أسئلة من وحي ذكرى المولد النبوي الشريف
الشيخ حسين الخشن
في الحديث عن رسول الله (ص):" أربعةٌ قُوامُ الدين: عالم مستعمل لعلمه، وجاهل لا يستنكف أن يتعلم، وجواد لا يَمُنُّ بمعروف، وفقير لا يبيع آخرته بدنياه".
من وحي الإساءات المتكررة التي يتعرض لها النبي الأكرم (ص) وجدت أنّ من الضروري أن أطرح أمامكم أيها الطلاب الأعزاء وأنتم إنشاء الله علماء المستقبل بعض الأسئلة لنفكّر سويا في الإجابة عليها، وهي أسئلة ينبغي أن تؤرقنا على الدوام، وإليكم بعض هذه الأسئلة:
كيف لنا أن نُدخل رسول الله (ص) إلى العالم باعتباره المنقذ والمخلص؟
ما هي الموانع التي تحول دون أن يأخذ الإسلام مكانته اللائقة في العالم؟
لماذا تبدو صورة النبي (ص) مشوهة عند مئات الملايين من بني الإنسان؟ هل العيب فيهم أم فينا أم في مكان آخر؟
ما هو السبيل ليأخذ رسول الله (ص) مكانته الئقيّة في العالم ويأخذ الإسلام موقعيته المناسبة على صعيد الرؤى والأفكار الإنقاذية التغييرية؟
فكرة المؤامرة
في الإجابة على هذه الأسئلة أعتقد أنّه ليس هناك أسهل من أن نرمي الكرة في ملعب الآخرين، لنتحدث عن فكرة المؤامرة التي تستهدف ديننا ونبينا ومقدساتنا.
ولكن مثل هذه الإجابة لا أعتقد أنها صائبة، لا لأنّ الآخر بريء ولا يقوم باستخدام شتى الأساليب غير النظيفة بغية تحطيم صورة الإسلام وتشويه صورة النبي (ص)، بل لأنّ ذلك لا يمثّل كل الحقيقة، فإذا كان الآخر يسعى لتشويه صورة الإسلام وصورة نبيّنا (ص)، فماذا فعلنا نحن على صعيد أن نقدِّم الرسول (ص) إلى العالم بصورته الحقيقية الناصعة ؟!
أخشى أننا بمثل هذه الإجابة نحاول الهرب إلى الأمام ونبرر تقاعسنا وفشلنا وتقصيرنا عندما نرمي بالمسؤلية على الآخرين.
إذاً أين تكمن المشكلة؟
الموانع والمعوّقات
في البدء علينا أن نرصد المعوقات التي تحول دون وصول الصورة الواقعية لرسول الله (ص) إلى ملايين بل مليارات من بني الإنسان في عالمنا اليوم؟
1- واقع المسلمين
والذي أعتقده أنّ أحد أهم هذه المعوقات هو واقع الأمة الإسلامية المتردي، والذي تفتك به كل العصبيات، وتنتشر في ربوعه حركات التكفير والقتل وسفك الدم باسم رسول الله (ص)، ولا أبالغ بالقول: إنّ هذا الواقع ينتمي إلى الجاهلية بأبشع صورها.
إنّ الإنسان الآخر غير المسلم ولا سيما الغربي يأخذ صورة رسولنا (ص) وديننا من خلال واقعنا، هو ليس مستعداً أن يقرأ تاريخنا وتراثنا ليكوّن صورة حقيقية عن الرسول (ص)، وفكرة "الحمد لله الذي تعرفت على الإسلام قبل أن أتعرف على المسلمين" هي فكرة مثالية إلى حدّ التجريد، والفكرة الواقية هي أنّ الإنسان يأخذ انطباعه عن المدارس الفكرية من خلال سلوك أتباعها، وهذا ما جعل النبي (ص) والأئمة (ع) يؤكدون على ضرورة أن يكون المسلم داعياً إلى الإسلام بسلوكه وأخلاقه وتعامله الحسن، لأنّ " الدين المعاملة"..
إنّ واقعنا يعكس صورتنا أكثر مما تعكسه نصوصنا المقدسة وتجربتنا التاريخية، فإذا أردنا تغيير صورتنا عند الآخر، مقدمة لتقريب الآخر نحو مشروعنا الفكري ورسالتنا التغييرية، فعبثاً نحاول – إن لم نغيّر واقعنا – إقناع الآخر بأنّ الإسلام دين الحياة وأنه هو الذي يؤمّن السعادة الدنيوية والآخروية للبشريّة، والحال أنّ مجتمعاتنا الإسلامية لا تعرف طعم السعادة على المستوى الأمني والسياسي والاقتصادي والروحي .. إنّ الآخر سيقول لك: إذا كان دينكم حقا هو دين السعادة، فأين هي سعادة المسلم وهو يترك بلاده ويأتي إلى الغرب يفتش عن سعادته وسعادة أسرته؟!
وإذا كان واقعنا المتردي هو أحد مناشئ هذه الصورة الخاطئة عن ديننا ورسولنا (ص) فلك أن تسأل: ما سرّ تردي واقعنا؟
وهذا السؤال قد شغل عقول المفكرين الإسلاميين منذ عقود طويلة، فتحدّث من تحدّث عن الاستعمار ودوره في تخلف الأمة، وتحدّث من تحدّث عن الاستبداد ودوره في قمع الشعوب وسحق إرادتها، وذهب البعض بعيداً إلى حد القول: إن الدين الإسلامي هو السبب في كل هذا الواقع، ولذا دعوا إلى التحرر من الدين.
ولا أخالني في تقييم هذه الآراء أنكر دور الاستكبار أو الاستعمار في محاولة إضعاف المسلمين وتشويه صورتهم، ولكن لا يسعني أيضاً إلاّ أن أردد ما قاله مالك ابن نبي : إنه لو لم يكن فينا قابلية الاستعمار لما استعمرنا، ولو لم تكن لدينا أرضية صالحة ينفذ منها المستكبرون لما استطاعوا أن يفعلوا شيئاً.
وهكذا لا أخالني أنكر دور الاستبداد أو الحاكم الظالم الرابض على صدور معظم شعوبنا منذ أمد طويل، ولكن لا يمكنني أن أرى أنّ الاستبداد هو الداء الوحيد أو أنه أساس المشكلة، لأنّ لا ينبغي أن يذهب عن بالنا أنّ ثمّة ثقافة أنتجت الاستبداد ومكّنت له، وقد ورد في الحديث الشريف: "كما تكونون يولى عليكم".
وكذلك لا يسعني الموافقة على أنّ الدين نفسه هو داؤنا وسر تخلفنا، وكيف يكون الإسلام هو سبب تخلفنا مع أن الحقيقة تقول: إنّه وببركة هذا الدين قد أصبحنا أمة لها حضورها بين الأمم، بعد أن كنّا قبائل متناحرة.
2- فهم الدين:
أجل إنّ فهمنا لوظيفة الدين قد تكون سبباً أساسيا في هذا التردي لأمتنا ولحالنا، فهذا الدين الذي تلقيناه عبر نُصوص خاصة وتراث غني، لم يبق على نقائه، بل اختلط فيه الغث بالسمين، حتى غدا أدياناً متعددة، فلكل جماعة دينها وتدينها الخاص.
ولهذا لن نتوانى عن القول: بإنّ المدخل لإصلاح كل واقعنا هذا والخروج من مأزقنا الحضاري يتمثّل في العمل الجاد على تجديد فهمنا للدين، وليس الانعتاق منه، إنّ الإسلام يملك من الغنى الفكري والروحي ما يجعله الدين الأول عالمياً، وما يجعله الأقرب إلى قلوب الناس جميعا وعقولهم وملامسة مشاكلهم وهمومهم وتقديم الحلول لكل مشكلاتهم، شريطة أن نحسن فهمه أولا، ونحسن تقديمه للناس ثانياً، لأنّه لا يكفي أن تملك جوهراً ثميناً لتنتفع به أنت، أو ينتفع الناس به ويقدمون على اقتنائه أو شرائه منك، بل لا بدّ أن نتقن فنّ تقديمه إلى الناس، ومن هنا تأتي أهميّة الخطاب الإسلامي وضرورة تجديده وانتمائه إلى العصر، وقد ورد في الحديث عن إمامنا الرضا (ع): " لو أن الناس استمعوا إلى محاسن كلامنا لاتبعونا" ( عيون أخبار الرضا (ع) ج2 ص275)
والذي أعتقده أن هاتين المهمتين الخطيرتين وهما: مهمة تجديد فهم الديني، وتجديد الخطاب الديني: هما من مسؤليتنا نحن في الحوزة العلميّة قبل غيرنا، وتقعان على عاتقنا.
الرسول نموذجاً
ولو عدنا إلى رسول الله (ص) باعتباره صاحب الرسالة التي نفخر بالانتماء إليها وتساءلنا في ضوء المهمتين المتقدمتين: ما هو فهمنا عن رسول لله (ص)؟ وما هي العناصر المكوّنة لشخصيّته ولرسالته؟ وكيف نستطيع أن نقدّمه رسولاً عالمياً ونقنع إنسان اليوم بالانخراط في دينه إذا ظل الطابع العام لدينه – كما يقدمه خطاب بعضنا - هو أنّه رسالة السيف والقتل، بذريعة أنه (ص) قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله.." وأنه قال: "لقد جئتكم بالذبح" ؟! وهل يمكن بالقتال والسيف أن نقنع الناس بالدخول في الإسلام؟ ومتى كان بإمكان السيف أن ينتصر على الفكر أو يقنع الآخر بما لا يملكه من عناصر القناعة، وقد أشار الله عز وجل إلى هذه الحقيقة في قوله: {لا إكراه في الدين}؟!
وعلينا أن نسأل أنفسنا أيضا: هل أنّ الأصل الإسلامي في التعامل مع الآخر هو السيف والقتل أم السلم والحوار؟ وبعبارة أخرى: هل الأصل في العلاقات الدولية والإنسانية هو السلم أم الحرب؟ وهل الكافر يقاتل لكفره أم لحرابته وعدوانيته؟
وعلينا أن نطل على جانب آخر تتم الإساءة إلى نبينا (ص) من خلاله، وهو موضوع المرأة، لنسأل: ما هي نظرة النبي (ص) للمرأة وهي نصف المجتمع؟ ما هو موقعها الاجتماعي؟ ما هو دورها في الحياة؟
هل هي مجرد مخلوق خلق ليؤمّن متعة الرجل، أم أنّها إنسان تتمتع بكامل حقوق الإنسانية؟ وإذا كان الأمر كذلك فما الذي يمنعها من تولي مهمة الافتاء؟ ولم لا يجوز لها أن تتولى السلطتين التنفيذية
والقضائية؟ ولم تعاني كثيراً في سبيل التخلص من العلقة الزوجية إذا وصلت هذه العلاقة إلى طريق مسدود؟ إلى غير ذلك من الأسئلة التي تطرح بشأن المرأة ..
إنّ العالم اليوم وإن أساء إلى المرأة على أكثر من صعيد، لكنه وصل إلى مرحلة متقدمة على صعيد إعطائها حقوقها، ولكن بعض الاتجاهات الاسلامية لا زالت تتحدث عن شرعيّة قيادة المرأة للسيارة؟!
وعن حقها في العمل !
ثم ما هي علاقة رسول الله (ص) - شخصياً - بالمرأة ؟ هل صحيح أنّه تزوج في العقد السادس من عمره بامرأة في التاسعة من عمرها؟
هذه الأسئلة وغيرها علينا أن نطرحها لا من موقع العقدة من أحد، بل من موقع مسؤليتنا الشرعية التي يفرضها علينا انتماؤنا لهذا الرسول الكريم؟ وإن الكثير من شباب المسلمين أخذوا يطرحون هذه الأسئلة وغيرها فبماذا نجيبهم؟
تلك بعض الأسئلة قدمتها بخدمتكم لنعمل على التأمل فيها وندرسها، حتى لا تكون سبباً في ضعف الإسلام في نفوس أبنائه قبل نفوس الآخرين، وحتى لا تشكل عائقاً أمام انتشار الإسلام.
إنسان العصر
وبعد ذلك كله، فإنّ من واجبنا أن نرصد إنسان هذا العصر، ونتعرف على همومه ومشاكله، وكيف يفكر؟ وبماذا يتأثر؟ وما هو الأسلوب الأجدى للوصول إلى عقله وقلبه؟ كل ذلك بهدف أن نحسن مخاطبته وتقديم الإسلام إليه، فنحن في أحيان كثيرة ننشغل بأبحاث عقيمة، وبعضنا يغرق في قضايا جزئية وهامشية وقد ينطبق عليها عنوان "هذا علم لا ينفع من علمه ولا يضر من جهله" كما يقول النبي (ص) فيما روي عنه، من قبيل: الانشغال في الكتابة أو الحديث عن طهارة دم المعصوم أو بوله؟!
هل إنّ ما يحتاجه إنسان اليوم هو أن نثبت له إذا ما كان للنبي ولاية تكوينية؟ أو نثبت له طهارة دم النبي (ص)؟ أو أنّ ما يحتاجه إنسان اليوم - شاباً أو كهلاً ، رجلا أو امرأة - هو أخلاق الرسول محمد (ص)، وروحانيته وفكره .. وهو فكر الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ؟
كلمة في طلاب المعهد الشرعي الإسلامي في بيروت في ذكرى المولد الشريف (ص)
1434ه