار والنصف مليار إنسان لم تستطع إلى يومنا هذا إستعادة أرضها السليبة في فلسطين من أيدي عدة ملايين من الصهاينة !
أمام شعوب هذه الأمة الكثير من التحديات، فهناك تحدٍ داخلي، وهو تحدي الوحدة والاجتماع والتآلف، وهناك تحدي خارجي وهو تحدي التنافس الحضاري، ولا بد لهذه الأمة أن تعمل لتنجح في التحديين معاً، هذا ما نأمله ونرجوه ونتطلع إليه.
9-2-2013