حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » أنا طالب علم، لدي خوف من أن أتكلم بغير علم.. ما الحل؟
ج »

وعليكم السلام

لا بد لطالب العلم في مساره العلمي أن يتسلح بأمرين أساسيين:
الأول: الاستنفار العلمي وبذل الجهد الكافي لمعرفة قواعد فهم النص واستكناه معناه ودلالاته بما يعينه على التفقه في الدين وتكوين الرأي على أسس صحيحة.
الثاني: التقوى العلمية ويُراد بها استحضار الله سبحانه وتعالى في النفس حذراً من الوقوع في فخ التقوّل على الله بغير علم. ومن الضروري أن يعيش مع نفسه حالة من المحاسبة الشديدة ومساءلة النفس من أن دافعه إلى تبني هذا الرأي أو ذاك: هل هو الهوى والرغبة الشخصية أم أن الدافع هو الوصول إلى الحقيقة ولو كانت على خلاف الهوى.
أعتقد أن طالب العلم إذا أحكم هذين الامرين فإنه سيكون موفقاً في مسيرته العلمية وفيما يختاره من آراء أو يتبناه من موقف.

 
س » كيف علمنا أن الصحيفة السجادية ناقصة؟ وهل ما وجده العلماء من الأدعية صحيح؟؟
ج »

أقول في الإجابة على سؤالكم:

أولاً: إن الصحيفة السجادية في الأصل تزيد على ما هو واصل إلينا وموجود بين أيدينا، قال المتوكل بن هارون كما جاء في مقدمة الصحيفة: " ثم أملى عليّ أبو عبد الله (ع) الأدعية، وهي خمسة وسبعون باباً، سقط عني منها أحد عشر باباً، وحفظت منها نيفاً وستين باباً"، بيد أن الموجود فعلاً في الصحيفة الواصلة إلينا هو أربعة وخمسون دعاء. آخرها دعاؤه في استكشاف الهموم، وهذا آخر دعاء شرحه السيد علي خان المدني في رياض السالكين، وكذا فعل غيره من الأعلام.

ثانياً: إن سقوط عدد من أدعية الصحيفة وضياعها دفع غير واحد من الأعلام للبحث والتتبع في محاولة لمعرفة ما هو الضائع منها، وبحدود اطلاعي فإنهم عثروا على أدعية كثيرة مروية عن الإمام زين العابدين (ع)، لكنهم لم يصلوا إلى نتائج تفيد أن ما عثروا عليه هو من الأدعية الناقصة منها، ولذا عنونوا مؤلفاتهم بعنوان مستدركات على الصحيفة، ولم يجزموا أن ما جمعوه من أدعية هو الضائع من أدعية الصحيفة. وهذا ما تقتضيه الضوابط العلمية والدينية، فما لم يعثر الإنسان على نسخة قديمة موثوقة أو قرائن مفيدة للوثوق بأن هذا الدعاء أو ذاك هو من جملة أدعية الصحيفة فلا يصح له إضافة بعض الأدعية على الصحيفة بعنوان كونها منها.

ثالثاً: لقد ابتُلينا بظاهرة خطيرة، وهي ظاهرة الإضافة على الصحيفة أو غيرها من كتب الأدعية، وهذا العمل هو خلاف الأمانة والتقوى، وقد ترتّب على ذلك الكثير من المفاسد، وأوجب ذلك وهماً للكثيرين، فتوهموا أن بعض الأدعية هي جزء من الصحيفة السجادية المشهورة، ومردّ ذلك بكل أسف إلى أن مجال الأدعية والزيارات شرعة لكل وارد، وتُرك لأصحاب المطابع والمطامع! وأعتقد أن هذا العبث في كتب الأدعية والزيارات ناشئ عن عدم عناية العلماء بالأمر بهذه الكتب كما ينبغي ويلزم، كما نبه عليه المحدث النوري في كتابه "اللؤلؤ والمرجان" مستغرباً صمت العلماء إزاء التلاعب والعبث بنصوص الأدعية والزيارات مما يعدّ جرأة عظيمة على الله تعالى ورسوله (ص)!

رابعاً: أما ما سألتم عنه حول مدى صحة الأدعية الواردة بعد دعاء استكشاف الهموم، فهذا أمر لا يسعنا إعطاء جواب حاسم وشامل فيه، بل لا بدّ أن يدرس كل دعاء على حدة، ليرى ما إذا كانت قرائن السند والمتن تبعث على الحكم بصحته أم لا. فإن المناجاة الخمس عشرة بنظرنا لم تصح وربما كانت من وضع الصوفية، وقد أوضحنا ذلك بشكل مفصل في كتاب الشيع والغلو.


 
س » ابني المراهق يعاني من التشتت، وأنا جدا قلق ولا اعرف التصرف معه، ما هي نصيحتكم؟
ج »

التشتت في الانتباه في سن المراهقة مع ما يرافقه من الصعوبات هو في حدود معينة أمر طبيعي وظاهرة تصيب الكثير من المراهقين ولا سيما في عصرنا هذا.

وعلينا التعامل مع هذه المرحلة بدقة متناهية من الاستيعاب والتفهم والإرشاد والتوجيه وتفهم سن المراهق، وأن هذه المرحلة تحتاج إلى أسلوب مختلف عما سبقها.

فالمراهق ينمو لديه الإحساس بالذات كثيرا حتى ليخيل إليه أنه لم يعد بحاجة إلى الاحتضان والرعاية من قِبل والديه.

وبالتالي علينا أن نتعامل معه بأسلوب المصادقة "صادقه سبعا.." والتنبه جيدا للمؤثرات التي تسهم في التأثير على شخصيته واستقامته وتدينه، ومن هذه المؤثرات: الأصدقاء ووسائل التواصل الاجتماعي، فإن نصيبها ودورها في التأثير على المراهق هو أشد وأعلى من دورنا.

وفي كل هذه المرحلة علينا أن نتحلى بالصبر والأناة والتحمل، وأن نبتدع أسلوب الحوار والموعظة الحسنة والتدرج في العمل التربوي والرسالي.

نسأل الله أن يوفقكم وأن يقر أعينكم بولدكم وأن يفتح له سبيل الهداية. والله الموفق.


 
س » اعاني من عدم الحضور في الصلاة، فهل أحصل على الثواب؟
ج »
 
لا شك أن العمل إذا كان مستجمعا للشرائط الفقهية، فهو مجزئٌ ومبرئٌ للذمة. أما الثواب فيحتاج إلى خلوص النية لله تعالى بمعنى أن لا يدخل الرياء ونحوه في نية المصلي والعبادة بشكل عام.
ولا ريب أنه كلما كان الإنسان يعيش حالة حضور وتوجه إلى الله كان ثوابه أعلى عند الله، لكن لا نستطيع نفي الثواب عن العمل لمجرد غياب هذا الحضور في بعض الحالات بسبب الظروف الضاغطة على الإنسان نفسيا واجتماعيا.
لكن على الإنسان أن يعالج مشكلة تشتت الذهن أثناء العمل العبادي وذلك من خلال السعي الجاد للتجرد والابتعاد عن كل الهواجس والمشكلات أثناء الإقبال على الصلاة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، باستحضار عظمة الله عز وجل في نفوسنا وأنه لا يليق بنا أن نواجهه بقلب لاهٍ وغافل. والله الموفق.

 
س » أنا إنسان فاشل، ولا أتوفق في شيء، وقد كتب عليّ بالخسارة، فما هو الحل؟
ج »

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أولاً: التوفيق في الحياة هو رهن أخذ الإنسان بالأسباب التي جعلها الله موصلة للنجاح، فعلى الإنسان أن يتحرك في حياته الشخصية والمهنية والاجتماعية وفق منطق الأسباب والسنن. على سبيل المثال: فالإنسان لن يصل إلى مبتغاه وهو جليس بيته وحبيس هواجسه، فإذا أراد الثروة فعليه أن يبحث عن أسباب الثروة وإذا أراد الصحة فعليه أن يأخذ بالنصائح الطبية اللازمة وإذا أراد حياة اجتماعية مستقرة عليه أن يسير وفق القوانين والضوابط الإسلامية في المجال الاجتماعي وهكذا.

ثانياً: لا بد للإنسان أن يعمل على رفع معوقات التوفيق، وأني أعتقد أن واحدة من تلك المعوقات هي سيطرة الشعور المتشائم على الإنسان بحيث يوهم نفسه بأنه إنسان فاشل وأنه لن يوفق وأنه لن تناله البركة الإلهية.

إن هذا الإحساس عندما يسيطر على الإنسان فإنه بالتأكيد يجعله إنسانا فاشلا ومحبطا ولن يوفق في حياته ولذلك نصيحتي لك أن تُبعد مثل هذا الوهم عن ذهنك وانطلق في الحياة فإن سبيل الحياة والتوفيق لا تعد ولا تحصى.


 
س » ما هو هدف طلب العلم الذي يجب أن يكون؟
ج »

عندما ينطلق المسلم في طلبه للعلم من مسؤوليته الشرعية الملقاة على عاتقه ومن موقع أنه خليفة الله على الأرض، فإن ذلك سوف يخلق عنده حافزاً كبيراً للجد في طلب العلم والوصول إلى أعلى المراتب. أما إذا انطلق في تحصيله من موقع المباهاة أو إثبات ذاته في المجتمع أو من موقع من يريد أن يزين اسمه بالشهادة الجامعية ليُقال له "الدكتور" وما إلى ذلك، فإنه - في الغالب - لن يصل إلى النتيجة المرجوة.

وعلى كل إنسان منا أن يعي أنّنا في هذه الحياة مسؤولون في أن نترك أثراً طيباً، وأن نقوم بواجباتنا قبل أن يطوينا الزمان، إننا مسؤولون عن عمرنا فيما أفنيناه وعن شبابنا فيما أبليناه، وسنُسأل يوم القيامة عن كل هذه الطاقات التي منّ اللهُ بها علينا.

وأضف إلى ذلك، إنه من الجدير بالمسلم، أن لا يفكر في نفسه وما يريحه هو فحسب في طلبه للعلم، بل أن يفكر أيضاً في أمته والنهوض بها ليكون مستقبلها زاهراً، وهذا كله يحتم عليه أن يكون سقف طموحاته عالياً ليتمكن هو وأقرانه من الطلاب والعلماء من ردم الفجوة بيننا وبين الغرب الذي سبقنا على أكثر من صعيد.

باختصار: إن مسؤوليتنا ورسالتنا وانتماءنا لهذه الأمة يفرض علينا أن نعيش حالة طوارئ ثقافية وعلمية.


 
س » ما رأيكم في الاختلاط المنتشر في عصرنا، وكيف نحاربه؟
ج »

إنّ الاختلاط قد أصبح سمة هذا العصر في كثير من الميادين، ومنها الجامعات والطرقات والساحات وكافة المرافق العامة.. والاختلاط في حد ذاته ليس محرماً ما لم يفضِ إلى تجاوز الحدود الشرعية في العلاقة بين الرجل والمرأة الأجنبيين؛ كما لو أدى إلى الخلوة المحرمة بالمرأة أو مصافحتها أو كان المجلس مشوباً بأجواء الإثارة الغرائزية أو غير ذلك مما حرمه الله تعالى.

وفي ظل هذا الواقع، فإنّ العمل على تحصين النفس أولى من الهروب أو الانزواء عن الآخرين بطريقة تشعرهم بأن المؤمنين يعيشون العُقد النفسية. إن على الشاب المسلم أن يثق بنفسه وأن يفرض حضوره ووقاره، وأن يبادر إلى إقناع الآخرين بمنطقه وحججه، وأن يبيّن لهم أن الانحراف والتبرج والفجور هو العمل السيّئ الذي ينبغي أن يخجل به الإنسان، وليس الإيمان ومظاهر التدين.

وأننا ندعو شبابنا عامة وطلاب الجامعات خاصة من الذكور والإناث إلى أن يتزينوا بالعفاف، وأن يحصنوا أنفسهم بالتقوى بما يصونهم من الوقوع في الحرام.


 
س » كيف يمكن التخلص من السلوكيات والعادات السيئة؟
ج »

إن التغلب على السلوكيات الخاطئة أو العادات السيئة – بشكل عام – يحتاج بعد التوكل على الله تعالى إلى:

أولاً: إرادة وتصميم، ولا يكفي مجرد الرغبة ولا مجرد النية وانما يحتاج بالإضافة إلى ذلك إلى العزم والمثابرة وحمل النفس على ترك ما اعتادته.

ثانياً: وضع برنامج عملي يمكّن الإنسان من الخروج من هذه العادة السيئة بشكل تدريجي؛ وأرجو التركيز على مسألة "التدرج" في الخروج من هذه العادات السيئة؛ لأن إدمان النفس على الشيء يجعل الخروج منه صعباً ويحتاج إلى قطع مراحل، وأما ما يقدم عليه البعض من السعي للخروج الفوري من هذه العادة، فهو - بحسب التجربة - سيُمنى في كثير من الأحيان بالفشل. والله الموفق


 
 
  مقالات >> فكر ديني
أسماء المواليد: تجاوز التقاليد والانتماء الحضاري
الشيخ حسين الخشن



مرّت الإشارة إلى أنّ ثمّة حديثاً معروفاً مرويّاً عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأيضاً عن بعض الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) بصيغ متقاربة، وهو يتحدَّث عن حقوق الولد على والده، وجاء في إحدى صيغة: "حقّ الولد على الوالد: أن يحسن إسمه ويحسن أدبه ويعلِّمه

القرآن"(1)،

 

 

الأسماء وعلاقتها بحضارة الأُمّة

 

اهتم الإنسان من قديم الزمان باختيار أسماء الأولاد، وكانت ولا تزال عوامل عديدة تلعب دوراً في هذا الاختيار أهمّها العامل الديني والتاريخي والقومي، كما أنّ العنصر الجمالي له دوره في هذا المجال حيث يحرص الكثيرون على اختيار إسم ذي جرس موسيقي ووقع طيّب على الأذن، وهكذا فإنّ

للمستوى الحضاري والثقافي للأُمّة دوراً في ذلك، فالمجتمع الحضاري يختار أسماءً تختلف عن الأسماء المنتشرة في مجتمع البداوة، وقد عرف عن العرب اختيار الأسماء الموحية بالقوّة والقساوة والصلابة، ولذا انتشرت بينهم أسماء من قبيل صخر وحرب وحمزة وعبّاس.. هذا بالنسبة لأبنائهم، أمّا

غلمانهم فكانوا يختارون لهم أسماءً توحي باللطف والرقّة من قبيل سالم وريحان ولؤلؤ، وقد سئل أحدهم عن سبب ذلك فأجاب: "نسمّي أبناءنا لأعدائنا وغلماننا لأنفسنا"، وفي الحديث عن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: قلت له: لِمَ يُسمِّ العرب أولادهم بكلب وفهد ونمر وأشباه ذلك؟ قال: كانت

العرب أصحاب حرب، فكانت تُهوِّل على العدو بأسماء أولادهم، ويسمّون عبيدهم: فَرَج، ومبارك وميمون، وأشباه هذا يتيمَّنون بها"(2)، وهكذا فإنّ للعامل البيئي والجغرافي دوره في اختيار الأسماء، ولذا شاع عند العرب التسمية باسم النباتات الصحراوية كما في حنظلة، وطلحة، أو أسماء

الحيوانات، كما في ثعلبة وذؤيب وكليب ونمر، أو اسم الحجارة كجبل وصخر ورملة... والسؤال: كيف ينظر الإسلام إلى أسماء الأولاد؟ وما هي الأسماء المفضّلة لديه؟

 

 

الاسم وتأثيره على شخصية صاحبه

 

إنّ أوّل أمرٍ يحرص عليه الإسلام في اسم الوليد هو اختيار اسم حسن له: "أن يحسن اسمه"، ما يعني أنّ على الوالدين اجتناب الأسماء القبيحة أو الوحشية التي توحي بالعنف، فإنّ للاسم تأثيراً على شخصية صاحبه ونفسيّته، فإنْ كان اسماً وحشياً وغليظاً فإنّه قد يوقع صاحبه بالخجل والمعرَّة

ويؤذيه معنوياً ونفسياً، خلافاً لما إذا كان اسماً طيّباً وجميلاً، وممّا يدعو للأسى أنّ للكثير من الآباء لا يزالون يختارون لأبنائهم أسماءً تنتمي إلى عصر الجاهلية وقيمها ولغتها الخشبية الجامدة، كما هو الحال في اسم: ذئب أو فهد أو ظالم أو طافش أو صايل، أو قذَّاف الدم، أو عديّ (تصغير عدو) أو

ما إلى ذلك من أسماء تحمل معانٍ سلبية نافرة.

 

 

إنّ الإسلام عندما يؤكّد أنّ الاسم الحَسَنْ حقّ للولد على والده، فإنّه يحمّل الأب مسؤولية اختيار الاسم، فهو ليس حرّاً في الاختيار بما يحلو له ليتحرّك في التسمية على ضوء هَوَس عقلي أو نزوة آنية أو موضة دارِجة، بل عليه أن يفكّر بالولد ومدى قبوله للاسم فيما بعد، أو ما قد يتركه الاسم من

تأثير على شخصيته أو يخلق له من عقدٍ ومشاكل فيما لو لم يكن حسناً، باختصار: إنّ التسمية حقّ للولد أكثر ممّا هي حقّ للوالد، ما يفرض على الوالد التجرُّد من التقاليد البالية والبيئة الضيّقة التي قد تفرض عليه بعض الأسماء النافرة، إنّ التقاليد في مجتمعاتنا العربية قد تفرض على الشخص تسمية

ابنه باسم والده، وابنته باسم والدته، إنّ هذا الأمر لا مانع منه من حيث المبدأ، وربّما يمثّل نوعاً من احترام الوالدين ومحبّتهما، بيد أنّ ذلك ليس لازماً ولا يعتبر تجاوزه إساءة لهما، ولن يكون ذلك ـــ بالتأكيد ـــ مستحبّاً فيما لو كان اسم الجدّ نافراً أو مُوحِياً بالوحشية والسلبية.

 

 

لا تسمُّوا بأسماء الطواغيت

 

وعلى ضوء ذلك يكون من المحتَّم على الآباء وكذا الأمهات الابتعاد عن الأسماء ذات المضامين القبيحة والدلالات السلبية أو التي توحي بالشرك أو الغلو كالتسمية بأسماء الله، أو العبودية لغير الله، أو التي توحي بالمهانة مثل "كلب محمّد" أو "كلب عليّ" وفي الحديث عن الإمام الباقر (عليه

السلام) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) ألاَ خير الأسماء: عبد الله، وعبد الرحمن، وحارثة، وهمّام، وشرّ الأسماء: ضرار، ومرّة، وحرب، وظالم"(3)، وعرف عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) أنّه غيَّر أسماء صحابته لكونها تختزن معنىً سلبياً، فقد جاءه بعض

الأشخاص وكان اسمه قليلاً فسمَّاه كثيراً، وبعضهم كان اسمه العاصّ فسمَّاه مطيعاً، وجاءته امرأة تسمّى عاصية فسمَّاها سهلة، وبعضهم كان اسمه أسود فسمَّاه أبيض(4)، والآخر كان يسمّى أكبر فسمَّاه بشر(5)، وولد لبعضهم طفل فأسموه الوليد، فقال (صلّى الله عليه وآله وسلَّم):

"سمَّيتموه باسم فراعنتكم!"(6) في إشارة إلى أحد خلفاء بني أُمّية.

 

 

أسماء الأنبياء

 

من الأسماء الحَسَنة التي يشجّع عليها الإسلام: أسماء الأنبياء والأئمة والأولياء، فقد ورد في الحديث عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): "سمُّوا بأسماء الأنبياء"(7)، والتسمية بأسماء الأنبياء وإنْ لم تشكِّل دليلاً على عمق أو صدق العلاقة المطلوبة بهم، وإنّما هي مجرّد تعبير شكلي

عن هذه العلاقة، لكن رمزيّتها في كونها تمثِّل مظهراً من مظاهر حضور الأنبياء في الأُمّة، وهي مدّعاة للثناء عليهم واستذكارهم واستحضار مواقفهم ورسالتهم، كما أنّها قد تكون مدخلاً للتخلّق بأخلاقهم.

 

إنّك عندما تعطي ابنك اسم عظيم من العظماء فإنّ ذلك قد يحسّسه ويشجّعه على الاقتداء بسيرة ذاك العظيم والاهتداء بهديه واتّخاذه مثلاً أعلى في الحياة.

 

كما أنّ ذلك قد يشكِّل حافزاً لاحترام المسمّى باسم النبيّ أو الولي وترك الإساءة إليه أو شتمه، احتراماً لصاحب الاسم أعني النبيّ أو الولي، وقد ورد في بعض الروايات أنّ من سمّي ابنته فاطمة فليترك ضربها أو شتمها احتراماً للسيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)(8).

 

وعلى هذا فلا يصحّ القول: بأنّ الأَوْلى ترك التسمية بأسماء الأنبياء كي لا يجلب ذلك لهم اللعنة بسبب ما قد يرتكبه المسمّى بأسمائهم من أخطاء وإساءات بحقّ الآخرين، فإنَّ احترام الأنبياء يفرض الابتعاد عن سبّ مَنْ تسمّى بأسمائهم لا ترك التسمية بها، على أنّ السبّ والشتم ليس خُلُقاً إسلامياً،

وهو لا يطال مَنْ قُصد به بل ربّما عاد وزره على مطلقه.

 

وفي هذا المجال يروى أنّ الخليفة الثاني غيَّر أسماء مَن كان متسمِّياً باسم الأنبياء، فقد روي أنّ رجلاً اسمه إبراهيم "دخل عليه في ولايته حين أراد أن يغيّر اسم مَنْ تسمّى بأسماء الأنبياء، فغيَّر اسمه وسمَّاه عبد الرحمن"(9)، وكانت حجّته في ذلك ما تقدّم، حيث سمع شخصاً يشتم آخر اسمه

محمّد، فقال للأخير: "إدْنُ مني لا أرى محمّداً يُسبُّ بك! والله لا تُدعى محمّداً ما دمت حيّاً وسمّاه عبد الرحمن"(10)، بيد أنّ تصرّف الخليفة هذا لاقى اعتراضاً من المسلمين الذين احتجّوا عليه بأنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) هو مَنْ سمّى أبناءهم باسم محمّد، فخلَّى عنهم".

 

 

 

الأسماء المستوردة

 

لا نجد مانعاً شرعياً في التنويع والتجديد في الأسماء وتجاوز المألوف والتقليدي منها، لكن شريطة أن لا تنطلق الرغبة في التجديد من عقدة نقص، كما هو الحال لدى البعض ممّن يخجلون بأسمائهم الإسلامية والعربية، أو الذين يستوردون الأسماء من خارج حضارتهم وبيئتهم الثقافية، وما أكثر

الأسماء الغربية والأجنبية التي غزتنا وحلَّت محلّ الأسماء الإسلامية والوطنية والقومية، مع أنّها في الغالب لا تحمل مضامين ذات مغزى سواء على الصعيد العلمي أو الروحي أو الفكري وحتى الجمالي بقدر ما تعكس انبهاراً بالآخر وخجلاً من الذات.

 

 

من كتاب "حقوق الطفل في الإسلام"

نُشر في الموقع 31-7-2015

 



(1) مستدرك الوسائل: 15/128، كنز العمّال: 16/417.

(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 2/281.

(3) وسائل الشيعة: 21/399، الباب 28 من أبواب أحكام الأولاد الحديث 5.

(4) كنز العمَّال: 16/591 ــ 269.

(5) أسد الغابة: 1/198.

(6) كنز العمَّال: 16/592.

(7) كنز العمّال: 16/590.

(8) راجع الكافي: 6/49.

(9) كنز العمال: 16/589.

(10) المصدر نفسه.

 






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon