حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » أنا طالب علم، لدي خوف من أن أتكلم بغير علم.. ما الحل؟
ج »

وعليكم السلام

لا بد لطالب العلم في مساره العلمي أن يتسلح بأمرين أساسيين:
الأول: الاستنفار العلمي وبذل الجهد الكافي لمعرفة قواعد فهم النص واستكناه معناه ودلالاته بما يعينه على التفقه في الدين وتكوين الرأي على أسس صحيحة.
الثاني: التقوى العلمية ويُراد بها استحضار الله سبحانه وتعالى في النفس حذراً من الوقوع في فخ التقوّل على الله بغير علم. ومن الضروري أن يعيش مع نفسه حالة من المحاسبة الشديدة ومساءلة النفس من أن دافعه إلى تبني هذا الرأي أو ذاك: هل هو الهوى والرغبة الشخصية أم أن الدافع هو الوصول إلى الحقيقة ولو كانت على خلاف الهوى.
أعتقد أن طالب العلم إذا أحكم هذين الامرين فإنه سيكون موفقاً في مسيرته العلمية وفيما يختاره من آراء أو يتبناه من موقف.

 
س » كيف علمنا أن الصحيفة السجادية ناقصة؟ وهل ما وجده العلماء من الأدعية صحيح؟؟
ج »

أقول في الإجابة على سؤالكم:

أولاً: إن الصحيفة السجادية في الأصل تزيد على ما هو واصل إلينا وموجود بين أيدينا، قال المتوكل بن هارون كما جاء في مقدمة الصحيفة: " ثم أملى عليّ أبو عبد الله (ع) الأدعية، وهي خمسة وسبعون باباً، سقط عني منها أحد عشر باباً، وحفظت منها نيفاً وستين باباً"، بيد أن الموجود فعلاً في الصحيفة الواصلة إلينا هو أربعة وخمسون دعاء. آخرها دعاؤه في استكشاف الهموم، وهذا آخر دعاء شرحه السيد علي خان المدني في رياض السالكين، وكذا فعل غيره من الأعلام.

ثانياً: إن سقوط عدد من أدعية الصحيفة وضياعها دفع غير واحد من الأعلام للبحث والتتبع في محاولة لمعرفة ما هو الضائع منها، وبحدود اطلاعي فإنهم عثروا على أدعية كثيرة مروية عن الإمام زين العابدين (ع)، لكنهم لم يصلوا إلى نتائج تفيد أن ما عثروا عليه هو من الأدعية الناقصة منها، ولذا عنونوا مؤلفاتهم بعنوان مستدركات على الصحيفة، ولم يجزموا أن ما جمعوه من أدعية هو الضائع من أدعية الصحيفة. وهذا ما تقتضيه الضوابط العلمية والدينية، فما لم يعثر الإنسان على نسخة قديمة موثوقة أو قرائن مفيدة للوثوق بأن هذا الدعاء أو ذاك هو من جملة أدعية الصحيفة فلا يصح له إضافة بعض الأدعية على الصحيفة بعنوان كونها منها.

ثالثاً: لقد ابتُلينا بظاهرة خطيرة، وهي ظاهرة الإضافة على الصحيفة أو غيرها من كتب الأدعية، وهذا العمل هو خلاف الأمانة والتقوى، وقد ترتّب على ذلك الكثير من المفاسد، وأوجب ذلك وهماً للكثيرين، فتوهموا أن بعض الأدعية هي جزء من الصحيفة السجادية المشهورة، ومردّ ذلك بكل أسف إلى أن مجال الأدعية والزيارات شرعة لكل وارد، وتُرك لأصحاب المطابع والمطامع! وأعتقد أن هذا العبث في كتب الأدعية والزيارات ناشئ عن عدم عناية العلماء بالأمر بهذه الكتب كما ينبغي ويلزم، كما نبه عليه المحدث النوري في كتابه "اللؤلؤ والمرجان" مستغرباً صمت العلماء إزاء التلاعب والعبث بنصوص الأدعية والزيارات مما يعدّ جرأة عظيمة على الله تعالى ورسوله (ص)!

رابعاً: أما ما سألتم عنه حول مدى صحة الأدعية الواردة بعد دعاء استكشاف الهموم، فهذا أمر لا يسعنا إعطاء جواب حاسم وشامل فيه، بل لا بدّ أن يدرس كل دعاء على حدة، ليرى ما إذا كانت قرائن السند والمتن تبعث على الحكم بصحته أم لا. فإن المناجاة الخمس عشرة بنظرنا لم تصح وربما كانت من وضع الصوفية، وقد أوضحنا ذلك بشكل مفصل في كتاب الشيع والغلو.


 
س » ابني المراهق يعاني من التشتت، وأنا جدا قلق ولا اعرف التصرف معه، ما هي نصيحتكم؟
ج »

التشتت في الانتباه في سن المراهقة مع ما يرافقه من الصعوبات هو في حدود معينة أمر طبيعي وظاهرة تصيب الكثير من المراهقين ولا سيما في عصرنا هذا.

وعلينا التعامل مع هذه المرحلة بدقة متناهية من الاستيعاب والتفهم والإرشاد والتوجيه وتفهم سن المراهق، وأن هذه المرحلة تحتاج إلى أسلوب مختلف عما سبقها.

فالمراهق ينمو لديه الإحساس بالذات كثيرا حتى ليخيل إليه أنه لم يعد بحاجة إلى الاحتضان والرعاية من قِبل والديه.

وبالتالي علينا أن نتعامل معه بأسلوب المصادقة "صادقه سبعا.." والتنبه جيدا للمؤثرات التي تسهم في التأثير على شخصيته واستقامته وتدينه، ومن هذه المؤثرات: الأصدقاء ووسائل التواصل الاجتماعي، فإن نصيبها ودورها في التأثير على المراهق هو أشد وأعلى من دورنا.

وفي كل هذه المرحلة علينا أن نتحلى بالصبر والأناة والتحمل، وأن نبتدع أسلوب الحوار والموعظة الحسنة والتدرج في العمل التربوي والرسالي.

نسأل الله أن يوفقكم وأن يقر أعينكم بولدكم وأن يفتح له سبيل الهداية. والله الموفق.


 
س » اعاني من عدم الحضور في الصلاة، فهل أحصل على الثواب؟
ج »
 
لا شك أن العمل إذا كان مستجمعا للشرائط الفقهية، فهو مجزئٌ ومبرئٌ للذمة. أما الثواب فيحتاج إلى خلوص النية لله تعالى بمعنى أن لا يدخل الرياء ونحوه في نية المصلي والعبادة بشكل عام.
ولا ريب أنه كلما كان الإنسان يعيش حالة حضور وتوجه إلى الله كان ثوابه أعلى عند الله، لكن لا نستطيع نفي الثواب عن العمل لمجرد غياب هذا الحضور في بعض الحالات بسبب الظروف الضاغطة على الإنسان نفسيا واجتماعيا.
لكن على الإنسان أن يعالج مشكلة تشتت الذهن أثناء العمل العبادي وذلك من خلال السعي الجاد للتجرد والابتعاد عن كل الهواجس والمشكلات أثناء الإقبال على الصلاة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، باستحضار عظمة الله عز وجل في نفوسنا وأنه لا يليق بنا أن نواجهه بقلب لاهٍ وغافل. والله الموفق.

 
س » أنا إنسان فاشل، ولا أتوفق في شيء، وقد كتب عليّ بالخسارة، فما هو الحل؟
ج »

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أولاً: التوفيق في الحياة هو رهن أخذ الإنسان بالأسباب التي جعلها الله موصلة للنجاح، فعلى الإنسان أن يتحرك في حياته الشخصية والمهنية والاجتماعية وفق منطق الأسباب والسنن. على سبيل المثال: فالإنسان لن يصل إلى مبتغاه وهو جليس بيته وحبيس هواجسه، فإذا أراد الثروة فعليه أن يبحث عن أسباب الثروة وإذا أراد الصحة فعليه أن يأخذ بالنصائح الطبية اللازمة وإذا أراد حياة اجتماعية مستقرة عليه أن يسير وفق القوانين والضوابط الإسلامية في المجال الاجتماعي وهكذا.

ثانياً: لا بد للإنسان أن يعمل على رفع معوقات التوفيق، وأني أعتقد أن واحدة من تلك المعوقات هي سيطرة الشعور المتشائم على الإنسان بحيث يوهم نفسه بأنه إنسان فاشل وأنه لن يوفق وأنه لن تناله البركة الإلهية.

إن هذا الإحساس عندما يسيطر على الإنسان فإنه بالتأكيد يجعله إنسانا فاشلا ومحبطا ولن يوفق في حياته ولذلك نصيحتي لك أن تُبعد مثل هذا الوهم عن ذهنك وانطلق في الحياة فإن سبيل الحياة والتوفيق لا تعد ولا تحصى.


 
س » ما هو هدف طلب العلم الذي يجب أن يكون؟
ج »

عندما ينطلق المسلم في طلبه للعلم من مسؤوليته الشرعية الملقاة على عاتقه ومن موقع أنه خليفة الله على الأرض، فإن ذلك سوف يخلق عنده حافزاً كبيراً للجد في طلب العلم والوصول إلى أعلى المراتب. أما إذا انطلق في تحصيله من موقع المباهاة أو إثبات ذاته في المجتمع أو من موقع من يريد أن يزين اسمه بالشهادة الجامعية ليُقال له "الدكتور" وما إلى ذلك، فإنه - في الغالب - لن يصل إلى النتيجة المرجوة.

وعلى كل إنسان منا أن يعي أنّنا في هذه الحياة مسؤولون في أن نترك أثراً طيباً، وأن نقوم بواجباتنا قبل أن يطوينا الزمان، إننا مسؤولون عن عمرنا فيما أفنيناه وعن شبابنا فيما أبليناه، وسنُسأل يوم القيامة عن كل هذه الطاقات التي منّ اللهُ بها علينا.

وأضف إلى ذلك، إنه من الجدير بالمسلم، أن لا يفكر في نفسه وما يريحه هو فحسب في طلبه للعلم، بل أن يفكر أيضاً في أمته والنهوض بها ليكون مستقبلها زاهراً، وهذا كله يحتم عليه أن يكون سقف طموحاته عالياً ليتمكن هو وأقرانه من الطلاب والعلماء من ردم الفجوة بيننا وبين الغرب الذي سبقنا على أكثر من صعيد.

باختصار: إن مسؤوليتنا ورسالتنا وانتماءنا لهذه الأمة يفرض علينا أن نعيش حالة طوارئ ثقافية وعلمية.


 
س » ما رأيكم في الاختلاط المنتشر في عصرنا، وكيف نحاربه؟
ج »

إنّ الاختلاط قد أصبح سمة هذا العصر في كثير من الميادين، ومنها الجامعات والطرقات والساحات وكافة المرافق العامة.. والاختلاط في حد ذاته ليس محرماً ما لم يفضِ إلى تجاوز الحدود الشرعية في العلاقة بين الرجل والمرأة الأجنبيين؛ كما لو أدى إلى الخلوة المحرمة بالمرأة أو مصافحتها أو كان المجلس مشوباً بأجواء الإثارة الغرائزية أو غير ذلك مما حرمه الله تعالى.

وفي ظل هذا الواقع، فإنّ العمل على تحصين النفس أولى من الهروب أو الانزواء عن الآخرين بطريقة تشعرهم بأن المؤمنين يعيشون العُقد النفسية. إن على الشاب المسلم أن يثق بنفسه وأن يفرض حضوره ووقاره، وأن يبادر إلى إقناع الآخرين بمنطقه وحججه، وأن يبيّن لهم أن الانحراف والتبرج والفجور هو العمل السيّئ الذي ينبغي أن يخجل به الإنسان، وليس الإيمان ومظاهر التدين.

وأننا ندعو شبابنا عامة وطلاب الجامعات خاصة من الذكور والإناث إلى أن يتزينوا بالعفاف، وأن يحصنوا أنفسهم بالتقوى بما يصونهم من الوقوع في الحرام.


 
س » كيف يمكن التخلص من السلوكيات والعادات السيئة؟
ج »

إن التغلب على السلوكيات الخاطئة أو العادات السيئة – بشكل عام – يحتاج بعد التوكل على الله تعالى إلى:

أولاً: إرادة وتصميم، ولا يكفي مجرد الرغبة ولا مجرد النية وانما يحتاج بالإضافة إلى ذلك إلى العزم والمثابرة وحمل النفس على ترك ما اعتادته.

ثانياً: وضع برنامج عملي يمكّن الإنسان من الخروج من هذه العادة السيئة بشكل تدريجي؛ وأرجو التركيز على مسألة "التدرج" في الخروج من هذه العادات السيئة؛ لأن إدمان النفس على الشيء يجعل الخروج منه صعباً ويحتاج إلى قطع مراحل، وأما ما يقدم عليه البعض من السعي للخروج الفوري من هذه العادة، فهو - بحسب التجربة - سيُمنى في كثير من الأحيان بالفشل. والله الموفق


 
 
  كتب >> قراءات في الكتب
قراءة في كتاب .. العقل التكفيري - قراءة في المنهج الإقصائي



 

قراءة في كتاب العقل التكفيري

 

 


 

في زمن استفحال ظاهرة العنف الفكري والدموي، وفي مجتمع إسلامي باتت تمزّقه العصبيات، وتتلاعب به الأحقاد ورفضُ الآخر الذي لا يشبهنا، وفي حاضرٍ تتكاثر فيه فتاوى القتل والتمثيل بمن أخرجته عقولُنا المتحجّرة من الدين، يأتي سماحة العلامة الشيخ حسين الخشن وبجرأته العلمية المعهودة، ليضع إصبع الدين والتسامح على جرح التكفير والجهل، وليضيء لنا ما أظلم علينا في غياهب وكهوف التعصّب... فيقول في مقدمة الكتاب " في ظل هذه الفتنة يكون لزاماً على أهل البصيرة والوعي من علماء الأمة ومفكّريها أن يقفوا ملياً أمام هذه الظاهرة ويتداعوا لدرس مخاطرها، ويستنفروا كافة طاقاتهم وجهودهم الفكرية لمعرفة أسباب انتشارها وسبل معالجتها، وليتفكّروا في مناشىء التكفير ودواعيه، ومنابع الفكر التكفيري، وضوابط حماية المجتمع الإسلامي من فتنته وشره"...  

 

 


في بداية الكتاب يستعرض الشيخ الخشن نشوء ظاهرة التكفير في الإسلام والتي حدثت في زمن الإمام علي (ع)، وبالتحديد مع الخوارج الذين كفروه وأباحوا قتله وقتل كل من خالفهم الرأي... ولو أنّ الإمام علياً (ع) حاورهم في بداية الأمر ورفض تكفيرهم أو إخراجهم من الإسلام... ولم يحاربهم إلا عندما تلطخت أيديهم بدماء المسلمين، وعاثوا فساداً في الأمّة...
 

 


وفي الفصل الأول يعمد سماحته إلى تحديد المعايير التي تحدد من هو المسلم، وكيف يدخل الإنسان في الإسلام، وما هي شروط هذا الإسلام الذي يخرجه عن الكفر. ويفصل الكلام عن الأصول التي يعتمدها كل مذهب وفئة لما تعتقده... ويخلص إلى القول بأن الإسلام هو الشهادتان، ويستعرض أراء الفقهاء في ذلك وفي ما يرونه مُخرِجاً للإنسان من الإسلام..

 

 


ويطرح بعدها سؤالاً هل أن الإسلام مرتبة واحدة أم مراتب متعددة، وكذلك الإيمان والكفر أيضاً، فيخلص إلى القول بالتعددية في المراتب في الإسلام والإيمان والكفر، " إنّ الذي يستفاد من القرآن الكريم والسُّنة الشريفة أنّ هناك مرتبتين أساسيتين يندرج المسلمون في نطاقهما، وهما: مرتبة الإسلام ومرتبة الإيمان، ولا يخفى على المطلع على النصوص والآثار الإسلامية أنّ ثمة فارقاً جوهرياً وشاسعاً بين الإسلام والإيمان، فالإيمان يعبر عن تجذر العقيدة في القلب وتجسيد أحكام الشريعة من خلال السلوك والعمل، أمّا الإسلام، فيكتفى فيه – بلحاظ أدنى مراتبه - بالانتماء الظاهري والرسمي إلى الدين والمتمثِّل بالشهادتين ولو لم يتجذر في القلب ولم يُصدِّقْه العمل، وعليه يكون الإيمان أخص من الإسلام، فليس كلّ مسلم مؤمناً وإن كان كل مؤمن مسلماً"...

 

 


ثم يطرح سماحة الشيخ سؤالين جوهريين يحكمان علاقتنا بالآخرين، وكيف يجب أن نتعامل معهم، هل إنّ كل من ليس مسلماً كافراً؟ وهل كل كافر في النار؟!
ويجيب عن السؤال الأول: "والرأي الذي نرجّحه ونراه أقرب إلى الصواب هو الرأي القائل إنّ ثمة حالة وسطى بين الإسلام والكفر، أي إن النسبة بينهما ليست نسبة الضدين اللذين لا ثالث لهما، وإنما هي نسبة الضدين اللذين لهما ثالث، كما هو الحال في السواد والبياض فإنّ لها ضداً ثالثاً، وهو الخضرة مثلاً، وقد اعترف بهذا الأمر – أعني ثبوت الواسطة بين الإسلام والكفر- الفقيه الكبير الشيخ مرتضى الأنصاري رحمه الله، مدعياً دلالة الأخبار المستفيضة على ذلك"...

 


ويستعرض مسألة الشك التي تعتري الإنسان الباحث عن الحقيقة والتفتيش عن العقيدة الحقة لا يتنافى مع الإيمان، بل إنّه قد يقود إليه في الأعم الأغلب، والشاك في هذا الطريق لا يحكم بكفره ولا تترتّب عليه آثار الكفر.
ويجيب على السؤال الثاني: الجنة والنار بيد الله , فليس كلّ كافر يعذّب بالنار كما أنّه لا يتحتّم أن يكون كلُّ مسلم من أهل الجنّة، وينبغي ترك أمر الجنّة والنار لله سبحانه وتعالى، وليس لنا أن نحتّم على الله شيئاً، فلو أنّ ظاهر المرء كان حَسَناً بالنسبة لنا، فإنَّ ذلك لا يبرّر القطع بأنّه من أهل الجنّة، لأنّ الله تعالى أعلم به منّا، وهو المطّلع على السرائر وما يكون قد خفي عنّا...

 

 


ثم ينتقل في الفصل الثاني ليتحدث عن المفردة الأهم وهي "أصالة احترام النفس الإنسانية"، وما ينتج عنها من أحكام على ضوء اعتبار الأصل الاحترام للنفس الإنسانية أم لا. ويعرض لاختلاف آراء الفقهاء، ويخلص للقول إنّ: "الإنسان بشكل مطلق وبصرف النظر عن دينه محترم النفس والعرض والمال بلحاظ عالم الدنيا وقوانينها، ما لم يهدر هو احترامه بارتكاب ما يوجب سقوط حرمته"... ويعرض للاختلاف في الحكم على الكافر وقتاله، وهل أن سبب قتاله هو كفره أم حرابته للمسلمين، ويناقش الآراء التي تجعل من مجرد الكفر سبباً للقتال، دون الاكتراث إن كان هذا الشخص مسالماً وغير معادٍ للمسلمين، ويخلص إلى أن الحرابة تتوقف فقط على حرابة الكافر للمسلمين لا مجرد كونه كافراً، مستدلاً على ذلك بالعديد من الآيات والأحاديث الصحيحة... مؤكداً على تشديد الإسلام على التعايش مع الآخرين وعدم الانغلاق...

 

 


وفي الفصل الثالث يتحدث سماحة الشيخ الخشن عن مناشئ التكفير ودوافعه، وما هي مسبباته: " تفسيرنا وتحليلنا لظاهرة التكفير ودراستنا لأسبابها ومنطلقاتها لا نستطيع إرجاعها إلى عامل واحد، لأننا أمام ظاهرة دينيّة اجتماعية، أو ظاهرة دينيّة ذات بعد اجتماعي، ومن الخطأ تفسير الظواهر الاجتماعية على أساس نظرية العامل الواحد، فهناك أسباب مختلفة ودوافع شتى ومتداخلة تساهم في بناء الشخصية التكفيرية، ويتشابك فيها العامل النفسي مع الاجتماعي مع الاقتصادي مع السياسي مع الديني، وتداخل هذه الأسباب يفرز شخصيات تكفيرية صدامية،وليس من الصحيح إرجاع هذه الظاهرة إلى سبب بعينه، لأنّ في ذلك مجافاة للحقيقة والواقع"...

 

 


فيدعو إلى تنقية التراث الإسلامي من الأحاديث المكذوبة والموضوعة والتي يتّخذها التكفيريون درعاً يتحصنون به أو مبرراً لأفعالهم. وكذلك العمل على فضح الجهلة الذين يعتبرون أحد أخطر الأسباب المشوهة للدين، " الحذر كل الحذر من الجهلة المتنسكين، الذين ينطقون باسم الدين ويحتكرونه لأنفسهم ويتصرّفون كأنّهم أوصياء عليه، فإنّهم يسيئون أكثر مما يحسنون، وربّما أساؤا من حيث يريدون الإحسان والخير... إنّ الجهل بأبعاد الدين ومقاصده مدّعاة إلى الانغلاق، والانغلاق مدّعاة إلى الصدام والتكفير، ومن جوامع كلمات عليّ (ع) في هذا الشأن قوله فيما روي عنه: "لا ترى الجاهل إلا مفرطاً أو مفرِّطاً..."

ثم ينتقل في الفصل الرابع للحديث عن خصائص الشخصية التكفيرية، وما يحمله التكفيري من صفات تفكير يؤدي به إلى ما وصل إليه، كالاستعلاء والغرور الديني وسرعة انفعاله وتفلّته من عقال العقل والسير خلف ما يعتبره ثوابت ومسلماتٍ لا تقبل النقاش، فهو المعصوم وكل من يعانده خارج عن الدين... وهذا ما يقوده إلى العنف شيئاً فشيئاً تجاه الآخرين، وهذا ما يتعارض من الرفق في الإسلام والتسامح الذي يميزه ويُعلي من مكانته في نفوس الآخرين...

 

 


وفي الفصل الخامس يتحدث سماحته عن مفهوم الابتداع في الدين ورمي كلِّ فئة للأخرى بهذه الآفة لإخراجها من الإسلام والدين كله، " إن واحدة من أخطر أسلحة التراشق الداخلي التي يستخدمها المسلمون في وجه بعضهم البعض، رمي الآخر بالابتداع في الدين، الأمر الذي يستتبع إخراجه من الدائرة الإيمانية والحكم عليه بأنّه من أهل النار ومعاقبته بما يضع حداً لبدعته"... وما ينتج عن ذلك من احتكار كل فئة للهداية دون الآخرين... ويتحدث بعدها عن الاختلاف بين فقهاء الشيعة في الأصول والفروع، وكيف كان التلميذ يخالف أستاذه في أكثر من مائة مسألة عقائدية ولا أحد يخرج الآخر من التشيّع أو ينعته بالضلال. 

 


ولظاهرة السباب واللعن بحث مفصل ضمن هذا الفصل، عن مسبباته وانتشاره في المجتمع الإسلامي، وما هي مساوئه وآفاته وكيفية معالجته، وما يجب على المؤمن العمل في هذه الحالة.
وفي الفصل السادس والأخير يطرح سماحة الشيخ الخشن مسألة الخطاب الديني بين المسلمين والتكفيريين، وعن الفوضى في تبني واحتكار الكلام باسم الدين، " إلاّ أنّ واقع الأُمة مغاير لذلك تماماً، حيث نشهد فوضوية شاملة في هذا المجال، فالكل يتكلم باسم الدين، سواءً من كان أهلاً لذلك أو من ليس أهلاً له، وهكذا يكثر المفتون والناطقون باسم الإسلام، وأخطر ما نواجهه في هذا المجال تصدي جماعة من المراهقين في العلوم الإسلامية لاسيّما من ذوي النزعات التكفيرية للإفتاء في صغار الأمور وكبارها، فتراهم يُحلّلون ويُحرّمون ويكفّرون ويضلّلون ويهدرون دماء الأعداء والأصدقاء، المجرمين والأبرياء متجاوزين بذلك أكابر الفقهاء وذوي الحلّ والعقد، وبذلك أدخلوا الأُمة في نفق مظلم لا يعلم منتهاه إلا الله..."

 

 


وهذا ما يفتح الباب على مصراعيه في مسألة الصراع بين الماضي والحاضر التجديدي في الفقه والدين، وما ينتج عن التقديس الأعمى للماضي دون التدقيق فيه، ويفصّل الكلام في كيفية التوفيق بين الماضي الصحيح والمستحدث من الأمور ضمن ضوابط دينية محددة. وكيف يجب على الداعية أن يراعي العصر ومستلزماته، وكيف يجب أن يخاطب العقول في الدرجة الأولى وأن لا يكون منفراً بل مستقطباً، " أمّا علاقة الدين بالعقل فواضحة، فالعقل هو ميزان التديّن، قال أحدهم للإمام الصادق (ع): "فلان في دينه وفضله؟ فقال (ع): فكيف عقله؟ فقال السائل: لا أدري، فقال: "إنّ الثواب على قدر العقل"، وعن علاقة الدين بالقلب قال رسول الله (ص)– فيما روي عنه -: "لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه". 

 

 

 


وكما أنّ الإنسان قد يصاب في جسده، فإنّه قد يصاب في عقله وقلبه، فكما أنّ للجسد أمراضاً، فإنّ لكلّ من العقل والقلب أمراضاً ومصارع.

وفي نهاية الكتاب يتحدث سماحته عن كيفية مواجهة التطرف والتكفير وسبل معالجته، من خلال معالجة أسبابه ومعاملته بالتسامح دون التكفير المضاد، ولا بد من النقاش وتقبل الرأي الآخر وأن يكون الاختلاف استزادة في المعرفة لا سبيلاً للتمزق والتشتت، " إنّ الاختلاف لا يساوي التمزق والتشتّت ولا يعني أنّ من ليس معي فهو ضدي ومن لا يوافقني الرأي فهو عدوي، وإذا ما قاد الاختلاف إلى التناحر والتنازع فهو تخلف وجاهلية، أما إذا تحرك وفق قانون التدافع والتنافس فهو ليس أمراً جائزاً وممدوحاً فحسب، بل هو شرط لديمومة الحياة الاجتماعية والإنسانية كما يؤكد علماء الاجتماع، وفي ذلك جاء قوله تعالى: {... نحن قسَمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتّخذ بعضهم بعضاً سخرياً..} [الزخرف: 32]...

 

 


يشكّل هذا الكتاب قيمة علمية ونقدية بارزة في هذا الزمن المليء بالتكفير ورفض الآخر، واستباحة دماء وأعراض الإنسان كل الإنسان بغض النظر عما يعتنقه من مذهب أو فكر... هو بصيص أمل ونافذة نور تدلّنا على أن هناك في الأفق نهاية لهذا النفق الدموي المظلم...

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

كتب محمد طراف

 

 

8/1/2014

 






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon