حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » هل ممكن إثبات وحيانية القرآن وعدم تحريفه من خلال مضمونه؟
ج »

إن الوحي الإلهي في عملية وصوله إلى البشر يحتاج إلى مرحلتين أساسيتين ليصلح كمصدر معصوم وعلى البشر الانقياد له، وهما:

المرحلة الأولى: مرحلة التلقي عن الله تعالى، بمعنى أنه حقاً وحي نزل من قِبل الله تعالى على رسول الله (ص).

المرحلة الثانية: مرحلة الصدور عن النبي (ص) والوصول إلينا سالماً من التحريف.

 

أما بالنسبة إلى المرحلة الثانية، أعني إثبات صحة صدوره عن رسول الله (ص) وعدم تعرضه للتحريف من بعده. فتوجد عشرات الدراسات والكتب والمصادر التي تؤكد على عدم تعرض القرآن الكريم للتحريف، وقد بحثنا هذا الأمر بشكل مفصل وأقمنا أدلة كثيرة على أنّ هذا القرآن هو عين القرآن الذي جمعه النبي (ص) ودونه وانتشر بعد ذلك بين المسلمين جيلاً بعد جيل، راجع كتابنا "حاكمية القرآن الكريم": الرابط  https://al-khechin.com/article/632

 

أما بالنسبة للمرحلة الأولى، أعني إثبات وحيانية الكتاب وأنه ليس مختلقاً من النبي (ص) أو من وحي الخيال، فهو أمر نستطيع التوثق منه بملاحظة العديد من العناصر التي - إذا ضمت إلى بعضها البعض - تورث الإنسان اليقين بأن هذا الكتاب لا يمكن إلا أن يكون وحياً من الله تعالى، وهذه العناصر كثيرة وأهمها:

 

أولاً: ملاحظة المنظومة المعرفية المتكاملة والرؤية الكونية والوجودية المتماسكة التي جاء بها القرآن، ففي عصر عرف بالجاهلية والخواء الفكري، يأتي محمد (ص) بكتاب يمثل منعطفاً تاريخياً بما يتضمنه من تأسيس معرفي لرؤية فكرية جديدة، إن فيما يتصل بالخالق وصفاته وعلاقة المخلوق به، أو رحلة المبدأ والمعاد، أو يتصل بالكون ودور الإنسان فيه، أو ما ما تضمنه من نظام اجتماعي وأخلاقي وروحي، وعلى القارئ الموضوعي للقرآن أن ينظر إليه نظرة واسعة وشمولية ولا يغرق في بعض الجزئيات المتصلة ببعض الآيات المتشابهة التي أشكل عليه فهمها بما يحجب عنه ما رسالة القرآن الحقيقية. وأنصحك بقراءة كتاب "وعود الإسلام" للمفكر والفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي في هذا الشأن، وكتاب "الإسلام كبديل" للمفكر الألماني مراد هوفمان.

 

ثانياً: نظم القرآن، فإنّ كل منصف أمعن ويمعن النظر والتأمل والتدبر في آيات القرآن، لا مفر له من الاذعان أنّه أمام نصٍّ عظيم ومتميّز في تماسكه وتناسق موضوعاته وعلو مضامينه، وعمق معانيه، والقوة في حججه وبراهينه، والبلاغة العالية في أسلوبه المتميز عن النثر والشعر، وفي ألفاظه وجمله وتراكيبه مما يأخذ بالألباب والعقول. وسوف لن يتوانى عن الإقرار بأنّ هذا الكتاب هو - كما وصف نفسه - قول فصل: {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ} [الطارق 13- 14] خالٍ من التناقض والاختلاف، {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء 82] وأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

 

باختصار: إنّ في آيات القرآن الكريم كيمياءً خاصة وروحاً عجيبة وعذوبة فائقة الجمال وقوة بيانية ومضمونية لا تضاهى، ولا شك أنّ من وطّن النفس على اتباع الحق وأصغى إلى آيات الكتاب بمدارك العقل ومسامع القلب سوف يرى فيها جاذبية ونورانيّة مميزة وروحانية عالية، كما أنّ فيها نُظماً راقية ومتقدمة لا يمكن أن تبلغ قوّتها وعمق مضامينها وتدفق معانيها أي نصوص أخرى. وهذا في الوقت الذي يدل على إعجاز القرآن فهو يدل أيضاً على عدم تعرضه للتحريف.

وإنّ الجاذبيّة المذكورة لآيات القرآن الكريم هي مما اعترف بها البلاغاء العرب وكثير من الحكماء من المسلمين وغيرهم، ولم يجرؤ فطاحلة الشعراء والأدباء من العرب أن يعارضوه بطريقة جديّة ذات قيمة رغم تحديه لهم ودعوتهم إلى معارضته، قال سبحانه: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء 88] وما هذا إلا دليل على قوة القرآن وعدم وجود أية ثغرة فيه أو زيادة أو نقيصة.

 

ثالثاً: ملاحظة صفات الشخصية (ص) التي جاءت بهذا الكتاب، فهو شخص أمّي لم يدرس عند أحد ومع ذلك أتى بهذا القرآن بكل ما يتضمنه من تناسق مبدع ومضمون روحي ومعرفي غير مسبوق، وكذلك ملاحظة سيرته وأقواله وسلوكه الشخصي وخصائصه الذاتية التي تؤكد على تمتعه بأعلى درجات النزاهة والصدقية والطهارة، ومعلوم أنّ حياة الإنسان هي أهم مختبر لصدقية طروحاته ومقولاته، ويلي ذلك دراسة مشروعه الثقافي والحضاري وما تتضمنه رسالته من معارف ومفاهيم لم يعرف الإنسان عنها إلا القليل، ويلي ذلك ملاحظة إنجازاته وحجم التأثير والتغيير الذي أحدثه في المجتمع، والمقارنة بين ما جاء به وبين الموروث الثقافي في السائد في مجتمعه أو الذي جاءت به الكتب الأخرى، فإنّ البشر مهما كان عبقرياً لا يتسنى له أن يخرج عن الموروث الثقافي الذي يحكم بيئته الاجتماعية، فعندما ترى شخصا قد أوجد انقلاباً حضارياً معتمداً على منظومة فكرية وثقافية لا تمت بصلة إلى المستوى الثقافي لمجتمعه، فهذه القرائن وسواها قد تورث اليقين بصدقيته، أأسميتها معجزة أم لم تسمها.

 

رابعاً: أما بعض التفاصيل مثل قضية طول عمر الإنسان، أو قضية يأجوج ومأجوج، أو غيرها، فهي قضايا تسهل الإجابة عليها، ولا أعتقد أنها تشكل معضلة كبيرة، إذا أخذنا بعين الاعتبار أمرين:

 الأول: أن التجارب العلمية لا تزال تفاجئنا كل يوم بجديد وأنّ ما قد نخاله اليوم غير معقول قد يصدقه العلم بعد غد. 

 الثاني: إنّ فهم الكتاب وآياته، ليس محكوماً بالقراءة العرفية اللغوية، وأنّ ثمة مجالاً للقراءة الرمزية – على الأقل – بالنسبة لصنف من الآيات القرآنية.


 
س » هل صحيح إن الإسلام الحنيف لم يسمح لغير الفقهاء بالإفتاء الشرعي ، ولكن الكلام في العقيدة والمسائل الثقافية هو حقٌَ للجميع ، ولكن لابد أن يكون الكلام عن علم ومعرفة ؟
ج »
إن الافتاء بغير علم أمر مبغوض عقلا وشرعا، قال تعالى: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (الإسراء ٣٦) 

 

ولا يفرق الحال في مبغوضية وكراهية الكلام بغير علم بين الفقه والعقيدة والتاريخ وغيرها من العلوم. ولا يجوز للإنسان، في كل ما لا يملك معرفته، أن يتحدث بضرس قاطع فيه. وبالتالي فإن على الجاهل أن يتعلم ويرجع إلى العالم. والرجوع إلى العالم، هو أيضا أمر عقلاني جرت عليه سيرة العقلاء، وقد أرشد إليه الشارع في قوله تعالى:  ۚ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (النحل ٤٣)
 
أجل، إذا كان ثمة فارق بين الحقل الفقهي والحقل العقدي، فليس لانه يحرم في الفقه الإفتاء لغير الفقهاء بينما في العقيدة يجوز ذلك لغير الفقهاء؛ كلا، إن كان ثمة من فارق، فهو أن على الإنسان في المجال العقدي أن يكون مجتهدا في أمهات قضايا العقيدة ولا يجوز له التقليد خلافا للمجال الفقهي حيث يجوز له التقليد، إلى غيرها من فوارق.. والله الموفق

 
 
  مقالات >> فكر ديني
التوحيد في الحب
الشيخ حسين الخشن



وإذا كان الله تعالى هو مصدر الجمال والجلال والكمال وهو المعطي بلا منّ والمنعم بلا حدّ، فمن البديهي أن تعشق جمالَه القلوبُ الوالهة وأن تنجذب إلى جلالِه النفوسُ السويّة وأن ترنو إلى كماله الأرواح الطاهرة وأن يدخل حبّه إليها دون استئذان.

 

 ويمكننا القول: إنّ الإنسان العارف بالله تعالى من خلال مظاهر قدرته ومواقع عظمته وتجليّات حكمته ودلائل لطفه وكرمه لا يستطيع إلاّ أن يحبّه، ولا بدّ أن تثمر معرفته هذه حبّاً وعشقاً لله سبحانه وتعالى، على أنّ قانون {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [الرحمان 60] يفرض على ذوي العقول

السليمة أن يبادلوا ربّهم الحبّ بالحبّ، وهذا أضعف الإيمان، فالحبّ هو أدنى مراتب شكر المنعم الخلاق.

 

 ومن الناحية الاعتقادية فلا يتمّ ولا يكمل إيمان العبد إلاّ بأن يكون حبّه لله تعالى متقدّماً على حبّ من عداه، ففي الحديث عن أبي عبد الله الصادق (ع): "لا يَمْحَضُ رجل الإيمان بالله حتى يكونَ الله أحبّ إليه من نفسه وأبيه وأمه وأهله وماله ومن الناس كلِّهم"[1]، وهذا معناه أنّ علينا أن

نوحّد الله في الحبّ وحركة المشاعر، فإنّ التوحيد لا يقتصر على أن نوحّد الله في الخالقية والربوبية والعبودية والطاعة، بل وأن نوحّده في الحبّ أيضاً، قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ..} [البقرة: 165].

 

 وينبغي أن يُعلم أنّ حبّنا لله تعالى لا يتنافى مع حبنا لأولادنا وآبائنا وأمهاتنا وأزواجنا وأهلينا وأموالنا ومساكننا .. فحبنا لكلِّ مَا عدا الله ومن عداه هو حبّ مشروع ولا غبار عليه، لأنّ الله تعالى فطرنا على ذلك وأمرنا به، لكنّ مشروعيّة هذا الحبّ مشروطة بأن لا يتقدّم حبّ أحد على حبّ الله

عندما يتزاحم الحُبّان ويتنافيان، حتّى لو كان هذا الشخص من آبائنا أو أمهاتنا أو أولادنا قال تعالى: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حتّى يَأْتِيَ اللّهُ

بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة:24].

 

 إنّ المشكلة هي عندما يتحوّلُ حبُّك لابنك أو لزوجك، أو لبيتك أو لسيارتك، أو لموقعك في السلطة.. إلى معبودٍ من دون الله، فينسيك الله، وتتجاوز لأجله تعاليمَ الله، فتعتدي وتظلم أو تحابي وتسرق أو تغشّ وتكذب فهنا تقع في فخ الشرك في الحبّ وتنحرف عن خط التوحيد العام.

 

وفي ضوء ذلك يتّضح لنا معنى التوحيد في الحبِّ ومغزاه، فإننا عندما نوحِّد اللهَ في الحبّ - كما نوحّده في الألوهية أو الخالقية أو الربوبية أو العبودية - فلا يُراد بذلك أن لا نحبَّ أحداً غيره، بل المقصود أن لا يتقدّم حبّ أحدٍ من الناس أو غير الناس على حبّه تعالى ، المطلوب منا أن نحبَّ في الله،

ونبغضَ في الله، لتبقى قلوبنا نابضةً بحبِّ الله تعالى، يقول الإمام الصادق (ع) فيما روي عنه: "القلب حَرَمُ الله فلا تُسْكِنْ في حَرَمِ الله غيرَ الله"[2].

 

وفي الدعاء المروي عن الإمام علي (ع) والمعروف بدعاء "كُميل" نجده يطلب إلى الله تعالى أن يجعل قلبه متيّماً بحبّه عزّ وجلّ، إذ يقول: "واجعل لساني بذكرك لهجاً وقلبي بحبّك متيّماً".

 

والقلب المتيّم بحبّ الله لن يبتعد عنه تعالى طرفة عين أبداً، كما جاء في الدعاء المنسوب إلى الإمام زين العابدين (ع): "إلهي مَنْ ذا الذي ذاقَ حلاوة حبّك فَرَامَ مِنْكَ بَدَلاً، ومَنْ ذا الذي أنِسَ بِقُرْبِكَ فابتغى عَنْكَ حِوَلاً"[3].

 

 

الحبّ في الله ضابط إيقاع

 

وعندما يكون الله تعالى هو محور الحبّ ويكون حبّنا لمن سواه دائراً في فَلَك حبّنا له عزَّ وجلَّ، فإنّ ذلك لن يجنّبنا الوقوع في الشِرْك في الحبّ فحسب، بل وسوف يجنبنا الغلو في حبّ من عداه.

 

والحقيقة أن ّالغلو في الحبّ والذي قد يصل إلى حدّ رفع مَنْ عداه تعالى مِنَ الأنبياء(ع) أو الأولياء أو غيرهم عن مستوى البشريّة وإعطائهم صفات الربوبية هو في الواقع إشراك قد يتجاوز حدّ الشرك في الحبّ ليصل إلى حدّ الشرك في الخالقية أو الربوبية أو العبودية، ومن هنا فإنّ سعينا

وحرصنا على أن يبقى حبّنا لمن عداه تعالى دائراً في فلك حبّه تعالى الذي سوف يُحَصِّننا من الوقوع في الغلوّ في الحبّ ويشكّل صمّام أمان لنا عن الوقوع في الشرك، وهذا ما يجعلنا نعي مغزى التأكيد الذي جاء في روايات أهل البيت (ع) على أن يكون حبّنا لهم في خطّ حبّنا لله تعالى وفي خطّ

حبّنا لرسوله (ص)، ففي الحديث عن الإمام عليِّ بن الحسين (ع): "أحبّونا حبَّ الإسلام" ويضيف: "سمعت أبي يقول: قال رسول الله (ص): يا أيّها الناس لا ترفعوني فوق قدري فإنّ الله اتخذني عبداً قبل أن يتخذني نبيّاً"[4].

 

إنّ هذا الحديث واضح الدلالة على ضرورة اتخاذ الإسلام مقياساً وميزاناً لمحبتهم (ع)، فلا يدفعنا حبّهم إلى تجاوز الإسلام عقيدة أو شريعة، وهذا هو الذي يَحُول دون الوقوع في فخّ الغلوّ.

 

 ونظيره حديث آخرُ مرويّ عنه (ع) قال :" أحبونا حبّ الاسلام، فما زال حبّكم لنا حتى صار شيناً علينا "[5]

 

 

هل نخاف الله أم نحبّه؟

 

وفي ضوء ما تقدّم، فإنّنا نعتقد أنّ أكمل وأفضل أنواع العلاقة مع الله تعالى هي تلك التي يحكمها مبدأ الحبّ لا مبدأ الخوف، لأنّه سبحانه ليس مصدراً للخوف والرعب لنخافه كما نخاف السلاطين الظَّلَمة - مثلاً-!!

 

   صحيح أنّ الكثير من النصوص الدينيّة من الآيات والروايات تحدّثنا عن "مخافة الله" باعتبارها صفة كمال في الإنسان، كما في قوله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران:175]، إلى غير ذلك من النصوص التي تمتدح الذين يخافون الله

سبحانه وتعالى، إلاّ أنَّ "خوف الله" هنا لا يراد به الخوف الذي ينطلق من كونه تعالى - في ذاته أو صفاته - مصدراً للخوف، وكيف يكون جلّ وعلا مخيفاً، وهو العدل المطلق، والجمال الكليّ، وهو الرَّحمة الشاملة التي لا توصف ولا تُحَدّ، والتي وَسِعَت كلّ شيء؟! وكيف يكون مخيفاً وهو الذي

كتب على نفسه الرَّحمة؟!

 

   قد تسأل: إذاً لماذا علينا أن نخاف الله تعالى؟ وكيف نفهم مخافته، طبقاً لما جاء في العديد من الآيات والروايات؟

 

  والجواب: إنّنا نخافه خوف المذنب الذي يؤلمه التقريع والحساب، خوف العبد الآبق والهارب عندما يتمّ إحضاره إلى سيّده، وفي العمق فإنّنا نخاف من عاقبة ذنوبنا، ومن جُرأتنا وتمرّدنا عليه، وهذا ما أوضحه قوله تعالى: {وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ} [الرعد:21]، ولا نخافه لكونه مصدر الخوف أو

القلق، أو لأنّه يبطش ويظلم, تعالى اللهُ عن ذلك علّواً كبيراً، وقد ورد في بعض الأدعية: "جللت أن يخاف منك إلا العدل، وأن يرجى منك إلاّ الاحسان والفضل، فامننْ عليّ بما أوجبه فضلُك، ولا تخذلني بما يحكمُ به عدلُك"[6].

 

   إنّ معنى أن نخاف الله تعالى، هو أن نستحضره في كلّ أعمالنا وخطواتنا وأفكارنا ومشاعرنا وفي كلّ ما نَهُمُّ بارتكابه وفعله أو باجتنابه وتركه، أن نخافه يعني أن لا نعيش الغفلة عنه طرفة عين أبداً. إنّ معنى عبارة: "خفِ الله"، أو "اتقِ الله" أو "اخشَ الله" أنّ عليك الابتعاد عن الجرأة والتمرّد

عليه، لأنّ الجرأة عليه ستوقعك في الشقاء، لا لأنّ جرأتك عليه تضرّه أو تنقص في ملكه، فهو عزّ وجلّ "لا تضرّه معصية مَنْ عَصاه ولا تنفعه طاعة من أطاعه"[7]، ومن خلال هذا البيان يتضح أنّ الدعوة إلى مخافة الله تعالى هي في عمقها دعوة إلى ما فيه خير الإنسان ومصلحته في الدنيا

والآخرة، بل هي دعوة إلى محبّة الله تعالى والسير في خطّ رضوانه وطاعته، لأنّ العاصي المذنب المتمرّد على سيّده هو كاذب في ادعاء الحبّ، فالحبّ الصادق من المفترض أن يدفع إلى الطاعة، لأنّ الحبيب لا يُقدم على أيِّ عمل يُغضب حبيبه.

 

 إنّ الأجدى والأليق بنا أن نخاف الله خوف المحبّين، لا أن نُحبّه حبّ الخائفين، لأن َّالخوف لا يصنع حبّاً، بينما الحبّ يجعل العبد المحبَّ خائفاً وجلاً من التقصير في خدمة الحبيب.

 

 

عبادة الأحرار المحبّين

 

ومن هنا فإنّ علينا وفي سبيل الارتقاء بالعلاقة مع الله من مرحلة الخوف إلى مرحلة الحبّ أن نسعى لتدريب أنفسنا وقلوبنا وعقولنا على حبّ الله، وأن نلتزم خطّ طاعته ونبتعد عن مواقع معصيته، حتى يكون رضاه هو أسمى غاياتنا، والقرب منه هو غاية مُنَاَنا، وبذلك نسمو في علاقتنا العبادية مع

الله عزّ وجلّ ونرتفع عن مستوى عبادة العبيد الخائفين أو عبادة التجار الطامعين، إلى المستوى الأرفع وهو عبادة الأحرار المحبين، ليكون الحبّ والعشق هو عصب العبادة ونبضها وروحها، وفي الحديث عن الإمام الصادق (ع) قال: "إنّ العباد ثلاثة: قوم عبدوا الله عزّ وجلّ خوفاً فتلك عبادة

العبيد، وقوم عبدوا الله تبارك وتعالى طلب الثواب فتلك عبادة الأُجَراء، وقوم عبدوا الله عزّ وجلّ حبّاً له فتلك عبادة الأحرار وهي أفضل العبادة"[8].

 

 وهذا المضمون مرويّ عن أمير المؤمنين (ع) وسيّد العباد والزاهدين حيث قال: - فيما روي عنه -: "إنّ قوماً عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار، وإنّ قوماً عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، وإنّ قوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الأحرار"[9].

 

إنّ المحبّ الحقيقي لله تعالى لا يتطلع كثيراً إلى ملذّات الجنّة ومشتهياتها ولا يشغله كثيراً حديث الحُور والقصور والخمور وما إلى ذلك من أنهار الجنّة وأشجارها وغيرها من المتع الحسيّة، وإنّما يتطلّع إلى ما هو أسمى وأرفع من ذلك، يتطلّع إلى حبّ الله تعالى ورضوانه ويرغب في الوصول

إلى معدن العظمة، فذاك غاية همّه ومنتهى مُنَاه.

 

رضاكَ رضاكَ لا جنّات عَدْنٍ            وهل عَدْنٌ تطيبُ بلا رضاكا[10]

 

فالجنّة ونعيمها وكلّ ما فيها من ملذّات حسيّة لا قيمة لها في عين الحبيب العاشق لله تعالى إلاّ باعتبارها فرصة للقاء المحبوب، وقد عبّرت الأبيات الشعرية التالية عن هذا المعنى:

 

يا حبيب القلوب مَنْ لي سِواكا   اِرحْمِ اليومَ زائراً قد أتاكا

أنت سُؤْلِي وبُغيتي وسروري     قد أبى القلبُ أن يحبَّ سِواكا

يا مُنايا وسيّدي واعتمادي       طال شوقي متى يكونُ لقاكا

ليس سُؤْلي مِنَ الجنان نعيماً   غير أنّي أريدها لأراكا[11]

 

وكما لا يتطلّع المحبّ الحقيقي لله إلى الجنة وملذاتها، فإنّه لا يهتمّ لدخول النار وعذاباتها ولا يشغلُ بالَه عظيمُ حرّها ولهيبها، ولا يزعجه أو يكدّر خاطره أن تزجره زبانيتها بقدر ما يؤلمه ويشغل باله ويكدّر عيشه فراق الحبيب، "فهبني يا إلهي وسيّدي ومولاي وربّي صبرت على عذابك فكيف

أصبر على فراقك، وهبني صبرت على حرّ نارك فكيف أصبر عن النظر إلى كرامتك"[12].

 

 إنّه يبكي لفراق الحبيب أكثر مما يبكي لدخول النار، "ولأبكينّ عليك بكاء الفاقدين"[13].

باختصار: إنّ نار المحبّ الحقيقيّة تتمثّل في غمّ الفراق وهجران الحبيب له، "إلهي نفس أعززتها بتوحيدك كيف تذلّها بمهانة هجرانك؟ وضمير انعقد على مودَّتك كيف تحرقه بحرارة نيرانك؟!"[14].

 

وما أجمل قول أبي فراس في التعبير عن هذا المعنى بِبُعديه، عنيت بهما: عدم انشغال العاشق الحقيقي بالثواب، وعدم مبالاته بالعقاب، يقول:

كذاكَ الوِدادُ المَحْضُ لا يُرْتَجَى لَهُ    ثوابٌ ولا يُخْشَى عَلَيهِ عِقَابُ[15]

 

وربّما يصل المحبّ لله تعالى في ذروة مسيرته الروحيّة إلى مرحلة يرى معها أنّ الإنشغال بغير ذكر الله تعالى هو مدعاة للاستغفار، ففي المناجاة المنسوبة للإمام زين العابدين (ع):" وأستغفرك من كلّ لذّة بغير ذكرك ، ومن كلّ راحة بغير أُنسك، ومن كلّ سرور بغير قربك، ومن كلّ شغل بغير طاعتك"[16].

 

 

هل هي نزعة صوفيّة؟

 

قد يعترض عليّ البعض قائلاً: إنّ في كلامك الآنف نزعة صوفيّة مبالغ بها وليست مطلوبة، بل إنّها في بعض مستوياتها لا تنسجم مع طبيعة الإنسان التي تستدعي توازناً بين متطلبات الجسد ومتطلبات الرّوح، أو متطلبات الدنيا ومتطلبات الآخرة، وهو الأمر الذي كفلته الشريعة الإسلامية بسماحتها

المعهودة.

 

  وأقول في الجواب: صحيح أنّ النظرة الإسلاميّة إلى الدنيا ومتطلباتها هي نظرة متوازنة وبعيدة كلّ البعد عن الإفراط والتفريط، لكن مع ذلك فإنّه لا دليل على منع الإنسان من سلوك هذا الطريق الروحيّ إلى أقصى مدى يمكن بلوغه، وليس ثمّة ما يدعو إلى الحدّ من طموح الإنسان على هذا

الصعيد، فلدينا متّسع كبير في سلوك هذا الطريق ما دام العبد لم يَخِلّ بواجباته وينعزل عن الحياة الاجتماعية، ولم يخرج عن الخطّ العام الذي رسمته الشريعة الإسلامية، ولم يقع في منزلقات أو متاهات أو شطحات التصوّف، بل إنّ هذا السلوك أو الطموح الروحي الهادف إذا كان يرمي إلى

وصول الإنسان إلى مرحلة اليقين فهو ليس مطلباً ومشروعاً فحسب، بل هو غاية المنى لكلّ مؤمن، وقد منّ  الله تعالى على الكثير من أوليائه فوصلوا إلى مراحل متقدمة جداً روحيّاً في درجات القرب المعنوي، وعلى رأسهم نبيّنا محمّد (ص)، الذي وصل إلى درجة روحيّة عالية لا يساميه فيها

أحد، وهكذا إمامنا عليّ (ع) الذي وصل إلى مرتبة اليقين كما عبّرت عن ذلك الكلمة المشهورة المرويّة عنه: "لو كُشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً"[17].

 

 وتمكين الله تعالى عباده من الوصول إلى تلك الرتبة العالية، والتي يكون لسان حال العبد فيها أو لسان مقاله: "وأستغفرك من كلّ لذّة بغير ذكرك" فيه حكمة بالغة، لأنّ ذلك يعني أنّ درجات القرب المعنويّ من الله مفتوحةٌ أمام العباد وأنّ بإمكانهم الترقّي في هذا المجال إلى أعلى الدرجات، كما أنّ

ذلك سوف يقطع حُجّة المقصّرين وعذر المتلكئين ومدّعي العجز عن إصلاح أنفسهم.

 

ولنا في هذا المجال أسوةٌ حسنة بموسى الكليم(ع) والذي لم يمنعه اختياره من قبل الله لمقام النبّوة ممّا عبّر عنه قوله تعالى: {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} [طه 13] لم يمنعه ذلك عندما رأى في نفسه حاجة إلى مزيد من المعرفة المعنويّة أو السلوك الروحي أن ينطلق في رحلة تعليميّة يتّلمذ فيها

على يدَيْ "عبد صالح" وصفه الله تعالى بأنّه {علمناه من لدنّا علماً}[ الكهف 65]، فتقدّم موسى(ع) إليه بكلّ تواضع طالباً منه أن يسمح له باتباعه {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف 66].

 

وربّما يقال: إنّ فقرة المناجاة المذكورة وتحديداً فقرة: "وأستغفرك من كلّ لذّة بغير ذكرك"، تتضمّن معنىً مقبولاً ومنسجماً مع الخطوط الشرعيّة العامة، ولا داعي لافتراض أنّها تعبّر عن حالة صوفية خاصة ، ويتضح ذلك على ضوء فهمنا لمفهوم الذكر الوارد فيها، فذكر الله لا ينحصر بخصوص

الأوراد التي يرتّلها الذاكرون، بل إنّه أوسع من ذلك بكثير، فإنّ معنى أن تكون ذاكراً لله تعالى أن لا تغفل عنه طرفة عين أبداً، وأن يكون تعالى حاضراً في كلّ تصرفاتك وأنشطتك ومواقفك في المجالات كافّة، وعليه فكلّ نشاط إنساني أّردْتَ به وجه الله تعالى هو نوع ذكر لله سبحانه، ومن هنا ورد

في الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "من أطاع الله عزّ وجلّ فقد ذكر الله وإن قلّت صلاته وصيامه وتلاوته للقرآن"[18].

 

بل إنّ التفكّر في آيات الله وفي دلائل عظمته ومظاهر حكمته هو في منطق الإسلام عبادة تفوق الكثير من العبادات ثواباً وأهمية، هكذا يتحوّل التفكير إلى عبادة، وما أجلّها من عبادة! في الحديث سمعت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) يقول: "ليس العبادة كثرة الصلاة والصوم، إنّما العبادة التفكّر

في أمر الله عزّ وجلّ" [19].

 

وفي حديث آخرّ قال : قلت لأبي عبد الله الصادق (عليه السلام): تفكّر ساعة خير من قيام ليلة؟ - قال: نعم، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): تفكّر ساعة خير من قيام ليلة، قلت: كيف يتفكّر؟

 

 قال: يمرّ بالدار والخربة، فيقول: أين بانوك؟ أين ساكنوك؟ ما لك لا تتكلّمين!"[20].

 

 

   الزيارات: حبّ لله وحبّ للناس

 

وكما أنّ ساعات الدعاء والمناجاة ولحظات العبادة والتفكّر هي فرصة ثمينة للقاء الله يتوجّه إليه فيها العباد بقلوب يغمرها الإحساس بالحبّ والرّجاء، فإنّ زيارة أولياء الله تعالى بما تحمله من دلالات وترمز إليه من مَعَانٍ وتمثّله من حالة تواصل مع روح المزور فإنّها تنمي فينا الشعور بمحبّة الله

تعالى ومحبّة أوليائه، وبذلك يتعمّق حضورهم في حياتنا أكثر فأكثر، وإنّنا لنتلمس هذه الأجواء المفعمة بالحبّ في زيارة "أمين الله" التي روي أنّ عليَّ بن الحسين (ع) زار بها جدّه أمير المؤمنين (ع) وهي من أكثر الزيارات اعتباراً: قال (ع): "اللهم! فاجعل نفسي مطمئنّة بقدرك راضية بقضائك

مولعة بذكرك ودعائك محبّة لصفوة أوليائك محبوبة في أرضك وسمائك صابرة على نزول بلائك مشتاقة إلى فرحة لقائك متزوّدة التقوى ليوم جزائك مستنة بسنن أوليائك مفارقة لأخلاق أعدائك مشغولة عن الدنيا بحمدك وثنائك"[21]، إنّ الإمام زين العابدين(ع) يستحضر وهو في زيارة

جدّه عليّ (ع) كلّ معاني الحبّ، ليعلّمنا أنّ الزيارة ليست مناسبة نتعبّأ فيها بالحقد ضد الآخرين، وإنّما هي فرصة لتطهير النفوس من الحقد والغلّ وشحنها بكلّ ما يسمو بالإنسان روحياً ومعنوياً، وانظر بتأمل إلى قوله (ع): "محبوبةً في أرضك وسمائك"، حيث يطلب الزائر من الله تعالى أن يجعله

إنساناً محبوباً لدى سكان الأرض وهم الناس جميعاً، ولدى سكان السماوات، والمراد بهم الملائكة، ومن الطبيعيّ أنّ الإنسان لن يكون محبوباً لدى الآخرين إلاّ بأخلاقه الطيبة وصدقه في الحديث وأدائه للأمانة، بالإضافة إلى إيمانه وتقاه وتديّنه.

 

 

من كتاب "وهل الدين إلا الحب؟"

تم نشر المقال على الموقع في 9-11-2015

 



[1] فلاح السائل للسيد ابن طاووس ص 101.

[2] بحار الأنوار: ج67، ص26.

[3] من مناجاة المحبّين، انظر: بحار الأنوار ج91 ص148..

[4] المستدرك للحاكم النيسابوري ج3 ص179.

[5] الإرشاد للمفيد ج 2 ص 141.

[6] دعاء يقرأ بعد زيارة الإمام الرضا (ع) المروية عن الإمام الجواد (ع)، انظر: بحار الأنوار ج99 ص 65.

[7] نهج البلاغة، من خطبة له في وصف المتّقين ج2 ص 160.

[8] الكافي ج2 ص84.

[9] نهج البلاغة ج4 ص53.

[10] ينسب هذا البيت إلى السيد صدر الدين العاملي (1193 – 1263 هـ)، انظر: تكملة آمل الآمل للسيد حسن الصدر ص 239.

[11] تنسب هذه الأبيات إلى جارية عتاب الكاتب، أنظر: الفتوحات المكيّة ج 3 ص 395.

[12] من دعاء الإمام علي (ع) المعروف بدعاء كميل.

[13] من دعاء الإمام علي (ع) المعروف بدعاء كميل.

[14] من مناجاة الخائفين المنسوبة إلى الإمام  زين العابدين (ع)، بحار الأنوار ج 91 ص 144.

[15] يتيمة الدهر للثعالبي ج 1 ص 95.

[16] من مناجاة الذاكرين المنسوبة للإمام زين العابدين (ع)، أنظر: بحار الأنوار ج 92 ص 151.

[17] مناقب آل أبي طالب ج1 ص 317  وعيون الحكم والمواعظ ص 415، والوافي بالوفيات ج8 ص 77.

[18] معاني الأخبار ص 399.

[19]  الكافي للكليني ج2 ص 55.

[20] المحاسن للبرقي ج 1ص 26.

[21] المصباح للشيخ الطوسي ص738.

 






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon