حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » أنا طالب علم، لدي خوف من أن أتكلم بغير علم.. ما الحل؟
ج »

وعليكم السلام

لا بد لطالب العلم في مساره العلمي أن يتسلح بأمرين أساسيين:
الأول: الاستنفار العلمي وبذل الجهد الكافي لمعرفة قواعد فهم النص واستكناه معناه ودلالاته بما يعينه على التفقه في الدين وتكوين الرأي على أسس صحيحة.
الثاني: التقوى العلمية ويُراد بها استحضار الله سبحانه وتعالى في النفس حذراً من الوقوع في فخ التقوّل على الله بغير علم. ومن الضروري أن يعيش مع نفسه حالة من المحاسبة الشديدة ومساءلة النفس من أن دافعه إلى تبني هذا الرأي أو ذاك: هل هو الهوى والرغبة الشخصية أم أن الدافع هو الوصول إلى الحقيقة ولو كانت على خلاف الهوى.
أعتقد أن طالب العلم إذا أحكم هذين الامرين فإنه سيكون موفقاً في مسيرته العلمية وفيما يختاره من آراء أو يتبناه من موقف.

 
س » كيف علمنا أن الصحيفة السجادية ناقصة؟ وهل ما وجده العلماء من الأدعية صحيح؟؟
ج »

أقول في الإجابة على سؤالكم:

أولاً: إن الصحيفة السجادية في الأصل تزيد على ما هو واصل إلينا وموجود بين أيدينا، قال المتوكل بن هارون كما جاء في مقدمة الصحيفة: " ثم أملى عليّ أبو عبد الله (ع) الأدعية، وهي خمسة وسبعون باباً، سقط عني منها أحد عشر باباً، وحفظت منها نيفاً وستين باباً"، بيد أن الموجود فعلاً في الصحيفة الواصلة إلينا هو أربعة وخمسون دعاء. آخرها دعاؤه في استكشاف الهموم، وهذا آخر دعاء شرحه السيد علي خان المدني في رياض السالكين، وكذا فعل غيره من الأعلام.

ثانياً: إن سقوط عدد من أدعية الصحيفة وضياعها دفع غير واحد من الأعلام للبحث والتتبع في محاولة لمعرفة ما هو الضائع منها، وبحدود اطلاعي فإنهم عثروا على أدعية كثيرة مروية عن الإمام زين العابدين (ع)، لكنهم لم يصلوا إلى نتائج تفيد أن ما عثروا عليه هو من الأدعية الناقصة منها، ولذا عنونوا مؤلفاتهم بعنوان مستدركات على الصحيفة، ولم يجزموا أن ما جمعوه من أدعية هو الضائع من أدعية الصحيفة. وهذا ما تقتضيه الضوابط العلمية والدينية، فما لم يعثر الإنسان على نسخة قديمة موثوقة أو قرائن مفيدة للوثوق بأن هذا الدعاء أو ذاك هو من جملة أدعية الصحيفة فلا يصح له إضافة بعض الأدعية على الصحيفة بعنوان كونها منها.

ثالثاً: لقد ابتُلينا بظاهرة خطيرة، وهي ظاهرة الإضافة على الصحيفة أو غيرها من كتب الأدعية، وهذا العمل هو خلاف الأمانة والتقوى، وقد ترتّب على ذلك الكثير من المفاسد، وأوجب ذلك وهماً للكثيرين، فتوهموا أن بعض الأدعية هي جزء من الصحيفة السجادية المشهورة، ومردّ ذلك بكل أسف إلى أن مجال الأدعية والزيارات شرعة لكل وارد، وتُرك لأصحاب المطابع والمطامع! وأعتقد أن هذا العبث في كتب الأدعية والزيارات ناشئ عن عدم عناية العلماء بالأمر بهذه الكتب كما ينبغي ويلزم، كما نبه عليه المحدث النوري في كتابه "اللؤلؤ والمرجان" مستغرباً صمت العلماء إزاء التلاعب والعبث بنصوص الأدعية والزيارات مما يعدّ جرأة عظيمة على الله تعالى ورسوله (ص)!

رابعاً: أما ما سألتم عنه حول مدى صحة الأدعية الواردة بعد دعاء استكشاف الهموم، فهذا أمر لا يسعنا إعطاء جواب حاسم وشامل فيه، بل لا بدّ أن يدرس كل دعاء على حدة، ليرى ما إذا كانت قرائن السند والمتن تبعث على الحكم بصحته أم لا. فإن المناجاة الخمس عشرة بنظرنا لم تصح وربما كانت من وضع الصوفية، وقد أوضحنا ذلك بشكل مفصل في كتاب الشيع والغلو.


 
س » ابني المراهق يعاني من التشتت، وأنا جدا قلق ولا اعرف التصرف معه، ما هي نصيحتكم؟
ج »

التشتت في الانتباه في سن المراهقة مع ما يرافقه من الصعوبات هو في حدود معينة أمر طبيعي وظاهرة تصيب الكثير من المراهقين ولا سيما في عصرنا هذا.

وعلينا التعامل مع هذه المرحلة بدقة متناهية من الاستيعاب والتفهم والإرشاد والتوجيه وتفهم سن المراهق، وأن هذه المرحلة تحتاج إلى أسلوب مختلف عما سبقها.

فالمراهق ينمو لديه الإحساس بالذات كثيرا حتى ليخيل إليه أنه لم يعد بحاجة إلى الاحتضان والرعاية من قِبل والديه.

وبالتالي علينا أن نتعامل معه بأسلوب المصادقة "صادقه سبعا.." والتنبه جيدا للمؤثرات التي تسهم في التأثير على شخصيته واستقامته وتدينه، ومن هذه المؤثرات: الأصدقاء ووسائل التواصل الاجتماعي، فإن نصيبها ودورها في التأثير على المراهق هو أشد وأعلى من دورنا.

وفي كل هذه المرحلة علينا أن نتحلى بالصبر والأناة والتحمل، وأن نبتدع أسلوب الحوار والموعظة الحسنة والتدرج في العمل التربوي والرسالي.

نسأل الله أن يوفقكم وأن يقر أعينكم بولدكم وأن يفتح له سبيل الهداية. والله الموفق.


 
س » اعاني من عدم الحضور في الصلاة، فهل أحصل على الثواب؟
ج »
 
لا شك أن العمل إذا كان مستجمعا للشرائط الفقهية، فهو مجزئٌ ومبرئٌ للذمة. أما الثواب فيحتاج إلى خلوص النية لله تعالى بمعنى أن لا يدخل الرياء ونحوه في نية المصلي والعبادة بشكل عام.
ولا ريب أنه كلما كان الإنسان يعيش حالة حضور وتوجه إلى الله كان ثوابه أعلى عند الله، لكن لا نستطيع نفي الثواب عن العمل لمجرد غياب هذا الحضور في بعض الحالات بسبب الظروف الضاغطة على الإنسان نفسيا واجتماعيا.
لكن على الإنسان أن يعالج مشكلة تشتت الذهن أثناء العمل العبادي وذلك من خلال السعي الجاد للتجرد والابتعاد عن كل الهواجس والمشكلات أثناء الإقبال على الصلاة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، باستحضار عظمة الله عز وجل في نفوسنا وأنه لا يليق بنا أن نواجهه بقلب لاهٍ وغافل. والله الموفق.

 
س » أنا إنسان فاشل، ولا أتوفق في شيء، وقد كتب عليّ بالخسارة، فما هو الحل؟
ج »

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أولاً: التوفيق في الحياة هو رهن أخذ الإنسان بالأسباب التي جعلها الله موصلة للنجاح، فعلى الإنسان أن يتحرك في حياته الشخصية والمهنية والاجتماعية وفق منطق الأسباب والسنن. على سبيل المثال: فالإنسان لن يصل إلى مبتغاه وهو جليس بيته وحبيس هواجسه، فإذا أراد الثروة فعليه أن يبحث عن أسباب الثروة وإذا أراد الصحة فعليه أن يأخذ بالنصائح الطبية اللازمة وإذا أراد حياة اجتماعية مستقرة عليه أن يسير وفق القوانين والضوابط الإسلامية في المجال الاجتماعي وهكذا.

ثانياً: لا بد للإنسان أن يعمل على رفع معوقات التوفيق، وأني أعتقد أن واحدة من تلك المعوقات هي سيطرة الشعور المتشائم على الإنسان بحيث يوهم نفسه بأنه إنسان فاشل وأنه لن يوفق وأنه لن تناله البركة الإلهية.

إن هذا الإحساس عندما يسيطر على الإنسان فإنه بالتأكيد يجعله إنسانا فاشلا ومحبطا ولن يوفق في حياته ولذلك نصيحتي لك أن تُبعد مثل هذا الوهم عن ذهنك وانطلق في الحياة فإن سبيل الحياة والتوفيق لا تعد ولا تحصى.


 
س » ما هو هدف طلب العلم الذي يجب أن يكون؟
ج »

عندما ينطلق المسلم في طلبه للعلم من مسؤوليته الشرعية الملقاة على عاتقه ومن موقع أنه خليفة الله على الأرض، فإن ذلك سوف يخلق عنده حافزاً كبيراً للجد في طلب العلم والوصول إلى أعلى المراتب. أما إذا انطلق في تحصيله من موقع المباهاة أو إثبات ذاته في المجتمع أو من موقع من يريد أن يزين اسمه بالشهادة الجامعية ليُقال له "الدكتور" وما إلى ذلك، فإنه - في الغالب - لن يصل إلى النتيجة المرجوة.

وعلى كل إنسان منا أن يعي أنّنا في هذه الحياة مسؤولون في أن نترك أثراً طيباً، وأن نقوم بواجباتنا قبل أن يطوينا الزمان، إننا مسؤولون عن عمرنا فيما أفنيناه وعن شبابنا فيما أبليناه، وسنُسأل يوم القيامة عن كل هذه الطاقات التي منّ اللهُ بها علينا.

وأضف إلى ذلك، إنه من الجدير بالمسلم، أن لا يفكر في نفسه وما يريحه هو فحسب في طلبه للعلم، بل أن يفكر أيضاً في أمته والنهوض بها ليكون مستقبلها زاهراً، وهذا كله يحتم عليه أن يكون سقف طموحاته عالياً ليتمكن هو وأقرانه من الطلاب والعلماء من ردم الفجوة بيننا وبين الغرب الذي سبقنا على أكثر من صعيد.

باختصار: إن مسؤوليتنا ورسالتنا وانتماءنا لهذه الأمة يفرض علينا أن نعيش حالة طوارئ ثقافية وعلمية.


 
س » ما رأيكم في الاختلاط المنتشر في عصرنا، وكيف نحاربه؟
ج »

إنّ الاختلاط قد أصبح سمة هذا العصر في كثير من الميادين، ومنها الجامعات والطرقات والساحات وكافة المرافق العامة.. والاختلاط في حد ذاته ليس محرماً ما لم يفضِ إلى تجاوز الحدود الشرعية في العلاقة بين الرجل والمرأة الأجنبيين؛ كما لو أدى إلى الخلوة المحرمة بالمرأة أو مصافحتها أو كان المجلس مشوباً بأجواء الإثارة الغرائزية أو غير ذلك مما حرمه الله تعالى.

وفي ظل هذا الواقع، فإنّ العمل على تحصين النفس أولى من الهروب أو الانزواء عن الآخرين بطريقة تشعرهم بأن المؤمنين يعيشون العُقد النفسية. إن على الشاب المسلم أن يثق بنفسه وأن يفرض حضوره ووقاره، وأن يبادر إلى إقناع الآخرين بمنطقه وحججه، وأن يبيّن لهم أن الانحراف والتبرج والفجور هو العمل السيّئ الذي ينبغي أن يخجل به الإنسان، وليس الإيمان ومظاهر التدين.

وأننا ندعو شبابنا عامة وطلاب الجامعات خاصة من الذكور والإناث إلى أن يتزينوا بالعفاف، وأن يحصنوا أنفسهم بالتقوى بما يصونهم من الوقوع في الحرام.


 
س » كيف يمكن التخلص من السلوكيات والعادات السيئة؟
ج »

إن التغلب على السلوكيات الخاطئة أو العادات السيئة – بشكل عام – يحتاج بعد التوكل على الله تعالى إلى:

أولاً: إرادة وتصميم، ولا يكفي مجرد الرغبة ولا مجرد النية وانما يحتاج بالإضافة إلى ذلك إلى العزم والمثابرة وحمل النفس على ترك ما اعتادته.

ثانياً: وضع برنامج عملي يمكّن الإنسان من الخروج من هذه العادة السيئة بشكل تدريجي؛ وأرجو التركيز على مسألة "التدرج" في الخروج من هذه العادات السيئة؛ لأن إدمان النفس على الشيء يجعل الخروج منه صعباً ويحتاج إلى قطع مراحل، وأما ما يقدم عليه البعض من السعي للخروج الفوري من هذه العادة، فهو - بحسب التجربة - سيُمنى في كثير من الأحيان بالفشل. والله الموفق


 
 
  محاضرات >> دينية
علي إمام الوحدويين
الشيخ حسين الخشن



 

في ذكرى استشهاد أمير المؤمنين (ع)، كيف نستعيده ونستحضره ونحن نعيش في أجواء الفتنة المذهبية المقيتة ؟ هل نستحضره إماما فئويا مذهبيا أم نستحضره إماما جامعا للمسلمين ؟ وكيف...ينظر علي (ع) إلى وحدة الأمة ما هي شرط الوحدة وأسسها ؟
 
إنّ المتأمل في فكر علي (ع) وكل سيرته ومسيرته لا يستطيع إلا أن ينحني إجلالا وتقديرا لهذا الإنسان الذي عاشت الرسالة في عقله وقلبه، وأفنى ذاته وعمره في سبيل حفظ وحدة الأمة وكيانها الجامع، فمنذ استفاق(ع) على مؤتمر السقيفة وما أسفر عنه من مبايعة الخليفة أبي بكر، ورغم أنّ ذلك راعه إلى حدّ الصدمة، لما فيه من تجاوز لحقه، ليس حقه في الخلافة وحسب طبقا لما يراه فريق من المسلمين ويقيمون عليه الدليل الواضح ، بل حقه – على الأقل - في أن يستشار في تقرير مصير الأمة التي كان لمواقفه الجهادية المختلفة في عهد رسول الله (ص) الدور التأسيسي في ارساء كيانها ورسم هويتها وشخصيتها وتأكيد عزتها وقوتها ، فمنذ تلك اللحظة فكّر علي (ع) في الاسلام قبل أن يفكر في ذاته، " فطفقت أرتأي بين أن أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى، فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجى "، ولذا لما جاءه من يقول له: ابسط يدك لأبايعك، وإن شئت لأملأنها عليهم خيلا ورجالا، أدرك (ع) خطورة الموقف وعلم أن استجابته لهذا العرض تعني شق عصا المسلمين فرفضه على الفور.

 

من الاعتكاف إلى المشاركة

 

ولكن ذلك لم يمنعه من أن يسجل موقفا أمام الله والتاريخ من خلال اعتكافه في بيته ورفضه المشاركة تعبيرا عن احتجاجه على ما جرى، إلا أن هذا الاعتكاف أو الموقف الاحتجاجي لم يدم طويلا، لأنّ التطورات الطارئة ونذر الردة التي لاحت في الآفاق جعلته يخرج من اعتكافه وأن يضع يده في يده سائر الصحابة متناسيا جراحه ومظلوميته ، وذلك لأنّ ثمة خطرا كبيرا وهو خطر الردات المتعاقبة يتهدد الكيان الاسلامي برمته ومن الممكن أن يقوضه على رؤوس الجميع، يقول (ع) : " فما راعني إلاّ انثيال الناس على فلان يبايعونه فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دين محمد، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به عليّ أعظم من فوت ولايتكم هذه التي هي إنما هي متاع أيام قلائل يزول منها ما كان، كما يزول السراب، أو كما ينقشع السحاب، فنهضت بالأمر حتى زاح الباطل وزهق، واطمأن الدين وتنهنه".

 

إن هذا النص المروي عنه (ع) ينبئنا بكل حروفه وكلماته أنّ الوحدة عند إمام الوحدويين وقدوتهم، ليست شعاراً يرفع في المناسبات وليست شعراً تزين به المجالس ولا مداهنة أو مصانعة ومجاملات شكلية حتى إذا حمى الوطيس عاد كل فريق إلى زنزانته المذهبية سالماً غانماً، كما أنّها ليست مجرد شعور نبيل أو نبضة قلب، الوحدة عند علي (ع) دين يدين الله به، ولذا فهو مستعد ليدافع عنها وأن يتنازل عن كل حقوقه في سبيل حمايتها، "لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلاّ عليّ خاصة"، ما أعظم هذه الكلمة وأبلغها ! ومن يفوه بها غير علي؟ ليس هماً أن يذهب حقي يقول علي(ع)، أو أن أفنى أو أموت، فالمهم أن يحيا الإسلام وأن يتوحد المسلمون.

 

إذن لا نبالغ بالقول إن عليا إمام الوحدويين ورائد الوحدة الإسلامية بحق.. إلا أنّ الذي يبعث على الذهول هو قدرتنا – كمسلمين - على مذهبة هذا الرمز الوحدوي وتحويله إلى مادة سجال وتصادم وعنصر اختلاف، وهذه أكبر جريمة وإساءة ترتكب بحق علي(ع)، عندما تقدمه مذهبياً، فـ علي (ع) فوق المذاهب بل هو إمام المذاهب والطوائف، كما أنه بفكره النير والحي عابر للأزمان، فالله الله في هذا العظيم، أخرجوه من دائرة العصبيات الضيقة، لأنه ملك الإنسانية وفخر التاريخ، كما يقول بولس سلامة :

 

هو فخر التاريخ لا فخر شعب يدعيه ويصطفيه ولياً
لا تقل شيعة هواة علي إنّ فـي كـل مـنـصـف شــيـعيـاً
جلجل الحق في المسيحي حتى عدّ من فرط حبـه علوياً
يا سماء اشهدي ويا أرض قري واخشعي إنني ذكرت علياً

 

حروبه لحفظ وحدة الأمة:

 

ثمّ إنّ حروب علي(ع) الداخلية لم تكن منافية لمنهجه التوحيدي، لا لأنها حروب فرضت نفسها عليه وحسب ، بل لأنه وجد أنّ ما يريده المارقون والناكثون والقاسطون هو ضرب وحدة الأمة وتقويض أمنها واستقرارها ، فحربه مع هؤلاء لم تكن حربا لأجل السلطة كيف والسلطة عنده لا تساوي شسع نعله ولا كانت بهدف تمزيق الأمة، بل كانت في حقيقة الأمر حربا تهدف إلى حفظ وحدة الأمة، ومنع تمزقها، فقد واجه(ع) حركات انفصالية تريد شق عصا الأمة والتمرد على السلطة الشرعية، "اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان ولا التماس شيء من فضول الحطام ولكن لنرد المعالم من دينك ونظهر الإصلاح في بلادك فيأمن المظلومون من عبادك وتقام المعطلة من حدودك "، وكم صبر (ع) على هؤلاء ودعاهم إلى الحوار معهم ولكنه اصروا على التمرد ، ونقضوا البيعة وخرجوا إلى البصرة أو غيرها ليؤلبوا أهلها عليه.

 

ركائز الوحدة عند علي (ع)

 

يرى الإمام علي(ع) أنّ ثمة سقفاً يظلل المسلمين بكل اختلافاتهم ويجمعهم بكل طوائفهم إنه سقف الإيمان بالله ورسوله، وتحت هذا السقف تتم معالجة كل الاختلافات والتباينات، "يروى أن يهودياً جاءه بعد وفاة رسول الله(ص) وقال له: ما دفنتم نبيكم حتى اختلفتم فيه! فقال(ع): "إنما اختلفنا عنه لا فيه" ولكنكم ما جفت أرجلكم من البحر حتى قلتم لنبيكم: إجعل لنا آلهة كما لهم آلهة، قال: إنكم قوماً تجهلون".، والوحدة عند أمير المؤمنين (ع) تقوم على ركيزتين أساسيتين وهما

 

1- مرجعية الكتاب والسنة وهي الركيزة الأولى في وحدة الأمة، وتحت هذا السقف تغدو كل الاختلافات مشروعة، والكتاب والسنة هما في الوقت عينه مرجعية حسم الخلافات بين الأفراد أو الجماعات المنضوية تحت لواء الإسلام، {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر}، وحول مرجعية السنة يقول الإمام في وصيته: "وصيتي إليكم: فالله فلا تشركوا به شيئاً ومحمدٌ فلا تضيعوا سنته، أقيموا هذين العمودين وأوقدوا هذين المصباحين وخلاكم ذم".

 

2- الأخوة الإيمانية، وهي الركيزة الثانية التي لا بد أن تحكم علاقات المسلمين الذين يؤمنون بالله ورسوله على اختلاف مذاهبهم وتنوعاتهم، يقول تعالى: {إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم}، والإمام علي(ع) بدوره يركز على هذا المبدأ ويعتبره المظلة الجامعة لكل الجماعات الاسلامية بما في ذلك الذين خالفوه وكفّروه - أعني الخوارج- ولهذا ظل(ع) يعاملهم معاملة المسلمين، ولما سئل ماذا نقول عنهم قال: "إخوان لنا بغوا علينا"، ما يعني أنّ الاختلاف المذهبي والسياسي لا يلغي الأخوة في الدين ، ولا يسقط حقوق الأخوة. 

 

أجل ثمة شرط واحد لقبول كل الجماعات والاعتراف بها وحماية حقها في الاختلاف ألا وهو شرط الالتزام بالنظام العام وحفظ الأمن الاجتماعي، فكل التنوعات مقبولة وكل الاختلافات مشروعة تحت سقف النظام العام وشريطة عدم التعبير عنها بطريقة تمس أمن الناس وتسيء إلى الإستقرار، لأن حفظ النظام العام هو من المقدسات في الاسلام، ولذلك نجد الإمام (ع) لم يحاسب الخوارج إلاّ عندما انتهكوا الأمن الاجتماعي للمواطنين، ففي عقيدة علي(ع) لا يفرق الحال أكنت معه أو ضده، المهم أن لا تسيء إلى الناس ولا تعتدي على أموالهم وأعراضهم، فالأمن العام خط أحمر، قال (ع) للخوارج: "كونوا حيث شئتم وبيننا وبينكم أن لا تسفكوا دماً حراماً ولا تقطعوا سبيلاً ولا تظلموا أحداً".

 

وقد كانت مسيرته (ع) مع الخوارج وغيرهم سنة تحتذى فقد عرف المسلمون كيف يتعاطون مع حركات التمرد الداخلي، وأعتقد أن تجربة علي(ع) تقدم صورة ناصعة عن كيفية تعامل الدولة الإسلامية مع المعارضة، فالمعارضة مشروعة ولها أن تعارض الحاكم حتى لو كان معصوماً كعلي (ع) ولا يحق له قمعها ما لم تخل بالنظام العام. 

 

3- والركيزة الثالثة المهمة على طريق الوحدة هي ركيزة تربوية، ونحن بأمس الحاجة إليها اليوم في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، لأننا نتقن تربية أبناءنا على أن يحقدوا على الآخر ونعلمهم بأنّ انتماءك لمذهبك لا يكتمل إلا بأن تبغض الآخر وتحقد عليه، لتغدو المذهبية رديفا للعصبية، والحال أن انتماءك لمذهب معين لا يبرر لك الانغلاق على الذات، فلتكن مؤمنا بمذهب معين تدين الله به لكن مذهبيتك لا يجوز أن تصادر إسلامك ولا إنسانيتك، فضلا عن أن تصادر إسلام الآخرين أو تعتدي على إنسانيتهم، ومن هنا فإن الوحدة الإسلامية تحتاج قبل كل شيء إلى عمل تربوي مضن لنعلّم المسلم أن يحب أخاه المسلم ولو اختلف معه في المذهب والفكر وقد وعى علي (ع) هذا الأمر مبكرا قال(ع): "أحصد الشر من صدر غيرك بقلعه من صدرك"، فلا يجوز لك أن تحمل الشر والحقد في نفسك لأحد من المسلمين حتى لو اختلفت معه، أو اختلف معك.

 

إن رسالة علي (ع) إلينا في ذكراه استشهاده كما في ذكرى ميلاده :كونوا الوحدويين الذين يفكرون في رسالة الإسلام أكثر مما يفكرون في كهوفكم الطائفية ، السلام عليكم يا أمير المؤمنين يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حيا .

 

 

(دروس رمضانية في مسجد الإمام الرضا (ع) في بيروت )
 

 

 






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon