حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » هل ممكن إثبات وحيانية القرآن وعدم تحريفه من خلال مضمونه؟
ج »

إن الوحي الإلهي في عملية وصوله إلى البشر يحتاج إلى مرحلتين أساسيتين ليصلح كمصدر معصوم وعلى البشر الانقياد له، وهما:

المرحلة الأولى: مرحلة التلقي عن الله تعالى، بمعنى أنه حقاً وحي نزل من قِبل الله تعالى على رسول الله (ص).

المرحلة الثانية: مرحلة الصدور عن النبي (ص) والوصول إلينا سالماً من التحريف.

 

أما بالنسبة إلى المرحلة الثانية، أعني إثبات صحة صدوره عن رسول الله (ص) وعدم تعرضه للتحريف من بعده. فتوجد عشرات الدراسات والكتب والمصادر التي تؤكد على عدم تعرض القرآن الكريم للتحريف، وقد بحثنا هذا الأمر بشكل مفصل وأقمنا أدلة كثيرة على أنّ هذا القرآن هو عين القرآن الذي جمعه النبي (ص) ودونه وانتشر بعد ذلك بين المسلمين جيلاً بعد جيل، راجع كتابنا "حاكمية القرآن الكريم": الرابط  https://al-khechin.com/article/632

 

أما بالنسبة للمرحلة الأولى، أعني إثبات وحيانية الكتاب وأنه ليس مختلقاً من النبي (ص) أو من وحي الخيال، فهو أمر نستطيع التوثق منه بملاحظة العديد من العناصر التي - إذا ضمت إلى بعضها البعض - تورث الإنسان اليقين بأن هذا الكتاب لا يمكن إلا أن يكون وحياً من الله تعالى، وهذه العناصر كثيرة وأهمها:

 

أولاً: ملاحظة المنظومة المعرفية المتكاملة والرؤية الكونية والوجودية المتماسكة التي جاء بها القرآن، ففي عصر عرف بالجاهلية والخواء الفكري، يأتي محمد (ص) بكتاب يمثل منعطفاً تاريخياً بما يتضمنه من تأسيس معرفي لرؤية فكرية جديدة، إن فيما يتصل بالخالق وصفاته وعلاقة المخلوق به، أو رحلة المبدأ والمعاد، أو يتصل بالكون ودور الإنسان فيه، أو ما ما تضمنه من نظام اجتماعي وأخلاقي وروحي، وعلى القارئ الموضوعي للقرآن أن ينظر إليه نظرة واسعة وشمولية ولا يغرق في بعض الجزئيات المتصلة ببعض الآيات المتشابهة التي أشكل عليه فهمها بما يحجب عنه ما رسالة القرآن الحقيقية. وأنصحك بقراءة كتاب "وعود الإسلام" للمفكر والفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي في هذا الشأن، وكتاب "الإسلام كبديل" للمفكر الألماني مراد هوفمان.

 

ثانياً: نظم القرآن، فإنّ كل منصف أمعن ويمعن النظر والتأمل والتدبر في آيات القرآن، لا مفر له من الاذعان أنّه أمام نصٍّ عظيم ومتميّز في تماسكه وتناسق موضوعاته وعلو مضامينه، وعمق معانيه، والقوة في حججه وبراهينه، والبلاغة العالية في أسلوبه المتميز عن النثر والشعر، وفي ألفاظه وجمله وتراكيبه مما يأخذ بالألباب والعقول. وسوف لن يتوانى عن الإقرار بأنّ هذا الكتاب هو - كما وصف نفسه - قول فصل: {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ} [الطارق 13- 14] خالٍ من التناقض والاختلاف، {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء 82] وأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

 

باختصار: إنّ في آيات القرآن الكريم كيمياءً خاصة وروحاً عجيبة وعذوبة فائقة الجمال وقوة بيانية ومضمونية لا تضاهى، ولا شك أنّ من وطّن النفس على اتباع الحق وأصغى إلى آيات الكتاب بمدارك العقل ومسامع القلب سوف يرى فيها جاذبية ونورانيّة مميزة وروحانية عالية، كما أنّ فيها نُظماً راقية ومتقدمة لا يمكن أن تبلغ قوّتها وعمق مضامينها وتدفق معانيها أي نصوص أخرى. وهذا في الوقت الذي يدل على إعجاز القرآن فهو يدل أيضاً على عدم تعرضه للتحريف.

وإنّ الجاذبيّة المذكورة لآيات القرآن الكريم هي مما اعترف بها البلاغاء العرب وكثير من الحكماء من المسلمين وغيرهم، ولم يجرؤ فطاحلة الشعراء والأدباء من العرب أن يعارضوه بطريقة جديّة ذات قيمة رغم تحديه لهم ودعوتهم إلى معارضته، قال سبحانه: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء 88] وما هذا إلا دليل على قوة القرآن وعدم وجود أية ثغرة فيه أو زيادة أو نقيصة.

 

ثالثاً: ملاحظة صفات الشخصية (ص) التي جاءت بهذا الكتاب، فهو شخص أمّي لم يدرس عند أحد ومع ذلك أتى بهذا القرآن بكل ما يتضمنه من تناسق مبدع ومضمون روحي ومعرفي غير مسبوق، وكذلك ملاحظة سيرته وأقواله وسلوكه الشخصي وخصائصه الذاتية التي تؤكد على تمتعه بأعلى درجات النزاهة والصدقية والطهارة، ومعلوم أنّ حياة الإنسان هي أهم مختبر لصدقية طروحاته ومقولاته، ويلي ذلك دراسة مشروعه الثقافي والحضاري وما تتضمنه رسالته من معارف ومفاهيم لم يعرف الإنسان عنها إلا القليل، ويلي ذلك ملاحظة إنجازاته وحجم التأثير والتغيير الذي أحدثه في المجتمع، والمقارنة بين ما جاء به وبين الموروث الثقافي في السائد في مجتمعه أو الذي جاءت به الكتب الأخرى، فإنّ البشر مهما كان عبقرياً لا يتسنى له أن يخرج عن الموروث الثقافي الذي يحكم بيئته الاجتماعية، فعندما ترى شخصا قد أوجد انقلاباً حضارياً معتمداً على منظومة فكرية وثقافية لا تمت بصلة إلى المستوى الثقافي لمجتمعه، فهذه القرائن وسواها قد تورث اليقين بصدقيته، أأسميتها معجزة أم لم تسمها.

 

رابعاً: أما بعض التفاصيل مثل قضية طول عمر الإنسان، أو قضية يأجوج ومأجوج، أو غيرها، فهي قضايا تسهل الإجابة عليها، ولا أعتقد أنها تشكل معضلة كبيرة، إذا أخذنا بعين الاعتبار أمرين:

 الأول: أن التجارب العلمية لا تزال تفاجئنا كل يوم بجديد وأنّ ما قد نخاله اليوم غير معقول قد يصدقه العلم بعد غد. 

 الثاني: إنّ فهم الكتاب وآياته، ليس محكوماً بالقراءة العرفية اللغوية، وأنّ ثمة مجالاً للقراءة الرمزية – على الأقل – بالنسبة لصنف من الآيات القرآنية.


 
س » هل صحيح إن الإسلام الحنيف لم يسمح لغير الفقهاء بالإفتاء الشرعي ، ولكن الكلام في العقيدة والمسائل الثقافية هو حقٌَ للجميع ، ولكن لابد أن يكون الكلام عن علم ومعرفة ؟
ج »
إن الافتاء بغير علم أمر مبغوض عقلا وشرعا، قال تعالى: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (الإسراء ٣٦) 

 

ولا يفرق الحال في مبغوضية وكراهية الكلام بغير علم بين الفقه والعقيدة والتاريخ وغيرها من العلوم. ولا يجوز للإنسان، في كل ما لا يملك معرفته، أن يتحدث بضرس قاطع فيه. وبالتالي فإن على الجاهل أن يتعلم ويرجع إلى العالم. والرجوع إلى العالم، هو أيضا أمر عقلاني جرت عليه سيرة العقلاء، وقد أرشد إليه الشارع في قوله تعالى:  ۚ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (النحل ٤٣)
 
أجل، إذا كان ثمة فارق بين الحقل الفقهي والحقل العقدي، فليس لانه يحرم في الفقه الإفتاء لغير الفقهاء بينما في العقيدة يجوز ذلك لغير الفقهاء؛ كلا، إن كان ثمة من فارق، فهو أن على الإنسان في المجال العقدي أن يكون مجتهدا في أمهات قضايا العقيدة ولا يجوز له التقليد خلافا للمجال الفقهي حيث يجوز له التقليد، إلى غيرها من فوارق.. والله الموفق

 
 
  كتب >> قراءات في الكتب
قراءة في كتاب: وهل الدين إلا الحب؟



بين الدّعوة إلى تنقية التراث الدّيني من الشوائب التي كانت مدعاةً للفتك بالإنسان كما بالدّين نفسه، والدّعوة إلى إعادة قراءة النّص الديني بما يتوافق ومعطيات الواقع ومقتضيات العصر، علت في الآونة الأخيرة أصواتٌ فكرية وشعبية كما وعلمائيّة، تنادي بضرورة إحياء المقاصد القيميّة للدّين،

وتفعيل الخطاب الأخلاقي في مقابل الخطاب الفقهي الجامد، منادية بأنَّ قدسيّة الإنسان تعلو فوق أي مقدّس، وبأنَّ الدّين هو في الاساس لخدمة الإنسان لا العكس، بمعنى أنه لم يوجد الدين ليكون الإنسان في خدمته. وقد تداعت المؤتمرات الجامعة بين الطوائف للتركيز على فكرةٍ كهذه، كون أنّ

كافّة الديانات والمذاهب تتلاقى على فحواها، وكون أنَّ بإمكانها التّأسيس لقاعدة من العيش بسلام وبروحية من الإنفتاح على الإنسان أيا كان، سواءً انتمى إلى الـ"جماعة" أم لم ينتمِ، كما وبإمكانها أن تخفف بعض الشيء من نزعات الإلحاد واللائكية الّتي أتت في أغلبها على شكلِ ردّ فعلٍ على ما

آل إليه الواقع المزري لتطبيق الدّين، الّذي بدا وكأنّه مرادفاً للإقصاء والإلغاء وحتى القتل تحت مسمّى إقامة العدالة عبر تطبيق شرع الله!

 

 لقد بدأ البعض يشكّك في قدرة الخطاب الإصلاحي الفكري على حلّ المشاكل الراهنة، لأنّه لطالما بقي حبيس الكتب، ورفيق النّخب، ليس إلّا، أو أنّه في أبعد تقدير يحتاج إلى فترة زمنية طويلة الأمد حتى يتغلغل في عمق المجتمع، ليستحيل ثقافةً إصلاحيةً شعبيّة منفتحة. وعلى هذا الأساس، كان

الحلّ الأسرع برأيهم والأنجع يكمن في إعادة الإعتبار للإتجاهات الصّوفيّة والعرفانية كمرتجى للخلاص. وفي هذا الإطار، كتب الدكتور حبيب فياض في صحيفة السّفير مقالاً جاء فيه: "الإصلاح المطلوب اليوم لا يجدي معه التجديد في فهم النص الديني وإعادة إنتاجه تنظيريا. الحل يكمن في

توجيه الطاقة المعنوية لدى الناس من الكراهية إلى المحبة، ومن الغريزة إلى الفطرة، وذلك عن طريق إعادة خلق التجربة الدينية المجتمعية على نحو يشبه التجربة الفردية في العرفان والتصوف"، ودوّن الدكتور عبد الجبار الرّفاعي من جانبه أيضاً: "طفقت أفتش في آثار المتصوفة وتجاربهم،

وميراث الفلاسفة.. وغيرهم، عن أولئك الذين يضيئون الحياة بإشراقات أرواحهم، ويوقظون العالم بنواقيس أفئدتهم، وتغتني العلاقات الاجتماعية بقيمهم وأخلاقياتهم.. أولئك الذين يوقدون قناديل دين الفرح في عالم كل دينه حزن، ويسقون شجرة دين الحياة في عالم كل دينه موت، ويعزفون

سمڤونية دين الحب في عالم كل دينه كراهية".. كما تحدّث سماحة الشيخ حسين شحادة ليعتبر أنَّه "لكي نقوم بعملية التصويب والتصحيح يجب أن نرد الاعتبار لحاكمية النص الأخلاقي على النص الفقهي والشرعي".. أما سماحة العلامة الشيخ حسين الخشن، فقد استفاض في هذا الموضوع،

وراح يؤصّل في عملٍ بنيوي المفاهيم والأحاديث والمعاني القيميّة في الدّين الإسلامي تحديداً، ويعيد نبشها والتّذكير بها، للتّأكيد على أنّها هي الجوهر وهي الأساس في دينٍ بُعث رسوله ليتمّم مكارم الأخلاق، وليكون رحمةً مهداة.. فكان أن أنتج سماحته كتاباً لافت العنوان: "وهل الدين إلا

الحبّ"، وهو في الأساس حديثٌ للإمام الباقر(ع)، أعاد الشيخ تسليط الضّوء عليه بعد أن غُيّب عن التداول العام، واستبعد من الأدبيات الإسلامية الفقهية، ليكون هذا الكتاب بدءاً من عنوانه مدخلاً لإعادة إحياء التراث الإسلامي الغنيّ بأحاديث وأقوال القيم، وفي مقدمتها قيمة الحبّ، وليصلح

الكتاب بذلك أيضاً مرجعاً إسلاميّاً في البحث القيمي، ولتكون أوراقه التي فاقت الـ 250 بمثابة شحناتٍ روحيّة، تخفّف ضغط الثّورة والغضب من أولئك الّذين ما برحوا يغضبون من الإساءة للإسلام من قبل أتباعه أنفسهم، وما انفكّوا يصرخون بأن أنقذوا الإسلام من هؤلاء الحاقدين. يقول

سماحته في مقدّمة الكتاب: " هل صحيحٌ أنَّ الإسلام هو سرّ تخلّفنا..؟ إنَّ المشكلة لا تكمن في الدّين ولا في نصوصه.. إنَّ المشكلة في جانبٍ رئيسٍ منها هي في العقل الّذي أصابه العقم إلى حدّ كبير عن استنكاه مقاصد النّصّ الكلّيّة واستلهامها واستهدائها بطريقة اجتهاديّة توائم بين النّصّ

والواقع... والمشكلة في جانبٍ آخرٍ منها هي في الإنسان المسلم الّذي عجز عمليّاً عن تقديم نموذج إسلامي يُحتذى، ونموذج قابل للحياة وقادر على مواكبة العصر." وبعد أن دعا إلى إعادة النّظر في طريقة التّعامل مع النّصّ وفي رؤيتنا الفكرّية الموروثة، وإلى ضرورة التوغل في الحقل القيمي

والأخلاقي في الإسلام، لفت إلى أنّ " الباحث لا يحتاج إلى كثير عناء ليكتشف الحضور المكثّف لمفردة "الحب" ومشتقاتها في النّصّ الإسلامي الأصيل، لكنّه سيصاب بالدّهشة عندما يلاحظ هذا الغياب أو التّغييب لهذه القيمة عن قاموس التّداول الإسلامي وأدبيات المسلمين.. وسلوكياتهم.."

ينطلق سماحته في الفصل الأول من الكتاب ليتحدّث عن دور الحبّ في الحياة والإبداع الإنساني وانتظام الحياة الإجتماعيّة، فيقول: " إنَّ عاطفة الحبّ هي الّتي تصنع الحياة وتعطيها جمالها.. إنه الطاقة الملهمة لكلّ إبداع.. وإنَّ مجتمعاً تتراجع فيه عاطفة الحبّ لتحلّ محلها الكراهية والحقد هو من

دون شكّ مجتمعٌ محكوم بالإنهيار الداخلي عاجلاً أم آجلاً"... ثمَّ يقارن بين ثقافة الحب والقانون ليذكر:"إنّ مفعول المحبّة إذا أحسنّا تربية الأجيال عليها هو أقوى من كلّ القوانين، وأبلغ أثراً من كلّ القرارات. إنَّ القوانين بإلزاميتها وقسوتها وصرامتها تستطيع ان تحاسب المعتدي وتقتصّ من

المجرم أو تزجّه في السّجون، لكنّها لن تملك أن تصنع منه إنساناً فاعلاً ينبض بالحبّ والعاطفة، إنساناً مشاركاً في صنع المحبّة"، مشيراً إلى دور الحبّ في التربية وفي عمليّة التغيير، ولافتاً إلى أنَّ النبي الأكرم قد دعا إلى ابتكار أساليب التحاب في العلاقات الإنسانيّة، من خلال التهادي

والزيارات والمصافحة والعطف وحسن الخلق.. مستشهداً بآياتٍ قرآنيّةً تُحاكي أثر الإيمان الشخصي وحبّ الله في توطيد علاقات المودّة والمحبّة بين الناس.

 

 

في الفصل الثّاني، يتحدّث الشّيخ حسين عن مظاهر حبّ الله للإنسان، ذاكراً انّ إرسال الرسل وخلق الجنّة وفتح باب التّوبة وحتى خلق النار هي مظاهر من مظاهر الحبّ، مجيباً عن الإستفهامات التي تثار من قبيل لماذا خلقنا مع علمه بعاقبتنا، وكيف يحبّنا ويعذّبنا، وهل نخاف الله أم نحبّه، لافتاً

إلى الكيفيّة التي يصل بها الإنسان إلى درجة المحبّين لله.

 

يشير العلامة في محوره الثّالث إلى دور الحبّ في العلاقة مع أولياء الله، معتبراً أنّ العلاقة الناجحة بالمثل الأعلى تقوم على ثلاث ركائز وهي المعرفة والعاطفة والسلوك، فيما خصص المحور الرابع للحديث عن موضوعٍ في غاية الأهمية في عصرنا الراهن يتمثّل في دور الحبّ في الخطاب

الديني وكيفية تقديم الإسلام وإزاحة الصورة المنفّرة التي انطبعت في الأذهان عن هذا الدّين، فيقول على هذا الصّعيد: "إنّ خطابنا الدّيني على مستوى الظّاهرة لم يستهد قيمة الحبّ ونظائرها من القيم... لعلّ الجريمة الكبرى التي جنيناها على أنفسنا وديننا أننا في بعض خطابنا الدّيني لم نر الله

تعالى، أو لم نقدّمه كما ينبغي أن يقدّم، بل رأيناه مصدراً للخوف والرّعب، حيث تتقدّم عندنا صورة العذاب على صورة الرّحمة"...كما وأشار إلى شخصية الداعية وضرورة أن يكون مفعماً بالمشاعر الطّيبة ليتسنى ان يرسل نفحات حبّه للناس، وأن يظهر بمظهر جذّاب في نظافته وتجمّله

وتهذيب لحيته، ويقول: "إنَّ على الدّاعية أن يتعلّم محبّة النّاس جميعاً، فيحبّ المؤمن لإيمانه، ويحبّ الفاجر أو الفاسق أو الضّال في شخصه كإنسان".

 

 

خصّص الكاتب المحور الخامس للحديث عن الحبّ في مدرسة عاشوراء، التي لا تشكل "مدرسة للحقد والكراهية، ولا لإثارة الغرائز وإيقاذ الفتن، وإنما مدرسة نتعلّم منها كلّ المعاني السامية وعلى رأسها قيمة الحبّ"، مشيراً إلى أننا نستهدي من هذه الذكرى كما من أقوال سائر أئمة اهل البيت

كيف يحبّ القاتل قاتله، لأن المؤمن لا يبغض في أعداء الله سوى عصيانهم وتمردهم على الله، ولكنه في العمق يشفق على أشخاصهم. وبعد أن يسهب في المحور السادس في الحديث عن الحبّ بين الحلال والحرام، وما يتعلق بمودة أعداء الله والحب بين الجنسين وحبّ الدنيا التي يؤكّد سماحته

أن الإسلام لا يطلب من الإنسان أن يعاديها، وأنه في الإمكان الجمع بين حب الدين والدنيا شريطة أن يكون الحب في ذلك لله وفي الله، يذهب في المحور السابع والأخير ليؤكّد أنه "لا يمكننا أن نمكّن لثقافة الحبّ أن تنتشر وتعمّ إلا إذا عملنا على محاصرة ثقافة الكراهية والحقد وسعينا لتجفيف

منابعها وتفكيك بناها الفكرية والنفسية والإجتماعية والسياسية". ولذلك فإنه يعتبر أنَّ تطبيق نظام العدالة الإجتماعية والسياسية هو السبيل الأمثل لإزالة الشحناء من النفوس التي هي سليمة في فطرتها إنما اكتسبت الحقد مع الإنغماس في الحياة وظروفها، ويشير إلى أن "الكثيرين ممن يرفعون

شعار تطبيق الشريعة إنما يقصدون بذلك تطبيق نظام الحدود والعقوبات فحسب، ويتنادون لهذا الأمر، في الوقت الّذي لا نجد عندهم الغيرة عينها على تطبيق المنهج الأخلاقي الإسلامي.. وأعتقد أن هذا الخلل ناشئٌ عن خلل أعمق في فهم وظيفة الدين، إنَّ الوظيفة الأسمى للدّين هي تهذيب

الأخلاق، وهذا هو المقصد الأقصى والأسمى للشريعة عينها، فإنَّ شريعة لا تتحرك في ظلّ منظومة أخلاقية هادية وملهمة للعقل الإجتهادي هي شريعة جامدة وجافة وغير قابلة للحياة".. وقد ذكر في هذا الإطار أنَّ صاحب الفكر القشري والتكفيري هو صاحب شخصية تحمل الحقد تجاه الآخر،

وتلبس هذا الحقد لبوس القداسة. ويضيف: "علينا تطهير مناهجنا التربويّة والدّينيّة من كلّ بذور الثقافة المبنية على منطق "الفرقة الناجية"... وعلينا أن نعترف أنَّ تربيتنا الوطنيّة والقوميّة لم تفلح في غرس مفهوم المواطنة في النّفوس، ولم تنجح في تعزيز حسّ الإنتماء الوطني، وظلّ الدّين بمعناه

العصبويّ الضّيّق هو المكون الأساس للهوية كما هو المحرّك للإنسان المسلم"..." إنَّ الدين لو أحسنّا فهمه وتقديمه وتوظيفه في بناء الإنسان وبناء الأوطان سيكون عامل نهوض وعنصر استقرار وأمان دون شكّ".

 

 

إنّ الحديث عن فلسفة الدين ومقاصده في أيامنا هذه قد بات محور اهتمام المحدثين والمهتمين بإعادة صوغ وتقديم الدّين بصورة مغايرة لما يظهر فيه اليوم، وإنَّ موضوعاً كهذا قد أخذ حيزه من البحوث الفلسفية لدى فلاسفة عصر الأنوار في أوروبا وفلاسفة النهضة.. إلا أنّ سماحة الشيخ حسين

الخشن لم يشأ الإطلالة على هذا الموضوع من الناحية الفلسفية الفكرية بقدر ما اهتمّ باستخلاص جذوره من داخل النصوص الدينية الإسلاميّة، وتأصيلها وتدوينها لتصلح كمرجعٍ في هذا الإطار، وللتأكيد على أنّ الدين الإسلاميّ لديه من المنظومة القيمية ما يكفي ليعلي من شأن الإنسان بأكثر مما

أعلته الفلسفات الأخرى، التي كانت ردة فعل لتحمي الإنسان، فيما كان الإسلام منذ انطلاقته مؤسّساً ومبنيّاً على كرامة ابن آدم وحرمة سفك دمه والتأكيد على خلافته للأرض وعمرانها. من هنا، فإنَّ عملاً كهذا من داخل الإطار الديني يعدّ بحدّ ذاته تجديداً فكرياً وروحياً يؤسّس عليه في سبيل

تغيير الواقع الديني المعاصر نحو آخر منفتحٍ سليمٍ تسوده القيم وثقافة الإحترام والإنفتاح على الآخر مهما ابتعدت المسافة الفكرية بين الأطياف..

بقلم : ملاك عبد الله.

نُشر على الموقع في 8-7-2017






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon