ألقى سماحة الشيخ حسين الخش ، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية: ما هي صورة الأوضاع في واقعنا في أجواء المولد النبويّ الشّريف؟. في القدس المحتلَّة، نفَّذ المستوطنون الصّهاينة هجوماً جديداً على المقدَّسات الفلسطينيّة، فهاجموا ديراً مسيحيّاً، وكتبوا عليه عبارات "الموت للعرب"، وشعارات أخرى معادية للمسيحيَّة والإسلام، في أعقاب هجوماتهم السّابقة على المساجد، وتدنيسهم لمقابر المسلمين وللمسجد الأقصى الشّريف.. ليبعثوا برسالة إلى كلّ العرب الّذين تلعب بهم أمم الأرض تحت العناوين المذهبيّة والطّائفيّة، بأنّ الصّهاينة لا يفرّقون بين مسلمٍ ومسيحيّ، كما لم يفرّقوا في عدوانهم على غزّة ولبنان بين سني وشيعي ومسيحي ودرزي وما إلى ذلك...
إنّ تصاعد الهجمة الصهيونية ضد الفلسطينيين على مستوى الزحف الاستيطاني أو العدوان على قطاع غزة بين الوقت والآخر، أو في عمليّات الاعتقال المستمرّة داخل الضفّة الغربية، وصولاً إلى الحرب المباشرة وغير المباشرة على المقدّسات الإسلاميّة والمسيحيّة في القدس المحتلة، يشير إلى العقلية العدوانية الصهيونية التي لا تتطلع إلى الربيع العربي والشعوب العربية والإسلامية إلا بعين الحقد والعداوة، نزولاً عند آراء حاخامهم الأكبر الذي نعت العرب بالأفاعي والحشرات ودعا إلى إبادتهم...
إننا أمام هذه الهجمة الصهيونية، وأمام حديث وزير حرب العدو في مؤتمر هرتزيليا، عن أنّ كيانه يمثل "الدولة الأقوى في المنطقة عسكرياً واستراتيجياً"، لا نملك إلا أن نؤكِّد عنصر القوّة في وحدة الشّعب الفلسطينيّ داخليّاً أمام الاحتلال، ووحدة فصائله ومجاهديه...
ومن هنا، فإنّنا نرى في كلّ مجالات المصالحة بين "فتح" و"حماس"، في التّوافق الأخير حول حكومة انتقاليّة، خطوةً أساسيّةً في التصدّي لمخطّطات العدوّ ووحشيّته، ومساعيه الرّامية إلى وأد المسألة الفلسطينيّة. ولذلك، فعندما يُخيِّر رئيس وزراء العدوّ الرئيس الفلسطيني بين المصالحة مع "حماس" أو الذّهاب في خط التيه عبر المفاوضات مع كيانه، فعلى القيادة الفلسطينية ألا تتردّد في سلوك طريق المصالحة مع شعبها ومع فصائل الانتفاضة والجهاد، وعلى رأسها حركة "حماس"...
وعندما نقارب المسألة الفلسطينيّة في آخر معطياتها وتحدّياتها، فإنّنا نريد للعرب جميعاً على مستوى الجامعة العربيّة وغيرها، ألا تغيب عن بالهم فلسطين في كلّ المقاربات الجارية للمسألة السوريّة وغيرها، وكم كنا نتمنّى لو أن بعض الدول العربية التي كانت لديها علاقات مع العدوّ عبر السّفراء وغيرهم، أن تبادر إلى خطوات حاسمة معه عند عدوانه على غزّة وعلى لبنان، كما فعلت بعض الدّول قبل أيّام فيما يتّصل بالعلاقات مع سوريا..
إنّنا نعتقد أن الوضع في سوريا يحتاج إلى حركة عربيّة وإسلاميّة مسؤولة، لجهة القيام بدور فاعل على مستوى إطلاق حوارٍ جدّيّ يتجاوز كلّ العناوين الّتي أُثيرت وتُثار من خلال مجلس الأمن أو الجامعة العربيّة، أو ما يتحدّث به النّظام في المقابل، لأنّ الدّماء الّتي تسيل في سوريا، تمثّل مسؤوليّةً كبرى في أعناق الجميع، وبالتالي، فلا يمكن إدارة الظهر لما يجري من خلال قرارات تهدّد بالمقاطعة، ولا تقترب من ملامسة الواقع بحوارٍ يجمع كلّ الأطراف ويُرضي طموحات الشعب السوري وآماله الكبرى بالإصلاح والتّغيير وما إلى ذلك...
لقد دخلت سوريا من خلال أزمتها المتفاقمة ـ والّتي يتأثّر بها المحيط العربيّ والإسلاميّ كلّه ـ في المتاهات الدوليّة، وعلى العرب والمسلمين أن يعملوا بكلّ طاقتهم لحلّ هذه الأزمة، بعيداً عما هي العناوين الطائفيّة والمذهبيّة الّتي تزيد الأمور اشتعالاً والأزمة تعقيداً...
أمّا لبنان، الّذي تضجّ المنطقة من حوله بالحراك الشعبيّ والأزمات والتوتّرات السياسيّة والأمنيّة، فينام المسؤولون فيه على حرير مشاكلهم الذاتيّة، ويستقيلون من مسؤوليّاتهم الوطنيّة، بعدما أعطوا النّاس وعوداً ربيعيّة بأولويّات خدماتيّة رفعت الحكومة شعارها منذ البداية، ولم ير النّاس ما يشفي غليل المستضعفين والمحرومين، الّذين دفعوا مجدّداً ثمن خلافات الحكومة تناقضاتها...
إنّنا نرى أنّ الحكومة باتت تحتاج إلى مصالحة مع الذات وفي داخلها، قبل أن تتصالح مع الناس، والمشكلة تكمن في أنّنا في أنّ الأرض تهتزّ من تحت أقدامنا بأزمات سياسيّة وسجالات طائفيّة ومذهبيّة، والوقت يُداهم الجميع، والمرحلة لا تحتمل الانتظار، فهل يستفيق المعنيّون من كبوتهم؟ هو سؤال بحجم المرحلة وبحجم التطوّرات؟!
|