حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » أنا طالب علم، لدي خوف من أن أتكلم بغير علم.. ما الحل؟
ج »

وعليكم السلام

لا بد لطالب العلم في مساره العلمي أن يتسلح بأمرين أساسيين:
الأول: الاستنفار العلمي وبذل الجهد الكافي لمعرفة قواعد فهم النص واستكناه معناه ودلالاته بما يعينه على التفقه في الدين وتكوين الرأي على أسس صحيحة.
الثاني: التقوى العلمية ويُراد بها استحضار الله سبحانه وتعالى في النفس حذراً من الوقوع في فخ التقوّل على الله بغير علم. ومن الضروري أن يعيش مع نفسه حالة من المحاسبة الشديدة ومساءلة النفس من أن دافعه إلى تبني هذا الرأي أو ذاك: هل هو الهوى والرغبة الشخصية أم أن الدافع هو الوصول إلى الحقيقة ولو كانت على خلاف الهوى.
أعتقد أن طالب العلم إذا أحكم هذين الامرين فإنه سيكون موفقاً في مسيرته العلمية وفيما يختاره من آراء أو يتبناه من موقف.

 
س » كيف علمنا أن الصحيفة السجادية ناقصة؟ وهل ما وجده العلماء من الأدعية صحيح؟؟
ج »

أقول في الإجابة على سؤالكم:

أولاً: إن الصحيفة السجادية في الأصل تزيد على ما هو واصل إلينا وموجود بين أيدينا، قال المتوكل بن هارون كما جاء في مقدمة الصحيفة: " ثم أملى عليّ أبو عبد الله (ع) الأدعية، وهي خمسة وسبعون باباً، سقط عني منها أحد عشر باباً، وحفظت منها نيفاً وستين باباً"، بيد أن الموجود فعلاً في الصحيفة الواصلة إلينا هو أربعة وخمسون دعاء. آخرها دعاؤه في استكشاف الهموم، وهذا آخر دعاء شرحه السيد علي خان المدني في رياض السالكين، وكذا فعل غيره من الأعلام.

ثانياً: إن سقوط عدد من أدعية الصحيفة وضياعها دفع غير واحد من الأعلام للبحث والتتبع في محاولة لمعرفة ما هو الضائع منها، وبحدود اطلاعي فإنهم عثروا على أدعية كثيرة مروية عن الإمام زين العابدين (ع)، لكنهم لم يصلوا إلى نتائج تفيد أن ما عثروا عليه هو من الأدعية الناقصة منها، ولذا عنونوا مؤلفاتهم بعنوان مستدركات على الصحيفة، ولم يجزموا أن ما جمعوه من أدعية هو الضائع من أدعية الصحيفة. وهذا ما تقتضيه الضوابط العلمية والدينية، فما لم يعثر الإنسان على نسخة قديمة موثوقة أو قرائن مفيدة للوثوق بأن هذا الدعاء أو ذاك هو من جملة أدعية الصحيفة فلا يصح له إضافة بعض الأدعية على الصحيفة بعنوان كونها منها.

ثالثاً: لقد ابتُلينا بظاهرة خطيرة، وهي ظاهرة الإضافة على الصحيفة أو غيرها من كتب الأدعية، وهذا العمل هو خلاف الأمانة والتقوى، وقد ترتّب على ذلك الكثير من المفاسد، وأوجب ذلك وهماً للكثيرين، فتوهموا أن بعض الأدعية هي جزء من الصحيفة السجادية المشهورة، ومردّ ذلك بكل أسف إلى أن مجال الأدعية والزيارات شرعة لكل وارد، وتُرك لأصحاب المطابع والمطامع! وأعتقد أن هذا العبث في كتب الأدعية والزيارات ناشئ عن عدم عناية العلماء بالأمر بهذه الكتب كما ينبغي ويلزم، كما نبه عليه المحدث النوري في كتابه "اللؤلؤ والمرجان" مستغرباً صمت العلماء إزاء التلاعب والعبث بنصوص الأدعية والزيارات مما يعدّ جرأة عظيمة على الله تعالى ورسوله (ص)!

رابعاً: أما ما سألتم عنه حول مدى صحة الأدعية الواردة بعد دعاء استكشاف الهموم، فهذا أمر لا يسعنا إعطاء جواب حاسم وشامل فيه، بل لا بدّ أن يدرس كل دعاء على حدة، ليرى ما إذا كانت قرائن السند والمتن تبعث على الحكم بصحته أم لا. فإن المناجاة الخمس عشرة بنظرنا لم تصح وربما كانت من وضع الصوفية، وقد أوضحنا ذلك بشكل مفصل في كتاب الشيع والغلو.


 
س » ابني المراهق يعاني من التشتت، وأنا جدا قلق ولا اعرف التصرف معه، ما هي نصيحتكم؟
ج »

التشتت في الانتباه في سن المراهقة مع ما يرافقه من الصعوبات هو في حدود معينة أمر طبيعي وظاهرة تصيب الكثير من المراهقين ولا سيما في عصرنا هذا.

وعلينا التعامل مع هذه المرحلة بدقة متناهية من الاستيعاب والتفهم والإرشاد والتوجيه وتفهم سن المراهق، وأن هذه المرحلة تحتاج إلى أسلوب مختلف عما سبقها.

فالمراهق ينمو لديه الإحساس بالذات كثيرا حتى ليخيل إليه أنه لم يعد بحاجة إلى الاحتضان والرعاية من قِبل والديه.

وبالتالي علينا أن نتعامل معه بأسلوب المصادقة "صادقه سبعا.." والتنبه جيدا للمؤثرات التي تسهم في التأثير على شخصيته واستقامته وتدينه، ومن هذه المؤثرات: الأصدقاء ووسائل التواصل الاجتماعي، فإن نصيبها ودورها في التأثير على المراهق هو أشد وأعلى من دورنا.

وفي كل هذه المرحلة علينا أن نتحلى بالصبر والأناة والتحمل، وأن نبتدع أسلوب الحوار والموعظة الحسنة والتدرج في العمل التربوي والرسالي.

نسأل الله أن يوفقكم وأن يقر أعينكم بولدكم وأن يفتح له سبيل الهداية. والله الموفق.


 
س » اعاني من عدم الحضور في الصلاة، فهل أحصل على الثواب؟
ج »
 
لا شك أن العمل إذا كان مستجمعا للشرائط الفقهية، فهو مجزئٌ ومبرئٌ للذمة. أما الثواب فيحتاج إلى خلوص النية لله تعالى بمعنى أن لا يدخل الرياء ونحوه في نية المصلي والعبادة بشكل عام.
ولا ريب أنه كلما كان الإنسان يعيش حالة حضور وتوجه إلى الله كان ثوابه أعلى عند الله، لكن لا نستطيع نفي الثواب عن العمل لمجرد غياب هذا الحضور في بعض الحالات بسبب الظروف الضاغطة على الإنسان نفسيا واجتماعيا.
لكن على الإنسان أن يعالج مشكلة تشتت الذهن أثناء العمل العبادي وذلك من خلال السعي الجاد للتجرد والابتعاد عن كل الهواجس والمشكلات أثناء الإقبال على الصلاة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، باستحضار عظمة الله عز وجل في نفوسنا وأنه لا يليق بنا أن نواجهه بقلب لاهٍ وغافل. والله الموفق.

 
س » أنا إنسان فاشل، ولا أتوفق في شيء، وقد كتب عليّ بالخسارة، فما هو الحل؟
ج »

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أولاً: التوفيق في الحياة هو رهن أخذ الإنسان بالأسباب التي جعلها الله موصلة للنجاح، فعلى الإنسان أن يتحرك في حياته الشخصية والمهنية والاجتماعية وفق منطق الأسباب والسنن. على سبيل المثال: فالإنسان لن يصل إلى مبتغاه وهو جليس بيته وحبيس هواجسه، فإذا أراد الثروة فعليه أن يبحث عن أسباب الثروة وإذا أراد الصحة فعليه أن يأخذ بالنصائح الطبية اللازمة وإذا أراد حياة اجتماعية مستقرة عليه أن يسير وفق القوانين والضوابط الإسلامية في المجال الاجتماعي وهكذا.

ثانياً: لا بد للإنسان أن يعمل على رفع معوقات التوفيق، وأني أعتقد أن واحدة من تلك المعوقات هي سيطرة الشعور المتشائم على الإنسان بحيث يوهم نفسه بأنه إنسان فاشل وأنه لن يوفق وأنه لن تناله البركة الإلهية.

إن هذا الإحساس عندما يسيطر على الإنسان فإنه بالتأكيد يجعله إنسانا فاشلا ومحبطا ولن يوفق في حياته ولذلك نصيحتي لك أن تُبعد مثل هذا الوهم عن ذهنك وانطلق في الحياة فإن سبيل الحياة والتوفيق لا تعد ولا تحصى.


 
س » ما هو هدف طلب العلم الذي يجب أن يكون؟
ج »

عندما ينطلق المسلم في طلبه للعلم من مسؤوليته الشرعية الملقاة على عاتقه ومن موقع أنه خليفة الله على الأرض، فإن ذلك سوف يخلق عنده حافزاً كبيراً للجد في طلب العلم والوصول إلى أعلى المراتب. أما إذا انطلق في تحصيله من موقع المباهاة أو إثبات ذاته في المجتمع أو من موقع من يريد أن يزين اسمه بالشهادة الجامعية ليُقال له "الدكتور" وما إلى ذلك، فإنه - في الغالب - لن يصل إلى النتيجة المرجوة.

وعلى كل إنسان منا أن يعي أنّنا في هذه الحياة مسؤولون في أن نترك أثراً طيباً، وأن نقوم بواجباتنا قبل أن يطوينا الزمان، إننا مسؤولون عن عمرنا فيما أفنيناه وعن شبابنا فيما أبليناه، وسنُسأل يوم القيامة عن كل هذه الطاقات التي منّ اللهُ بها علينا.

وأضف إلى ذلك، إنه من الجدير بالمسلم، أن لا يفكر في نفسه وما يريحه هو فحسب في طلبه للعلم، بل أن يفكر أيضاً في أمته والنهوض بها ليكون مستقبلها زاهراً، وهذا كله يحتم عليه أن يكون سقف طموحاته عالياً ليتمكن هو وأقرانه من الطلاب والعلماء من ردم الفجوة بيننا وبين الغرب الذي سبقنا على أكثر من صعيد.

باختصار: إن مسؤوليتنا ورسالتنا وانتماءنا لهذه الأمة يفرض علينا أن نعيش حالة طوارئ ثقافية وعلمية.


 
س » ما رأيكم في الاختلاط المنتشر في عصرنا، وكيف نحاربه؟
ج »

إنّ الاختلاط قد أصبح سمة هذا العصر في كثير من الميادين، ومنها الجامعات والطرقات والساحات وكافة المرافق العامة.. والاختلاط في حد ذاته ليس محرماً ما لم يفضِ إلى تجاوز الحدود الشرعية في العلاقة بين الرجل والمرأة الأجنبيين؛ كما لو أدى إلى الخلوة المحرمة بالمرأة أو مصافحتها أو كان المجلس مشوباً بأجواء الإثارة الغرائزية أو غير ذلك مما حرمه الله تعالى.

وفي ظل هذا الواقع، فإنّ العمل على تحصين النفس أولى من الهروب أو الانزواء عن الآخرين بطريقة تشعرهم بأن المؤمنين يعيشون العُقد النفسية. إن على الشاب المسلم أن يثق بنفسه وأن يفرض حضوره ووقاره، وأن يبادر إلى إقناع الآخرين بمنطقه وحججه، وأن يبيّن لهم أن الانحراف والتبرج والفجور هو العمل السيّئ الذي ينبغي أن يخجل به الإنسان، وليس الإيمان ومظاهر التدين.

وأننا ندعو شبابنا عامة وطلاب الجامعات خاصة من الذكور والإناث إلى أن يتزينوا بالعفاف، وأن يحصنوا أنفسهم بالتقوى بما يصونهم من الوقوع في الحرام.


 
س » كيف يمكن التخلص من السلوكيات والعادات السيئة؟
ج »

إن التغلب على السلوكيات الخاطئة أو العادات السيئة – بشكل عام – يحتاج بعد التوكل على الله تعالى إلى:

أولاً: إرادة وتصميم، ولا يكفي مجرد الرغبة ولا مجرد النية وانما يحتاج بالإضافة إلى ذلك إلى العزم والمثابرة وحمل النفس على ترك ما اعتادته.

ثانياً: وضع برنامج عملي يمكّن الإنسان من الخروج من هذه العادة السيئة بشكل تدريجي؛ وأرجو التركيز على مسألة "التدرج" في الخروج من هذه العادات السيئة؛ لأن إدمان النفس على الشيء يجعل الخروج منه صعباً ويحتاج إلى قطع مراحل، وأما ما يقدم عليه البعض من السعي للخروج الفوري من هذه العادة، فهو - بحسب التجربة - سيُمنى في كثير من الأحيان بالفشل. والله الموفق


 
 
  محاضرات >> دينية
أسئلة من وحي ذكرى المولد النبوي الشريف
الشيخ حسين الخشن



 

في الحديث عن رسول الله (ص):" أربعةٌ قُوامُ الدين: عالم مستعمل لعلمه، وجاهل لا يستنكف أن يتعلم، وجواد لا يَمُنُّ بمعروف، وفقير لا يبيع آخرته بدنياه".

 
من وحي الإساءات المتكررة التي يتعرض لها النبي الأكرم (ص) وجدت أنّ من الضروري أن أطرح أمامكم أيها الطلاب الأعزاء وأنتم إنشاء الله علماء المستقبل بعض الأسئلة لنفكّر سويا في الإجابة عليها، وهي أسئلة ينبغي أن تؤرقنا على الدوام، وإليكم بعض هذه الأسئلة:
 
كيف لنا أن نُدخل رسول الله (ص) إلى العالم باعتباره المنقذ والمخلص؟
 
ما هي الموانع التي تحول دون أن يأخذ الإسلام مكانته اللائقة في العالم؟
 
لماذا تبدو صورة النبي (ص) مشوهة عند مئات الملايين من بني الإنسان؟ هل العيب فيهم أم فينا أم في مكان آخر؟
 
ما هو السبيل ليأخذ رسول الله (ص) مكانته الئقيّة في العالم ويأخذ الإسلام موقعيته المناسبة على صعيد الرؤى والأفكار الإنقاذية التغييرية؟
 
فكرة المؤامرة
 
في الإجابة على هذه الأسئلة أعتقد أنّه ليس هناك أسهل من أن نرمي الكرة في ملعب الآخرين، لنتحدث عن فكرة المؤامرة التي تستهدف ديننا ونبينا ومقدساتنا.
 
ولكن مثل هذه الإجابة لا أعتقد أنها صائبة، لا لأنّ الآخر بريء ولا يقوم باستخدام شتى الأساليب غير النظيفة بغية تحطيم صورة الإسلام وتشويه صورة النبي (ص)، بل لأنّ ذلك لا يمثّل كل الحقيقة، فإذا كان الآخر يسعى لتشويه صورة الإسلام وصورة نبيّنا (ص)، فماذا فعلنا نحن على صعيد أن نقدِّم الرسول (ص) إلى العالم بصورته الحقيقية الناصعة ؟! 
 
أخشى أننا بمثل هذه الإجابة نحاول الهرب إلى الأمام ونبرر تقاعسنا وفشلنا وتقصيرنا عندما نرمي بالمسؤلية على الآخرين. 
 
إذاً أين تكمن المشكلة؟
 
الموانع والمعوّقات
 
في البدء علينا أن نرصد المعوقات التي تحول دون وصول الصورة الواقعية لرسول الله (ص) إلى ملايين بل مليارات من بني الإنسان في عالمنا اليوم؟
 
1- واقع المسلمين
 
والذي أعتقده أنّ أحد أهم هذه المعوقات هو واقع الأمة الإسلامية المتردي، والذي تفتك به كل العصبيات، وتنتشر في ربوعه حركات التكفير والقتل وسفك الدم باسم رسول الله (ص)، ولا أبالغ بالقول: إنّ هذا الواقع ينتمي إلى الجاهلية بأبشع صورها.
 
إنّ الإنسان الآخر غير المسلم ولا سيما الغربي يأخذ صورة رسولنا (ص) وديننا من خلال واقعنا، هو ليس مستعداً أن يقرأ تاريخنا وتراثنا ليكوّن صورة حقيقية عن الرسول (ص)، وفكرة "الحمد لله الذي تعرفت على الإسلام قبل أن أتعرف على المسلمين" هي فكرة مثالية إلى حدّ التجريد، والفكرة الواقية هي أنّ الإنسان يأخذ انطباعه عن المدارس الفكرية من خلال سلوك أتباعها، وهذا ما جعل النبي (ص) والأئمة (ع) يؤكدون على ضرورة أن يكون المسلم داعياً إلى الإسلام بسلوكه وأخلاقه وتعامله الحسن، لأنّ " الدين المعاملة"..
 
إنّ واقعنا يعكس صورتنا أكثر مما تعكسه نصوصنا المقدسة وتجربتنا التاريخية، فإذا أردنا تغيير صورتنا عند الآخر، مقدمة لتقريب الآخر نحو مشروعنا الفكري ورسالتنا التغييرية، فعبثاً نحاول – إن لم نغيّر واقعنا – إقناع الآخر بأنّ الإسلام دين الحياة وأنه هو الذي يؤمّن السعادة الدنيوية والآخروية للبشريّة، والحال أنّ مجتمعاتنا الإسلامية لا تعرف طعم السعادة على المستوى الأمني والسياسي والاقتصادي والروحي .. إنّ الآخر سيقول لك: إذا كان دينكم حقا هو دين السعادة، فأين هي سعادة المسلم وهو يترك بلاده ويأتي إلى الغرب يفتش عن سعادته وسعادة أسرته؟! 
 
وإذا كان واقعنا المتردي هو أحد مناشئ هذه الصورة الخاطئة عن ديننا ورسولنا (ص) فلك أن تسأل: ما سرّ تردي واقعنا؟ 
 
وهذا السؤال قد شغل عقول المفكرين الإسلاميين منذ عقود طويلة، فتحدّث من تحدّث عن الاستعمار ودوره في تخلف الأمة، وتحدّث من تحدّث عن الاستبداد ودوره في قمع الشعوب وسحق إرادتها، وذهب البعض بعيداً إلى حد القول: إن الدين الإسلامي هو السبب في كل هذا الواقع، ولذا دعوا إلى التحرر من الدين.
 
ولا أخالني في تقييم هذه الآراء أنكر دور الاستكبار أو الاستعمار في محاولة إضعاف المسلمين وتشويه صورتهم، ولكن لا يسعني أيضاً إلاّ أن أردد ما قاله مالك ابن نبي : إنه لو لم يكن فينا قابلية الاستعمار لما استعمرنا، ولو لم تكن لدينا أرضية صالحة ينفذ منها المستكبرون لما استطاعوا أن يفعلوا شيئاً.
 
وهكذا لا أخالني أنكر دور الاستبداد أو الحاكم الظالم الرابض على صدور معظم شعوبنا منذ أمد طويل، ولكن لا يمكنني أن أرى أنّ الاستبداد هو الداء الوحيد أو أنه أساس المشكلة، لأنّ لا ينبغي أن يذهب عن بالنا أنّ ثمّة ثقافة أنتجت الاستبداد ومكّنت له، وقد ورد في الحديث الشريف: "كما تكونون يولى عليكم".
 
وكذلك لا يسعني الموافقة على أنّ الدين نفسه هو داؤنا وسر تخلفنا، وكيف يكون الإسلام هو سبب تخلفنا مع أن الحقيقة تقول: إنّه وببركة هذا الدين قد أصبحنا أمة لها حضورها بين الأمم، بعد أن كنّا قبائل متناحرة.
 
2- فهم الدين: 
 
أجل إنّ فهمنا لوظيفة الدين قد تكون سبباً أساسيا في هذا التردي لأمتنا ولحالنا، فهذا الدين الذي تلقيناه عبر نُصوص خاصة وتراث غني، لم يبق على نقائه، بل اختلط فيه الغث بالسمين، حتى غدا أدياناً متعددة، فلكل جماعة دينها وتدينها الخاص.
 
ولهذا لن نتوانى عن القول: بإنّ المدخل لإصلاح كل واقعنا هذا والخروج من مأزقنا الحضاري يتمثّل في العمل الجاد على تجديد فهمنا للدين، وليس الانعتاق منه، إنّ الإسلام يملك من الغنى الفكري والروحي ما يجعله الدين الأول عالمياً، وما يجعله الأقرب إلى قلوب الناس جميعا وعقولهم وملامسة مشاكلهم وهمومهم وتقديم الحلول لكل مشكلاتهم، شريطة أن نحسن فهمه أولا، ونحسن تقديمه للناس ثانياً، لأنّه لا يكفي أن تملك جوهراً ثميناً لتنتفع به أنت، أو ينتفع الناس به ويقدمون على اقتنائه أو شرائه منك، بل لا بدّ أن نتقن فنّ تقديمه إلى الناس، ومن هنا تأتي أهميّة الخطاب الإسلامي وضرورة تجديده وانتمائه إلى العصر، وقد ورد في الحديث عن إمامنا الرضا (ع): " لو أن الناس استمعوا إلى محاسن كلامنا لاتبعونا" ( عيون أخبار الرضا (ع) ج2 ص275) 
والذي أعتقده أن هاتين المهمتين الخطيرتين وهما: مهمة تجديد فهم الديني، وتجديد الخطاب الديني: هما من مسؤليتنا نحن في الحوزة العلميّة قبل غيرنا، وتقعان على عاتقنا.
 
الرسول نموذجاً
 
ولو عدنا إلى رسول الله (ص) باعتباره صاحب الرسالة التي نفخر بالانتماء إليها وتساءلنا في ضوء المهمتين المتقدمتين: ما هو فهمنا عن رسول لله (ص)؟ وما هي العناصر المكوّنة لشخصيّته ولرسالته؟ وكيف نستطيع أن نقدّمه رسولاً عالمياً ونقنع إنسان اليوم بالانخراط في دينه إذا ظل الطابع العام لدينه – كما يقدمه خطاب بعضنا - هو أنّه رسالة السيف والقتل، بذريعة أنه (ص) قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله.." وأنه قال: "لقد جئتكم بالذبح" ؟! وهل يمكن بالقتال والسيف أن نقنع الناس بالدخول في الإسلام؟ ومتى كان بإمكان السيف أن ينتصر على الفكر أو يقنع الآخر بما لا يملكه من عناصر القناعة، وقد أشار الله عز وجل إلى هذه الحقيقة في قوله: {لا إكراه في الدين}؟! 
 
وعلينا أن نسأل أنفسنا أيضا: هل أنّ الأصل الإسلامي في التعامل مع الآخر هو السيف والقتل أم السلم والحوار؟ وبعبارة أخرى: هل الأصل في العلاقات الدولية والإنسانية هو السلم أم الحرب؟ وهل الكافر يقاتل لكفره أم لحرابته وعدوانيته؟
 
وعلينا أن نطل على جانب آخر تتم الإساءة إلى نبينا (ص) من خلاله، وهو موضوع المرأة، لنسأل: ما هي نظرة النبي (ص) للمرأة وهي نصف المجتمع؟ ما هو موقعها الاجتماعي؟ ما هو دورها في الحياة؟
 
هل هي مجرد مخلوق خلق ليؤمّن متعة الرجل، أم أنّها إنسان تتمتع بكامل حقوق الإنسانية؟ وإذا كان الأمر كذلك فما الذي يمنعها من تولي مهمة الافتاء؟ ولم لا يجوز لها أن تتولى السلطتين التنفيذية
والقضائية؟ ولم تعاني كثيراً في سبيل التخلص من العلقة الزوجية إذا وصلت هذه العلاقة إلى طريق مسدود؟ إلى غير ذلك من الأسئلة التي تطرح بشأن المرأة ..
 
إنّ العالم اليوم وإن أساء إلى المرأة على أكثر من صعيد، لكنه وصل إلى مرحلة متقدمة على صعيد إعطائها حقوقها، ولكن بعض الاتجاهات الاسلامية لا زالت تتحدث عن شرعيّة قيادة المرأة للسيارة؟!
وعن حقها في العمل ! 
ثم ما هي علاقة رسول الله (ص) - شخصياً - بالمرأة ؟ هل صحيح أنّه تزوج في العقد السادس من عمره بامرأة في التاسعة من عمرها؟
 
هذه الأسئلة وغيرها علينا أن نطرحها لا من موقع العقدة من أحد، بل من موقع مسؤليتنا الشرعية التي يفرضها علينا انتماؤنا لهذا الرسول الكريم؟ وإن الكثير من شباب المسلمين أخذوا يطرحون هذه الأسئلة وغيرها فبماذا نجيبهم؟
 
تلك بعض الأسئلة قدمتها بخدمتكم لنعمل على التأمل فيها وندرسها، حتى لا تكون سبباً في ضعف الإسلام في نفوس أبنائه قبل نفوس الآخرين، وحتى لا تشكل عائقاً أمام انتشار الإسلام.
 
إنسان العصر
 
وبعد ذلك كله، فإنّ من واجبنا أن نرصد إنسان هذا العصر، ونتعرف على همومه ومشاكله، وكيف يفكر؟ وبماذا يتأثر؟ وما هو الأسلوب الأجدى للوصول إلى عقله وقلبه؟ كل ذلك بهدف أن نحسن مخاطبته وتقديم الإسلام إليه، فنحن في أحيان كثيرة ننشغل بأبحاث عقيمة، وبعضنا يغرق في قضايا جزئية وهامشية وقد ينطبق عليها عنوان "هذا علم لا ينفع من علمه ولا يضر من جهله" كما يقول النبي (ص) فيما روي عنه، من قبيل: الانشغال في الكتابة أو الحديث عن طهارة دم المعصوم أو بوله؟! 
 
هل إنّ ما يحتاجه إنسان اليوم هو أن نثبت له إذا ما كان للنبي ولاية تكوينية؟ أو نثبت له طهارة دم النبي (ص)؟ أو أنّ ما يحتاجه إنسان اليوم - شاباً أو كهلاً ، رجلا أو امرأة - هو أخلاق الرسول محمد (ص)، وروحانيته وفكره .. وهو فكر الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ؟
 
 

 

كلمة في طلاب المعهد الشرعي الإسلامي في بيروت في ذكرى المولد الشريف (ص)
 
1434ه
 





اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon