حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » هل صحيح ما ورد في بعض الرّوايات عند الشيعة من أنّ علياً قسيم الجنة والنار؟
ج »

أولاً: إنّ فكرة أن يكون عليّ قسيم الجنة والنار مفهومة وما الضير في ذلك؟ وفقاً لما نقل عن الإمام أحمد بن حنبل، فقد نقل عن محمد بن منصور الطوسي: "كنا عند أحمد بن حنبل ، فقال له رجل : يا أبا عبد الله ، ما تقول في هذا الحديث الذي روي أن عليا قال : أنا قسيم النار ؟ فقال : ما تنكرون من ذا؟! أليس روينا أن النبي صلى الله عليه ( وآله ) وسلم قال لعلي: لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق؟! قلنا: بلى. قال: فأين المؤمن؟ قلنا: في الجنة. قال : فأين المنافق ؟ قلنا: في النار . قال: فعلي قسيم النار". فيكون المقصود بكونه (ع) قسيم الجنة والنار أنّ حبّه وموالاته تكون فارقاً بين أهل الجنة والنار، فمن والاه واتبعه ( واتّباعه لا ينفك عن اتّباع القرآن وسنّة النبي (ص) ) فهو من أهل الجنة ومن حاربه وعاداه عن جحود أو تقصير فهو من أهل النار.

ثانياً: أما أنه هو الذي يتولى أو من جملة من يتولى إدخال الناس الجنة والنار، فليس ثمة ما يمنع أن يأذن الله تعالى لبعض أنبيائه أو أوليائه أن يتولوا هذه المهمة إكراماً لهم، بحيث يُدخلون من يستحقّ الجنة إلى الجنة ويُدخلون من يستحقّ النار إلى النار، فيكون هؤلاء الأنبياء والأولياء منفذين لأمر الله تعالى، ويكون دورهم شبيهاً بدور الملائكة التي تتولى بحسب ما يستفاد من القرآن هذه المهمة. وعليه فإذا صحّت الرواية التي تتحدث عن أن علياً (ع) يتولى إدخال الناس إلى الجنة والنار فلا ينبغي رفضها من هذه الجهة.

 


 
 
  محاضرات >> دينية
لماذا العقل التكفيري؟



 

لماذا العقل التكفيري؟

 

لماذا العقل التكفيري؟ وهل يمكن أن يكون العقل تكفيرياً؟ وهل التكفير حكر على طائفة بعينها أم أنّه عابر للمذاهب والطوائف؟

 

وقد يطرح البعض سؤالاً آخر وهو: هل التكفير هو المشكلة أم أنّه نتاج المشكلة؟ أليس الاستبداد والقهر والظلم هو جوهر المشكلة وهو الذي يستدعي التكفير ؟

 

وتعليقاً على هذه الأسئلة أقول: إنّ الخير والشر في تقدير الله هو من صُنع الإنسان، وكل ما يحيط بنا ونواجهه من أزمات سياسية واجتماعية واقتصادية وأمنية هو من صنع الإنسان، {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي الذي عملوا لعلهم يرجعون} [الروم 41 ]، فالاستبداد والظلم والقهر والهدر كله من فعل الإنسان، والإنسان في جوهره عقل، هو عقل يخطط ويفكر قبل أن يكون يداً تنفذ.

 

ولهذا فإنّ الإنسان يساوي العقل وبدون العقل فإنّه يفقد جوهر إنسانيته، قال تعالى: {إنّ شر الدواب عند الله البكم الذين لا يعقلون}[ الأنفال 22]، فإذا صلح العقل صلحت الإنسانية، وإذا فسد فسدت الإنسانية، ومن هنا كان العقل هو البداية وهو النهاية وعليه الثواب وعليه العقاب، "أول ما خلق الله العقل فقال له: أقبل فأقبل ثم قال له: أدبر فأدبر فقال: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً هو أحبّ إليّ منك بك آخذ وبك أعطي وبك أثيب وبك أعاقب." [ من لا يحضره الفقيه ج 4 ص 369].

 

 وليس عبثاً أن يولي القرآن الكريم هذه الأهمية للعقل، لدرجة أن يعتبر التعقل والتدبر فريضة،{أفلا يعقلون} {أفلا تعقلون} {أفلا يتدبرون}،إلى غير ذلك من الآيات التي يحضر فيها فعل التعقل وتحثّ عليه، وفي الحديث الشريف: "تفكر ساعة خير من عبادة سنة"، هكذا يغدو التفكر عبادة، فأين نحن عن هذه العبادة ؟ ويحدثنا القرآن عن أنّ السبب في دخول أهل النار إليها هو أنّهم قد عطّلوا عقولهم، قال تعالى:{وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير}

 

 

علاقة الإيمان بالعقل

 

ومن هنا تبدأ علاقة الإيمان بالعقل، هذه العلاقة التي أرادها البعض أن تكون على طرفي نقيض، لنكون أمام عقل بلا إيمان أو إيمان بلا عقل، ولكن القرآن أرادها أن تكون علاقة وئام وسلام وتكامل، فلا خير في إيمان لا عقل فيه، ولا خير في عقل لا إيمان فيه، ودعوني أبين طرفي هذه المعادلة، أمّا الطرف الأول فهو أنّه "لا خير في إيمان لا عقل فيه" فالوجه في ذلك أنّ الإيمان فعل تعقل ، ولعل أخطر ما واجهه الإنسان هو التدين الأعمى الذي لا عقل فيه، وتلك مشكلة التكفير والتكفيريين، وكم حذّر الإمام علي (ع) من المتنسكين الذين لا عقل لهم "ما قصم ظهري إلاّ اثنان: عالم متهتك وجاهل متنسك" وقال (ع): "نوم على يقين خير من صلاة في شك".

 

وأمّا الطرف الثاني من المعادلة وهو أنّه "لا خير في عقل لا إيمان معه" فالوجه فيه أنّ الله عندما يسكن عقلك فهذا يعني أنّه سيحميك من الزيغ والكبرياء ويهذّب هذا العقل من نزعات الشر ويعطيك أمناً وسلاماً داخلياً، إنّ العقول التي لا يسكنها الله هي عقول لا تعرف الرحمة ولا الإنسانية.

 

من هنا فإنّ الإسلام عندما قدّس العقل فإنّه قدّس العقل المنفتح على الله حيث يستمدّ منه تعالى العون، وليس العقل المتكبر على خالقه والجاحد بربوبيته، فالعقل السليم لا يسعه إلاّ ان يستشعر عظمة الله وإلاّ أن يرى مظاهر قدرة الله في هذا الكون الفسيح {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنّه الحق}[فصلت 53 ]، والعقل المنفتح على الله تعالى لا بدّ أن ينفتح على عيال الله ليتحسس آلامهم ويشاركهم همومهم وأحزانهم وأفراحهم، إنّ كل عقل يبدع دوراً يخفف فيه آلام مريض هو عقل يقدس الله، كل عقل ينطلق بمبادرة إصلاحية هو عقل يقدسه الله.

 

إنّه يقدّس العقل المتحرك والمنتج، فالعقل طاقة لا يجوز هدرها ولا تجميدها بل هو أم الطاقات البشرية ولا يجوز هدر الطاقة ولا غضاعتها، ولهذا فإنّه قد يحق لك أن تعطي جسدك إجازة لكن لا يحق لك أن تعطي عقلك إجازة، وإنّها خيانة لعقلك وإنسانيتك أن تهدر طاقة العقل، ولا شك أنّ أسوأ أنواع الهدر هو هدر العقول، قد تهدر المال ويبقى العقل فتتمكن بواسطته أن تُحصّل المال ثانية، وأمّا إذا أهدرت عقلك فإنك لن تستطيع أن تنهض ثانية، وما أكثر العقول المهدورة في هذه الأمة المهدورة على مذبح الاستبداد السياسي والديني، ومن هنا استعاذ علي من سبات العقل: "نعوذ بالله من سبات العقل".

 

وعندما نتحدث عن حركيّة العقل فهذا يعني أننا نتحدث عن العقل الاجتهادي الذي يواكب العصر، فالاجتهاد هو القوّة المحركة للإسلام، وإنّ ما تدفعه الأمّة اليوم من ضريبة في تخلفها وفي تناحرها ربما كان من نتائج إقفال باب الاجتهاد.

 

لإننا عندما نقدّس العقل فإننا نقدس العقل الحر، فالعقل لا يمكن لك ولا يحق لك أن تكبله بالأغلال والآصار أو سجنه في الزنازين، والحقيقة أنّ العقل لا يمكن تكبيله وحبسه، إلاّ أن تلغيه أنت، فإن لم تقرر إلغاء نفسك فلا يستطيع أحد إلغاءك، ولذا ترانا تراجعنا وتناحرنا هندما قيّدنا العقل بالكثير من الأغلال، ومن أخطرها على الإطلاق زنزانة العصبية المذهبية، إنّك عندما تمذهب العقل فإنّك تخنقه، ومذهبة العقل انسحبت على واقعنا برمته في الكثير من البلدان، فعملنا على مذهبة الفساد في الإدارة، فصار عندنا فساد شيعي وفساد سني، وعملنا على إصدار هوية مذهبيّة للاستبداد، فصار لدينا استبداد شيعي يتعصب الشيعة له، وآخر سني يتعصب السني له، وهكذا..

 

إننا بحاجة إلى أنسنة العقل، فالعقل يحتاج إلى لمسات تؤنسنه وتعطيه جرعة من روح، كما كان يقول أستاذنا السيد فضل الله، وإلاّ فإنّ ضرره سيكون أخطر من ضرر القنابل النووية، لأنّ عقلاً لا روح فيه لن ينتج إلاّ الحقد، والحقد لن ينتج الجمال ولا الحياة، فالحقد موت، والحاقدون أناس ينتمون إلى ثقافة الموت، وأسوأ منهم من يضفي على الموت لباس القداسة، أرأيت أمّة تقدّس الحقد، أجل إنّ فينا من يقدّس الحقد والجهل، إنّ رسالة كتاب "العقل التكفيري" هي : انزعوا القداسة عن الحقد وجرّموه لتعيشوا بسلام.

 

 

كلمة ألقيت في توقيع كتاب "العقل التكفيري" في قاعة الوحدة الوطنية في بلدة سحمر بتاريخ 26/4/2014






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon