حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » كم كان عمر الزهراء (ع) حين زواجها من أمير المؤمنين (ع)؟ هل صحيح أن الإجماع هو على التسع من عمرها؟
ج »
 
▪️يوجد اختلاف كبير بين العلماء في تحديد عمر سيدتنا الزهراء سلام الله عليها حين زواجها من أمير المؤمنين عليه السلام، وتترواح هذه الأقوال بين تسع سنوات وعشرين سنة.
 
▪️مرد هذا الاختلاف إلى أمرين:
 
- الأول: الاختلاف في تاريخ مولدها، فهل ولدت قبل البعثة بخمس أم بعدها بخمس أو باثنتين؟ 
 
- الثاني: الاختلاف في تاريخ زواجها من أمير المؤمنين عليه السلام، حيث إن ثمة خلافاً في أنها تزوجت بعد الهجرة إلى المدينة بسنة أو بسنتين أو بثلاث.
 
▪️المعروف عند كثير من المؤرخين - كما ينقل التستري في تواريخ النبي (ص) والآل (ع) - أنها ولدت قبل البعثة النبوية بخمس سنين، وهذا ما ذهب إليه محمد بن إسحاق وأبو نعيم وأبو الفرج والطبري والواقدي وغيرهم، وعلى هذا سيكون عمرها حين الزواج ثماني عشرة سنة أو يزيد.
 
▪️ ونقل العلامة الأمين "أن أكثر أصحابنا" على أنها ولدت بعد البعثة بخمس سنين، وعلى هذا سيكون عمرها حين الزواج تسعاً أو عشراً أو أحد عشر عاماً، تبعاً للاختلاف في تاريخ الزواج.
 
⬅️ الظاهر أنه ليس هناك إجماع على أنّ عمرها عند الزواج بها كان تسع سنوات، فقد ذهب الشيخ المفيد في "مسار الشيعة" أنها ولدت بعد مبعث النبي (ص) بسنتين، وهو ظاهر الشيخ الطوسي في المصباح، بل نقل الشيخ عن رواية أنها ولدت في السنة الأولى لمبعثه الشريف، وحينئذ إذا كانت قد  تزوجت في السنة الأولى من الهجرة فيكون عمرها حين الزواج ثلاث عشرة سنة، وإذا تزوجت في السنة الثانية للهجرة سيكون عمرها أربع عشرة سنة، وإذا تزوجت في السنة الثالثة سيكون عمرها خمس عشرة سنة.
 
 وقد رجح التستري وغيره من علمائنا القول بولادتها بعد البعثة بخمس، استناداً إلى بعض الأخبار المروية عن الأئمة(ع).. وكيف كان، فتحقيق المسألة واتخاذ موقف حاسم يحتاج إلى متابعة.. والله الموفق.

 
 
  مقالات >> فكر ديني
هل إنّ من ليس مسلماً كافر؟
الشيخ حسين الخشن



 
هل صحيح أنّ البشر ينقسمون إلى صنفين لا ثالث لهما، وهما المسلم والكافر؟ بحيث إنّ كل من لم يكن مسلماً فهو - لا محالة - كافر؟ أو أنّ ثمة حالة وسطى بين الاٍسلام والكفر؟
 
 ولو أردنا استخدام المصطلحات  المنطقية لطرحنا السؤال بالطريقة التالية، وهي: هل إنّ الاسلام والكفر هما من قبيل الضدين اللذين لا ثالث لهما، أم أنهما من قبيل الضدين اللذين لهما ثالث؟ فعلى الأول – أي إذا كانت النسبة بينهما نسبة الضدين اللذين لا ثالث لهما – فهذا معناه أنّ كلّ من ليس مسلماً فهو كافر؟ وأما على الثاني – أي إذا كانت النسبة بينهما نسبة الضدين اللذين لهما ثالث – فهذا معناه أنّ بالإمكان وجود جماعة من الناس قد لا يُحكم بإسلامهم كما لا يحكم بكفرهم؟
 
والحقيقة أنّ في هذه المسألة وجهتي نظر :
 
الأولى: وتمثل الرأي السائد والمشهور، ومفاده: إنه ليس هناك حالة وسطى بين الإسلام والكفر، فلا محالة أن يكون كل من ليس مسلماً كافر.
 
الثانية: وتمثل رأياً لبعض المفكرين، ومفاده: إنّ ثمة حالة متوسطة بين الإسلام والكفر، وبالتالي فإنّه لا يمكننا أن نحكم بكفر كل من لم يكن مسلماً.
 
ويهمنا في المقام تسليط الضوء على هذه المسألة لنرى أن أياً من الرأيين هو الأقرب إلى الصواب ويمتلك حظاً من المصداقية وتعضده الأدلة العقلية والنقلية.
 
والذي نرجحه ونراه أقرب إلى الصواب هو القول الثاني، أي أن ثمة حالة وسطى بين الإسلام والكفر، أي أن النسبة بينهما ليست نسبة الضدين اللذين لا ثالث لهما، وإنما هي نسبة الضدين اللذين لهما ثالث، كما هو الحال في السواد والبياض فإنّ لها ضداً ثالثا، وهو الخضرة مثلاً، وقد اعترف بهذا الأمر – أعني ثبوت الواسطة بين الإسلام والكفر- الشيخ الأنصاري رحمه الله، مدعياً دلالة الأخبار المستفيضة على ذلك[1].
 
وفيما يلي نشير إلى صنفين من الناس ممن تتشكل منهم هذه الحالة المتوسطة بين الإسلام والكفر:
 
1-الكافر من غير جحود
 
يرى بعض الأعلام أنّ من لم يؤمن بأصول الإعتقاد إن كان عدم إيمانه منطلقاً من حالة جحود فهو كافر، وأما إذا لم ينطلق من حالة جحود فلا يكون كافراً، بل هو يمثّل حالة وسطى بين الإسلام والكفر، ويعتمد هذا الرأي على نقطة رئيسة، وهي أنّ الكفر ليس هو مجرد إنكار الأصول الأساسية للإيمان أو التشكيك بها، بل هو الجحود بتلك الأصول، والجحود هو أخص من الإنكار، وليس هو مطلق الإنكار، وإنما الإنكار عن علم، وعليه، فعندما نتحدث عن كفر بعض الناس، كما هو الحال في منكر الشهادتين أو إحديهما، فالحكم بكفره ليس على إطلاقه، بل هو خاص بصورة الجحود، هذا هو المدعى ولكن هل يمكن إثباته بالدليل؟ وهل لنا أن نشير إلى طائفة ثالثة يرتفع فيها الكفر والإسلام، أي لا يحكم بكفر أفرادها، وفي الوقت عينه لا يحكم بإسلامهم؟
 
 يرى صاحب هذا الرأي أنّ الحالة المتوسطة بين الاسلام والكفر تتمثل بكل من لم يؤمن بالاسلام ولكن عدم إيمانه هذا لم ينطلق عن عناد للحق، وإنّما عن قناعة تامة بما يعتقد مع استعداده لتقبل الحق أين وجده، فهذا الصنف وبالرغم من عدم الحكم باسلامه، فقد يقال بعدم كفره، وقد تبنى هذا الرأي الشهيد مرتضى المطهّري حيث أفاد: "أنّ الإنسان المقتنع بعقيدة دينية معينة (القاطع) وهو يملك روحاً مستسلمة للحقيقة رافضة للتعصّب والجحود، ليس معذوراً عند الله فحسب، بلا لا يمكن أن يعدّ كافراً وإنْ كان لا يؤمن بالإسلام. ويقدّم المطهّري لنا "ديكارت" الفيلسوف الفرنسي المعروف مثالاً ونموذجاً لذلك، فبعد أن ينقل عن ديكارت قوله: "إنّي لا أدّعي أنّ المسيحية قطعاً هي أفضل دين في الأرض ولكني أقول: إنّ المسيحية هي الأفضل بالقياس إلى الأديان التي أعرفها وقد تناولتها بالبحث، وليس لي أي عداء مع الحقيقة، فقد يكون هناك في أماكن أخرى من الدنيا دين يرجّح المسيحية، فلعلّ ديناً ومذهباً يوجد في إيران هو أفضل وأحسن من المسيحية". يعلّق على كلامه بالقول:
 
 "إنّ أشخاصاً كديكارت لا يمكن تسميتهم بالكفّار لأنّ هؤلاء لا يتّصفون بالعناد ولا يخفون الحقّ، وليس الكفر إلاّ العناد وتغطية الحقيقة، هؤلاء مسلمون بالفطرة وإن كنّا لا نستطيع تسميتهم بالمسلمين فنحن أيضاً لا نستطيع تسميتهم بالكافرين، وذلك لأن تقابل المسلم والكافر ليس من قبيل تقابل السلب والإيجاب أو تقابل الملكة وعدمها باصطلاح الفلاسفة والمنطقيين، وإنّما هو من قبيل تقابل الضدّين لأنّهما شيئان وجوديان وليس أحدهما وجودياً والآخر عدمياً"[2].
 
وما ذهب إليه الشهيد المطهّري في معنى الكفر والإسلام تؤيّده النصوص العديدة التي ربطت بين الكفر والجحود، (وسنذكر بعض هذه النصوص الروائية فيما يأتي) أو بين الإسلام والتسليم، كما في قوله تعالى:{ ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفاً واتخذ الله إبراهيم خليلاً}، ( النساء 125)، وقد ورد في الحديث عن رسول الله (ص): "الإسلام أن تُسلم قلبك ويَسلم المسلمون من لسانك ويدك"[3]، وعن أمير المؤمنين (ع): "الإسلام هو التسليم والتسليم هو اليقين..."[4]، وعن الإمام الباقر (ع): "كلّ شيء يجرّه الإقرار والتسليم فهو الإيمان، وكلّ شيء يجرّه الإنكار فهو الكفر"[5].
 
كما أنّ الأصل اللغوي لكلمة الكفر يؤيّد وجود علاقة بين الكفر والجحود، فقد ذكر أهل اللغة: أنّ الكفر هو السّتر والتغطية، وقد كفرت بالشيء سترته، وكل شيء غطى شيئاً فقد كفره، ومن هنا وُصف الليل بالكافر، لأنّه يستر الأشخاص بظلمته وسواده، وقيل لمن ستر درعه بالثوب الكافر، وهكذا سمّي الزارع كافراً لستره البذر في الأرض،[6] قال ابن السّكيت: "ومنه سمي الكافر، لأنه يستر نعم الله عليه"[7]، هذا هو الصنف الأول ممن تتشكل من الحالة المتوسطة بين الإسلام والكفر.
 
2-الشاك الباحث عن الحقيقة
 
أما الصنف الثاني، فهو من كان شاكاً في بعض المعتقدات الدينية شكّ الباحث عن الحقيقة، كما لو كان شاكاً في الله تعالى أو في رسوله (ص) إلاّ أنّ شكّه ليس عناد وتمرداً، بل شكّ الساعي نحو المعرفة وتشكيل القناعة والوصول إلى الحقيقة، فهذا فيما يبدو لا يحكم بكفره، وقبل أن نذكر ما يمكن الإستدلال به لهذا الرأي لا بد أن ننبه إلى أنّ فرض الكلام هنا هو في حالة عدم تمامية القول المتقدم القاضي بأن الكفر يساوق الجحود، وإلا فمع تمامية الرأي المذكور فسوف يكون الموقف بعدم تكفير الشاك جلياً وواضحاً، لأنّ الشكّ ليس جحوداً، فلا يكون الشاك والحال هذه كافراً. 
 
 لكن وبصرف النظر عن ذلك، ومع التسليم بعدم مساوقة الكفر للجحود، فبالإمكان أن  يستشهد للرأي القاضي بعدم كفر الشاك بعدة مجاميع من الروايات الواردة عن طريق الأئمة من أهل البيت (عن)، وهي روايات متظافرة بحيث يمكن حصول الإطمئنان بصدور بعضها عنهم:
 
 المجموعة الأولى: هي الروايات التي أكدّت على أنّ الكفر لا يتحقق بمجرد عدم الإيمان، بل بالجحود، فالمنكر لا يحكم بكفره إلاّ إذا جحد، ( وهذه الروايات هي خير دليل على ما تقدم من أن الكفر ليس مطلق عدم الإيمان، بل هو خصوص عدم الإيمان المنطلق من الجحود) ومن هذه الروايات:
 
 1- مكاتبة عبد الرحيم القصير الصحيحة والمروية عن الإمام الصادق (ع) قال في حديث: ".. فالإسلام قبل الإيمان وهو يشارك الإيمان، فإذا أتى العبد كبيرة من الكبائر أو صغيرة من صغائر المعاصي التي نهى الله عز وجل عنها كان خارجاً من الإيمان ساقطاً عنه اسم الإيمان وثابتاً عليه اسم الإسلام ، فإن تاب واستغفر عاد إلى دار الإيمان، ولا يخرجه إلى الكفر إلاّ الجحود والاستحلال، أن يقول للحلال : هذا حرام وللحلال: هذا حلال ودان بذلك، فعندها يكون خارجاً من الإسلام والإيمان داخلاً في الكفر.."[8].
 
 2-  صحيحة زرارة عن الصادق (ع) أيضاً، قال: "لو أنّ العباد إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا"[9].
 
 3- حسنة محمد بن مسلم قال: "كنت عند أبي عبد الله (ع) جالساً عن يساره وزرارة عن يمينه إذ دخل أبو بصير فقال: يا أبا عبد الله ما تقول فيمن شكّ في الله تعالى؟ قال: كافر يا أبا محمد، قال: فشكّ في رسول الله (ص)؟ فقال: كافر، ثم التفت إلى زرارة فقال: إنّما يكفر إذا جحد"[10].
 
ولكن في مقابل هذه الروايات فإنّ هناك بعض الروايات تحكم بكفر الشاكّ في الله تعالى أو في رسوله (ص) وهي شاملة بإطلاقها صورة عدم جحوده، كصحيحة منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبد الله (ع) مَن شكّ في رسول الله (ص)؟ قال: كافر، قال: قلت: فمن شكّ في كفر الشاك فهو كافر؟ فأمسك عني، فرددت عليه ثلاث مرات، فاستبنت في وجهه الغضب"[11]
 
وفي صحيحه ابن سنان عنه (ع) قال: "مَن شك في الله تعالى وفي رسوله فهو كافر"[12].
 
فنحن إذاً أمام طائفتين من الأخبار متعارضتين، إحداهما تحكم بكفر الشاك، والثانية تنفي كفره ما لم يجحد، فكيف نجمع بينهما؟
 
يمكن أن يطرح في المقام عدة وجوه للتوفيق والجمع بين الطائفتين:
 
 1- الوجه الأول: ما ذكره الإمام الخميني رحمه الله، فقد جمع بينهما بحمل الطائفة الأولى النافية لكفر الشاك في الله تعالى أو رسوله (ص) على نفي الحكم بكفره ظاهراً إلاّ مع الحجود لا نفي كفره واقعاً، أي أنّ الشاك كافر واقعاً وثبوتاً، ولكن لا يحكم بكفره ظاهراً وإثباتاً إلاّ بعد جحوده، وقد احتمل رحمه الله أن يقرأ قول الإمام (ع) المتقدّم "إنّما يُكّفر إذا جحد"، بالتشديد أي هكذا: "إنّما يُكفَّر إذا جحد، فيكون مبنياً للمفعول"[13].
 
وقد يعترض على هذا الجمع بوصفه "جمعاَ تبرّعياً"، كما يقول علماء الأصول، أي إنه ليس جمعاً عرفياً ولا شاهد يعضده من داخل تلك النصوص.
 
ولكن قد يجاب على ذلك بأنّ حكم الإمام (ع) في كلام واحد بكفر الشاك أولاً ثم استدراكه   بأنه إنّما يكفر إذا جحد، لا مجال لتفسيره إلا بما ذكر من أنه- أي الشاك - كافر واقعاً، ولكن لا يحكم بكفره ظاهراً إلاّ في حال جحوده، وهذه النتيجة المستخلصة من هذا الجمع تبدو منطقية أيضاً ويساعد عليها الاعتبار، فإنّ الشاك لا يعلم دخيلة أمره إلاّ الله تعالى، ونحن لا يتسنى لنا تكفير وترتيب أحكام الكفر إلاّ إذا بان لنا جحوده وتمرده، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإنّ عدم الحكم بكفره إلى أن يظهر لنا جحوده معناه إعطاؤه فرصة تسمح له بالعودة.
 
 ومع ذلك فإنّ صحة هذا الوجه في الجمع بين الأخبار تبقى رهن عدم وجود تفسير آخر أكثر اعتباراً وانسجاماً مع ظاهر الروايات.
 
2- - الوجه الثاني: من وجوه الجمع بين الطائفتين المذكورتين، إنّ الطائفة الثانية مطلقة، فهي تحكم بكفر مطلق الشّاك بالله ورسوله، بينما الطائفة الأولى مقيّدة وتحكم بكفر الشاك إذا جحد، وقانون باب التعارض يقضي بحمل المطلق على المقيّد، وتكون النتيجة هي الحكم بكفر الجاحد دون سواه، وهذا الوجه هو الأقرب إلى صناعة الإطلاق والتقييد، ونتيجة هذا الجمع هي نتيجة معقولة، لعين ما قلناه في تبرير معقولية الوجه الأول.
 
أجل قد يواجه هذا الوجه من الجمع مشكلة صغيرة، وهي صعوبة الإلتزام بعدم كفر الشاك حتى لو كان شكّه هو قاعدة معتمد لديه، بحيث إنّه يشكك في كل شيء دون أن يتابع شكه بهدف الوصول إلى الحقيقة، ولا يبعد القول: إنّ الطائفة الأولى من الروايات النافية لكفر الشاك منصرفة أو غير ناظرة إلى مثل هذا الفرد، بسبب ندرته، وإنما هي ناظرة إلى من كان شكّه واقعاً في طريق البحث عن الحقيقة، فهذا ليس بكافر واقعاً، لا أنه كافر واقعاً ولكن لا يحكم بكفره ما لم يجحد( كما يفترض الوجه الأول)، وعدم كفر الباحث عن الحقيقة معروف عند المتكلّمين، فقد أشاروا إلى ذلك وأسموا هذه المرحلة بفترة البحث ومهلة الطلب، وأمّا من كان شكه غير واقع في طريق البحث، بحيث جمد على شكه ولم يتابع البحث عن وجود الله ووحدانيته أو عن صدقية رسول الله (ص) رغم أنّ عقله قاض بذلك من باب دفع الضرر المحتمل، أو كان الشك منهجاً فلسفياً له في الحياة كالسفسطائيين، فهذا محكوم بالكفر، وهو ما أشارت إليه الطائفة الثانية الحاكمة بكفر الشاك، وفي ذلك يقول بعض الأعلام: "الشك ليس كفراً، إنّه حركة تمثّل قلق المعرفة في الوعي وهذا ليس عاملاً سلبياً عندما يتفاعل الإنسان معه ليطوف في أجواء الفكر، فالقلق الإيجابي يدفع بنا نحو المعرفة، ولعلّ فقداننا لحالة القلق المعرفي يشكّل أحد أسباب تخلّفنا وجهلنا"[14].
 
والظاهر أنّ الوجه الثاني من الجمع هو الأقرب إلى الصواب وأكثر انسجاما مع قواعد الجمع العرفي، مع ملاحظة هامة وهي أن الروايات النافية لكفر الشاك إذا لم يجحد تعطي قاعدة عامة وهي أن الكفر يرادف الجحود، فمن لم يجحد لا يكفر سواء كان شاكاً بأصول الإعتقاد أو غير مؤمن بها لكن لا من موقع الجحود.
 
المجموعة الثانية وهي: الروايات الواردة في شأن قول نبي الله إبراهيم (ع) عندما نظر إلى السماء، فرأى الكوكب وقال: "هذا ربي"، مما حدثنا الله تعالى عنه في سورة الأنعام، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ*فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ*فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ*فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ} (سورة الأنعام، آية:75- 78)، فإنّ في تفسير هذه الآيات اتجاهين رئيسين: 
 
الأول: إنّ هذه الآيات تتحدث عن أسلوب حواري احتجاجي سلكه إبراهيم لإقناع قومه ببطلان معتقداتهم بشأن ألوهية الكواكب وربوبيّتها، من دون أن يكون معتقداً هو بذلك.
 
الثاني: إنّ الآيات تتحدث عما كان عليه حال إبراهيم (ع) نفسه وما كان يجول في خاطره في إحدى مراحل عمره الشريف، وهي مرحلة الطلب والبحث عن الرب والخالق، وقد مال إلى هذا الرأي بعض أعلام المفسرين ولم يروا فيه بأساً، وعلى رأسهم: السيد المرتضى رحمه الله في كتابه "تنزيه الأنبياء" وكذلك الشيخ الطوسي في تفسيره "التبيان"،  والطبرسي في "مجمع البيان"، وغيرهم من أعلام المفسرين[15].
 
وهذا الرأي الأخير والمنقول عن ابن عباس، كما في جامع البيان للطبري، تؤيده بعض الروايات الواردة عن أئمّة أهل البيت (ع) والتي قدمت لنا قاعدة عامة وهامة في هذا المجال ومفادها: إنّ الإنسان في مرحلة تكوين العقيدة والتفتيش عن الحقيقة ليس معذوراً فحسب، بل ولا يحكم بكفره، ومن هذه الروايات: ما رواه العياشي في تفسيره عن محمد بن مسلم عن أحدهما (ع) قال في إبراهيم (ع) إذ رأى كوكباً قال: "إنما كان طالباً لربّه ولم يبلغ كفراً وإنّه من فكر من الناس في مثل ذلك فإنّه بمنزلته"[16].
 
وفي رواية أخرى رواها العياشي أيضاً عن حجر قال: أرسل العلاء بن سيابة يسأل أبا عبد الله عن قول إبراهيم (ع) "هذا ربي" وأنّه من قال هذا اليوم فهو عندنا مشرك؟ قال (ع): لم يكن من إبراهيم شرك، إنّما كان في طلب ربّه وهو من غيره شرك"[17].
 
وقوله (ع) في ذيل هذه الرواية "وهو من غيره شرك" يراد به - كما يفهم من سياق الرواية، وبقرينة الرواية الأولى أيضاً - من كان شكّه غير واقع في سبيل الطلب.
 
ومع قطع النظر عن صحة هذا الاتجاه في تفسير الآيات المذكورة، فإنّ ما يهمنا التركيز عليه في مقامنا هو أنّ حالة الشكّ في مرحلة النظر ومهلة الطلب لا تجعل الإنسان كافراً، كما أكدت على ذلك النصوص الآنفة وتبنّاه الكثير من الأعلام .
 
 وفي ضوء ما تقدّم يتّضح أنّ الشك الواقع في طريق البحث عن الحقيقة والتفتيش عن العقيدة الحقة لا يتنافى مع الإيمان، بل إنّه يقود إليه في الأعم الأغلب، والشاك في هذا الطريق لا يحكم بكفره ولا تترتّب عليه آثار الكفر.
 
معذورية الإنسان في  مهلة النظر
 
 ومعذورية الإنسان في مهلة الطلب والنظر قد جاء التأكيد عليها في رواية أخرى صحيحة عن أبي عبد الله (ع) في الإجابة على سؤال السائل: إذا حدث على الإمام حدث كيف يصنع الناس؟ قال: أين قول الله عزّ وجلّ: {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} قال: هم في عذر ما داموا في الطلب، وهؤلاء الذين ينتظرونهم في عذر حتى يرجع إليهم أصحابهم"[18]. ومهلة النظر إذا كانت مرحلة يمرّ بها حتى الأنبياء – بنظر هؤلاء – فمن الطبيعي أن يمر بها الإنسان العادي.
 
ثم إنّه وبصرف النظر عن هذه الرواية الصحيحة والروايات المتقدمة، فإنّ الدليل العقلي قائم على معذورية الإنسان في مرحلة الطلب والبحث عن العقائد الصحيحة فيما يرتبط بالمبدأ والمعاد والنبوات، ولا سيّما عندما تكثر الشبهات والطروحات البرّاقة، ممّا يوقع المرء في الحيرة فيدفعه عقله القاضي بضرورة دفع الضرر المحتمل إلى البحث والتأمّل، بغية الوصول إلى شاطئ الحقيقة، ففي هذه المرحلة يُعذر الإنسان ويقبح – بحكم العقل – على المولى الحكيم والعادل معاقبته على شكوكه ومؤاخذته بها.
 
وأمّا تحديد هذه المدة بما فوق الساعة ودون الشهر كما عن البلخي فلا وجه له، لأنّ للمسألة علاقة بذهنية الشخص الباحث لجهة نباهته وعدمها، ولها علاقة بنوعية الشُّبَه والاعتراضات التي تؤثر على سرعة الخروج من هذه المرحلة أو بطئها.
 
حديث النفس وأسئلتها
 
 وثمّة نحو آخر من الشك لا يمكننا الحكم بكفر صاحبه، بل إنّه يتميز عن الشك السابق بأنّه شك لا يمكن أن يخرج الإنسان بسببه عن دائرة الإسلام والإيمان معاً، وهو الشك الطارىء الذي يفرض نفسه على المرء حتى لو كان في أعلى مستويات الإيمان، بيد أنّه شكٌّ عابر وغير مستقر، وتعبّر عنه بعض المأثورات بتعبير جميل وهو" حديث النفس"، وربّما كان منشأ هذا الحديث الداخلي هو الوساوس التي تطرح على المؤمن بعض الأسئلة التشكيكية، ما قد لا يجد له جواباً لأول وهلة، من قبيل السؤال عن وجود الله تعالى أو مكان تواجده !؟ ولماذا لا نراه؟ وإذا كان هو خالقنا فمن الذي خلقه؟ إلى غير ذلك من الأسئلة التي تواجه المؤمنين.
 
ومن مظاهر رحمة الله بعباده أنّه رفع تبعات هذا الشك عنهم، ولم يؤاخذهم به، على اعتبار أنّ ذلك أمرٌ يفرض نفسه على الإنسان ولا يستطيع – في الغالب – تجنّبه وتلافيه، وقد وردت في ذلك عدة روايات، وقد عقد لها الشيخ الكليني باباً خاصاً تحت عنوان "الوسوسة وحديث النفس"، ومن هذه الروايات:
 
1- رواية محمد بن حمران قال سألت أبا عبد الله (ع) عن الوسوسة وإن كثرت ؟ فقال: لا شيء فيها، تقول لا إله إلاّ الله"[19].
 
2 - صحيحة جميل بن دارج عنه (ع) قال قلت له: إنّه يقع في قلبي أمرٌ عظيم فقال: قل: لا إله إلّا الله..."[20].
 
3 - صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع) أيضاً قال: جاء رجل إلى النبي (ع) فقال: يا رسول الله هلكت فقال له (ص): أتاك الخبيث فقال لك من خلقك؟ فقلتَ الله، فقال لك: ألله من خلقه؟ فقال: إي والذي بعثك بالحقّ لكان كذا، فقال رسول الله (ص): ذاك والله محض الإيمان، قال ابن أبي عمير: فحدثت بذلك عبد الرحمن بن الحجاج، فقال: حدّثني أبي عن أبي عبد الله (ع): أنّ رسول الله إنما عنى بقوله: "هذا والله محض الإيمان"، خوفه أن يكون قد هلك حيث عرض له ذلك في قلبه"[21].
 
ونفس المضمون نجده مروياً عن رسول الله (ص) ما يؤكّد أنّ ما قاله الإمام الصادق (ع) مستقى من جده المصطفى (ص).
 
4 - أخرج مسلم في صحيحه: "سئل النبي (ص) عن الوسوسة؟ قال: تلك محض الإيمان"[22].
 
5 - وعن أبي هريرة قال: "جاءنا ناس من أصحاب النبي (ص) فسألوه أنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال: وقد وجدتموه، قالوا: نعم، قال: ذلك صريح الإيمان"[23].
 
6 - وفي مسند أحمد بسنده إلى ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي (ص) فقال: يا رسول الله إني أحدّث نفسي بالشيء لئن أخّر من السّماء أحبّ إليّ من أن أتكلم به، قال: فقال النبي (ص): الله أكبر الله أكبر الله أكبر، الحمد لله الذي ردّ كيده إلى الوسوسة"[24] إلى غيرها من الروايات.
 
وهذه الروايات وغيرها تتوافق مع ما جاء في الحديث المعروف بـ"حديث الرفع" والمروي عن رسول الله (ص): "رفع عن أُمتي تسعة أشياء السهو والخطأ والنسيان... والتفكّر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق الإنسان بشفة"[25].
 
وفي حديث آخر عنه (ص) أنّه قال: "إنّ الله تجاوز عن أمتي عمّا توسوس به صدورهم ما لم تعمل أو تكلّم به وما استكرهوا عليه"[26].
 
وفي نصٍ آخر "ما حدثت به أنفسهم"[27] إنّ هذه النصوص وسواها تؤكّد أنّ حديث النفس وأسئلتها بشأن الخالق وبعض صفاته مرفوعة عن الإنسان، ولا يؤاخذ بها.
 
 وهذه الروايات لا تتنافى مع قوله تعالى: {وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ} (سورة البقرة، آية: 284)، لأنّ هذه الآية ناظرة – حسب الظاهر – إلى النوايا السيئة المبيّتة التي تكون عن سابق عزم وإصرار دون ما يكون خاطراً عابراً لا إرادياً يزول بالتفكير المعمّق* .
 
مِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ
 
وفي مقابل ذلك، قد يُقال: إنّ المستفاد من قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (سور التغابن، آية:2)، انتفاء الواسطة بين الإسلام والكفر، وبناءً عليه فإنّ من لا يُحكم بإسلامه فهو محكومٌ بالكفر.
 
ويلاحظ على ذلك: أنّ بالإمكان تصنيف الناس إلى تصنيفين:
 
أوّلهما: المؤمن والكافر، والتصنيف الآخر: المسلم والكافر.
 
وهناك فرقٌ كبير بين التصنيفين، لأنّ المؤمن أخصّ من المسلم بنصّ القرآن الكريم، قال تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ...} (سورة الحجرات، آية:14)، والآية المستدل بها على نفي الواسطة بين الإسلام والكفر لا دلالة لها على ذلك، لأنّها ناظرةٌ إلى التصنيف الأول الذي يمكن الموافقة عليه والإلتزام بانتفاء الواسطة بين الإيمان والكفر، دون أن يعني ذلك الموافقة على التصنيف الثاني القاضي بثنائية الإتسلام والكفر، باعتبار أنّ الإسلام أوسع من الإيمان كما عرفت.
 
ولهذا يمكننا القول: إنّ الإنسان إمّا مؤمن وإمّا كافر، ولا ثالث لهما، ولكن لا يصح القول: إنّ الإنسان إمّا مسلم وإمّا كافر، لأنّه لا دليل على ثنائية الإسلام والكفر وأنّ من لم يكن مسلماً فهو كافر، وقد قدمنا ما فيه الكفاية للبرهنة على نفي الثنائية المذكورة.    
 
 

 

[1] فرائد الأصول: ج1 ص571.
[2] العدل الإلهي: ص 336، الدار الإسلامية، الطبعة الأولى، بيروت 1981م – 1401 هـ .
[3] كنز العمال:  ج1، ص 26.
[4] نهج البلاغة: ص 491.
[5] الكافي: 2/357.
[6] المفردات في غريب اللغة: 433، والصحاح للجوهري ج 2 ص 807.
[7] الصحاح للجوهري ج2 ص 807.
[8] الكافي: ج2 ص28.
[9] الكافي: ج2 ص388.
[10] الكافي: 2/399.
[11]م. ن. : 2/387.
[12]  م. ن. : 2/386.
[13] كتاب الطهارة: 3/427.
[14] رؤى ومواقف: 3/37.
[15] قال الشريف المرتضى: "إنّما قال ذلك – هذا ربي – في زمن مهلة النظر وعند كمال عقله وحضور ما يوجب عليه النظر بقلبه وتحريك الدواعي على الفكر والتأمّ له، لأنّ إبراهيم لم يخلق عارفاً بالله وإنّما اكتسب المعرفة لمّا أكمل الله تعالى عقله وخوفه من ترك النظر بالخواطر والدواعي" (تنزيه الأنبياء ص 47) وفي بعض رسائله دافع المرتضى عن هذا الاحتمال في رسالة جوابية لبعض معاصريه ( راجع رسائل الشريف المرتضى: ج1 ص 413) .
وذكر الشيخ الطوسي في تفسير هذه الآيات أربعة وجوه: ثانيها وهو الوجه المختار له "إنّ هذا القول كان من إبراهيم في زمان مهلة النظر لأنّ مهلة النظر مدة الله العالم بمقدارها، وهي أكثر من ساعة، قال البلخي: وأقل من شهر ولا يدري ما بينهما إلاّ الله، فلما أكمل الله عقله وخطر بباله ما يوجب عليه النظر وحرّكته الدواعي على الفكر والتأمّل قال ما حكاه الله، لأنّ إبراهيم لم يخلق عارفاً بالله وإنّما اكتسب المعرفة لما أكمل الله عقله وخوفّه من ترك النظر بالخواطر..." (التبيان: ج4 ص 182-183) ونظير هذا الكلام قاله الطبرسي في مجمع البيان.
وهكذا فقد مال إلى هذا الاتجاه من المتأخرين العلامة الطباطبائي (رحمه الله) الذي رأى أنّ هذه الآيات تقصّ أمر إبراهيم في بداية حياته "والإنسان في أول زمن يأخذ بالتمييز ويصلح لتعلّق التكليف الإلهي بالنظر في أمر التوحيد وسائر المعارف الأصلية، كاللوح الخالي عن النقش والكتابة غير مشغول بنقش مخالف، فإذا أخذ في الطلب وشرع يثبت شيئاً وينفي شيئاً لغاية الحصول على الاعتقاد الحق والإيمان الصحيح، فهو بعد في سبيل الحقّ لا بأس عليه في زمن يمرُّ عليه بين الانتزاع من قصور التمييز وبين الاعتصام بالمعرفة الكاملة والعلم التام الحقّ" (الميزان: ج7 ص175- 176).ويضيف الطباطبائي:
"وهذه سُنَّةٌ عامة في الحياة الإنسانية المتدرجة من النقص إلى الكمال لا يختلف فيها إنسان وإنسان، وإن أمكن أن يظهر من بعض الأفراد بعض ما يخالف ذلك من أمارات الفهم والعلم قبل المتعارف من سنّ التمييز والبلوغ، كما يحكيه القرآن عن المسيح ويحيى (ع) فإنّما ذلك من خوارق العادة الجارية، وما كل إنسان على هذا النعت ولا كلّ نبي فعل به ذلك" (م. ن: ج7 ص176).
[16] بحار الأنوار: 11/87.
[17] م. ن. : 11/87.
[18] الكافي: 1/378.
[19] الكافي: 2/424.
[20] م. ن.
[21] الكافي:2/424.
[22] صحيح مسلم: ج1 ص83، وراجع سنن أبي داوود: ج2 ص500 باب في رد الوسوسة.
[23] م. ن.
[24] مسند أحمد: ج1 ص235.
[25] الفقيه: 1/59.
[26] كنز العمال: 21/158، رقم 34469.
[27] كنز العمال: ج21/157.
* والملفت أنّ بعض الروايات تذكر أنّ حديث النفس لا ينجو منه حتى الأنبياء ففي الخبر عن أبي عبد الله (ع) قال: ثلاثة لم ينجُ منها نبي فما دونه: التفكّر في الوسوسة في الخلق والطيرة والحسد إلاّ أنّ المؤمن لا يستعمل حسده" (الوسائل ج15/366) قال الشيخ الصدوق: معنى الطيرة في هذا الموضع أن يتطيّر منهم قومهم فأمّا هم (ع) فلا يتطيّرون، وذلك كما قال الله عزّ وجلّ عن قوم صالح {قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِندَ اللَّهِ} (النمل: 47).
ويضيف الصدوق: وأمّا الحسدّ في هذا الموضع هو أن يُحسّدا لا أنّهم يحسدون غيرهم وذلك كما قال الله عزّ وجلّ {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ ...} (النساء:54). وأمّا التفكّر في الوسوسة في الخلق فهو بلواهم (ع) بأهل الوسوسة لا غير ذلك كما حكى الله عزّ وجلّ عن الوليد بن المغيرة المخزومي {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ*فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ} (المدثر: 18-19) (راجع الخصال: 89).
ولكن هذا التوجيه مخالف للظاهر جداً ولذا اعترض عليه المجلسي في البحار بالقول: "ما ذكره رحمه الله توجيه وجيه لكن في الكافي وغيره ورد فيه تتمّة تأبى عنه وهي "لكن المؤمن لا يظهر الحسد" وأضاف المجلسي: ويمكن أن يكون المراد بالحسد أعمّ من الغبطة أو يقال: القليل منه مع عدم إظهاره ليس بمعصية، والطيرة: هي التشؤم بالشيء وانفعال النفس بما يراه أو يسمعه مما يتشأم به، ولا دليل على أنّه لا يجوز ذلك على الأنبياء، والمراد بالتفكّر في الوسوسة في الخلق: التفكّر فيما يحصل في نفس الإنسان من الوساوس في خالق الأشياء وكيفية خلقها وخلق أعمال العباد والتفكّر في الحكمة في خلق بعض الشرور في العالم من غير استقرار في النفس وحصول شكّ بسببها... إلى أن يقول وبعض أفراد هذا الأخير – على الوجهين – لا يستبعد عروضها لهم (ع)" (راجع بحار الأنوار: 11/76).





اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon