حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » أنا طالب علم، لدي خوف من أن أتكلم بغير علم.. ما الحل؟
ج »

وعليكم السلام

لا بد لطالب العلم في مساره العلمي أن يتسلح بأمرين أساسيين:
الأول: الاستنفار العلمي وبذل الجهد الكافي لمعرفة قواعد فهم النص واستكناه معناه ودلالاته بما يعينه على التفقه في الدين وتكوين الرأي على أسس صحيحة.
الثاني: التقوى العلمية ويُراد بها استحضار الله سبحانه وتعالى في النفس حذراً من الوقوع في فخ التقوّل على الله بغير علم. ومن الضروري أن يعيش مع نفسه حالة من المحاسبة الشديدة ومساءلة النفس من أن دافعه إلى تبني هذا الرأي أو ذاك: هل هو الهوى والرغبة الشخصية أم أن الدافع هو الوصول إلى الحقيقة ولو كانت على خلاف الهوى.
أعتقد أن طالب العلم إذا أحكم هذين الامرين فإنه سيكون موفقاً في مسيرته العلمية وفيما يختاره من آراء أو يتبناه من موقف.

 
س » كيف علمنا أن الصحيفة السجادية ناقصة؟ وهل ما وجده العلماء من الأدعية صحيح؟؟
ج »

أقول في الإجابة على سؤالكم:

أولاً: إن الصحيفة السجادية في الأصل تزيد على ما هو واصل إلينا وموجود بين أيدينا، قال المتوكل بن هارون كما جاء في مقدمة الصحيفة: " ثم أملى عليّ أبو عبد الله (ع) الأدعية، وهي خمسة وسبعون باباً، سقط عني منها أحد عشر باباً، وحفظت منها نيفاً وستين باباً"، بيد أن الموجود فعلاً في الصحيفة الواصلة إلينا هو أربعة وخمسون دعاء. آخرها دعاؤه في استكشاف الهموم، وهذا آخر دعاء شرحه السيد علي خان المدني في رياض السالكين، وكذا فعل غيره من الأعلام.

ثانياً: إن سقوط عدد من أدعية الصحيفة وضياعها دفع غير واحد من الأعلام للبحث والتتبع في محاولة لمعرفة ما هو الضائع منها، وبحدود اطلاعي فإنهم عثروا على أدعية كثيرة مروية عن الإمام زين العابدين (ع)، لكنهم لم يصلوا إلى نتائج تفيد أن ما عثروا عليه هو من الأدعية الناقصة منها، ولذا عنونوا مؤلفاتهم بعنوان مستدركات على الصحيفة، ولم يجزموا أن ما جمعوه من أدعية هو الضائع من أدعية الصحيفة. وهذا ما تقتضيه الضوابط العلمية والدينية، فما لم يعثر الإنسان على نسخة قديمة موثوقة أو قرائن مفيدة للوثوق بأن هذا الدعاء أو ذاك هو من جملة أدعية الصحيفة فلا يصح له إضافة بعض الأدعية على الصحيفة بعنوان كونها منها.

ثالثاً: لقد ابتُلينا بظاهرة خطيرة، وهي ظاهرة الإضافة على الصحيفة أو غيرها من كتب الأدعية، وهذا العمل هو خلاف الأمانة والتقوى، وقد ترتّب على ذلك الكثير من المفاسد، وأوجب ذلك وهماً للكثيرين، فتوهموا أن بعض الأدعية هي جزء من الصحيفة السجادية المشهورة، ومردّ ذلك بكل أسف إلى أن مجال الأدعية والزيارات شرعة لكل وارد، وتُرك لأصحاب المطابع والمطامع! وأعتقد أن هذا العبث في كتب الأدعية والزيارات ناشئ عن عدم عناية العلماء بالأمر بهذه الكتب كما ينبغي ويلزم، كما نبه عليه المحدث النوري في كتابه "اللؤلؤ والمرجان" مستغرباً صمت العلماء إزاء التلاعب والعبث بنصوص الأدعية والزيارات مما يعدّ جرأة عظيمة على الله تعالى ورسوله (ص)!

رابعاً: أما ما سألتم عنه حول مدى صحة الأدعية الواردة بعد دعاء استكشاف الهموم، فهذا أمر لا يسعنا إعطاء جواب حاسم وشامل فيه، بل لا بدّ أن يدرس كل دعاء على حدة، ليرى ما إذا كانت قرائن السند والمتن تبعث على الحكم بصحته أم لا. فإن المناجاة الخمس عشرة بنظرنا لم تصح وربما كانت من وضع الصوفية، وقد أوضحنا ذلك بشكل مفصل في كتاب الشيع والغلو.


 
س » ابني المراهق يعاني من التشتت، وأنا جدا قلق ولا اعرف التصرف معه، ما هي نصيحتكم؟
ج »

التشتت في الانتباه في سن المراهقة مع ما يرافقه من الصعوبات هو في حدود معينة أمر طبيعي وظاهرة تصيب الكثير من المراهقين ولا سيما في عصرنا هذا.

وعلينا التعامل مع هذه المرحلة بدقة متناهية من الاستيعاب والتفهم والإرشاد والتوجيه وتفهم سن المراهق، وأن هذه المرحلة تحتاج إلى أسلوب مختلف عما سبقها.

فالمراهق ينمو لديه الإحساس بالذات كثيرا حتى ليخيل إليه أنه لم يعد بحاجة إلى الاحتضان والرعاية من قِبل والديه.

وبالتالي علينا أن نتعامل معه بأسلوب المصادقة "صادقه سبعا.." والتنبه جيدا للمؤثرات التي تسهم في التأثير على شخصيته واستقامته وتدينه، ومن هذه المؤثرات: الأصدقاء ووسائل التواصل الاجتماعي، فإن نصيبها ودورها في التأثير على المراهق هو أشد وأعلى من دورنا.

وفي كل هذه المرحلة علينا أن نتحلى بالصبر والأناة والتحمل، وأن نبتدع أسلوب الحوار والموعظة الحسنة والتدرج في العمل التربوي والرسالي.

نسأل الله أن يوفقكم وأن يقر أعينكم بولدكم وأن يفتح له سبيل الهداية. والله الموفق.


 
س » اعاني من عدم الحضور في الصلاة، فهل أحصل على الثواب؟
ج »
 
لا شك أن العمل إذا كان مستجمعا للشرائط الفقهية، فهو مجزئٌ ومبرئٌ للذمة. أما الثواب فيحتاج إلى خلوص النية لله تعالى بمعنى أن لا يدخل الرياء ونحوه في نية المصلي والعبادة بشكل عام.
ولا ريب أنه كلما كان الإنسان يعيش حالة حضور وتوجه إلى الله كان ثوابه أعلى عند الله، لكن لا نستطيع نفي الثواب عن العمل لمجرد غياب هذا الحضور في بعض الحالات بسبب الظروف الضاغطة على الإنسان نفسيا واجتماعيا.
لكن على الإنسان أن يعالج مشكلة تشتت الذهن أثناء العمل العبادي وذلك من خلال السعي الجاد للتجرد والابتعاد عن كل الهواجس والمشكلات أثناء الإقبال على الصلاة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، باستحضار عظمة الله عز وجل في نفوسنا وأنه لا يليق بنا أن نواجهه بقلب لاهٍ وغافل. والله الموفق.

 
س » أنا إنسان فاشل، ولا أتوفق في شيء، وقد كتب عليّ بالخسارة، فما هو الحل؟
ج »

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أولاً: التوفيق في الحياة هو رهن أخذ الإنسان بالأسباب التي جعلها الله موصلة للنجاح، فعلى الإنسان أن يتحرك في حياته الشخصية والمهنية والاجتماعية وفق منطق الأسباب والسنن. على سبيل المثال: فالإنسان لن يصل إلى مبتغاه وهو جليس بيته وحبيس هواجسه، فإذا أراد الثروة فعليه أن يبحث عن أسباب الثروة وإذا أراد الصحة فعليه أن يأخذ بالنصائح الطبية اللازمة وإذا أراد حياة اجتماعية مستقرة عليه أن يسير وفق القوانين والضوابط الإسلامية في المجال الاجتماعي وهكذا.

ثانياً: لا بد للإنسان أن يعمل على رفع معوقات التوفيق، وأني أعتقد أن واحدة من تلك المعوقات هي سيطرة الشعور المتشائم على الإنسان بحيث يوهم نفسه بأنه إنسان فاشل وأنه لن يوفق وأنه لن تناله البركة الإلهية.

إن هذا الإحساس عندما يسيطر على الإنسان فإنه بالتأكيد يجعله إنسانا فاشلا ومحبطا ولن يوفق في حياته ولذلك نصيحتي لك أن تُبعد مثل هذا الوهم عن ذهنك وانطلق في الحياة فإن سبيل الحياة والتوفيق لا تعد ولا تحصى.


 
س » ما هو هدف طلب العلم الذي يجب أن يكون؟
ج »

عندما ينطلق المسلم في طلبه للعلم من مسؤوليته الشرعية الملقاة على عاتقه ومن موقع أنه خليفة الله على الأرض، فإن ذلك سوف يخلق عنده حافزاً كبيراً للجد في طلب العلم والوصول إلى أعلى المراتب. أما إذا انطلق في تحصيله من موقع المباهاة أو إثبات ذاته في المجتمع أو من موقع من يريد أن يزين اسمه بالشهادة الجامعية ليُقال له "الدكتور" وما إلى ذلك، فإنه - في الغالب - لن يصل إلى النتيجة المرجوة.

وعلى كل إنسان منا أن يعي أنّنا في هذه الحياة مسؤولون في أن نترك أثراً طيباً، وأن نقوم بواجباتنا قبل أن يطوينا الزمان، إننا مسؤولون عن عمرنا فيما أفنيناه وعن شبابنا فيما أبليناه، وسنُسأل يوم القيامة عن كل هذه الطاقات التي منّ اللهُ بها علينا.

وأضف إلى ذلك، إنه من الجدير بالمسلم، أن لا يفكر في نفسه وما يريحه هو فحسب في طلبه للعلم، بل أن يفكر أيضاً في أمته والنهوض بها ليكون مستقبلها زاهراً، وهذا كله يحتم عليه أن يكون سقف طموحاته عالياً ليتمكن هو وأقرانه من الطلاب والعلماء من ردم الفجوة بيننا وبين الغرب الذي سبقنا على أكثر من صعيد.

باختصار: إن مسؤوليتنا ورسالتنا وانتماءنا لهذه الأمة يفرض علينا أن نعيش حالة طوارئ ثقافية وعلمية.


 
س » ما رأيكم في الاختلاط المنتشر في عصرنا، وكيف نحاربه؟
ج »

إنّ الاختلاط قد أصبح سمة هذا العصر في كثير من الميادين، ومنها الجامعات والطرقات والساحات وكافة المرافق العامة.. والاختلاط في حد ذاته ليس محرماً ما لم يفضِ إلى تجاوز الحدود الشرعية في العلاقة بين الرجل والمرأة الأجنبيين؛ كما لو أدى إلى الخلوة المحرمة بالمرأة أو مصافحتها أو كان المجلس مشوباً بأجواء الإثارة الغرائزية أو غير ذلك مما حرمه الله تعالى.

وفي ظل هذا الواقع، فإنّ العمل على تحصين النفس أولى من الهروب أو الانزواء عن الآخرين بطريقة تشعرهم بأن المؤمنين يعيشون العُقد النفسية. إن على الشاب المسلم أن يثق بنفسه وأن يفرض حضوره ووقاره، وأن يبادر إلى إقناع الآخرين بمنطقه وحججه، وأن يبيّن لهم أن الانحراف والتبرج والفجور هو العمل السيّئ الذي ينبغي أن يخجل به الإنسان، وليس الإيمان ومظاهر التدين.

وأننا ندعو شبابنا عامة وطلاب الجامعات خاصة من الذكور والإناث إلى أن يتزينوا بالعفاف، وأن يحصنوا أنفسهم بالتقوى بما يصونهم من الوقوع في الحرام.


 
س » كيف يمكن التخلص من السلوكيات والعادات السيئة؟
ج »

إن التغلب على السلوكيات الخاطئة أو العادات السيئة – بشكل عام – يحتاج بعد التوكل على الله تعالى إلى:

أولاً: إرادة وتصميم، ولا يكفي مجرد الرغبة ولا مجرد النية وانما يحتاج بالإضافة إلى ذلك إلى العزم والمثابرة وحمل النفس على ترك ما اعتادته.

ثانياً: وضع برنامج عملي يمكّن الإنسان من الخروج من هذه العادة السيئة بشكل تدريجي؛ وأرجو التركيز على مسألة "التدرج" في الخروج من هذه العادات السيئة؛ لأن إدمان النفس على الشيء يجعل الخروج منه صعباً ويحتاج إلى قطع مراحل، وأما ما يقدم عليه البعض من السعي للخروج الفوري من هذه العادة، فهو - بحسب التجربة - سيُمنى في كثير من الأحيان بالفشل. والله الموفق


 
 
  حوارات >> فكرية
تقنيات التواصل الحديثة.. عندما يتقن الواقع لغة الوهم!



 

تقنيات التواصل الحديثة.. عندما يتقن الواقع لغة الوهم!
أجرى التحقيق :
فاطمة خشّاب درويش
 
التاريخ:
٢٣/٨/٢٠١٣
/
16 شوال 1434هـ
 
 
 

فايسبوك، واتس آب، تويتر، فايبر، سكايب... مصطلحات نسمعها تتردَّد على ألسنة الجميع في كلِّ لحظةٍ وآن، فلم يعد هناك زمان أو توقيت محدَّد لاستخدام وسائل الاتصال الحديثة، فهي متوافرة وفي متناول الجميع، وموجودة بين أيدي الكبار والصغار على الأجهزة الخليوية، حتى باتت للإنسان جليساً وأنيساً بلا منازع.

وتبدو مظاهر الاندماج بعجلة التطور التقني جلية في المجتمعات العربية واللبنانية على وجه الخصوص، فلا أحد يستغني عن هذه التقنيات أينما وجد، سواء عند قيادة السيارة، أو المشي على الطريق، أو خلال تواجدنا في المصعد، أو عند شرائنا للحاجيات في المحلات التجارية، فنحدث بلساننا ونكتب بيدنا. ولعلَّ المشهد الأبرز عندما يجلس عدد من الأشخاص في الغرفة نفسها يحمل كل منهم هاتفه، يتحدثون في عالمه الافتراضي، فيتبسمون حيناً ويتذمرون حيناً آخر، ويتناسون أنهم يجلسون سوية، بل ربما يتحدثون من خلال الفايسبوك أو الواتس آب مع بعضهم البعض.

ما هي أسباب الاستغراق في العالم الافتراضي؟

يشير الدكتور توفيق سلوم، المتخصّص في علم النفس العيادي، إلى أنَّ سهولة الوصول إلى هذه الوسائل من جهة، وتدني كلفة الحصول عليها من جهةٍ ثانية، يسهلان هذا الانتشار الواسع في مجتمعنا، إضافةً إلى أن الخدمات التي تقدمها تشكّل عامل جذب ومشجع على استخدامها.

ويلفت الدكتور سلوم إلى التأثير الكبير لهذه الوسائل في المجتمعات العربية، مقارنة بالمجتمعات الغربية التي يختلف نظامها الاجتماعي عن مجتمعاتنا، فهي معتادة على الروابط المفكَّكة بين أفراد الأسرة الواحدة، وحتى في المحيط الاجتماعي العام، فيما تأتي إلينا هذه الوسائل لتقطع الروابط الأسريّة، وتبني المسافات والحواجز بين الأهل والأبناء الذين باتوا يعيشون حالة العزل الذهنيَّة من خلال الاستغراق في هذا العالم الافتراضي.

ماذا يقول الناس؟

على صعيد الأرقام والإحصاءات، لا تبدو هناك أرقام دقيقة كما حال كل القضايا في العالم العربي، وتشير دراسة أجريت حول الموضوع، إلى انتشار الواتس آب والفيس بوك بشكل كبير بين الشباب، وتحديداً عند الفئات العمرية بين 18 و25 عاماً، وهم طلاب الثانويات والجامعات، وممن يملكون دخلاً اقتصاديّاً متوسطاً.

من جهته، يتحدث الحاج بسام عن وسائل التواصل الحديثة، مؤكداً أهميتها في تسهيل التواصل بين الناس، إلا أن هناك من يسيء استخدام هذه الوسائل في رأيه، فيقول: "هناك من يستخدم الواتس آب وهو يقود سيارته، أو عندما يمشي في الطريق، وحتى في البيت الواحد ترى كل فرد من العائلة منشغلاً بجهازه الخليوي".

من جانبها، تتحدث فاطمة عن معاناتها مع إخوانها، فهم لا يتحدثون إليها، ولا يردون عليها في حال تحدثت إليهم. وعلى الرغم من أنها تستخدم الواتس آب والفايسبوك مثلهم، إلا أنها تختار أوقاتاً محددة لذلك.

وتطرق أيضاً إلى رفيقاتها اللواتي يجلسن معها، بيد أنهنّ يكنَّ في عالم آخر، يركّزن فيما يكتبن، دون اكتراث لأي شيء.

الإسلام والحداثة

يرصد المتخصصون في مجال علم النفس والتربية الدينية بعض السلوكيات الخاطئة التي يكرسها استخدام الواتس آب. ومن هذه المظاهر، انشغال الإنسان بهذا الوسائل حتى عند أدائه الفرائض الدينية ما يؤدي إلى التقصير فيها، والتحدث عن الآخرين بدون علمهم ما يؤدي إلى الغيبة والنميمة، تصوير الآخرين ونشر صورهم من دون علمهم، تبادل مقاطع فيديو وصور غير لائقة مع الآخرين، تكوين صداقات مع الجنس الآخر، استخدام ألفاظ بذيئة عند التحدث مع الآخرين، التخلي عن بعض القيم كالصدق والأمانة.

يحاول البعض أن يصور الدين الاسلامي وكأنه نقيض التطور والحداثة، فأين يقف الإسلام من هذه الظاهرة؟ وكيف يتعاطى مع التقنيات الحديثة؟ هل يؤيد استخدامها أو أنه يدعو إلى مقاطعتها؟

 

تسارع وتيرة الحياة يتطلب منا مواكبة التطورات التقنيات التي تسهل عملية التواصل والاتصال بين الناس

يحسم سماحة الشيخ حسين خشن نظرة الدين الإسلامي إلى هذا التطور التقني في وسائل الاتصال، فيؤكد الإيجابية العالية لهذه الوسائل الّتي سهَّلت التّواصل الثقافي والمعرفي والإنساني، كما سهّلت التّواصل بين الأهل والأرحام في مختلف بلدان العالم.

ويذهب الشيخ الخشن إلى أبعد من الجانب التواصلي بين الناس، إلى الجانب التبليغي ودور هذه الوسائل في انفتاح الفكر الديني الإسلامي على كلّ العالم، وتقديم الإسلام إلى أكبر عدد من المسلمين وحتى غير المسلمين، داعياً إلى انخراط الحوزات الدينية والمرجعيات الإسلامية في عالم الحداثة من أجل الإسلام.

وينصح الشيخ الخشن الأهل بتحصين أبنائهم سلوكياً ونفسياً، وليس منعهم من استخدام هذه الوسائل.

 

العائلة في مهب الواتس آب

ولكن كما يدرك الناس سلبيات تقنيات التواصل الحديثة، فهم يدركون أيضاً مدى أهميتها، فهي التي اختصرت المسافات بين الناس، وتحديداً بين أفراد الأسرة الواحدة التي اضطر أفرادها إلى السفر والعيش في الغربة، فمن خلال الإنترنت وبرنامج السكايب، تجلس العائلة ساعات وساعات، فيتحدثون مع بعضهم البعض، ويشاهدون بعضهم البعض، ولا تفصلهم سوى شاشة الكمبيوتر أو الهاتف الصغيرة.

 

شكلت وسائل التواصل الحديثة ضربة قاسية للنظام الاجتماعي والأسري في البلدان العربية

يربط الدكتور نجيب نور الدين، مدير مركز الفكر الإسلامي المعاصر، تطور وسائل الاتصال بتطور العلاقات الإنسانية ومشاغل الناس بشكل عام، فتسارع وتيرة الحياة يتطلب منا مواكبة التطورات التقنيات التي تسهل عملية التواصل والاتصال بين الناس أينما وجدوا. ويلفت نور الدين إلى أنَّ هذه الوسائل فرضت واقعاً جديداً من التواصل الاجتماعي والإنساني. وبالانتقال إلى نواة المجتمع الأسرة، فقد رُصد العديد من الآثار السلبية عليها، نتيجة انشغال أفرادها بالعالم الافتراضي، متناسين العائلة وما فيها من روابط وحتى مشاكل، إلى حدّ بدأت المحاكم الشرعية ترصد ارتفاعاً في حالات الطّلاق، والسّبب في ذلك الواتس آب والفايسبوك وانعدام العلاقات الحميمة بين الزوج والزوجة والعلاقات الودية بينهم وبين الأولاد.

 

 

بدأت المحاكم الشرعية ترصد ارتفاعاً في حالات الطلاق والسبب هو الواتس آب والفايسبوك

وفي هذا السياق، يؤكد الدكتور نجيب نور الدين الانعكاس السلبي لهذه التقنيات على الكيان الأسري، فيقول: "شكّلت وسائل التواصل الحديثة، وبفعل الانتشار الواسع في مجتماعاتنا، ضربة قاسية للنظام الاجتماعي والأسري في البلدان العربية، فهذه الوسائل خلقت الشّروخ الاجتماعيَّة لصالح الآحادية الفردية حتى في الأسرة الواحدة، فنحن ربحنا العلاقات الوهمية من خلال هذه الوسائل من حساب المنظومة الاجتماعية الّتي نتميَّز بها عن سائر المجتمعات، وتحديداً الغربية".

 

 

هناك من اختار مقاطعة عالم التقنيات الحديثة وترك أولاده يغرقون في عالم الأوهام والفرضيات

من ينقذ أبناءنا من العالم الافتراضي؟

يشدّد المتخصص في علم النفس العيادي، الدكتور توفيق سلوم، على ضرورة قيام جمعيات أو جهات تعمل على تدريب الأهل والأبناء على كيفية الانسحاب من هذه التقنيات بأقل خسارة وأكبر منفعة، وهل الأهل قادرون على إنقاذ أبنائهم من العالم الوهمي والافتراضي؟

نعم، الأهل هم النقطة الأضعف اليوم، فهناك من اختار مقاطعة عالم التقنيات الحديثة وترك أولاده يغرقون فيها، لأنهم لا يستطيعون منعهم عن استخدامها، فيما هناك من غرق معهم في عالم اللاواقع، وأصبحوا يلتقون معاً على صفحات التواصل الاجتماعي، ويتحدثون عن أمورهم العائلية من خلال الواتس آب، الذي يملك اليوم قدرة الحل والربط في القضايا العائليَّة والزوجية.

 

وبين هذا وذاك قلة من الأهالي تستطيع أن تقف في منتصف الطرق مع أبنائهم، يفرملون حركة الانصياع في عالم أقرب ما يكون إلى الفراغ والوهم، ويتعاطون مع هذا العالم على حذر، ويملكون قدرة السيطرة وإدارة الأمور، فهنيئاً لهم.

وفي الختام، أعزائي القرّاء، لا بدَّ من الإشارة إلى أن انتشار وسائل التواصل الحديثة يتضاعف بشكل لافت، حيث تفوق أعداد المشتركين في تويتر 250 مليون مشترك، وتقدر الرسائل المتبادلة على فيسبوك بحوالى 20 مليار رسالة شهرياً.

 

في العام 2009 اخترع أميركيان الواتس آب لتقريب المسافات بين الأهل والأبناء حيث لا روابط عائلية أو اجتماعية

ولذلك، يجب أن ندرك خطورة فلسفة هذه التقنية ووسائل التواصل الاجتماعي، ولا سيما الواتس آب، التي تقوم على خلق العالم الافتراضي بين الناس، وهي الآتية من البيئة الافتراضية من أميركا العام 2009، حين اخترعها أميركيان في محاولة منهما لتقريب المسافات بين الأهل والأبناء في أميركا،، حيث لا علاقات عائلية أو اجتماعية، فيما نحن اليوم نستخدمها لنحقق الأهداف المعاكسة، فنحن الذين ننعم بمنظومة اجتماعية عائلية مميزة، نستخدم هذه التقنيات وندفع ثمنها من حساب ما نملك من قيم وعلاقات عائلية واجتماعية مميزة، فهل ترانا نستيقظ قبل فوات الأوان أو أنه مع الواتس آب والفايسبوك على الأسرة والمجتمع السلام.

 






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon