حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » أنا طالب علم، لدي خوف من أن أتكلم بغير علم.. ما الحل؟
ج »

وعليكم السلام

لا بد لطالب العلم في مساره العلمي أن يتسلح بأمرين أساسيين:
الأول: الاستنفار العلمي وبذل الجهد الكافي لمعرفة قواعد فهم النص واستكناه معناه ودلالاته بما يعينه على التفقه في الدين وتكوين الرأي على أسس صحيحة.
الثاني: التقوى العلمية ويُراد بها استحضار الله سبحانه وتعالى في النفس حذراً من الوقوع في فخ التقوّل على الله بغير علم. ومن الضروري أن يعيش مع نفسه حالة من المحاسبة الشديدة ومساءلة النفس من أن دافعه إلى تبني هذا الرأي أو ذاك: هل هو الهوى والرغبة الشخصية أم أن الدافع هو الوصول إلى الحقيقة ولو كانت على خلاف الهوى.
أعتقد أن طالب العلم إذا أحكم هذين الامرين فإنه سيكون موفقاً في مسيرته العلمية وفيما يختاره من آراء أو يتبناه من موقف.

 
س » كيف علمنا أن الصحيفة السجادية ناقصة؟ وهل ما وجده العلماء من الأدعية صحيح؟؟
ج »

أقول في الإجابة على سؤالكم:

أولاً: إن الصحيفة السجادية في الأصل تزيد على ما هو واصل إلينا وموجود بين أيدينا، قال المتوكل بن هارون كما جاء في مقدمة الصحيفة: " ثم أملى عليّ أبو عبد الله (ع) الأدعية، وهي خمسة وسبعون باباً، سقط عني منها أحد عشر باباً، وحفظت منها نيفاً وستين باباً"، بيد أن الموجود فعلاً في الصحيفة الواصلة إلينا هو أربعة وخمسون دعاء. آخرها دعاؤه في استكشاف الهموم، وهذا آخر دعاء شرحه السيد علي خان المدني في رياض السالكين، وكذا فعل غيره من الأعلام.

ثانياً: إن سقوط عدد من أدعية الصحيفة وضياعها دفع غير واحد من الأعلام للبحث والتتبع في محاولة لمعرفة ما هو الضائع منها، وبحدود اطلاعي فإنهم عثروا على أدعية كثيرة مروية عن الإمام زين العابدين (ع)، لكنهم لم يصلوا إلى نتائج تفيد أن ما عثروا عليه هو من الأدعية الناقصة منها، ولذا عنونوا مؤلفاتهم بعنوان مستدركات على الصحيفة، ولم يجزموا أن ما جمعوه من أدعية هو الضائع من أدعية الصحيفة. وهذا ما تقتضيه الضوابط العلمية والدينية، فما لم يعثر الإنسان على نسخة قديمة موثوقة أو قرائن مفيدة للوثوق بأن هذا الدعاء أو ذاك هو من جملة أدعية الصحيفة فلا يصح له إضافة بعض الأدعية على الصحيفة بعنوان كونها منها.

ثالثاً: لقد ابتُلينا بظاهرة خطيرة، وهي ظاهرة الإضافة على الصحيفة أو غيرها من كتب الأدعية، وهذا العمل هو خلاف الأمانة والتقوى، وقد ترتّب على ذلك الكثير من المفاسد، وأوجب ذلك وهماً للكثيرين، فتوهموا أن بعض الأدعية هي جزء من الصحيفة السجادية المشهورة، ومردّ ذلك بكل أسف إلى أن مجال الأدعية والزيارات شرعة لكل وارد، وتُرك لأصحاب المطابع والمطامع! وأعتقد أن هذا العبث في كتب الأدعية والزيارات ناشئ عن عدم عناية العلماء بالأمر بهذه الكتب كما ينبغي ويلزم، كما نبه عليه المحدث النوري في كتابه "اللؤلؤ والمرجان" مستغرباً صمت العلماء إزاء التلاعب والعبث بنصوص الأدعية والزيارات مما يعدّ جرأة عظيمة على الله تعالى ورسوله (ص)!

رابعاً: أما ما سألتم عنه حول مدى صحة الأدعية الواردة بعد دعاء استكشاف الهموم، فهذا أمر لا يسعنا إعطاء جواب حاسم وشامل فيه، بل لا بدّ أن يدرس كل دعاء على حدة، ليرى ما إذا كانت قرائن السند والمتن تبعث على الحكم بصحته أم لا. فإن المناجاة الخمس عشرة بنظرنا لم تصح وربما كانت من وضع الصوفية، وقد أوضحنا ذلك بشكل مفصل في كتاب الشيع والغلو.


 
س » ابني المراهق يعاني من التشتت، وأنا جدا قلق ولا اعرف التصرف معه، ما هي نصيحتكم؟
ج »

التشتت في الانتباه في سن المراهقة مع ما يرافقه من الصعوبات هو في حدود معينة أمر طبيعي وظاهرة تصيب الكثير من المراهقين ولا سيما في عصرنا هذا.

وعلينا التعامل مع هذه المرحلة بدقة متناهية من الاستيعاب والتفهم والإرشاد والتوجيه وتفهم سن المراهق، وأن هذه المرحلة تحتاج إلى أسلوب مختلف عما سبقها.

فالمراهق ينمو لديه الإحساس بالذات كثيرا حتى ليخيل إليه أنه لم يعد بحاجة إلى الاحتضان والرعاية من قِبل والديه.

وبالتالي علينا أن نتعامل معه بأسلوب المصادقة "صادقه سبعا.." والتنبه جيدا للمؤثرات التي تسهم في التأثير على شخصيته واستقامته وتدينه، ومن هذه المؤثرات: الأصدقاء ووسائل التواصل الاجتماعي، فإن نصيبها ودورها في التأثير على المراهق هو أشد وأعلى من دورنا.

وفي كل هذه المرحلة علينا أن نتحلى بالصبر والأناة والتحمل، وأن نبتدع أسلوب الحوار والموعظة الحسنة والتدرج في العمل التربوي والرسالي.

نسأل الله أن يوفقكم وأن يقر أعينكم بولدكم وأن يفتح له سبيل الهداية. والله الموفق.


 
س » اعاني من عدم الحضور في الصلاة، فهل أحصل على الثواب؟
ج »
 
لا شك أن العمل إذا كان مستجمعا للشرائط الفقهية، فهو مجزئٌ ومبرئٌ للذمة. أما الثواب فيحتاج إلى خلوص النية لله تعالى بمعنى أن لا يدخل الرياء ونحوه في نية المصلي والعبادة بشكل عام.
ولا ريب أنه كلما كان الإنسان يعيش حالة حضور وتوجه إلى الله كان ثوابه أعلى عند الله، لكن لا نستطيع نفي الثواب عن العمل لمجرد غياب هذا الحضور في بعض الحالات بسبب الظروف الضاغطة على الإنسان نفسيا واجتماعيا.
لكن على الإنسان أن يعالج مشكلة تشتت الذهن أثناء العمل العبادي وذلك من خلال السعي الجاد للتجرد والابتعاد عن كل الهواجس والمشكلات أثناء الإقبال على الصلاة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، باستحضار عظمة الله عز وجل في نفوسنا وأنه لا يليق بنا أن نواجهه بقلب لاهٍ وغافل. والله الموفق.

 
س » أنا إنسان فاشل، ولا أتوفق في شيء، وقد كتب عليّ بالخسارة، فما هو الحل؟
ج »

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أولاً: التوفيق في الحياة هو رهن أخذ الإنسان بالأسباب التي جعلها الله موصلة للنجاح، فعلى الإنسان أن يتحرك في حياته الشخصية والمهنية والاجتماعية وفق منطق الأسباب والسنن. على سبيل المثال: فالإنسان لن يصل إلى مبتغاه وهو جليس بيته وحبيس هواجسه، فإذا أراد الثروة فعليه أن يبحث عن أسباب الثروة وإذا أراد الصحة فعليه أن يأخذ بالنصائح الطبية اللازمة وإذا أراد حياة اجتماعية مستقرة عليه أن يسير وفق القوانين والضوابط الإسلامية في المجال الاجتماعي وهكذا.

ثانياً: لا بد للإنسان أن يعمل على رفع معوقات التوفيق، وأني أعتقد أن واحدة من تلك المعوقات هي سيطرة الشعور المتشائم على الإنسان بحيث يوهم نفسه بأنه إنسان فاشل وأنه لن يوفق وأنه لن تناله البركة الإلهية.

إن هذا الإحساس عندما يسيطر على الإنسان فإنه بالتأكيد يجعله إنسانا فاشلا ومحبطا ولن يوفق في حياته ولذلك نصيحتي لك أن تُبعد مثل هذا الوهم عن ذهنك وانطلق في الحياة فإن سبيل الحياة والتوفيق لا تعد ولا تحصى.


 
س » ما هو هدف طلب العلم الذي يجب أن يكون؟
ج »

عندما ينطلق المسلم في طلبه للعلم من مسؤوليته الشرعية الملقاة على عاتقه ومن موقع أنه خليفة الله على الأرض، فإن ذلك سوف يخلق عنده حافزاً كبيراً للجد في طلب العلم والوصول إلى أعلى المراتب. أما إذا انطلق في تحصيله من موقع المباهاة أو إثبات ذاته في المجتمع أو من موقع من يريد أن يزين اسمه بالشهادة الجامعية ليُقال له "الدكتور" وما إلى ذلك، فإنه - في الغالب - لن يصل إلى النتيجة المرجوة.

وعلى كل إنسان منا أن يعي أنّنا في هذه الحياة مسؤولون في أن نترك أثراً طيباً، وأن نقوم بواجباتنا قبل أن يطوينا الزمان، إننا مسؤولون عن عمرنا فيما أفنيناه وعن شبابنا فيما أبليناه، وسنُسأل يوم القيامة عن كل هذه الطاقات التي منّ اللهُ بها علينا.

وأضف إلى ذلك، إنه من الجدير بالمسلم، أن لا يفكر في نفسه وما يريحه هو فحسب في طلبه للعلم، بل أن يفكر أيضاً في أمته والنهوض بها ليكون مستقبلها زاهراً، وهذا كله يحتم عليه أن يكون سقف طموحاته عالياً ليتمكن هو وأقرانه من الطلاب والعلماء من ردم الفجوة بيننا وبين الغرب الذي سبقنا على أكثر من صعيد.

باختصار: إن مسؤوليتنا ورسالتنا وانتماءنا لهذه الأمة يفرض علينا أن نعيش حالة طوارئ ثقافية وعلمية.


 
س » ما رأيكم في الاختلاط المنتشر في عصرنا، وكيف نحاربه؟
ج »

إنّ الاختلاط قد أصبح سمة هذا العصر في كثير من الميادين، ومنها الجامعات والطرقات والساحات وكافة المرافق العامة.. والاختلاط في حد ذاته ليس محرماً ما لم يفضِ إلى تجاوز الحدود الشرعية في العلاقة بين الرجل والمرأة الأجنبيين؛ كما لو أدى إلى الخلوة المحرمة بالمرأة أو مصافحتها أو كان المجلس مشوباً بأجواء الإثارة الغرائزية أو غير ذلك مما حرمه الله تعالى.

وفي ظل هذا الواقع، فإنّ العمل على تحصين النفس أولى من الهروب أو الانزواء عن الآخرين بطريقة تشعرهم بأن المؤمنين يعيشون العُقد النفسية. إن على الشاب المسلم أن يثق بنفسه وأن يفرض حضوره ووقاره، وأن يبادر إلى إقناع الآخرين بمنطقه وحججه، وأن يبيّن لهم أن الانحراف والتبرج والفجور هو العمل السيّئ الذي ينبغي أن يخجل به الإنسان، وليس الإيمان ومظاهر التدين.

وأننا ندعو شبابنا عامة وطلاب الجامعات خاصة من الذكور والإناث إلى أن يتزينوا بالعفاف، وأن يحصنوا أنفسهم بالتقوى بما يصونهم من الوقوع في الحرام.


 
س » كيف يمكن التخلص من السلوكيات والعادات السيئة؟
ج »

إن التغلب على السلوكيات الخاطئة أو العادات السيئة – بشكل عام – يحتاج بعد التوكل على الله تعالى إلى:

أولاً: إرادة وتصميم، ولا يكفي مجرد الرغبة ولا مجرد النية وانما يحتاج بالإضافة إلى ذلك إلى العزم والمثابرة وحمل النفس على ترك ما اعتادته.

ثانياً: وضع برنامج عملي يمكّن الإنسان من الخروج من هذه العادة السيئة بشكل تدريجي؛ وأرجو التركيز على مسألة "التدرج" في الخروج من هذه العادات السيئة؛ لأن إدمان النفس على الشيء يجعل الخروج منه صعباً ويحتاج إلى قطع مراحل، وأما ما يقدم عليه البعض من السعي للخروج الفوري من هذه العادة، فهو - بحسب التجربة - سيُمنى في كثير من الأحيان بالفشل. والله الموفق


 
 
  مقالات >> اجتماعية
صحة الطفل الجسدية والنفسية
الشيخ حسين الخشن



صحة الطفل الجسدية والنفسية

 

من موقع اهتمامه بإعداد المجتمع الصالح والأمثل اهتم الإسلام اهتماماً بيّناً بصحة الإنسان وسلامته الجسدية والنفسية، وحثّ على كل ما من شأنه التخفيف من الأمراض وكل أشكال الإعاقة والتشوّهات، ولم يسمح لأحد من الناس أن يترك المرض يفتك به دون مداواة، معتبراً أنّ ذلك نوع من إلقاء

النفس في التهلكة وهو من كبائر الذنوب، ولأنّ الذي خلق الداء خلق الدواء فإنّ علينا بذل كافة الجهود العلمية المتخصّصة بغية اكتشاف أسباب المرض وطرق العلاج ووسائله، وهكذا حارب الإسلام ونبذ كلّ الأوضاع والأسباب المنتجة للأمراض كالجهل والفقر وإهمال النظافة وغيرها، لأنّ هذه

الأجواء هي موئل الفساد ومرتع الشيطان.

 

الاهتمام بصحة الطفل

 

والرعاية الصحية لا بدَّ أن تبدأ مع الإنسان منذ أن يبصر النور ويفتح عينيه على الدنيا، لأنّ المرض في هذه السنّ له آثار سلبية وعواقب وخيمة على مستقبل الطفل، هذا إن لم يودِ بحياته، ولذا فإنَّ الحقّ الطبيعي للطفل على ذويه ومجتمعه الحفاظ على صحته وسلامته والقيام بتمريضه ومداواته

إذا أصابه المرض، وتأمين الغذاء الملائم لصحّته لينمو بشكل طبيعي، وفي هذا الصدد فإنّه ــــ أعني الإسلام ــــ يحبّذ تغذية الطفل الرضيع من لبن أُمّه ــــ كما سيأتي ذلك بالتفصيل ــــ لأنّ حليب الأُم أنفع وأجدى للطفل كما تؤكد على ذلك معطيات العلم الحديث، ففي الحديث عن رسول الله (ص):

"ليس للصبي لبن خير من لبن أُمّه"(1).

 

بل يمكننا القول: إنّ الإرشادات والتعاليم الإسلامية تدعو للاهتمام بصحة الطفل حتى قبل أن يولَد، من خلال ابتعاد الأبوين أثناء المعاشرة عن كل ما قد يترك تأثيراً سلبياً على صحة الجنين أو الطفل المتوقّع انعقاد نطفته، ومن هنا ورد في الأخبار إرشاد الأبوين إلى الابتعاد عن العلاقة بينهما في

الظروف العصيبة أو المخيفة كحالة الخسوف أو الكسوف أو غيرها من الظواهر الكونية المخيفة فعلاً، أو التي كان يخاف الإنسان عند وقوعها، معلّلة ــــ أعني الأخبار ــــ ذلك بأنّ الحمل لو تمّ في هذه الأثناء فقد يأتي الولد مشوّهاً وغير طبيعي، وهذا المبدأ يؤكّد عليه العلم الحديث وأهل

الاختصاص في هذا الشأن على اعتبار أنّ الاستقرار النفسي للزوجين أثناء انعقاد النطفة له تأثير على سلامة وصحّة الطفل.

 

وعلى ضوء ذلك فإنّ إجراء بعض الفحوصات الطبية ــــ ممّا تعارف في زماننا ــــ للزوجين قبل اقترانهما هو أمر مطلوب وراجح عقلاً وشرعاً، كونه يهدف للتعرف على بعض الخصائص الوراثية للزوجين والتي قد يؤثّر اختلالها على صحة الطفل الموعود ويحول تلافيها دون ابتلائه ببعض

الأمراض والتشوّهات.

 

 

اهتمام الحامل بغذائها

 

وتؤكّد الوصايا والإرشادات الإسلامية على ضرورة اهتمام الحامل بنوعية غذائها، حفظاً لجنينها ولنفسها من التعرّض للمخاطر أو الأمراض، ومن هذه الإرشادات دعوتها إلى تناول التمر أو الرطب أثناء الحمل وحين الولادة وبعدها، لما للتمر من فوائد طبيّة للمرأة الحامل أو النفساء(1) قال

تعالى مخاطباً السيدة مريم (ع) {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً*فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً}  [مريم:25ــــ26] وفي الحديث عن الإمام الصادق (ع): "إذا ولدت المرأة فليكن أول ما تأكل الرطب فإن لم يكن رطب فتمر، فإنّه لو كان شيء أفضل منه أطعمه الله مريم (ع) حين

ولدت عيسى (ع)"(2) وتحثّ الروايات على إطعام الحبالى بعض الأطعمة التي لها تأثير إيجابي على صحة الأطفال وكمالاتهم النفسية والعقلية(3).

 

 

صراخ الصبي يؤلم رسول الله (ص)

 

إنّ للأبوة والأُمومة ضريبة كبيرة تتمثّل برعاية الطفل والعناية به وتحسّس آلامه وأوجاعه وعدم التضجّر منه ومن متطلباته، فالطفل كثيراً ما يزعج أباه أو أُمه بصراخه وبكائه وكثرة متطلباته، وربمّا خرَّب عليهما الكثير من خططهما وبرامجهما الخاصة، وقد يكون بكاؤه نتيجة ألم أو مرض وهو

لا يستطيع أو لا يحسن التعبير عن ذلك، وعلى الأبوين تفهّم ذلك ومواجهته بالصبر والتحمُّل، كما تحمَّل أبواهما من قبل عناء تربيتهما وسهرا الليالي حرصاً على راحتهما، ولا شكّ أن في تحمّل الأبوين أذى الطفل وصبرهما على ذلك فيه أجر وثواب كبير، وكفارة لذنوبهما كما تؤكّد

الروايات(1)، والتي تشير أيضاً إلى أنّ الاستجابة لاحتياجات الطفل تسوّغ حتى التخفيف في الصلاة، كما فعل رسول الله (ص) ذات يوم عندما صلّى بالناس الظهر مخففاً في الركعتين الأخيرتين، فلما انصرف قال له الناس: هل حدث في الصلاة حدث؟  قال: وما ذاك؟ قالوا خففت في الركعتين

الأخيرتين، فقال لهم: "أما سمعتم صراخ الصبي"(2)، وهكذا يجوز للأم إرضاع طفلها أثناء الصلاة كما تؤكّد ذلك الروايات ويفتي به الفقهاء، وإذا خشيت عليه من بعض الأخطار يجوز لها قطع الصلاة، لحمايته ودرأ الخطر عنه.

 

 

الأطفال واستهلاك التبغ والكحول

 

إنّ من علامات سوء التربية أن يتغاضى الآباء والأمهات عن تناول أبنائهم للأشياء المضرّة بالصحة، ومن ذلك استهلاك التبغ أو الكحول، وربّما شجّع بعضهم الطفل على ذلك أو فرح به، مع ما لإدمان الطفل على الكحول أو التبغ من مضاعفات سلبية وعواقب وخيمة على صحّته ونشاطه العلمي

واستقامته الأخلاقية، مضافاً إلى أنّ ذلك قد يجرّ الطفل ويدفعه إلى ما هو أسوأ عنيت بذلك الإدمان على المخدرات، الآفة التي تمثّل تحدّي العصر، وتشير الإحصاءات إلى أنّ نسبةً مرتفعة من ضحايا المخدرات هم من الأطفال والقاصرين.

 

ومع الأسف فإن التساهل القانوني في بعض الدول وضعف الإجراءات العقابية إزاء الأشخاص الذين ينشرون المواد المخدّرة أو الكحول أو التبغ بين الأطفال أو يساعدون على امتلاكها إنّ ذلك يساهم في انتشار هذه الظاهرة واستفحالها، فالغرامة المفروضة في لبنان ــــ مثلاً ــــ على من يُقدِّم

الكحول للقاصر زهيدة جداً تتراوح بين عشرة آلاف وعشرين ألف ليرة لبنانية(1)، بينما نجد الإسلام متشدّداً في هذا الأمر فهو لم يكتفِ بتحريم تناول الكحول ونحوها على البالغين الراشدين، بل منع من تمكين الآخرين وبخاصة الأطفال منها، وحذّر من مغبّة ذلك ووضع عقوبات صارمة، ففي

الحديث عن أبي عبد الله الصادق (ع): "إن الله يقول: من شرب مسكراً أو سقاه صبيّاً لا يَعْقل سقيته من ماء الحميم مغفوراً له أو معذّباً.."(2) وفي خبر آخر: قلت لأبي عبد الله (ع): المولود يولد فنسقيه الخمر؟ فقال: لا، منْ سقى مولوداً خمراً أو قال: مسكراً سقاه الله عزّ وجلّ من الحميم وإنْ

غفر له"(3).

 

 

النظافة والختان

 

وفي سياق الاهتمام بصحة الطفل جاءت السنَّة المتوارثة عن نبيّ الله إبراهيم الخليل (ع) وهي سنة ختان الصبي، فإنّ الختان يُعبِّر عن حرص أكيد على صحة الطفل الذكر، لأنّه ــــ وكما تشير الدراسات العلمية الطبية ــــ يساهم في حماية الطفل من بعض الجراثيم التي تتجمّع في محل الختان،

وهذا ما تحدّثت عنه الروايات فعن رسول الله (ص): "طهّروا أولادكم يوم السابع فإنّه أطيب وأطهر"(1)، إلى غير ذلك من النصوص التي تؤكّد على أنّ الختان نوع من الطهور، وربّما لهذا شاع بين العامّة التعبير عن الختان بالطهور. وتذكر بعض النصوص الطهور في جملة حقوق الولد

على والده، ففي الحديث عن أبي عبد الله (ع) قال: قال رسول الله (ص) حقّ الولد على والده إذا كان ذكراً... ويطهّره ويعلّمه السباحة"(2) وهكذا تؤكّد الروايات على ضرورة تنظيف الولد، ففي الحديث عن الإمام الرضا (ع) قال: قال النبيّ (ص): "إغسلوا صبيانكم من الغمر فإنّ الشيطان

يشمّ الغمر فيفزع الصبي من رقاده ويتأذّى به الكائنات.."(3) والغمر هو دسومة اللحم وريحه(4).

 

التأهيل الجسدي للطفل

 

ولا يقف حقّ الطفل في الرعاية الصحية عند توفير الغذاء والدواء له والاهتمام بنظافته، بل إنّ من حقّه على ذويه إعداده جسدياً ليتحلّى باللياقة البدنية، بما يسهم في تكوين مجتمع قوي متماسك تتوافر فيه كلّ الطاقات والمهارات ممّا تحتاجه الأُمة لحفظ أُمّتها والدفاع عن كرامتها وأرضها، ومن هذه

المهارات التي أكّدت عليه النصوص الإسلامية فن السباحة والرماية، فقد جاء في الحديث عن أمير المؤمنين (ع) قال: قال النبيّ (ص): "علِّموا أولادكم السباحة والرماية"(1)، وفي حديث آخر عنه (ص): "أنّ تعليم الصبي السباحة هي من جملة حقوقه على والده"(2).

 

 

الاهتمام بجمال الطفل

 

يتطلّع غالب الآباء والأُمهات أن يرزقوا بأبناء وبنين يتمتّعون بجمال جسدي ولياقة بدنية، وهذا التطلُّع مشروع، لأنّ الإنسان بطبيعته يعش الجمال ويأنس به، والإسلام ليس فقط لا يرفض تطلّع الإنسان نحو الجمال في شأن الأولاد، بل نجد في الروايات بعض الإرشادات التي تحثّ على تخيّر بعض

الفواكه والمأكولات وتناولها من قبل الأبوين أو الأُم تحديداً، لأنّ لها تأثيراً معيّناً على جمال الأطفال، ومن ذلك دعوة المرأة الحامل إلى أكل السفرجل، لأنّ "الولد يكون أطيب ريحاً وأصفى لوناً"(3).

 

وهذه الرواية وغيرها على تقدير صحّتها وواقعيتها تؤشّر وتوحي بما قلناه من تشجيع الإسلام على الاهتمام بجمال الولد، ما يمكن أن يستفاد منه جواز الأخذ بالأساليب العلميّة الحديثة، بما فيها تقنية الاستنساخ، بغية تحسين الجانب الجمالي لدى الأجنّة، هذا مع الالتفات إلى أنّ القيمة الكبرى تبقى في

الجمال الروحي ــــ كما أسلفنا في مستهل الفصل الثاني ــــ فهو الأساس في إنسانية الإنسان، ويلزم العناية به أكثر من العناية بالجمال الظاهري والشكلي.

 

الأطفال واللعب

 

وإدراكاً منه لحاجة الطفل الجسدية والنفسية إلى اللعب وميله الطبيعي إلى المرح واللهو حثَّ الإسلام على إتاحة الفرصة أمام الطفل ليعبّر عن طفولته بكلّ أشكال المرح واللهو البريء، خلافاً لما يفعله بعض الناس في حمل الأطفال على السلوك الجديّ ومنعهم من اللعب والمرح، وينطلق ذلك ــــ

في الغالب ــــ من الجهل بالطبيعة البشرية ومتطلّباتها، أو الغفلة عن قواعد التربية ومقتضياتها، إنّ حمل الأطفال على الجدية في كلّ تصرفاتهم يعتبر خطأً تربوياً بل خطيئة تربوية بحق الطفل، وهو مرفوض بكلّ الموازين التربوية والدينية، فقد ورد في الحديث عن الإمام الصادق (ع): "دع ابنك

يلعب سبعاً وألزمه نفسك سبعاً.."(1)، وفي الحديث المعروف عن رسول الله (ص): "من كان عنده صبي فليتصاب له"(2)، وقد ذكرت المصادر الحديثة والتاريخية أنّ رسول الله (ص) كان يلاعب الحسنين (ع) ويركبهما على عاتقه ويلاطفهما، روى جابر قال: دخلت على النبيّ (ص)

والحسن والحسين (ع) على ظهره وهو يجثو لهما ويقول: نعم الجمل جملكما ونعم العدلان أنتما"(1)، وفي حديث آخر أنّه (ص): "كان يرقص الحسن أو الحسين ويقول: حزقة حزقة، ترّق عين بقة، فترقى الظلام حتى وضع قدميه على صدره (ص)"(2) والحزقة: هو الضعيف

المتقارب في خطواته، وترّق، بمعنى إصعد، وعين بقة كناية عن صغر العين، وهذا الكلام يقال على سبيل المداعبة.

 

إنّ حاجة الطفل إلى اللعب واللهو والمرح تفرض توفير الفرص والأماكن والوسائل المناسبة والملائمة لذلك، ولا يحقّ للكبار أن يمنعوا الطفل من ممارسة حقّه في اللعب والمرح بكافة الأشكال التي لا تؤذي الطفل ولا تضرّ بالآخرين، ولذلك فإنّا نعتبر أنّ إنشاء ما يسمى بـــ "مدن الملاهي" بغية

ترفيه الأطفال أمر محبّذ شرعاً، ويشمله قول النبيّ (ص): "ومَنْ فرَّحه ــــ يعني الطفل ــــ فرَّحه الله يوم القيامة"(3)، ومع الأسف فإنّ الكثير من الناس لا يدرك أهمية اللعب بالنسبة للأطفال، ولذا لا يهتم بهذا الأمر، مع أنّ اللعب للطفل ليس مجرّد وسيلة ترفيهية، بل هو مضافاً إلى ذلك

وسيلة تربوية وتثقيفية تساهم في تخفيف حالات التوتّر والإحباط والضغط النفسي لديه، وتجدّد نشاطه وحيويّته.

 

من كتاب "حقوق الطفل في الإسلام"

تم نشر المقال في 6-5-2015

 



(1) عيون أخبار الرضا (ع): 1/38.

(1) راجع كتاب الإعجاز الطبي في القرآن: ص 194.

(2) مكارم الأخلاق: 237.

(3) راجع الكافي: 6/23.

(1) الكافي: 6/52.

(2) الكافي: 6/48.

(1) راجع: أوضاع الأطفال في لبنان 1993 ــــ 1998، ص 241.

(2) الكافي: 6/397.

(3) المصدر نفسه.

(1) تهذيب الأحكام: 8/112.

(2) الكافي: 6/35.

(3) عيون أخبار الرضا 1/74 وفي علل الشرائع ج2/557 رواه عن عليّ (ع)، ورواه في الخصال ص 632 عن عليّ (ع) في حديث الأربعمائة إلى غير ذلك من المصادر.

(4) راجع غريب الحديث، إبراهيم بن إسحاق الحربي ج3/107، وقد استدل صاحب الوسائل ج4/190 بهذا الحديث على استحباب غسل المولود، لكنّ ذلك غير دقيق، ولذا اعترضه غير واحد، بل اعتبر صاحب الحدائق ذلك من غفلاته. راجع الحدائق الناضرة: 4/190 وجواهر الكلام: 5/71.

 

(1) الكافي: 6/47.

(2) المصدر نفسه 6/49.

(3) كما جاء في الخبر (الكافي 6/22).

(1) الكافي: 6/46.

(2) من لا يحضره الفقيه: 3/483، كنز العمال: 16/457.

(1) بحار الأنوار: 43/285.

(2) البحار: 16/297.

(3) الكافي: 6/49.

 






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon