حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » أنا طالب علم، لدي خوف من أن أتكلم بغير علم.. ما الحل؟
ج »

وعليكم السلام

لا بد لطالب العلم في مساره العلمي أن يتسلح بأمرين أساسيين:
الأول: الاستنفار العلمي وبذل الجهد الكافي لمعرفة قواعد فهم النص واستكناه معناه ودلالاته بما يعينه على التفقه في الدين وتكوين الرأي على أسس صحيحة.
الثاني: التقوى العلمية ويُراد بها استحضار الله سبحانه وتعالى في النفس حذراً من الوقوع في فخ التقوّل على الله بغير علم. ومن الضروري أن يعيش مع نفسه حالة من المحاسبة الشديدة ومساءلة النفس من أن دافعه إلى تبني هذا الرأي أو ذاك: هل هو الهوى والرغبة الشخصية أم أن الدافع هو الوصول إلى الحقيقة ولو كانت على خلاف الهوى.
أعتقد أن طالب العلم إذا أحكم هذين الامرين فإنه سيكون موفقاً في مسيرته العلمية وفيما يختاره من آراء أو يتبناه من موقف.

 
س » كيف علمنا أن الصحيفة السجادية ناقصة؟ وهل ما وجده العلماء من الأدعية صحيح؟؟
ج »

أقول في الإجابة على سؤالكم:

أولاً: إن الصحيفة السجادية في الأصل تزيد على ما هو واصل إلينا وموجود بين أيدينا، قال المتوكل بن هارون كما جاء في مقدمة الصحيفة: " ثم أملى عليّ أبو عبد الله (ع) الأدعية، وهي خمسة وسبعون باباً، سقط عني منها أحد عشر باباً، وحفظت منها نيفاً وستين باباً"، بيد أن الموجود فعلاً في الصحيفة الواصلة إلينا هو أربعة وخمسون دعاء. آخرها دعاؤه في استكشاف الهموم، وهذا آخر دعاء شرحه السيد علي خان المدني في رياض السالكين، وكذا فعل غيره من الأعلام.

ثانياً: إن سقوط عدد من أدعية الصحيفة وضياعها دفع غير واحد من الأعلام للبحث والتتبع في محاولة لمعرفة ما هو الضائع منها، وبحدود اطلاعي فإنهم عثروا على أدعية كثيرة مروية عن الإمام زين العابدين (ع)، لكنهم لم يصلوا إلى نتائج تفيد أن ما عثروا عليه هو من الأدعية الناقصة منها، ولذا عنونوا مؤلفاتهم بعنوان مستدركات على الصحيفة، ولم يجزموا أن ما جمعوه من أدعية هو الضائع من أدعية الصحيفة. وهذا ما تقتضيه الضوابط العلمية والدينية، فما لم يعثر الإنسان على نسخة قديمة موثوقة أو قرائن مفيدة للوثوق بأن هذا الدعاء أو ذاك هو من جملة أدعية الصحيفة فلا يصح له إضافة بعض الأدعية على الصحيفة بعنوان كونها منها.

ثالثاً: لقد ابتُلينا بظاهرة خطيرة، وهي ظاهرة الإضافة على الصحيفة أو غيرها من كتب الأدعية، وهذا العمل هو خلاف الأمانة والتقوى، وقد ترتّب على ذلك الكثير من المفاسد، وأوجب ذلك وهماً للكثيرين، فتوهموا أن بعض الأدعية هي جزء من الصحيفة السجادية المشهورة، ومردّ ذلك بكل أسف إلى أن مجال الأدعية والزيارات شرعة لكل وارد، وتُرك لأصحاب المطابع والمطامع! وأعتقد أن هذا العبث في كتب الأدعية والزيارات ناشئ عن عدم عناية العلماء بالأمر بهذه الكتب كما ينبغي ويلزم، كما نبه عليه المحدث النوري في كتابه "اللؤلؤ والمرجان" مستغرباً صمت العلماء إزاء التلاعب والعبث بنصوص الأدعية والزيارات مما يعدّ جرأة عظيمة على الله تعالى ورسوله (ص)!

رابعاً: أما ما سألتم عنه حول مدى صحة الأدعية الواردة بعد دعاء استكشاف الهموم، فهذا أمر لا يسعنا إعطاء جواب حاسم وشامل فيه، بل لا بدّ أن يدرس كل دعاء على حدة، ليرى ما إذا كانت قرائن السند والمتن تبعث على الحكم بصحته أم لا. فإن المناجاة الخمس عشرة بنظرنا لم تصح وربما كانت من وضع الصوفية، وقد أوضحنا ذلك بشكل مفصل في كتاب الشيع والغلو.


 
س » ابني المراهق يعاني من التشتت، وأنا جدا قلق ولا اعرف التصرف معه، ما هي نصيحتكم؟
ج »

التشتت في الانتباه في سن المراهقة مع ما يرافقه من الصعوبات هو في حدود معينة أمر طبيعي وظاهرة تصيب الكثير من المراهقين ولا سيما في عصرنا هذا.

وعلينا التعامل مع هذه المرحلة بدقة متناهية من الاستيعاب والتفهم والإرشاد والتوجيه وتفهم سن المراهق، وأن هذه المرحلة تحتاج إلى أسلوب مختلف عما سبقها.

فالمراهق ينمو لديه الإحساس بالذات كثيرا حتى ليخيل إليه أنه لم يعد بحاجة إلى الاحتضان والرعاية من قِبل والديه.

وبالتالي علينا أن نتعامل معه بأسلوب المصادقة "صادقه سبعا.." والتنبه جيدا للمؤثرات التي تسهم في التأثير على شخصيته واستقامته وتدينه، ومن هذه المؤثرات: الأصدقاء ووسائل التواصل الاجتماعي، فإن نصيبها ودورها في التأثير على المراهق هو أشد وأعلى من دورنا.

وفي كل هذه المرحلة علينا أن نتحلى بالصبر والأناة والتحمل، وأن نبتدع أسلوب الحوار والموعظة الحسنة والتدرج في العمل التربوي والرسالي.

نسأل الله أن يوفقكم وأن يقر أعينكم بولدكم وأن يفتح له سبيل الهداية. والله الموفق.


 
س » اعاني من عدم الحضور في الصلاة، فهل أحصل على الثواب؟
ج »
 
لا شك أن العمل إذا كان مستجمعا للشرائط الفقهية، فهو مجزئٌ ومبرئٌ للذمة. أما الثواب فيحتاج إلى خلوص النية لله تعالى بمعنى أن لا يدخل الرياء ونحوه في نية المصلي والعبادة بشكل عام.
ولا ريب أنه كلما كان الإنسان يعيش حالة حضور وتوجه إلى الله كان ثوابه أعلى عند الله، لكن لا نستطيع نفي الثواب عن العمل لمجرد غياب هذا الحضور في بعض الحالات بسبب الظروف الضاغطة على الإنسان نفسيا واجتماعيا.
لكن على الإنسان أن يعالج مشكلة تشتت الذهن أثناء العمل العبادي وذلك من خلال السعي الجاد للتجرد والابتعاد عن كل الهواجس والمشكلات أثناء الإقبال على الصلاة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، باستحضار عظمة الله عز وجل في نفوسنا وأنه لا يليق بنا أن نواجهه بقلب لاهٍ وغافل. والله الموفق.

 
س » أنا إنسان فاشل، ولا أتوفق في شيء، وقد كتب عليّ بالخسارة، فما هو الحل؟
ج »

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أولاً: التوفيق في الحياة هو رهن أخذ الإنسان بالأسباب التي جعلها الله موصلة للنجاح، فعلى الإنسان أن يتحرك في حياته الشخصية والمهنية والاجتماعية وفق منطق الأسباب والسنن. على سبيل المثال: فالإنسان لن يصل إلى مبتغاه وهو جليس بيته وحبيس هواجسه، فإذا أراد الثروة فعليه أن يبحث عن أسباب الثروة وإذا أراد الصحة فعليه أن يأخذ بالنصائح الطبية اللازمة وإذا أراد حياة اجتماعية مستقرة عليه أن يسير وفق القوانين والضوابط الإسلامية في المجال الاجتماعي وهكذا.

ثانياً: لا بد للإنسان أن يعمل على رفع معوقات التوفيق، وأني أعتقد أن واحدة من تلك المعوقات هي سيطرة الشعور المتشائم على الإنسان بحيث يوهم نفسه بأنه إنسان فاشل وأنه لن يوفق وأنه لن تناله البركة الإلهية.

إن هذا الإحساس عندما يسيطر على الإنسان فإنه بالتأكيد يجعله إنسانا فاشلا ومحبطا ولن يوفق في حياته ولذلك نصيحتي لك أن تُبعد مثل هذا الوهم عن ذهنك وانطلق في الحياة فإن سبيل الحياة والتوفيق لا تعد ولا تحصى.


 
س » ما هو هدف طلب العلم الذي يجب أن يكون؟
ج »

عندما ينطلق المسلم في طلبه للعلم من مسؤوليته الشرعية الملقاة على عاتقه ومن موقع أنه خليفة الله على الأرض، فإن ذلك سوف يخلق عنده حافزاً كبيراً للجد في طلب العلم والوصول إلى أعلى المراتب. أما إذا انطلق في تحصيله من موقع المباهاة أو إثبات ذاته في المجتمع أو من موقع من يريد أن يزين اسمه بالشهادة الجامعية ليُقال له "الدكتور" وما إلى ذلك، فإنه - في الغالب - لن يصل إلى النتيجة المرجوة.

وعلى كل إنسان منا أن يعي أنّنا في هذه الحياة مسؤولون في أن نترك أثراً طيباً، وأن نقوم بواجباتنا قبل أن يطوينا الزمان، إننا مسؤولون عن عمرنا فيما أفنيناه وعن شبابنا فيما أبليناه، وسنُسأل يوم القيامة عن كل هذه الطاقات التي منّ اللهُ بها علينا.

وأضف إلى ذلك، إنه من الجدير بالمسلم، أن لا يفكر في نفسه وما يريحه هو فحسب في طلبه للعلم، بل أن يفكر أيضاً في أمته والنهوض بها ليكون مستقبلها زاهراً، وهذا كله يحتم عليه أن يكون سقف طموحاته عالياً ليتمكن هو وأقرانه من الطلاب والعلماء من ردم الفجوة بيننا وبين الغرب الذي سبقنا على أكثر من صعيد.

باختصار: إن مسؤوليتنا ورسالتنا وانتماءنا لهذه الأمة يفرض علينا أن نعيش حالة طوارئ ثقافية وعلمية.


 
س » ما رأيكم في الاختلاط المنتشر في عصرنا، وكيف نحاربه؟
ج »

إنّ الاختلاط قد أصبح سمة هذا العصر في كثير من الميادين، ومنها الجامعات والطرقات والساحات وكافة المرافق العامة.. والاختلاط في حد ذاته ليس محرماً ما لم يفضِ إلى تجاوز الحدود الشرعية في العلاقة بين الرجل والمرأة الأجنبيين؛ كما لو أدى إلى الخلوة المحرمة بالمرأة أو مصافحتها أو كان المجلس مشوباً بأجواء الإثارة الغرائزية أو غير ذلك مما حرمه الله تعالى.

وفي ظل هذا الواقع، فإنّ العمل على تحصين النفس أولى من الهروب أو الانزواء عن الآخرين بطريقة تشعرهم بأن المؤمنين يعيشون العُقد النفسية. إن على الشاب المسلم أن يثق بنفسه وأن يفرض حضوره ووقاره، وأن يبادر إلى إقناع الآخرين بمنطقه وحججه، وأن يبيّن لهم أن الانحراف والتبرج والفجور هو العمل السيّئ الذي ينبغي أن يخجل به الإنسان، وليس الإيمان ومظاهر التدين.

وأننا ندعو شبابنا عامة وطلاب الجامعات خاصة من الذكور والإناث إلى أن يتزينوا بالعفاف، وأن يحصنوا أنفسهم بالتقوى بما يصونهم من الوقوع في الحرام.


 
س » كيف يمكن التخلص من السلوكيات والعادات السيئة؟
ج »

إن التغلب على السلوكيات الخاطئة أو العادات السيئة – بشكل عام – يحتاج بعد التوكل على الله تعالى إلى:

أولاً: إرادة وتصميم، ولا يكفي مجرد الرغبة ولا مجرد النية وانما يحتاج بالإضافة إلى ذلك إلى العزم والمثابرة وحمل النفس على ترك ما اعتادته.

ثانياً: وضع برنامج عملي يمكّن الإنسان من الخروج من هذه العادة السيئة بشكل تدريجي؛ وأرجو التركيز على مسألة "التدرج" في الخروج من هذه العادات السيئة؛ لأن إدمان النفس على الشيء يجعل الخروج منه صعباً ويحتاج إلى قطع مراحل، وأما ما يقدم عليه البعض من السعي للخروج الفوري من هذه العادة، فهو - بحسب التجربة - سيُمنى في كثير من الأحيان بالفشل. والله الموفق


 
 
  حوارات >> دينية
حوار مع جريدة اللواء: بين اليقين بالقدر وخطر التفجيرات



يعيش الناس في لبنان عموماً وفي بيروت خاصة حالة من الرعب تسيطر عليهم كلياً فإذا ما سار الإنسان في أي شارع من الشوارع لا سيما بعد أذان المغرب لن يصادف في سيره إلا الخوف الذي أرخى بظلاله على الشوارع حتى أصبحت فارغة إلا من إضطر للخروج طلباً للعيش أو قضاء لحاجة ماسة.


أما المطاعم والأسواق فهي كل يوم تزيد على خسارتها خسارات كثيرة حتى أصبحت مختلف المدن اللبنانية اشبه «بمدينة أشباح» يخشى الناس السير فيها ليلاً وصباحاً فالتفجيرات التي انتشرت على امتداد الأراضي اللبنانية زرعت القلق في قلوب الناس جميعاً والزمتهم البيوت والمنازل وهنا يبرز

السؤال هل يعد هذا الحذر تناقضاً مع يقيننا بالقضاء والقدر؟


وإذا ما إقتصر الناس على قضاء ا لضروريات من المشاوير فهل هم بذلك يعارضون ايمانهم بأنه {لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا}.


خلال جولتنا على عديد من القراء تنوعت الآراء فيما بينهم ولكنهم اجمعوا كلهم على إن الحذر واجب والاحتياط ضروري خاصة أن التفجيرات باتت عشوائية تستهدف الأطفال والنساء وكبار السن ولا تفرق بين أحد مع تأكيدهم على أن الإيمان بالقضاء والقدر هو الذي دفعهم إلى متابعة أمور حياتهم ولكن مع ا لتزام الحيطة والحذر.


إذن نحن أمام مشكلة لا بد ان نسلط الضوء عليها، فما بين خطر التفجيرات وإنعدام الأمن، وما بين القيام بضروريات الحياة وقع الناس في حيرة من أمرهم ولذا كان التحقيق التالي.
 


غندور


{ بداية قال القاضي الشيخ زكريا غندور حول دور اليقين في حياة الإنسان أنه في ظل هذه الأحداث التي يعيشها بلدنا، ونحن نعيش دائماً ضمن القضاء والقدر، وما نرى من أعمال الارهاب والإجرام والوحشية التي لن نعهدها في عهد سابق لا في الجاهلية ولا في الإسلام وما نرى من قتل الأبرياء

في وطننا العربي الكبير بدءاً من لبنان إلى سوريا إلى العراق إلى مصر وكم سقط من الضحايا نتيجة الفهم الديني الخاطئ وتوجيه الإسلام إلى غير مكانه واستبدال العدو الصهيوني بالخلاف والاقتتال بين المسلمين، وما نرى من وسائل القتل والتفجير والارهاب كل ذلك يصب في خانة خدمة

اليهود وتدمير المسلمين وقتل الأبرياء بدون أي مبرر ولا موجب، ونسأل ما قاله رب العالمين {وإذا الموؤدة سئلت بأي ذنب قتلت} فلا نرى ذنباً لمن مات جوعاً أو حقداً أو تفجيراً أو إرهاباً، لا نرى مبرراً لكل ذلك إلا ضياع وجهة نظر المسلمين والعرب من كل فئاتهم، ونقول إلى متى سنبقى في

خدمة اليهود ودمار ارضنا وقتل ابنائنا واخواتنا واخوتنا دون أي مبرر.

 


وأضاف: أقول للجميع ان يتقوا الله ويعودوا إلى اللقاء للتفاهم على نهج العيش المشترك وضمن حقوق الجميع دون ظلم لفئة على حساب فئة أخرى، فالعدالة في شرعنا هي سبب بقاء الدول والظلم هو سبب زوالها.


ونقول لكل الذين اصيبوا ما عليهم إلا الاحتساب والرضا بقضاء الله وقدره بعد ان نفعل ما يجب علينا من الحذر والإحتياط عملاً بقوله تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} فعلى الإنسان ان يتجنب تلك المجموعات وان نعود جميعاً إلى العقل والدين والأخلاق والقيم لنلتقي على نهج واحد باحترام

مشترك أو متبادل.


مختتماً: نحن نؤمن بالقضاء والقدر ولكننا نتجنب الأخطار ضمن قدراتنا المتاحة.

 


الخشن


{ أما الشيخ حسين الخشن فقال: نحن نعتقد ان الإنسان عليه ان يتحرك ضمن خط التسليم الإلهي لأن كل ما يصيبنا فهو في قدر الله وقضائه إلا ان ذلك لا يلغي اطلاقاً وجوب الحذر والحيطة والابتعاد عن القاء النفس بالتهلكة لأن حفظ النفس بالإسلام واجب ولا يجوز للإنسان بذريعة قل لن يصيبنا

إلا ما كتب الله لنا. ان يجازف ويرمي نفسه في المهالك..


ومن هنا عليه أن يأخذ بكل الأسباب الطبيعية التي تحفظه وتقيه المخاطر بأن يبتعد عن مواقع الخطر والضرر وان يذهب في حال المرض إلى الطبيب إلى غير ذلك من الأسباب الطبيعية... لأن هذا الكون قائم على مبدأ السببية إذ أكد القرآن الكريم على ضرورة ان يتحرك المسلمون وفق منطق

السنن وليس الصدف ولا المجازفات، وعندما سار المسلمون على هدى هذا القانون تقدموا وافلحوا واصبحوا حاجة لكل الأمم وأما عندما ابتعدوا عنه وصاروا يربطون الأشياء بالله بشكل مباشر وبعيداً عن منطق السببية تخلفوا وتراجعوا واصبحوا عالة على هامش الأمة..


وتابع قائلاً: ان الإيمان بقضاء الله وقدره جميل لكن علينا ان يكون ايماننا ايماناً عاقلاً وواعياً وليس ايماناً أعمى يقودنا إلى ايقاع انفسنا وغيرنا في المهالك، ولذلك التيقظ والحذر مطلوبان عقلاً وشرعاً وهذا ينسجم كامل الإنسجام مع الإيمان بالله ولا يتنافى معه ابداً تماماً كما ان اللجوء إلى الطبيب

واخذ الدواء لا يتنافى مع ايماننا بان الشفاء بيد الله، فإن معنى أن يكون الشفاء بيد الله لا يلغي الاعتماد على الأسباب الطبيعية التي جعل الله فيها خاصية الشفاء ومنها الدواء ومنها الرجوع إلى الطبيعة..


واختتم: انصح المسلمين في أمرين أولاً الابتعاد عن العصبيات التي اخذت تغزو شبابنا اللبناني وتدمر إنسانيته والتي أدت إلى تقسم شارعنا الإسلامي تقسيماً مذهبياً حاداً تتحرك منه الغرائز بشكل مخيف وقاتل، من هنا فإن أي انفعال عاطفي عند حدوث أي حدث أمني يدفع الإنسان إلى التصرف مع

شخص آخر من غير مذهبه بردة فعل عصبية وان ذلك يمثل العودة إلى الجاهلية التي محاها الإسلام بل قد قال رسول الله (صلى الله علية وسلم) «من مات وفي قلبه حبة خردل من عصبية حشره الله مع اعراب الجاهلية».


اما وثانياً فعل كل لبناني ان يكون عيناً ساهرة في حماية أمن وطنه وبلده وان يلجأ إلى القوى المعنية عند أحساسه بوجود شخص أو جسم مشبوه وبذلك يمكن ان يحفظ النفوس من الخطر المحدق والقرآن الكريم يقول: «ومن احياها فكأنما احيا الناس جميعاً» فالتصرف بطريقة اللامبالاة لا تمت إلى

المسؤولية والأخلاق والدين بصلة.

 

 

عيسى


{ أما عن تأثير هذا الجو المرعب على نفسية الإنسان تقول د. زينب عيسى مستشارة في علم النفس:


يشهد العالم الراهن ثقافة نفسية - اجتماعية تأخذ بعداً دينامياً سياسياً تتمثل بظاهرة «الارهاب». هذه الظاهرة تشكل «فيروس العنف» الذي بات ينشر وباءه في كل مكان مُحدثاً حالة من تفسخ النسيج النفسي الاجتماعي والسياسي للبلد المستهدف في عملية الإرهاب وصولاً إلى تدمير حياته الاقتصادية

والثقافية. الارهاب هو حالة من التهديد الناشئ عن عنف منظم من قبل أفراد أو جماعات، يُستخدم كوسيلة لهدف سياسي أو ايديولوجي، يُرتكب عن سابق تصور وتصميم، يُقصد به عادة التأثير على جهمور ما، من خلال اشاعة الخوف بإلحاق اضرار بالغة على المستويين المادي والمعنوي.


فمن ناحية يأخذ الإرهاب على المستوى النفسي لدى من يفتعل وينفذ الإرهاب ظاهرة من ظواهر العصبية التي تتشكل بنيتها دائماً من العنف القابل إلى إحداث صراعات وتصفيات دامية. هذا العنف يتوالد من حالة تشبه الانشطار الذري الذي يصيب كل شيء. ان الارهابي الذي يقدم على عملية

التفجير، أو الانتحاري الذي يفجر نفسه، هذا الفعل يحدث بعدما تكون قد تمثلت لديه كل المشاعر الإيجابية والمطلقة تجاه العصبية التي ينتمي إليها إلى حد النرجسية. في المقابل تتشكل لديه كل المشاعر السلبية تجاه الآخر، مما لا يترك مجالاً للاعتراف به، وبإنسانيته وقيمته. المعادلة لدى الارهابي

تقوم على أن الآخر الخارج عن عصبة الارهابي هو الشر، هو السوء، فالتضحية به والقضاء عليه هو القضاء على الشر والسوء، من هنا تتضح أفعال القتل وهدر الدم والتصفية بدون اية مشاعر بالإثم والذنب.


ومن ناحية ثانية يأخذ الارهاب على المستوى النفسي - الإجتماعي لدى من يقع عليه الارهاب شكلاً من أشكال الهدر الكياني، أو العصاب الكياني، ذلك هو التوصيف الفعلي لما يحمله الارهاب من خلال القتل والعنف اللامتناهي والمتعدد الأوجه. ان آثار الارهاب تتركز حول انعدام مشاعر الأمن

والاستقرار والإطمئنان التي تشكل الصحة النفسية والقاعدة التي تُبنى عليها عمارة المشروع الوجودي الإنساني. كما انها تتركز حول طغيان مشاعر التوتر والقلق واليأس والتشاؤم وما تفرزه من تعطيل الطاقات والقعود عن تدبر سبل السعي، وبالتالي الوقوع في الجمود الذي يمنع انطلاق طاقات

الحياة، ان الارهاب يعزز ثقافة الخوف والشعور بالتهديد الدائم وما يطرحه من القلق من المستقبل المجهول الذي يحمل معه الموت، وعلى المستوى الجسدي يحمل معه التعرض للإصابة واحتمال اعاقة مستدامة. ان ما تشهده الساحة في الوقت الراهن من عمليات تفجير تؤدي إلى نتيجتين: أما

الموت السريع والتحول إلى أشلاء ممزقة، واما إلى اعاقة (حروق، بتر أطراف، اصابات جسدية متنوعة). وفي الحالتين النتيجة واحدة هي محاولة استنزاف نفسي للجهة المستهدفة.


وقالت: ان الارهاب أو «سياسة نشر الرعب» بهدف انشاء بيئة جديدة تبعاً لمفهوم الجهة الإرهابية لم تؤدِ إلاّ إلى احداث صدمات نفسية وهلعية لدى الفئات العمرية كافة، خاصة الأطفال والنساء التي اصبحت ثقافة العنف تشوش بناءهم النفسي والانكفاء على الذات في محاولة اجترار الخوف والقلق

والتوتر، وصولاً إلى الوقوع في مهاوي الإحباط والاضطرابات النفسية على اختلاف درجات شديدة الإرهاب هو بصدد اخراج الإنسان من الاستقرار والثبات وقمقمته في دائرة الخوف والرعب. هو محاولة هدر الكيان الإنساني من خلال تحويله إلى أشلاء. يمكن الحديث عن «الكيان المنطقي»

تجاه قلق الحاضر والمستقبل. يعيش الفرد حالة من الإنتهاك النفسي، المعنوي والخوف الدائم من الوقوع في فخ العنكبوت.


ان الواقع الراهن يستدعي عملية وعي ويقظة وبصيرة القادرة على مواجهة ثقافة العنف، خاصة الشباب الذين يشكلون للمنظمات الإرهابية الوقود الأساسي للعنف والإرهاب من خلال التركيز على حماسهم ونضالهم. وللأسف يصل الأمر إلى حالة استنزاف مفتوح ينزلق إلى تدمير ذاتي وغيري في

آن معاً.


أجرت الحوار  منى توتنجي - جريدة اللواء في الثلاثاء,11 شباط 2014 الموافق 11 ربيع االآخر 1435 ه

تم تشر الحوار على الموقع في 28-10-2015

 






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon