حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » كم كان عمر الزهراء (ع) حين زواجها من أمير المؤمنين (ع)؟ هل صحيح أن الإجماع هو على التسع من عمرها؟
ج »
 
▪️يوجد اختلاف كبير بين العلماء في تحديد عمر سيدتنا الزهراء سلام الله عليها حين زواجها من أمير المؤمنين عليه السلام، وتترواح هذه الأقوال بين تسع سنوات وعشرين سنة.
 
▪️مرد هذا الاختلاف إلى أمرين:
 
- الأول: الاختلاف في تاريخ مولدها، فهل ولدت قبل البعثة بخمس أم بعدها بخمس أو باثنتين؟ 
 
- الثاني: الاختلاف في تاريخ زواجها من أمير المؤمنين عليه السلام، حيث إن ثمة خلافاً في أنها تزوجت بعد الهجرة إلى المدينة بسنة أو بسنتين أو بثلاث.
 
▪️المعروف عند كثير من المؤرخين - كما ينقل التستري في تواريخ النبي (ص) والآل (ع) - أنها ولدت قبل البعثة النبوية بخمس سنين، وهذا ما ذهب إليه محمد بن إسحاق وأبو نعيم وأبو الفرج والطبري والواقدي وغيرهم، وعلى هذا سيكون عمرها حين الزواج ثماني عشرة سنة أو يزيد.
 
▪️ ونقل العلامة الأمين "أن أكثر أصحابنا" على أنها ولدت بعد البعثة بخمس سنين، وعلى هذا سيكون عمرها حين الزواج تسعاً أو عشراً أو أحد عشر عاماً، تبعاً للاختلاف في تاريخ الزواج.
 
⬅️ الظاهر أنه ليس هناك إجماع على أنّ عمرها عند الزواج بها كان تسع سنوات، فقد ذهب الشيخ المفيد في "مسار الشيعة" أنها ولدت بعد مبعث النبي (ص) بسنتين، وهو ظاهر الشيخ الطوسي في المصباح، بل نقل الشيخ عن رواية أنها ولدت في السنة الأولى لمبعثه الشريف، وحينئذ إذا كانت قد  تزوجت في السنة الأولى من الهجرة فيكون عمرها حين الزواج ثلاث عشرة سنة، وإذا تزوجت في السنة الثانية للهجرة سيكون عمرها أربع عشرة سنة، وإذا تزوجت في السنة الثالثة سيكون عمرها خمس عشرة سنة.
 
 وقد رجح التستري وغيره من علمائنا القول بولادتها بعد البعثة بخمس، استناداً إلى بعض الأخبار المروية عن الأئمة(ع).. وكيف كان، فتحقيق المسألة واتخاذ موقف حاسم يحتاج إلى متابعة.. والله الموفق.

 
 
  مقالات >> اجتماعية
كيف ندير خلافاتنا؟
الشيخ حسين الخشن



كيف ندير خلافاتنا؟

 

جاء في نهج البلاغة أنّ يهودياً قال للإمام علي (ع) بعد وفاة رسول الله (ص): ما دفنتم نبيّكم حتى اختلفتم فيه! فقال (ع): "إنّما اختلفنا عنه لا فيه، ولكنّكم ما جفّت أرجلكم من البحر حتى قلتم لنبيّكم اجْعَلْ لنا آلهة كما لهم آلهة، قال إنّكم قوم تجهلون"[1].

 

 إنّ هذه الرواية وسواها قد تبعث على التعجّب لجهة هذه السرعة في وقوع الاختلاف بين المسلمين بعد وفاة رسول الله (ص) مباشرة، بيد أنّ الأمر الذي يطمئن ويهوّن الخطب أنّ هذا الاختلاف لم يكن في ذات النبي (ص) بل عنه، وبعبارة أوضح: إنّه– الاختلاف- لم يقع في نبوّته ورسالته وحجّية سُنّته، وإنّما وقع فيما نُقل أو

رُوي عنه من حيث إثباته وتوثيقه، ما يعني أنّ الاختلاف بقي اختلافاً داخل الأمة الواحدة، ولم يجزّئها إلى أمم متعدّدة ومِلَل متباينة، كما أنّ دائرة الاختلاف لم تلامس الأساسيات التي يؤدي المساس بها إلى الخروج عن الدين، وهكذا ظلّت مساحته أضيق بكثير ممّا حصل في بعض الديانات الأخرى، غير أنّ المؤسف حقاً هو أنّ

الهوة بين المسلمين رغم محدودية خلافاتهم قد اتّسعت أكثر ممّا عليه الحال لدى غيرهم رغم شدّة خلافاتهم، فتمزّقت الأمّة إلى مذاهب متناحرة يكفّر بعضها بعضاً ويقتل بعضها بعضاً، ما أدّى إلى كثير من الإخفاقات والنكسات التي ساهمت في تراجع المسلمين وتخلّفهم عن ركب الحضارة.

 

 

 

الإخفاق في إدارة الاختلاف

 

وأحسب أنّ السبب الرئيسي لذلك هو أنّنا لم نُحسن إدارة خلافاتنا المذهبية والسياسية والفكرية وغيرها، أو لنقلْ إنّنا أدرناها بطريقة خاطئة، ممّا أدّى إلى هذا التنازع والتناحر.

 

إنّ اختلاف الناس وتعدّد وجهات نظرهم في قضايا الدين فهماً وممارسة- كاختلافهم في أمور الدنيا وعلومها- أمرٌ لا يدعو إلى القلق ولا يبعث على التوجّس ولا هو أمر منكر، شريطة أن تتمّ إدارة الاختلاف بطريقة حكيمة، فيغدو عنصر ثراء وحيوية، بدل أن يكون عامل تمزّق وتشتّت، ولكن كيف وأنّى ذلك؟

 

 

المرجعية والآليات

 

ثمة مرجعيات إسلامية لحسم النزاع، وآليات- كذلك- لإدارة الاختلاف، وإذا تمّ اللجوء إلى تلك المرجعيات والأخذ بتلك الآليات سيتحول الاختلاف إلى عامل قوة بدل أن يكون عامل ضعف.

 

والمرجعية الأساس لحسم الاختلاف هي التحاكم إلى كتاب الله وسنة نبيه (ص) قال تعالى: {وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ}[البقرة: 213] وقال سبحانه: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ}[الشورى: 10]، وفي آية أخرى يقول عزّ وجلّ: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ}

[النساء: 59].

 

ومرجعيّة القرآن والسُّنّة هذه تشكّل جامعاً يلتقي عليه المسلمون، فالكلّ يُذعن بها وينقاد لها، ولا تعترضنا مشكلة في المقام عندما يكون النص القرآني أو النبويّ واضحاً، بيدّ أنّ المشكلة تطلّ من جديد في حال تعدّدت الآراء في فهم النصّ القرآني، أو في ثبوت السُّنة أو فهمها، فما الحلّ والعلاج حينها؟

 

والجواب: إنّه يحقّ- والحال هذه- لكلِّ طرف اختيار الرأي الذي اهتدى إليه واتّخاذ الموقف الذي ساقه الدليل إليه، وعلى الآخر أن يعذره في ذلك ما دام الاختلاف في دائرة الأمور الاجتهادية النظرية ويتحرّك وفق آليات الاستنباط المعروفة.

 

هذا كلّه في القضايا الفكرية الثقافية، وأمّا في القضايا المتّصلة بنظام الأمّة وتقدير الأصلح لها في مجال السياسة والاقتصاد والأمن، فمرجعية حسم الخلاف فيها هي الاحتكام إلى النظام الإسلامي لما يحقّق مصلحة الأمة.

 

 

حرية الرأي بين الفرض والرفض

 

وأمّا آليات إدارة الاختلاف فهي الحوار والجدل بالتي هي أحسن، والمشاورة مع ذوي الرأي وأهل الخبرة، بعيداً عن كل أشكال العنف والاستبداد في الرأي، وإنّ الأدبيات الإسلامية التي ركّزت على الآليات المذكورة كثيرة ومعروفة، وعندما أخذ بها المسلمون نجحوا وتقدّموا وعندما تخلّوا عنها واستبدلوها بأساليب القمع ومصادرة

الحريات تمزقوا وتخلفوا، وقد شهدنا في تاريخنا الإسلامي الأول وما تلاه، وكانت اختلافات مثمرة، لأنّ المسلمين كانوا يديرونها وفق آلية الحوار والتحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله.

 

وقد طفحت المصادر الإسلامية بالحديث عن اختلافات الرأي بين كبار الصحابة والتابعين، ولكن ما ميّز المرحلة هو أجواء الرحابة وقبول الآخر، ما سمح بوجود تعدّدية فكرية مذهبية أثْرت الفقه وعلم الكلام الإسلاميين، إلى أن بليت الأمة ببعض المدارس المتشدّدة والأنظمة الاستبدادية التي تضيق بالآخر ولا تؤمن بحرية الفكر

ولا تكتفي برفض الرأي الآخر، بل تحاصر صاحب الرأي وتقمعه وترميه بالابتداع أو الضلال أو الكفر.

 

إنّ من حقِّ العالم والفقيه أن يرفض الرأي الآخر لكن ليس من حقّه فرض رأيه على الآخر ما دام الاختلاف في نطاق الأمور الاجتهاية كما أسلفنا.

 

إنّ هؤلاء المتطرّفين كأنّما يقولون للآخر: "من حقّي أن أتكلّم، ومن واجبك أن تسمع.. ومن حقّي أن أقول ومن واجبك أن تتّبع.. رأيي صواب لا يحتمل الخطأ ورأيك خطأ لا يحتمل الصواب.."[2].

 

 

 الاختلاف والتنازع

 

ربما استند البعض إلى القرآن الكريم في تبرير موقفهم السلبي القامع للآخرين، بحجّة أنّه- أعني القرآن- قد ذمّ الاختلاف والتفرّق، لأنّه يؤثر على وحدة الكلمة والصف.

 

بيد أنّ هذا الفهم غير موفّق، لأنّ التعمّق والتدبّر في قراءة الآيات القرآنية الواردة في هذا الصدد تذمّ التنازع والتفرّق لا مجرّد الاختلاف وتعدّد وجهات النظر، فالتنازع مذموم، لأنّه يقود إلى التناحر والتمزّق: {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}[الأنفال: 46] وفي آية أخرى: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا

جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ}[آل عمران: 105]، وفي آية ثالثة يقول تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ}[آل عمران: 103].

 

وأمّا مجرد الاختلاف والتعدد في وجهات النظر فهو مصدر قوة وحيوية، لأنّ الحياة التي تُبنى على أساس اللون الفكري الواحد مع إقصاء سائر الأفكار والآراء محكومة بالشلل والجمود، قال تعالى: {وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}[هود: 118-119]، فإنّ اعتبار الاختلاف في هذه الآية- كما يرى بعض

المفسّرين- هدفاً للخِلقة ليس إلا من جهة مساهمته في إغناء الحياة لأنّ احتكاك الفكر بالفكر يُنتج التطوّر، ومواجهة العقل بالعقل يُثري الحياة ويُحفّز على الإبداع.

 

نعم لقد ذمّ القرآن الكريم الاختلاف المنطلق من البغي والعدوان، قال تعالى: {فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ}[الجاثية: 17]، أو المعتمد على الشك دون البرهان، قال سبحانه في شأن اختلاف اليهود في قتل عيسى (ع): {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً}

[النساء: 157].

وهكذا فإنّ الاختلاف مذموم إذا لم يكن هادفاً أو انطلق من موقع العُجُب بالنفس وحب الظهور، أو غير ذلك من الحالات التي لا يرتكز فيها الاختلاف على قاعدة علمية ولا يهدف إلى صالح الإنسان والإنسانية.

 

والخلاصة: إنّ الاختلاف لا يساوي التمزّق والتشتّت ولا يعني أنّ مَنْ ليس معي فهو ضدّي ومَن لا يوافقني الرأي فهو عدوّي، وإذا ما قاد الاختلاف إلى التناحر والتنازع فهو تخلّف وجاهلية، أمّا إذا تحرّك وفق قانون التدافع والتنافس فهو ليس أمراً جائزاً وممدوحاً فحسب، بل هو شرط لديمومة الحياة الاجتماعية والإنسانية كما

يؤكّد علماء الاجتماع، وفي ذلك جاء قوله تعالى: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً}[الزخرف: 32].

 

من كتاب "العقل التكفيري - قراءة في المنهج الإقصائي"

نشر على الموقع تاريخ 2-1-2015

 



 [1]نهج البلاغة ج4 ص75.

[2]الصحوة الإسلامية بين الجمود والتطرف ص40، للشيخ القرضاوي.

 






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon