حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » أنا طالب علم، لدي خوف من أن أتكلم بغير علم.. ما الحل؟
ج »

وعليكم السلام

لا بد لطالب العلم في مساره العلمي أن يتسلح بأمرين أساسيين:
الأول: الاستنفار العلمي وبذل الجهد الكافي لمعرفة قواعد فهم النص واستكناه معناه ودلالاته بما يعينه على التفقه في الدين وتكوين الرأي على أسس صحيحة.
الثاني: التقوى العلمية ويُراد بها استحضار الله سبحانه وتعالى في النفس حذراً من الوقوع في فخ التقوّل على الله بغير علم. ومن الضروري أن يعيش مع نفسه حالة من المحاسبة الشديدة ومساءلة النفس من أن دافعه إلى تبني هذا الرأي أو ذاك: هل هو الهوى والرغبة الشخصية أم أن الدافع هو الوصول إلى الحقيقة ولو كانت على خلاف الهوى.
أعتقد أن طالب العلم إذا أحكم هذين الامرين فإنه سيكون موفقاً في مسيرته العلمية وفيما يختاره من آراء أو يتبناه من موقف.

 
س » كيف علمنا أن الصحيفة السجادية ناقصة؟ وهل ما وجده العلماء من الأدعية صحيح؟؟
ج »

أقول في الإجابة على سؤالكم:

أولاً: إن الصحيفة السجادية في الأصل تزيد على ما هو واصل إلينا وموجود بين أيدينا، قال المتوكل بن هارون كما جاء في مقدمة الصحيفة: " ثم أملى عليّ أبو عبد الله (ع) الأدعية، وهي خمسة وسبعون باباً، سقط عني منها أحد عشر باباً، وحفظت منها نيفاً وستين باباً"، بيد أن الموجود فعلاً في الصحيفة الواصلة إلينا هو أربعة وخمسون دعاء. آخرها دعاؤه في استكشاف الهموم، وهذا آخر دعاء شرحه السيد علي خان المدني في رياض السالكين، وكذا فعل غيره من الأعلام.

ثانياً: إن سقوط عدد من أدعية الصحيفة وضياعها دفع غير واحد من الأعلام للبحث والتتبع في محاولة لمعرفة ما هو الضائع منها، وبحدود اطلاعي فإنهم عثروا على أدعية كثيرة مروية عن الإمام زين العابدين (ع)، لكنهم لم يصلوا إلى نتائج تفيد أن ما عثروا عليه هو من الأدعية الناقصة منها، ولذا عنونوا مؤلفاتهم بعنوان مستدركات على الصحيفة، ولم يجزموا أن ما جمعوه من أدعية هو الضائع من أدعية الصحيفة. وهذا ما تقتضيه الضوابط العلمية والدينية، فما لم يعثر الإنسان على نسخة قديمة موثوقة أو قرائن مفيدة للوثوق بأن هذا الدعاء أو ذاك هو من جملة أدعية الصحيفة فلا يصح له إضافة بعض الأدعية على الصحيفة بعنوان كونها منها.

ثالثاً: لقد ابتُلينا بظاهرة خطيرة، وهي ظاهرة الإضافة على الصحيفة أو غيرها من كتب الأدعية، وهذا العمل هو خلاف الأمانة والتقوى، وقد ترتّب على ذلك الكثير من المفاسد، وأوجب ذلك وهماً للكثيرين، فتوهموا أن بعض الأدعية هي جزء من الصحيفة السجادية المشهورة، ومردّ ذلك بكل أسف إلى أن مجال الأدعية والزيارات شرعة لكل وارد، وتُرك لأصحاب المطابع والمطامع! وأعتقد أن هذا العبث في كتب الأدعية والزيارات ناشئ عن عدم عناية العلماء بالأمر بهذه الكتب كما ينبغي ويلزم، كما نبه عليه المحدث النوري في كتابه "اللؤلؤ والمرجان" مستغرباً صمت العلماء إزاء التلاعب والعبث بنصوص الأدعية والزيارات مما يعدّ جرأة عظيمة على الله تعالى ورسوله (ص)!

رابعاً: أما ما سألتم عنه حول مدى صحة الأدعية الواردة بعد دعاء استكشاف الهموم، فهذا أمر لا يسعنا إعطاء جواب حاسم وشامل فيه، بل لا بدّ أن يدرس كل دعاء على حدة، ليرى ما إذا كانت قرائن السند والمتن تبعث على الحكم بصحته أم لا. فإن المناجاة الخمس عشرة بنظرنا لم تصح وربما كانت من وضع الصوفية، وقد أوضحنا ذلك بشكل مفصل في كتاب الشيع والغلو.


 
س » ابني المراهق يعاني من التشتت، وأنا جدا قلق ولا اعرف التصرف معه، ما هي نصيحتكم؟
ج »

التشتت في الانتباه في سن المراهقة مع ما يرافقه من الصعوبات هو في حدود معينة أمر طبيعي وظاهرة تصيب الكثير من المراهقين ولا سيما في عصرنا هذا.

وعلينا التعامل مع هذه المرحلة بدقة متناهية من الاستيعاب والتفهم والإرشاد والتوجيه وتفهم سن المراهق، وأن هذه المرحلة تحتاج إلى أسلوب مختلف عما سبقها.

فالمراهق ينمو لديه الإحساس بالذات كثيرا حتى ليخيل إليه أنه لم يعد بحاجة إلى الاحتضان والرعاية من قِبل والديه.

وبالتالي علينا أن نتعامل معه بأسلوب المصادقة "صادقه سبعا.." والتنبه جيدا للمؤثرات التي تسهم في التأثير على شخصيته واستقامته وتدينه، ومن هذه المؤثرات: الأصدقاء ووسائل التواصل الاجتماعي، فإن نصيبها ودورها في التأثير على المراهق هو أشد وأعلى من دورنا.

وفي كل هذه المرحلة علينا أن نتحلى بالصبر والأناة والتحمل، وأن نبتدع أسلوب الحوار والموعظة الحسنة والتدرج في العمل التربوي والرسالي.

نسأل الله أن يوفقكم وأن يقر أعينكم بولدكم وأن يفتح له سبيل الهداية. والله الموفق.


 
س » اعاني من عدم الحضور في الصلاة، فهل أحصل على الثواب؟
ج »
 
لا شك أن العمل إذا كان مستجمعا للشرائط الفقهية، فهو مجزئٌ ومبرئٌ للذمة. أما الثواب فيحتاج إلى خلوص النية لله تعالى بمعنى أن لا يدخل الرياء ونحوه في نية المصلي والعبادة بشكل عام.
ولا ريب أنه كلما كان الإنسان يعيش حالة حضور وتوجه إلى الله كان ثوابه أعلى عند الله، لكن لا نستطيع نفي الثواب عن العمل لمجرد غياب هذا الحضور في بعض الحالات بسبب الظروف الضاغطة على الإنسان نفسيا واجتماعيا.
لكن على الإنسان أن يعالج مشكلة تشتت الذهن أثناء العمل العبادي وذلك من خلال السعي الجاد للتجرد والابتعاد عن كل الهواجس والمشكلات أثناء الإقبال على الصلاة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، باستحضار عظمة الله عز وجل في نفوسنا وأنه لا يليق بنا أن نواجهه بقلب لاهٍ وغافل. والله الموفق.

 
س » أنا إنسان فاشل، ولا أتوفق في شيء، وقد كتب عليّ بالخسارة، فما هو الحل؟
ج »

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أولاً: التوفيق في الحياة هو رهن أخذ الإنسان بالأسباب التي جعلها الله موصلة للنجاح، فعلى الإنسان أن يتحرك في حياته الشخصية والمهنية والاجتماعية وفق منطق الأسباب والسنن. على سبيل المثال: فالإنسان لن يصل إلى مبتغاه وهو جليس بيته وحبيس هواجسه، فإذا أراد الثروة فعليه أن يبحث عن أسباب الثروة وإذا أراد الصحة فعليه أن يأخذ بالنصائح الطبية اللازمة وإذا أراد حياة اجتماعية مستقرة عليه أن يسير وفق القوانين والضوابط الإسلامية في المجال الاجتماعي وهكذا.

ثانياً: لا بد للإنسان أن يعمل على رفع معوقات التوفيق، وأني أعتقد أن واحدة من تلك المعوقات هي سيطرة الشعور المتشائم على الإنسان بحيث يوهم نفسه بأنه إنسان فاشل وأنه لن يوفق وأنه لن تناله البركة الإلهية.

إن هذا الإحساس عندما يسيطر على الإنسان فإنه بالتأكيد يجعله إنسانا فاشلا ومحبطا ولن يوفق في حياته ولذلك نصيحتي لك أن تُبعد مثل هذا الوهم عن ذهنك وانطلق في الحياة فإن سبيل الحياة والتوفيق لا تعد ولا تحصى.


 
س » ما هو هدف طلب العلم الذي يجب أن يكون؟
ج »

عندما ينطلق المسلم في طلبه للعلم من مسؤوليته الشرعية الملقاة على عاتقه ومن موقع أنه خليفة الله على الأرض، فإن ذلك سوف يخلق عنده حافزاً كبيراً للجد في طلب العلم والوصول إلى أعلى المراتب. أما إذا انطلق في تحصيله من موقع المباهاة أو إثبات ذاته في المجتمع أو من موقع من يريد أن يزين اسمه بالشهادة الجامعية ليُقال له "الدكتور" وما إلى ذلك، فإنه - في الغالب - لن يصل إلى النتيجة المرجوة.

وعلى كل إنسان منا أن يعي أنّنا في هذه الحياة مسؤولون في أن نترك أثراً طيباً، وأن نقوم بواجباتنا قبل أن يطوينا الزمان، إننا مسؤولون عن عمرنا فيما أفنيناه وعن شبابنا فيما أبليناه، وسنُسأل يوم القيامة عن كل هذه الطاقات التي منّ اللهُ بها علينا.

وأضف إلى ذلك، إنه من الجدير بالمسلم، أن لا يفكر في نفسه وما يريحه هو فحسب في طلبه للعلم، بل أن يفكر أيضاً في أمته والنهوض بها ليكون مستقبلها زاهراً، وهذا كله يحتم عليه أن يكون سقف طموحاته عالياً ليتمكن هو وأقرانه من الطلاب والعلماء من ردم الفجوة بيننا وبين الغرب الذي سبقنا على أكثر من صعيد.

باختصار: إن مسؤوليتنا ورسالتنا وانتماءنا لهذه الأمة يفرض علينا أن نعيش حالة طوارئ ثقافية وعلمية.


 
س » ما رأيكم في الاختلاط المنتشر في عصرنا، وكيف نحاربه؟
ج »

إنّ الاختلاط قد أصبح سمة هذا العصر في كثير من الميادين، ومنها الجامعات والطرقات والساحات وكافة المرافق العامة.. والاختلاط في حد ذاته ليس محرماً ما لم يفضِ إلى تجاوز الحدود الشرعية في العلاقة بين الرجل والمرأة الأجنبيين؛ كما لو أدى إلى الخلوة المحرمة بالمرأة أو مصافحتها أو كان المجلس مشوباً بأجواء الإثارة الغرائزية أو غير ذلك مما حرمه الله تعالى.

وفي ظل هذا الواقع، فإنّ العمل على تحصين النفس أولى من الهروب أو الانزواء عن الآخرين بطريقة تشعرهم بأن المؤمنين يعيشون العُقد النفسية. إن على الشاب المسلم أن يثق بنفسه وأن يفرض حضوره ووقاره، وأن يبادر إلى إقناع الآخرين بمنطقه وحججه، وأن يبيّن لهم أن الانحراف والتبرج والفجور هو العمل السيّئ الذي ينبغي أن يخجل به الإنسان، وليس الإيمان ومظاهر التدين.

وأننا ندعو شبابنا عامة وطلاب الجامعات خاصة من الذكور والإناث إلى أن يتزينوا بالعفاف، وأن يحصنوا أنفسهم بالتقوى بما يصونهم من الوقوع في الحرام.


 
س » كيف يمكن التخلص من السلوكيات والعادات السيئة؟
ج »

إن التغلب على السلوكيات الخاطئة أو العادات السيئة – بشكل عام – يحتاج بعد التوكل على الله تعالى إلى:

أولاً: إرادة وتصميم، ولا يكفي مجرد الرغبة ولا مجرد النية وانما يحتاج بالإضافة إلى ذلك إلى العزم والمثابرة وحمل النفس على ترك ما اعتادته.

ثانياً: وضع برنامج عملي يمكّن الإنسان من الخروج من هذه العادة السيئة بشكل تدريجي؛ وأرجو التركيز على مسألة "التدرج" في الخروج من هذه العادات السيئة؛ لأن إدمان النفس على الشيء يجعل الخروج منه صعباً ويحتاج إلى قطع مراحل، وأما ما يقدم عليه البعض من السعي للخروج الفوري من هذه العادة، فهو - بحسب التجربة - سيُمنى في كثير من الأحيان بالفشل. والله الموفق


 
 
  مقالات >> اجتماعية
الطفولة: مفهومها ومراحلها
الشيخ حسين الخشن



 

الطفولة: مفهومها ومراحلها

 

 

في مفهوم الطفولة ومراحلها المختلفة

 

بما أنّ الطفولة تمثّل مرحلة هامّة ومصيرية في مسيرة الإنسان ورحلته في الحياة، ولها متطلباتها التربوية والتعليمية ومستلزماتها القانونية كان من الضروري بادئ ذي بدء تحديد مفهومها، وتعيين بدايتها ونهايتها، وبيان مراحلها، ومتطلبات كلّ مرحلة منها، وحقوق الطفل في كلّ المراحل.

 

تعريف الطفل

 

الطفل في اللغة هو الصغير من كلّ شيء، وتمتدّ الطفولة من الولادة إلى البلوغ، وقد يكون واحداً وقد يكون جمعاً، قال تعالى: {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء} [النور:31].

 

وفي علم التربية يطلق الطفل على الولد أو البنت حتى سنّ البلوغ أو على المولود ما دام ناعماً، وقد يطلق على الشخص ما دام مستمر النمو الجسدي والعقلي، وللأطفال مراحل نمو مختلفة فمنهم المتقدّم والمتخلّف، والنبيه والخامل، والسَوِي والشاذّ والاجتماعي واللاإجتماعي(1).

 

أقول: إنّ التعريف المتقدّم قد يكون مقبولاً على نحو الإجمال وإنّما مثار الجدل والاختلاف هو تحديد بداية الطفولة ونهايتها.

 

بداية الطفولة

 

يلاحظ أنّ اتفاقية حقوق الطفل المستندة إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سكتت عن إعطاء تحديد صريح لبداية الطفولة، وهل أنّها ترجع إلى مرحلة الحمل أو تبدأ بالولادة؟ وهو سكوت متعمّد يهدف إلى تجنّب إعطاء موقف حاسم في قضية خلافية بين الدول الأعضاء، فإنّ الإقرار بأنّ الطفولة

تبدأ في مرحلة الحمل يتضمن رفضاً كليّاً لمبدأ الإجهاض بوصفه عملاً عدوانياً على حقّ الطفل في الحياة، الأمر الذي يرفضه المتساهلون في أمر الإجهاض والمبيحون له، بينما الالتزام ببدء مرحلة الطفولة من حين الولادة يتضمّن اعترافاً بعدم انسحاب حقوق الطفل على الجنين، ما يفتح الباب

واسعاً أمام الإجهاض وهو الأمر الذي يرفضه المتشدّدون في أمر الإجهاض والمحرّمون له، مع وجود إشارة ذات مغزى في ديباجة الاتفاقية المذكورة وهي: "أنّ الطفل بسبب عدم نضجه البدني والعقلي يحتاج إلى إجراءات وقاية ورعاية خاصة، بما في ذلك حماية قانونية مناسبة قبل الولادة

وبعدها"(1) فإنّ الفقرة الأخيرة قد توحي بامتداد الطفولة إلى مرحلة الجنينيّة.

 

وما يمكننا قوله في هذا الصدد: إنّه وفي ظلّ افتقارنا إلى نصٍّ شرعي يحدِّد بداية الطفولة ويحسم الجدل بشأنها فإنّ المعنى العرفي يبقى هو المرجع وهو الذي تحمل عليه النصوص، والعرف ينص على بداية الطفولة من حين الولادة، من دون أن يعني ذلك إطلاقاً تبرير عملية الإجهاض، بل مع

الالتزام بتحريمها وتجريمها، وإذا كان البعض يرى أنّ التنصيص في المواد القانونية ذات الصلة على بدء الطفولة منذ مرحلة الحمل يعزّز فكرة تحريم الإجهاض ويمنع التحايل عليها، فلا مانع من التنصيص على ذلك، لأنّه لا مشاحة في الاصطلاح كما يقال.

 

مراحل الطفولة وأدوارها

 

اختلف الرأي بشأن بيان مراحل الطفولة وأدوارها تبعاً لاختلاف المعايير المعتمدة في تحديد مفهوم الطفولة، فالمعيار النفسي قد يختلف في تحديده للطفولة عن المعيار البيولوجي أو المعرفي أو الاجتماعي أو السلوكي، وعلى سبيل المثال: فإنّ بعض علماء النفس يرى تقسيم الطفولة إلى أربع

مراحل على النحو التالي:

 

  1.  السنتان الأولى والثانية من عمر الطفل تشكّلان الطور الحسّي الحركي.
  2.  من الثانية إلى السابعة، تمثّل الطور ما قبل العملي من تطوّره، أو طور الذكاء الحدسي.
  3.  من الثامنة حتى الثانية عشرة تمثّل الطور العملي الملموس، أو طور الذكاء التجريبي.
  4.  من الثالثة عشرة وما فوق، يدخل الطفل الطور العملي الشكلي، أو طور الذكاء التجريدي.

والملاحظ أنّ هذه المقاربة تركِّز على التطوّر المعرفي للطفل، بينما المقاربات الأخرى ترصد تطوّر الجانب البيولوجي والنفسي أو الشعوري وغيره، ومهما اختلفت المقاربات فإنّ التقسيم الزمني فيها متشابه إلى حدٍّ كبير.

 

وفي تقسيم آخر لعلماء النفس تمَّ توزيع المراحل العمرية للطفل على الشكل التالي:

 

  1.  مرحلة المهد: من الولادة إلى سنتين.

2- مرحلة الطفولة المبكرة: من 2 إلى 6 سنوات.

3- مرحلة الطفولة الوسطى: من 6 إلى 9 سنوات.

4 - مرحلة الطفولة المتأخِّرة: من 9 إلى 12 سنة.

5- مرحلة المراهقة المبكرة: من 12 إلى 15 سنة.

6- مرحلة المراهقة المتوسطة: من 15 إلى 18 سنة(1).

 

الموقف الإسلامي

 

        نستطيع القول: إنّ الموقف الإسلامي في تنويعه وتقسيمه لمراحل الطفولة يأخذ بعين الاعتبار مختلف المعايير المُشار إليها، فهو يلحظ المعيار البيولوجي، كما يتّضح ذلك من تأكيده على دور النضوج الجنسي باعتباره علامة أساسية على البلوغ، وهو لا يغفل أيضاً المعيار المعرفي

والاجتماعي، كما يظهر من تركيزه على عنصري التمييز والرشد في غير واحد من الأحكام الشرعية، وهكذا فهو لا يغفل المعيار التربوي، كما سنرى في التقسيم الثلاثي الآتي.

 

        وعلى ضوء ذلك فإننا نرجح تناول مراحل الطفولة – إسلامياً – من خلال نوعين من التقسيمات:

 

        التقسيم الأول: وهو تقسيم غير منصوص عليه بشكل تفصيلي، وإنّما هو حصيلة مستفادة من نصوص متفرّقة، يمكن على ضوئها تقسيم الطفولة إلى عدّة مراحل: مرحلة الرضاعة، مرحلة التمييز، المراهقة، البلوغ، الرُشد، وتترتّب على هذا التقسيم بمراحله المختلفة جملة من الأحكام

الشرعية، ولذا يمكن تسميته بالتصنيف الفقهي، باستثناء ما يُعرف بمرحلة المراهقة فإنّ التركيز فيها على البُعد التربوي أكثر منه على البُعد الشرعي. وسوف نتناول مراحل هذا التقسيم وما يرتبط بها بعد الفراغ من التقسيم الثاني.

 

        التقسيم الثاني: وهو التقسيم الثلاثي المنصوص عليه صريحاً في الأحاديث الشريفة، ففي الحديث عن رسول الله (ص): "الولد سيد سبع سنين، وعبد سبع سنين، ووزير سبع سنين، فإن رضيت أخلاقه لإحدى وعشرين سنة وإلاّ ضرب على جنبيه فقد أعذرت إلى الله"(1)، وفي

الخبر عن أبي عبد الله (ع): "دع ابنك يلعب سبع سنين ويؤدَّب سبع سنين وألزِمه نفسك سبع سنين، فإنْ أفلح، وإلاّ فلا خير فيه"(2).

 

        وما يمكن استنتاجه من هذين الخبرين أن المراحل التي يطويها الإنسان في كنف والديه ورعايتهما ثلاث:

 

  1.  مرحلة الحريّة واللهو (يلعب سبعاً/ سيد سبع) وتنتهي سنّ السابعة وهو سنّ التمييز غالباً.
  2.  مرحلة الأدب والتربية (ويؤدَّب سبعاً/ عبد سبع) وتنتهي مع بداية المراهقة أو البلوغ.
  3.  مرحلة الصحبة والمرافقة (وألزمه نفسك سبعاً/ ووزير سبع).
  4.  

        والملحوظ أنّ هذا التقسيم يعتمد المعيار التربوي والسلوكي والاجتماعي دون أن يغفل سائر المعايير، لأنّ سنّ السابعة الذي تنتهي فيها مرحلة اللعب هو بداية التمييز لدى الطفل، وهي السنّ التي يستحب فيها تعليمه الصلاة وأمره بها وحثّه عليها، كما ورد في الروايات.

 

        كما أنّ سنّ الرابعة عشرة الذي تنتهي فيه المرحلة الثانية (مرحلة الأدب) هو سنّ المراهقة وبداية البلوغ، وأمّا مرحلة ما بين الرابعة عشرة والحادي والعشرين فهي مرحلة الشعور بالذات والميل نحو إثبات الشخصية المستقلة، الأمر الذي يفرض مصاحبته واستشارته والاستماع إلى رأيه،

خلافاً لما يفعله بعض الآباء والأُمهات من التعامل معه وكأنّه لا يزال طفلاً صغيراً.

 

        والأمر الذي يبعث على التأمّل ويدعو إلى التوقف عنده ملياً هو أن الأحاديث الآنفة وسواها ترشد إلى اعتبار الفترة الممتدة من الولادة وإلى السابعة الهجرية (تنقص عن الميلادية شهرين تقريباً) هي مرحلة المرح واللعب وليست مرحلة التأديب أو التعليم، الأمر الذي يعزّز الشكوك في مدى

جدوائية دفع الأطفال دون السنّ المذكور (وتحديداً دون سنّ الخامسة الميلادية) إلى التعليم المدرسي المنتظم كما هو حاصل في بعض البلدان كلبنان – مثلاً -، مع ما يحمله ذلك من إجهاد للطفل وحدٍّ من حريّته وميله إلى اللهو واللعب، في حال أنّ المعمول به في المدارس الغربية وبعض الدول

العربية هو اعتماد سنّ السابعة أو السادسة.

 

        أحاديث ومسؤوليات أخرى

 

        وثمّة أحاديث أخرى تُنسَب إلى رسول الله (ص) تؤكد التقسيم الثلاثي الآنف منها: "لاعب ابنك سبعاً وأدّبه سبعاً، وراقبه سبعاً، ثم اجعل حبله على غاربه" ومنها "أهمله سبعاً وعلِّمه سبعاً وصاحبه سبعاً"(1) لكنَّنا لم نعثر على هذه الأحاديث – بالصيغة المذكورة – في المصادر الإسلامية

ذات الصلة.

 

        نعم هناك حديثان آخران ذكرتهما بعض المصادر يؤكّدان التقسيم الثلاثي، لكنهما يبدوان مختلفين جزئياً في ترتيب المراحل أو في كيفية التعامل مع الطفل فيها، وهما:

 

  1.  ما روي عن أمير المؤمنين (ع): "يربى الصبي سبعاً ويؤدّب سبعاً ويستخدم سبعاً..."(2).
  2.  ما روي عن الصادق (ع): "الغلام يلعب سبع سنين ويتعلَّم الكتاب سبع سنين ويتعلَّم الحلال والحرام سبع سنين"(3).

      

  ولكنّ الظاهر أنّ هذين الحديثين لا يتنافيان مع ما قرّرته الأحاديث السابقة، بل هما يركّزان على مسؤوليات أخرى لا بدَّ من الاهتمام بها، كقضيىة التعليم في الحديث الأخير وهو لا ينافي التأديب أو المصاحبة المطلوبين في المرحلتين الثانية والثالثة، كما أنّ التربية المطلوبة إلى سنّ السابعة المشار

إليها في حديث أمير المؤمنين (ع) لا تنافي كون هذه المرحلة مرحلة الحريّة واللهو، نعم التربية هنا لا تأخذ طابعاً تأديبياً، لأنّ التأديب حسب نص الحديث المذكور يبدأ في المرحلة الثانية وهو ما ذكرته الروايات السابقة.

 

        مرحلة الرضاعة

 

        بالعودة إلى التقسيم أو التصنيف الأول لمراحل الطفولة وهو التقسيم غير المنصوص والذي ينظر إلى الطفولة – في غالب المراحل – من زاوية الأحكام الشرعية المرتبطة بها، فإنّ أوّل ما يواجهنا في هذا المقام هو مرحلة الرضاعة التي تستمر إلى ما يقرب من سنتين، وهي مرحلة

حسّاسة ومهمة جداً ولها أحكامها وآدابها وشروطها وضوابطها الشرعية، وهذا ما نعرض له فيما بعد تحت عنوان: الطفل وحقّ الرضاعة.

 

        مرحلة التمييز

 

        ثمّة مرحلة أخرى – وفق التصنيف الأول لمراحل الطفولة – تعقب مرحلة الرضاعة ولو بفاصل زمني متأخّر نسبياً، هي مرحلة التمييز كما يصطلح عليها الفقهاء، ويتردَّد مصطلح "الطفل المميّز" أو "الطفل غير المميّز" في كلماتهم كثيراً، ويرتّبون عليه جملة من الأحكام الشرعية، فما

المراد بالتمييز؟ ومتى تبدأ هذه المرحلة ومتى تنتهي؟ وما هي أحكامها؟

 

        مَنْ هو المميّز

 

        ذكر بعض الفقهاء أنَّ "الصبي إذا ميَّز الحَسَنْ من القبيح وفهم ما يفهم الكبار فهو مميّز"(1) وقد نقل السيد محمد العاملي في مدارك الأحكام عن جدّه الشهيد الثاني: "أنّ المراد بالمميّز من يعرف الأضر من الضار، والأنفع من النافع إذا لم يحصل بينهما التباس بحيث يخفى على غالب

الناس" ثم اعترض عليه بأنّه مع عدم وجود مدرك ومستند واضح لهذا التعريف، فهو ردّ وإرجاع إلى الجهالة(2) وقد اتّجه بعض الفقهاء في التعريف إلى ملاحظة أمر آخر يرتبط بمعرفة وظيفة الأعضاء التناسلية لدى الذكر والأنثى، وغير بعيد عن هذا جاء تعريف الشهيد الصدر للمميّز بأنّه

الذي بلغ مرحلة يحتشم فيها(3).

 

        ويمكن القول: إنّه وفي ظلّ افتقادنا إلى نصٍّ شرعي يحدّد مفهوم المميّز ويعرّفه تعريفاً واضحاً يرفع اللبس فإنّ علينا أن لا نغرق كثيراً في شرح المصطلح وبيان المعنى اللغوي أو العرفي للكلمة، لأنّه مجرّد مصطلح فقهي رُتِّبت عليه بعض الأحكام الشرعية ولم ينطلق من نصّ شرعي في

الكتاب أو السُنّة، وإنّما أملته بعض الاعتبارات والحيثيّات الفقهية، الأمر الذي يفرض متابعة هذه الموارد وملاحظة الدليل في كلّ واحد منها، وهو ما قد يجعل التمييز في حقل فقهي معيّن مختلفاً عنه في حقلٍ آخر، وهذا ما التفت إليه بعض الفقهاء المعاصرين فقدّم للمميّز أكثر من تعريف بحسب

اختلاف الحقول، ففي مسألة حكم النظر إلى عورة الطفل، أو نظره هو إلى عورة الغير يراد بالمميّز: كلّ طفل يتأثّر من النظر إلى العورة أو النظر إلى عورته وتتحرّك غريزته ولو نسبياً. وفي مسألة صحّة ومشروعية عباداته فهو الذي يميِّز التكاليف وأنّ الأمر من قبل الله ويمكنه قصد القرية،

وفي مسألة الاعتماد على أقواله كإخباره بالنجاسة – مثلاً – فيما تحت يده من أشياء فهو الذي يكون قوي الإدراك في هذا الشأن(1).

 

        في ضوء ما تقدّم لا يمكن إعطاء تحديد زمني دقيق لبداية مرحلة التمييز، لأنّ هذا الأمر يختلف من مورد لآخر، وهو خاضع لجملة من العوامل الاجتماعية والتربوية، ولنباهة بعض الأطفال أو بلادتهم...

 

        أما نهاية مرحلة التمييز فهي بالتأكيد بداية مرحلة البلوغ.

 

        من أحكام المميّز

 

        اتّضح ممّا سلف أن للمميّز أحكاماً عديدة تطرّق إليها الفقهاء، ويمكن الإشارة إلى بعضها:

 

  1.  فيما يرتبط بعباداته كالصلاة والصوم والحجّ وغيرها، هل تصحّ منه؟ وهل هي مشروعة أساساً في حقّه أو أنّها عبادات تمرينيّة؟

       

ثمّة نزاع بين الفقهاء في هذا الشأن، فقد ذهب جملة من الفقهاء إلى أن عباداته تمرينيّة فهي أشبه بالأعمال أو الحركات الرياضية، أي أنّها ليست صحيحة شرعاً، بينما ذهب البعض الآخر من الفقهاء لاسيما المتأخرين إلى مشروعية عباداته وصحّتها وأنه يستحب له الإتيان بها، وبالتالي فإنّه يثاب

عليها، وهذا الأمر يمكن متابعته بشكل تفصيلي في الموسوعات الفقهية والقواعد الفقهية، وستأتي الإشارة الإجمالية إليه لاحقاً.

       

ومن المؤكّد أنّ النزاع المذكور لا معنى له في شأن الطفل غير المميز، لأن من لا يعي العبادة ولا يدرك معنى الأمر الإلهي فلا شكّ أن ما يأتيه من صورة العبادات هي أعمال تمرينيّة وليست مستحبة في حقّه.

 

  1.  فيما يرتبط بمعاملات المميّز سواءً منها العقود كالبيع والإجارة والزواج، أو إيقاعاته كالطلاق ونحوه، فقد اتّفق الفقهاء على عدم وقوعها منه إلا إذا كان ذلك بإذن الولي وتقديره لما فيه مصلحة الطفل.
  2.  في أحكام النظر والستر، أشرنا إلى أنّه يجب على البالغ ستر عورته عن الناظر المحترم بما في ذلك الطفل المميز، وأنه يحرم عليه النظر إلى عورة الغير حتى لو كان طفلاً مميّزاً.
  3.  يرى بعض الفقهاء أنّ يد الطفل المميز معتبرة، فلو أخبر أنّ ما تحت يده طاهر يقبل قوله ويصدّق.

       

إلى غير ذلك من الأحكام المتفرّقة والمذكورة في المصادر الفقهية.

 

من كتاب "حقوق الطفل في الإسلام" -

تم تنزيل المقال في 28-11-2014

 



(1) المعجم الفلسفي 2/22.

(1) إتفاقية حقوق الطفل ص 5.

(1) راجع كتاب: أوضاع الأطفال في لبنان ص 25.

(1) مكارم الأخلاق: 222.

(2) الكافي: 6/46، من لا يحضره الفقيه: 3/492، تهذيب الأحكام: 8/111.

(1) راجع مجلة الثقافة الإسلامية العدد 2، ص78.

(2) من لا يحضره الفقيه: 3/493.

(3) الكافي: 6/47، تهذيب الأحكام: 8/111.

(1) إرشاد السائل: ص128.

(2) مدارك الأحكام: 3/270.

(3) الفتاوى الواضحة: 173.

(1) استفتاءات السيد السيستاني 125.

 






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon