حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » أنا طالب علم، لدي خوف من أن أتكلم بغير علم.. ما الحل؟
ج »

وعليكم السلام

لا بد لطالب العلم في مساره العلمي أن يتسلح بأمرين أساسيين:
الأول: الاستنفار العلمي وبذل الجهد الكافي لمعرفة قواعد فهم النص واستكناه معناه ودلالاته بما يعينه على التفقه في الدين وتكوين الرأي على أسس صحيحة.
الثاني: التقوى العلمية ويُراد بها استحضار الله سبحانه وتعالى في النفس حذراً من الوقوع في فخ التقوّل على الله بغير علم. ومن الضروري أن يعيش مع نفسه حالة من المحاسبة الشديدة ومساءلة النفس من أن دافعه إلى تبني هذا الرأي أو ذاك: هل هو الهوى والرغبة الشخصية أم أن الدافع هو الوصول إلى الحقيقة ولو كانت على خلاف الهوى.
أعتقد أن طالب العلم إذا أحكم هذين الامرين فإنه سيكون موفقاً في مسيرته العلمية وفيما يختاره من آراء أو يتبناه من موقف.

 
س » كيف علمنا أن الصحيفة السجادية ناقصة؟ وهل ما وجده العلماء من الأدعية صحيح؟؟
ج »

أقول في الإجابة على سؤالكم:

أولاً: إن الصحيفة السجادية في الأصل تزيد على ما هو واصل إلينا وموجود بين أيدينا، قال المتوكل بن هارون كما جاء في مقدمة الصحيفة: " ثم أملى عليّ أبو عبد الله (ع) الأدعية، وهي خمسة وسبعون باباً، سقط عني منها أحد عشر باباً، وحفظت منها نيفاً وستين باباً"، بيد أن الموجود فعلاً في الصحيفة الواصلة إلينا هو أربعة وخمسون دعاء. آخرها دعاؤه في استكشاف الهموم، وهذا آخر دعاء شرحه السيد علي خان المدني في رياض السالكين، وكذا فعل غيره من الأعلام.

ثانياً: إن سقوط عدد من أدعية الصحيفة وضياعها دفع غير واحد من الأعلام للبحث والتتبع في محاولة لمعرفة ما هو الضائع منها، وبحدود اطلاعي فإنهم عثروا على أدعية كثيرة مروية عن الإمام زين العابدين (ع)، لكنهم لم يصلوا إلى نتائج تفيد أن ما عثروا عليه هو من الأدعية الناقصة منها، ولذا عنونوا مؤلفاتهم بعنوان مستدركات على الصحيفة، ولم يجزموا أن ما جمعوه من أدعية هو الضائع من أدعية الصحيفة. وهذا ما تقتضيه الضوابط العلمية والدينية، فما لم يعثر الإنسان على نسخة قديمة موثوقة أو قرائن مفيدة للوثوق بأن هذا الدعاء أو ذاك هو من جملة أدعية الصحيفة فلا يصح له إضافة بعض الأدعية على الصحيفة بعنوان كونها منها.

ثالثاً: لقد ابتُلينا بظاهرة خطيرة، وهي ظاهرة الإضافة على الصحيفة أو غيرها من كتب الأدعية، وهذا العمل هو خلاف الأمانة والتقوى، وقد ترتّب على ذلك الكثير من المفاسد، وأوجب ذلك وهماً للكثيرين، فتوهموا أن بعض الأدعية هي جزء من الصحيفة السجادية المشهورة، ومردّ ذلك بكل أسف إلى أن مجال الأدعية والزيارات شرعة لكل وارد، وتُرك لأصحاب المطابع والمطامع! وأعتقد أن هذا العبث في كتب الأدعية والزيارات ناشئ عن عدم عناية العلماء بالأمر بهذه الكتب كما ينبغي ويلزم، كما نبه عليه المحدث النوري في كتابه "اللؤلؤ والمرجان" مستغرباً صمت العلماء إزاء التلاعب والعبث بنصوص الأدعية والزيارات مما يعدّ جرأة عظيمة على الله تعالى ورسوله (ص)!

رابعاً: أما ما سألتم عنه حول مدى صحة الأدعية الواردة بعد دعاء استكشاف الهموم، فهذا أمر لا يسعنا إعطاء جواب حاسم وشامل فيه، بل لا بدّ أن يدرس كل دعاء على حدة، ليرى ما إذا كانت قرائن السند والمتن تبعث على الحكم بصحته أم لا. فإن المناجاة الخمس عشرة بنظرنا لم تصح وربما كانت من وضع الصوفية، وقد أوضحنا ذلك بشكل مفصل في كتاب الشيع والغلو.


 
س » ابني المراهق يعاني من التشتت، وأنا جدا قلق ولا اعرف التصرف معه، ما هي نصيحتكم؟
ج »

التشتت في الانتباه في سن المراهقة مع ما يرافقه من الصعوبات هو في حدود معينة أمر طبيعي وظاهرة تصيب الكثير من المراهقين ولا سيما في عصرنا هذا.

وعلينا التعامل مع هذه المرحلة بدقة متناهية من الاستيعاب والتفهم والإرشاد والتوجيه وتفهم سن المراهق، وأن هذه المرحلة تحتاج إلى أسلوب مختلف عما سبقها.

فالمراهق ينمو لديه الإحساس بالذات كثيرا حتى ليخيل إليه أنه لم يعد بحاجة إلى الاحتضان والرعاية من قِبل والديه.

وبالتالي علينا أن نتعامل معه بأسلوب المصادقة "صادقه سبعا.." والتنبه جيدا للمؤثرات التي تسهم في التأثير على شخصيته واستقامته وتدينه، ومن هذه المؤثرات: الأصدقاء ووسائل التواصل الاجتماعي، فإن نصيبها ودورها في التأثير على المراهق هو أشد وأعلى من دورنا.

وفي كل هذه المرحلة علينا أن نتحلى بالصبر والأناة والتحمل، وأن نبتدع أسلوب الحوار والموعظة الحسنة والتدرج في العمل التربوي والرسالي.

نسأل الله أن يوفقكم وأن يقر أعينكم بولدكم وأن يفتح له سبيل الهداية. والله الموفق.


 
س » اعاني من عدم الحضور في الصلاة، فهل أحصل على الثواب؟
ج »
 
لا شك أن العمل إذا كان مستجمعا للشرائط الفقهية، فهو مجزئٌ ومبرئٌ للذمة. أما الثواب فيحتاج إلى خلوص النية لله تعالى بمعنى أن لا يدخل الرياء ونحوه في نية المصلي والعبادة بشكل عام.
ولا ريب أنه كلما كان الإنسان يعيش حالة حضور وتوجه إلى الله كان ثوابه أعلى عند الله، لكن لا نستطيع نفي الثواب عن العمل لمجرد غياب هذا الحضور في بعض الحالات بسبب الظروف الضاغطة على الإنسان نفسيا واجتماعيا.
لكن على الإنسان أن يعالج مشكلة تشتت الذهن أثناء العمل العبادي وذلك من خلال السعي الجاد للتجرد والابتعاد عن كل الهواجس والمشكلات أثناء الإقبال على الصلاة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، باستحضار عظمة الله عز وجل في نفوسنا وأنه لا يليق بنا أن نواجهه بقلب لاهٍ وغافل. والله الموفق.

 
س » أنا إنسان فاشل، ولا أتوفق في شيء، وقد كتب عليّ بالخسارة، فما هو الحل؟
ج »

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أولاً: التوفيق في الحياة هو رهن أخذ الإنسان بالأسباب التي جعلها الله موصلة للنجاح، فعلى الإنسان أن يتحرك في حياته الشخصية والمهنية والاجتماعية وفق منطق الأسباب والسنن. على سبيل المثال: فالإنسان لن يصل إلى مبتغاه وهو جليس بيته وحبيس هواجسه، فإذا أراد الثروة فعليه أن يبحث عن أسباب الثروة وإذا أراد الصحة فعليه أن يأخذ بالنصائح الطبية اللازمة وإذا أراد حياة اجتماعية مستقرة عليه أن يسير وفق القوانين والضوابط الإسلامية في المجال الاجتماعي وهكذا.

ثانياً: لا بد للإنسان أن يعمل على رفع معوقات التوفيق، وأني أعتقد أن واحدة من تلك المعوقات هي سيطرة الشعور المتشائم على الإنسان بحيث يوهم نفسه بأنه إنسان فاشل وأنه لن يوفق وأنه لن تناله البركة الإلهية.

إن هذا الإحساس عندما يسيطر على الإنسان فإنه بالتأكيد يجعله إنسانا فاشلا ومحبطا ولن يوفق في حياته ولذلك نصيحتي لك أن تُبعد مثل هذا الوهم عن ذهنك وانطلق في الحياة فإن سبيل الحياة والتوفيق لا تعد ولا تحصى.


 
س » ما هو هدف طلب العلم الذي يجب أن يكون؟
ج »

عندما ينطلق المسلم في طلبه للعلم من مسؤوليته الشرعية الملقاة على عاتقه ومن موقع أنه خليفة الله على الأرض، فإن ذلك سوف يخلق عنده حافزاً كبيراً للجد في طلب العلم والوصول إلى أعلى المراتب. أما إذا انطلق في تحصيله من موقع المباهاة أو إثبات ذاته في المجتمع أو من موقع من يريد أن يزين اسمه بالشهادة الجامعية ليُقال له "الدكتور" وما إلى ذلك، فإنه - في الغالب - لن يصل إلى النتيجة المرجوة.

وعلى كل إنسان منا أن يعي أنّنا في هذه الحياة مسؤولون في أن نترك أثراً طيباً، وأن نقوم بواجباتنا قبل أن يطوينا الزمان، إننا مسؤولون عن عمرنا فيما أفنيناه وعن شبابنا فيما أبليناه، وسنُسأل يوم القيامة عن كل هذه الطاقات التي منّ اللهُ بها علينا.

وأضف إلى ذلك، إنه من الجدير بالمسلم، أن لا يفكر في نفسه وما يريحه هو فحسب في طلبه للعلم، بل أن يفكر أيضاً في أمته والنهوض بها ليكون مستقبلها زاهراً، وهذا كله يحتم عليه أن يكون سقف طموحاته عالياً ليتمكن هو وأقرانه من الطلاب والعلماء من ردم الفجوة بيننا وبين الغرب الذي سبقنا على أكثر من صعيد.

باختصار: إن مسؤوليتنا ورسالتنا وانتماءنا لهذه الأمة يفرض علينا أن نعيش حالة طوارئ ثقافية وعلمية.


 
س » ما رأيكم في الاختلاط المنتشر في عصرنا، وكيف نحاربه؟
ج »

إنّ الاختلاط قد أصبح سمة هذا العصر في كثير من الميادين، ومنها الجامعات والطرقات والساحات وكافة المرافق العامة.. والاختلاط في حد ذاته ليس محرماً ما لم يفضِ إلى تجاوز الحدود الشرعية في العلاقة بين الرجل والمرأة الأجنبيين؛ كما لو أدى إلى الخلوة المحرمة بالمرأة أو مصافحتها أو كان المجلس مشوباً بأجواء الإثارة الغرائزية أو غير ذلك مما حرمه الله تعالى.

وفي ظل هذا الواقع، فإنّ العمل على تحصين النفس أولى من الهروب أو الانزواء عن الآخرين بطريقة تشعرهم بأن المؤمنين يعيشون العُقد النفسية. إن على الشاب المسلم أن يثق بنفسه وأن يفرض حضوره ووقاره، وأن يبادر إلى إقناع الآخرين بمنطقه وحججه، وأن يبيّن لهم أن الانحراف والتبرج والفجور هو العمل السيّئ الذي ينبغي أن يخجل به الإنسان، وليس الإيمان ومظاهر التدين.

وأننا ندعو شبابنا عامة وطلاب الجامعات خاصة من الذكور والإناث إلى أن يتزينوا بالعفاف، وأن يحصنوا أنفسهم بالتقوى بما يصونهم من الوقوع في الحرام.


 
س » كيف يمكن التخلص من السلوكيات والعادات السيئة؟
ج »

إن التغلب على السلوكيات الخاطئة أو العادات السيئة – بشكل عام – يحتاج بعد التوكل على الله تعالى إلى:

أولاً: إرادة وتصميم، ولا يكفي مجرد الرغبة ولا مجرد النية وانما يحتاج بالإضافة إلى ذلك إلى العزم والمثابرة وحمل النفس على ترك ما اعتادته.

ثانياً: وضع برنامج عملي يمكّن الإنسان من الخروج من هذه العادة السيئة بشكل تدريجي؛ وأرجو التركيز على مسألة "التدرج" في الخروج من هذه العادات السيئة؛ لأن إدمان النفس على الشيء يجعل الخروج منه صعباً ويحتاج إلى قطع مراحل، وأما ما يقدم عليه البعض من السعي للخروج الفوري من هذه العادة، فهو - بحسب التجربة - سيُمنى في كثير من الأحيان بالفشل. والله الموفق


 
 
  مقالات >> فقهية
السلاح النووي في الميزان الفقهي
الشيخ حسين الخشن



 

لا يزال الحديث الجدلي قائماً حول موقف الإسلام من صناعة الأسلحة النووية واقتنائها، وحول شرعية استخدامها في الحروب والمعارك، وفيما يأتي نحاول مقاربة هذا الموضوع من الزاوية الفقهية بغية استجلاء الموقف الشرعي إزاء هذه القضية الحساسة.

 

التلوث بالإشعاع النووي:

 

يعتبر التلوث بالإشعاع النووي أخطر أنواع التلوث على الإطلاق، وقد ظهرت خطورة هذا النوع من الإشعاع بعدما تعرض الإنسان إلى كارثتين نوويتين كبيرتين في القرن العشرين تمثلتا بإلقاء قنابل ذرية على مدينتين في اليابان(سنة1945) وبالانفجار الذي حدث في مفاعل تشرنوبيل النووي (سنة1986). وقد اكتشف الإنسان عملياً مدى خطورة الإشعاعات النووية على جميع الكائنات الحية من إنسان وحيوان ونباتات مختلفة، فقد عانى اليابانيون الذين تعرضوا للإشعاعات النووية من الموت أو من الأمراض التي أصابت كل حواسهم وانتقلت بعدهم إلى أولادهم وإلى أحفادهم، كما دلت التجارب الكثيرة التي أجريت وما زالت تجرى في منطقة تشرنوبيل والمناطق المحيطة بها على تأثير خطير على كل أنواع الكائنات الحية بما في ذلك الأشجار والحشائش والأعشاب التي ما تزال تعاني حتى اليوم جراء انفجار المفاعل النووي". (كتاب البيئة للدكتور نزار دندش ص:185).

 

باتضاح مخاطر الإشعاع النووي وآثاره السلبية على كل الكائنات الحية، نحاول أن نطل على الموقف الشرعي الإسلامي من القضية، وفيما أرى فإنّ استجلاء الموقف الفقهي من هذه المسألة لا بدّ أن يتم عبر مرحلتين من البحث:

 

المرحلة الأولى: مرحلة تصنيع السلاح المذكور واقتنائه.

 

المرحلة الثانية: مرحلة استخدامه، والاستخدام تارة يكون بهدف تجريبي صرف، كما تفعل الكثير من الدول التي تجري تجارب نووية في أعماق البحار أو في الصحارى أو في جوف الأرض، وتارة أخرى يكون ذلك بهدف قتالي.

 

تصنيع السلاح النووي:

 

فيما يرتبط بالمرحلة الأولى، أعني مرحلة التصنيع فقد يقال: إنه ليس ثمة ما يمنع شرعاً من تصنيع السلاح النووي أو اقتنائه، بل إنه قد يكون مطلوباً شرعاً، كونه يشكل أحد مصاديق إعداد القوة في مواجهة الظالمين المعتدين، وإعداد القوة كذلك مطلوب شرعاً وعقلاً، قال تعالى:{واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم...}.

 

والآية الشريفة تشير إلى مبدأ "قوة الردع" القاضي بأن إعداد القوة والتسلح ليس بالضرورة أن يكون بهدف القتال والحرب، بل بهدف إيقاف الحرب من خلال توازن الردع أو الرعب الذي تحققه القوة، وهذا ما رمزت إليه عبارة {ترهبون به عدو الله وعدوكم}، والسلاح النووي يعتبر من أهم وسائل الردع في أيامنا، وذلك باعتبار أنّ الدولة التي تمتلك قنابل ذرية أو هيدروجينية هي بطبيعة الحال دولة متفوقة على الدول الأخرى، فإذا امتلك الطرف الآخر قنبلة مماثلة شكّل ذلك ضغطاً على الطرف الأول ما يحول دون استخدامه للسلاح النووي، الأمر الذي قد يدفع الطرفين إلى عقد الاتفاقيات التي تمنع استخدام الأسلحة النووية.

 

والكلام الآنف لتبرير تصنيع السلاح النووي وإن كان مطابقاً للموازين الفقهية المعروفة إلا أنّ في المقام تحفظاً أو تأملاً يمكن تسجيله وهو: إن هذا النمط من السلاح الذي يمكن لأي خطأ بشري في إدارته أو لأي تصرف عدواني قد يرتكبه بعض الأفراد الممسكين بزمامه أن يؤدي إلى نتائج كارثية قد تصل إلى حد القضاء على الكوكب الأرضي برمته وإفناء كل مظاهر الحياة عليه وفي الحد الأدنى قد يؤدي إلى إبادة الملايين من بني الإنسان هل يسمح الشارع الحكيم بتصنيعه أو يأذن في اقتنائه؟

 

 قد لا يبتعد الفقيه عن الصواب إذا جزم بأن الشارع لا يأذن بتصنيع هكذا أنواع من السلاح، وأنه لا يكون مشمولاً لإطلاقات إعداد القوة، لأن الملاحظة المتقدمة صالحة إما لتقييد المطلقات المشار إليها أو أنها تشكل قرينة توجب انصراف الإطلاق المذكور إلى غير هذا النوع من السلاح، على أنّا لو استفتينا العقل الفطري والوجدان السليم بشأن تصنيع سلاح من هذا القبيل أعني سلاحاً قادراً على تدمير الكرة الأرضية ومن عليها بلمحة بصر، لما ترددنا في الحكم بالمنع منه ومعاقبة مصنّعيه والمروجين له، ورفض انتشاره بل ضرورة التخلص منه.

 

لكننا نستدرك لنقول: أما وقد وقع المحذور وتمّ تصنيع السلاح المذكور وتملكته أكثر من دولة من دول الاستكبار العالمي وعلى رأسها الكيان الغاصب في فلسطين وتمكنت بواسطته من الاستطالة على الأمة الإسلامية وعلى الشعوب المستضعفة وإرهابها وفرض إرادتها وشروطها عليها، فإن الموقف ـ وبميزان الدين والعقل أيضاً ـ سوف يختلف، ليغدو تملك هذا السلاح مطلوباً وضرورياً في محاولة لإيجاد الردع وتوازن القوة، لأن من غير الجائز أن تبقى الأمة الإسلامية في موقع الابتزاز والترهيب أو في حالة من الوهن والضعف، فإن الله يريدها عزيزةً قوية {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين}(المنافقون:8)، ولا يرضى لها أن تكون ذليلةً ضعيفةً مرهونة للآخرين.

 

إننا بهذا الكلام لا نريد التشجيع على صناعة الأسلحة النووية فضلاً عن انتشارها، بل إننا ندعو إلى التخلص منها والقضاء عليها، وأقصى أمانينا أن يأتي يوم على الإنسان وقد خلت المخازن (مخازن الجيوش) من السلاح النووي لتعيش البشرية بأمن وسلام.

 

الصناعة النووية السلمية:

 

هذا كله لو كانت الصناعة النووية بهدف الأغراض العسكرية القتالية، أما لو كانت بهدف سلمي وبداعي تحقيق الأغراض العلمية والصناعية فالظاهر أنه لا شبهة في شرعيتها، بل إن امتلاك الأمة الإسلامية للتقنية النووية السلمية أمر مطلوب ومرغوب فيه، لأنه يفك ارتهانها لبعض الدول المستكبرة التي تعمل على احتكار مثل هذه التقنية وتمنع الدول الإسلامية من امتلاكها بحجج واهية من قبيل التخوف من تطوير الأنشطة النووية بما يخدم الأهداف العسكرية، وكأن هذه التقنيات هي حق حصري لتلك الدول المستكبرة أو التي تدور في فلكها، ولا يحق لسائر الدول أن تحقق التقدم أو تطور نفسها في كافة المجالات!

 

إنه "منطق القوة" الذي لا يستند إلى شيء من المعايير الأخلاقية والمنطقية، والشرعية، وإنّ على الشعوب الحرة والأبية أن لا تستكين لهذا المنطق بل عليها العمل الجاد في سبيل إسقاطه، لتحقق تقدمها وكل آمالها المنشودة.

 

استخدام السلاح النووي:

 

بالانتقال إلى المرحلة الثانية من البحث وهي مرحلة استخدام السلاح النووي فإننا نستطيع القول في ضوء معرفتنا بأن الحرب في الإسلام لها ضوابطها وقيودها وأخلاقياتها ووسائلها وأهدافها كما أن لها زمانها ومكانها: إن استخدام السلاح النووي والقنابل الذرية في المعارك أمر محظور شرعاً للاعتبارات التالية:

 

أولاً: إن استخدام هذا السلاح في كثير من الحالات يعتبر من أبرز مصاديق الإفساد في الأرض وإهلاك الحرث والنسل، وهو أمر محرّم بنص القرآن الكريم، وقد تطرقنا لذلك في بعض المقالات السابقة في جريدة بينات بعنوان "لا تفسدوا في الأرض" فراجع.

 

ثانياً: إن استخدام هذه الأسلحة لا ينفك عن قتل الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ، وإبادة الحيوانات  وحرق الأشجار والمزروعات، وهذا مما ورد النهي عنه في العديد من الروايات، ففي موثقة مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله(ع) قال: إن النبي(ص) كان إذا بعث أميراً على سرية أمره بتقوى الله عز وجلّ في خاصة نفسه، ثم في أصحابه عامة، ثم يقول: "أغز بسم الله وفي سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله ولا تغدروا ولا تغلوا وتمثلوا، ولا تقتلوا وليداً ولا متبتلاً في شاهق ولا تحرقوا النخل ولا تغرقوه بالماء ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تحرقوا زرعاً، لأنكم لا تدرون لعلكم تحتاجون إليه، ولا تعقروا من البهائم ما يؤكل لحمه إلاّ ما بدا لكم من أكله.."(الكافي:5/29).

 

ثالثاً: ورد في الخبر المعتبر عن أبي عبدالله(ع) قال: قال أمير المؤمنين(ع): "نهى رسول الله(ص) أن يلقى السم في بلاد المشركين"(الكافي:5/28، التهذيب6/143)، وظاهر النهي هو الحرمة، وبذلك أفتى غير واحد من الفقهاء، يقول ابن إدريس الحلي رحمه الله:"ويجوز قتل الكفار بسائر أنواع القتل وأسبابه إلاّ بتغريق المساكن ورميهم بالنيران وإلقاء السم في بلادهم، فإنه لا يجوز أن يُلقى السم في بلادهم... به نطقت الأخبار عن الأئمة الأطهار"(السرائر2/7)، وقد التزم السيد الخوئي رحمه الله أيضاً بحرمة إلقاء السم في بلاد المشركين أخذاً بظاهر النص المتقدم (منهاج الصالحين1/373)، وبذلك يتضح ضعف القول بالكراهة كما عن بعض الفقهاء (التنقيح الرائع1/581، جامع المقاصد3/385، مختلف الشيعة4/392)، فإذا كان إلقاء السم في بلاد المشركين محرماً أفلا يكون استخدام ما هو أشد فتكاً وضرراً منه أعني السلاح النووي والذرّي محرماً بطريق أولى؟

 






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon