حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » أنا طالب علم، لدي خوف من أن أتكلم بغير علم.. ما الحل؟
ج »

وعليكم السلام

لا بد لطالب العلم في مساره العلمي أن يتسلح بأمرين أساسيين:
الأول: الاستنفار العلمي وبذل الجهد الكافي لمعرفة قواعد فهم النص واستكناه معناه ودلالاته بما يعينه على التفقه في الدين وتكوين الرأي على أسس صحيحة.
الثاني: التقوى العلمية ويُراد بها استحضار الله سبحانه وتعالى في النفس حذراً من الوقوع في فخ التقوّل على الله بغير علم. ومن الضروري أن يعيش مع نفسه حالة من المحاسبة الشديدة ومساءلة النفس من أن دافعه إلى تبني هذا الرأي أو ذاك: هل هو الهوى والرغبة الشخصية أم أن الدافع هو الوصول إلى الحقيقة ولو كانت على خلاف الهوى.
أعتقد أن طالب العلم إذا أحكم هذين الامرين فإنه سيكون موفقاً في مسيرته العلمية وفيما يختاره من آراء أو يتبناه من موقف.

 
س » كيف علمنا أن الصحيفة السجادية ناقصة؟ وهل ما وجده العلماء من الأدعية صحيح؟؟
ج »

أقول في الإجابة على سؤالكم:

أولاً: إن الصحيفة السجادية في الأصل تزيد على ما هو واصل إلينا وموجود بين أيدينا، قال المتوكل بن هارون كما جاء في مقدمة الصحيفة: " ثم أملى عليّ أبو عبد الله (ع) الأدعية، وهي خمسة وسبعون باباً، سقط عني منها أحد عشر باباً، وحفظت منها نيفاً وستين باباً"، بيد أن الموجود فعلاً في الصحيفة الواصلة إلينا هو أربعة وخمسون دعاء. آخرها دعاؤه في استكشاف الهموم، وهذا آخر دعاء شرحه السيد علي خان المدني في رياض السالكين، وكذا فعل غيره من الأعلام.

ثانياً: إن سقوط عدد من أدعية الصحيفة وضياعها دفع غير واحد من الأعلام للبحث والتتبع في محاولة لمعرفة ما هو الضائع منها، وبحدود اطلاعي فإنهم عثروا على أدعية كثيرة مروية عن الإمام زين العابدين (ع)، لكنهم لم يصلوا إلى نتائج تفيد أن ما عثروا عليه هو من الأدعية الناقصة منها، ولذا عنونوا مؤلفاتهم بعنوان مستدركات على الصحيفة، ولم يجزموا أن ما جمعوه من أدعية هو الضائع من أدعية الصحيفة. وهذا ما تقتضيه الضوابط العلمية والدينية، فما لم يعثر الإنسان على نسخة قديمة موثوقة أو قرائن مفيدة للوثوق بأن هذا الدعاء أو ذاك هو من جملة أدعية الصحيفة فلا يصح له إضافة بعض الأدعية على الصحيفة بعنوان كونها منها.

ثالثاً: لقد ابتُلينا بظاهرة خطيرة، وهي ظاهرة الإضافة على الصحيفة أو غيرها من كتب الأدعية، وهذا العمل هو خلاف الأمانة والتقوى، وقد ترتّب على ذلك الكثير من المفاسد، وأوجب ذلك وهماً للكثيرين، فتوهموا أن بعض الأدعية هي جزء من الصحيفة السجادية المشهورة، ومردّ ذلك بكل أسف إلى أن مجال الأدعية والزيارات شرعة لكل وارد، وتُرك لأصحاب المطابع والمطامع! وأعتقد أن هذا العبث في كتب الأدعية والزيارات ناشئ عن عدم عناية العلماء بالأمر بهذه الكتب كما ينبغي ويلزم، كما نبه عليه المحدث النوري في كتابه "اللؤلؤ والمرجان" مستغرباً صمت العلماء إزاء التلاعب والعبث بنصوص الأدعية والزيارات مما يعدّ جرأة عظيمة على الله تعالى ورسوله (ص)!

رابعاً: أما ما سألتم عنه حول مدى صحة الأدعية الواردة بعد دعاء استكشاف الهموم، فهذا أمر لا يسعنا إعطاء جواب حاسم وشامل فيه، بل لا بدّ أن يدرس كل دعاء على حدة، ليرى ما إذا كانت قرائن السند والمتن تبعث على الحكم بصحته أم لا. فإن المناجاة الخمس عشرة بنظرنا لم تصح وربما كانت من وضع الصوفية، وقد أوضحنا ذلك بشكل مفصل في كتاب الشيع والغلو.


 
س » ابني المراهق يعاني من التشتت، وأنا جدا قلق ولا اعرف التصرف معه، ما هي نصيحتكم؟
ج »

التشتت في الانتباه في سن المراهقة مع ما يرافقه من الصعوبات هو في حدود معينة أمر طبيعي وظاهرة تصيب الكثير من المراهقين ولا سيما في عصرنا هذا.

وعلينا التعامل مع هذه المرحلة بدقة متناهية من الاستيعاب والتفهم والإرشاد والتوجيه وتفهم سن المراهق، وأن هذه المرحلة تحتاج إلى أسلوب مختلف عما سبقها.

فالمراهق ينمو لديه الإحساس بالذات كثيرا حتى ليخيل إليه أنه لم يعد بحاجة إلى الاحتضان والرعاية من قِبل والديه.

وبالتالي علينا أن نتعامل معه بأسلوب المصادقة "صادقه سبعا.." والتنبه جيدا للمؤثرات التي تسهم في التأثير على شخصيته واستقامته وتدينه، ومن هذه المؤثرات: الأصدقاء ووسائل التواصل الاجتماعي، فإن نصيبها ودورها في التأثير على المراهق هو أشد وأعلى من دورنا.

وفي كل هذه المرحلة علينا أن نتحلى بالصبر والأناة والتحمل، وأن نبتدع أسلوب الحوار والموعظة الحسنة والتدرج في العمل التربوي والرسالي.

نسأل الله أن يوفقكم وأن يقر أعينكم بولدكم وأن يفتح له سبيل الهداية. والله الموفق.


 
س » اعاني من عدم الحضور في الصلاة، فهل أحصل على الثواب؟
ج »
 
لا شك أن العمل إذا كان مستجمعا للشرائط الفقهية، فهو مجزئٌ ومبرئٌ للذمة. أما الثواب فيحتاج إلى خلوص النية لله تعالى بمعنى أن لا يدخل الرياء ونحوه في نية المصلي والعبادة بشكل عام.
ولا ريب أنه كلما كان الإنسان يعيش حالة حضور وتوجه إلى الله كان ثوابه أعلى عند الله، لكن لا نستطيع نفي الثواب عن العمل لمجرد غياب هذا الحضور في بعض الحالات بسبب الظروف الضاغطة على الإنسان نفسيا واجتماعيا.
لكن على الإنسان أن يعالج مشكلة تشتت الذهن أثناء العمل العبادي وذلك من خلال السعي الجاد للتجرد والابتعاد عن كل الهواجس والمشكلات أثناء الإقبال على الصلاة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، باستحضار عظمة الله عز وجل في نفوسنا وأنه لا يليق بنا أن نواجهه بقلب لاهٍ وغافل. والله الموفق.

 
س » أنا إنسان فاشل، ولا أتوفق في شيء، وقد كتب عليّ بالخسارة، فما هو الحل؟
ج »

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أولاً: التوفيق في الحياة هو رهن أخذ الإنسان بالأسباب التي جعلها الله موصلة للنجاح، فعلى الإنسان أن يتحرك في حياته الشخصية والمهنية والاجتماعية وفق منطق الأسباب والسنن. على سبيل المثال: فالإنسان لن يصل إلى مبتغاه وهو جليس بيته وحبيس هواجسه، فإذا أراد الثروة فعليه أن يبحث عن أسباب الثروة وإذا أراد الصحة فعليه أن يأخذ بالنصائح الطبية اللازمة وإذا أراد حياة اجتماعية مستقرة عليه أن يسير وفق القوانين والضوابط الإسلامية في المجال الاجتماعي وهكذا.

ثانياً: لا بد للإنسان أن يعمل على رفع معوقات التوفيق، وأني أعتقد أن واحدة من تلك المعوقات هي سيطرة الشعور المتشائم على الإنسان بحيث يوهم نفسه بأنه إنسان فاشل وأنه لن يوفق وأنه لن تناله البركة الإلهية.

إن هذا الإحساس عندما يسيطر على الإنسان فإنه بالتأكيد يجعله إنسانا فاشلا ومحبطا ولن يوفق في حياته ولذلك نصيحتي لك أن تُبعد مثل هذا الوهم عن ذهنك وانطلق في الحياة فإن سبيل الحياة والتوفيق لا تعد ولا تحصى.


 
س » ما هو هدف طلب العلم الذي يجب أن يكون؟
ج »

عندما ينطلق المسلم في طلبه للعلم من مسؤوليته الشرعية الملقاة على عاتقه ومن موقع أنه خليفة الله على الأرض، فإن ذلك سوف يخلق عنده حافزاً كبيراً للجد في طلب العلم والوصول إلى أعلى المراتب. أما إذا انطلق في تحصيله من موقع المباهاة أو إثبات ذاته في المجتمع أو من موقع من يريد أن يزين اسمه بالشهادة الجامعية ليُقال له "الدكتور" وما إلى ذلك، فإنه - في الغالب - لن يصل إلى النتيجة المرجوة.

وعلى كل إنسان منا أن يعي أنّنا في هذه الحياة مسؤولون في أن نترك أثراً طيباً، وأن نقوم بواجباتنا قبل أن يطوينا الزمان، إننا مسؤولون عن عمرنا فيما أفنيناه وعن شبابنا فيما أبليناه، وسنُسأل يوم القيامة عن كل هذه الطاقات التي منّ اللهُ بها علينا.

وأضف إلى ذلك، إنه من الجدير بالمسلم، أن لا يفكر في نفسه وما يريحه هو فحسب في طلبه للعلم، بل أن يفكر أيضاً في أمته والنهوض بها ليكون مستقبلها زاهراً، وهذا كله يحتم عليه أن يكون سقف طموحاته عالياً ليتمكن هو وأقرانه من الطلاب والعلماء من ردم الفجوة بيننا وبين الغرب الذي سبقنا على أكثر من صعيد.

باختصار: إن مسؤوليتنا ورسالتنا وانتماءنا لهذه الأمة يفرض علينا أن نعيش حالة طوارئ ثقافية وعلمية.


 
س » ما رأيكم في الاختلاط المنتشر في عصرنا، وكيف نحاربه؟
ج »

إنّ الاختلاط قد أصبح سمة هذا العصر في كثير من الميادين، ومنها الجامعات والطرقات والساحات وكافة المرافق العامة.. والاختلاط في حد ذاته ليس محرماً ما لم يفضِ إلى تجاوز الحدود الشرعية في العلاقة بين الرجل والمرأة الأجنبيين؛ كما لو أدى إلى الخلوة المحرمة بالمرأة أو مصافحتها أو كان المجلس مشوباً بأجواء الإثارة الغرائزية أو غير ذلك مما حرمه الله تعالى.

وفي ظل هذا الواقع، فإنّ العمل على تحصين النفس أولى من الهروب أو الانزواء عن الآخرين بطريقة تشعرهم بأن المؤمنين يعيشون العُقد النفسية. إن على الشاب المسلم أن يثق بنفسه وأن يفرض حضوره ووقاره، وأن يبادر إلى إقناع الآخرين بمنطقه وحججه، وأن يبيّن لهم أن الانحراف والتبرج والفجور هو العمل السيّئ الذي ينبغي أن يخجل به الإنسان، وليس الإيمان ومظاهر التدين.

وأننا ندعو شبابنا عامة وطلاب الجامعات خاصة من الذكور والإناث إلى أن يتزينوا بالعفاف، وأن يحصنوا أنفسهم بالتقوى بما يصونهم من الوقوع في الحرام.


 
س » كيف يمكن التخلص من السلوكيات والعادات السيئة؟
ج »

إن التغلب على السلوكيات الخاطئة أو العادات السيئة – بشكل عام – يحتاج بعد التوكل على الله تعالى إلى:

أولاً: إرادة وتصميم، ولا يكفي مجرد الرغبة ولا مجرد النية وانما يحتاج بالإضافة إلى ذلك إلى العزم والمثابرة وحمل النفس على ترك ما اعتادته.

ثانياً: وضع برنامج عملي يمكّن الإنسان من الخروج من هذه العادة السيئة بشكل تدريجي؛ وأرجو التركيز على مسألة "التدرج" في الخروج من هذه العادات السيئة؛ لأن إدمان النفس على الشيء يجعل الخروج منه صعباً ويحتاج إلى قطع مراحل، وأما ما يقدم عليه البعض من السعي للخروج الفوري من هذه العادة، فهو - بحسب التجربة - سيُمنى في كثير من الأحيان بالفشل. والله الموفق


 
 
  مقالات >> اجتماعية
علاقة الشباب بالآباء والأمهات
الشيخ حسين الخشن



 

من القضايا المثيرة للجدل والخصام قضية العلاقة بين الشاب ووالديه وتبدأ القصة على خلفية عدم تفهم الطرفين لبعضهما البعض وعدم مراعاة حقوقهما، فالولد ما أن يشارف على البلوغ حتى يشعر برغبة في الاستقلال في الرأي وتأكيد ذاته، وأن يثبت للآخرين أنّه قد أصبح شاباً مكتمل الشخصية ولم يعد قاصراً ليتخذ أحد عنه القرارات، ولذلك يتضجر وينزعج من عدم التشاور معه، أو اتخاذ القرارات عنه، وربّما يتطاول على والديه أحياناً، تأكيداً على رجوليته وإبرازاً لها، في المقابل فإن الكثير من الآباء والأمهات قد لا يدركون خطورة هذه المرحلة وخصائصها، فيتعاملون مع ابنهم وكأنه لا يزال صغيراً، فلا يعيرون له ولرأيه أية أهمية، ويتعاملون معه بلامبالاة، وهذا ما يؤدي إلى خلق علاقة متوترة بين الطرفين، والسؤال: كيف ندير هذه العلاقة؟
 
تفهم خصائص هذه المرحلة
 
   لعلّ الخطوة الأولى اللازم اتخاذها لأجل إنجاح العلاقة بين الطرفين هي محاولة تفهم أحدهما الآخر، ولا سيما من طرف الأبوين، فإنّ عليهما أن يدركا أهميّة هذه المرحلة، وأنها تستدعي نمطاً جديداً في التعامل مع ابنهم، فهو لم يعد طفلاً صغيراً ليتعاملا معه بمنطق الإملاءات، والمشكلة أنّ الكثير من الآباء والأمهات لا يدركون – غالباً - هذا الانتقال من مرحلة عمرية إلى مرحلة أخرى عند أبنائهم وبناتهم، إما لضعف في ثقافتهم (أقصد الآباء والأمهات)، أو لأنّ تواجدهم المستمر إلى جانب الطفل ومعايشتهم اليومية له تجعلهم لا يشعرون ولا يلتفتون إلى أن ابنهم قد بلغ سن الشباب، وأنّ هذا البلوغ ليس بالجسد فقط، وإنّما بالعقل والوعي، ولذا فإن الآباء والأمهات مدعوون إلى امتلاك ثقافة تربويّة تمكنهم من وعي مراحل الطفولة التي يمر بها ابنهم وصولاً إلى مرحلة الشباب.
 
اعتماد أسلوب المصادقة
 
 مع امتلاك الأبوين الثقافة المشار إليها، فإنّ من الطبيعي أن يتمّ اعتماد أسلوب تربوي جديد مع الشاب مختلف تماما عن أسلوب مرحلة الطفولة، والأسلوب الجديد هو أسلوب المصادقة، وهذا ما نبّه عليه الحديث النبوي الشريف الذي يتحدث عن مراحل الطفولة المتنوعة، ويشير إلى أنّ المرحلة الثالثة وهي مرحلة بداية الفتوة والشباب يحكمها أسلوب: "وصاحبه سبعاً"، أو أسلوب: "ووزير سبعاً". إنّ العلاقة بين الآباء والأمهات من جهة وبين ابنهم الشاب من جهة أخرى لا بدّ أن تتخذ طابع التشاور لا الاستبداد، وأن تعتمد أسلوب الحوار لا الفرض، لأنّك عندما تشاور ابنك الشاب فإنك تشعره بقيمته وتعزز شخصيته ومكانته، أمّا إذا قررت عنه وفرضت عليه رأيك، فإنك بذلك تكون قد سحقت شخصيته وأسأت إليه وجرحت مشاعره، وهذا ما سوف يخلق لديه ردات فعل سلبية تجاهك وتجاه الآخرين .
 
 الشخصية المستقلة:
 
   إنّ الإسلام يعتبر أنّ شخصية الإنسان تكتمل بوصوله إلى سن البلوغ،   فيصبح مكلفاً وصاحب شخصية مستقلة وترتفع بذلك كل أشكال الولاية والوصاية عليه، الأمر الذي يعني: 
 
1- أنّه يغدو صاحب ذمة مالية مستقلة، تخوله التملك والتصرف في أمواله وممتلكاته، فيبيع ويشتري كما يريد ويهب لمن يشاء، شريطة أن يقترن البلوغ الجسدي بالنضج العقلي المعبر عنه بالرشد، قال تعالى: {فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم}، ولذا لا يحقّ لذويه أن يتصرفوا في ماله دون رضاه.
 
2-وإنّ من حقّه وحده اختيار نوع العمل الذي يمتهنه، أو التخصص الذي يرغب به، وليس للولي إلا الإرشاد والنصيحة.
 
3- ومن حق الشاب أيضاً - ذكراً أو أنثى - اختيار شريك الحياة، وليس لك أن تفرض على ابنك زوجة لا يريدها، ولا أن تفرض على ابنتك - وهذا ما يحصل غالباً - رجلاً لا تريده ولا تحبّه، وإنما لك أن تنصحها وتوجهها، أمّا أن تفرض عليها رجلاً لا تريده فهذا ظلم لها وليس لك ذلك، فهي التي تريد الزواج لا أنت، وقد ورد في الحديث عن رسول الله(ص): "إذا أراد أحدكم أن يزوّج ابنته فليستأمرها" 1، ولمّا خطب أمير المؤمنين (ع) السيدة فاطمة (ع) أتاها رسول الله(ص) فقال: "إنّ علياً قد ذكركِ فسكتت، فخرج فزوّجها" 2، باعتبار أن سكوت المرأة دليل رضاها.
وفي الحديث عن أبي يعفور قلت لأبي عبدالله (ع): "إنّي أردت أن أتزوّج امرأة وإنّ أبويّ أرادا غيرها، قال: تزوّج التي هويت ودع التي هوى أبواك" 3
 
الاحترام والطاعة:
 
ولكنّ ما تقدم لا يلغي أن يكون للأبوين دور في القرارات المصيرية التي يريد الشاب اتخاذها أو الخطوات التي يريد الاقدام عليها، فمن مقتضيات الأدب والخلق الرفيع أن لا يستبد الشاب برأيه، بل يجدر به أن يستشير والديه فيما يريد الإقدام عليه، وأن يستفيد من خبرتهما وتجاربهما في الحياة، وقد يكون للأم رأي صائب ولا سيما فيما يتصل بشأن ابنتها، ولذا ورد عن رسول الله (ص): "آمروا النساء في بناتهن"4 .  
 
 إنّ حق الوالدين على الولد كبير وعظيم، وعليه أن يحترمهما ويوقرهما ويحسن إليهما وأن لا يتصرف أي تصرف يؤذي مشاعرهما ولا يجوز له بحال أن يقطع رحمهما، بل ينبغي له أن يحرص دائماً على رضاهما، ويجتنب رفع صوته في وجههما أو إغضابهما، قال تعالى: {وقضى ربك ألاّ تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً}.
 
إذن المطلوب من الأبناء أن يحترموا آبائهم وأمهاتهم، وليس من المطلوب إطاعة الوالدين، فليس ثمة ما يدل على وجوب الإطاعة فيما يأمرا به، وإنّما الواجب الإحسان والاحترام والتوقير، فهذا هو خلق الإسلام ووصايا القرآن وتعاليم الرسول الأكرم (ص)، ولكن الأخلاقيات الإسلامية في التعامل مع الوالدين آخذة بالتراجع، حيث بتنا نشهد الكثير من الشباب يتعاملون مع آبائهم أو أمهاتهم بقسوة واستخفاف، وهذا عقوق وجحود، وهو مدعاة لغضب الله في الدنيا والآخرة.
 
 رواية وعبرة  
 
في الحديث عن زكريا ابن إبراهيم ( من أصحاب الإمام الصادق (ع)) قال: "كنت نصرانياً فأسلمت وحججت فدخلت على أبي عبدالله (ع) فقلت: إني كنت على النصرانية وإني أسلمت، فقال: وأي شيء رأيت في الإسلام؟ قلت: قول الله عز وجل: {ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء} فقال: لقد هداك الله، ثم قال: اللهم اهده - ثلاثاً - سل عما شئت يا بني، فقلت: إنّ أبي وأمي على النصرانية وأهل بيتي، وأمي مكفوفة البصر فأكون معهم وآكل في آنيتهم؟ فقال: يأكلون لحم الخنزير؟ فقلت: لا، ولا يمسونه، فقال: لابأس فأنظر أمك فبرها، فإذا ماتت فلا تكلها إلى غيرك، كن أنت الذي تقوم بشأنها ولا تخبرنّ أحدا أنك أتيتني حتى تأتيني بمنى إن شاء الله قال: فأتيته بمنى والناس حوله كأنّه معلم صبيان، هذا يسأله وهذا يسأله، فلما قدمت الكوفة ألطفت لأمي وكنت أطعمها وأفلي ثوبها ورأسها وأخدمها، فقالت لي: يا بني ما كنت تصنع بي هذا وأنت على ديني، فما الذي أرى منك منذ هاجرت فدخلت في الحنيفية؟ فقلت: رجل من ولد نبينا أمرني بهذا: فقالت: هذا الرجل هو نبي؟ فقلت: لا، ولكنه ابن نبي، فقالت: يا بني إنّ هذا نبي، إنّ هذه هي وصايا الأنبياء، فقلت: يا أماه إنّه ليس يكون بعد نبينا نبي ولكنه ابنه، فقالت: يا بني دينك خير دين، اعرضه عليّ فعرضته عليها، فدخلت في الإسلام، وعلمتها، فصلت الظهر والعصر والمغرب والعشاء والآخرة، ثم عرض لها عارض في الليل، فقالت: يا بني أعد عليّ ما علمتني فأعدته عليها، فأقرت به وماتت، فلما أصبحت كان المسلمون الذين غسلوها وكنت أنا الذي صليت عليها ونزلت في قبرها"5 .
 
نصائح تربوية للوالدين
 
1- كن قدوة صالحة لإبنك في فعلك لا في قولك، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون}.
 
لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إن فعلت عظيم
 
2- لا تفرض عاداتك على أولادك، ولا تسعى أن يكون ابنك نسخة عنك، فهو مخلوق حر وله شخصيته وإرادته ورغباته واختياراته، فلا تفرض عاداتك عليه، سواء في اللباس "خير لباس المرء لباس أهل زمانه"، أو في الأكل "ملعون من أكل عياله بشهوته، ولم يأكل بشهوة عياله"، فالأول أناني والثاني متفانٍ.
 
3- لا تضخم أخطاء الولد وتعتبر صغائره كبائر، فعن أمير المؤمنين (ع): "إذا عاتبت الحدث فاترك موضعاً من ذنبه لئلا يحمله الاحراج على المكابرة" 6.
 
4- لا تفرض رأيك بدافع التسلط الأبوي أو في محاولة لإثبات الذات، وإنّما حاوره وشاوره، واعلم أنك لا تملك عليه حق الطاعة، وإنّما لك عليه أن يحسن إليك ويحترمك ويستمع إلى رأيك وتجربتك.
 
5- لا تقتحم خصوصياته، فإنّ ذلك غير جائز شرعاً، قال تعالى: {..ولا تجسسوا..}، فأوراقه الخاصة أو خزانته كذلك ملك له فإذا كان لا يرضى بالاطلاع عليها فلا بدّ لك أن تحترم إرادته وخصوصيته، وتعلم أنّ تلك منطقة محرمة عليك، وأنه كما لك خصوصياتك التي لا ترضى أن يفتحها أحد، فله خصوصياته أيضاً.
 
6- أحسن الظن بابنك، فإنّ التعامل مع الأبناء من موقع الاتهام أو سوء الظن أو على أساس الريبة في كل تصرفاته هو أمر خاطىء من الناحية التربوية، وله مضاعفاته السلبية، والإسلام أمرنا بحسن الظن مع الناس كلهم {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إنّ بعض الظن إثم}، نعم لك أن تتابعه في علاقاته وصداقاته، لكن المتابعة شيء، والتجسس شيء آخر، التجسس هو اقتحام لخصوصياته، أما المتابعة فهي التحسس عن بعد، قال تعالى حاكياً لنا وصية يعقوب لبنيه: {يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه}.
 
7- لا تعنفه أو تشتمه أو تصرخ في وجهه أو تمارس دور الجلاد معه، فكّر على الدوام أنّك أب، والأبوة ليست سلطة، وإنّما هي رعاية واهتمام. القساوة والفظاظة لا تغير بل تدمر، والبيت ليس ثكنة عسكرية ليدار بمنطق "نفّذ ولا تعترض"، وإنّما يدار بالحكمة والحزم المشوب باللين، أو قل اللين المشاب بالحزم، وشتان بين منطق العنف ومنطق الحزم والرفق.
 
8- لا تمارس التمييز بين أبنائك، فتورثهم العداوة وتزرع بينهم الحقد والبغضاء، فقد رأى رسول الله (ص) رجلاً معه ولدان فقبل الأب أحدهما وترك الآخر، فقال له (ص): "فهلاّ واسيت بينهما" 7

 

 

1-  كنز العمال ج 16 ص 311.
2-  بحار الأنوار ج 43 ص 136.
3-  الكافي ج 5 ص 401.
4-  سنن أبي داوود ج1 ص 465.
5-  الكافي ج2 ص 161.
6-  شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 20 ص 333.
7-  من لا يحضره الفقيه ج 3 ص 483.
 





اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon