حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » أنا طالب علم، لدي خوف من أن أتكلم بغير علم.. ما الحل؟
ج »

وعليكم السلام

لا بد لطالب العلم في مساره العلمي أن يتسلح بأمرين أساسيين:
الأول: الاستنفار العلمي وبذل الجهد الكافي لمعرفة قواعد فهم النص واستكناه معناه ودلالاته بما يعينه على التفقه في الدين وتكوين الرأي على أسس صحيحة.
الثاني: التقوى العلمية ويُراد بها استحضار الله سبحانه وتعالى في النفس حذراً من الوقوع في فخ التقوّل على الله بغير علم. ومن الضروري أن يعيش مع نفسه حالة من المحاسبة الشديدة ومساءلة النفس من أن دافعه إلى تبني هذا الرأي أو ذاك: هل هو الهوى والرغبة الشخصية أم أن الدافع هو الوصول إلى الحقيقة ولو كانت على خلاف الهوى.
أعتقد أن طالب العلم إذا أحكم هذين الامرين فإنه سيكون موفقاً في مسيرته العلمية وفيما يختاره من آراء أو يتبناه من موقف.

 
س » كيف علمنا أن الصحيفة السجادية ناقصة؟ وهل ما وجده العلماء من الأدعية صحيح؟؟
ج »

أقول في الإجابة على سؤالكم:

أولاً: إن الصحيفة السجادية في الأصل تزيد على ما هو واصل إلينا وموجود بين أيدينا، قال المتوكل بن هارون كما جاء في مقدمة الصحيفة: " ثم أملى عليّ أبو عبد الله (ع) الأدعية، وهي خمسة وسبعون باباً، سقط عني منها أحد عشر باباً، وحفظت منها نيفاً وستين باباً"، بيد أن الموجود فعلاً في الصحيفة الواصلة إلينا هو أربعة وخمسون دعاء. آخرها دعاؤه في استكشاف الهموم، وهذا آخر دعاء شرحه السيد علي خان المدني في رياض السالكين، وكذا فعل غيره من الأعلام.

ثانياً: إن سقوط عدد من أدعية الصحيفة وضياعها دفع غير واحد من الأعلام للبحث والتتبع في محاولة لمعرفة ما هو الضائع منها، وبحدود اطلاعي فإنهم عثروا على أدعية كثيرة مروية عن الإمام زين العابدين (ع)، لكنهم لم يصلوا إلى نتائج تفيد أن ما عثروا عليه هو من الأدعية الناقصة منها، ولذا عنونوا مؤلفاتهم بعنوان مستدركات على الصحيفة، ولم يجزموا أن ما جمعوه من أدعية هو الضائع من أدعية الصحيفة. وهذا ما تقتضيه الضوابط العلمية والدينية، فما لم يعثر الإنسان على نسخة قديمة موثوقة أو قرائن مفيدة للوثوق بأن هذا الدعاء أو ذاك هو من جملة أدعية الصحيفة فلا يصح له إضافة بعض الأدعية على الصحيفة بعنوان كونها منها.

ثالثاً: لقد ابتُلينا بظاهرة خطيرة، وهي ظاهرة الإضافة على الصحيفة أو غيرها من كتب الأدعية، وهذا العمل هو خلاف الأمانة والتقوى، وقد ترتّب على ذلك الكثير من المفاسد، وأوجب ذلك وهماً للكثيرين، فتوهموا أن بعض الأدعية هي جزء من الصحيفة السجادية المشهورة، ومردّ ذلك بكل أسف إلى أن مجال الأدعية والزيارات شرعة لكل وارد، وتُرك لأصحاب المطابع والمطامع! وأعتقد أن هذا العبث في كتب الأدعية والزيارات ناشئ عن عدم عناية العلماء بالأمر بهذه الكتب كما ينبغي ويلزم، كما نبه عليه المحدث النوري في كتابه "اللؤلؤ والمرجان" مستغرباً صمت العلماء إزاء التلاعب والعبث بنصوص الأدعية والزيارات مما يعدّ جرأة عظيمة على الله تعالى ورسوله (ص)!

رابعاً: أما ما سألتم عنه حول مدى صحة الأدعية الواردة بعد دعاء استكشاف الهموم، فهذا أمر لا يسعنا إعطاء جواب حاسم وشامل فيه، بل لا بدّ أن يدرس كل دعاء على حدة، ليرى ما إذا كانت قرائن السند والمتن تبعث على الحكم بصحته أم لا. فإن المناجاة الخمس عشرة بنظرنا لم تصح وربما كانت من وضع الصوفية، وقد أوضحنا ذلك بشكل مفصل في كتاب الشيع والغلو.


 
س » ابني المراهق يعاني من التشتت، وأنا جدا قلق ولا اعرف التصرف معه، ما هي نصيحتكم؟
ج »

التشتت في الانتباه في سن المراهقة مع ما يرافقه من الصعوبات هو في حدود معينة أمر طبيعي وظاهرة تصيب الكثير من المراهقين ولا سيما في عصرنا هذا.

وعلينا التعامل مع هذه المرحلة بدقة متناهية من الاستيعاب والتفهم والإرشاد والتوجيه وتفهم سن المراهق، وأن هذه المرحلة تحتاج إلى أسلوب مختلف عما سبقها.

فالمراهق ينمو لديه الإحساس بالذات كثيرا حتى ليخيل إليه أنه لم يعد بحاجة إلى الاحتضان والرعاية من قِبل والديه.

وبالتالي علينا أن نتعامل معه بأسلوب المصادقة "صادقه سبعا.." والتنبه جيدا للمؤثرات التي تسهم في التأثير على شخصيته واستقامته وتدينه، ومن هذه المؤثرات: الأصدقاء ووسائل التواصل الاجتماعي، فإن نصيبها ودورها في التأثير على المراهق هو أشد وأعلى من دورنا.

وفي كل هذه المرحلة علينا أن نتحلى بالصبر والأناة والتحمل، وأن نبتدع أسلوب الحوار والموعظة الحسنة والتدرج في العمل التربوي والرسالي.

نسأل الله أن يوفقكم وأن يقر أعينكم بولدكم وأن يفتح له سبيل الهداية. والله الموفق.


 
س » اعاني من عدم الحضور في الصلاة، فهل أحصل على الثواب؟
ج »
 
لا شك أن العمل إذا كان مستجمعا للشرائط الفقهية، فهو مجزئٌ ومبرئٌ للذمة. أما الثواب فيحتاج إلى خلوص النية لله تعالى بمعنى أن لا يدخل الرياء ونحوه في نية المصلي والعبادة بشكل عام.
ولا ريب أنه كلما كان الإنسان يعيش حالة حضور وتوجه إلى الله كان ثوابه أعلى عند الله، لكن لا نستطيع نفي الثواب عن العمل لمجرد غياب هذا الحضور في بعض الحالات بسبب الظروف الضاغطة على الإنسان نفسيا واجتماعيا.
لكن على الإنسان أن يعالج مشكلة تشتت الذهن أثناء العمل العبادي وذلك من خلال السعي الجاد للتجرد والابتعاد عن كل الهواجس والمشكلات أثناء الإقبال على الصلاة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، باستحضار عظمة الله عز وجل في نفوسنا وأنه لا يليق بنا أن نواجهه بقلب لاهٍ وغافل. والله الموفق.

 
س » أنا إنسان فاشل، ولا أتوفق في شيء، وقد كتب عليّ بالخسارة، فما هو الحل؟
ج »

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أولاً: التوفيق في الحياة هو رهن أخذ الإنسان بالأسباب التي جعلها الله موصلة للنجاح، فعلى الإنسان أن يتحرك في حياته الشخصية والمهنية والاجتماعية وفق منطق الأسباب والسنن. على سبيل المثال: فالإنسان لن يصل إلى مبتغاه وهو جليس بيته وحبيس هواجسه، فإذا أراد الثروة فعليه أن يبحث عن أسباب الثروة وإذا أراد الصحة فعليه أن يأخذ بالنصائح الطبية اللازمة وإذا أراد حياة اجتماعية مستقرة عليه أن يسير وفق القوانين والضوابط الإسلامية في المجال الاجتماعي وهكذا.

ثانياً: لا بد للإنسان أن يعمل على رفع معوقات التوفيق، وأني أعتقد أن واحدة من تلك المعوقات هي سيطرة الشعور المتشائم على الإنسان بحيث يوهم نفسه بأنه إنسان فاشل وأنه لن يوفق وأنه لن تناله البركة الإلهية.

إن هذا الإحساس عندما يسيطر على الإنسان فإنه بالتأكيد يجعله إنسانا فاشلا ومحبطا ولن يوفق في حياته ولذلك نصيحتي لك أن تُبعد مثل هذا الوهم عن ذهنك وانطلق في الحياة فإن سبيل الحياة والتوفيق لا تعد ولا تحصى.


 
س » ما هو هدف طلب العلم الذي يجب أن يكون؟
ج »

عندما ينطلق المسلم في طلبه للعلم من مسؤوليته الشرعية الملقاة على عاتقه ومن موقع أنه خليفة الله على الأرض، فإن ذلك سوف يخلق عنده حافزاً كبيراً للجد في طلب العلم والوصول إلى أعلى المراتب. أما إذا انطلق في تحصيله من موقع المباهاة أو إثبات ذاته في المجتمع أو من موقع من يريد أن يزين اسمه بالشهادة الجامعية ليُقال له "الدكتور" وما إلى ذلك، فإنه - في الغالب - لن يصل إلى النتيجة المرجوة.

وعلى كل إنسان منا أن يعي أنّنا في هذه الحياة مسؤولون في أن نترك أثراً طيباً، وأن نقوم بواجباتنا قبل أن يطوينا الزمان، إننا مسؤولون عن عمرنا فيما أفنيناه وعن شبابنا فيما أبليناه، وسنُسأل يوم القيامة عن كل هذه الطاقات التي منّ اللهُ بها علينا.

وأضف إلى ذلك، إنه من الجدير بالمسلم، أن لا يفكر في نفسه وما يريحه هو فحسب في طلبه للعلم، بل أن يفكر أيضاً في أمته والنهوض بها ليكون مستقبلها زاهراً، وهذا كله يحتم عليه أن يكون سقف طموحاته عالياً ليتمكن هو وأقرانه من الطلاب والعلماء من ردم الفجوة بيننا وبين الغرب الذي سبقنا على أكثر من صعيد.

باختصار: إن مسؤوليتنا ورسالتنا وانتماءنا لهذه الأمة يفرض علينا أن نعيش حالة طوارئ ثقافية وعلمية.


 
س » ما رأيكم في الاختلاط المنتشر في عصرنا، وكيف نحاربه؟
ج »

إنّ الاختلاط قد أصبح سمة هذا العصر في كثير من الميادين، ومنها الجامعات والطرقات والساحات وكافة المرافق العامة.. والاختلاط في حد ذاته ليس محرماً ما لم يفضِ إلى تجاوز الحدود الشرعية في العلاقة بين الرجل والمرأة الأجنبيين؛ كما لو أدى إلى الخلوة المحرمة بالمرأة أو مصافحتها أو كان المجلس مشوباً بأجواء الإثارة الغرائزية أو غير ذلك مما حرمه الله تعالى.

وفي ظل هذا الواقع، فإنّ العمل على تحصين النفس أولى من الهروب أو الانزواء عن الآخرين بطريقة تشعرهم بأن المؤمنين يعيشون العُقد النفسية. إن على الشاب المسلم أن يثق بنفسه وأن يفرض حضوره ووقاره، وأن يبادر إلى إقناع الآخرين بمنطقه وحججه، وأن يبيّن لهم أن الانحراف والتبرج والفجور هو العمل السيّئ الذي ينبغي أن يخجل به الإنسان، وليس الإيمان ومظاهر التدين.

وأننا ندعو شبابنا عامة وطلاب الجامعات خاصة من الذكور والإناث إلى أن يتزينوا بالعفاف، وأن يحصنوا أنفسهم بالتقوى بما يصونهم من الوقوع في الحرام.


 
س » كيف يمكن التخلص من السلوكيات والعادات السيئة؟
ج »

إن التغلب على السلوكيات الخاطئة أو العادات السيئة – بشكل عام – يحتاج بعد التوكل على الله تعالى إلى:

أولاً: إرادة وتصميم، ولا يكفي مجرد الرغبة ولا مجرد النية وانما يحتاج بالإضافة إلى ذلك إلى العزم والمثابرة وحمل النفس على ترك ما اعتادته.

ثانياً: وضع برنامج عملي يمكّن الإنسان من الخروج من هذه العادة السيئة بشكل تدريجي؛ وأرجو التركيز على مسألة "التدرج" في الخروج من هذه العادات السيئة؛ لأن إدمان النفس على الشيء يجعل الخروج منه صعباً ويحتاج إلى قطع مراحل، وأما ما يقدم عليه البعض من السعي للخروج الفوري من هذه العادة، فهو - بحسب التجربة - سيُمنى في كثير من الأحيان بالفشل. والله الموفق


 
 
  محاضرات >> دينية
محاضرات رمضانية: فليتنافس المتنافسون
الشيخ حسين الخشن



قال تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [ المطففين 22- 26].

 

1- مفهوم المنافسة

 

التنافس هو التسابق نحو عمل معين، وهو قد يكون ممدوحاً إذا كانت غايته طيبة وهي الخير وانطلق من نية طيبة، وقد يكون مذموماً إذا كانت غايتة قبيحة، أو إذا انطلق من منطلق خبيث كالحسد والحقد، قال الراغب الأصفهاني:" والمُنَافَسَةُ: مُجَاهَدَةُ النَّفْسِ للتشبه بالأفاضلِ، واللُّحُوقِ بهم من غير

إِدْخال ضَرَرٍ على غيرِه. قال تعالى: {وفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ} [ المطففين / 26 ] وهذا كقوله : { سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [ الحديد / 21 ]"[1].

 

قال الشيخ الطوسي:" فالتنافس تمني كل واحد من النفسين مثل الشيء النفيس الذي للنفس الأخرى أن يكون له، تنافسوا في الشيء تنافسا ونافسه فيه منافسة، والجليل الذي ينفس بمثله نفيس، ونفس عليه بالأمر ينفس نفاسة إذا ضنّ به لجلالته"[2].

 

2- التنافس في الميدان الحضاري

 

والتنافس من حيث المبدأ ينمي في الإنسان الشعور بالإثارة وروح التحدي ويثير فيه الحماسة والغيرة، الأمر الذي يحفّزه لفعل ما هو الأفضل والأحسن، ويدفعه إلى التكامل الإيجابي، ومن هنا كان التنافس أمراً مرغوباً، ففي المجال التربوي والتعليمي إذا أردت إصلاح أو تعليم طفل غير مبالٍ

بدرسه ولا مهتم بترتيب نفسه وأغراضه وكل ما يخصّه، فقد يكون أسلوب إشعاره بالمنافسة مع أقرانه، طريقاً جيداً ونافعاً ليندفع نحو تغيير سلوكه، والأمر عينه ينطبق على المجال الإداري فالمدير الناجح إذا استطاع أن يخلق روح المنافسة بين الموظفين مشفعاً ذلك بالمحفزات المادية والمعنوية،

فإنّ ذلك سيدفع نحو تطوير العمل ونجاحه.   

 

والتنافس كما يكون بين الأفراد، فإنه قد يكون بين الأمم والشعوب، فالأمة التي يراد لها أن تنهض من كبوتها عليها أن تنظر إلى الأمم المتقدمة، وتتعرف على أسباب تقدمها وسر نجاحها لتأخذ ذلك منها وتقتبس من تجاربها، والتنافس هنا لا يعني التصادم، فنحن نريد للحضارات أن تتنافس وتتعاون في تقديم

الأفضل، لا أن تتصادم وتتحارب، والتنافس لا بدّ أن يبدأ بإدراك الإنسان لحالته، فالمريض لا يشعر بالحاجة إلى الذهاب إلى الطبيب واستعمال الدواء إلا إذا شعر والتفت إلى المرض، وإنّ أمتنا الإسلامية اليوم معنية بأن تدرك حالتها وتشعر بهذا التردي الذي أصابها على أكثر من صعيد، فقد كانت

سباقة إلى الخير والعلم والتطور، وإذا بها تتراجع وتشيخ، فلو أيقظنا لديها الحس التنافسي لشعرت بالمسؤولية، فهذه شعوب الأرض آخذة في التقدم وهي ترسم مسارها وقد تنجح تارة وتخفق أخرى، فلماذا نبقى نحن في هذا الجمود على أكثر من صعيد، في السياسة جمود وفي العلم جمود وسكون!

إنّ من تساوى يوماه فهو مغبون، فكيف إذا تساوت العهود والقرون!

 

إنّ عودة الأمة الإسلامية إلى ميدان التنافس هو الهدف الأسمى الذي يحتاج إلى الكثير من التضحيات، وبذل الجهود الفكرية لرفع المعوقات ودراسة أسباب التخلف والتراجع، ومن ثم يحتاج إلى العمل المضني، ويحتاج قبل كل شيء إلى الثقة بالذات.

 

3- المنافسة في الميزان الأخلاقي

 

وربما يقال: إن التنافس ليس ممدوحاً في الميزان الأخلاقي، لأنّه يدفع الناس إلى فعل الخيرات تحدياً للآخر أو إظهارا لكرمه وجوده، فلا يكون عمله خالصاً لله تعالى، فكيف نفهم تشجيع القرآن على المنافسة في الوقت الذي يذم في الرياء والشرك حتى في النيّة، ومن جهة أخرى، فإنّ المنافسة ستدفع

الإنسان إلى أتون الحسد، وذلك عندما يرى الآخر يفعل عملاً طيباً وهو لا يستطيع أن يقوم به.

 

والجواب: أنّ العمل عندما يكون لله تعالى فلن يداخله الرياء، ويكتسب طهارته من طهارة وقداسة الغاية التي عمل لأجلها، وحيث كان الغرض من التسابق هو نيل رضوان الله تعالى، فلا يمكن أن يخالطه نية لغير الله تعالى، أو يقال: إن المتنافس إنما يريد من إظهار المنافسة تشجيع عمل الخير،

وحثّ العباد على ذلك، فلا تكون هذه الضميمة مفسدة لنية الإخلاص. وقد لاحظنا أنّ الآية المباركة بعد أن ذكرت النعيم الجزيل المعدّ للأبرار وأهل النعيم، قالت: { وفي ذلك فليتنافس المتنافسون}، أي في العمل لنيل هذا المقام السامي، ومقام كهذا لا يناله أصحاب الحسد والمملؤة قلوبهم بالحقد

والغل، قال تعالى: { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [ الحجر 47]. وقال تعالى محددا وجهة التسابق والمسارعة: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ

النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [ آل عمران 133- 134].ومن هنا فإن التنافس لايبرر الحسد ولا الضغينة إطلاقاً، بل هو يلتقي مع الغبطة، قال الشهيد الثاني:" وإذ قد عرفت أنه لا حسد إلا على نعمة فإذا أنعم الله على أخيك بنعمة فلك فيها حالتان إحداهما أن تكره تلك النعمة وتحب زوالها وهذه

الحالة تسمى حسدا والثانية أن لا تحب زوالها ولا تكره وجودها ودوامها، ولكنك تشتهي لنفسك مثلها، وهذا يسمى غبطة، وقد يخص باسم المنافسة، قال الله تعالى: { وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ}،  وقد تسمى المنافسة حسداً والحسد منافسة، كقول عبد الله الفضل وقثم ابني العباس لعلي ع

حين أشار عليهما بأن لا يذهبا إلى النبي ص ولا يسألانه الولاية على الصدقة وقد كانا أرادا ذلك: ما ذا منك إلا منافسة، والله لقد زوّجك ابنته فما نفسنا ذلك عليك" .. والمحرم من الحالتين هو الحالة الأولى وهي المخصوصة بالذم قال (ص):"المؤمن يغبط والمنافق يحسد"[3].

 

4- التنافس في الفقه الإسلامي

وفي الفقه الإسلامي حديث عن المسابقة وبيان لأحكامها، ويمكن تلخيص الموقف الفقهي من قضية التسابق، بالحديث النبوي الشهير:" لَا سَبَقَ إِلَّا فِي خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ أَوْ نَصْلٍ"[4].

وهذا الحديث يستفاد منه العديد من الفوائد الفقهية:

 

أولا: حليّة المسابقات الرياضية وحلية أخذ السَبَق وهو الرهان الذي يأخذه الرابح من المتراهنين.

ثانيا: ويستفاد منه عدم جواز أخذ الرهان في غير الثلاثة لأنّه قمار محرّم.

والميزة لهذه الثلاثة هي أنّها تهيء الإنسان جسدياً، وتجعله ذا لياقة بدنية ومستعداً لمواجهة التحديات والحروب التي قد تفرض عليه أو تتطلبها المصلحة العامة، ومن الطبيعي أن الرهان الذي يؤخذ في المسابقة المشروعة إنما هو على التسابق نفسه ومن قبل المتسابقين، وليس ما يؤخذ على تحديد الرابح منهما، كما يحصل في أيامنا حيث يتراهن بعض الناس من غير المتسابقين على تعيين الرابح، فهذا قمار محرّم.

وتجدر الإشارة إلى أنّه لا خصوصية للنصل والخف والحافر، فما يقوم مقامها اليوم من سيارات معدة للحرب أو من أسلحة حربية يجوز أخذ الرهان على التسابق بها، كما ذكر بعض الفقهاء ومنهم السيد الخوئي رحمه الله.    

 

5- سابقوا الزمن فإنه يسبقكم  

 

وكما أن التسابق القماري محرم ومذموم، فإن التنافس على الدميا وحطامها مذموم هو الآخر، وحال الناس تنبينا بأنهم غارقون في وحول الدنيا يتافسون على مالها وجاها الزائل، فيسعى الواحد ليكون أكثرهم مالاً أو أكثرهم ولداً أو أعلى منصباً، أو أقوى عشيرة، ويتنافسون في بناء القصور،

والبيوت، والقلة من يفكرون أو يسعون أكثر الناس تقى وأفضلهم أخلاقاً، وأكثرهم ابتعاداً عن الغيبة والظلم.. إننا نحرص على الزائل ولا نحرص على الباقي ونحرص على القشور لا اللباب، هذا مع أنّ الله لا ينظر إلى الكثرة بل ينظر إلى النوعية، لاحظ قوله تعالى: { ليبلوكم أيكم أحسن عملاً}

[هود - 7] فهو يريد الأحسن وليس أكثركم عملاً، ولذا علينا أن نتنافس في العمل الصالح،عن أمير المؤمنين (ع):" بادروا بالعمل وسابقوا الأجل (هجوم الأجل ) فإنّ الناس يوشك أن ينقطع بهم الأمل ويرهقهم الأجل"[5] .

 

فإذا كنا متسابقين فلنتسابق في ميدان العمل الصالح وتحصيل مكارم الأخلاق، ولنسع في سباق آخر أيضاً وهو سباق الأجل والعمر، قبل أن يسبقنا ونحن خلوٌ من أي عمل صالح، عن أمير المؤمنين (ع):" سارعوا إلى الطاعات [ وسابقوا إلى إسداء المكرمات ] ( وسابقوا إلى فعل الصالحات )

فإن قصرتم فإياكم أن تقصروا عن أداء الفرائض"[6].

 

ومن كلام له(ع):" .. فَبَادِرُوا الْمَعَادَ وسَابِقُوا الآجَالَ، فَإِنَّ النَّاسَ يُوشِكُ أَنْ يَنْقَطِعَ بِهِمُ الأَمَلُ ويَرْهَقَهُمُ الأَجَلُ، ويُسَدَّ عَنْهُمْ بَابُ التَّوْبَةِ، فَقَدْ أَصْبَحْتُمْ فِي مِثْلِ مَا سَأَلَ إِلَيْه الرَّجْعَةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، وأَنْتُمْ بَنُو سَبِيلٍ عَلَى سَفَرٍ مِنْ دَارٍ لَيْسَتْ بِدَارِكُمْ، وقَدْ أُوذِنْتُمْ مِنْهَا بِالِارْتِحَالِ وأُمِرْتُمْ فِيهَا بِالزَّادِ

واعْلَمُوا أَنَّه لَيْسَ لِهَذَا الْجِلْدِ الرَّقِيقِ صَبْرٌ عَلَى النَّارِ، فَارْحَمُوا نُفُوسَكُمْ ، فَإِنَّكُمْ قَدْ جَرَّبْتُمُوهَا فِي مَصَائِبِ الدُّنْيَا، أَفَرَأَيْتُمْ جَزَعَ أَحَدِكُمْ مِنَ الشَّوْكَةِ تُصِيبُه، والْعَثْرَةِ تُدْمِيه والرَّمْضَاءِ تُحْرِقُه، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ بَيْنَ طَابَقَيْنِ مِنْ نَارٍ، ضَجِيعَ حَجَرٍ وقَرِينَ شَيْطَانٍ"[7].

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

نُشر على الموقع في 12-6-2016



[1] مفردات ألفاظ القرآن ص 818.

[2] التبيان ج 10 ص 303.

[3] كشف الريبة ص 57.

[4] سنن ابن ماجة ج 2 ص 960، وسنن أبي داوود ج 1 ص 580، وروي في مصادر الشيعة عن الإمام الصادق (ع)، أنظر: الكافي ج 5 ص 49، و50.

[5] عيون الحكم والمواعظ ص 192.

[6] المصدر نفسه ص 285.

[7] نهج البلاغة ج 2 ص 112.

 






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon