وفاة الدكتور يوسف مروة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
{إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}
رحل عنا في هذه الأيام علم بارز يُعدّ بحق مصداقًا للآية المباركة {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}، ألا وهو الدكتور يوسف مروة، الاسم الكبير في سماء العلم والمعرفة، فهو العالم الفيزيائي والخبير الفلكي الذي قضى عمره في خدمة المعرفة والعلم والإنسان.
تعود معرفتي بالدكتور مروة إلى ثمانينات القرن الميلادي المنصرم من خلال مطالعتي لكتابه "العلوم الطبيعية في القرآن"، والذي قدم له العلامة السيد موسى الصدر في سنة 1968م، ثم توثقت معرفتي بالرجل، دون أن ألتقيه، من خلال أنه كان معتمدًا عند سيدنا الراحل المرجع السيد محمد حسين فضل الله، فقد كان السيد (ره) يأخذ رأي الدكتور مروة بعين الاعتبار عند افتائه ببداية الشهور الفلكية.
وكانت معرفتي الشخصية بالرجل عند لقائي به في زيارتي إلى كندا في العام 2007م، وقد زاد إعجابي بالرجل، ولاحظت أنّ يوسف مروة يمتلك - بالإضافة إلى الجدارة العلمية التخصصية - خُلقًا رفيعًا وحسًا إنسانيًا مرهفًا، وهو في سلوكه يجسّد تواضع العلماء وسمات الصالحين والأتقياء، ولا أنسى أنه قد منحني الكثير من وقته، ليُعرّفني على تاريخ ذاك البلد "كندا" وبالتحديد مدينة "تورونتو" ومعالمها، حتى أنه تجشم عناء الذهاب إلى محطة القطار ليودّعني هناك حيث كان آخر لقاء جمعني به.
وقد لاحظت أنّه كان يعيش هموم أمته ومآسي وطنه. ويتألم لما يراه من تأخر المسلمين وتشتتهم وتناحرهم، ولشدّ ما كان يؤذيه اختلاف المسلمين في بلاد الغرب على قضية بداية الشهور القمرية، كان يرغب في جمعِهم على رؤية واحدة تأخذ المعطيات الفلكية الدقيقة بنظر الاعتبار، وأذكر أنّه ذكر لي قصّةً طريفةً في هذا الشأن، ومفادها: أنّه ذات يوم وحرصًا منه على تعريف علماء الدين المسلمين في كندا على ما وصلت إليه المراصد الفلكية من دقة في رصد الهلال، قام برفقة كوكبة منهم بزيارة إحدى الكليات المتخصصة هناك، وقد كان في استقبالهم في مدخل الجامعة عميد الكلية، ولما نظر العميد المذكور إلى هؤلاء العلماء وهم بلباسهم الديني التقليدي الذي يُفصح عن هويتهم، تداعى إلى ذهنه ماضي المسلمين المجيد، فقال بعد الترحيب بهم: لقد كنا في بلاد الغرب عيالاً على العلوم التي أرسى قواعدها أسلافكم، وكانت لهم فيها بصمات بينة، ولطالما استفدنا من كتب ابن سينا والبيروني وغيرهما من العلماء المسلمين، فمتى سيعود المسلمون إلى لعب دورهم المرتجى في بناء الحضارة؟!
إنهم بالتأكيد لن يعودوا إلى ذلك إلا إذا امتلكوا الثقة بأنفسهم وأطلقوا العقل من سجنه وعقاله، وأعادوا للإنسان احترامه واهتموا بطاقاتهم المبدعة.
رحمك الله أيها العالم المؤمن وأسكنك الفسيح من جنانه مع محمد (ص) وآله (ع).