حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » كم كان عمر الزهراء (ع) حين زواجها من أمير المؤمنين (ع)؟ هل صحيح أن الإجماع هو على التسع من عمرها؟
ج »
 
▪️يوجد اختلاف كبير بين العلماء في تحديد عمر سيدتنا الزهراء سلام الله عليها حين زواجها من أمير المؤمنين عليه السلام، وتترواح هذه الأقوال بين تسع سنوات وعشرين سنة.
 
▪️مرد هذا الاختلاف إلى أمرين:
 
- الأول: الاختلاف في تاريخ مولدها، فهل ولدت قبل البعثة بخمس أم بعدها بخمس أو باثنتين؟ 
 
- الثاني: الاختلاف في تاريخ زواجها من أمير المؤمنين عليه السلام، حيث إن ثمة خلافاً في أنها تزوجت بعد الهجرة إلى المدينة بسنة أو بسنتين أو بثلاث.
 
▪️المعروف عند كثير من المؤرخين - كما ينقل التستري في تواريخ النبي (ص) والآل (ع) - أنها ولدت قبل البعثة النبوية بخمس سنين، وهذا ما ذهب إليه محمد بن إسحاق وأبو نعيم وأبو الفرج والطبري والواقدي وغيرهم، وعلى هذا سيكون عمرها حين الزواج ثماني عشرة سنة أو يزيد.
 
▪️ ونقل العلامة الأمين "أن أكثر أصحابنا" على أنها ولدت بعد البعثة بخمس سنين، وعلى هذا سيكون عمرها حين الزواج تسعاً أو عشراً أو أحد عشر عاماً، تبعاً للاختلاف في تاريخ الزواج.
 
⬅️ الظاهر أنه ليس هناك إجماع على أنّ عمرها عند الزواج بها كان تسع سنوات، فقد ذهب الشيخ المفيد في "مسار الشيعة" أنها ولدت بعد مبعث النبي (ص) بسنتين، وهو ظاهر الشيخ الطوسي في المصباح، بل نقل الشيخ عن رواية أنها ولدت في السنة الأولى لمبعثه الشريف، وحينئذ إذا كانت قد  تزوجت في السنة الأولى من الهجرة فيكون عمرها حين الزواج ثلاث عشرة سنة، وإذا تزوجت في السنة الثانية للهجرة سيكون عمرها أربع عشرة سنة، وإذا تزوجت في السنة الثالثة سيكون عمرها خمس عشرة سنة.
 
 وقد رجح التستري وغيره من علمائنا القول بولادتها بعد البعثة بخمس، استناداً إلى بعض الأخبار المروية عن الأئمة(ع).. وكيف كان، فتحقيق المسألة واتخاذ موقف حاسم يحتاج إلى متابعة.. والله الموفق.

 
 
  مقالات >> فكر ديني
الحب بين الحلال والحرام
الشيخ حسين الخشن



هل إنّ قيمة الحبّ هي من القيم المطلقة التي لا تقبل الاستثناء، أم أنّها من القيم النسبيّة والمتغيرة؟ وهل يكون الحبّ محرّماً ومبغوضاً في بعض الحالات؟ وما هي تلك الحالات؟

 

وفي الإجابة على هذه التساؤلات نقول: لا ريب أنّ قيمة الحبّ وما يتشعّب عنها من قيم أو يماثلها في المعنى والمآل من قبيل قيم: التسامح والسلام والرّفق.. تمثّل مبادىء أصيلة في الفكر الإسلامي، فالسّلام بما يختزن من معاني الحبّ والرفق هو القاعدة الأساس في العلاقات الإنسانية على اختلاف

دوائرها ومستوياتها، وأمّا الحرب أو القتال فهو استثناء تفرضه ضرورات الاجتماع البشري مما هو مذكور في محلّه ولا مجال للتوسع في بيانه وتوضيحه في هذا المقام.

 

ونحن قد تحدثنا عن الأبعاد المختلفة لقيمة الحبّ في المحور الأول من كتاب "وهل الدين إلا الحب؟"، وأوضحنا هناك أنّ الإسلام يريد لهذه القيمة أن تكون هي الحاكمة والسائدة في شتى الدوائر الإنسانية، وما نريد التطرّق إليه هنا هو ما يمكن أن يذكر لها من استثناءات أو قيود على هذه القيمة،

وهذا ما نوضحه في النقاط التالية:

 

أولاً: مودّة أعداء الله

 

النقطة الأولى التي يجدر بنا التوقف عندها ودراستها بعناية في قضية الحبّ هي ما يتصل بمودّة أعداء الله والإنسانية، فهل إنّ مودّة هؤلاء محرّمة، أم أنّ المحرّم هو توليهم وتأييدهم؟

 

الذي يظهر من كلام بعض العلماء[1] أنّ المودّة أو المحبّة حتى لو اقتصرت على مجرّد الميل القلبي محرّمة، وذلك استناداً إلى قوله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ

الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة 22].

 

وعن أمير المؤمنين (ع): عليه السلام: "إياك أن تحبّ أعداء الله، وتصفّي ودَّك لغير أولياء الله، فإنّ مَنْ أحبّ قوماً حُشر معهم"[2].

 وعنه (عليه السلام): "لا توادّوا الكافر، ولا تصاحبوا الجاهل"[3].

 

ولكن السؤال: ما المراد بالمودّة التي نهت الآية الكريمة أو الروايات عنها؟ هل هي مجرّد الميل القلبي؟ ثمّ ومَنْ هم الذين أمرت الآية بترك مودّتهم، هل هم فئة خاصّة ممن كفر بالله ورسوله أم مطلق الكافر؟

 

يقول الشيخ الطوسي في تفسير الآية المذكورة: "يوادّه: يواليه، وإن كان ذلك الذي يوادّه أباه أو ابنه أو أخاه أو عشيرته، فمن خالف ذلك ووالى من ذكرناه كان فاسقاً، لا يكون كافراً، وكلّ كافر فهو محادّ لله ولرسوله. والموادة: الموالاة بالنصرة والمحبّة، فهذا لا يجوز إلا للمؤمن بالله دون الكافر،

والفاسق المرتكب للكبائر، لأنّه يجبّ البراءة منهما، وهي منافية للموالاة"[4].

 

والملاحظ في كلام الشيخ الطوسي (رحمه الله) أنّه قد فسّر الموادّة بالموالاة، وليس بمجرّد المحبّة الصرفة، ولكنّه من جهة أخرى رأى أنّ كل "كافر" أو "فاسق مرتكب للكبائر" تحرم موادّته وتجب البراءة منه.

 

 وبياناً لهذه المسألة وتعليقاً على كلام الشيخ الطوسي رحمه الله يمكننا القول:

 

  1.  إنّ مودّة أعداء الله تعالى والرسول (ص) والمتمثلة بتوليّهم ونصرتهم ودعم بقائهم لا تنسجم مع خلوص الإيمان لدى الشخص، فإخلاص المسلم لإيمانه وقناعاته يفرض عليه أن يتولّى أولياء الله ويتبرأ من أعدائه، فتوليه لأعداء الله وأعداء رسوله (ص) يمثّل خيانة عظيمة للخطّ الذي ينتمي إليه، وهذا المعنى ليس مستغرباً، فكلّ جماعة لديها انتماء معين لا تقبل لأتباعها الازدواجية في الولاء، وتعتبر ذلك خيانة عظمى.

 

2-  إن الآية المباركة اشتملت على عنوان خاص، وهو عنوان "من يحادّ الله ورسوله"، والمحادّة هي المخالفة والمعاداة والمعاندة، فالمعادون لله ولرسوله هم من نهت الآية عن مودّتهم، وهذا العنوان لا ينطبق على كلّ من ليس مسلماً[5]، فغير المسلم إن كان مسالماً وغير محاربٍ للمسلمين لا

ينطبق عليه هذا العنوان، وبالتالي فلا يتعيّن على المسلم أن يحمل اتجاهه الحقد والكراهية، بل إنّ الله تعالى أمرنا بأن نسير مع المسالمين من غير المسلمين على أساس البّر والقسط، قال تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ

إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِين} [الممتحنة 8].

 

3-  إنّ المودّة والمحبّة إذا تحوّلت إلى تولٍّ ونُصرة لأعداء الله والرسول(ص) فلا شك في حرمتها، إذ كيف للمؤمن أن يناقض إيمانه وينصر أعداء دينه! قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون} [التوبة 23].

 

وهكذا إذا كانت الموادة تمثّل حالة ركون وخضوع للظالم، قال تعالى: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم النار وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} [هود 113] .

 

 وأمّا إذا لم تتحوّل الموادّة إلى تولٍّ ونُصرة ولم تكن مودّة للكافر بسبب كفره فلا دليل على حرمتها، وذلك لأنّ هذه المودّة ما دامت مجرّد مشاعر عابرة فإنّها قد لا تكون اختيارية للإنسان ليؤاخذ عليها، نعم على الإنسان المسلم أن يرصد حركة هذه المشاعر وتطّورها لديه حتّى لا تتحوّل إلى حالة ولاء ونصرة.

 

على أنّنا لا نكره في الكافر شخصه بل كفره، وهذا لا يمنع من أن تحبّ فيه خصال الخير، أو تحبّه بلحاظ بعض مكارم الأخلاق التي يحملها، فتحبّ حاتم الطائي لكرمه، أو تحبّ النجاشي (ملك الحبشة الذي آوى المهاجرين الأوائل من المسلمين) لعدله.. إنّ مواجهتك ورفضك ونفورك وبراءتك من المحارب والظالم والمعادي لقضايا الأمة والإنسان لا يعني أن تحمل الحقد عليه بشكل شخصيّ، فالصراع هنا ليس صراعاً شخصيّاً، وإنّما هو صراع رساليّ ومبدئيّ، إنّه صراع الحقّ والباطل[6].

 

وبهذا يتضح أنّ المودة التي حرّمتها الآية المباركة ليست مجرّد الميل القلبي، وإنّما هي المودّة المتمثلة بالمولاة أو النصرة، كما اختار الشيخ الطوسي رحمه الله، وهذا المعنى هو الأقرب إلى الجوّ القرآنيّ العام حيث نهى القرآن عن "اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين"، ونهى أيضاً عن

"الركون إلى الذين ظلموا" كما تقدّم، وهو الأقرب إلى التعبير المستخدم في الآية المباركة التي هي محلّ الكلام، فإنّها لم تَنْهَ عن "المودّة"، بل عن "الموادّة"، والموادّة صيغة مبالغة، ومعلوم أنّ زيادة المباني تدلّ على زيادة المعاني، وبناءً على ذلك فإنّ المعنى المرجح لـ "يوادّون" والمناسب

لكونها صيغة مبالغة هو أنّ هؤلاء إما أنّ لديهم إصراراً على مودّة أعداء الله، أو أنّ المودّة قد تعمقت وتجذرت في النفوس وأصبحت من الطرفين مع ما قد ينطوي عليه ذلك من شبهة وارتياب.

 

ولا يغيب عن بالنا التذكير بما تقدّم سابقاً في التفرقة بين المودّة والمحبّة حيث قلنا إنّ المودّة تختزن شيئاً من التولي العملي وليست هي مجرّد نبضة قلب كما هو الحال في المحبّة.

 

أضف إلى ذلك أنّ القرآن الكريم قد أباح للمسلم أن يتزوج من غير المسلمة وهي الكتابية، قال تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ

مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [المائدة 5] ، ومن المعلوم أنّ الزواج لا ينفكّ عن مشاعر الودّ والميل القلبي، فهل يباح للمسلم أن يتزوّج امرأة ويطلب منه أن يبغضها ويكرهها!

 

وهكذا نجد أنَّ الإمام عليّاً (ع) قد أمر عامله على مصر (مالك الأشتر) أن يحمل في "قلبه الرحمة للرعية والمحبّة لهم واللطف بهم"، مع أنّهم ليسوا بأجمعهم من المسلمين، بل هم  صنفان: "إمّا أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق"[7].

 

ومن هنا يتضح خطأ التوهم الذي يحمله البعض ويبشّر به حول ضرورة أن يتخلّص المسلم من أيّة مشاعر طيبة أو ميول قلبية تجاه غير المسلمين، فهذا يعبّر عن فهم خاطىء لبعض النصوص الدينيّة، فالإسلام لا يطلب من المسلم أن يحمل الكراهيّة لغير المسلمين، ممن لا يناصبونه العداء ولا

يكيدون له، بل إنّه يريد للمسلم أن يفتح قلبه لغير المسلمين وأن ينفتح عليهم من موقع العارف بهويته والواثق بقناعته وأن يبنيَ جسور التواصل معهم في سبيل الخير وأن يتعاون معهم لما فيه مصلحة الإنسان والتأكيد على القيم المشتركة. 

 

 

المقاتل النبيل

 

بل إنّ المسلم حتى لو كان في حالة حرب مع الآخرين، فليس مطلوباً منه سوى أن يدافع عن وجوده وأرضه وعرضه وكرامته بكلّ ما أُوتي من قوّة، دون أن يمنعه ذلك من أن يشعر بالشفقة عليهم، ولا سيّما أنّ المعسكر المعادي قد يشتمل على العديد من العناصر المضللة والمخدوعة، فمن جرّد

نفسه من شهوة الانتقام والتشفي فإنّه يقاتل بحزم وقوّة، ولكنّه في الوقت عينه يقاتل بنبل وشرف، فلا تسمح له أخلاقه أن ينحدر في قتاله إلى ارتكاب بعض الممارسات الوحشيّة من قبيل التمثيل بجثث القتلى والتنكيل بهم، أو تعذيب الأسرى أو ما إلى ذلك من ممارسات لا أخلاقية، إنّ المقاتل النبيل

يأسف ويحزن لكونه مضطراً لقتل أعدائه، أو لأنّ خصمه يموت على يديه وهو في خطّ الغواية والضلال.

 

 وهذا السموّ الأخلاقي هو ما نجده عند النبيّ (ص) وأهل بيته(ع) فقد تساموا في حربهم وسلمهم، فحاربوا بنبل وشرف، وكانوا يأسفون لكلّ معاند يسقط على أيديهم وتضطرّهم ظروف المعركة لقتله، ولذا كانوا يؤثرون السِّلم على الحرب والصلح على القتال ولا يبدأون أهل حربهم بقتال[8]،

فهذا رسول الله (ص) كان داعية السلام وليس داعية حرب، وكان يؤثر الصلح على غيره، ولم يخض حرباً أو يسلك طريق القتال إلاّ بعد أن كانت تُفْرَض عليه.

 

 وهذا أمير المؤمنين عليّ (ع) المعروف ببسالته وشجاعته لم يكن مولعاً بالحرب ولا بقتل خصومه وأهل حربه، بل كان حقن الدماء أحبّ إليه وآثر عنده من سفكها، وهو القائل فيما روي عنه كما مرَّ معنا سابقاً: "فوالله ما دفعت الحرب يوماً إلاّ وأنا أطمع أن تلحق بي طائفة فتهتدي بي وتعشو

إلى ضوئي ، وذلك أحبّ إلي من أن أقتلها على ضلالها وإن كانت تبوء بآثامها"[9].

 

 

الحبّ في الله والبغض في الله

 

 وباعتقادي فإنّ هذا ما ترمز إليه عبارة "البغض في الله"، الواردة في الأحاديث الشريفة باعتبارها فضيلة للمؤمن، ففي الحديث عن رسول الله (ص): "أفضل الأعمال الحبّ في الله والبغض في الله"[10]. وفي حديث آخر عنه (ص):" أوثق عرى الإيمان الحبّ في الله والبغض في

الله"[11].

 

فإنّ معنى أن تبغض في الله تعالى أن يكون بغضك منزّهاً عن الأهواء الشخصيّة والحسابات الخاصة الضيّقة، بل يكون البغض بغضاً رساليّاً، بسبب أنّ الآخر معادٍ لله تعالى، ومعاداة الله تعني معاندة الفطرة ومعاداة الإنسانية وظلم عباد الله، وأنت إذ تبغضه فإنّك تبغض ما يحمله من فكر منحرف

وهدّام وما يقوم به من ممارسات ظالمة وعدوانية.

 

 

عدم الحبّ لا يعني الدعوة إلى الكراهية

 

ويجدر بنا التنبيه هنا إلى أنّ النسبة بين الحبّ والكراهية ليست هي نسبة الضدين اللذين لا ثالث لهما ولا نسبة النقيضين باصطلاح المناطقة، وإنّما هي نسبة الضدين اللذين لهما ثالث، أي يمكن ارتفاعهما، ولهذا إذا لم يطلب منك الحبّ في محلّ معين فلا يعني ذلك أنّه يطلب منك الكراهية

والبغضاء، فعندما يرد في الحديث عن عليٍّ (ع): "لا تبذلنّ ودّك إذا لم تجد موضعاً"[12]، أو يروى عنه (عليه السلام) في حديث آخر: "لا تمنحن ودّك من لا وفاء له"[13]، فهذا لا يمثّل تحريضاً على الكراهية، وإنّما هو إرشاد إلى ضرورة اختيار الأصدقاء الذين تصافيهم المودّة.

 

 

ثانياً: الحبّ ومراعاة ضوابط العقل والشرع والأخلاق

 

النقطة الثانية: ونشير فيها إلى بعض الضوابط التي لا بدّ من مراعاتها في حركة عاطفة الحبّ وامتدادتها ويمكن إرجاع هذه الضوابط إلى عنوان واحد، وهو أن تكون عاطفة الحبّ منقادة لأحكام العقل وضوابط الشرع والأخلاق، وإليك توضيح ذلك وبيانه:

 

1- الحبّ وعزّة الإنسان

 

إنّ الحبّ هو قيمة نبيلة ولكنّها تندرج في منظومة كبيرة من القيم الأخلاقية والإنسانية، ومن الطبيعي أن يؤخذ بهذه القيم مجتمعة لا أن يصار إلى التفكيك بينها أو الأخذ بقيمة معينة على حساب القيم الأخرى، ولا شك أنّ الكرامة الإنسانية تأتي على رأس منظومة القيم التي لا بدّ أن يُحافظ عليها

عندما يتماشى الإنسان مع عاطفة الحبّ، ولا يجوز في منطق الأخلاق والدين أن يؤديَ الحبّ إلى سحق كرامة الإنسان، وبناءً على ذلك فلا ينبغي أن يمارس الإنسان الحبّ بطريقة تمثّل ضعفاً أو ذلاً ومهانة له أمام الآخرين، أو توحي بمداهنة الآخر ومصانعته، فأنت لا تستطيع أن تحبّ من موقع

الضعيف الذليل، بل إنّ هذا في العمق ليس حبّاً، وإنما هو تظاهر بالحبّ.

 

نعم إن كان إظهار مشاعر الحبّ منطلقاً من حالة اضطرار أو خوف على النفس أو المال أو العرض فلا ضير في ذلك، لأنّ المضطر معذور في منطق العقل والدين، والله تعالى قد رفع التكليف عن الإنسان في حالات الاضطرار والضرر والحرج، قال تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا

إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة 173].

 

 وفي الحديث النبوي المشهور والمعروف بحديث الرفع: "رفع عن أمتي.. وما أكرهوا عليه، وما لا يطيقون .. وما اضطروا إليه.."[14].

 

  وأمّا إذا لم يكن ثمّة ضرورة تفرض المداراة، فيكون في إظهار التودّد على نحو التذلل للآخر نوع من التملّق أو الغش والخداع والمداهنة، وهذا كلّه مرفوض عقلاً وشرعاً، ناهيك بكون ذلك يعبّر عن ذلّ نفس لدى الإنسان، والله تعالى يأبى له ذلك ويرفضه رفضاً حاسماً، لأنّه تعالى يريد للإنسان

أن يكون عزيزاً، قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون 8]، كما ويريد له أن يكون كريماً، قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء 78].

 

 وعليه فما يقع فيه بعض الرجال العاشقين المغرمين بامرأة معينة من الانسحاق أمامها والتذلل لها هو أمر محرّم ومرفوض شرعاً، وهكذا ما قد يصدر من بعض النساء تجاه بعض الرجال، والموقف عينه يجري إزاء ما يفعله الفقير أو طالب الحاجة مع الغني أو صاحب الجاه أو المسؤول من

الانكباب على أقدامهم وتقبيلها فهذا التصرّف مرفوض ولا تبرّره الحاجة، لأنّ فيه إذلالاً للنفس التي أعزّها الله تعالى، ومن أعزّه الله فلا يحقّ لأحدٍ أن يذّله ولا يُسمح له أن يذلّ نفسه.

 

 والمفروض بالطرف المقابل الذي تُؤدّى هذه الممارسات أمامه تزلفاً إليه وطمعاً في جاهه أو ماله أن يرفض هذه السلوكيات ويمنع منها، فقد روي أنّ جماعة من الفرس استقبلوا عليّاً (ع) عندما مرّ في طريقه على الأنبار فنزلوا عن خيولهم ثمّ جعلوا يركضون أمامه ويتحرّكون بطريقة فيها هيجان،

فنهاهم عن ذلك، رافضاً مثل هذا السلوك في التعامل مع القائد[15].

 

2- الحبّ القاتل

 

ومن الطبيعي والضروري في آن أن تكون عاطفة الحبّ منقادةً للعقل غير مفارقهٍ له، وذلك لأنّنا نتحدث عن عاطفة جيّاشة قد تسيطر على أحاسيس الإنسان وتفقده توازنه، ما قد يتسبب في إيقاعه في أخطاء مميتة، ما لم يتسنّ للمحبّ أن يحكّم عقله ويسيطر على مشاعره، وهذا ما يحصل عادة مع

المحبّ الهائم الذي لا يستطيع  السيطرة على مشاعره تجاه الحبيب، أو الذي لم يستجب له الطرف الآخر ويتفاعل معه ويقابله الحبّ بالحبّ، فإنّه قد يندفع في ذروة الانفعال أو الجرح العاطفي الذي أصابه إلى إيذاء محبوبه وإلحاق الضرر به أو إلحاق الضرر بنفسه، ومن هنا قيل: "ومن الحبّ ما

قتل".

 

ومن أبرز الأمثلة على حالة العشق التي تُفقِدُ الإنسان توازنه، وربّما تحوّل حبّه إلى حالة حبّ هائج: ما بدر من "زليخا" زوجة عزيز مصر تجاه يوسف الصدّيق، فقد هامت به حتى أورده حبّها إلى السجن، وتجاوزت نتيجة لذلك حدود الأخلاق والدين، وقد حدّثنا القرآن الكريم عن حبّها الأعمى، قال

تعالى: {وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه لقد شغفها حباً إنا لنراها في ضلال مبين} [يوسف 30]، فإنّ المراد بعبارة: {شغفها حباً} أنّ حبّه وصل إلى شغاف قلبها، والشغاف: حجاب القلب[16]، فلم تتمالك زليخا نفسها، حتى دفعها حبّها الأعمى إلى أن تفقد توازنها

وترتكب الخيانة العظمى لربّها ولزوجها بطلب الوصال المحرم من يوسف (ع) الذي أبى واستعصم ورفض خيانة سيّده عزيز مصر، قال تعالى: {وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلّقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنّه ربّي أحسن مثواي إنّه لا يفلح الظالمون} [يوسف 23].

 

ومعاناة يوسف الصدّيق (ع) مع امرأة العزيز لم تكن المعاناة الوحيدة التي تعرّض لها بسبب الحبّ وتداعياته، فقد تعرّض لأكثر من نكبة وابتلاء على هذا الصعيد، ففي الحديث عن الإمام الرضا (ع) قال: "قال السّجان ليوسف: إنّي لأحبّك، فقال يوسف: ما أصابني ما أصابني إلاّ من الحبّ! إنّه

كانت خالتي (عمتي) أحبتني فسرقتني، وإن كان أبي أحبّني فحسدوني إخوتي، وإن كانت امرأة العزيز أحبّتني فحبستني!"[17].

 

 

ثالثاً: الحبّ بين الجنسين

 

    النقطة الثالثة: ونتعرّض فيها إلى مورد من موارد الالتباس التي يقع فيها الجدل بشأن عاطفة الحبّ، وهو قضية الحبّ بين الجنسين (الذكر والأنثى) ممن لم تربطهما رابطة زواج شرعي، (أما الحبّ بين الزوجين فهو مطلوب ويشكّل صمّام أمان لاستمرار الحياة الزوجية كما أسلفنا في المحور

الأول) وكثيراً ما يقع التساؤل عن موقف الإسلام من هذا النوع من الحبّ، الذي يسبق عقد الزواج وقد ينتهي بالزواج، وقد يفشل ولا يتكلّل بالنجاح، فما هو الموقف الإسلامي من هذا الحبّ هل يحرّمه أم يبيحه؟

 

العشق الحرام والعشق المباح

 

   وفي الجواب على ذلك لا بدّ من التفصيل بين نوعين من الحبّ أو العشق :

 

1- حالة العشق التي تربط الرجل بالمرأة التي لا يحلّ له الارتباط بها، إما لكونها مُحْصَنَة ومتزوجة من غيره، أو لكونها من محارمه الذين يحرم الزواج بهنّ على كلّ حال كالخالة والعمة وبنت الأخت أو الأخ .. وهذا النوع من العشق هو عشق محرّم، وعلى الإنسان أن يضع حدّاً له ولا يسترسل معه في إظهار المشاعر بالقول أو الإيماءة أو نحو ذلك، والتحريم هنا ينطلق من اعتبارات مفهومة ومنطقية تأخذ بعين الاعتبار مصلحة الإنسان النوعية، وتهدف إلى حماية الاستقرار العائلي والمجتمعي والأخلاقي.

 

 أجل، ربما يقال: إنّ العشق في مبادئه غير اختياري للإنسان، وما ليس بالاختيار لا يمكن أن يقع مورداً للذم واللوم، فالتكليف إنّما يتعلق بالأمور الإرادية التي يملك الإنسان أمر أن يفعلها أو يتركها، أمّا ما لا يتسنّى للإنسان أن يتجنبه، كونه أمراً فطرياً أو لا إرادياً، فهذا خارج عن دائرة التكليف،

والعشق أو الحبّ باعتباره عاطفة إنسانية تتملك القلب والمشاعر قد تكون كذلك، أرأيت حبّ الأم لابنها إنّه حبّ تأمرها به الفطرة ولا تملك أن ترفضه أو تمنع نفسها منه، وحتى لو صرّحت بالكراهية فإنّها تقول بلسانها ما ليس في قلبها، نعم لا يمنع ذلك من أن تنفك الأم عن حبّ ابنها لبعض الأسباب

الطارئة، وهكذا هو الحال في حبّ الإنسان ذكراً أو أنثى للآخر حتى لو كان ممن يحرم الزواج منه، فإنّه قد يفرض نفسه على الإنسان ولا يملك له دفعاً ولا ردّاً[18]، وبالتالي فلا يلام الإنسان عليه أيّاً كان الطرف المحبوب.

 

    وتعليقاً على ذلك أقول: إنّ ما ذُكر صحيحٌ من حيث المبدأ، بيد أنّ امتدادات هذا الحبّ وتعبيراته التي تتجّسد في القول أو في الفعل هي  بشكل أو بآخر تحت إرادة الإنسان واختياره، ومن هنا يمكن تعلّق التكليف بها، فيقال للإنسان: إنّ من واجبك أن تسيطر على مشاعر الحبّ وأن لا تسمح لها

بالتمادي عندما يكون الطرف الآخر ممّن لا يتسنّى لك الارتباط الزوجي به لمانع شرعي، كما لو كانت المرأة التي أحببتها محصنة، وبالتالي فإنّ على المرء في هذه الحالة أن يعمل على أن يبرّد من غلواء المشاعر، ولا سيّما أنّ إظهارها قد يتسبب بتخريب العلاقة الزوجية للطرف الآخر وربّما

يترتّب على ذلك ما لا تحمد عقباه.

 

 وغالباً ما يحصل هذا النوع من العشق بين الطرفين اللذيْن كانت تربطهما حالة حبّ وودّ قبل ارتباط أحدهما بعقد زواج مع شخص آخر (ثالث)، أو كانت تربطهما مشاعر ودّية منذ الصغر، ثمّ سارت الظروف بطريقة لم تساعدهما على الارتباط الزوجي، فارتبطت المرأة برجل آخر، ولكن بقيت تلك

المشاعر القديمة دفينة في داخل قلبها أو في داخل قلب الرجل ولم يستطيعا لها دفعاً أو تذويباً.

 

2- حالة الحبّ بين طرفين يكون الارتباط العقدي بينهما مباحاً في ظرف تحرّك هذه المشاعر، كما لو أحبّ الرجل امرأة غير متزوجة وتكون ممن يحلّ له الزواج منها أو بالعكس، وفي هذه الحالة ليس ثمّة ما يمنع شرعاً من وجود هذه المشاعر، ولا دليل على حرمتها أو وجوب كبتها، أجل، ينبغي

الحرص على تنزيهها - قدر المستطاع - عن أجواء الإثارة الشهوانية، لتبقى حالة حبّ عذري يطوف في القلب، وليس حالةً غرائزية تثير شهوات الإنسان وربّما تدفعه إلى الوصال المحرم.

 

   وقد لا نحتاج دليلاً على شرعيّة هذا النوع من الحبّ، لأنّه إن كان تعبيراً عن مشاعر لا إرادية فقد ذكرنا أنّه لا مجال لتعلّق التكليف بها والنهي عنها، بل حتى لو اقترنت هذه المشاعر والعواطف بحالة من الوعي والتصميم الإرادي في استحضارها وتعميقها في النفس، فإنّ ذلك لا يخرجها عن

المشروعية، وليس ثمة ما يمنع منها، أو يقتضي حرمتها، ولسنا نجد في النصوص الدينية ما ينهى عنها أو يعتبرها عيباً أو دنساً، بل إنّنا لا نعدم نصوصاً دينية تقرّها وتعتبرها حالة إنسانية طبيعية، فالقرآن الكريم عندما أصدر تعليماً قضى بموجبه منع النبيّ محمّد (ص) من الزواج بامرأة أخرى

لتضاف إلى ما عنده من زوجات، فإنّه - أعني القرآن - أشار بلطف إلى تواجد هذه الحالة البشرية عند رسول الله (ص)، وهي حالة إعجابه بالمرأة الحسناء وانشداده إليها، قال تعالى: {لا يحلّ لك من النساء من بعد ولا أن تبدّل بهن أزواج ولو أعجبك حسنهن} [الأحزاب 52]..

 

   واستناداً إلى هذه الآية المباركة علينا التفريق بين نوعين من نظر أحد الجنسين إلى الآخر مع عدم وجود رابطة شرعية بينهما، وهما: النظر التلذذي الشهوي، والنظر الإعجابي، والنظر المنهي عنه هو الأول دون الثاني، وليس صحيحاً أنّ النظر الإعجابي لا ينفكّ عن التلذذ الشهوي الغرائزي،

فالرجل قد ينظر إلى المرأة الحسناء بإعجاب غير غرائزي، تماماً كما ينظر بإعجاب إلى الطفلة الجميلة فيسره النظر إليها، أو ينظر إلى ابنته الحسناء فيعجبه جمالها ويُسَرُّ بذلك، فهذا النظر ليس نظراً شهوياً غرائزياً، بل هو نظير تطلّع المرء إلى المناظر الجميلة واعجابه بها، وهكذا الحال في

المرأة.

 

   وخلاصة القول: إنّ الحبّ إذا تحوّل إلى حالة غرائزية بعيداً عن العقد الشرعي الذي ينظّم العلاقة بيين الجنسين، فإنّه يغدو مذموماً ومرفوضاً، فضلاً عما إذا امتد إلى ما هو أبعد من ذلك، فتحوّل إلى وصال حقيقي بين الطرفين، إن المحبّ في هذه الحالة يكون قد ابتذل الحبّ وعكّر صفوه وشابه

بغيره وخان إيمانه بالله تعالى، لأنّ المؤمن الصادق والموحد هو الذي يحبّ لله وليس على حساب الله تعالى.

 

 

الأنبياء (ع) وحبّ النساء

 

وقد اتضح مما ذكرناه أنّ الميل الفطري إلى الجنس الآخر هو ميل يتساوى فيه الأنبياء (ع) وغيرهم من بني آدم، فالأنبياء (ع) ليسوا مستثنين من هذه السّنة الإلهية المتمثلة في ميل الرجل الفطري نحو المرأة وحبّه لها وميل المرأة نحو الرجل وانشدادها إليه، وقد دلّت الآية المتقدمة على تواجد هذه

الفطرة لدى النبيّ الأكرم محمّد (ص)، وورد في الأحاديث الشريفة التأكيد على ذلك، ففي الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله): قال: "حبب إليّ من دنياكم: النساء، والطيب، وجُعِل قرّة عيني في الصلاة "[19].

 

  وعن أَبي عَبدِ اللَّه جعفر بن محمد (ع) الصادق: "مِنْ أَخْلَاقِ الأَنْبِيَاءِ (صَلَّى اللَّه عَلَيْهِمْ) حُبُّ النِّسَاءِ"[20].

 

إلى غير ذلك من الأحاديث التي عقد لها المحدِّثون باباً خاصاً في كتبهم تحت عنوان" باب حبّ النساء"[21].

 

وربّما تسأل: كيف نفهم هذه الأحاديث؟ وما المقصود فيها بحبّ الأنبياء(ع) للنساء؟ هل هي ناظرة إلى الجانب العاطفي المجرّد عن البعد الغرائزي الجنسي؟ أم أنّها شاملة لذلك؟

 

 والجواب: إنّ من الممكن أن يراد بحبّ الأنبياء(ع) للنساء الإشارة إلى المشاعر الإنسانية العفوية والبريئة تجاه الجنس الآخر، فهذا الحبّ هو انعكاس للفطرة الصادقة التي فطر الله الناس عليها، والأنبياء(ع) بطبيعة الحال هم أصفى الناس فطرةً وأزكاهم خلقاً، وأكثرهم تجسيداً للمشاعر الصادقة

والنبيلة.  

 

ومن الطبيعي أن يمثّل ما جاء في هذه النصوص دعوة إلى احترام النساء والتعامل معهن على أساس الحبّ والمودّة، والابتعاد عن احتقارهن أو التعامل الدوني معهنّ، لأنّ الحبّ الحقيقي يفرض على المحبّ إذا كان صادقاً في مشاعره أن يحترم الحبيب وأن يقدّر أحاسيسه ويبتعد عن إيذائه وخدش

مشاعره.

 

ولا يمنع ما ذكر من أن تكون هذه الأحاديث شاملة في إطلاقها للحبّ الخاص أي حبّ الرجل للمرأة الزوجة هذا الحبّ الذي يمتدّ إلى العلاقة الخاصة بينهما ويتجذر من خلالها، فالحبّ في كلّ تجلياته وأبعاده وامتدادته ليس دنساً ولا عاراً ولا عيباً، ولا ينافي التديّن ولا صفاء الإيمان، ولا يخدش

الورع والتقى ولا الزهد، كما قد يتخيّل بعض الناس، بل إنّ حبّ الرجل للمرأة وحبّ المرأة للرجل هو فعل إيمان، وهذا ما نصّت عليه بعض الأحاديث المروية عن آل البيت (ع) والتي تربط بين الإيمان وحبّ النساء، ففي الحديث عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام قال: "ما أظنّ رجلاً يزداد في الإيمان

خيراً إلاّ ازداد للنساء حبّاً"[22].

 

 وفي حديث آخر عنه (ع): "العبد كلما ازداد للنساء حبّاً ازداد في الإيمان فضلاً"[23].  

 

 

رابعاً: حبّ الدنيا

 

  ومن موارد الحبّ التي وقع فيها الالتباس واختلفت التصورّات إزاءها وربّما فُهمت فهماً خاطئاً من قبل بعض المدارس الإسلامية، حالة حبّ الإنسان للدنيا، فقد رأى البعض أنّ حبّ الدنيا أمر مذموم وقبيح، مستنداً في ذلك إلى ما ورد في العديد من الأحاديث والنصوص المحذّرة من الدنيا والناهية

عن التعلّق بها، وربّما شبهتها بعض الروايات بالأفعى[24]، إلى غير ذلك من الأوصاف الذامة لها والكلمات المحذّرة منها، ومن أبرز الأحاديث الواردة في هذا المجال: الحديث المعروف: "حبّ الدنيا رأس كل خطيئة"[25].

 

وفي الدعاء عن الإمام زين العابدين (ع):"سيدي صلّ على محمّدٍ وآل محمّد، وأخرج حبّ الدنيا من قلبي"[26].

 

ويهمني في البدء، وقبل تقييم الموقف من قضيّة حبّ الدنيا، أن أشير إلى نقطة مهمّة في استنطاق النص الديني، وهي أنّه ليس صحيحاً من الناحية المنهجية تكوين موقف إسلامي، سواءً فيما يتعلق بقضية حبّ الدنيا وكيفية التعامل معها، أو في غيرها من القضايا والمسائل، اعتماداً على بعض

النصوص دون مراجعة سائر النصوص الواردة في الموضوع عينه، بل المنهج الأقرب إلى فهم واقع النص الديني وحقيقة مراده أن يصار إلى ملاحظة كلّ النصوص والآثار الواردة في موضوع محدد، ومن ثمّ يُصار إلى التوثّق منها ودراستها في ضوء المقاصد الكليّة للتشريع الإسلامي وبعد ذلك

يتمّ اتخاذ الموقف النهائي في المسألة.

 

ومع مراعاة هذه الملاحظة وأخذها بعين الاعتبار سوف يتضح لنا أنّ الموقف الإسلامي العام من الدنيا هو موقف متوازن، ليس رافضاً لها ولا للاستمتاع بملذاتها وشهواتها، كما أنّه من جهة أخرى لا يرحّب بالاستغراق فيها على حساب الإيمان بالآخرة، بحيث تكون الدنيا هي غاية همّنا ومبلغ

علمنا، ونضحي لأجلها بالآخرة ونتجاوز المبادىء والقيم، وهذا الموقف المتوازن من الدنيا يمكن استلهامه من مجموعة من النصوص الدينيّة، وعلى رأسها النصّ القرآني، قال تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي

الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِين} [القصص 77].

 

وقال تعالى في آية أخرى: {يا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [الأعراف 31 - 32].

 

وقد عبّر بعض الأئمة من أهل البيت (ع) بدقة عن هذه النظرة المتوازنة والتي تجمع بين متطلبات الدنيا ومتطلبات الآخرة، عندما قال: "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً "[27]

 

وفي حديث آخر: أنّه بينما كان علي(ع) في البصرة دخل على العلاء بن زياد الحارثي وهو من أصحابه يعوده، فلما رأى (ع) سعة داره قال: ما كنت تصنع بسعة هذه الدار في الدنيا؟! أما أنت إليها في الآخرة كنت أحوج، وبلى إن شئت بلغت بها الآخرة، تَقري فيها الضيف، وتَصِلُ فيها الرحم،

وتُطْلِعُ منها الحقوقَ مطالعَها، فإذا أنت قد بلغتَ بها الآخرة".

 

 فقال له العلاء: يا أمير المؤمنين أشكو إليك أخي عاصم بن زياد، قال: وما له؟ قال: لبس العباءة وتخلّى عن الدنيا!

 

قال (ع): عَليَّ به. فلما جاء، قال: يا عُدَيَّ نفسِهِ لقد استهام بكَ الخبيثُ، أَمَا رَحِمْتَ أهلَك وَوِلَدَكَ، أترى اللهَ أحلَّ لك الطيباتِ وهو يكره أن تأخذَها؟ أنتَ أهونُ على اللهِ من ذلك.

 

قال: يا أمير المؤمنين هذا أنت في خشونة ملبسك وجشوبة مأكلك.

قال: "ويحَكَ إنّي لستُ كأنتَ، إنّ الله تعالى فرض على أئّمةِ العدل أن يقدّروا أنفسهم بِضَعَفَةِ النّاسِ كيلا يَتَبَيَّغَ بالفقير فقرُهُ"[28].

 

فانظر إلى استغرابه (ع) في بادئ الأمر من سعة الدار التي يمتلكها العلاء بن زياد على اعتبار أنّه لا حاجة به إليها، وإنّما هو بحاجة إلى أن يهتمّ ببناء دار الآخرة، حيث الحياة الأبديّة الدائمة، لكنّه (ع) استدرك بعد ذلك، ليقول له: أجل، إنّك تستطيع وأنت تسكن هذه الدار الواسعة في الدنيا أن تبلغ

بها ثواب الآخرة، وذلك عندما لا تجعل هذه الدار حاجباً يبعدك عن الله تعالى فتتمرد عليه، أو حاجزاً بينك وبين عباد الله فتستعلي عليهم، بل تحوّلها الى دار تعبد الله فيها وتستقبل فيها الناس وتساعدهم على حلّ مشكلاتهم ومعاناتهم، وتؤدّي حقّها الشرعيّ، فبذلك تنال خير الدارين ونعيمهما.

 

وفي ضوء ذلك يتضح أنّ الإسلام لا يطلب من الإنسان أن يعاديَ الدنيا ويبغضَها، كيف وهي دار سكناه وقد غُرس حبّها في قلبه من خلال الفطرة، يقول الله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ

الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ} [آل عمران 14].

 

فليس ثمّةَ ما يمنعك من أن تحبّ أولادك مثلاً، كيف وحبّهم أمر فطري لا يخلو منه أحد بما في ذلك الأنبياء (ع)، أجل، إنّ ما يُطلب من الإنسان هو أن لا يكون حبّه لأولاده على حساب القوانين والمبادىء الشرعية، وأن لا يُؤْثِر هواهم على ما يريده الله منه، والمسألة هنا ليست سهلة، فالإنسان قد

يكون أمام اختبار صعب عندما يدور الأمر بين أبنائه وبين مبادئه، والاختبار هو ما يعنيه مصطلح الفتنة الوارد في القرآن الكريم في توصيف الأولاد والأموال، قال تعالى: {واعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } [الأنفال 28].

 

 فلك أن تحبّ ابنك ما شئت، لكن حاذرْ من أن يقودك حبّك إيّاه إلى معاداة الحقّ والتنازل عن المبادئ والقيم وتجاوز القوانين، كما حصل مع بعض الناس الذين وقعوا في انحراف معيّن وابتعدوا عن الخطّ الأصيل، نتيجة حبّهم لأبنائهم، ومن ذلك ما حصل مع الصحابي الزبير بن العوام الذي كان

محبّاً لعليّ (ع) وموالياً له، وقد بايعه مع من بايعه، وظلّ موالياً له إلى أن شبّ ابنه عبد الله، فأثّر عليه تأثيراً سلبياً أدّى إلى تغيير مواقفه حتى دفعه إلى محاربة عليّ (ع)، وقد ورد في الحديث عن أمير المؤمنين (ع): "ما زال الزبير منّا أهل البيت حتى شبّ ابنه عبد الله"[29].

 

 وهكذا هو الحال في حبك للمال، فهو ليس أمراً منكراً في المطلق، كيف وقد خلق الله الإنسان وغرس فيه هذا الميل، قال تعالى في وصف الإنسان:{ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ } [العاديات 8]، والخير - في الآية- هو المال[30].

 

 وقال تعالى في آية أخرى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ} [آل عمران 14].

 

فحبّ المال والنساء والخيل والبيوت هو أمر زيّنه الله في قلوب عباده، ولذا لا يمكن اعتباره شراً، أجل، يفترض أن لا يدفعك حبّك للمال إلى تجاوز الضوابط الأخلاقية والشرعيّة ولا نسيان الآخرة والاستغراق بالدنيا.

 

والأمر عينه نقوله في حبّ الرجل للمرأة أو العكس، فهذه مشاعر فطرية ولا عيب فيها، بل إنّ ذلك هو من مظاهر حكمة الله تعالى، فلولا الحبّ لما اكتملت جمالية الحياة الإنسانية ولا اكتسبت هذا الرونق ولا تلك البهجة، ولا وَصلَ الإنسان إلى كماله، وقد ذكرنا في الفقرة السابقة من هذا المحور

أنّ الأنبياء (ع) كانوا أشدّ الناس حبّاً للنساء، وأنّ ذلك هو علامة الإيمان.

 

وفي المحصلّة يتبيّن أنّه بالإمكان الجمع بين حبّ الدين وحبّ الدنيا، أو بين حبّ الدنيا وحبّ الآخرة، ولا وجه لهذه الخصومة التي يراد افتعالها وتكريسها بين الحبّيْن وكأَنَهما نقيضان لا يجتمعان، فبإمكانك أن تحبّ الدنيا بكافة عناصرها وملذّاتها وزينتها من الأولاد إلى الأنعام إلى الدور والأرضين

والقناطير المقنطرة شريطة أن يكون حبّك لذلك هو في الله ولله، وغير متقدّم على حبّك لله تعالى، ولا يلهيك عن الاستعداد للآخرة، أو القيام بواجبك تجاه نفسك وعائلتك وكلّ من هو تحت مسؤوليتك. 

 

أجل، إنّ المسألة – مسألة الجمع بين الحبّين- ليست بهذه السهولة، ولكنّها في الوقت عينه ليست مستحيلة ولا متعذرة.

 

وفي ضوء هذا البيان يتضح المراد بقوله (ص): "حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة"، فالخطيئة في حبّ الدنيا هي عندما يتحرّك هذا الحبّ بعيداً عمّا أراده الله تعالى، لتتحوّل الدنيا إلى معبود من دون الله ، وقد يضحّي الإنسان لأجلها بكلّ المبادىء والقيم ويتجاوز كلّ الأخلاقيات والآداب.  

 

من كتاب "وهل الدين إلا الحب؟"

نُشر على الموقع في 28-11-2015

 



[1] انظر: مغني المحتاج للشربيني ج4 ص256 وإيضاح الفوائد لفخر المحققين ج2 ص387.

[2] عيون الحكم والمواعظ ص98.

[3] عيون الحكم والمواعظ ص521.

[4] التبيان في تفسير القرآن ج9 ص 556. وبالمولاة أيضاً فسّرت المودّة في كلام الشيخ الطبرسي في جوامع الجامع ج3 ص526، ونظيره ما في مفردات القرآن للراغب الأصفهاني ص517.

[5] ومن هنا رأى بعضهم أنّ الآية خاصة في أهل الحرب ولا تشمل أهل الذمة، انظر: أحكام القرآن للجصّاص ج1 ص45.

[6] وقد سئل السيد الخوئي رحمه الله: يتخذ بعض المسلمين بعض الكفار كشركاء في التجارة أو أصدقاء أو جيران فيحبونهم قلبياً، فهل يجوز الحبّ والودّ لغير المسلم؟ فأجاب: قال الله تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين} [الممتحنة 8]، وأضاف بعض تلامذته معلقاً على السؤال المذكور: "إذا لم يكن الحبّ من جهة كفرهم فلا بأس"، صراط النجاة ج 2 ص 429.

 

[7] نهج البلاغة ج 3 ص 84.

[8] فمن وصية لأمير المؤمنين عليه السلام لعسكره قبل لقاء عدوهم بصفين: "لا تقاتلوهم حتى يبدأوكم فإنكم بحمد الله على حجة ، وترككم إياهم حتى يبدأوكم حجة أخرى لكم عليهم"، انظر: نهج البلاغة ج3 ص 15، ونحوه ما في تاريخ الطبري ج 4 ص 64، والكامل في التاريخ لابن الأثير ج 3 ص 346.

[9] نهج البلاغة ج1 ص104.

[10] سنن أبي داوود ج4 ص

[11] الكافي ج 2 ص 126، والمحاسن للبرقي ج 1ص 165، والحديث مروي عن الإمام الصادق (ع) ، انظر: الكافي ج 2 ص 125، والمحاسن ج 1 ص 263.

[12] عيون الحكم والمواعظ ص 522.

[13] المصدر نفسه ص517.

[14] التوحيد للشيخ الصدوق ص 353 ، والخصال له ص 417، وراجع الكافي ج 2 ص 463.

[15] يقول الشريف الرضي: وقال عليه السلام - وقد لقيه عند مسيره إلى الشام دهاقين الأنبار (الدهقان زعيم الفلاحين) فترجلوا له واشتدوا بين يديه -: ما هذا الذي صنعتموه ؟

فقالوا: خُلُقٌ منا نعظِّم به أمراءنا.

فقال: والله ما ينتفع بهذا أمراؤكم. وإنكم لتشقون به على أنفسكم في دنياكم وتشقون به في آخرتكم، وما أخسر المشقّة وراءها العقاب، وأربح الدعة معها الأمان من النار" انظر: نهج البلاغة ج 4 ص 10، والقصة مذكورة في وقعة صفين لنصر بن مزاحم ص 144، وشرح نهج البلاغة ج 3 ص 203.

[16] تفسير جوامع الجامع ج 2 ص 215.

[17] تفسير القمي ج1ص 354.

[18] ولا أخال أحداً يستطيع إنكار أنّ الحبّ في بعض مستوياته هو خارج نطاق الإرادة، وقد أقرّ العلماء بذلك في تفسير قوله تعالى: {ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة} [النساء 129] حيث أفادوا أنّ المقصود بالعدل المنفي هو العدل في المجال العاطفي، لأنّه عدل غير مقدور.

[19] مسند أحمد ج3 ص128، والخصال للصدوق ص165.

[20] الكافي ج5 ص320، والتهذيب ج7 ص403.

[21] انظر: الكافي ج5 ص320، ومن لا يحضره الفقيه ج3 ص384.

[22] من لا يحضره الفقيه ج3 ص348.

[23] المصدر نفسه.

[24] فعن علي (ع): "فإنما مثل الدنيا مثل الحيّة ليّن مسّها، قاتلٌ سمّها.."،أنظر: نهج البلاغة ج 3 ص 128.

[25] هذا الحديث مروي عن السيد المسيح (ع) انظر: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج6 ص233، ومروي – أيضاً- عن رسول الله محمّد (ص) انظر: مجمع البيان للطبرسي ج 7 ص 337، والتحصين لابن فهد الحلي ص 27، وعوالي اللآلي لابن أبي جمهور الأحسائي ج 1 ص 27، والجامع الصغير للسيوطي ج1 ص 566، وهو مروي – أيضاً- عن أمير المؤمنين علي (ع)، انظر: عيون الحكم والمواعظ ص 231، ومروي أيضاً عن الإمام الصادق (ع)، انظر: الخصال للصدوق ص25، وروضة الواعظين للفتال النيسابوري ص441، والكافي للكليني ج 2 ص 315، ونسبه الإمام زين العابدين (ع) إلى "الأنبياء والعلماء"، انظر: الكافي ج 2 ص 131، ومن خلال هذا التضافر في رواية الحديث يتضح لك ضعف دعوى وضعه التي قال بها البعض، انظر: كشف الخفاء للعجلوني ج 1 ص345، فإنّ الحديث حتى لو كان ضعيفاً فلا يمكن الحكم بوضعه، كما لا يخفى.

[26] من دعاء السحر له (ع) المعروف بدعاء أبي حمزة الثمالي.

[27] قال الصدوق: " وروي عن العالم.." ولم يحدد عمّن رويت، انظر: من لا يحضره الفقيه ج 3 ص 156، ، ورويت في بعض المصادر عن الإمام الحسن (ع)، انظر: كفاية الأثر للخزاز القمي ص 228، ورويت أيضاً مرسلة عن رسول الله (ص)، أنظر: تنبيه الخواطر ونزهة النواظر" مجموعة ورّام" ج 2ص 553، وأما نسبة الحديث المذكور إلى أمير المؤمنين(ع) كما هو مشهور على الألسنة فهو على الأرجح من المشهورات التي لا أصل لها، إذ لم نعثر عليها منسوبة إليه (ع) في شيء من المصادر. وقد نسب الجاحظ إلى عمرو بن العاص أنّه قال: "اعمل لدنياك عمل من يعيش أبداً واعمل لآخرتك عمل من يموت غداً"، انظر: البخلاء ص 31.  

[28] نهج البلاغة ج 2 ص 88، وتبيّغ بالفقير فقره أي يهلكه فقره.

[29] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 2 ص 167، وقد ورد هذا الحديث في نهج البلاغة بحسب نسخة ابن أبي الحديد في شرحه بالصيغة التالية: "ما زال الزبير رجلاً منا أهل البيت حتى نشأ ابنه المشئوم عبد الله"، انظر: شرح نهج البلاغة ج 20 ص 102، وقد أورده الشيخ صبحي الصالح في النهج المطبوع بشرحه وتعليقه، انظر: ص 555، ورواه عنه (ع) ابن عبد البر في الاستيعاب ج 3 ص 906، وقد روي عن الإمام الصادق (ع): "ما زال الزبير منّا أهل البيت حتى أدرك فرخه فنهاه عن رأيه" الخصال للصدوق ص 157.

[30] انظر: تفسير جوامع الجامع للطبرسي ج3 ص832.

 






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon