حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » أنا طالب علم، لدي خوف من أن أتكلم بغير علم.. ما الحل؟
ج »

وعليكم السلام

لا بد لطالب العلم في مساره العلمي أن يتسلح بأمرين أساسيين:
الأول: الاستنفار العلمي وبذل الجهد الكافي لمعرفة قواعد فهم النص واستكناه معناه ودلالاته بما يعينه على التفقه في الدين وتكوين الرأي على أسس صحيحة.
الثاني: التقوى العلمية ويُراد بها استحضار الله سبحانه وتعالى في النفس حذراً من الوقوع في فخ التقوّل على الله بغير علم. ومن الضروري أن يعيش مع نفسه حالة من المحاسبة الشديدة ومساءلة النفس من أن دافعه إلى تبني هذا الرأي أو ذاك: هل هو الهوى والرغبة الشخصية أم أن الدافع هو الوصول إلى الحقيقة ولو كانت على خلاف الهوى.
أعتقد أن طالب العلم إذا أحكم هذين الامرين فإنه سيكون موفقاً في مسيرته العلمية وفيما يختاره من آراء أو يتبناه من موقف.

 
س » كيف علمنا أن الصحيفة السجادية ناقصة؟ وهل ما وجده العلماء من الأدعية صحيح؟؟
ج »

أقول في الإجابة على سؤالكم:

أولاً: إن الصحيفة السجادية في الأصل تزيد على ما هو واصل إلينا وموجود بين أيدينا، قال المتوكل بن هارون كما جاء في مقدمة الصحيفة: " ثم أملى عليّ أبو عبد الله (ع) الأدعية، وهي خمسة وسبعون باباً، سقط عني منها أحد عشر باباً، وحفظت منها نيفاً وستين باباً"، بيد أن الموجود فعلاً في الصحيفة الواصلة إلينا هو أربعة وخمسون دعاء. آخرها دعاؤه في استكشاف الهموم، وهذا آخر دعاء شرحه السيد علي خان المدني في رياض السالكين، وكذا فعل غيره من الأعلام.

ثانياً: إن سقوط عدد من أدعية الصحيفة وضياعها دفع غير واحد من الأعلام للبحث والتتبع في محاولة لمعرفة ما هو الضائع منها، وبحدود اطلاعي فإنهم عثروا على أدعية كثيرة مروية عن الإمام زين العابدين (ع)، لكنهم لم يصلوا إلى نتائج تفيد أن ما عثروا عليه هو من الأدعية الناقصة منها، ولذا عنونوا مؤلفاتهم بعنوان مستدركات على الصحيفة، ولم يجزموا أن ما جمعوه من أدعية هو الضائع من أدعية الصحيفة. وهذا ما تقتضيه الضوابط العلمية والدينية، فما لم يعثر الإنسان على نسخة قديمة موثوقة أو قرائن مفيدة للوثوق بأن هذا الدعاء أو ذاك هو من جملة أدعية الصحيفة فلا يصح له إضافة بعض الأدعية على الصحيفة بعنوان كونها منها.

ثالثاً: لقد ابتُلينا بظاهرة خطيرة، وهي ظاهرة الإضافة على الصحيفة أو غيرها من كتب الأدعية، وهذا العمل هو خلاف الأمانة والتقوى، وقد ترتّب على ذلك الكثير من المفاسد، وأوجب ذلك وهماً للكثيرين، فتوهموا أن بعض الأدعية هي جزء من الصحيفة السجادية المشهورة، ومردّ ذلك بكل أسف إلى أن مجال الأدعية والزيارات شرعة لكل وارد، وتُرك لأصحاب المطابع والمطامع! وأعتقد أن هذا العبث في كتب الأدعية والزيارات ناشئ عن عدم عناية العلماء بالأمر بهذه الكتب كما ينبغي ويلزم، كما نبه عليه المحدث النوري في كتابه "اللؤلؤ والمرجان" مستغرباً صمت العلماء إزاء التلاعب والعبث بنصوص الأدعية والزيارات مما يعدّ جرأة عظيمة على الله تعالى ورسوله (ص)!

رابعاً: أما ما سألتم عنه حول مدى صحة الأدعية الواردة بعد دعاء استكشاف الهموم، فهذا أمر لا يسعنا إعطاء جواب حاسم وشامل فيه، بل لا بدّ أن يدرس كل دعاء على حدة، ليرى ما إذا كانت قرائن السند والمتن تبعث على الحكم بصحته أم لا. فإن المناجاة الخمس عشرة بنظرنا لم تصح وربما كانت من وضع الصوفية، وقد أوضحنا ذلك بشكل مفصل في كتاب الشيع والغلو.


 
س » ابني المراهق يعاني من التشتت، وأنا جدا قلق ولا اعرف التصرف معه، ما هي نصيحتكم؟
ج »

التشتت في الانتباه في سن المراهقة مع ما يرافقه من الصعوبات هو في حدود معينة أمر طبيعي وظاهرة تصيب الكثير من المراهقين ولا سيما في عصرنا هذا.

وعلينا التعامل مع هذه المرحلة بدقة متناهية من الاستيعاب والتفهم والإرشاد والتوجيه وتفهم سن المراهق، وأن هذه المرحلة تحتاج إلى أسلوب مختلف عما سبقها.

فالمراهق ينمو لديه الإحساس بالذات كثيرا حتى ليخيل إليه أنه لم يعد بحاجة إلى الاحتضان والرعاية من قِبل والديه.

وبالتالي علينا أن نتعامل معه بأسلوب المصادقة "صادقه سبعا.." والتنبه جيدا للمؤثرات التي تسهم في التأثير على شخصيته واستقامته وتدينه، ومن هذه المؤثرات: الأصدقاء ووسائل التواصل الاجتماعي، فإن نصيبها ودورها في التأثير على المراهق هو أشد وأعلى من دورنا.

وفي كل هذه المرحلة علينا أن نتحلى بالصبر والأناة والتحمل، وأن نبتدع أسلوب الحوار والموعظة الحسنة والتدرج في العمل التربوي والرسالي.

نسأل الله أن يوفقكم وأن يقر أعينكم بولدكم وأن يفتح له سبيل الهداية. والله الموفق.


 
س » اعاني من عدم الحضور في الصلاة، فهل أحصل على الثواب؟
ج »
 
لا شك أن العمل إذا كان مستجمعا للشرائط الفقهية، فهو مجزئٌ ومبرئٌ للذمة. أما الثواب فيحتاج إلى خلوص النية لله تعالى بمعنى أن لا يدخل الرياء ونحوه في نية المصلي والعبادة بشكل عام.
ولا ريب أنه كلما كان الإنسان يعيش حالة حضور وتوجه إلى الله كان ثوابه أعلى عند الله، لكن لا نستطيع نفي الثواب عن العمل لمجرد غياب هذا الحضور في بعض الحالات بسبب الظروف الضاغطة على الإنسان نفسيا واجتماعيا.
لكن على الإنسان أن يعالج مشكلة تشتت الذهن أثناء العمل العبادي وذلك من خلال السعي الجاد للتجرد والابتعاد عن كل الهواجس والمشكلات أثناء الإقبال على الصلاة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، باستحضار عظمة الله عز وجل في نفوسنا وأنه لا يليق بنا أن نواجهه بقلب لاهٍ وغافل. والله الموفق.

 
س » أنا إنسان فاشل، ولا أتوفق في شيء، وقد كتب عليّ بالخسارة، فما هو الحل؟
ج »

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أولاً: التوفيق في الحياة هو رهن أخذ الإنسان بالأسباب التي جعلها الله موصلة للنجاح، فعلى الإنسان أن يتحرك في حياته الشخصية والمهنية والاجتماعية وفق منطق الأسباب والسنن. على سبيل المثال: فالإنسان لن يصل إلى مبتغاه وهو جليس بيته وحبيس هواجسه، فإذا أراد الثروة فعليه أن يبحث عن أسباب الثروة وإذا أراد الصحة فعليه أن يأخذ بالنصائح الطبية اللازمة وإذا أراد حياة اجتماعية مستقرة عليه أن يسير وفق القوانين والضوابط الإسلامية في المجال الاجتماعي وهكذا.

ثانياً: لا بد للإنسان أن يعمل على رفع معوقات التوفيق، وأني أعتقد أن واحدة من تلك المعوقات هي سيطرة الشعور المتشائم على الإنسان بحيث يوهم نفسه بأنه إنسان فاشل وأنه لن يوفق وأنه لن تناله البركة الإلهية.

إن هذا الإحساس عندما يسيطر على الإنسان فإنه بالتأكيد يجعله إنسانا فاشلا ومحبطا ولن يوفق في حياته ولذلك نصيحتي لك أن تُبعد مثل هذا الوهم عن ذهنك وانطلق في الحياة فإن سبيل الحياة والتوفيق لا تعد ولا تحصى.


 
س » ما هو هدف طلب العلم الذي يجب أن يكون؟
ج »

عندما ينطلق المسلم في طلبه للعلم من مسؤوليته الشرعية الملقاة على عاتقه ومن موقع أنه خليفة الله على الأرض، فإن ذلك سوف يخلق عنده حافزاً كبيراً للجد في طلب العلم والوصول إلى أعلى المراتب. أما إذا انطلق في تحصيله من موقع المباهاة أو إثبات ذاته في المجتمع أو من موقع من يريد أن يزين اسمه بالشهادة الجامعية ليُقال له "الدكتور" وما إلى ذلك، فإنه - في الغالب - لن يصل إلى النتيجة المرجوة.

وعلى كل إنسان منا أن يعي أنّنا في هذه الحياة مسؤولون في أن نترك أثراً طيباً، وأن نقوم بواجباتنا قبل أن يطوينا الزمان، إننا مسؤولون عن عمرنا فيما أفنيناه وعن شبابنا فيما أبليناه، وسنُسأل يوم القيامة عن كل هذه الطاقات التي منّ اللهُ بها علينا.

وأضف إلى ذلك، إنه من الجدير بالمسلم، أن لا يفكر في نفسه وما يريحه هو فحسب في طلبه للعلم، بل أن يفكر أيضاً في أمته والنهوض بها ليكون مستقبلها زاهراً، وهذا كله يحتم عليه أن يكون سقف طموحاته عالياً ليتمكن هو وأقرانه من الطلاب والعلماء من ردم الفجوة بيننا وبين الغرب الذي سبقنا على أكثر من صعيد.

باختصار: إن مسؤوليتنا ورسالتنا وانتماءنا لهذه الأمة يفرض علينا أن نعيش حالة طوارئ ثقافية وعلمية.


 
س » ما رأيكم في الاختلاط المنتشر في عصرنا، وكيف نحاربه؟
ج »

إنّ الاختلاط قد أصبح سمة هذا العصر في كثير من الميادين، ومنها الجامعات والطرقات والساحات وكافة المرافق العامة.. والاختلاط في حد ذاته ليس محرماً ما لم يفضِ إلى تجاوز الحدود الشرعية في العلاقة بين الرجل والمرأة الأجنبيين؛ كما لو أدى إلى الخلوة المحرمة بالمرأة أو مصافحتها أو كان المجلس مشوباً بأجواء الإثارة الغرائزية أو غير ذلك مما حرمه الله تعالى.

وفي ظل هذا الواقع، فإنّ العمل على تحصين النفس أولى من الهروب أو الانزواء عن الآخرين بطريقة تشعرهم بأن المؤمنين يعيشون العُقد النفسية. إن على الشاب المسلم أن يثق بنفسه وأن يفرض حضوره ووقاره، وأن يبادر إلى إقناع الآخرين بمنطقه وحججه، وأن يبيّن لهم أن الانحراف والتبرج والفجور هو العمل السيّئ الذي ينبغي أن يخجل به الإنسان، وليس الإيمان ومظاهر التدين.

وأننا ندعو شبابنا عامة وطلاب الجامعات خاصة من الذكور والإناث إلى أن يتزينوا بالعفاف، وأن يحصنوا أنفسهم بالتقوى بما يصونهم من الوقوع في الحرام.


 
س » كيف يمكن التخلص من السلوكيات والعادات السيئة؟
ج »

إن التغلب على السلوكيات الخاطئة أو العادات السيئة – بشكل عام – يحتاج بعد التوكل على الله تعالى إلى:

أولاً: إرادة وتصميم، ولا يكفي مجرد الرغبة ولا مجرد النية وانما يحتاج بالإضافة إلى ذلك إلى العزم والمثابرة وحمل النفس على ترك ما اعتادته.

ثانياً: وضع برنامج عملي يمكّن الإنسان من الخروج من هذه العادة السيئة بشكل تدريجي؛ وأرجو التركيز على مسألة "التدرج" في الخروج من هذه العادات السيئة؛ لأن إدمان النفس على الشيء يجعل الخروج منه صعباً ويحتاج إلى قطع مراحل، وأما ما يقدم عليه البعض من السعي للخروج الفوري من هذه العادة، فهو - بحسب التجربة - سيُمنى في كثير من الأحيان بالفشل. والله الموفق


 
 
  حوارات >> فكرية
حوار مع منتدى أحرار القلم - سحمر



 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إنّ منتدى أحرار القلم - سحمر يرحب بكم ضيفاً عزيزاً على صفحتها، ويتشرف بإجراء هذا الحوار معكم .. و ذلك بطرح بعض الأسئلة التي تشغل الكثير من عقول الناس سراً و همساً وعلناً ..

 

أسئلة منتدى احرار القلم - سحمر :


1- هل ظاهرة الأثراء لبعض رجال الدين تعتبر حالة طبيعية في عقيدة الدين الإسلامي ؟؟

2-  في الحالات الطبيعية هل يؤدي العمل في السلك الديني إلى الثراء ؟؟ إذا كان نعم .. كيف يبرر ذلك دينياً و قانونياً ؟؟ على قاعدة من أين لك هذا.

3-  من هي المرجعية الدينية أو القانونية المخولة الرقابة و التدقيق في حسابات و ممتلكات رجال الدين ؟؟ و من يتحمل المسؤولية في حال عدم وجودها ؟؟

 

أجوبة سماحة الشيخ حسين الخشن:

 

بعد الشكر الجزيل للمشرفين على منتدى أحرار القلم، ليسمح لي الجميع مصارحتهم بالقول: إنّ بعض الأخوة الذين اطلعوا على الأسئلة قال لي: إنها أسئلة جريئة، ونصحني بعدم الإجابة عليها. ولذا أحبّ أن أقول لهذا الأخ، ولجميع الناس بشكل واضح لا لبس فيه:


إنّ انتماءنا إلى الإسلام يحتم علينا، ولا سيما في هذه المرحلة الصعبة من تاريخنا، أن نبادر إلى طرح الأسئلة الجريئة والحرجة، بل إنّ الأمة التي لا تنتشر فيها ثقافة السؤال بالمعنى النقدي، هي أمة محكومة بالسكون والجمود، (بالمناسبة، من يتأمل القرآن الكريم يجد تأكيدًا

على مشروعية السؤال، وأهميته في الفن المعرفي والتطور البشري، "وإذا سألك عبادي عني.." ويسألونك ...").


والسؤال الذي طرحتموه هو بطيبعة الحال سؤال مشروع وضروري، "فليس هناك سؤال محرج، والحقيقة بنت الحوار" طبقًا للشعار الذي كان يرفعه سماحة الفقيه المجدد السيد محمد حسين فضل الله. ودعوني أدخل إلى مكنونات البعض منكم، لأستخرج منها بعض الأسئلة

الأخرى التي تجيش في النفوس، وأرى أنّ طرحها ضروري لاستكمال الصورة.

 

ومن هذه الأسئلة المهمة : أين دور "رجال الدين" في كل ما يجري من حولنا، من أعمال وحشية ترتكب باسم الإسلام؟ ما هي وظيفة عالم الدين إزاء التشوه الفظيع الذي يطال الصورة النقية للإسلام؟


واسمحوا لي أن أنقل الأسئلة إلى مستوى أعلى، وأكثر عمقاً وخطورة، وهو ما تفرضه اللحظة الراهنة بأسئلتها الفكرية والحضارية؛ وأقصد بالمستوى الأعلى هو السؤال ليس عن دور "رجال الدين" فحسب، بل السؤال عن دور الدين نفسه في الحياة؛ وهل أنّ الوظيفة

التقليدية المرسومة في علم الكلام للدين، لا تزال صالحة لإقناع المتدين المعاصر فضلا عن غير المتدين؟ وعلينا الاعتراف أنّ الصورة الدموية التي يُقدم بها الإسلام اليوم، قد أحدثت زلزالاً فكرياً وعقدياً لدى بعض المسلمين في قناعاتهم الدينية، وربما أدى ذلك إلى تكوّن قناعات

مغايرة لدى البعض منهم، وقد سمعنا من يجاهر بأنّ الإسلام هو المشكلة وليس هو الحل!

 

وإذا كنت أعتقد – وأظن أنّ كثيرين منكم يوافقونني الرأي – جازمًا أنّ هذا التخلف الذي تعانيه الأمة، لا علاقة للإسلام كدين سماوي به، ولا دور للنص الإسلامي نفسه في إنتاجه؛ لأنّه نص غني بالروح والمعنى، وهو نص لديه قدرة عالية على مواكبة وملاحقة المستجدات،

شريطة أن نحسن قراءته واستلهام مقاصده؛ بيد أني – في الوقت عينه - لا أقبل على الإطلاق في تفسير هذا التخلف الاستناد إلى نظرية المؤامرة التي اعتدنا أمام الاستحقاقات الخطيرة الاتكاء عليها، هرباً من مسؤولياتنا ورمياً بالكرة في ملعب الآخر، الذي تفننا في إطلاق

الأوصاف عليه من "الاستعمار" إلى "الاستكبار" مروراً بـ"الإمبرالية".. وهي أوصاف قد تكون صحيحة لكنّ المبالغة فيها، وفي الدور الذي أعيناها إياه، قد حجبت عنا وضوح الرؤية، وأصابتنا بالعمى الفكري عن إدراك المشكلة في العمق. فالمشكلة في الحقيقة هي في السبات

الذي دخلت عقولنا فيه، وفي هذا الاسترخاء الفكري الذي سيطر علينا، الأمر الذي سمح للآخر أن يتآمر علينا، ويجد فينا أرضية خصبة لمشاريعه ومصالحه الخاصة، وقد قالها المفكر الجزائري مالك بن نبي: "لو لم يكن فينا قابلية الاستعمار لما استعمرنا".

 

ومن الطبيعي، أن ّهذه الأسئلة لن يتسنى لنا الإجابة عليها هنا وفي هذه العجالة؛ لأنّ في ذلك خروجاً عن رغبة الأخوة في المنتدى، ولكننا نأمل أن نوفق للحديث معكم عن ذلك في أقرب فرصة ممكنة.

 

واسمحوا لي بعد هذا أن أضع عبارة... "رجل الدين" بين قوسين عند استخدامها فيما يأتي، وذلك لأنّي ممن يتحفظون على هذا المصطلح، لجهة ما يحمله من نزعة ذكورية تحتكر الدين للرجال فقط، كما أنّه يكرّس فرزاً بين رجل الدين ورجل الدنيا، وهو فرز غير مبرر في

منطق الإسلام الذي يريد لكل الناس أن يكونوا رجال دين ورجال دنيا في الوقت عينه، وفقاً لمنطوق كلمة الإمام علي(ع): "اعمل لدنياك    كأنك تعيش أبدًا واعمل لآخرتك كأنّك تموت غدًا".

 

نعود للأسئلة:

 

س 1 - هل ظاهرة الإثراء لبعض رجال الدين تعتبر حالة طبيعية في عقيدة الدين الإسلامي؟؟

 

ج1- لا أخال أنّكم تتوقعون مني سوى موقف الإدانة لهذا الأمر، لأنّه إذا كان الإثراء غير المشروع، مدان بالنسبة لعامة الناس، فالأولى أن يكون مداناً ومرفوضاً ممن يتجلببون بجلباب الدين. على اعتبار أنّ المترقب من هؤلاء، أن يتمثّلوا قيم الدين التي يبشرون بها ويدعون

الناس إليها، لا أن يعيشوا ازدواجية بين أفعالهم من جهة، وبين أقوالهم من جهة أخرى، بما يعبّر عن حالة انفصام داخل الشخصية.


ومع أنّي أصدقكم القول بأنّ غالبية علماء الدين - الذين أعرفهم على الأقل - ليسوا من المثرين، ولو إثراءً مشروعاً فضلاً عن غيره؛ لكنّي لا أنكر وجود هذه الظاهرة بين" رجال الدين". فقد تحدّث عنها القرآن الكريم، قال تعالى: {إنّ كثيراً من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال

الناس بالباطل..} [التوبة 34]، وما ينطبق على الأحبار والرهبان ينطبق على "رجال الدين" المسلمين بطبيعة الحال.


والذي أعتقده أنّ مشكلة الإثراء غير المشروع، لا ينبغي أن ننظر إلى سلبياتها من الزاوية المادية فحسب، فربما يكون هذا الجانب - على خطورته - هو الأقل سوءاً في المسألة، وإنّما يجدر بنا أن نتطلع إلى انعكاسات ذلك - أعني رضوخ "رجل الدين" لشهوة المال - على

الدين نفسه، وعلى المجتمع المتدين برمته. وذلك لأنّ ما ارتكبه ويرتكبه تجار الأديان، الذين يسعون إلى تحويل الدين إلى دكان للارتزاق به والتعيش عليه، هو جناية عظيمة على رسالة الدين؛ لأنّ هؤلاء عندما تتحكم بهم مصالحهم الخاصة، سوف يندفعون إلى التلاعب بالدين

نفسه بتطويع مفاهيمه، وتزوير تعاليمه، بما ينسجم مع رغبات "رأس المال" و"أولياء النعم"، سواء كانوا من السلاطين أو من عامة الناس. وهكذا تصل الأمور إلى مرحلة تتمّ فيها مواجهة الدين باسم الدين، وتخدّر الناس بمخدرات "دينية"، وتزوّر المفاهيم الأصيلة للدين بحجج

تلبس لبوسًا دينيًا!.

 

ومن هنا تكون معركة الإصلاح كبيرة جداً، وأثمانها كذلك باهظة ومكلفة. ولنجاح هذه فإننا بحاجة ماسة إلى "رجال" فدائيين، لا يخافون في الله لومة لائم، ويعملون ليس على إصلاح النفوس فحسب، بل وعلى إصلاح النصوص، جراء ما لحقها من تزوير وتشويه. وهي معركة

نتطلع في نهايتها إلى توفير بيئة صحية، وملائمة يتحرر فيها " رجل الدين" من أسر الارتهان إلى أي كان، ليصبح حراً وشجاعاً في النطق بكلمة الحق.

 

 
س2- في الحالات الطبيعية هل يؤدي العمل في السلك الديني إلى الثراء ؟؟ إذا كان نعم .. كيف يبرر ذلك دينياً و قانونياً ؟؟ على قاعدة من أين لك هذا.

 

ج2 - من البديهي، أنّ المجال الديني ليس مجالاً للإثراء المالي؛ ولذا يكون السؤال عن تكوّن ثروة معينة لدى "رجل الدين" مشروعاً ومهماً، تماماً كالسؤال عن ظاهرة الإثراء السريع لدى السياسيين. ولكن دعوني أنظر إلى المسألة، ليس من زاوية توصيف المشكلة، بل من

زاوية الحلول والعلاجات، وهي الأهم بنظري. ومن الطبيعي، أن علينا هنا أن نتطلع إلى حلٍ معيشي لـ" رجال الدين"، يتوفر على عنصرين أساسيين وهما: حفظ كرامة "رجل الدين" كإنسان، وتحريره من " سلطة المال" و" مال السلطة"؛ لأنّ "سلطة المال" ترهن فكره،

وتجعله أسيراً لمصالح العامة، أو " الجماهير". و"مال السلطة" يرهنه لإرادة أصحاب السمو والفخامة والجلالة، فما هو هذا الحل يا ترى؟


ربما يقترح البعض حلاً يراه ملائماً، ويتلخص: في أنّ على رجل الدين أن يتوجه إلى سوق العمل، أو إلى مجال الوظيفة كغيره من الناس؛ ليعيش من خلال كدّ يده وما يجنيه بعرقه وتعبه.


ومع أنّ العمل ليس معيباً لرجل الدين أو غيره، بل هو يشرّف كل إنسان، واليد العاملة يقدسها الإسلام، وقد قبلها رسول الله (ص)، لكن يبدو لي أنّ هذا الحل غير عملي، وليس هو الحلّ الأمثل، بالرغم من أنّ بعض الفقهاء القدامى قد اعتمدوه على ما يذكر في سيرتهم. ولكن

إذا أردنا علماءَ دين راسخين في العلم، ومتفرغين لخدمة الرسالة، فلا مفر لنا من الدعوة إلى التفرّغ في الحقل الديني. فقد باتت المعارف الدينيّة بقدر من العمق والشموليّة بما تحتاج معه إلى عشرات الفروع التخصصية، ولا سيّما أمام كثرة الأسئلة التي تطرحها المستجدات

اليومية المتسارعة على الدين وأهله، بحيث لا يتسنى للشخص الواحد أن يلمّ بجميع أبعاد الدين، حتى لو أعطى وقته كاملاً لذلك. فما بالك بمن يعطي بعضاً من وقته للعلم، ويصرف جلّ وقته في العمل لتأمين لقمة العيش له ولعياله؟!.


وليس منطقياً أن يطرح البعض حلاً يقضي بأن يصار إلى تمويل "رجل الدين" من خلال الناس مباشرة، بحيث يترك الأمر لـ" أهل الخير" وما تجود به نفوسهم. فهذا حلّ مشوب بالإذلال لهذه الشريحة من الناس، وهو يحوّلهم إلى ما يشبه المستجدين والمستعطين، ناهيك عن

أنّه "حل" يرهن إرادتهم لمصالح الناس.


ولهذا، لربما كان الحل الأمثل - باعتقادي - متمثلاً بتأمين مصادر ماليّة نزيهة، ومحايدة، تتكفل بتأمين اكتفاء ذاتي لطلاب المعاهد الشرعية الجادين، والعلماء العاملين لخدمة عيال الله. وليس هناك مصدر مالي يحوز هذه المواصفات أفضل من الضرائب المالية المسماة بالحقوق

الشرعية (خمس، زكاة، وأوقاف). فإنّ هذه الحقوق وإن لم يدع أحد أنّ مصرفها الوحيد هم "رجال الدين"، بيد أنّهم دون شك مصرف معقول ومناسب لها.

 


س3- من هي المرجعية الدينية أو القانونية المخولة الرقابة و التدقيق في حسابات و ممتلكات رجال الدين ؟ و من يتحمل المسؤولية في حال عدم وجودها ؟؟

 

ج3- قد لا يتسنى لنا أن نرى المسألة في صورتها المثلى إلاّ بعد إخراج المرجعية الدينية من نطاق مرجعية الفرد إلى نطاق "المرجعية المؤسسة"، المرتكزة على نظام مؤسساتي يعتمد الشفافية والمحاسبة والمراقبة، مستعيناً بمختلف الكفاءات والتخصصات وأهل الرأي والخبرة

في شتى المجالات الفقهية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية..


إنّ هذا التنظيم لمسألة إدارة صرف المال الشرعي، سوف يحول دون أن ينشأ لدينا جيش من الكسالى، والعاطلين عن العمل الذين يعتاشون على الحقوق الشرعية، أو على آلام الناس وأوجاعهم، بحجة أنّهم روحانيون يفكّون لهم السحر ويكتبون الرقى ويفسّرون لهم الأحلام

وما إلى ذلك.


وفي ظل غياب المرجعية المؤسسة سنبقى نعوّل على العناصر التالية:


1- الرقابة الذاتية للفرد.


2- الرقابة الاجتماعية.


3- دور المرجعيات الدينية المعروفة في تزكية الأفراد، ومنحهم الثقة أو نزع الثقة عنهم.


ويفترض بالناس أن لا يستغفلوا ولا تخدعهم المظاهر، وأن لا يدفعوا المال الشرعي لكل من ادعى أنه عالم أو اعتمر عمامة، بل عليهم أن يطلبوا الشهادة العلمية، ووثيقة التزكية التي تخول هذا الشخص استلام الأموال الشرعية.

 

12 - 11 - 2014






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon