حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » أنا طالب علم، لدي خوف من أن أتكلم بغير علم.. ما الحل؟
ج »

وعليكم السلام

لا بد لطالب العلم في مساره العلمي أن يتسلح بأمرين أساسيين:
الأول: الاستنفار العلمي وبذل الجهد الكافي لمعرفة قواعد فهم النص واستكناه معناه ودلالاته بما يعينه على التفقه في الدين وتكوين الرأي على أسس صحيحة.
الثاني: التقوى العلمية ويُراد بها استحضار الله سبحانه وتعالى في النفس حذراً من الوقوع في فخ التقوّل على الله بغير علم. ومن الضروري أن يعيش مع نفسه حالة من المحاسبة الشديدة ومساءلة النفس من أن دافعه إلى تبني هذا الرأي أو ذاك: هل هو الهوى والرغبة الشخصية أم أن الدافع هو الوصول إلى الحقيقة ولو كانت على خلاف الهوى.
أعتقد أن طالب العلم إذا أحكم هذين الامرين فإنه سيكون موفقاً في مسيرته العلمية وفيما يختاره من آراء أو يتبناه من موقف.

 
س » كيف علمنا أن الصحيفة السجادية ناقصة؟ وهل ما وجده العلماء من الأدعية صحيح؟؟
ج »

أقول في الإجابة على سؤالكم:

أولاً: إن الصحيفة السجادية في الأصل تزيد على ما هو واصل إلينا وموجود بين أيدينا، قال المتوكل بن هارون كما جاء في مقدمة الصحيفة: " ثم أملى عليّ أبو عبد الله (ع) الأدعية، وهي خمسة وسبعون باباً، سقط عني منها أحد عشر باباً، وحفظت منها نيفاً وستين باباً"، بيد أن الموجود فعلاً في الصحيفة الواصلة إلينا هو أربعة وخمسون دعاء. آخرها دعاؤه في استكشاف الهموم، وهذا آخر دعاء شرحه السيد علي خان المدني في رياض السالكين، وكذا فعل غيره من الأعلام.

ثانياً: إن سقوط عدد من أدعية الصحيفة وضياعها دفع غير واحد من الأعلام للبحث والتتبع في محاولة لمعرفة ما هو الضائع منها، وبحدود اطلاعي فإنهم عثروا على أدعية كثيرة مروية عن الإمام زين العابدين (ع)، لكنهم لم يصلوا إلى نتائج تفيد أن ما عثروا عليه هو من الأدعية الناقصة منها، ولذا عنونوا مؤلفاتهم بعنوان مستدركات على الصحيفة، ولم يجزموا أن ما جمعوه من أدعية هو الضائع من أدعية الصحيفة. وهذا ما تقتضيه الضوابط العلمية والدينية، فما لم يعثر الإنسان على نسخة قديمة موثوقة أو قرائن مفيدة للوثوق بأن هذا الدعاء أو ذاك هو من جملة أدعية الصحيفة فلا يصح له إضافة بعض الأدعية على الصحيفة بعنوان كونها منها.

ثالثاً: لقد ابتُلينا بظاهرة خطيرة، وهي ظاهرة الإضافة على الصحيفة أو غيرها من كتب الأدعية، وهذا العمل هو خلاف الأمانة والتقوى، وقد ترتّب على ذلك الكثير من المفاسد، وأوجب ذلك وهماً للكثيرين، فتوهموا أن بعض الأدعية هي جزء من الصحيفة السجادية المشهورة، ومردّ ذلك بكل أسف إلى أن مجال الأدعية والزيارات شرعة لكل وارد، وتُرك لأصحاب المطابع والمطامع! وأعتقد أن هذا العبث في كتب الأدعية والزيارات ناشئ عن عدم عناية العلماء بالأمر بهذه الكتب كما ينبغي ويلزم، كما نبه عليه المحدث النوري في كتابه "اللؤلؤ والمرجان" مستغرباً صمت العلماء إزاء التلاعب والعبث بنصوص الأدعية والزيارات مما يعدّ جرأة عظيمة على الله تعالى ورسوله (ص)!

رابعاً: أما ما سألتم عنه حول مدى صحة الأدعية الواردة بعد دعاء استكشاف الهموم، فهذا أمر لا يسعنا إعطاء جواب حاسم وشامل فيه، بل لا بدّ أن يدرس كل دعاء على حدة، ليرى ما إذا كانت قرائن السند والمتن تبعث على الحكم بصحته أم لا. فإن المناجاة الخمس عشرة بنظرنا لم تصح وربما كانت من وضع الصوفية، وقد أوضحنا ذلك بشكل مفصل في كتاب الشيع والغلو.


 
س » ابني المراهق يعاني من التشتت، وأنا جدا قلق ولا اعرف التصرف معه، ما هي نصيحتكم؟
ج »

التشتت في الانتباه في سن المراهقة مع ما يرافقه من الصعوبات هو في حدود معينة أمر طبيعي وظاهرة تصيب الكثير من المراهقين ولا سيما في عصرنا هذا.

وعلينا التعامل مع هذه المرحلة بدقة متناهية من الاستيعاب والتفهم والإرشاد والتوجيه وتفهم سن المراهق، وأن هذه المرحلة تحتاج إلى أسلوب مختلف عما سبقها.

فالمراهق ينمو لديه الإحساس بالذات كثيرا حتى ليخيل إليه أنه لم يعد بحاجة إلى الاحتضان والرعاية من قِبل والديه.

وبالتالي علينا أن نتعامل معه بأسلوب المصادقة "صادقه سبعا.." والتنبه جيدا للمؤثرات التي تسهم في التأثير على شخصيته واستقامته وتدينه، ومن هذه المؤثرات: الأصدقاء ووسائل التواصل الاجتماعي، فإن نصيبها ودورها في التأثير على المراهق هو أشد وأعلى من دورنا.

وفي كل هذه المرحلة علينا أن نتحلى بالصبر والأناة والتحمل، وأن نبتدع أسلوب الحوار والموعظة الحسنة والتدرج في العمل التربوي والرسالي.

نسأل الله أن يوفقكم وأن يقر أعينكم بولدكم وأن يفتح له سبيل الهداية. والله الموفق.


 
س » اعاني من عدم الحضور في الصلاة، فهل أحصل على الثواب؟
ج »
 
لا شك أن العمل إذا كان مستجمعا للشرائط الفقهية، فهو مجزئٌ ومبرئٌ للذمة. أما الثواب فيحتاج إلى خلوص النية لله تعالى بمعنى أن لا يدخل الرياء ونحوه في نية المصلي والعبادة بشكل عام.
ولا ريب أنه كلما كان الإنسان يعيش حالة حضور وتوجه إلى الله كان ثوابه أعلى عند الله، لكن لا نستطيع نفي الثواب عن العمل لمجرد غياب هذا الحضور في بعض الحالات بسبب الظروف الضاغطة على الإنسان نفسيا واجتماعيا.
لكن على الإنسان أن يعالج مشكلة تشتت الذهن أثناء العمل العبادي وذلك من خلال السعي الجاد للتجرد والابتعاد عن كل الهواجس والمشكلات أثناء الإقبال على الصلاة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، باستحضار عظمة الله عز وجل في نفوسنا وأنه لا يليق بنا أن نواجهه بقلب لاهٍ وغافل. والله الموفق.

 
س » أنا إنسان فاشل، ولا أتوفق في شيء، وقد كتب عليّ بالخسارة، فما هو الحل؟
ج »

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أولاً: التوفيق في الحياة هو رهن أخذ الإنسان بالأسباب التي جعلها الله موصلة للنجاح، فعلى الإنسان أن يتحرك في حياته الشخصية والمهنية والاجتماعية وفق منطق الأسباب والسنن. على سبيل المثال: فالإنسان لن يصل إلى مبتغاه وهو جليس بيته وحبيس هواجسه، فإذا أراد الثروة فعليه أن يبحث عن أسباب الثروة وإذا أراد الصحة فعليه أن يأخذ بالنصائح الطبية اللازمة وإذا أراد حياة اجتماعية مستقرة عليه أن يسير وفق القوانين والضوابط الإسلامية في المجال الاجتماعي وهكذا.

ثانياً: لا بد للإنسان أن يعمل على رفع معوقات التوفيق، وأني أعتقد أن واحدة من تلك المعوقات هي سيطرة الشعور المتشائم على الإنسان بحيث يوهم نفسه بأنه إنسان فاشل وأنه لن يوفق وأنه لن تناله البركة الإلهية.

إن هذا الإحساس عندما يسيطر على الإنسان فإنه بالتأكيد يجعله إنسانا فاشلا ومحبطا ولن يوفق في حياته ولذلك نصيحتي لك أن تُبعد مثل هذا الوهم عن ذهنك وانطلق في الحياة فإن سبيل الحياة والتوفيق لا تعد ولا تحصى.


 
س » ما هو هدف طلب العلم الذي يجب أن يكون؟
ج »

عندما ينطلق المسلم في طلبه للعلم من مسؤوليته الشرعية الملقاة على عاتقه ومن موقع أنه خليفة الله على الأرض، فإن ذلك سوف يخلق عنده حافزاً كبيراً للجد في طلب العلم والوصول إلى أعلى المراتب. أما إذا انطلق في تحصيله من موقع المباهاة أو إثبات ذاته في المجتمع أو من موقع من يريد أن يزين اسمه بالشهادة الجامعية ليُقال له "الدكتور" وما إلى ذلك، فإنه - في الغالب - لن يصل إلى النتيجة المرجوة.

وعلى كل إنسان منا أن يعي أنّنا في هذه الحياة مسؤولون في أن نترك أثراً طيباً، وأن نقوم بواجباتنا قبل أن يطوينا الزمان، إننا مسؤولون عن عمرنا فيما أفنيناه وعن شبابنا فيما أبليناه، وسنُسأل يوم القيامة عن كل هذه الطاقات التي منّ اللهُ بها علينا.

وأضف إلى ذلك، إنه من الجدير بالمسلم، أن لا يفكر في نفسه وما يريحه هو فحسب في طلبه للعلم، بل أن يفكر أيضاً في أمته والنهوض بها ليكون مستقبلها زاهراً، وهذا كله يحتم عليه أن يكون سقف طموحاته عالياً ليتمكن هو وأقرانه من الطلاب والعلماء من ردم الفجوة بيننا وبين الغرب الذي سبقنا على أكثر من صعيد.

باختصار: إن مسؤوليتنا ورسالتنا وانتماءنا لهذه الأمة يفرض علينا أن نعيش حالة طوارئ ثقافية وعلمية.


 
س » ما رأيكم في الاختلاط المنتشر في عصرنا، وكيف نحاربه؟
ج »

إنّ الاختلاط قد أصبح سمة هذا العصر في كثير من الميادين، ومنها الجامعات والطرقات والساحات وكافة المرافق العامة.. والاختلاط في حد ذاته ليس محرماً ما لم يفضِ إلى تجاوز الحدود الشرعية في العلاقة بين الرجل والمرأة الأجنبيين؛ كما لو أدى إلى الخلوة المحرمة بالمرأة أو مصافحتها أو كان المجلس مشوباً بأجواء الإثارة الغرائزية أو غير ذلك مما حرمه الله تعالى.

وفي ظل هذا الواقع، فإنّ العمل على تحصين النفس أولى من الهروب أو الانزواء عن الآخرين بطريقة تشعرهم بأن المؤمنين يعيشون العُقد النفسية. إن على الشاب المسلم أن يثق بنفسه وأن يفرض حضوره ووقاره، وأن يبادر إلى إقناع الآخرين بمنطقه وحججه، وأن يبيّن لهم أن الانحراف والتبرج والفجور هو العمل السيّئ الذي ينبغي أن يخجل به الإنسان، وليس الإيمان ومظاهر التدين.

وأننا ندعو شبابنا عامة وطلاب الجامعات خاصة من الذكور والإناث إلى أن يتزينوا بالعفاف، وأن يحصنوا أنفسهم بالتقوى بما يصونهم من الوقوع في الحرام.


 
س » كيف يمكن التخلص من السلوكيات والعادات السيئة؟
ج »

إن التغلب على السلوكيات الخاطئة أو العادات السيئة – بشكل عام – يحتاج بعد التوكل على الله تعالى إلى:

أولاً: إرادة وتصميم، ولا يكفي مجرد الرغبة ولا مجرد النية وانما يحتاج بالإضافة إلى ذلك إلى العزم والمثابرة وحمل النفس على ترك ما اعتادته.

ثانياً: وضع برنامج عملي يمكّن الإنسان من الخروج من هذه العادة السيئة بشكل تدريجي؛ وأرجو التركيز على مسألة "التدرج" في الخروج من هذه العادات السيئة؛ لأن إدمان النفس على الشيء يجعل الخروج منه صعباً ويحتاج إلى قطع مراحل، وأما ما يقدم عليه البعض من السعي للخروج الفوري من هذه العادة، فهو - بحسب التجربة - سيُمنى في كثير من الأحيان بالفشل. والله الموفق


 
 
  محاضرات >> دينية
محاضرات رمضانية: التجارة وآدابها
الشيخ حسين الخشن



التجارة شروطها وآدابها

قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [ الجمعة 9 -11]

 

1- المال وقيام المجتمع

إنّ المال هو أحد ركائز القوة في الأمة، فلا يمكن أن تقوم الأمة بشؤونها إذا كانت فقيرة، فالفقر سيجعلها مرتهنة للآخرين تابعة لهم، فلن يكون المجتمع قوياً ما لم يكن غنياً وممتلكاً لمصادر الثروة والطاقة، فهذا ما يصنع منه قوّة ويجعله مستغنياً عن الآخرين، وليس من الدين في شيء ما يتخيله

البعض من أنّ الله تعالى يريدنا أن نعيش الفقر والحاجة، قال تعالى: { وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا } [النساء 5]. فقيام المجتمع في المال ولا يجوز تبديد المال وتضييعه بإعطائه للسفهاء، ونلاحظ اليوم أن أموال الأمة

يديرها السفهاء المبذرون الذين يتنعمون بهذا المال على حساب الفقراء والمحتاجين، وأمّا الزهد فهو لا يعني عدم امتلاك شيء، وإنما هو أن لا يملكك المال، ثم إن الزهد حالة فردية وأما الأمة ككيان اجتماعي فلا يطلب منه أن يكون فقيراً..

 

 

2- أهمية التجارة

 

ومصادر المال ومجالاته كثيرة، ومن هذه المجالات التي تشكّل مصدراً لحركة المال واستثماره وتنميته السوق التجاري، ولذا أولى الإسلام هذا المرفق أهميّة خاصة، وأول ما يواجهنا على هذا الصعيد هو الحث على التجارة والتشجيع عليها، والتأكيد على أنّ البركة في الاتجار، عن أبي جعفر

عليه السلام قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله: البركة عشرة أجزاء تسعة أعشارها في التجارة"[1].

 

ومن فوائد الاتجار أن يحفظ ماء الشخص ويجعله يعيش حياة سعيدة هانئة، في الحديث:" سألَ أَبُو عَبْدِ اللَّه (ع) عَنْ رَجُلٍ وأَنَا حَاضِرٌ فَقَالَ مَا حَبَسَه عَنِ الْحَجِّ؟ فَقِيلَ: تَرَكَ التِّجَارَةَ وقَلَّ شَيْئُه قَالَ: وكَانَ مُتَّكِئاً فَاسْتَوَى جَالِساً ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: "لَا تَدَعُوا التِّجَارَةَ فَتَهُونُوا اتَّجِرُوا بَارَكَ اللَّه لَكُمْ"[2].

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع):" قَالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّه عَلَيْه: تَعَرَّضُوا لِلتِّجَارَةِ فَإِنَّ فِيهَا غِنًى لَكُمْ عَمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ"[3].

 

فالسوق هو عز الإنسان، في الحديث: " كَانَ أَبُو الْحَسَنِ (ع) يَقُولُ لِمُصَادِفٍ: اغْدُ إِلَى عِزِّكَ يَعْنِي السُّوقَ"[4]. وعن المعلى بن خنيس أنه قال : " رآني أبو عبد الله عليه السلام وقد تأخرت عن السوق ، فقال لي : اغد إلى عزك"[5].

 

 

3- وقفة مع الآيات

 

ولو أجلنا النظر بتدبر وإمعان في الآيات المباركات من سورة الجمعة، فسوف نجدها تنظّم العلاقة بين السوق والمسجد تنظيماً واضحاً وجلياً:

 

أولاً: هي تؤكد على أنّ المطلوب من المؤمنين أن يتركوا الانشغال بالتجارة وقت النداء لصلاة الجمعة، وذلك لكي يسعوا إلى ذكر الله، فيشاركوا في هذه العبادة العظيمة التي هي مظهر وحدة، وواحة روح وعبادة، وفرصة لقاء مع الأخوة، وساعة تثقيف يحتاج التاجر إليها كما غيره من المسلمين.

 

ثانياً: ليس المطلوب ترك التجارة في يوم الجمعة بأكمله، بل وقت الصلاة، ولأجل المشاركة في الصلاة وليس مجرد إقفال الدكان وبقاء صاحبه فيه كما يحصل أحياناً! ولاحظوا أن الآية دعتهم إلى الصلاة أن ويذروا البيع وقت النداء، ما يعني أنهم كانوا في السوق، ومن ثمّ أردفت بالقول: {فإذا

قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله}، الأمر الذي يمكن أن نستفيد منه أن يوم الجمعة ليس يوم تعطيل، كما درجنا عليه. وإن لم يكن ثمّة ما يمنع من اتخاذه يوم استراحة وعطلة.

 

ثالثاً: إن التجارة على أهميتها لا تتقدم على اتباع النبي (ص) وموالاته، ولذا نددت الآية بالذين يتخلون عن النبي (ص) لمجرد أن رأوا تجارة أو ما دون التجارة كاللهو، هذا مع أنّ اتباع النبي (ص) والدفاع عنه فيه مرضاة الله تعالى، ومرضاته تعالى أهم من اللهو بل وأهم من التجارة، وإذا خشيتم

ذهاب شيء من ربحكم وتجارتكم نتيجة اتباعكم لله تعالى ولنبيه(ص) فاعلموا أنّ الله هو خير الرازقين.

 

4- الشروط الشرعية للاتجار

 

والتجارة لها شروطها الشرعية، وهذه الشروط لا ترمي إلى تعقيد حركة التجارة، فالتشريع الإسلامي حريص على تسهيل حركة التجارة ولذلك رفض النبي (ص) التسعير، بل ترمي إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، وضمان انتظام حركة السوق، والابتعاد عن الظلم والخداع والتلاعب بالأسعار وما

فيه مضرة للعامة، وما لم تتوفر التجارة على شروط الشرعية كانت مصداقاً لأكل المال بالباطل، قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [ النساء 29]، وهذه أهم شروط الشرعية المتصلة بالعدالة الاجتماعية في التجارة، ونحن نمرّ

عليها هنا مرورا سريعاً لأنها تحتاج إلى تفصيل:

 

أولاً: الاحتكار، عن رسول الله (ص) :" الجالب مرزوق والمحتكر ملعون". والاحتكار المحرم هو ما يضر بالناس فلو احتكر أمراً من الكماليات فلا يحرم، عنه (ص):" كل حكرة تضر بالناس وتغلي السعر عليهم فلا خير فيها"[6]. وعن علي (ع) في عهده للأشتر:" فامنع الاحتكار، فإن

رسول الله منع منه، وليكن البيع بيعاً سمحاً بموازين عدل وأسعار لا تجحف بالفريقين"[7].

 

ثانياً: الربا ، قال تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا

وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ

رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ } [البقرة 275 – 279].

 

 

ثالثاً: التطفيف، قال تعالى: { ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون} [ ].

 

رابعاً: الغش، عن رسول الله (ص):" من غشّ أخاه المسلم نزع الله منه بركة رزقه، وأفسد عليه معيشته، ووكله إلى نفسه".

 

خامساً: اجتناب الكذب، عن رسول الله (ص):" ثلاثة لا ينظر الله إليهم.. والمزكي سلعته بالكذب". وعنه (ص) " إذا التاجران صدقا بورك لهما فإذا كذبا وخانا لم يبارك لهما".

 

 

5- أخلاقيات التجارة وآدابها

 

وثمّة آداب الإسلام على التاجر، وهي ما تتصل بالتزام الأخلاقيات الإسلامية، وإن لم تكن مضرة للغير ومخلة بنظم السوق بشكل مباشر، ونشير إلى بعضها:

 

أولاً: ترك الحلف بالله تعالى، عن رسول الله (ص) : "الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة". وعنه (ص): " ويل لتجار أمتي من " لا والله " و" بلى والله"

 

هذا إذا كان الحلف صادقاً أما إذا كان كاذباً، فهذه اليمين الغموس، وهي كفيلة بخراب الديار، كما جاء في الأخبار.

 

ثانياً: ترك البيع أو السوم على الأخ المؤمن، عن رسول الله :" لا يبيع المؤمن على بيع أخيه، ولا يسوم على سوم أخيه"[8].

 

ثالثاً: ومن هذه الآداب ما يشير إليه الحديث التالي الذي هو من جوامع كلام النبي (ص) في هذا المجال: " إنّ أطيب الكسب كسب التجار الذين إذا حدثوا لم يكذبوا، وإذا ائتُمنوا لم يخونوا، وإذا وعدوا لم يخلفوا، وإذا اشتروا لم يذموا، وإذا باعوا لم يطروا، وإذا كان عليهم لم يمطلوا وإذا كان لهم لم يعسروا"[9].

 

6- الفقه ثم المتجر

 

إنّ ما تقدّم من شروط لا بدّ من توفرها في التجارة يحتم علينا أن نبدأ بالتفقه قبل أن نبدأ بالتجارة، وذلك لنحرز عدم الوقوع في الحرام، فكما نهتم بأن نتفقه بأصول التجارة ونتخصص بذلك في الجامعات، حيث نتعلم الشروط الفنية والتقنية بما يضمن نجاح عملنا التجاري، فعلينا أن نهتم أيضاً بالتفقه في الشروط الشرعية، لضمان رضا الله تعالى، فعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه ع قَالَ: قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّه عَلَيْه:" مَنِ اتَّجَرَ بِغَيْرِ عِلْمٍ ارْتَطَمَ فِي الرِّبَا ثُمَّ ارْتَطَمَ قَالَ وكَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع يَقُولُ لَا يَقْعُدَنَّ فِي السُّوقِ إِلَّا مَنْ يَعْقِلُ الشِّرَاءَ والْبَيْعَ"[10].

 

 

7- مسؤولية التاجر

 

إن التاجر المسلم مسؤول اليوم قدر المستطاع عن الحفاظ المبادئ الإسلامية، وأن يحرص على قوّة المجتمع، وأن لا يعبث بأمن الناس الغذائي والصحي والأخلاقي، وأن لا يتذرع بحاجات السوق وأنّه لا يستطيع أن يقف في وجه حيتان المال والسياسة، وعليه أن لا يروّج لسلع لا تناسب قيمنا

وديننا ومجتمعنا، أو يساهم في الترويج لحاجات مصطنعة، والحال أنها من الكماليات التي لا ضرورة لها، فنحن مجتمع يتمّ غزوه من خلال السوق وإغراقه بالكثير من المتاهات.

 

إننا بكل تأكيد لا نريد أن نحمّل التاجر أكثر من طاقته فنحن بحاجة إلى عقل يدرس ويخطط ويعمل لتحقيق ذلك كله ويتطلع كي نكون الأمة المنتجة ولا نبقى الأمة المستهلكة.   

 

محاضرة رمضانية 1437 هـ / 2016 مـ.

نُشر على الموقع في 28-6-2016

 



[1] الخصال 455.

[2] الكافي ج 5 ص 149.

[3] الكافي المصدر نفسه.

[4] الكافي ج 5 ص 149.

[5] من لا يحضره الفقيه ج 3 ص 192.

[6] دعائم الإسلام ج 2 ص 35.

[7] نهج البلاغة.

[8] سنن ابن ماجة ج 2 ص 734.

[9] كنز العمال ج 4 ص 30.

[10] الكافي ج 5 ص 154.ورواه في النهج وفيه :" مَنِ اتَّجَرَ بِغَيْرِ فِقْه فَقَدِ ارْتَطَمَ فِي الرِّبَا"، انظر: نهج البلاغة ج 4 ص 10.

 






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon