قراءة في كتاب العقل الإسلامي بين سياط التكفير وسبات التفكير للشيخ حسين أحمد الخشن
الخميس, 27 شباط/فبراير 2014
قراءة في كتاب العقل الإسلامي بين سياط التكفير وسبات التفكير للشيخ حسين أحمد الحسن
* لطيفة الواسني
جاءت قراءة في كتاب هذه المرة تحمل بين طياتها كتاب للشيخ حسين أحمد الخشن بعنوان العقل الإسلامي بين سياط التكفير وسبات التفكير، حيث يحتوي الكتاب مجموعة من المحاور تتشكل في خمسة فصول، الفصل الأول بعنوان أصول وضوابط، مع ضابط الإسلام والكفر، إذ رصد المؤلف أن خروج الأمة الإسلامية من نفق التكفير والتكفير المضاد لن يتم إلا بعد الاتفاق على ضوابط الإسلام والكفر ورسم الحدود الفاصلة بينهما، فقد وضع تعريفا للإسلام في أنه يعد معه المرء مسلما وتجري عليه أحكام المسلمين وإن لم يلتزم بالتعاليم الإسلامية ويمتثل التكاليف الشرعية حيث أكد أن الشهادتين والتي تعني الشهادة لله بالوحدانية ولمحمد بالرسالة تعتبر من البديهيات حيث يتأكد ذلك من خلال مجموعة من الأدلة في القرآن والسنة.
كما تطرق في المحور الثاني المتندرج ضمن هذا الفصل الذي يحمل عنوان النهي عن المسارعة في التكفير، من خلال تحذير المؤلف الوقوع في شراك المسارعة التكفير لمجرد أن يرى كاتبا أو باحثا قد أنكر أو شكك في ضروري من الضروريات، أو لأدنى شبهة أو لمجرد إبداء رأي مخالف للسائد في بعض المسائل العقائدية أوحتى الفقهية أو التاريخية، هذا مع أنه لا يخفى على المطلع والعارف بالكتاب والسنة أن هناك تحذيرا ونهيا عن المسارعة في تكفير المسلم ورميه بالخروج عن الدين، عن طريق أن يؤخذ الناس بالظواهر.
كما ذهب إلى مراتب الإسلام والكفر في المحور الموالي وذلك أن الإسلام مراتب متعددة ومدارج متفارتة يتوزعها الناس بحسب استعداداتهم وجهودهم، كما للكفر مراتب متعددة بعضها يلتقي مع الإسلام وبعضها الآخر يلتقي معه ولاينافيه، ويعتبر الخلط بين هذه المراتب وسوء فهمها استفحال ظاهرة التكفير من خلال ما قاله الكاتب في كتابه، فوضع الفارق الجوهري بين الإيمان والإسلام ، باعتبار أن الإيمان أخص من الإسلام نحو قوله تعالى، "قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم"، وعلى هذا الأساس تبين أن الفارق الجوهري بين الإسلام والإيمانإذ أن الأخير له علاقة بالقلب والعمل، أما الإسلام فجل علاقته باللسان والظاهر، وعليه فليس كل مسلم مؤمنا وإن كان كل مؤمن مسلما.
ثم رصد مراتب الكفر والشرك والتي تضم ثلة من المراتب والمدارج، فالكفر ينشطر إلى كفر عقدي وآخر علمي، والأخير ينقسم إلى كفر نعمة وكفر معصية، فالكفر العقدي هو الكفر بالله أو برسله أوباليوم الآخر، فهذا النوع لايلتقي مع الإسلام لقوله تعالى: " إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا واعتدنا للكافرين عذابا مهينا"، أما الكفر العملي، فهو عبارة عن التمرد السلوكي على التشريع نتيجة السقوط تحت تأثير الغرئز والشهوات، كما قال الله عز وجل: "لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد"، أما الشرك فله أنحاء عديدة فهناك شرك الألوهية وشرك في الربوبية، وشرك في الخالقية، وشرك طاعة، وشرك النية، باعتبار أن شرك الأولوهية والربوبية والخالقية والعبودية لايلتقي مع الإسلام فإنه يفترض مع الله إلها أو ربا أو خالقا أو معبودا آخر، وشرك الطاعة يراد به طاعة غير الله فيما لم يأذن به من هوى أو شيطان أو سلطان، أما شرط النية فيتمثل في الرياء فعن أمير المؤمنين عمر قال: "اعلموا أن يسير الرياء شرك".
كما تناول في محورآخرالعلاقة المنطقية بين الإسلام والكفر، فتطرق من خلال ذلك إلى علاقة الكفر بالجحود، زيادة إلى محاور أخرى فوضع محورا آخر بعنوان الشك كطريق الإيمان، حيث أنه وضح أن الشك الواقع في طريق البحث والتفتيش لايتنافى مع الإيمان، بل إنه يقود إليه الأعم الأغلب، كما بين أن الشك يفرض نفسه على المرء حتى بعد الإيمان لكنه شك عابر ولاينجو منه أكثر المؤمنين، لأنه حديث للنفس وربما كان وسوسة تطرح على المؤمن بعض الأسئلة التشكيلشة، ومن هذه الأسئلة السؤال عن مكان الله ولماذا لانراه؟ وإذا كان هو خالقنا فمن خلقه هو؟ وغيرها من الأسئلة.
ثم هناك محور أجاب عنه في محور هل كل كافر يعذب بالنار؟، حيث وضح أننا عندما نحكم بكفر منكر التوحيد أو النبوة فهذا لايعني بوجه الحكم عليه بأنه من أصحاب الجحيم، لأن مفاتيح الجنة والنار بيد الله، وليس من حق أحد أن يحكم بأن مطلق الكافر هو من أهل النار، فضلا عن غير الكافر، حيث أظهر ذلك من خلال قاله أن الكافر قد يكون معذورا في كفره، كما لو كان جاهلا قاصرا لا مقصورا، فإن الله سبحانه وتعالى أعدل من أن يعاقب الإنسان إلا بعد إقامة الحجة عليه نحو قوله تعالى: "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا" ، والرسول كناية عن الحجة والبيان.
وفي هذا المنوال أشار أن الكفار غالبا معذورون من خلال ذلك أن أكثر الكفار أو الذين لا يوالون ولايتبعون الحق إما عالمون جاحدون أو جاهلون مقصرون يمكنهم الوصول إلى الحقيقة بسهولة، حيث أن أكثر الناس ممن لا يؤمنون بالحقائق الدينية جاهلون قاصرون لا مقصورون إلا في معرفة الله سبحانه
فإن الجاهل بوجوده تعالى ووحدانيته مقصر لا قاصر-غالبا- لأن معرفته وتوحيده من الأمور الفطرية كما أن التأمل في السماوات والأرض وما فيهما من أسرار ونظم تهدي إلى الإيمان به تعالى والإقرار بوحدانته، أما فيما عدى ذلك من العقائد كالنبوة والإمامة والمعاد فإن وجود الجاهل القاصر بشأنها كثير.
وبالإضافة إلى محاور أخرى نجد النقطة التي تهتم بعصمة الدماء والنفوس والأعراض، باعتبار هذه الأخيرة من المبادئ الإسلامية الهامة على المستوى الإنساني، زيادة على ذلك هناك محقونية الدماء التي تشكل القاعدة الأساسية في الإسلام لأن القتل وسفك الدماء قبيح في شريعة العقل والعقلاء التي تعتبرمصداقا واضحا للظلم وهو ما استقل العقل بقبحه، وأما في شريعة السماء فإن حفظ النفوس من أهم المقاصد التي هدفت الشريعة إلى حفظها، ولذا اعتبر الله سبحانه أن قتل نفس واحدة تعادل قتل البشر جميعا وأن إحياءها يعادل إحياءهم جميعا، إلا أن الغريب في بعض المجموعات التكفيرية تستهين بالأرواح وتسترخص سفك الدماء فهي لا تفرق بين مسلم وغيره وتنتهك حرمات الجميع معتبرة أن عامة المسلمين ممن لا يوافقونها الرأي والفكر بحكم الكفار الحربيين، كما أن المؤلف عمل على رصد أخلاقيات الحرب في الإسلام في مجموعة من النقط تشكات في: رعاية الأسير، استثناء الأطفال والنساء والشيوخ، حرمة الغدر والفتك، حماية اللاجئ، الوفاء بالعهود، حرمة التمثيل.
وتطرق في محور داخل الفصل نفسه إلى ضوابط حماية المجتمع الإسلامي هذه الضوابط التي تتمثل فيما هو ديني والقواعد الإسلامية الذي يكفل ترميم التصدع المذكور ويعيد تجسير العلاقة المفتقدة، ورصد من خلال هذه النقطة القاعدة الأساسية التي ينبني عليها الإسلام وهي العلاقة الداخلية بين أبنائه على ضوئها، بما يكفل وحدتهم وتكاتفهم ويضمن تحقيق الأمن الاجتماعي وعزالة كل عوامل التوتر، وهي قاعدة الأخوة الإيمانية، واستدل بقوله تعالى: "إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون".
زيادة إلى ذلك أشار إلى الحمل على الأحسن وهي القاعدة التس تسهم في توطيد الأمن الاجتماعي وغزالة التوتر الداخلي، كما ترمي إلى خلق الثقة بين أبناء المجتمع والحفاظ على تماسكهم فإنها تهدف إلى صون حرمة الآخر والابتعاد عن الحديث السلبي عنه ورميه بالفسق والعصيان لمجردتهم وظنون لايملك مطلقا دليلا على إثباتها، إضافة إلى أهداف أخرى، ثم ضوابط حسن الظاهر دليل العدالة ، وصحة أعمال الآخرين وعبادتهم.
هذا وبالإضافة إلى أشياء أخرى انتقل إلى الفصل الثاني بعنوان مناشئ التكفير، فمن خلال ذلك تناول عقم التفكير وفوضى التكفير، فهو اعتبر أن ظاهرة التكفير لم تأت من فراغ، ولم تنشأ اعتباطا، بل أن لها أسبابها وبواعثها، ومن هذه الأسباب فهناك ما هو ديني ومنها ما هو نفسي، ومنها ما هو اجتماعي، واقتصادي وسياسي.
والنظرة السطحية، حيث أنه من الطبيعي أن تكون قلة المعرفة بتعاليم الدين وقيمه والنظرة السطحية إليه، من أسباب نشوء وانتشار ظاهرة التكفير، هذا ما يجعل من صفة الجهالة أو السطحية من السمات الملازمة للحركات التكفيرية، إذ أن الجهل بأبعاد الدين ومقاصده مدعاة إلى الانغلاق، والانغلاق مدعاة إلى الصدام والتكفير.
ثم التعلق بالقشور، حيث جعل ذلك من خلال ما تطرق إليه في أن مشكلة السفه الذي أصيب به الكثيرون من أتباع الأديان السماوية، مشكلة قديمة ومستعصية وبالغة الخطورة، لأنها ساهمت في تكوين فئة قشرية تعيش على السطح، وتتقن قراءة السطور ولكنها لاتتقن قراءة مابين السطور فضلا عما وراءها، إضافة إلى التطرف الديني، حيث أشار إلى أن التعمق في الدين مذموم ومكروه إذ يقصد التعمق المبالغ فيه، كما أن السطحية تقود غلى التكفير أو على الأقل تساهم في خلق مناخاته، واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم: "...فإن الله تعالى جعله سهلا، فخذوا منه ما تطيقون، فإن الله يحب ما دام من عمل صالح وإن كان يسيرا"، باعتبار أن التعمق والتشدد في الأخذ بأحكام الإسلام يقود إلى الإفراط أو التفريط، ويوقع في التطرف الديني الذي يعتبر من أخطر أنحاء التطرف.
وانتقالا إلى الفصل الثالث عمل المؤلف على رصد الصفات التكفيريين، التي شكلها في الغرور الديني، والاستعلاء الديني، إذ أن الجاهل كلما ازداد نسكا ازداد غرورا وإعجابا بنفسه وبدينه، ويعتبر الغرور الديني من أخطر أنواع الغرور، لأن المنغتر بالدنيا قد توقظه المواعظ أما المغتر بدينه فلا تنفعه المواعظ لأنه لا يتقبلها، إضافة إلى صفات إخرى حددها المؤلف التي يمكن انتسابها إلى التكفيرين.
ووصولا إلى الفصل الرابع فقد عنونه بأنحاء التكفير وأشكاله، وفصل في شأنها من خلال الابداع والابتداع باعتبارها واحدة من أخطر أسلحة التراشق الداخلي التي يستخدمها المسلمون في وجه بعضهم البعض، عن طريق رمي الآخر بالابتداع في الدين، الذي يستتبع إخراجه من الدائرة الإيمانية والحكم عليه بأنه من أهل النار ومعاقبته بما يضع حدا لبدعته، فوضع على هذا الأساس تعريف البدعة، وقضية الخلط بين الإبداع والابتداع، كما وضع أيضا في المحور الثاني من هذا الفصل محور فقه الشقاق وذهنية التفسيق، ثم تناول الشذوذ وموازنيه، كما وضح في أنحائه واشكاله موجات التضليل والتناحر الديني، جعلها في الصفحة 162.
لينتهي من عمله هذا في الفصل الخامس في الخطاب التكفيري، إذ يتسم الخطاب التكفيري بلغة ومصطلحات خاصة ويتناول القضايا الدينية بأسلوب ينسجم مع فهمه لوظيفة الدين في الحياة ورؤيته تجاه الآخر، كما بين كذلك قضية احتكار الخطاب الديني، حيث أظهر من خلال ذلك أن الفكر الديني حكر طبقة معينة أو على جهاز كهنوتي خاص المخول أن ينطق باسم الدين أو يحتكر فهم النص وتفسيره، كما يخال البعض ويتوهم، وربما نظر لذلك سعيا لرفض كل محاولة لتفسير النص الديني تأتي من خارج المؤسسة الرسمية الدينية، وخصص في الفصل نفسه قضية الخطاب الإسلامي بين قيود الماضي وتحديات الحاضر والمستقبل، بالإضافة إلى معالجته للخطاب الإسلامي ومراعاة الزمان والمكان، ثم وضع أيضا الخطاب الإسلامي بين جمود الفكر وجنوح العاطفة، وفي هذا المنوال رصد أن الخطاب الثقافي الإسلامي كي يتجنب الوقوع في مزالق العاطفة وانفعالاتها، ويتخلص من جمود العقل وقسوته، أن يتوازن ليكون خطابا أساسه العقل والبرهان، ورداؤه العاطفة والوجدان، كما تطرق إلى الخطاب الديني بين التبشير والتنفير، من تم أكد على ضرورة إعادة النظر في أساليب خطابنا الإرشادي ودراسة مدى انسجامها مع غاية خلق الإنسان وهي هدايته وسوقه إلى رحمة الله ولا إلى عذابه، ومن الضروري أيضا، للخروج من عشوائية الخطاب الديني.
خلاصة لكل ماسبق فقد وضع خاتمة عنونها بكيف نواجه التطرف؟، فوضع إثر ذلك ثلة من القضايا، أن التكفير لا يواجه بالتكفير، رفع أسباب التكفير، تعزيز ثقافة التسامح ومنطق الاختلاف، ثم النظر إلى الإيجابيات.
هذا وقد حاولت التطرق لأهم ما جاء وحاولت أخذ رؤوس الأقلام فقط، ذلك لأن الكاتب حاول التفصيل في هذه القضايا الأساسية التي تستدعي جلب القارئ لمعرفة خبايا قصد المؤلف وما يضمه من مدارك.
http://www.science-press.net/religion-vie/660