حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » كم كان عمر الزهراء (ع) حين زواجها من أمير المؤمنين (ع)؟ هل صحيح أن الإجماع هو على التسع من عمرها؟
ج »
 
▪️يوجد اختلاف كبير بين العلماء في تحديد عمر سيدتنا الزهراء سلام الله عليها حين زواجها من أمير المؤمنين عليه السلام، وتترواح هذه الأقوال بين تسع سنوات وعشرين سنة.
 
▪️مرد هذا الاختلاف إلى أمرين:
 
- الأول: الاختلاف في تاريخ مولدها، فهل ولدت قبل البعثة بخمس أم بعدها بخمس أو باثنتين؟ 
 
- الثاني: الاختلاف في تاريخ زواجها من أمير المؤمنين عليه السلام، حيث إن ثمة خلافاً في أنها تزوجت بعد الهجرة إلى المدينة بسنة أو بسنتين أو بثلاث.
 
▪️المعروف عند كثير من المؤرخين - كما ينقل التستري في تواريخ النبي (ص) والآل (ع) - أنها ولدت قبل البعثة النبوية بخمس سنين، وهذا ما ذهب إليه محمد بن إسحاق وأبو نعيم وأبو الفرج والطبري والواقدي وغيرهم، وعلى هذا سيكون عمرها حين الزواج ثماني عشرة سنة أو يزيد.
 
▪️ ونقل العلامة الأمين "أن أكثر أصحابنا" على أنها ولدت بعد البعثة بخمس سنين، وعلى هذا سيكون عمرها حين الزواج تسعاً أو عشراً أو أحد عشر عاماً، تبعاً للاختلاف في تاريخ الزواج.
 
⬅️ الظاهر أنه ليس هناك إجماع على أنّ عمرها عند الزواج بها كان تسع سنوات، فقد ذهب الشيخ المفيد في "مسار الشيعة" أنها ولدت بعد مبعث النبي (ص) بسنتين، وهو ظاهر الشيخ الطوسي في المصباح، بل نقل الشيخ عن رواية أنها ولدت في السنة الأولى لمبعثه الشريف، وحينئذ إذا كانت قد  تزوجت في السنة الأولى من الهجرة فيكون عمرها حين الزواج ثلاث عشرة سنة، وإذا تزوجت في السنة الثانية للهجرة سيكون عمرها أربع عشرة سنة، وإذا تزوجت في السنة الثالثة سيكون عمرها خمس عشرة سنة.
 
 وقد رجح التستري وغيره من علمائنا القول بولادتها بعد البعثة بخمس، استناداً إلى بعض الأخبار المروية عن الأئمة(ع).. وكيف كان، فتحقيق المسألة واتخاذ موقف حاسم يحتاج إلى متابعة.. والله الموفق.

 
 
  مقالات >> فكر ديني
الاستخارة.. في ميزان العقل والشرع
الشيخ حسين الخشن



   ثمّة ظاهرة منتشرة في أوساط المؤمنين من أتباع أهل البيت (ع)، هي ظاهرة الاعتماد على الاستخارة بالسُّبحة أو بالقرآن في الكثير من الأمور والقضايا سواء التجارية منها أو الاجتماعية أو الشخصية، من قبيل ما يتّصل بأمر الزواج، أو السفر، أو غير ذلك من الأعمال أو الحاجات، وهذه

الظاهرة تستوقف الكثيرين ويتساءلون عن مغزاها وجدواها ومشروعيّتها؟

 

   وقد يعتبرها البعض من علامات التخلّف، وربّما تمّ إدراجها في عداد الأسباب المعوِّقة لتطوّر المجتمع، لمخالفتها لقانون العليّة والسّنن الطبيعية القائمة على أنّ الأمور إنّما تُعرَف بأسبابها، ويستدلّ عليها بالتبصّر في عواقبها ونتائجها، لا بعدد حبّات السُّبحة ولا بالقرعة ولا بالرِّقاع. إنّ الأخذ

بالاستخارة- بنظر هؤلاء- يعني تجميد العقل وتعطيله عن التفكير.

 

   في المقابل, فإنّ بعض المؤمنين بمشروعيّة الاستخارة تراه يبالغ في استخدامها بحيث يربط كلّ أنشطته وتحرّكاته ومواقفه بالاستخارة، فلا يُقدِّم رِجْلاً ولا يؤخِّر أخرى في حياته إلاّ بعد الاستخارة، وقد وصل الأمر ببعض العلماء إلى حدّ اعتبار الاستخارة "مفتاحاً للغيب" "ووحياً مُطاعاً في بيان

المضرّة والمنفعة"[1]. أمام هذا التضارب في الآراء بشأن الاستخارة ارتأينا أنّ من المناسب, بل من الضروري التطرّق إلى هذا الموضوع، لأهميّته، وكثرة الابتلاء به،  ويقع الحديث في أربعة محاور:

 

أولاً: عن مفهوم الاستخارة وأنواعها.              

ثانياً: الاستخارة في ميزان الشرع.

ثالثاً: الاستخارة في ميزان العقل.

رابعاً: الاستخارة شروط وضوابط.

 

 وسنحرص في هذا البحث أن نبتعد قدر المستطاع عن استخدام اللغة الفقهيّة المتخصّصة واستدلالاتها التفصيليّة في تناول هذه المسألة، فإنّ ذلك متروك إلى مباحث علم الفقه.

 

 

1- مفهوم الاستخارة وأنواعها

 

   الاستخارة في اللغة[2] تأتي بمعنى طلب الخير، كما أنّ الاستنصار يعني طلب النصر، والاستغفار يعني طلب المغفرة، وهكذا.. وأمّا في المفهوم الشرعيّ، فإنّ الاستخارة تأتي بمعنيين:

 

 المعنى الأول: أن يُراد بها طلب الخير من الله، انسجاماً مع معناها اللغويّ بحيث يتوجّه العبد إلى الله سبحانه بالدعاء، طالباً منه أن يختار له الأصلح فيما يريد أن يُقدم عليه من زواج أو سفر أو عمل.. من دون أن يلجأ إلى وسيلة معيّنة للتعرّف من خلالها على وجه الخير، بل يعتمد على ما يُلهمه

الله ويُلقيه في قلبه، وقد يُراد بها طلب الخير من الله بشكل عام، ثم يمضي العبد إلى عمله.

 

المعنى الثاني: أن يستخير العبد ربّه ويستشيره، طالباً منه أن يُرِيَه وجه الصلاح أو عدمه في هذا العمل لِيُقدم عليه أو يجتنبه، ويتمُّ استعلام الأمر من خلال الاعتماد على وسيلة معيّنة، كالرِّقاع، أو حبّات السُّبحة، أو من خلال مضمون آيات القرآن، أو غير ذلك.

 

وللاستخارة أنواع متعدّدة ذكرها العلماء، وإليك بعضها:

1- الاستخارة بالرِّقاع[3].

2- الاستخارة بالسُّبحة[4].

3- الاستخارة بالقرآن الكريم[5].

 

 

2- الخيرة في ميزان الشرع

 

 والسؤال: ما هو الموقف الشرعي من الاستخارة بمعنييها المتقدّمين؟

 

والجواب: أمّا بالنسبة للمعنى الأول من الاستخارة، فلا شبهة في مشروعيّته، لأنّه مظهر من مظاهر التوكّل على الله والاعتماد عليه، وهو يعبّر عن عمق إيمان العبد بربه واعتقاده بأنّ أموره كلّها هي بيد الله تعالى، وهذا ينسجم كامل الانسجام مع عقيدة التوحيد، وعلى سبيل المثال عندما يرغب

العبد في أن يُقدم على الزواج والارتباط بشريك، أو على عمل تجاري معيّن، ويتوجّه إلى الله، مبتهلاً إليه أن يجعل الخير رائده والتوفيق قائده، وأن يوفّقه في ما يُقدم عليه، فإنّ ذلك يكشف عن إيمانه الراسخ بأنّ الله سبحانه وتعالى هو الرازق والمالك والمقدّر وأنّ بيده خزائن السماوات والأرض،

ولهذا فإنّ الاستخارة بهذا المعنى تعبّر عن أدب إسلامي رفيع في التوكّل على الله واستحضاره عند كلّ الحاجات والملمّات والطلبات حتّى لا يغيب الله عن أذهاننا طرفة عين أبداً، أو نتوهّم أنَّ لنا قدرة بصرف النظر عن قدرته، أو طَوْلاً (قدرةً) بعيداً عن طَوْله.

 

وفي ضوء ذلك، يتّضح أنَّ مشروعيّة هذا النحو من الاستخارة جارٍ على طبق القاعدة، ولا يحتاج إلى دليل خاصّ، لأنَّ الاستخارة بهذا المعنى تمثّل مصداقاً من مصاديق الدعاء والابتهال إلى الله، ولذا لم يشكّك أحد من المسلمين في مشروعيّتها، بل أجمعوا على استحبابها، ومع ذلك فإنّ بالإمكان

الاستدلال على مشروعيّتها واستحبابها، استناداً إلى النصوص الواردة في ذلك من طُرُق السُّنّة والشّيعة معاً، ففي الحديث عن رسول الله Description: Description: http://www.ruaia.net/images/prefix/a1.gif: "إذا همَمْتَ بأمر فاستخر ربك فيه سبع مرات، ثمّ انظر إلى الذي يسبق إلى قلبك فإنّ الخير فيه"[6].

 

   وفي حديث آخر عنهDescription: Description: http://www.ruaia.net/images/prefix/a1.gif: "من سعادة ابن آدم استخارتُه لله، ومن شقاوة ابن آدم تركُه استخارة الله"[7].

 

   وفي الحديث عن أبي عبد الله الصادقDescription: Description: http://www.ruaia.net/images/prefix/a2.gif: "إذا عَرَضَتْ لأحدكم حاجة فليستشر اللهَ ربَّه، فإن أشار عليه اتّبعَ، وإن لم يشر عليه توقّف، قلت: يا سيّدي، كيف أعلم ذلك؟ قال: يسجد عقيب المكتوبة ويقول: اللهم خِرْ لي، ثم يتوسل بنا ويصلي علينا ويستشفع بنا، ثم تنظر ما يلهمك تفعله،

فهو الذي أشار عليك به"[8].

 

   وتُحَدِّثنا بعض الروايات الواردة من طرق السُّنّة والشّيعة أيضاً أنّ ثمّة صلاة خاصّة للاستخارة بهذا المعنى، ففي الحديث عن جابر بن عبد الله قال: "كان رسول الله Description: Description: http://www.ruaia.net/images/prefix/a1.gifيعلّمنا الاستخارة في الأمور كلّها، كما يعلّمنا السورة من القرآن، يقول: "إذا همّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير

الفريضة، ثمّ ليقل: اللهم إنّي أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم، فإنّك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علّام الغيوب، اللهم إن كنتَ تعلمُ أنّ هذا الأمر خيرٌ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، (أو قال: في عاجل أمري وآجله) فأَقْدِرْه لي ويسّرْه لي، ثمّ بارك

لي فيه، وإنْ كنتَ تعلمُ أنّ هذا الأمر شرٌّ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري (أو قال: في عاجل أمري وآجله) فاصرفْه عني واصرفني عنه وأَقْدِرْ لِيَ الخيرَ حيث كان، ثم رضّني به، ويسمّي حاجته"[9].

 

   وعن الإمام الصادقDescription: Description: http://www.ruaia.net/images/prefix/a2.gif: "إذا أراد أحدكم شيئاً فليصلِّ ركعتين، ثمّ ليحمد الله ويُثني عليه ويصلّي على محمّد وأهل بيته، ويقول: اللهم إن كان هذا الأمر خيراً لي في ديني ودنياي فيسّره لي، وأَقْدِرْه، وإن كان غير ذلك فاصرفه عني"[10].

 

وقد امتلأت كتب الفقه الإسلامي على اختلاف المذاهب[11] بالحديث عن استحباب صلاة الاستخارة وكيفيتها.

 

 

الاستخارة المتداولة

 

   هذا كلّه فيما يرتبط بالمعنى الأول للاستخارة، أمّا المعنى الثاني، وهو الذي يُراد به اكتشاف وجه الخير واستعلام ذلك من خلال بعض الأدوات والوسائل، كالسُّبحة أو نحوها، وهو الشائع في أوساط المؤمنين الشّيعة- دون بقية المسلمين- منذ قرون عديدة، وإن كنّا لا نعلم على وجه التحديد متى

انتشر ذلك وشاع الأخذ به[12]، وأوّل ما يواجهنا في هذا النحو من الاستخارة هو سؤال الشرعيّة؟

 

   والذي يبدو للباحث والمتابع أنّ النحو الثاني من الاستخارة لا يوجد إجماع شيعي على شرعيّته، وإنّما هناك اختلاف بين الفقهاء إزاءه، ففي حين يظهر من مشهور الفقهاء مشروعيّة الاستخارة بهذا المعنى، وعلى ذلك جرت سيرتهم العمليّة، فإنّ بعضهم يشكّك في شرعيّتها أو شرعيّة بعض

أصنافها المتداولة، ويأتي على رأس هؤلاء الفقيه ابن إدريس الحليّ، فقد أنكر الاستخارة بالرِّقاع والبنادق والقرعة واصفاً رواياتها بأنّها من أضعف أخبار الآحاد وشواذّ الأخبار، وأضاف (رحمه الله) بأنّ "رواتها فطحيّة ملعونون، مثل رزعة وسماعة وغيرهما فلا يلتفت إلى ما اختصّا بروايته ولا

يعرج عليه، والمحصّلون من أصحابنا ما يختارون في كتب الفقه إلا ما اخترناه، ولا يذكرون "البنادق" و"الرّقاع" و"القرعة" إلا في كتب العبادات دون كتب الفقه، فشيخنا أبو جعفر الطوسي (رحمه الله) لم يذكر في نهايته ومبسوطه واقتصاده إلا ما ذكرناه واخترناه (وما اختاره هو الاستخارة

بالمعنى الأوّل) ولم يتعرّض للبنادق، وكذا شيخنا المفيد في رسالته إلى ولده لم يتعرّض للرقاع  ولا للبنادق.."[13] ووافقه المحقّق الحلّي فقال: "وأمّا الرِّقاع وما يتضمّن إفعلْ ولا تفعلْ، ففي حيّز الشذوذ فلا عبرة بها"[14].

 

ويظهر من الشيخ المفيد أنّه لا يقبل باستخارة ذات الرّقاع أيضاً، فإنّه وبعد أن أورد أخبار الاستخارة بالدعاء، ثمِّ أورد خبراً في استخارة ذات الرقاع وكيفيتها، قال: "وهذه الرواية شاذّة، ليست كالذي تقدّم، لكنّا أوردناها للرخصة دون تحقيق العمل بها"[15].

 

 

الاستخارة والاستقسام بالأزلام

 

   وهكذا فإنّ المحقّق الأردبيلي[16] قد استشكل في شرعيّة الاستخارة لاندراجها– على بعض التفاسير- في مفهوم الاستقسام بالأزلام، الذي حرّمه الله في القرآن الكريم في قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ

وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ}[المائدة: 3] حيث فُسِّر الاستقسام بالأزلام بأنّه عبارة عن الضرب بالسهام لاستعلام الخير والشرّ في الأفعال، وتمييز النافع من الضَّارّ، فقد كان شائعاً عند العرب أنَّ مَنْ يريد سفراً أو زواجاً، أو ما شاكل ذلك

يضرب بالسِّهام لتشخيص ما فيه الخير فيعمل به، وقيل: "إنّ الرِّقاع التي كانوا يضربونها لهذا الغرض مكتوب على بعضها: "أمرني ربّي"، وعلى بعضها الآخر: "نهاني ربّي"، وبعضها غفل لم يُكتب عليه شيء، فإذا أرادوا سفراً، أو أمراً يهتمون به، ضربوا على تلك الأقداح، فإنْ خرج السهم الذي

عليه "أمرني ربّي" مضى الرجل في حاجته، وإن خرج الذي عليه "نهاني ربّي" لم يمضِ، وإن خرج الذي ليس عليه شيء أعادوها"، ومن المعلوم أنّ الاستخارة المتداولة اليوم، ولا سيّما خيرة ذات الرِّقاع هي من قبيل الاستقسام بالأزلام، هذا ما يراه المحقق الأردبيلي.

 

   ولكن قد يُعترض على كلامه بأنّ الاستقسام بالأزلام وإن ورد تفسيره بما ذكره في العديد من المصادر[17] بَيْدَ أنّ له عند العرب معنى آخر غير ما ذكر، وهو عبارة عن شراء جَزُور (صغير الإبل) وتقسيمه إلى عشرة أقسام: سبعة ذات نصيب، وثلاثة بلا نصيب، ويُكتب ذلك على سهام

عشرة، ثم يُجَال عليها، فمن خرج باسمه أحد السهام السبعة دُفعت له حصّة من الجزور بلا ثمن، ومن خرج له أحد السهام الثلاثة تَكَفَّلَ بدفع ثلث قيمة الجزور من دون أن يحصل على أيّ شيء من اللحم[18]، وهذا المعنى لا يلتقي بالاستخارة في شيء، كما هو واضح، بل هو نوع من القمار،

 

وممّا يشهد للمعنى الثاني:

 

أولاً: سياق الآية، فإنّها تتحدّث عن حرمة اللحم على اختلاف أنواعه من الميتة إلى لحم الخنزير والمنخنقة..

 

ثانياً: إنّ الاستقسام بالأزلام ينطبق على هذا المعنى، بخلاف المعنى الأول، فليس فيه استقسام ولا طلب للقسمة.

وثالثاً: الحديث المرويّ عن الإمام الباقرDescription: Description: http://www.ruaia.net/images/prefix/a2.gif، حيث فسَّرDescription: Description: http://www.ruaia.net/images/prefix/a2.gif الاستقسام بالأزلام بأنّ العرب: "كانوا يعمدون إلى الجزور فيجزّونه عشرة أجزاء ثم يجتمعون عليه فيُخرجون السهام ويدفعونها إلى رجل، والسهام عشرة: سبعة لها أنصباء، وثلاثة لا أنصباء لها..."[19].

 

 

أدلّة شرعيّة الاستخارة

 

  ولا يخفى أنّ تفنيد دليل المحقّق الأردبيلي أو غيره من الرافضين لمبدأ الاستخارة لا يكفي لإثبات شرعيّتها، فيبقى على القائلين بشرعيّتها أن يُقيموا الدليل على ذلك، فما هو دليلهم؟

 

والجواب: إنّ ما يمكن أن يُستدلَّ به لإثبات شرعيّة الاستخارة بالمعنى الثاني هو عدّة أمور:

 

1-  التمسّك ببعض الروايات الواردة في القرعة عن أئمّة أهل البيت (ع)[20].

ولكنّ الظاهر أنّ الروايات المشار إليها تفتقر إلى السَّند الصحيح، سواء فيما ورد في شأن خيرة ذات الرِّقاع أو الاستخارة بالسُّبحة[21]، الأمر الذي يمنع من الاعتماد عليها في إثبات الشرعيّة.

 

2-  إنّ الاستخارة هي نوع من الاقتراع، فيدلّ على شرعيّتها ما دلّ على شرعيّة القرعة[22] من قبيل صحيحة محمّد بن حكيم عن أبي الحسن (ع): "كل مجهول ففيه القرعة"[23]،  وفي صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللهDescription: Description: http://www.ruaia.net/images/prefix/a2.gif: "ليس من قومٍ تَقَارعُوا، ثم فوّضوا أمرهم إلى الله إلا

خرج سهمُ المُحِقّ.."[24].

 

  وهذا الدليل غير تامّ أيضاً، لأنّ عمومات القرعة يُشكّ في شمولها لما نحن فيه، ويمكنك القول: إنّها منصرفة عرفاً عمّا نحن فيه، فالقرعة منتشرة في حياة العقلاء، وموردها هو الحالات التي يحتاج فيها الإنسان إلى حسم الموقف, مع أنّ من الضروري حسمه لدوران الأمر بين طرفين لا بدّ من

اختيار أحدهما، ولا يستخدم العقلاء القرعة لاستعلام المغيّبات أو معرفة ما إذا كان هناك مصلحة في الإقدام على هذا العمل أو ذاك، وأمّا عموم صحيحة محمّد بن حكيم فهو غير مراد حتماً ولم يلتزم به أحد من الفقهاء، وصحيحة أبي بصير موردها حالات التنازع ولا يمكن إلغاء الخصوصية عنها.

 

3- وقد استدلّ بعضهم على شرعيّة الاستخارة بأدلّة الدّعاء، "فإنّ المستخير إنّما يدعو الله ويلحّ عليه، طالباً منه أن يُظهر له وجه الخير فيما يريد فعله أو تركه من خلال السُّبحة مثلاً، وأيّ محذور في تشخيص الواقع المجهول له من خلال السُّبحة وغيرها؟"[25]

ويؤيّد ذلك أنّ الاستخارة من المجرّبات التي ثبتت فاعليتها.

 

ولكن لنا أن نتأمّل في هذا الاستدلال، لجهة أنّه وإن لم يكن هناك محذور أو مانع في حالة إقبال على الله تعالى واستخارته أن يرشده الله تعالى إلى ما هو الأصلح له، إلاّ أنّ الكلام ليس في الإمكان، ولم يدّعِ وجود محذور يمنع من أن يكشف الله الواقع لعبده من خلال السُّبحة، وإنّما الكلام في

الإثبات وفي دليل الشرعيّة، ومن الواضح أنّ مجرّد الإمكان لا يُثبت شرعيّة القرعة وكاشفيّتها عن الواقع.

 

 أضف إلى ذلك أنّ للمرء أن يتساءل:إذا كان للاستخارة هذه الأهمية كوسيلة لاستكشاف الواقع المجهول، فلِمَ لَمْ يتمّ العمل بها من قِبَلِ النبيDescription: Description: http://www.ruaia.net/images/prefix/a1.gif والأئمة Description: Description: http://www.ruaia.net/images/prefix/a2.gif، ولا عمل بها أصحابهم، وإلاّ لبلغنا ذلك من خلال الأخبار المستفيضة، ولَنُقِلَ ذلك إلينا، مع أنّنا لم نجد في الروايات شيئاً من ذلك، بل

إنّ بعض أخبار الاستخارة- كأخبار الاستخارة بالسُّبحة- لم تُذكر في المصادر الحديثية الأساسية، وإنّما أوردها السيّد ابن طاووس في كتابه في الاستخارات مُرْسَلَةً عن صاحب الزمان (عجّل الله فرجه الشريف)!

 

   فلا يبقى في مقام إثبات شرعية الاستخارة إلاّ أن يُقال: إنّه قد حصل لنا الاطمئنان بشرعيّتها، استناداً إلى الروايات المشار إليها، فإنّه قد يحصل الوثوق بصدور بعضها نتيجة تضافرها، وإن كانت ضعيفة السند لا سيّما أنّها مؤيّدة بالتجربة وعمل الأصحاب. والله العالم.

 

 

هل تُستحبّ الاستخارة؟

 

ثمّ إنّ ثمّة بحثاً يُطرح في هذا المقام وحاصله: إنّه وبناءً على شرعيّة الاستخارة فهل هي مستحبة أم لا؟

 

يمكن القول: باستحباب الاستخارة بالمعنى الأول، لورود الروايات الكثيرة فيها، وبعض هذه الروايات صحيحة السند[26]، وأمّا الاستخارة بالمعنى الثاني فلم يثبت استحبابها، كما صرّح به بعض الفقهاء[27] وإن ذهب إلى الاستحباب فقهاء آخرون[28].

 

1- الخيرة في ميزان العقل

 

 يبقى هنا تساؤل يطرح نفسه في هذا المقام بشأن موقف العقل من الاستخارة، وما قد يُدَّعى ويقال إنَّ الاستخارة هي تعبير عن تعطيل الفكر واستقالة العقل، وربّما عدّها بعض الناس مؤشّراً على تخلّف الذين يلجأون إلى الاستخارة في كشف المغيّبات أو يتّكلون عليها  في اتّخاذ القرارات أو تحديد

المسارات، في حين أنّ المنطق يدعوهم إلى استخدام العقول والاستنارة بهديها.

 

ويمكننا القول: إنّه في حال لم تتمّ عندنا أدلّة القرعة ولم تثبت شرعيّتها فلا داعي عندها لمحاولة تبريرها وتوجيهها توجيهاً منطقياً، وأمّا لو أنّنا ارتضينا بعض الأدلة المتقدمة لإثبات شرعيّة الاستخارة, فهنا يكون التوجيه مُلِحّاً وضرورياً، وذلك لعلمنا بأنّ أحكام الإسلام ليست اعتباطية ولا تجافي

المنطق ولا تدعو إلى استقالة العقل، وفي ضوء ذلك يمكن لنا توجيه الاستخارة بأحد توجيهين:

 

التوجيه الأول: أن نؤمن بها إيماناً تعبّدياً منطلقاً من إيماننا الدينيّ العامّ، وهذا الإيمان كما يُثبت شرعيّة الاستخارة، فإنّه سيجعل منها عملاً مفهوماً وكاشفاً عن الواقع، وذلك على قاعدة اللطف الإلهيّ واستجابة الله دعاء عبده، وهو القادر على كلّ شيء، وهذا التوجيه ينبغي أن يكون مقبولاً عند

المؤمنين بشرعيّة الاستخارة، وعند كلّ مَنْ يؤمِن بمرجعيّة النصّ الدينيّ، بناءً على ثبوت روايات الاستخارة.

 

التوجيه الثاني: أن نتعامل مع الاستخارة وننظر إليها باعتبارها طريقة لحسم الموقف عند التحيّر وضبابية الصورة، الأمر الذي يُسبِّب إرباكاً وربّما عجزاً عن اتّخاد القرار المناسب بسبب تعارض الوجوه المرجِّحة للفعل مع الوجوه المرجِّحة للترك، وكثيراً ما يصل المرء إلى مثل هذه الحالة من

التردّد لا بسبب ضعفه عن اتخاد القرار الحاسم، أو تهرّبه من تحمّل المسؤوليّة، وإنّما لأنّ الموقف قد تشابكت فيه الوجوه وتساوت مُرجِّحات الفعل والترك، فيحار الشخص، ويحتاج إلى أدنى دافع، أو مرجِّح ولو كان غير منطقي, للأخذ بأحد الوجوه، فعلاً أو تركاً، وإذا سألته لِمَ اخترت هذا الطريق

دون سواه، فلن يجد جواباً مقنعاً أفضل من القول: هذا ما جرى، ولم أجد مرجِّحاً لسبيل على آخر.

 

وهذا التفسير أو التوجيه قد يكون هو الجواب الأقرب على سؤال من يسأل عن موقف العقل من الاستخارة- بمعناها الثاني- ومبرّرها المنطقي.. فإنّه إذا وضعنا الاستخارة في النطاق المشار إليه وهو اعتبارها مرجِّح الاختيار في حالات تكافؤ المصالح والمفاسد، فسوف تكون مفهومة عُقلائيّاً، أو

على الأقلّ ليست مستنكرة لدى العقل والعقلاء، تماماً كما لا تكون القرعة مستنكرة عندهم، بل هي مقبولة لديهم ويعملون بها في بعض الحالات.

 

قد تسأل وتعترض: إنّ الاستخارة بنظر مَن يعمل بها من المؤمنين هي طريق إلى الواقع، فهي تكشف وجه المصلحة أو المفسدة المجهولة لهم، ولا ينظرون إليها باعتبارها مجرّد وسيلة للخروج من حالة التردّد، وإلاّ فما الفرق بينها وبين أيّ وسيلة أخرى لا تعتمد الدعاء والتوجّه إلى الله؟ فلِمَ لا

يُعتمد بديلاً عن الاستخارة أو بموازاتها أسلوب القرعة المتداولة مثلاً، فإنّها- أعني القرعة- على ما هو المعروف تُعتمد من العقلاء باعتبارها وسيلة لحسم الموقف ورفع التردّد؟

 

 والجواب: إنّ كشف الاستخارة عن الواقع صحيح عند من يؤمن بمشروعيّتها ويرى تماميّة أدلّتها، وأمّا من لا يؤمن بها ولا يقتنع بكاشفيّتها عن الواقع- مع أنّ الكاشفيّة ممكنة[29] بعد لجوء الإنسان إلى الله وطلبه إليه أن يُظهر له وجه الخير فيما يريد أن يُقدم عليه من فعل أو ترك – فإنّ ما

نتحدث به معه أنّه ليس من حقّه أن يُسفِّه الآخذين بها، أو ينعتهم بالتخلّف أو غيره من النعوت، وذلك لثبوت مشروعيّتها عندهم، ولأنّ بالإمكان تفهّمها- عقلاً- باعتبارها وسيلة لحسم الموقف في حالات التردّد وعدم وجود المرجِّح لخيار على آخر، لكن دون أن يتمّ إسنادها إلى الدين حينئذٍ، حذراً من

الوقوع في شرك التشريع والابتداع.

 

2- الاستخارة شروط وضوابط

 

   ثمّ إنّ الالتزام بالاستخارة بعد الإقرار بشرعيّتها، لا ينبغي أن يُفهم خطأً، أو يُمارَس خطأً،  فنتوسّع– كما نلاحظ في الواقع- في استخدامها في غير موردها، ونبادر إليها في الصغير والكبير، وبسبب أو بدون سبب، ونربط كلّ أعمالنا وحركتنا اليومية ونعلّقها على الاستخارة؛ إنّ هذا مرفوض

بالتأكيد، فالاستخارة – بناءً على مشروعيّتها- لها مواردها وظروفها وشروطها، وإليك التوضيح والتفصيل في بيان شروط العمل بالاستخارة:

 

 

الخيرة عند الحيرة

 

   الشرط الأول: أن لا يتمّ اللجوء إلى الاستخارة إلاّ بعد أن تتشابك الأمور عند الإنسان وتتشابه عليه الخيارات، ولا يتّضح له وجه المصلحة من المفسدة، فيظلّ محتاراً متردِّداً لا يهتدي سبيلاً ولا يعرف ماذا يفعل، ففي هذه الحالة يكون للاستخارة مجال واسع، أمّا مع اتضاح الصورة لديه

وتشخيصه- ولو بمشورة الآخرين- بأنّ في الإقدام على هذا العمل أو ذاك مصلحةً بيّنة، أو مفسدة بيّنة، فلا مجال للاستخارة حينئذ، قال تعالى: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}[آل عمران: 159].

 

وعلى سبيل المثال: لو أنّ بعض المؤمنين اْبتُلِيَ هو أو أحد أطفاله بمرض، فلجأ إلى الاستخارة، ليحدّد على ضوئها إذا كان ثمّة مصلحة في أن يذهب إلى الطبيب أم لا، فإنّه بذلك يرتكب خطأً فادحاً، لأنّ هذا ليس مورداً للاستخارة، إذ الموقف في هذه الحالة واضح وبيّن، وهو أنّ عليه أن يذهب

إلى الطبيب بهدف العلاج، لأنّ الذي خلق الداء خلق الدواء، والرجوع إلى أهل الخبرة يمثّل قاعدة عُقلائيّة وشرعيّة، قال تعالى: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}[الأنبياء: 7]، نعم لو أنّه عزم على مراجعة الطبيب، لكنّه تردّد بين طبيبين ماهرين من أهل الاختصاص عينه، فهنا لا مانع من

الرجوع إلى الاستخارة لحسم الموقف وترجيح أحد الطبيبن على الآخر.

 

 

الاستخارة ليست بديلاً من التفكير

 

   الشرط الثاني: أن يستنفد المرء التفكير في المسألة ودراستها من جميع جوانبها بهدف التعرّف على ما فيه مصلحته أو مفسدتهُ ليقْدِم على الفعل أو الترك وهو على بصيرة من أمره. إنّ مدارسة الأمر لا بدّ منها، لأنّ الاستخارة ليست بديلاً من التفكير، ولا ترمي إلى تجميد العقل، أو إقالته من

مهامه، والله سبحانه وتعالى أراد لنا أن نتحرّك وفق منطق السُّنن، وأن ندرس قضايانا برويّة وتدبّر، وبناءً عليه فما يفعله بعض المؤمنين من المبادرة إلى استخدام الاستخارة قبل أن يُكَلِّف نفسه عناء البحث ودراسة الأمور في سبيل التعرّف على ما هو الأصلح له، هو بالتأكيد عمل غير مَرْضِيّ من

الناحية الدينية، وربّما مثّل نوعَ انحرافٍ عن المسار العقلائي العام الذي أرادنا الله أن نتحرّك على أساسه في حياتنا، كما أنّ ذلك يسهم في بناء شخصية اتكالية متردّدة لا تملك الثقة بالنفس، وليس لديها جرأة اتخاذ القرار، ولذا تلجأ إلى الاستخارة، تهرّباً من تحمّل المسؤوليّة.

 

 

الاستشارة قبل الاستخارة

 

الشرط الثالث: وكما أنّ التفكير العقلائي الجادّ لا بدّ أن يسبق اللجوء إلى الاستخارة، فإنّه لا بدّ أن تسبقها المشورة أيضاً، فبعد أن تتمّ دراسة المسألة من جميع وجوهها ولا يصل المرء إلى نتيجة مُرْضِيَة، أو يبقى حائراً، فيجدر به- وقبل الاندفاع نحو الأخذ بالاستخارة- أن يلجأ إلى أهل الرأي والخبرة والتجربة، ليستشيرهم ويستنير بآرائهم، ومن هنا فقد قال أمير المؤمنين عليٌّDescription: Description: http://www.ruaia.net/images/prefix/a2.gif: "من استبدَّ برأيه هلك، ومن شاور الرجال شاركها في عقولها"[30]، وإذا بقي المرء محتاراً ومتردِّداً حتّى بعد مشاورة الآخرين من ذوي الرأي والتجربة، فبإمكانه– آنذاك- أن يلجأ إلى الاستخارة.

 

 

لا خيرة في أحكام الله

 

   الشرط الرابع: أن نبتعد عن العمل بالاستخارة في ما يكون حكمه الشرعي واضحاً، فالاستخارة ليس لها مجال في أحكام الله, ولا في إثبات موضوعات الأحكام الشرعيّة، فحينما يستخير شخص على ترك الصلاة، أو على شرب الخمر، أو على ارتياد نادٍ للقمار، أو على قطيعة الأرحام، أو على

الفرار من الزحف والجهاد، فهو بذلك يرتكب خطأً كبيراً، وينحرف عن الصراط السويّ، لأنّ الله سبحانه وتعالى لم يُعلِّق امتثال أحكامه الشرعيّة على إذن أحد، ولا رَبَطها بتحقّق شرط أو قيد، باستثناء الشروط العامة للتكليف من البلوغ والعقل والقدرة، أو الشروط الخاصة والتي تختلف من مورد

لآخر، أمّا ما سوى ذلك، كمشورة الآخرين أو الاستخارة- مثلاً- فلا تُناط بها أحكام الشرع لا جعلاً ولا ثبوتاً، ولا امتثالاً وسقوطاً، تماماً كما لم تُعلَّقُ أحكام الله على القرعة.

 

وما قلناه في الأحكام الشرعيّة نقوله أيضاً في موضوعات الأحكام، فلا تشرّع الاستخارة لتحديد وتعيين الطاهر من النجس في الثياب أو الأواني أو غيرهما ولا لتحديد أنّ هذا اليوم هو من رمضان، أو من شوّال، مثلاً، أو لتحديد أنّ هذا السائل خمر أم عصير عنبي، إلى غير ذلك من الموضوعات.

 

الخيرة والتنبّؤ بالمستقبل

 

الشرط الخامس: أن نتجنّب استخدام الاستخارة بهدف استطلاع المغيَّبات أو التعرّف على مآلات الأمور وما سيحدث في مستقبل الأيام، وما تخبّئه للإنسان من أفراح أو أتراح، أو استخدامها لأجل تحديد جنس المولود الذي سيُرزق به, وأنّه ذكر أو أنثى، أو أنّ الطالب سينجح في الامتحان أو لا، 

فإنّ هذا أيضاً ونظائره يمثّل استخداماً خاطئاً للاستخارة، ولا تساعد عليه أدلّتها، وهو أقرب إلى التنجيم المرفوض شرعاً ولم يلتزم بهذا النحو من الاستخارة أحدٌ من الفقهاء، وبكلمة مختصرة: إنّ هذا ليس مورداً سليماً للاستخارة.

 

 

تكرار الاستخارة

 

 الشرط السادس: الابتعاد عن العبث في استخدامها، ومن موارد العبث هذه، تكرار الاستخارة على الأمر الواحد لمرّات عديدة، كما يحصل مع بعض الأشخاص، فإنّ هذا لا مبرّر ولا وجه له، فإنّ الاستخارة في كلّ أمر تكون مرة واحدة[31]، اللهم إلاّ إذا تغيّرت الظروف وتبدّل الموضوع، وقد

يكون دَفْعُ الصدقةِ عاملاً مؤثراً في تبدّل الموضوع، لأنّ الصدقة تدفع البلاء[32]، وعلى سبيل المثال: لو أنّ شخصاً استخار على السفر فخرجت نهياً، فعاود الاستخارة في الوقت عينه على السفر نفسه، فإنّ عمله هذا يُعتبر لعباً وعبثاً غير مقبول، وعليه في هذه الحالة أن يأخذ بالاستخارة الأولى

دون الثانية كما يرى بعض الفقهاء.

 

الابتعاد عن مخالفة الخيرة

 

   إنّنا وإن كنّا لا نستطيع تبنّي حرمة مخالفة الخيرة شرعاً، لعدم الدليل على الحرمة، ولكن ينبغي للمُستخير عدم مخالفتها، لأنّ من استخار أحداً من الناس أو استشاره, فأشار عليه بأمرٍ، لكنّه خالفه دون مبرِّر، فإنّ فِعْلَه هذا مستقبَح بنظر العقلاء، فكيف إذا كان المستشار هو الله تعالى! فإنّه من سوء

الأدب أن يستخير العبد ربّه، ثم لا يرضى بما اختار الله له؟! وإذا كنّا نفترض ونؤمن أنّ الشخص المستخير في حال توجّهه إلى الله طالباً منه إرشاده إلى ما فيه صلاحه، فإنّ الاستخارة والحال هذه تكشف الواقع، فإنّ ذلك يعني ببساطة أنَّ المصلحة في اتّباعها، وأنّ مخالفتها قد تجرّ عليه المتاعب،

أو تبعث على الندم، وفي ضوء ذلك نستطيع القول: إنّ مخالفة الاستخارة هي من قبيل مخالفة الأمر الإرشادي لا المولوي.

 

 

عندما تتحوّل الاستخارة إلى مشكلة!

 

ونلاحظ في بعض الحالات أنّ مخالفة الاستخارة تُوقع الإنسان ببعض المشاكل مع نفسه أو الآخرين لا لشيء سوى أنّ هاجس مخالفتها قد تملّكه وظلّ يلاحقه، ما يدفعه إلى أنْ يفسِّر أيَّ مشكلة تواجهه ولو كانت صغيرة على أنّها ناشئة عن عدم عمله بالخيرة، وبذلك تتحوّل الاستخارة نفسها إلى

مشكلة للإنسان، مع أنّ هدف استخدامها هو إخراج الإنسان من المشكلة، ومثال ذلك: ما يحصل أحياناً من أنّ شخصاً يعزم على الزواج بفتاة معيّنة، لأنّه قد رآها مناسبة له واستشار في أمرها ونُصح باختيارها زوجةً له، لكنّه- مع ذلك- وبدون مبرّر يُقدم على الاستخارة، ويُصادف أنّ نتيجة الخيرة

لا تكون جيّدة، فهنا لو أنّه أعرض عن الزواج بهذه الفتاة لأراح نفسه، إلاّ أنّ البعض ولأسباب عديدة يُقدم على الزواج منها مخالفاً الاستخارة، والذي يحصل في مثل هذه الحالة أنّ هاجس مخالفة الخيرة يبقى مصاحباً له، وربّما يتفاقم مع الوقت، بسبب ظروف الحياة ومعاناتها وما قد تستولده من

خلافات بينه وبين زوجته، فيربط كلّ ذلك بمخالفة الخيرة، بدل أن يندفع إلى معالجة هذه الخلافات وإيجاد المخارج لها، كما يحصل في الحالات الطبيعية.

 

نشر على الموقع في 28-10-21015



[1] كما يظهر ذلك من السيد الخونساري صاحب روضات الجنات ج4 ص318، ويظهر من الشهيد الثاني زين الدين الجبعي (ت 1014هـ) أنّه كان يحمل مثل هذا الاعتقاد، ولذا يُعبِّر في بعض المجالات بأنّه صدر الأمر الإلهي بكذا، في إشارة إلى الاستخارة، أنظر: الدر المنثور للشيخ علي بن محمّد بن الحسن بن زين الدين ج2 ص  182.

[2] قال في تاج العروس: "واستخار: طلب الخيرة، وهو استفعال منه، يقال: استخر الله يخرْ لك، والله يخير للعبد إذا استخاره... أنظر: الزبيدي، محمّد مرتضى الحسيني الواسطي, تاج العروس من جواهر القاموس، تحقيق: علي شري، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت- لبنان، 1994م، ج 6 ص 381.

[3]  وكيفيتها طبقاً لما جاء في الخبر، أن يأخذ ستّ رقاع، ويكتب على ثلاث منها: "بسم الله الرحمن الرحيم خيرة من الله العزيز الحكيم لفلان ابن فلانة افعل، وفي الثلاث الأخرى "بسم الله الرحمن الرحيم خيرة من الله العزيز الحكيم لفلان ابن فلانة لا تفعل" ويضعها تحت السجادة التي يصلي عليها، ثم يصلي ركعتين ويسجد سجدة ويقول فيها: أستخير الله برحمته خيرة في عافية... ثم يخرج الرّقاع الواحدة تلو الأخرى فإنّ خرج ثلاث متواليات "لا تفعل" فهي نهي، وإن خرجت ثلاث متواليات "افعل" فهي أمر، وإنّ خرجت واحدة "افعل" والأخرى "لا تفعل" فليخرج ويعمل على أكثرها.. انظر: الكافي ج3 ص473، الحديث 8، والرواية ضعيفة السند.

 

[4] وكيفيتها بعد قراءة السور القرآنية والدعاء أن يقبض على قطعة من السبحة، فإن خرج العدد زوجاً فهي أمر وإنّ خرج فرداً فهو نهي، وقيل بالعكس، طبقاً لما جاء في بعض الروايات، ولكنها رواية ضعيفة بالإرسال، انظر: الوسائل ج5 ص219.

 

[5] وكيفيتها أن يفتح المصحف الكريم ويأخذ بمضمون الآية التي يقع عليها نظره طبقاً لما جاء في رواية اليسع القمي عن الإمام الصادق (ع) وهي رواية ضعيفة السند أيضاً، انظر: وسائل الشيعة، ج4 ص216.

[6] كنز العمال ج7 ص813.

[7] مستدرك الحاكم ج1 ص518.

[8] وسائل الشيعة الباب 5 من أبواب الاستخارة الحديث 3..

[9] صحيح البخاري ج6 ص162.

[10] الكافي ج3 ص472 وهذه الرواية صحيحة السند رواها مرازم عنه (ع).

[11] أنظر على سبيل المثال: جواهر الكلام ج 12 ص 155، والمجموع للنووي ج 4 ص 54.

[12]  الذي يظهر من بعض الفقهاء أنّ الاستخارة بالسُّبحة لم تكن معروفة قبل زمان السيد الآوي الحسني، قال الشهيد الأول في كتاب "الذكرى" حول الاستخارة بالعدد: "ولم تكن هذه مشهورة في العصور الماضية قبل زمان السيد الكبير العابد رضى الدين محمّد بن محمّد الآوي الحسني المجاور بالمشهد المقدس الغروي(رضي الله عنه) أنظر: ذكرى الشيعة ج4 ص269، وأمّا استخارة ذات الرقاع فيبدو أنّها كانت معروفة قبل ذلك، فإنّ نصوصها موجودة في الكافي، وقد أنكرها ابن إدريس الحلي، والذي يظهر من موقف المحقق الأردبيلي الرافض لهذا النوع من الاستخارة أنّها كانت منتشرة في زمانه، ويشير الشيخ محمّد حسن النجفي الشهير بصاحب الجواهر إلى اشتهار الاستخارة في زمانه وما تقدمه، أنظر: جواهر الكلام ج12 ص175.

[13]  أنظر: السرائر ج1 ص313.

[14] أنظر: ذكرى الشيعة للشهيد الأول ج4 ص367 والحدائق الناضرة ج10 ص528.

[15] المقنعة للشيخ المفيد ص220، هذا ولكن السيد ابن طاووس ذكر أنّ لديه نسخة عتيقة من المقنعة كتبت في حياة المفيد وليست فيها هذه الزيادة، أنظر: بحار الأنوار ج88 ص288.

[16] راجع زبدة البيان ص 626.

[17] أنظر: التبيان للشيخ الطوسي ج 3 ص 433، وجامع البيان للطبري ج 6 ص 101، ويرى الفخر الرازي في تفسيره أنّ هذا المعنى في تفسير الاستقسام بالأزلام هو "اختيار الجمهور". أنظر: تفسير الفخر الرازي ج 11 ص 135.

[18] أنظر: تفسير الرازي ج 11 ص 135.

[19] الخصال للصدوق ص452.

[20] أورد أخبارها الحر العاملي في وسائل الشيعة ج8 ص68 وما بعدها، أبواب الاستخارة وما يناسبها، والمجلسي في بحار الأنوار ج88 ص247، والبروجردي في جامع أحاديث الشيعة ج8 ص234.

[21] وقد أشار بعض الأعلام وهو الشيخ آصف محسني إلى ضعف هذه الأخبار، انظر: الأحاديث المعتبرة في جامع أحاديث الشيعة ص164-165، فقد أكد على أنّ أخبار الاستخارة على أنواعها ضعيفة، ولذا فقد ترك هو – كما يقول - منذ زمن الاستخارة بالسبحة..

[22] انظر: القواعد الفقهية للسيد البجنوردي ج1 ص70 والقواعد الفقهية للأيرواني ج2 ص31.

[23]  وسائل الشيعة ج 27 ص260، الباب 13 من أبواب كيفية الحكم، الحديث11.

[24] المصدر السابق الحديث 6.

[25] القواعد الفقهية، مصدر سابق، ج2 ص31. وتجدر الإشارة إلى أنّه على هذا لا خصوصية للسُّبحة، فيمكن الاستخارة بكلِّ طريقة ولو بقبض عددٍ من الحصى أو نحوها، ومن الطريف ما يحكى عن الشيخ جعفر كاشف الغطاء رحمه الله في هذا الصدد، من أنّه "إذا لم يكن عندك مسبحة وتريد الاستخارة فخذْ قدراً من شعر اللحية استخر بها" (قصص العلماء ص334).

[26] وهي رواية مرازم المتقدّمة فضلاً عن الكافي ج3 ص472.

[27] أنظر: صراط النجاة ج1 ص553، ولذا ذهب بعضهم إلى أنّه يؤتى بها رجاءً أن تكون مطلوبة، أنظر: الفقه للمغتربين ص327.

[28] الحدائق الناضرة للشيخ يوسف البحراني ج10 ص531.

[29] كما هو الحال في القرعة بناءً على بعض الآراء، وذلك طبقاً لما دلّت عليه بعض الروايات، كصحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) عن رسول الله (ص): "ليس من قومٍ تقارعوا ثمّ فوضوا أمرهم إلى الله إلاّ خرج سهم المحق"، أنظر: وسائل الشيعة ج 21 ص 172، الباب 57 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث 4.

[30] نهج البلاغة ج4 ص41.

[31] كما يذكر السيد الخوئي (رحمه الله)، انظر: صراط النجاة ج2 ص418.

[32] كما نصّت على ذلك الأحاديث الشريفة، أنظر: الكافي ج 4 ص 5 باب "أن الصدقة تدفع البلاء".

 






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon