حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » أنا طالب علم، لدي خوف من أن أتكلم بغير علم.. ما الحل؟
ج »

وعليكم السلام

لا بد لطالب العلم في مساره العلمي أن يتسلح بأمرين أساسيين:
الأول: الاستنفار العلمي وبذل الجهد الكافي لمعرفة قواعد فهم النص واستكناه معناه ودلالاته بما يعينه على التفقه في الدين وتكوين الرأي على أسس صحيحة.
الثاني: التقوى العلمية ويُراد بها استحضار الله سبحانه وتعالى في النفس حذراً من الوقوع في فخ التقوّل على الله بغير علم. ومن الضروري أن يعيش مع نفسه حالة من المحاسبة الشديدة ومساءلة النفس من أن دافعه إلى تبني هذا الرأي أو ذاك: هل هو الهوى والرغبة الشخصية أم أن الدافع هو الوصول إلى الحقيقة ولو كانت على خلاف الهوى.
أعتقد أن طالب العلم إذا أحكم هذين الامرين فإنه سيكون موفقاً في مسيرته العلمية وفيما يختاره من آراء أو يتبناه من موقف.

 
س » كيف علمنا أن الصحيفة السجادية ناقصة؟ وهل ما وجده العلماء من الأدعية صحيح؟؟
ج »

أقول في الإجابة على سؤالكم:

أولاً: إن الصحيفة السجادية في الأصل تزيد على ما هو واصل إلينا وموجود بين أيدينا، قال المتوكل بن هارون كما جاء في مقدمة الصحيفة: " ثم أملى عليّ أبو عبد الله (ع) الأدعية، وهي خمسة وسبعون باباً، سقط عني منها أحد عشر باباً، وحفظت منها نيفاً وستين باباً"، بيد أن الموجود فعلاً في الصحيفة الواصلة إلينا هو أربعة وخمسون دعاء. آخرها دعاؤه في استكشاف الهموم، وهذا آخر دعاء شرحه السيد علي خان المدني في رياض السالكين، وكذا فعل غيره من الأعلام.

ثانياً: إن سقوط عدد من أدعية الصحيفة وضياعها دفع غير واحد من الأعلام للبحث والتتبع في محاولة لمعرفة ما هو الضائع منها، وبحدود اطلاعي فإنهم عثروا على أدعية كثيرة مروية عن الإمام زين العابدين (ع)، لكنهم لم يصلوا إلى نتائج تفيد أن ما عثروا عليه هو من الأدعية الناقصة منها، ولذا عنونوا مؤلفاتهم بعنوان مستدركات على الصحيفة، ولم يجزموا أن ما جمعوه من أدعية هو الضائع من أدعية الصحيفة. وهذا ما تقتضيه الضوابط العلمية والدينية، فما لم يعثر الإنسان على نسخة قديمة موثوقة أو قرائن مفيدة للوثوق بأن هذا الدعاء أو ذاك هو من جملة أدعية الصحيفة فلا يصح له إضافة بعض الأدعية على الصحيفة بعنوان كونها منها.

ثالثاً: لقد ابتُلينا بظاهرة خطيرة، وهي ظاهرة الإضافة على الصحيفة أو غيرها من كتب الأدعية، وهذا العمل هو خلاف الأمانة والتقوى، وقد ترتّب على ذلك الكثير من المفاسد، وأوجب ذلك وهماً للكثيرين، فتوهموا أن بعض الأدعية هي جزء من الصحيفة السجادية المشهورة، ومردّ ذلك بكل أسف إلى أن مجال الأدعية والزيارات شرعة لكل وارد، وتُرك لأصحاب المطابع والمطامع! وأعتقد أن هذا العبث في كتب الأدعية والزيارات ناشئ عن عدم عناية العلماء بالأمر بهذه الكتب كما ينبغي ويلزم، كما نبه عليه المحدث النوري في كتابه "اللؤلؤ والمرجان" مستغرباً صمت العلماء إزاء التلاعب والعبث بنصوص الأدعية والزيارات مما يعدّ جرأة عظيمة على الله تعالى ورسوله (ص)!

رابعاً: أما ما سألتم عنه حول مدى صحة الأدعية الواردة بعد دعاء استكشاف الهموم، فهذا أمر لا يسعنا إعطاء جواب حاسم وشامل فيه، بل لا بدّ أن يدرس كل دعاء على حدة، ليرى ما إذا كانت قرائن السند والمتن تبعث على الحكم بصحته أم لا. فإن المناجاة الخمس عشرة بنظرنا لم تصح وربما كانت من وضع الصوفية، وقد أوضحنا ذلك بشكل مفصل في كتاب الشيع والغلو.


 
س » ابني المراهق يعاني من التشتت، وأنا جدا قلق ولا اعرف التصرف معه، ما هي نصيحتكم؟
ج »

التشتت في الانتباه في سن المراهقة مع ما يرافقه من الصعوبات هو في حدود معينة أمر طبيعي وظاهرة تصيب الكثير من المراهقين ولا سيما في عصرنا هذا.

وعلينا التعامل مع هذه المرحلة بدقة متناهية من الاستيعاب والتفهم والإرشاد والتوجيه وتفهم سن المراهق، وأن هذه المرحلة تحتاج إلى أسلوب مختلف عما سبقها.

فالمراهق ينمو لديه الإحساس بالذات كثيرا حتى ليخيل إليه أنه لم يعد بحاجة إلى الاحتضان والرعاية من قِبل والديه.

وبالتالي علينا أن نتعامل معه بأسلوب المصادقة "صادقه سبعا.." والتنبه جيدا للمؤثرات التي تسهم في التأثير على شخصيته واستقامته وتدينه، ومن هذه المؤثرات: الأصدقاء ووسائل التواصل الاجتماعي، فإن نصيبها ودورها في التأثير على المراهق هو أشد وأعلى من دورنا.

وفي كل هذه المرحلة علينا أن نتحلى بالصبر والأناة والتحمل، وأن نبتدع أسلوب الحوار والموعظة الحسنة والتدرج في العمل التربوي والرسالي.

نسأل الله أن يوفقكم وأن يقر أعينكم بولدكم وأن يفتح له سبيل الهداية. والله الموفق.


 
س » اعاني من عدم الحضور في الصلاة، فهل أحصل على الثواب؟
ج »
 
لا شك أن العمل إذا كان مستجمعا للشرائط الفقهية، فهو مجزئٌ ومبرئٌ للذمة. أما الثواب فيحتاج إلى خلوص النية لله تعالى بمعنى أن لا يدخل الرياء ونحوه في نية المصلي والعبادة بشكل عام.
ولا ريب أنه كلما كان الإنسان يعيش حالة حضور وتوجه إلى الله كان ثوابه أعلى عند الله، لكن لا نستطيع نفي الثواب عن العمل لمجرد غياب هذا الحضور في بعض الحالات بسبب الظروف الضاغطة على الإنسان نفسيا واجتماعيا.
لكن على الإنسان أن يعالج مشكلة تشتت الذهن أثناء العمل العبادي وذلك من خلال السعي الجاد للتجرد والابتعاد عن كل الهواجس والمشكلات أثناء الإقبال على الصلاة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، باستحضار عظمة الله عز وجل في نفوسنا وأنه لا يليق بنا أن نواجهه بقلب لاهٍ وغافل. والله الموفق.

 
س » أنا إنسان فاشل، ولا أتوفق في شيء، وقد كتب عليّ بالخسارة، فما هو الحل؟
ج »

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أولاً: التوفيق في الحياة هو رهن أخذ الإنسان بالأسباب التي جعلها الله موصلة للنجاح، فعلى الإنسان أن يتحرك في حياته الشخصية والمهنية والاجتماعية وفق منطق الأسباب والسنن. على سبيل المثال: فالإنسان لن يصل إلى مبتغاه وهو جليس بيته وحبيس هواجسه، فإذا أراد الثروة فعليه أن يبحث عن أسباب الثروة وإذا أراد الصحة فعليه أن يأخذ بالنصائح الطبية اللازمة وإذا أراد حياة اجتماعية مستقرة عليه أن يسير وفق القوانين والضوابط الإسلامية في المجال الاجتماعي وهكذا.

ثانياً: لا بد للإنسان أن يعمل على رفع معوقات التوفيق، وأني أعتقد أن واحدة من تلك المعوقات هي سيطرة الشعور المتشائم على الإنسان بحيث يوهم نفسه بأنه إنسان فاشل وأنه لن يوفق وأنه لن تناله البركة الإلهية.

إن هذا الإحساس عندما يسيطر على الإنسان فإنه بالتأكيد يجعله إنسانا فاشلا ومحبطا ولن يوفق في حياته ولذلك نصيحتي لك أن تُبعد مثل هذا الوهم عن ذهنك وانطلق في الحياة فإن سبيل الحياة والتوفيق لا تعد ولا تحصى.


 
س » ما هو هدف طلب العلم الذي يجب أن يكون؟
ج »

عندما ينطلق المسلم في طلبه للعلم من مسؤوليته الشرعية الملقاة على عاتقه ومن موقع أنه خليفة الله على الأرض، فإن ذلك سوف يخلق عنده حافزاً كبيراً للجد في طلب العلم والوصول إلى أعلى المراتب. أما إذا انطلق في تحصيله من موقع المباهاة أو إثبات ذاته في المجتمع أو من موقع من يريد أن يزين اسمه بالشهادة الجامعية ليُقال له "الدكتور" وما إلى ذلك، فإنه - في الغالب - لن يصل إلى النتيجة المرجوة.

وعلى كل إنسان منا أن يعي أنّنا في هذه الحياة مسؤولون في أن نترك أثراً طيباً، وأن نقوم بواجباتنا قبل أن يطوينا الزمان، إننا مسؤولون عن عمرنا فيما أفنيناه وعن شبابنا فيما أبليناه، وسنُسأل يوم القيامة عن كل هذه الطاقات التي منّ اللهُ بها علينا.

وأضف إلى ذلك، إنه من الجدير بالمسلم، أن لا يفكر في نفسه وما يريحه هو فحسب في طلبه للعلم، بل أن يفكر أيضاً في أمته والنهوض بها ليكون مستقبلها زاهراً، وهذا كله يحتم عليه أن يكون سقف طموحاته عالياً ليتمكن هو وأقرانه من الطلاب والعلماء من ردم الفجوة بيننا وبين الغرب الذي سبقنا على أكثر من صعيد.

باختصار: إن مسؤوليتنا ورسالتنا وانتماءنا لهذه الأمة يفرض علينا أن نعيش حالة طوارئ ثقافية وعلمية.


 
س » ما رأيكم في الاختلاط المنتشر في عصرنا، وكيف نحاربه؟
ج »

إنّ الاختلاط قد أصبح سمة هذا العصر في كثير من الميادين، ومنها الجامعات والطرقات والساحات وكافة المرافق العامة.. والاختلاط في حد ذاته ليس محرماً ما لم يفضِ إلى تجاوز الحدود الشرعية في العلاقة بين الرجل والمرأة الأجنبيين؛ كما لو أدى إلى الخلوة المحرمة بالمرأة أو مصافحتها أو كان المجلس مشوباً بأجواء الإثارة الغرائزية أو غير ذلك مما حرمه الله تعالى.

وفي ظل هذا الواقع، فإنّ العمل على تحصين النفس أولى من الهروب أو الانزواء عن الآخرين بطريقة تشعرهم بأن المؤمنين يعيشون العُقد النفسية. إن على الشاب المسلم أن يثق بنفسه وأن يفرض حضوره ووقاره، وأن يبادر إلى إقناع الآخرين بمنطقه وحججه، وأن يبيّن لهم أن الانحراف والتبرج والفجور هو العمل السيّئ الذي ينبغي أن يخجل به الإنسان، وليس الإيمان ومظاهر التدين.

وأننا ندعو شبابنا عامة وطلاب الجامعات خاصة من الذكور والإناث إلى أن يتزينوا بالعفاف، وأن يحصنوا أنفسهم بالتقوى بما يصونهم من الوقوع في الحرام.


 
س » كيف يمكن التخلص من السلوكيات والعادات السيئة؟
ج »

إن التغلب على السلوكيات الخاطئة أو العادات السيئة – بشكل عام – يحتاج بعد التوكل على الله تعالى إلى:

أولاً: إرادة وتصميم، ولا يكفي مجرد الرغبة ولا مجرد النية وانما يحتاج بالإضافة إلى ذلك إلى العزم والمثابرة وحمل النفس على ترك ما اعتادته.

ثانياً: وضع برنامج عملي يمكّن الإنسان من الخروج من هذه العادة السيئة بشكل تدريجي؛ وأرجو التركيز على مسألة "التدرج" في الخروج من هذه العادات السيئة؛ لأن إدمان النفس على الشيء يجعل الخروج منه صعباً ويحتاج إلى قطع مراحل، وأما ما يقدم عليه البعض من السعي للخروج الفوري من هذه العادة، فهو - بحسب التجربة - سيُمنى في كثير من الأحيان بالفشل. والله الموفق


 
 
  نشاطات >> عامة
مقابلة مع جريدة النهار
الشيخ حسين الخشن



المصدر: "النهار"

 

ذلك ليس نقاشاً حيال حقّ الفرد في انتهاج أيٍ من الشعائر، أو تهكُّماً على سلوكٍ متوارَث بات التطرُّق إليه، استفهاماً أو استنكاراً، كمَسّ الذات الإلهية. لمُواسي مصاب أهل بيت النبوّة، وفق النهج الشيعي، طقوسٌ، منها الإجهاش أو اللطم، أما التطبير، أو إدماء الرأس، فحوله جدل. يُجمِع المسلمون

الشيعة المتمرّسون في إحياء واقعة الطفّ على أشكال الحزن، كالزيّ الأسود، والمواظبة على حضور المجالس، وحرمان النفس، غالباً، مباهج الحياة من ترفيه ينقض هول مَشاهد كربلاء. أما في اليوم العاشر، حيث السِير تنقل مصرع الإمام الحسين في العام 60 للهجرة، فمنهم مَن لا يرى نفسه

مواسياً، عن حق، إلا بآلة حادة يصوّبها في اتجاه الرأس، فيغدو منظره دموياً يبعث في الآخرين الذعر. تتكرر ظاهرة التطبير سنوياً، خصوصاً بمدينة النبطية الجنوبية، كما تشهد مناطق، يتبع سكانها، كما يُشاع، توجّه حركة "أمل"، تجمعات شبابية من مختلف الأعمار، فيها تُشطَب الرؤوس بواسطة

موسى حادة، وتنزف جروحٌ على وقع هتافات "حيدر، حيدر، حيدر".

 

دموية الحال وإثبات الولاء بالجَلد


تطفح شهوة "داعش" توقاً للدم والجُرح والفجيعة، وكي يُقال "إننا في المرصاد"، يُعمَد اليوم، أكثر من وقتٍ مضى، الى إعلانٍ صريح للفداء بالنفس. ليس التطبير سلوكاً طارئاً على بعض المجتمع الشيعي، فعُمره، وفق المراجع، نحوٌ من 100 عام. منشأ الظاهرة بلدان الشرق الأدنى، وأديانٌ غيرها

السموية، تفترض عقاب النفس بالجَلد والإدماء، بُغية التطهّر والارتقاء. عرفت إيران التطبير من منشأه في الهند تحديداً، ومنه انتقل الى العراق، وتجذَّر في بُنية السلوك العاشورائي عند الشيعة هناك، لفائضٍ في حبّ إمامهم مظلوم كربلاء. استعار بعض شيعة لبنان من شيعة العراق أسلوبهم في

الولاء الحسيني، وراحت في النبطية تحديداً، حيث الموعد السنوي مع مراسم خاصة لتجديد بيعة العاشر من محرّم، تُرفَع شعارات الحسين مصحوبةً بدماءٍ تسيل من رأس المُطبِّر. بلغ الواقع من الدموية حداً يُخرِج المرء عن طوره، وأصبح لا بدّ من المزايدة في إعلان الولاء. يُجدَّد، كل سنة، عهدٌ

بأن "الحرارة لن تبرد أبداً"، ومع فتح المنطقة على حرب المصير، لم يعد ثمة فارق ما بين تجديد العهد بالقبضات والحناجر، أو بدماءٍ تُفارق أبدانها قبل الأوان.

 

نقاش حول التطبير شرعاً: الشيعة منقسمون


مرجعيتان شيعيتان تحرّمان التطبير، وتجزمان بأنه لا يجوز للنفس والإسلام معاً: السيد علي الخامنئي في إيران، والسيد محمد حسين فضل الله في لبنان. مراجع أخرى، كالسيدين أبي القاسم الخوئي وعلي السيستاني في العراق، لم يجزما بالحرمة، ولم يقطعا، في المقابل، بكون السلوك محلّلاً. فيما

تُعتَبر الشيرازية مثلاً، (نسبة الى السيد محمد الشيرازي، وبعده صادق الشيرازي في العراق)، من أبرز دعاة تعذيب النفس توكيداً للولاء الكربلائي، وقد تختلف على مستوى الممارسة العاشورائية مع مذاهب شيعية أخرى، تسهل، عبر فضائيات الشيرازيين، ملاحظة الاختلاف.

 

* مرجعية فضل الله


يجزم مدير المعهد الشرعي الإسلامي الشيخ حسين الخشن بأنّ التطبير "دخيلٌ على الإسلام، ليس من صُلبه، فلم يُعهَد بمثل هذا الفعل في زمن أهل البيت، ولا وقْع له في السِير". يعيدنا الى السيد محسن الأمين، أحد أبرز المجاهرين برفض التطبير في الفكر الشيعي، إذ "بحسب تقديره، بدأت الظاهرة

قبل نحو 100 عام في جبل عامل، وامتدّت في شكل محدود الى النبطية". يحوط التطبير رأيان فقهيان: الأول يرى عدم وجود دليلٍ الى الحرمة، فـ"كلّ شيء حلال حتى تعلم بأنه حرام"، والثاني يفتي بالحرمة انطلاقاً من مستندين، أحدهما أنّ "الإضرار بالنفس غير مسموح به شرعاً"، والآخر أنّ

التطبير "يتضمّن التوهين وهتك الخط الإسلامي الأصيل كونه يبعث على النفور والاشمئزاز". هنا النقطة الخلافية كون تقدير الضرر يخضع للنسبية. ينفي الخشن ربطاً ما بين التطبير وشبان "أمل" تحديداً، فـ"فكر السيد موسى الصدر واضحٌ في عقلنة الأمور، ولم يُعهَد عنه أنه يقبل"، داعياً

المطبِّرين الى "توفير الدماء للجبهة، أو التبرّع بها، فلا يكون التعبير عن العواطف فرصة للقول إنّ المسلمين غارقون في الدماء".

 


* مرجعيتا الخوئي والسيستاني


لم يدلِ السيستاني بموقف حاسم من التطبير، وظلّت فتواه ملتبسة. وفق رئيس المجمع الثقافي الجعفري الشيخ محمد حسين الحاج، "لا إفتاء واضحاً" عن المسألة. يشرح: "إذا كان ثمة ضررٌ على النفس، فلا يجوز، وإن انتفى الضرر، فلا مانع"، من غير أن يفته اعتبار إدماء الرأس "مظهراً من

مظاهر الحزن". يضرب التدخين مثالاً أو الخضوع لجراحة، "فإن تضمّنتا ضرراً، وَجَب تفاديهما، وفي حال عدم وجود الضرر، فلا بأس بذلك. يخبرنا أن الخوئي حين سُئِل عن التطبير، أجاب: "إذا أمِن الضرر، فلا إشكال"، ضارباً مثالاً ثالثاً: "إذا وُجِد خطرٌ جراء الوضوء بالماء، فلا ضير من

التيمّم".

 

للخوئي والسيستاني، تقريباً، رأيٌ واحد، وإلا ما الفارق؟ "فتوى الخوئي أكثر وضوحاً: إذا أمِن الضرر، فلا إشكال. وبالنسبة الى السيستاني، فكل ما يُسبِّب ضرراً، شأنٌ غير جائز". بكلام آخر، يتابع: "الفتوى واحدة على المستوى الفقهي، لكنّ الخامنئي وفضل الله وجدا في التطبير ضرراً، فرُدَّ

عليهما بانتفاء الضرر، فعقّبا بالقول إنّ الضرر لا يقتصر على البدن، بل يطاول أصل المذهب [صورة الإسلام الشيعة]، فكان ردٌ على الردّ: "لو أردنا التفكير وفق هذا المنطق، لجزمنا بالقول إننا لا نزال قابعين في العام الستين للهجرة، نلطم على الصدور، بما ينمّ عن تخلّفٍ في الظاهر". يختم

مؤكداً أنّ "لكلّ مذهب خصوصيته، وليس من المنطق التصدّي لخصوصية المذاهب". يستدرك بآية: "ومَن يعظِّم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب". (الحج، 32).

 

* مرجعية الخامنئي


يؤكّد مدير مكتب الوكيل الشرعي للسيد علي الخامنئي في لبنان الشيخ محمد المقداد، الضرر، كون الإنسان معرَّضاً لخطر الموت أو المرض. يعرِّج الى "الرحمة في الإسلام"، مشدِّداً على أنّ "الأساليب العنيفة خارج أصل الدين، ولم يرد جواز استعمالها في خبرٍ أو روايةٍ أو نصّ". يتابع بالقول إنّ

"الأحكام الشرعية لا تحضّ إنساناً على ضرر، فالبكاء واللطم واردان، والتطبير لا، وإن لم يصلنا أنّ أحدهم مات حين طبَّر". يعلل أسباب استمرار الظاهرة على رغم بعض التحريم، ونسأله عن يدٍ لمرجعيات بتفشيها، عوض أن تكون لها إجماعاً بالرفض، فيعزو أحدها لـ"مراعاة الناس". فسِّر يا

مولانا. كيف تحدث المراعاة؟ يعيدنا الى السيد محسن الأمين الحازم في هذا الشأن، ويخبرنا بأنه حورِب و"بعضهم تهجَّم على مقامه، والقصد بالمراعاة عدم تأليب الناس، وأن ليس ثمة صلة ما بين التطبير والإيمان، فلا المطبِّر ملتزم دينياً ولا رافض التطبير مخلٌ بالشرع".

 


سرعان ما يغدو التطبير "عادة بصرف النظر عن رأي المراجع". ثمة المتمسّكون بالممارسة، يُقدِمون عليها في اليوم العاشر "بغرض المواساة، لكنّ المواساة ليست كذلك". يعيد الى الأذهان: "نحن نحارب التكفيريين، فكيف نرضى بسفك الدماء، والإمعان في تكريس الإسلاموفوبيا، والحضّ على

النفور منه والمجاهرة إزاءه بالسخط؟".

 


مطبِّران يرويان الشعور: لا يوصَف!


لمحمد عجمي (مُجاز في هندسة الديكور) سبعة وعشرون عاماً، أمضى عشرين منها مواظباً على التطبير كلّ سنة. يتّخذ من السيستاني مرجعية، ومن النبطية مكان سكن. قِصَّ علينا التجربة، يا محمد: "منذ عمر السنتين، اعتدتُ التطبير بصحبة الأهل. ذلك حوارٌ بين الإنسان وربّه، أعجزُ عن

التعبير عنه أو ملامسته. قاصى الإمام الحسين ألوان المصائب والشدائد، فكيف أستكثر عليه جُرحاً في الرأس؟ يا لبساطة ما أنا فاعلٌ أمام ما شاهد". نناقشه بانطواء الفعل على ألمٍ وأذية ونسب الدم الى الإسلام، وأنّه عُرضة لتحريم بعض المرجعيات. يجيب بوضوح: "في إمكانكِ عدم الإقدام عليه،

وفي إمكان رافضيه البقاء على مسافة من التجربة، أما أنا فكلّي بها اقتناعٌ. التطبير شأنٌ آخر يتخطّى الحلال والحرام. طالما حوربنا نحن المطبِّرين من المجتمع والمراجع. أنا حين أمارس إدماء الرأس أعجز عن وصف مشاعر تختلجني. أبكي، لا بل أجهش. أغدو في عالم آخر قوامه لحظة

تضحية. ليتني أتألم مقدار ذرّة من مصاب أهل البيت، لكان الألم مدعاة فخرٍ وسعادة".

 


كذلك هيثم زهري (27 سنة، ماجستير محاسبة)، اعتاد التطبير منذ 7 سنوات، وفي عاشوراء ما قبل العام الفائت، لم يشارك في المراسم لقولٍ بأنّ الإدماء محرَّمٌ، فكيف شَعَر؟ "كان شعوراً غريباً لا أملك وصفه. كأنّ احتكاكاً يشتعل في الرأس"، ثم يعقِّب: "المهم عدم المبالغة. مجرّد الحضور وسط

"الضرِّيبة" يمنحك إحساساً بالاختلاف. جميعنا في العائلة "نضرب حيدر"، جدّي وأبي وأعمامي، لكنني لا أمارس التطبير كفرْضِ مُتوارَث، بل لاقتناعي التام بقضية عاشوراء". وإذا نسأله عن الوجع، يجيب ضاحكاً: "ليس ثمة أوجاع! هي اللحظات الأولى فقط، ويُخدَّر الرأس. ثم، أي وجع نتحدّث

عنه في حضرة مصاب الطفّ؟".

 


في نقد السلوك واختراق خصوصيته


لكلٍّ أن يتبنّى المعتقد الذي يشاء. شأن الشباب المطبِّر أن يجاهر فخراً بإدماء رأسه، وأن يُقدِّم وجع النفس قرباناً لمن يشاء. القابل للنقد، حضٌ مبطَّن على سفك الدم، وإسقاط الممارسة "الطارئة" على كنه الدين وأصله. كأنها سلسلةٌ أن يُعمَد الى ترسيخ مفعول الأداة الحادة على الأبدان، وأبرز

تجلياتها حزّ الأعناق. يُفسِح بعضهم المؤِّثر في الشبان العاطفي مجالاً ليُرمَى الدين بأوهامٍ وحقائق.

 

فاطمة عبدالله

31 تشرين الأول 2014 الساعة 18:31

 






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon