حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » هل ممكن إثبات وحيانية القرآن وعدم تحريفه من خلال مضمونه؟
ج »

إن الوحي الإلهي في عملية وصوله إلى البشر يحتاج إلى مرحلتين أساسيتين ليصلح كمصدر معصوم وعلى البشر الانقياد له، وهما:

المرحلة الأولى: مرحلة التلقي عن الله تعالى، بمعنى أنه حقاً وحي نزل من قِبل الله تعالى على رسول الله (ص).

المرحلة الثانية: مرحلة الصدور عن النبي (ص) والوصول إلينا سالماً من التحريف.

 

أما بالنسبة إلى المرحلة الثانية، أعني إثبات صحة صدوره عن رسول الله (ص) وعدم تعرضه للتحريف من بعده. فتوجد عشرات الدراسات والكتب والمصادر التي تؤكد على عدم تعرض القرآن الكريم للتحريف، وقد بحثنا هذا الأمر بشكل مفصل وأقمنا أدلة كثيرة على أنّ هذا القرآن هو عين القرآن الذي جمعه النبي (ص) ودونه وانتشر بعد ذلك بين المسلمين جيلاً بعد جيل، راجع كتابنا "حاكمية القرآن الكريم": الرابط  https://al-khechin.com/article/632

 

أما بالنسبة للمرحلة الأولى، أعني إثبات وحيانية الكتاب وأنه ليس مختلقاً من النبي (ص) أو من وحي الخيال، فهو أمر نستطيع التوثق منه بملاحظة العديد من العناصر التي - إذا ضمت إلى بعضها البعض - تورث الإنسان اليقين بأن هذا الكتاب لا يمكن إلا أن يكون وحياً من الله تعالى، وهذه العناصر كثيرة وأهمها:

 

أولاً: ملاحظة المنظومة المعرفية المتكاملة والرؤية الكونية والوجودية المتماسكة التي جاء بها القرآن، ففي عصر عرف بالجاهلية والخواء الفكري، يأتي محمد (ص) بكتاب يمثل منعطفاً تاريخياً بما يتضمنه من تأسيس معرفي لرؤية فكرية جديدة، إن فيما يتصل بالخالق وصفاته وعلاقة المخلوق به، أو رحلة المبدأ والمعاد، أو يتصل بالكون ودور الإنسان فيه، أو ما ما تضمنه من نظام اجتماعي وأخلاقي وروحي، وعلى القارئ الموضوعي للقرآن أن ينظر إليه نظرة واسعة وشمولية ولا يغرق في بعض الجزئيات المتصلة ببعض الآيات المتشابهة التي أشكل عليه فهمها بما يحجب عنه ما رسالة القرآن الحقيقية. وأنصحك بقراءة كتاب "وعود الإسلام" للمفكر والفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي في هذا الشأن، وكتاب "الإسلام كبديل" للمفكر الألماني مراد هوفمان.

 

ثانياً: نظم القرآن، فإنّ كل منصف أمعن ويمعن النظر والتأمل والتدبر في آيات القرآن، لا مفر له من الاذعان أنّه أمام نصٍّ عظيم ومتميّز في تماسكه وتناسق موضوعاته وعلو مضامينه، وعمق معانيه، والقوة في حججه وبراهينه، والبلاغة العالية في أسلوبه المتميز عن النثر والشعر، وفي ألفاظه وجمله وتراكيبه مما يأخذ بالألباب والعقول. وسوف لن يتوانى عن الإقرار بأنّ هذا الكتاب هو - كما وصف نفسه - قول فصل: {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ} [الطارق 13- 14] خالٍ من التناقض والاختلاف، {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء 82] وأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

 

باختصار: إنّ في آيات القرآن الكريم كيمياءً خاصة وروحاً عجيبة وعذوبة فائقة الجمال وقوة بيانية ومضمونية لا تضاهى، ولا شك أنّ من وطّن النفس على اتباع الحق وأصغى إلى آيات الكتاب بمدارك العقل ومسامع القلب سوف يرى فيها جاذبية ونورانيّة مميزة وروحانية عالية، كما أنّ فيها نُظماً راقية ومتقدمة لا يمكن أن تبلغ قوّتها وعمق مضامينها وتدفق معانيها أي نصوص أخرى. وهذا في الوقت الذي يدل على إعجاز القرآن فهو يدل أيضاً على عدم تعرضه للتحريف.

وإنّ الجاذبيّة المذكورة لآيات القرآن الكريم هي مما اعترف بها البلاغاء العرب وكثير من الحكماء من المسلمين وغيرهم، ولم يجرؤ فطاحلة الشعراء والأدباء من العرب أن يعارضوه بطريقة جديّة ذات قيمة رغم تحديه لهم ودعوتهم إلى معارضته، قال سبحانه: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء 88] وما هذا إلا دليل على قوة القرآن وعدم وجود أية ثغرة فيه أو زيادة أو نقيصة.

 

ثالثاً: ملاحظة صفات الشخصية (ص) التي جاءت بهذا الكتاب، فهو شخص أمّي لم يدرس عند أحد ومع ذلك أتى بهذا القرآن بكل ما يتضمنه من تناسق مبدع ومضمون روحي ومعرفي غير مسبوق، وكذلك ملاحظة سيرته وأقواله وسلوكه الشخصي وخصائصه الذاتية التي تؤكد على تمتعه بأعلى درجات النزاهة والصدقية والطهارة، ومعلوم أنّ حياة الإنسان هي أهم مختبر لصدقية طروحاته ومقولاته، ويلي ذلك دراسة مشروعه الثقافي والحضاري وما تتضمنه رسالته من معارف ومفاهيم لم يعرف الإنسان عنها إلا القليل، ويلي ذلك ملاحظة إنجازاته وحجم التأثير والتغيير الذي أحدثه في المجتمع، والمقارنة بين ما جاء به وبين الموروث الثقافي في السائد في مجتمعه أو الذي جاءت به الكتب الأخرى، فإنّ البشر مهما كان عبقرياً لا يتسنى له أن يخرج عن الموروث الثقافي الذي يحكم بيئته الاجتماعية، فعندما ترى شخصا قد أوجد انقلاباً حضارياً معتمداً على منظومة فكرية وثقافية لا تمت بصلة إلى المستوى الثقافي لمجتمعه، فهذه القرائن وسواها قد تورث اليقين بصدقيته، أأسميتها معجزة أم لم تسمها.

 

رابعاً: أما بعض التفاصيل مثل قضية طول عمر الإنسان، أو قضية يأجوج ومأجوج، أو غيرها، فهي قضايا تسهل الإجابة عليها، ولا أعتقد أنها تشكل معضلة كبيرة، إذا أخذنا بعين الاعتبار أمرين:

 الأول: أن التجارب العلمية لا تزال تفاجئنا كل يوم بجديد وأنّ ما قد نخاله اليوم غير معقول قد يصدقه العلم بعد غد. 

 الثاني: إنّ فهم الكتاب وآياته، ليس محكوماً بالقراءة العرفية اللغوية، وأنّ ثمة مجالاً للقراءة الرمزية – على الأقل – بالنسبة لصنف من الآيات القرآنية.


 
س » هل صحيح إن الإسلام الحنيف لم يسمح لغير الفقهاء بالإفتاء الشرعي ، ولكن الكلام في العقيدة والمسائل الثقافية هو حقٌَ للجميع ، ولكن لابد أن يكون الكلام عن علم ومعرفة ؟
ج »
إن الافتاء بغير علم أمر مبغوض عقلا وشرعا، قال تعالى: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (الإسراء ٣٦) 

 

ولا يفرق الحال في مبغوضية وكراهية الكلام بغير علم بين الفقه والعقيدة والتاريخ وغيرها من العلوم. ولا يجوز للإنسان، في كل ما لا يملك معرفته، أن يتحدث بضرس قاطع فيه. وبالتالي فإن على الجاهل أن يتعلم ويرجع إلى العالم. والرجوع إلى العالم، هو أيضا أمر عقلاني جرت عليه سيرة العقلاء، وقد أرشد إليه الشارع في قوله تعالى:  ۚ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (النحل ٤٣)
 
أجل، إذا كان ثمة فارق بين الحقل الفقهي والحقل العقدي، فليس لانه يحرم في الفقه الإفتاء لغير الفقهاء بينما في العقيدة يجوز ذلك لغير الفقهاء؛ كلا، إن كان ثمة من فارق، فهو أن على الإنسان في المجال العقدي أن يكون مجتهدا في أمهات قضايا العقيدة ولا يجوز له التقليد خلافا للمجال الفقهي حيث يجوز له التقليد، إلى غيرها من فوارق.. والله الموفق

 
 
  مقالات >> فكر ديني
الشباب وكأس العالم
الشيخ حسين الخشن



 

 

 إنّ الإسلام - بحكم وسطيته واعتداله – ينطلق في تشريعاته وأحكامه من مصالح نوعيّة تراعي خصائص الإنسان ومتطلباته الفطرية المختلفة، وتعمل على تأمينها، ومن هذه الخصائص الفطريّة أنّه – أي الإنسان - لا يتسنى له أن يبقى جاداً في كل حالاته، بل يحتاج إلى شيء من المرح واللهو البريء ومن هذا المنطلق فقد راعى التشريع الإسلامي هذه الحاجة ووازن بين متطلبات الإنسان المتنوعة، فوازن بين الدنيا والآخرة، وقد روي عن الإمام الكاظم (ع) أنه قال: "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا"[1]، ووازن بين متطلبات الجسد ومتطلبات الروح، قال تعالى: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق..}، وعن أمير المؤمنين (ع): "إنّ هذه القلوب تمل كما تمل الأبدان فابتغوا لها طرائف الحكم" [2]

 


إنّ ساعة اللهو البريء التي ينشغل بها الإنسان لا تلبي حاجته الطبيعية لذلك فحسب، بل إنّها تساعده على تجديد نشاطه وحيويته، ليتسنى له معاودة أعماله العبادية أو الاجتماعية أو التجارية أو غيرها بكل إقبال وفاعلية، وهذا ما أشار إليه الحديث النبوي الشريف: "إنّ للقلوب إقبالاً وإدباراً، فإذا أقبلت فتنفلوا، وإذا أدبرت فعليكم

بالفريضة"[3].فهذا النص يدعو إلى التخفف من النوافل في حال إدبار القلوب.

 

ومن هنا فلا يمكن للإسلام وهو الشريعة السمحة السهلة أن يمنع الفرح، كما لا يمكنه أن يمنع الحزن، لأنّ الفرح – كما الحزن – هو حالة إنسانية فطرية يحتاج إليها الإنسان، وفيما يلي نشير إلى بعض المحطات المهمّة التي تتجلى فيها واقعية التشريع الإسلامي ومراعاته لطبيعة الإنسان واحتياجاته المتنوعة:

 

 

1- ارتياد المتنزهات


يميل الإنسان إلى التنزه والترفيه عن نفسه وعن عياله وأطفاله، وهو ميل طبيعي مشروع، وقد كان الأئمة من أهل البيت (ع) يتنزهون ويطلبون النزهة، ففي الحديث عن بعض أصحاب الإمام الرضا (ع) قال: "قال لنا الرضا أي الإدام أجزأ؟ فقال بعضنا: اللحم، وقال بعضنا: الزيت، وقال بعضنا: السمن، فقال هو: لا، بل الملح، لقد خرجنا إلى نزهة لنا، ونسي الغلمان الملح، فما انتفعنا بشيء حتى انصرفنا"[4].


ومن هنا فلا غضاضة ولا حرج على الإنسان أن يطلب التنزه والفسحة والتمتع بالأنهار والأشجار" ، ففي الحديث عن أبي الحسن (ع): "ثلاثة يجلون البصر: النظر إلى الخضرة، والنظر إلى الماء الجاري، والنظر إلى الوجه الحسن"[5].



ونلاحظ أنّ هذا الحديث اشتمل على ثلاثة عناصر أساسية يساعد النظر إليها على الارتياح النفسي، واللافت أنّ هذه العناصر نفسها هي التي تمثل العناصر الإساسية التي تملأ الجنة عرضها وطولها، وكأنّ الله أراد لنا أن نعيش جنّة في الدنيا وجنّة في الآخرة، والعناصر الثلاث هي :



أ – الخضرة، وواضح أن عنوان الجنّة يختصر اللون الأخضر، حتى أنّ لون لباس أهل الجنة هو الأخضر، قال تعالى: {عالَيَهم ثيابُ سندس خضر واستبرق}.


ب – المياه، وحديث القرآن عن أنهار الجنّة لا يكاد يخفى، قال تعالى: {جنات تجري من تحتها الأنهار..}.


ج- الوجه الحسن، وهذا العنصر متوفر في الجنّة من خلال الحور العين، قال تعالى: {وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون}.

 


2- المرح واللهو البريء


المحطة الثانية التي تتبدى فيها واقعية التشريع الإسلامي، هي إقراره بحاجة الإنسان إلى اللهو البريء والمرح ، سواء بالنسبة للصغير أو الكبير، أما الصغير فهو أكثر حاجة للهو واللعب، لأنّ مرحلة الطفولة تحتاج إلى مثل هذا المرح، ومن هنا ورد الحثّ على ضرورة تأمين هذه الحاجة له، فقد ورد في الحديث عن رسول الله (ص): "من كان عنده صبي فليتصاب له"[6]، وهكذا الكبير، فإنه يحتاج أحياناً إلى الترفيه عن نفسه، وقد روي أنّ النبي (ص) كان يمازح أصحابه، وفي الحديث عن أبي عبد الله (ع)، قال: "ما من مؤمن إلا وفيه دعابة، قلت: وما الدعابة؟ قال: المزاح"[7]. فالمؤمن ليس مطلوباً منه أن يكون شخصية متشائمة يظهر عليها العبوس، أو تتملكها الجدية المطلقة، ولبس الثياب السوداء القاتمة.


وفي الحديث قال: سألت أبي الحسن (ع) فقلت: جعلت فداك الرجل يكون مع القوم فيجري بينهم كلام يمزحون ويضحكون؟ فقال: لابأس ما لم يكن، فظننت أنّه عنى الفحش، ثم قال: إنّ رسول الله (ص) كان يأتيه الأعرابي فيهدي له الهدية، ثم يقول مكانه: أعطنا ثمن هديتنا، فيضحك رسول الله (ص)، وكان إذا اغتم يقول: ما فعل الأعرابي ليته آتانا"[8].

 


3- العيد والفرح


المحطة الثالثة التي تعبر عن واقعية التشريع الاسلامي ومراعاته لمتطلبات الانسان هي إقراره بمشروعية الأعياد وممارسة اللهو والمرح والتزين فيها، ونلاحظ أن بعض الآيات تتحدث عن العيد باعتباره يوم الزينة {قال موعدكم يوم الزينة} كما تتضمن نصوص أخرى مشروعية تقديم الهدايا والمأكولات اللذيذة، فقد روي أنّه أهدي الإمام أمير المؤمنين(ع) الفالوذج ( وهو نوع من الحلوى) في يوم النوروز، فقال: "نورزونا كل يوم" وقيل: كان ذلك في المهرجان فقال: "مهرجونا كل يوم"[9].


وهكذا فإنّ ثمة رأياً فقهياً يرى أن الغناء مباح يوم العيد، كما هو مباح في الأعراس، وذلك استناداً إلى بعض الروايات الواردة في ذلك.

 


4- الرياضة ممارسة وتشجيعاً


وفي هذا السياق فإنّ الإسلام يشجع على الرياضة البدنية ولا سيما للشباب، لأنّها حاجة للجسم وللنفس معاً، وتنص بعض الروايات على كون ذلك من حقوق الولد على والده، قال رسول الله (ص) فيما روي عنه:"علموا أولادكم السباحة والرماية"[10]، هذا ناهيك عن أنّ الرياضة البدنية تمثّل نوعاً من إعداد المجتمع القوي، فتندرج في قوله تعالى: { وأعدوا لهم ما استطتم من قوة}.


ولأهمية التدريب الرياضي والتأهيل الجسدي، فإنّ التشريع الإسلامي وبالرغم من تشدده في أمر القمار والمراهنات المالية قد أباح الرهان على بعض أنواع الرياضة الجسدية، وهي الرماية وسباق الخيل، وقد ورد في الحديث النبوي الشهير : " لا سبق إلاّ في خف أو حافر أو نصل"[11].

 


الضوابط والتحفظات


إنّ هذه المحطات تشير إلى المبدأ العام، والمتمثل بالاعتراف بحاجة الإنسان إلى المرح وللهو والتنزه، لكن التشريع الإسلامي لديه تحفظ على بعض الممارسات التي يأخذ بها البعض دون ضوابط أو قيود، فالفرح مشروع، شريطة أن لا يؤدي إلى البطر والطيش، وقد ورد في صفات المؤمن "لا يخرق به فرح ولا يطيش به مرح"[12]، أي لا يصير الفرح سبباً لخرقه وسفهه، ولا يصير المرح سبباً لطيشه وخفته، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: {لا تفرح إنّ الله لا يحب الفرحين} وذلك في خطاب موسى لقارون، فإنّ المراد بالفرح في الآية الشريفة هو البطر الذي وقع فيه قارون الطاغية المتجبر.

 

 

مباريات كأس العالم وما يرافقها

واسمحوا لي الآن أن أطل على مناسبة كأس العالم، وهي المناسبة التي تجذب اهتمام مئات الملايين وربما المليارات من بني الإنسان، ولا ريب أنّ اهتمام الإنسان المسلم بمتابعة ما يجري من مباريات رياضية وتشجيعه لفريقٍ هنا أو فريق هناك هو أمر مشروع ولا غبار عليه، وهو يدخل ضمن مساحة المباحات الشرعية والتي قد تلبي حاجة الإنسان إلى المرح واللهو البريء.. ولكنّ الملاحظ أنّه قد يرافق هذه المناسبة "كأس العالم" أو غيرها من المباريات الرياضية بعض السلبيات التي لا بد أن نلفت النظر إليها في محاولة لمحاصرتها:

 


أولاً: التحدي بين الجماعات أو الأفراد، والذي قد يصل إلى حد الخصومة وخروج الإنسان عن طوره وتلفظه بكلمات السب والفحش، وهو أمر محرم شرعاً، وإننا نلاحظ أنّ الله تعالى قد حرّم الخمر مبرراً ذلك ببض الوجوه، أحدها: أن ذلك يثير الضغائن والعداوت بين الناس قال تعالى وجه تحريمها: {إنّما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون} وهذا ما يقع فيه الكثير من الشباب أوغيرهم من متابعي تلك المباريات، فتنشب بينهم الخصومات وتحصل القطيعة وأحيانا تطالعنا وسائل الإعلام عن حالات طلاق بين الزوجين سببها انحياز كل منهما إلى فريق غير فريق الآخر، كما أن بعضهم ونتيجة انهماكه في متابع المباريات فإنّه يؤخر صلاته عن أوقاتها، فتكون تلك المباريات صادة عن ذكر الله تعالى.


وأمّا وقوع الكثيرين من مشجعي الفرق الرياضية في محذور الشتائم والتطاول على مقدسات الآخرين وكراماتهم فهو أمر ملحوظ، حتى صارت بعض الدول تضطر إلى وضع فرق أمنية أو عسكرية خاصة لحماية أمن الملاعب من الشغب، الأمر الذي يخرج هذه الهوايات عن عفويتها وشرعيتها، لأن اللهو واللعب إذا تحول إلى صراعات أو حفلات شتائم، فإنه سيغدو أمراً محرماً، وفي الحديث سمعت أبا جعفر (ع): "إنّ الله يحب المداعب في الجماعة بلا رفث "[13].والرفث هو قول الفحش ونحوه.


ثانياً: والسلبية الثانية التي ترافق هذه المباريات هي إزعاج الناس وإيذاؤهم وإقلاق راحتهم من خلال إطلاق المفرقعات أو أبواق السيارات، ويصل الأمر بالبعض إلى حد إطلاق الرصاص الحي.. إلى غير ذلك من أشكال التلوث السمعي، وقد أفتى بعض الفقهاء بحرمة إزعاج الآخرين، حتى بأصوات قراءة القرآن أو المجالس الحسينية واللطميات، فما بالك بأبواق السيارات أو المفرقعات أو نحوها من الأصوات المزعجة لراحتهم .


ثالثاً: والسلبيّة الثالثة هي وقوع الكثيرين في فخ المراهنات المالية، حيث يحصل رهان على الفريق الرابح، والخاسر يدفع مبلغاً معيناً للرابح وهذا نوع من القمار أو الميسر المحرم شرعاً بنص القرآن الكريم.


رابعاً: السلبية الرابعة هي تبديد المال وتبذيره، من خلال ما يدفع ثمناً للأعلام أو الصور أواليافطات التي ترفع فوق السطوح أو توضع على السيارات أو ثمناً للمفرقعات أو ثمناً للثياب الخاصة بذلك والتي تغزو الأسواق إلى غير ذلك من الأشياء التي تجتاح مجتمعاتنا، ولو أنّ هذه الأموال التي تهدر على هذه الأشياء يتمّ التبرع بها للأيتام والفقراء لكانت تحيي العديد من العائلات المعدومة، ولو تمّ التبرع بها لبعض الشعوب المضطهدة والمسحوقة لخفّف شيئاً من معاناتها وآلامها.


خامساً: السلبية الخامسة هي التعدي على الأملاك العامة وحرق الإطارات في الطرقات أو قطعها، بسبب نزول الناس إليها بسياراتهم ودراجاتهم النارية، ما يعيق حركة المارة .


هذه بعض المحاذير والسلبيات التي ترافق هذه الظاهرة، ويبقى الدرس البليغ الذي تكشف عنه هذه المباريات هو هذا الضعف الكبير في إحساس الكثيرين منا بمسؤلياتهم الوطنية أو الإسلامية، حيث ينشغلون بهذه المباريات ويهتمون بها أكثر من اهتمامهم بمسؤلياتهم وواجباتهم تجاه أسرهم وأهاليهم، فضلاً عن قضايا أمتهم، ويبقى السؤال

برسم الجميع: هل نتفاعل مع قضايانا العامة والخاصة كما نتفاعل مع مباريات كرة القدم؟!

 

 

 

__________________________________________________________________________________________________________________________


[1] تحرير الأحكام العلامة الحلي ج2 ص25.
[2] نهج البلاغة ج4 ص21.
[3] الكافي للكليني ج 3 ص 454) وهو مروي عن أمير المؤمنين(ع) انظر: نهج البلاغةج4 ص 75.
[4] المحاسن للبرقي ج2 ص59.
[5] المحاسن للبرقي ج2 ص622.
[6] من لا يحضره الفقيه ج3 ص483.
[7] شرح أصول الكافي ج11 ص144.
[8] شرح أصول الكافي ج11 ص144.
[9] تاريخ بغداد ج13 ص327.
[10] الكافي ج 6 ص 47
[11] الكافي ج5 ص49.
[12] الكافي ج2 ص229.
[13] المحاسن للبرقي ج1 ص293.

 

/spancolor:#0000ff;/spanbr / [13] المحاسن للبرقي ج1 ص293.

color:#0000ff;/spanbr /

 

26-5-2013
 

 






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon