عرض ولاية أهل البيت (ع) على الحيوانات والخضروات
الشيخ حسين الخشن
ثار مؤخراً حديث صاخب حول موضوع عرض ولاية أهل البيت (ع) على النبات والجمادات والحيوانات، حيث أطلق بعض العلماء كلاماً يؤكّد فيه هذا الأمر وذلك عبر بعض الفضائيات، الأمر الذي أثار لغطاً كبيراً بين رافض ساخر ومدافع مبرر، وقد وجّه إليّ بعض الأخوة سؤالاً حول هذا
الموضوع وتحديداً حول ما جاء في رواية إقرار الباذنجان بالولاية.
وإجابة على هذه التساؤلات وحرصاً على الصورة النقية والعقلانية لخط أهل البيت (ع) فقد حاولت تقديم بعض الملاحظات وتسجيل بعض الوقفات لنستجلي من خلالها الموقف من هذه القضية، وملخص البحث يدور حول النقاط التالية:
أولاً: استعراض نماذج لأهم أخبار المسألة.
ثانياً: إشارة عابرة إلى المنهج الصحيح للتعامل مع أمثال هذه الاخبار.
ثالثاً: بيان هل أن القضية - أعني عرض الولاية على الجمادات والحيوانات - معقولة أم مستحيلة.
رابعاً: الحديث عن نهوض الدليل التام على هذه القضية.
خامساً: نتيجة البحث في المسألة.
1- أخبار عرض الولاية على الجمادات والحيوانات
وفي النقطة الأولى نعرض لأهمّ الروايات الواردة في هذا الإطار، ولا أدعي أنّي قد أحصيت كل الأخبار الواردة في المسألة فلعلّ الباحثَ يعثر على روايات أخرى:
أولاً: ما ورد في الجبال والأحجار الكريمة والمياه:
1- علل الشرائع: محمد بن عبد الوهاب القرشي عن منصور بن عبد الله الأصفهاني عن علي ابن عبد الله الإسكندراني عن عباس بن العباس القانعي عن سعيد الكندي عن عبد الله بن حازم الخزاعي عن إبراهيم بن موسى الجهني عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وآله لعلي عليه السلام: يا علي تختم باليمين تكن من المقربين قال : يا رسول الله ومن المقربون ؟ قال : جبرئيل وميكائيل ، قال : بما أتختم يا رسول الله ؟ قال : بالعقيق الأحمر فإنّه أقرّ لله عز وجل بالوحدانية ولي بالنبوة ولك يا علي بالوصية ولولدك بالإمامة ولمحبيك بالجنة ولشيعة ولدك بالفردوس "[1].
2- عيون أخبار الرضا ( ع ): محمد بن أحمد بن الحسين بن يوسف البغدادي، عن علي بن محمد بن عنبسة، عن القاسم بن محمد بن العباس بن موسى بن جعفر العلوي ودارم بن قبيصة النهشلي معا، عن الرضا عن آبائه عن الحسين بن علي ومحمد بن الحنفية عن أمير المؤمنين صلوات الله عليهم
أجمعين قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: "تختموا بالعقيق، فإنّه أوّل جبلٍ أقرّ لله بالوحدانية ولي بالنبوة ولك يا علي بالوصية " [2].
3- : إقبال الأعمال: من كتاب النشر والطي عن الرضا عليه السلام في خبر طويل في فضل يوم الغدير قال : وفي يوم الغدير عرض الله الولاية على أهل السماوات السبع ، فسبق إليها أهل السماء السابعة فزين بها العرش ثم سبق إليها أهل السماء الرابعة فزينها بالبيت المعمور ، ثم سبق إليها أهل
السماء الدنيا فزينها بالكواكب ، ثم عرضها على الأرضين فسبقت إليها مكة فزينها بالكعبة ، ثم سبقت إليها المدينة فزينها بالمصطفى محمد صلى الله عليه وآله ، ثم سبقت إليها الكوفة فزينها بأمير المؤمنين عليه السلام وعرضها على الجبال فأول جبل أقر بذلك ثلاثة أجبال : العقيق وجبل الفيروز
وجبل الياقوت فصارت هذه الجبال جبالهن وأفضل الجواهر ، وسبقت إليها جبال أخر فصارت معادن الذهب والفضة وما لم يقر بذلك ولم يقبل صارت لا تنبت شيئا وعرضت في ذلك اليوم على المياه فما قبل منها صار عذبا ، وما أنكر صار ملحا أجاجا ، وعرضها في ذلك اليوم على النبات فما قبله
صار حلوا طيبا ، وما لم يقبل صار مرا ، ثم عرضها في ذلك اليوم على الطير فما قبلها صار فصيحا مصوتا وما أنكرها صار أحر ألكن "[3].
ثانياً: ما ورد في الفواكه والخضار والنبات:
1- ما قبل الميثاق كان عذباً: علل الشرائع: حمزة بن محمد العلوي، عن أحمد بن محمد الهمداني، عن المنذر بن محمد، عن الحسين بن محمد، عن سليمان بن جعفر، عن الرضا عليه السلام قال: أخبرني أبي عن أبيه عن جده أن أمير المؤمنين عليه السلام أخذ بطيخة ليأكلها فوجدها مرة فرمى بها وقال:
بعداً وسحقاً، فقيل: يا أمير المؤمنين وما هذه البطيخة؟ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إنّ الله تبارك وتعالى أخذ عقد مودتنا على كل حيوان ونبت، فما قبل الميثاق كان عذباً طيباً، وما لم يقبل الميثاق كان مالحاً زعاقاً"[4]. وورد قريباً من هذا المضمون في الاختصاص للمفيد[5].
2- حبة الأرز شهدت بالوصية لعلي: روى الراوندي في كتاب "الدعوات" عن المفضل بن عمر، عن الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "حبة أقرت لله بالوحدانية، ولي بالنبوة، ولأخي علي بالوصية، ولأمتي الموحدين بالجنة: الأرز"[6].
3- شهادة الباذنجان بالولاية: ابن شهراشوب: عن كتاب الفردوس، عن شيرويه الديلمي وكتاب العيون، عن احمد المؤدب: روى أبو هريرة أنه قال النبي - صلى الله عليه وآله: كلوا الباذنجان فإنّها شجرة رأيتها في جنة المأوى، شهدت لله بالحق، ولي بالنبوة، ولعلي بالولاية، فمن أكلها على أنها داء كانت داء، ومن أكلها على أنها دواء كانت دواء"[7] .
4- الجرجير بقلة بني أمية: في الخبر الذي رواه البرقي بسنده عن جعفر الأحول، عن محمد بن يونس، عن علي بن أبي حمزة عن أبي عبد الله عليه السلام:" إن لبني أمية من البقول الجرجير"[8].
ثالثاً: ما ورد في الحيوانات والطيور:
1- شهادة الجبال والأنهار والطيور: قد مرّ في حديث الإقبال أن الولاية قد عرضها الله في يوم الغدير "على الطير، فما قبلها صار فصيحاً مصوتاً وما أنكرها صار أحر ألكن "[9]
2- الوزغ من أعداء علي (ع): الاختصاص، بصائر الدرجات: الحجال عن اللؤلؤي عن ابن سنان عن فضيل الأعور عن بعض أصحابنا قال: كان رجل عند أبي جعفر عليه السلام من هذه العصابة يحادثه في شيء من ذكر عثمان، فإذا وزغ قد قرقر من فوق الحائط ، فقال أبو جعفر عليه السلام : أتدري ما يقول ؟ قلت: لا ، قال: يقول : لتكفن عن ذكر عثمان أو لأسبّن علياً"[10].
رابعاً: الأيام المعادية لأهل البيت (ع)!
روى الحافظ رجب البرسي عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) حديثاً طويلاً وجاء فيه: "أما العصافير فإنهم موالي عمر لأنهم منه ، وأمّا القنابر فإنهم من موالينا أهل البيت ، وإنهم يقولون في صفيرهم : بوركتم أهل البيت وبوركت شيعتكم ولعن الله أعداءكم ، ثم قال: عادانا من كل شئ حتى من الطيور الفاختة ومن الأيام أربعاء"[11].
وثمة روايات أخرى في هذه المجالات نعرض عن ذكرها.
2- في المنهج والضوابط
ومن المهمّ بمكان وقبل الدخول في محاكمة هذه الروايات ومناقشتها أن نعرض بكلمة مختصرة إلى بعض الضوابط المنهجية الذي يفترض اعتمادها في التعامل مع أمثال هذا النوع من الروايات:
أولاً: إنّ من اللازم مراعاة المنهج العلمي الذي يبتعد عن أسلوب الاستخفاف أو الاستهزاء أو السخرية في مواجهة هذه النصوص وما تضمنته من أفكار حتى لو كنا نرفض مضمونها ولا نقبلها، فإنّه ليس من الأخلاقيّة ولا الموضوعيّة في شيء تناول الأمر بلغة شعبويّة وأسلوب ساخر، وعلى الإنسان أن لا يبادر ويسارع إلى الرفض أو إلى التصديق إلا إذا قاده الدليل إلى هذا أو ذلك، ولا سيّما أن ثمّة طروحات علمية معاصرة تتحدث عن وجود إحساسات لدى بعض النباتات وتأثر ملفت بما يجري حولها، فضلاً عن الحيوانات.
ثانياً: وفي المقابل قد لا يكون من الحكمة في شيء أن يطرح البعض ممّن يتبنى ما جاء في الأخبار المتقدمة هذه الأمور والقضايا عبر الشاشات ووسائل الإعلام، فإنّ ذلك يوجب نفوراً من الدين وأهله، وأذكر أنّ إحدى الشابات المؤمنات عندما سمعت برواية من هذا القبيل سألتني عن الأمر، وقالت لي: لو أنّي لم أولد في أسرةٍ شيعيّة وسمعت هذه الروايات لسخرت من المذهب الشيعي!
ثالثاً: إنّ الأخبار المتقدمة ونظائرها تحتاج إلى دراسة توثيقيّة تحرص على توفّر عناصر التوثيق وشروط الاعتبار فيها، ومن أهمّها:
أ- توثيقها سنداً والتعرّف على رواة الأخبار المتقدمة ودراسة شخصيّاتهم واتجاهاتهم الفكريّة ومستوى ثقافتهم، فإنّ احتمال الوضع في هذا الحقل وارد جداً، ولا سيما مع تعلّق بعض الأغراض الخاصة والمصالح الذاتية للترويج لبعض الأمور من خلال وضع الأحاديث الشريفة، أو ربّما الوضع كيداً وطعناً في الدين وخط أهل البيت (ع)، كما تدلّ على ذلك رواية ابن أبي محمود المروية عن الإمام الرضا (ع)[12].
ب- التوثق من المصدر الذي روى هذه الأخبار ومدى اعتباره، وإلى أي حدً وصل إلينا من خلال أيدٍ أمينة تحول دون تعرضه للعبث والتلاعب به بالزيادة أو النقصان.
ت- دراسة المضمون جيداً، وعرضه على المفاهيم القرآنية وعلى مدركات العقل القطعي، وعلى المعطيات العلميّة، والمبرر للعرض على القرآن الكريم واضح، لأنّ الأئمة من أهل البيت(ع) لا يتحدثون بما يخالف كتاب الله تعالى، وقد وضعوا (ع) معياراً لتشخيص الأحاديث المكذوبة على ألسنتهم
وهو مخالفتها للكتاب. وأما المبرر للعرض على المدركات العقليّة القطعيّة فواضح أيضاً، لما ثبت في محله أنّ ما يخالف حكم العقل أيضاً لا يعقل صدوره عن منبع يتصل بالوحي بشكل مباشر أو غير مباشر[13]، وأما مبرر العرض على المعطيات العلميّة فهو أنّ بعض هذه الأخبار تحدثت عن
أضرار بعض الفواكه أو الخضروات ونفع الأخرى، وقد تحدثنا في بعض الأبحاث أنّ الأئمة (ع) لا يمكن أن يتحدثوا بما يخالف الحقائق العلمية. ومن المهمّ هنا الإشارة إلى أنّ الإنسان لا يمكنه أن يعوّل في مقام الاستشفاء من الأمراض على الخبر الواحد، ولا سيما إذا كان ضعيفًا، بل عليه أن يسير وفق
منطق السنن الإلهية، فإنّ الذي خلق الداء خلق الدواء، فيفترض به أن يرجع إلى أهل الخبرة في هذا المجال لإرشاده إلى تناول الدواء اللازم، فإنّ الله تعالى أمرنا بالرجوع إليهم في قوله سبحانه: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل43].
رابعاً: إنّ المسألة المبحوث عنها، وهي قضيّة عرض الولاية على المخلوقات كافة ليست مسألة فقهية يعتمد فيها على أخبار الآحاد الصحيحة، بل نحن أمام مسألة عقديّة، وبالتالي لا بدّ فيها من قيام الدليل القطعي، فلا يكتفى فيها بخبر الواحد حتى لو كان صحيحاً فضلاً عمّا لو كان ضعيفاً.
3- بين الإمكان والاستحالة
هل ثمّة محذور يمنع من عرض الولاية على الكائنات غير العاقلة من الحيوانات والجمادات؟
إنّ الاعتراض الأساس الذي يمكن ان يطرح في المقام: هو انّ عرض النبوّة والولاية على المخلوقات غير العاقلة كالحيوانات أو الخضار مثلا، هو أمر غير مفهوم بل هو مرفوض رفضاً حاسماً؛ وذلك لأنّ هذه الكائنات حيث إنّها غير عاقلة ولا مختارة، فلا معنى لأن يُعرض عليها أمر النبوة والولاية، فإنّ النبوة هي سفارة بين الله تعالى وبين العقلاء من خلقه، وتحديدًا بني الإنسان، وشمولها حتى للجن غير واضح بالنسبة لنا، كما ذكرنا ذلك في كتاب "تحت المجهر"[14]، فما بالك بشمولها للكائنات غير العاقلة، إننا لا نجد تفسيراً لذلك. هذا من جهة.
باختصار: إنّ عرض الولاية على الجمادات والحيوانات هو فرع التكليف، وهذه الكائنات ليست مكلّفة لعدم العقل، فلا وجه لعرض الولاية أو غيرها من الحقائق الدينية عليها.
في المقابل، قد يقال بإمكانية ذلك ويُوجه أو يُستدل له ببعض الوجوه، فإذا تمّت هذه الوجوه فبها، وإلا فالإشكال المتقدم باقٍ على حاله وهو كافٍ لرد تلك الأخبار، لأنّ الأخبار التي تنافي حكم العقل لا يمكن الأخذ بها.
وأهم الوجوه التي يمكن طرحها في المقام لبيان إمكانية عرض ولاية أهل البيت (ع) على الكائنات المذكورة فهي:
الوجه الأول: إنّ المراد بعرض النبوة والولاية على هذه الكائنات ليس تكليفها بذلك، وإنّما الغرض هو بيان مقام الولاية ومكانتها من جهة، وبيان شمولها لكل المخلوقات، وأنّها - أي المخلوقات - منقادة تكوينًا لولي الله تعالى، من جهة أخرى.
ويلاحظ عليه:
أولاً: إنّ المستفاد من الأخبار غير ذلك، فهي دلّت على أنّ هذا العرض ترتّب عليه أثر كبير، وهو أنّ ما قبل الولاية منها صار طيباً أو حلواً أو فصيحاً وما رفضها صار نتناً مالحاً أو ألكن لا يحسن البيان، فالمسألة لم تقف عند حدود عرض الولاية بهدف بيان الفضل، كما أنّ مفادها ليس الإشارة إلى جعل الولاية التكوينيّة.
ثانياً: بصرف النظر عن ذلك، فإنّ ما جاء في هذا الوجه ليس تاماً، أمّا بالنسبة لبيان فضل الولاية فهو لا يكون بهذا الأسلوب، وذلك لأنّ بيان فضل الولي ومكانة الولاية إنّما يهدف إلى تعزيز ارتباط الناس به وإقامة الحجة عليهم أو إقناعهم بمشروعهم ، وعليه، فاللازم في بيان فضل النبي (ص) أو
الولي اعتماد طريق مقنع للناس ولو كان طريقاً إعجازياً، وليس اعتماد طريق لا يمكن التثبت منه، بل أقل ما يقال فيه إنّه مثير للجدل ومستغرب أو مستنكر لدى الكثير من الناس وربما يزيد شكوكهم وريبتهم ولا يتفهمونه، كما هو الحال في دعوى عرض الولاية على النباتات والجمادات والحيوانات،
وانقسامها إلى موالٍ لأهل البيت (ع) ومعادٍ لهم.
وأمّا بالنسبة لما ادعي من أنّ الهدف من عرض الولاية على سائر الكائنات هو إثبات شمولها لكل ذلك، فيلاحظ عليه: أنّ الولاية التكوينية - على فرض ثبوتها وغض النظر عما سُجّل عليها من مناقشات - لا يتوقف جعلها على إذنٍ وقبول من جُعلت عليه الولاية حتى يتجه القول في الرواية بأنّها عُرضت على هذه المخلوقات وطلبت موافقتهم.
باختصار: القائل بالولاية التكوينية يعتبر أنّ المخلوقات مقهورة تكوينًا لإرادة الولي، ولم يؤخذ إذنها في ذلك، بينما الذي يستفاد من روايات العرض، هو استئذان الكائنات وطلب موافقتها. إنّ القائل بالولاية يرى أنّها مجعولة لهم(ع)، شاء من شاء وأبى من أبى.
الوجه الثاني: إنّ المستفاد من القرآن الكريم أنّ للمخلوقات نوعًا من التعقل والإحساس، كما يدل على ذلك تسبيحها لله تعالى، كما جاء في قوله تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [الإسراء 44]، وتدل
عليه أيضًا آية عرض الأمانة الآتية عمّا قليل. وإذا كان للكائنات شيء من الشعور والتعقل، فإنّ من الوجيه أن تُعرض عليها الحقائق الدينيّة من التوحيد والنبوة والولاية وغيرها.
ويرده:
أولاً: إننا لا نسلّم بأنّ لهذه الكائنات عقلاً ولا دليل على ذلك، وعلى المدعي إثبات ذلك، أجل قد يكون لها أو بعضها مستوى من الإحساس المبهم، ولكنّنا نتساءل: هل هذا يبرر عرض الولاية عليها وطلب إقرارها بذلك؟! وما الغرض من عرضٍ كهذا؟ هل الغرض هو إدانتها في حال تمردّها؟ وهل يمكن لها أن تملك إرادة التمرّد أساسًا؟
من الواضح أنّه لا معنى للإدانة هنا، لأنّه لا معنى للتمرد، بل ولا معنى للتكليف أساساً، فالعجماوات والجمادات والنبتات تقع خارج دائرة الخطاب والتكليف الإلهي، باختصار: لو كان لهذه المخلوقات إرادة الفعل أو الترك أو ما أسميناه بالقدرة على التمرد لكان ثمّة وجه لتكليفها، لكنها في الواقع مجبرة على سلوك معيّن لا تحيد عنه أبداً ولا تعرف التمرّد عليه. ولو كانت مكلّفة وأمكن لها تمرّد لكان اللازم محاسبتها ثواباً أو عقاباً!
ثانياً: أمّا التسبيح الذي أشارت له الآية المباركة فهو عبارة عن الانقياد التكويني للخالق، وليس هو تسبيحاً صادراً عن عقل ووعي، فالآية الكريمة إنما تحكي عن واقع حالها التكويني الذي يجعلها منقادة للقوانين التي أخضعها الله لها، وعلى هذا يحمل قوله تعالى: { ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [ فصلت 11].
ولهذا لا نفهم تصنيف الحيوانات والخضروات إلى مؤمنة وكافرة، أو مقرة بالولاية ورافضة لها، كما جاء في بعض الروايات، فهذا التصنيف إنّما يصحّ في المخلوقات العاقلة المختارة دون العجماوات والبهائم والجمادات.
الوجه الثالث: إنّ القرآن الكريم قد أكّد على بعث الحيوانات وحشرها، لغرض الحساب، والحساب إنّما هو فرع التكليف وإمكان التمرد على الله، فلا مانع من أن يكون حساب الحيوانات على ترك الولاية، قال المجلسي: "لا استبعاد في كونها مكلفة ببعض التكاليف وتعذّب في الدنيا بتركها، كما ورد في الأخبار الكثيرة أنه لا يصاد طير إلا بتركها التسبيح، أو في الآخرة أيضا كما روي في تأويل قوله تعالى: {وإذا الوحوش حشرت} [التكوير 5] وإن لم يكن تكليفها عاماً وعقابها أبدياً لضعف إدراكها "[15].
والجواب على ذلك:
أولاً: لقد قام الدليل على أنّ العقل هو مما اختصّ به الإنسان، وأنّ سائر الكائنات لا حظّ لها من العقل، قال تعالى: { أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا} [ الفرقان 44] ، وحيث لم تكن عاقلة فهي غير مكلفة، لأنّ التكليف يدور مدار العقل، على ما يستفاد من
الحديث الشريف المروي عن أبي جعفر الباقر(ع):"قَالَ لَمَّا خَلَقَ اللَّه الْعَقْلَ قَالَ لَه: أَقْبِلْ فَأَقْبَلَ ثُمَّ قَالَ لَه أَدْبِرْ فَأَدْبَرَ فَقَالَ وعِزَّتِي وجَلَالِي مَا خَلَقْتُ خَلْقاً أَحْسَنَ مِنْكَ إِيَّاكَ آمُرُ وإِيَّاكَ أَنْهَى وإِيَّاكَ أُثِيبُ وإِيَّاكَ أُعَاقِبُ"[16]. إلى غير ذلك من الدلائل التي تبرهن على أنّ العقل هو ميزة ميّز الله تعالى بها
الإنسان دون سائر الحيوانات والجمادات، فلا وجه لما قاله المجلسي من أنّه لا استبعاد في كونها مكلفة ولها مستوى من الإدراك الضعيف.
ثانياً: وأما ما جاء في قوله تعالى: {وإذا الوحوش حشرت} [ التكوير 5]، فلا يدل على أن ّ للحيوانات عقلاً أو أنّها أهل للتكليف، وأما حشرها فلم تصرح الآية ولم تشرْ إلى أن الهدف منه هو الاقتصاص كما قيل، ليكون لازم ذلك توفرها على العقل، بل الآية أجملت ذلك. قال العلامة الطبطبائي:" وظاهر
الآية من حيث وقوعها في سياق الآيات الواصفة ليوم القيامة أن الوحوش محشورة كالإنسان، ويؤيده قوله تعالى: {وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شئ ثم إلى ربهم يحشرون} [الانعام 38]. وأما تفصيل حالها بعد الحشر وما يؤول إليه أمرها فلم
يرد في كلامه تعالى ولا فيما يعتمد عليه من الأخبار ما يكشف عن ذلك"[17].
نعم، ثمّة رأي آخر في تفسير الآية يرجّح أنّ يكون المقصود بها أنّ اللَّه يجمع الوحوش حتى يقتص لبعضها من بعض[18].
ولكنّ الآية لا تدل على ذلك. والسياق بدوره لا يدلّ على أنّ الوحوش محشورة كالإنسان وللغرض الذي يحشر من أجله الإنسان، ومن المرجح أن يكون حشرها مؤشراً على عظمة ذلك اليوم، والقرينة على ذلك هو سياق الآيات فإنها يتحدث عن يوم القيامة وأحداثه، فليس واضحاً أنّ الحشر هو بهدف
الحساب فضلاً عن الاقتصاص، فربما كان الحشر عبارة عن بعثها واجتماعها نتيجة لهول ذلك الحدث الكبير، فالحيوانات تجتمع عند خوفها، فحشرها هو علامة تكوينية على هول ذلك اليوم كما هي سائر العلامات التكوينية التي سيشهدها ذلك اليوم، فلاحظ قوله عز وجل قبل تلك الآية: { إِذَا الشَّمْسُ
كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ } [ 1- 4]، والآيات التي تأتي بعد هذا المقطع تتضمن الحديث عن بعض الآيات التكوينية أيضاً كأحداث سوف يشهدها يوم القيامة.
والكلام عينه يقال في آية {وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شئ ثم إلى ربهم يحشرون} [الانعام 38]. فإنّ الآية لم تبين لنا سبب الحشر وأنّه الحساب، فلربما كان الحشر ليستمر هذا التنوع الموجود في هذه الدنيا في تلك الحياة، فهو يضفي الحياة جماليتها، أليس من جمال الجنة أن يكون فيها طيور ذات أصوات ندية وعذبة، أليس الكثيرون يستأنسون بالحيوانات الأليفة، فما المانع من وجودها في الجنة؟ّ وأن تحشر الطيور أو الحيوانات عينها التي كانت مع الإنسان في دار الدنيا.
ومن جهة أخرى، فإنّ الحشر للحساب يتوقف كما قلنا على أن تكون هذه الكائنات مكلفة، لأنّ "اللَّه لا يحاسب حتى يكلّف، ولا يكلّف حتى يهب العقل"[19].
وأمّا ما ورد في بعض الروايات " لا يصاد طير إلا بتركه التسبيح" فهو محل النقاش وأوّل الكلام، فالطيور التي يصطادها الإنسان والدواجن والأنعام التي يذبحها قد سخرها الله تعالى وأعدها ليستفيد منها الإنسان، وفقاً لما تنصّ عليه الرؤية القرآنية[20]، لا أنّه تعالى قرر أن يعذبها لتمردها عليه، فسلط عليها من يذبحها أو يصطادها.
وبذلك يتضح أنّه لا معنى لتمرّد هذه المخلوقات والعجماوات على الله سبحانه، بل هي منقادة له انقيادًا تكوينيًا، من خلال حركتها التي لا تحيد عنها، والخط الذي رسمه الخالق لها، فلا تخرج عنه طرفة عين أبدًا. والمخلوق الوحيد الذي يمكن أن يتمرد على الله تعالى هو الإنسان، وكذلك الجن.
4- الوقوع بين النفي والإثبات
بصرف النظر عمّا تقدم، فلو قيل بإمكان التكليف ولم ينهض دليل على الاستحالة، فنأتي عندها إلى مرحلة لاحقة من البحث، وهي أنّه هل من دليل تام على عرض الولاية على الكائنات غير العاقلة؟ فإذا تمّ الدليل على الوقوع فهو سيكون خير شاهد على الإمكان.
يمكن أن يستدل على ذلك ببعض الوجوه:
الوجه الأول: إنّ القرآن الكريم يدل على حصول عرضٍ معيّنٍ على كل المخلوقات قال تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب 7]، سواء أُريد بالأمانة الطاعة أو الأمانة المعهودة التي يحملها الناس
أو الولاية، فإنّها تدل على قابلية وإمكانية العرض على هذه المخلوقات، بل وحصول العرض.
ويلاحظ عليه:
أولاً: يمكن القول: إنّ آية عرض الأمانة تقدّم توصيفاً لواقع الحال، وهو أنّ هذه الكائنات غير مؤهلّة ذاتياً لحمل الأمانة الإلهيّة، لا أنّ ثمّة طلباً إلهياً حقيقياً توجّه إليها بطلب حمل الأمانة، وهي بدورها ردت بالرفض وأعلنت العجز، فلا تدلّ الآية على وجود عقل أو اختيار لديها، وهذا ما تبناه جمع من المفسرين[21].
ثانياً: إنّ هذه الآية لا تدلّ على المطلوب، لأنّ السماوات والأرض بحسب نص الآية أعلنت عن عدم لياقتها لتحمل الأمانة الإلهية. لا أنّها تمرّدت عن حملها أو انقسمت بين مقرٍ ورافض وفي المحصلة، فالآية لا تصلح لإثبات القول بعرض الولاية على المخلوقات وإقرارها بها، وإن كانت لا تصلح لنفيه أيضًا، فهي ساكتة عن هذا الأمر.
الوجه الثاني: الروايات المتقدمة، فهي الدليل على وقوع عرض الولاية على هذه الكائنات.
وملاحظاتنا على هذه الأخبار:
أولاً: ضعف أسانيدها بأجمعها[22].
ثانياً: لو صحت الأسانيد، فهي مجرد أخبار آحاد ولا تصلح لإثبات المطلوب.
ثالثاً: إنّ بعضها مما لا يمكن الأخذ به، لأنّها ظاهرة في أنّ تلك الكائنات قد كلّفت وعوقبت على ذلك، فالطير الذي لم يوالهم صار ألكن، والماء الذي لم يوالهم صار مالحاً، ومن المعلوم أنّ التكليف فرع العقل، والعقاب لا وجه له مع عدم العقل.
رابعًا: إنّ الحديث المذكور حول الباذنجان وشهادته لله تعالى ولرسوله (ص) ولعلي (ع)، هو حديث لا يصح من جهة السند، ولم يرد في مصادرنا الحديثية من الدرجة الأولى بل ولا الثانية، فلم نجده في الكتب الأربعة، ولا في كتب الشيخ الصدوق، وإنما رواه الطبرسي في مكارم الأخلاق، وكذلك ابن
شهر اشوب نقلاً عن كتاب الفردوس للديلمي؛ وسند الرواية هو من أسانيد أخواننا السنة، وكذلك الديلمي مؤلف الكتاب هو من علماء السنة. ثم تسرّب الحديث إلى بعض الكتب الحديثية المتأخرة كالبحار وغيره. ومن الواضح أنّ سند الحديث لا قيمة له من الناحية العلمية لأكثر من علة وسبب، ولا يبعد أن
يكون موضوعًا، وقد أدرجه بعض أعلام السنة في عداد الأحاديث الموضوعة والباطلة، منهم الفتني في كتاب تذكرة الموضوعات، والعجلوني في كشف الخفاء وغيرهم[23]، حتى أنّ بعض علماء السنة وهو الحافظ إبراهيم بن محمد الناجي الشافعي (تـ 900 هـ) ألّف كتابًا بعنوان "قلائد المرجان
في الحديث الوارد كذبًا في الباذنجان"[24].
وعلى ضوء ما تقدم، يتضح حال هذا الحديث حول إقرار الباذنجان بالولاية، فهو يشتمل على مضمون لا يمكن توجيهه، ناهيك عن ضعفه سندًا.
ظاهرة تسرّب الأخبار الموضوعة إلى الفضاء الشيعي
وتعقيباً على رواية الباذنجان وما قلناه إزاءها من تسرّب الحديث من خارج الفضاء الشيعي نقول: إننا وإن كنا لا نمانع ولا نرفض تبني الفقيه رأياً يجيز له الاعتماد على روايات مرويّة من طرق أهل السنة، وفق ضوابط معينة وشروط خاصة، بيد أنّ من الأهميّة بمكان التنبيه إلى ظاهرة خطيرة قد
لمسناها في العديد من الموارد من خلال متابعاتنا المختلفة وإن لم يكن ذلك موضع اهتمام، وهي ظاهرة تسرّب بعض الأحاديث من الفضاء السني إلى الفضاء الشيعي، والترويج لها في الفضاء الشيعي، مع أنّ هذه الأحاديث ليس لها اعتبار أو قيمة علميّة في الفضاء السني، بل ربّما أدرجها أئمة حديث
الباذنجان المتقدّم عندهم في عداد الموضوعات، ويتبرؤون منها، كما هو الحال في هذا الحديث، وحديث صلاة الرغائب مما بحثناه في دراسة مستفيضة، وحديث " الحصير خير من المرأة العقيم" مما بحثناه في كتاب "علي والمرأة".
والذي أوجب مثل هذا الأمر هو المبالغة والتوسع الكبيران في الأخذ بقاعدة التسامح في أدلة السنن، بالإضافة إلى حسن الظن - لدى المتأخرين - ببعض المحدثين من علمائنا الذين أدرجوا هذه الأخبار في موسوعاتهم الحديثية عملًا بالقاعدة المذكورة، ولغيره من الأسباب. ومع مرور الوقت، أصبح لهذه الأحاديث نوعًا من المشروعيّة، وراجت في الأوساط حتى غدا التشكيك فيها محل إدانة ورفض،
والحقيقية إنّ ما نحن فيه هو أحد النتائج السلبية للتساهل والتوسع في استخدام قاعدة التسامح في أدلة السنن.
نُشر على الموقع في 7-11-2016
[1] علل الشرائع ج 1 ص 158.
[2] عيون أخبار الرضا (ع) ج 2 ص 75، نقلها المجلسي في بحار الأنوار ج 27 ص 280.وما بعدها.
[3] في المصدر: أخرس ألكن - بحار الأنوار ج 27 ص 262،
[4] بحار الأنوار ج 27 ص 281.
[5] الاختصاص ص 249، وعنه البحار: 27 / 282 ح 6.
[7] فردوس الاخبار: 3 / 244 ح 4720. ونقله الطبرسي في مكارم الاخلاق: 184 عن الفردوس وعنه البحار: 66 / 223 ذ ح 7 ومستدرك الوسائل: 16 / 430 ح 6.
[9] بحار الأنوار ج 27 ص 262،
[10] بحار الأنوار ج 27 ص ، الحديث 267. الحديث 15 وروى نظيره عن الخرائج ، الحديث 17، و19،
[11] مشارق أنوار اليقين للبرسي ص وعنه بحار الأنوار ج 27 ص 272،
[12] ورد في الخبر الذي رواه الصدوق، قال إبراهيم بن أبي محمود : قلت للرضا : يا بن رسول الله ان عندنا اخبارا في فضائل أمير
المؤمنين عليه السلام وفضلكم أهل البيت وهي من رواية مخالفيكم ولا نعرف مثلها عندكم أفندين بها ؟ فقال : يا ابن أبي محمود لقد اخبرني أبي عن أبيه عن جده عليه السلام ان رسول الله ( ص ) قال : من اصغي إلى ناطق فقد عبده فإن كان الناطق عن الله عز وجل فقد عبد الله وإن كان الناطق عن إبليس فقد عبد إبليس ثم قال الرضا : يا ابن أبي محمود ان مخالفينا وضعوا اخبارا في فضائلنا وجعلوها على ثلاثة أقسام أحدها الغلو وثانيها التقصير في أمرنا وثالثها التصريح بمثالب أعدائنا فإذا سمع الناس الغلو فينا كفروا شيعتنا ونسبوهم إلى القول بربوبيتنا وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا وإذا سمعوا مثالب أعداءنا بأسمائهم ثلبونا بأسمائنا وقد قال الله عز وجل : { ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم} [ ]، أنظر عيون أخبار الرضا (ع) ج 1 ص 272.
[13] راجع حول حذه الأمر ما حقنناه في كتاب أصول الاجتهاد الكلامي.
[15] بحار الأنوار ج 27 ص 274.
[17] تفسير الميزان ج 20 ص 214.
[18] مجمع البيان ج 10 ص 277.
[19] تفسير الكاشف ج 7 ص 524.
[20] قال تعالى بشأن ثمار البحر: { وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تشكرون} [ النحل 14]. وقال بشأن الذبائح في الحج: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ} [ الحج 37].
[21] سئل الشيخ المفيد عن قوله تعالى: { إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنا وأشفقن منها وحملها الانسان إنه كان ظلوما جهولا "} [الأحزاب 7]، فقال: فهل يجوز العرض على الجماد والتكليف له ؟ أوليس الامتناع من ذلك كفرا ؟
وهل كان العرض على سبيل التخيير أم على الإيجاب ؟ فإن كان على الإيجاب فقد وقع العصيان، وإن كان على التخيير فقد جاز حظر الأمانة وترك أدائها.
والجواب: أنه لم يكن عرض في الحقيقة على السماوات والأرض والجبال بقول صريح ، أو دليل ينوب مناب القول ، وإنما الكلام في هذه الآية [ مجاز ] أريد به الايضاح عن عظم الأمانة وثقل التكليف بها وشدته على الانسان ، وأن السماوات والأرض والجبال لو كانت ممن يعقل لأبت حمل الأمانة لو عرضت عليها، وقد تكلفها الانسان ولم يؤد مع ذلك حقها ". المسائل العكبرية ص 89.
[22] الرواية الأولى ( رواية علل الشرائع) سندها كله مجاهيل، فعبد الله بن محمد بن عبد الوهاب القرشي، هو شيخ الصدوق ولا ترجمة في كتب الرجال، ومنصور بن عبد الله بن إبراهيم الأصفهاني، لا ترجمة له في الرجالية، أنظر: مستدركات علم الرجال ج 7 ص 510، علي بن عبد الله الأسكندراني أيضاً مجهول ولا ترجمة له، أنظر: مستدركات علم الرجال ج 5 ص 400، والعباس بن العباس القانعي مجهول ولا توثيق له، أنظر مستدركات علم الرجال ج 4 ص 347، وسعيد الكندي مجهول ولا توثيق له، أنظر: مستدركات في علم الرجال ج 4 ص 75، وعبد الله بن حازم الخزاعي ، وإبراهيم بن موسى الجهني، لم يترجموه ، أنظر: مستدركات علم الرجال ج 1 ص 212، وأمّا الرواية الثانية فليست أفضل حالاً من سابقتها فسندها أيضاً ضعيف، فمحمد بن أحمد بن الحسين بن يوسف البغدادي الوراق، رجل مجهول ولا ترجمة له في تراجم الرجال مع أنّه شيخ الصدوق، أنظر: مستدركات علم الرجال ج 7 ص 65، وأمّا علي بن محمد بن عنبسة مولى الرشيد فهو مجهول ولم يذكروه، أنظر: مستدركات علم الرجال ج 5 ص 463، وقال: النمازي: "ولعله متحد مع علي بن محمد بن جعفر بن عنبسة المعدود من الضعفاء له كتاب الكامل وهو راوي كتب دارم"، أنظر: مستدركات علم الرجال ج 5 ص 440، ، والقاسم بن محمد بن العباس العلوي، هو رجل مجهول أيضاً، أنظر: مستدركات علم الرجال ج 6 ص 259، وأما دارم بن قبيصة النهشلي فهو رجل معروف وترجم له النجاشي ولم يوثقه، أنظر: رجال النجاشي ص 162، بل قال ابن الغضائري:" لا يُؤْنَسُ بِحديثِهِ ، ولا يُوْثَقُ بِهِ"، انظر: رجال ابن الغضائري ص 58. وأما الرواية الثالثة فهي رواية ابن طاووس فهي ضعيفة. وأمّا الرواية الأولى من الطائفة الثانية، فهي ضعيفة، لأنّ حمزة بن محمد العلوي، رجل مجهول، أجل، هو من مشايخ الصدوق وليس ثمة ما يدل على وثاقته، وأمّا أحمد بن محمد الهمداني فهو إن كان أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني، كما استظهر السيد الخوئي ، أنظر: معجم رجال الحديث ج 3 ص 131، فهو ثقة جليل معروف وثقه النجاشي والشيخ ووصفاه بالجلالة، انظر: رجال النجاشي ص، وأمّا المنذر بن محمد فهو ثقة، أنظر: رجال النجاشي ص 418، والحسين بن محمد بن علي الأزدي فهو ثقة أنظر: رجال النجاشي ص 66، وسليمان بن جعفر ثقة أيضاً، انظر: رجال النجاشي ص 182. وأمّا الروايية الثانية فهي أيضاً ضعيفة كما هو واضح وكذلك سائر الروايات في الطوائف المتبقية، ولا سيما الرواية الأخيرة التي رواها البرسي.
[23] وممن رماه بالوضع أبو الحسن علي بن محمد الكناني المتوفي سنة: 963 هـ في "تنزيه الشريعة المرفوعة عن الاخبار الشنيعة الموضوعة" ص 2 ص 238 الحديث 11.
[24] راجع: كشف الظنون لـ حاجي خليفة ج:2 ص 1355.