حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » أنا طالب علم، لدي خوف من أن أتكلم بغير علم.. ما الحل؟
ج »

وعليكم السلام

لا بد لطالب العلم في مساره العلمي أن يتسلح بأمرين أساسيين:
الأول: الاستنفار العلمي وبذل الجهد الكافي لمعرفة قواعد فهم النص واستكناه معناه ودلالاته بما يعينه على التفقه في الدين وتكوين الرأي على أسس صحيحة.
الثاني: التقوى العلمية ويُراد بها استحضار الله سبحانه وتعالى في النفس حذراً من الوقوع في فخ التقوّل على الله بغير علم. ومن الضروري أن يعيش مع نفسه حالة من المحاسبة الشديدة ومساءلة النفس من أن دافعه إلى تبني هذا الرأي أو ذاك: هل هو الهوى والرغبة الشخصية أم أن الدافع هو الوصول إلى الحقيقة ولو كانت على خلاف الهوى.
أعتقد أن طالب العلم إذا أحكم هذين الامرين فإنه سيكون موفقاً في مسيرته العلمية وفيما يختاره من آراء أو يتبناه من موقف.

 
س » كيف علمنا أن الصحيفة السجادية ناقصة؟ وهل ما وجده العلماء من الأدعية صحيح؟؟
ج »

أقول في الإجابة على سؤالكم:

أولاً: إن الصحيفة السجادية في الأصل تزيد على ما هو واصل إلينا وموجود بين أيدينا، قال المتوكل بن هارون كما جاء في مقدمة الصحيفة: " ثم أملى عليّ أبو عبد الله (ع) الأدعية، وهي خمسة وسبعون باباً، سقط عني منها أحد عشر باباً، وحفظت منها نيفاً وستين باباً"، بيد أن الموجود فعلاً في الصحيفة الواصلة إلينا هو أربعة وخمسون دعاء. آخرها دعاؤه في استكشاف الهموم، وهذا آخر دعاء شرحه السيد علي خان المدني في رياض السالكين، وكذا فعل غيره من الأعلام.

ثانياً: إن سقوط عدد من أدعية الصحيفة وضياعها دفع غير واحد من الأعلام للبحث والتتبع في محاولة لمعرفة ما هو الضائع منها، وبحدود اطلاعي فإنهم عثروا على أدعية كثيرة مروية عن الإمام زين العابدين (ع)، لكنهم لم يصلوا إلى نتائج تفيد أن ما عثروا عليه هو من الأدعية الناقصة منها، ولذا عنونوا مؤلفاتهم بعنوان مستدركات على الصحيفة، ولم يجزموا أن ما جمعوه من أدعية هو الضائع من أدعية الصحيفة. وهذا ما تقتضيه الضوابط العلمية والدينية، فما لم يعثر الإنسان على نسخة قديمة موثوقة أو قرائن مفيدة للوثوق بأن هذا الدعاء أو ذاك هو من جملة أدعية الصحيفة فلا يصح له إضافة بعض الأدعية على الصحيفة بعنوان كونها منها.

ثالثاً: لقد ابتُلينا بظاهرة خطيرة، وهي ظاهرة الإضافة على الصحيفة أو غيرها من كتب الأدعية، وهذا العمل هو خلاف الأمانة والتقوى، وقد ترتّب على ذلك الكثير من المفاسد، وأوجب ذلك وهماً للكثيرين، فتوهموا أن بعض الأدعية هي جزء من الصحيفة السجادية المشهورة، ومردّ ذلك بكل أسف إلى أن مجال الأدعية والزيارات شرعة لكل وارد، وتُرك لأصحاب المطابع والمطامع! وأعتقد أن هذا العبث في كتب الأدعية والزيارات ناشئ عن عدم عناية العلماء بالأمر بهذه الكتب كما ينبغي ويلزم، كما نبه عليه المحدث النوري في كتابه "اللؤلؤ والمرجان" مستغرباً صمت العلماء إزاء التلاعب والعبث بنصوص الأدعية والزيارات مما يعدّ جرأة عظيمة على الله تعالى ورسوله (ص)!

رابعاً: أما ما سألتم عنه حول مدى صحة الأدعية الواردة بعد دعاء استكشاف الهموم، فهذا أمر لا يسعنا إعطاء جواب حاسم وشامل فيه، بل لا بدّ أن يدرس كل دعاء على حدة، ليرى ما إذا كانت قرائن السند والمتن تبعث على الحكم بصحته أم لا. فإن المناجاة الخمس عشرة بنظرنا لم تصح وربما كانت من وضع الصوفية، وقد أوضحنا ذلك بشكل مفصل في كتاب الشيع والغلو.


 
س » ابني المراهق يعاني من التشتت، وأنا جدا قلق ولا اعرف التصرف معه، ما هي نصيحتكم؟
ج »

التشتت في الانتباه في سن المراهقة مع ما يرافقه من الصعوبات هو في حدود معينة أمر طبيعي وظاهرة تصيب الكثير من المراهقين ولا سيما في عصرنا هذا.

وعلينا التعامل مع هذه المرحلة بدقة متناهية من الاستيعاب والتفهم والإرشاد والتوجيه وتفهم سن المراهق، وأن هذه المرحلة تحتاج إلى أسلوب مختلف عما سبقها.

فالمراهق ينمو لديه الإحساس بالذات كثيرا حتى ليخيل إليه أنه لم يعد بحاجة إلى الاحتضان والرعاية من قِبل والديه.

وبالتالي علينا أن نتعامل معه بأسلوب المصادقة "صادقه سبعا.." والتنبه جيدا للمؤثرات التي تسهم في التأثير على شخصيته واستقامته وتدينه، ومن هذه المؤثرات: الأصدقاء ووسائل التواصل الاجتماعي، فإن نصيبها ودورها في التأثير على المراهق هو أشد وأعلى من دورنا.

وفي كل هذه المرحلة علينا أن نتحلى بالصبر والأناة والتحمل، وأن نبتدع أسلوب الحوار والموعظة الحسنة والتدرج في العمل التربوي والرسالي.

نسأل الله أن يوفقكم وأن يقر أعينكم بولدكم وأن يفتح له سبيل الهداية. والله الموفق.


 
س » اعاني من عدم الحضور في الصلاة، فهل أحصل على الثواب؟
ج »
 
لا شك أن العمل إذا كان مستجمعا للشرائط الفقهية، فهو مجزئٌ ومبرئٌ للذمة. أما الثواب فيحتاج إلى خلوص النية لله تعالى بمعنى أن لا يدخل الرياء ونحوه في نية المصلي والعبادة بشكل عام.
ولا ريب أنه كلما كان الإنسان يعيش حالة حضور وتوجه إلى الله كان ثوابه أعلى عند الله، لكن لا نستطيع نفي الثواب عن العمل لمجرد غياب هذا الحضور في بعض الحالات بسبب الظروف الضاغطة على الإنسان نفسيا واجتماعيا.
لكن على الإنسان أن يعالج مشكلة تشتت الذهن أثناء العمل العبادي وذلك من خلال السعي الجاد للتجرد والابتعاد عن كل الهواجس والمشكلات أثناء الإقبال على الصلاة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، باستحضار عظمة الله عز وجل في نفوسنا وأنه لا يليق بنا أن نواجهه بقلب لاهٍ وغافل. والله الموفق.

 
س » أنا إنسان فاشل، ولا أتوفق في شيء، وقد كتب عليّ بالخسارة، فما هو الحل؟
ج »

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أولاً: التوفيق في الحياة هو رهن أخذ الإنسان بالأسباب التي جعلها الله موصلة للنجاح، فعلى الإنسان أن يتحرك في حياته الشخصية والمهنية والاجتماعية وفق منطق الأسباب والسنن. على سبيل المثال: فالإنسان لن يصل إلى مبتغاه وهو جليس بيته وحبيس هواجسه، فإذا أراد الثروة فعليه أن يبحث عن أسباب الثروة وإذا أراد الصحة فعليه أن يأخذ بالنصائح الطبية اللازمة وإذا أراد حياة اجتماعية مستقرة عليه أن يسير وفق القوانين والضوابط الإسلامية في المجال الاجتماعي وهكذا.

ثانياً: لا بد للإنسان أن يعمل على رفع معوقات التوفيق، وأني أعتقد أن واحدة من تلك المعوقات هي سيطرة الشعور المتشائم على الإنسان بحيث يوهم نفسه بأنه إنسان فاشل وأنه لن يوفق وأنه لن تناله البركة الإلهية.

إن هذا الإحساس عندما يسيطر على الإنسان فإنه بالتأكيد يجعله إنسانا فاشلا ومحبطا ولن يوفق في حياته ولذلك نصيحتي لك أن تُبعد مثل هذا الوهم عن ذهنك وانطلق في الحياة فإن سبيل الحياة والتوفيق لا تعد ولا تحصى.


 
س » ما هو هدف طلب العلم الذي يجب أن يكون؟
ج »

عندما ينطلق المسلم في طلبه للعلم من مسؤوليته الشرعية الملقاة على عاتقه ومن موقع أنه خليفة الله على الأرض، فإن ذلك سوف يخلق عنده حافزاً كبيراً للجد في طلب العلم والوصول إلى أعلى المراتب. أما إذا انطلق في تحصيله من موقع المباهاة أو إثبات ذاته في المجتمع أو من موقع من يريد أن يزين اسمه بالشهادة الجامعية ليُقال له "الدكتور" وما إلى ذلك، فإنه - في الغالب - لن يصل إلى النتيجة المرجوة.

وعلى كل إنسان منا أن يعي أنّنا في هذه الحياة مسؤولون في أن نترك أثراً طيباً، وأن نقوم بواجباتنا قبل أن يطوينا الزمان، إننا مسؤولون عن عمرنا فيما أفنيناه وعن شبابنا فيما أبليناه، وسنُسأل يوم القيامة عن كل هذه الطاقات التي منّ اللهُ بها علينا.

وأضف إلى ذلك، إنه من الجدير بالمسلم، أن لا يفكر في نفسه وما يريحه هو فحسب في طلبه للعلم، بل أن يفكر أيضاً في أمته والنهوض بها ليكون مستقبلها زاهراً، وهذا كله يحتم عليه أن يكون سقف طموحاته عالياً ليتمكن هو وأقرانه من الطلاب والعلماء من ردم الفجوة بيننا وبين الغرب الذي سبقنا على أكثر من صعيد.

باختصار: إن مسؤوليتنا ورسالتنا وانتماءنا لهذه الأمة يفرض علينا أن نعيش حالة طوارئ ثقافية وعلمية.


 
س » ما رأيكم في الاختلاط المنتشر في عصرنا، وكيف نحاربه؟
ج »

إنّ الاختلاط قد أصبح سمة هذا العصر في كثير من الميادين، ومنها الجامعات والطرقات والساحات وكافة المرافق العامة.. والاختلاط في حد ذاته ليس محرماً ما لم يفضِ إلى تجاوز الحدود الشرعية في العلاقة بين الرجل والمرأة الأجنبيين؛ كما لو أدى إلى الخلوة المحرمة بالمرأة أو مصافحتها أو كان المجلس مشوباً بأجواء الإثارة الغرائزية أو غير ذلك مما حرمه الله تعالى.

وفي ظل هذا الواقع، فإنّ العمل على تحصين النفس أولى من الهروب أو الانزواء عن الآخرين بطريقة تشعرهم بأن المؤمنين يعيشون العُقد النفسية. إن على الشاب المسلم أن يثق بنفسه وأن يفرض حضوره ووقاره، وأن يبادر إلى إقناع الآخرين بمنطقه وحججه، وأن يبيّن لهم أن الانحراف والتبرج والفجور هو العمل السيّئ الذي ينبغي أن يخجل به الإنسان، وليس الإيمان ومظاهر التدين.

وأننا ندعو شبابنا عامة وطلاب الجامعات خاصة من الذكور والإناث إلى أن يتزينوا بالعفاف، وأن يحصنوا أنفسهم بالتقوى بما يصونهم من الوقوع في الحرام.


 
س » كيف يمكن التخلص من السلوكيات والعادات السيئة؟
ج »

إن التغلب على السلوكيات الخاطئة أو العادات السيئة – بشكل عام – يحتاج بعد التوكل على الله تعالى إلى:

أولاً: إرادة وتصميم، ولا يكفي مجرد الرغبة ولا مجرد النية وانما يحتاج بالإضافة إلى ذلك إلى العزم والمثابرة وحمل النفس على ترك ما اعتادته.

ثانياً: وضع برنامج عملي يمكّن الإنسان من الخروج من هذه العادة السيئة بشكل تدريجي؛ وأرجو التركيز على مسألة "التدرج" في الخروج من هذه العادات السيئة؛ لأن إدمان النفس على الشيء يجعل الخروج منه صعباً ويحتاج إلى قطع مراحل، وأما ما يقدم عليه البعض من السعي للخروج الفوري من هذه العادة، فهو - بحسب التجربة - سيُمنى في كثير من الأحيان بالفشل. والله الموفق


 
 
  محاضرات >> دينية
محاضرات رمضانية: إذاعة الخبر وتهديد أمن المجتمع
الشيخ حسين الخشن



{وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلاّ قليلاً} [النساء: 83].
 
قصة الآية

 

ذكر المفسرون "أنّ قوماً من ضعفة المسلمين كانوا إذا بلغهم خبر عن سرايا رسول الله (ص) أو أخبرهم الرسول بما أوحي إليه من وعد بالظفر أو تخويف من الكفرة أذاعوه، وكانت إذاعتهم مفسدة، مع أنهّم لو ردوا الأمر إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه (يكتشفون باطنه) ويستخرجون تدبيره بتجاربهم وأنظارهم" . وفي الحديث عن الإمام الصادق (ع): "إنّ الله عيّر أقواماً بالإذاعة في قوله عز وجل: {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به} فإياكم والإذاعة"

 

دروس من وحي الآية

 

كيف نتعامل مع الخبر المتصل بأمن الأمة ومصيرها ؟ وما هو تكليفنا إزاء ما تراه عيوننا من أحداث أو قضايا هامة ؟ هذه الأسئلة وغيرها نحاول أن نجد أحوبة عليها انطلاقاً مما جاء في الآية الشريفة المذكورة أعلاه.

 

1- عرض الخبر على محكمة العقل

 

من الطبيعي أن علينا - كخطوة أولى - عندما نسمع بخبر معين يتعلق بأمن المجتمع أو بسلوك بعض أفراده أن لا نبادر إلى التصديق به وأخذه أخذ المسلمات، فضلاُ عن الترويج له، أجل، علينا أن نحاذر وأن نحتاط ونتدبر في الأمر ملياً، لكن هذا شيء والمسارعة إلى تصديق الخبر وترتيب الأثر عليه شيء آخر، فلا بد أن نتعامل مع الخبر بحكمة ونحاكمه بدقة، ولعل أول أمر علينا التدقيق فيه هو شخصيّة ناقل الخبر، فربما كان فاسقاً ومفترياً، سواء كان إنساناً أو أو إذاعة أو محطة تلفزيونية أو موقعاً خبرياً، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين} [الحجرات 6]. إنّ عليك أن تحيل الخبر أو النبأ الذي تسمعه إلى محكمة العقل، لتحلله قبل أن تصدقه أو تندفع إلى ترتيب الأثر عليه، فإنّ تصديقك بكل خبر تسمعه هو دليل على اختلال معين في شخصيتك، وربما في اتزانك العقلي.

 

 ولعل ما هو أسوأ من ذلك هو محاولتك تتبع الأخبار فيما لا يعنيك ولا ينفعك ولا ينفع مجتمعك بشيء، فهذا أمر مرفوض ومذموم، ولو كانت المعلومة التي تحاول اقتفاءها تتصل بعورات الناس وعثراتهم، فإنّ ذلك يشكل دليلاً على اختلال في استقامتك الدينية والأخلاقية، وقد ورد في الحديث عن الإمام الصادق (ع): "قال رسول الله (ص): يا معشر من أسلم بلسانه ولم يخلص الإيمان إلى قلبه لا تذموا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنّه من تتبع عوراتهم تتبع الله عورته ومن تتبع الهي عورته يفضحه ولو في بيته" . وكما لا يحق لك أن تلاحق أخبار الناس المتصلة بأسرارهم أو حياتهم الخاصة، فإنه لا ينبغي لك أن تلاحق الأخبار المتصلة بالأسرار الأمنية والعسكرية مما يدخل في مكامن قوة الأمة، والتي قد يشكل كشفها خطراً عليها، فلا موجب لهذا الفضول الذي ينتاب البعض في سبيل التعرف على مثل هذه الأخبار التي لا تتصل بمسؤولياتهم.

 

2- مخاطر الإذاعة

 

والخطوة الثانية التي علينا الأخذ بها في تعاملنا مع الخبر الذي يتصل بأمن المجتمع هو عدم المسارعة إلى إذاعته أو نقله إلى الآخرين، لأنّ الدوائر الاستخبارية المعادية تعمل على رمي الشائعات داخل المجتمع لأغراض شتى وبوسائل مختلفة، فربما تطلق إشاعة مخيفة تبعث على الرعب وبث الخوف في النفوس، أو إشاعة تبعث على الاطمئنان والأمن في الظروف المخيفة التي يلزم فيها الحذر والتيقظ، أو تتهم شخصية دينية أو سياسية بأمر قبيح وسيء مما قد يسقطه من النفوس، لأنّه - وكما قيل – "إذا أردت ان تقتل شخصاً فأطلق عليه إشاعة"، والآية  الشريفة قد أرشدتنا إلى ضرورة عدم الاسترسال مع الشائعات ونشرها وإذاعتها، وذلك بهدف قطع الطريق أمام مطلقيها. 

 

إنّ إذاعة الإشاعة يحقق أهداف أصحابها ويجعل المجتمع مكشوفاً أمام الأعداء، وربما عرضت أمنه واستقراره للمخاطر. وربّ خبرٍ تخاله أنت أمراً صغيراً أو عادياً ولكنه بالنسبة لعدوك صيد ثمين، فحذار من أن تحدث أو تذيع كل ما رأته عيناك أو سمعته أذناك، فأجهزة الإستخبارات تترصد واقعك وتعمل على دراسة نقاط الضعف فيه والتعرف على مكامن القوة التي قد تكون خافية عليهم، وقد ورد في الحديث عن الإمام الصادق (ع) في قول الله عزّ وجل {ويقتلون الأنبياء بغير حق} [آل عمران 112]، فقال: أما والله ما قتلوهم بأسيافهم ولكن أذاعوا سرهم وأفشوا عليه فقتلوا" .

 

وفي بعض الروايات عن الإمام الصادق (ع):" ما قتلنا من أذاع حديثنا قتل خطأ ولكن قتلنا قتل عمد" .

 

ومن الطبيعي أن يتحمل الإنسان وزر ما قد يترتب على الخبر الذي يطلقه ويروجه من نتائج سلبية، وسوف يحاسبه الله تعالى على ذلك، ففي الحديث عن الإمام الباقر(ع): "يحشر العبد يوم القيامة وما أدمى دماً، فيدفع إليه شبه المحجمة، أو فوق ذلك، فيقال له : هذا سهمك من دم فلان، فيقول: يا رب إنك لتعلم أنك قبضتني وما سفكت دماً، فيقول: بلى سمعت من فلان رواية كذا وكذا، فرويتها عليه حتى صارت إلى فلان الجبار فقتله عليها، وهذا سهمك من دمه" .

 

ثم إنّ الكثير من الأخبار التي نسمعها من أصحابها أو نرويها بشكل مباشر قد تكون كاذبة أو خاطئة، فما بالك بما لو تعددت وسائط الخبر وكثرت العنعنات الشفوية، ففي هذه الحالة فسوف تضعف الثقة بالخبر أكثر فأكثر، إذ إنّ الذاكرة قد تضعف عن نقل كل التفاصيل المتصلة بالحدث، كما أن المخيلة النشطة لبعض الناقلين ربما أضافت على الخبر شيئاً من المحسنات البلاغية أو الزوائد من هنا أو هناك ليلقى رواجاً ويكتسب جاذبية معينة، الأمر الذي يجعلنا نحاذر من المسارعة إلى تصديقه فضلاً عن نشره وإذاعته والترويج له لأن ذلك سيترك بلا شك آثاراً سلبية على المجتمع في أمنه أو استقراره أو ثقافته، وقد ورد في الحديث عن رسول الله (ص):" حسبك من الكذب أن تحدّث بكل ما سمعت، ومن الجهل أن تظهر كل ما علمت" ، ونحوه ما ورد عن أمير المؤمنين(ع):" ولا تحدّث الناس بكل ما سمعت فكفى بذلك كذباً ولا تردّ على الناس كل ما حدثوك به فكفى بذلك جهلاً" .

 

ولأجل ما ذكرنا فإن الفقهاء يحتاطون في الأخبار ويمحصونها تمحيصاً دقيقاً لجهة السند والمتن والمضمون، قبل أن يفتوا بها.

 

3- إحالة الخبر إلى مراكز الرصد والتحليل

 

  وفي كيفية التعامل مع الشائعات أو الأخبار المريبة أو غيرها مما يتصل بأمن الأمة لا يقف الأمر عند ترك الخوض في الخبر أو نشره، بل يتعداه إلى ضرورة إيصال الخبر إلى الدوائر المختصة بغية دراسته وتحليله ومعرفة مصدره ومن يقف خلفه وأهدافهم وغاياتهم، وهذا ما أشارت إليه الآية المباركة، {ولو ردوه إلى الرسول وأولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم}، فاللازم إيصال الأمر إلى الرسول(ص) وإلى أولي الأمر، باعتبار مسؤوليتهم عن متابعة الشؤون العامة وما يرتبط بأمن الأمة، وهؤلاء عليهم دراسة الخبر وتحليله، ومحاولة التعرف على باطنه، كما هو مفاد قوله تعالى "يستبطنونه"، وربما يكون من الضروري في زماننا تأسيس مراكز تعنى بدراسة الإشاعات، وتحلل كل الأخبار التي يتداولها الإعلام المعادي والمشبوه والذي لا يتحرك في الغالب بعفوية أو مهنية كما يزعمون، فكما أنّ لعدونا غرفة استخبارية لصناعة الأخبار الكاذبة وفبركة الإشاعات، فلا بدّ أن يكون لدينا مركز لرصد تلك الأخبار والعمل تفكيكها..

 

 مقايسة الآية بأخرى

 

وهذه الآية تختلف عن قوله: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} [النساء: 59]، لجهة أنّ المأمور به في آية الإذاعة فيما نحن فيه هو الرد إلى الرسول(ص) وأولي الأمر دون الله، بينما الرد في تلك إلى الله والرسول، والوجه فيه: إن التنازع في تلك الآية هو تنازع في الحكم الشرعي، مما يلزم معه الرجوع إلى الله ورسوله، بينما في مقامنا فإنّه لا معنى لرد الأمر وهو الشائعة إلى الله، بل لا بدّ من ردها إلى الرسول وأولي الأمر ليكشفوا من يقف خلفها وأهدافه .

 

وعلى ضوء ذلك فلا يكون المقصود بـ "أولي الأمر" في آيتنا خصوص الأئمة من أهل البيت (ع) وإن ورد ذلك في الحديث عن الإمام الباقر (ع):" هم الأئمة" ، وروى العياشي عن الإمام الرضا (ع):" يعني آل محمد وهم الذين يستنبطون من القرآن ويعرفون الحلال والحرام وهم الحجة لله على خلقه" ، فهذه الروايات لو صحت فإنها روايات مصداقية وليست تفسيرية.

 

4- الإذاعة والأمن الأخلاقي

 

والإذاعة كما تكون مذمومة فيما يتصل بأمن المجتمع السياسي والعسكري والاجتماعي، فإنه مرفوضة أيضا فيما يتصل بالأمن الأخلاقي للأمة، وهو ما يعبر عنه القرآن الكريم بـ "إشاعة الفاحشة"، قال تعالى: {إنّ الذين يحبون ان تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون} [النور19]. إنّ نشر الفاحشة بإذاعتها أو الترويج لها سيكسر الحاجز النفسي تجاهها ويجرىء الكثيرين على ارتكابها، ومن هنا شدد الإسلام على إذاعتها، حتى اعتبرت بعض الروايات أنّ نشرها يوازي ارتكابها، ففي الحديث عن أبي عبد الله (ع) : قال: قال رسول الله : "من أذاع فاحشة كان كمبتديها" ، بل إنّ نشر الفاحشة قد يكون في بعض الحالات أسوأ من فعلها، كما لو نشرت الفاحشة من خلال وسائل الإعلام بالصور الحية، وهذا من أسوأ أنواع إشاعة الفاحشة لأن يشكل ترويجاً لها.

 

 والمطلوب شرعاً وأخلاقاً عندما تشاهد عيناك عملاً قبيحاً أو تسمع أذناك أمراً سيئاً أن لا تبادر إلى نقله وإذاعته، ففي الخبر عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الأول عليه السلام (الإمام الكاظم): " يا محمد كذبْ سمعك وبصرك عن أخيك، وإنْ شهد عندك خمسون قسامة، وقال لك قولاً فصدقه وكذبهم، ولا تذيعن عليه شيئاً تشينه وتهدم مروته، فتكون من الذين قال الله: {إنّ الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم} . وما أدق كلامه (ع) وأروعه ! "كذّب سمعك وبصرك عن أخيك"، أي إنّك لو رأيته يرتكب عملا قبيحاً أو شنيعاً فقل: لعلي مشتبه، وقد زاغ بصري، أو أخطأ سمعي، أو لعل هذا الشخص ليس هو المؤمن الذي أعرفه، فربما كان شبيهاً له .

 

5- إذاعة الأسرار

 

 ومن أقسام الإذاعة المذمومة شرعاً والقبيحة عقلاً: إفشاء الأسرار الخاصة والشخصية، فقد وبّخ الله بعض نساء النبي (ص) لأنّها أفشت أمراً شخصياً أسرّه إليها. قال تعالى: {وإذْ أسرّ النبي إلى بعض أزواجه حديثاً فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرّف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبّأها به قالت من أنبأك هذا قال أنبأني العليم الخبير} [التحريم: 3].

 

وفي الحديث عن أبي عبد الله (ع) :"المجالس بالأمانة وليس لأحدٍ أن يحدّث بحديث يكتمه صاحبه إلا ّبإذنه.."
  
 

 

1-تفسير الصافي: ج1 ص474.
2-وسائل الشيعة ج 16 ص 249 الحديث 7 من أبواب الأمر والنهي.
3-الكافي ج2 ص355.
4-الكافي 2 ص ،371 الحديث 7 وقريب منه الحديث 6.
5-الكافي ج2 ص370.
6-الكافي ج2 ص370.
7-تنبيه الخواطر ج 2 ص 122، نقلاً عن كتاب "العقل والجهل في الكتاب والسنة" للشيخ الريشهري ص 207.
8-نهج البلاغة ج3 ص130.
9-راجع تفسير الميزان ج5 ص22.
10-تفسير العياشي ج1 ص260.
11-تفسير العياشي ج1 ص260.
12-ثواب الأعمال للصدوق ص247.
13-الكافي ج8 ص148.
14-الكافي ج2 ص660.
 





اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon