برنامج "أ ل م" على قناة الميادين - أكذوبة مصحف الشيعة
رابط الحلقة: https://www.youtube.com/watch?v=16f2f8fKzJk&feature=youtu.be
يحيى أبو زكريا: حيّاكم الله وبيّاكُمُ وجعل الجنّة مثواكُمُ.
قال الله تعالى في محكم التنزيل "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ"، وقال في سورة الكهف "وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً"،
والآيات الدالّة على حفظ القرآن من التزوير والتحريف لا يُحصى عدّها، كما أنّ علماء الإسلام المعروفين بالفقاهة والعلم الشرعي والضالعين في فقه القرآن وعلومه وتنزيله يقرّون أنّ القرآن الكريم مُصانٌ من التحريف ومن الزيادة والنقيصة.
وقد أطلق دُعاة الفتنة والكراهية والتفريق مقولة أنّ الشّيعة أو مدرسة أهل البيت عليهم السلام تذهب إلى تحريف القرآن الكريم وابتداع ما يسمّى بمُصحَف عليٍ ومُصحَف فاطمة ومُصحَف المهدي، وغير ذلك من الأقاويل. ويستند بعضهم إلى كتاب "فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب" الذي ألّفه ميرزا النوري، وهو من المحدّثين في القرن الرابع عشر الهجري، وكتاب"الاحتجاج" وغير ذلك من الكتب، مع العلم أنّ مؤسّسي مدرسة أهل البيت وعلى رأسهم المرتضى والصدوق والشيخ الطبرسي حكموا بأنّ ما بين دفّتي المُصحَف هو القرآن المنزّل لا غيره، ولم يقع فيه تحريفٌ ولا تبديل.
ومن جهةٍ أخرى، يعتمد بعض الوهّابيين والسلفيين على كتاب "داغستان" مذاهب والذي يتضمّن زعماً أنّ هناك سورة الولاية في القرآن جرى حذفها لدى جمع القرآن الكريم. وتبيّن تحقيقاً أنّ علماء مدرسة أهل البيت سحبوا الشرعية من كلّ الروايات الضعيفة والتي مصادرها غير معتمَدةٍ عند الشيعة، وأبطلوا مزاعم الرجال الكاذبين والواضعين والوضّاعين أيضاً الذين افتروا هذه الفرية.
وتؤكد الحقيقة العلمية أن الروايات الضعيفة بشأن تحريف القرآن غزت مذهب السنّة ومذهب أهل البيت أيضاً. فقد ذكر الطبراني في المعجم الكبير عن علقمة عن عبد الله أنه كان يحكّ المعوذتين من المصاحف، أي عبد الله ابن مسعود، ويقول عبد الله ابن مسعود "إنما أمر رسول الله أن يتعوّذ بهما ولم يكُ يقرأ بهما، وكان يقول لا تخلطوا بالقرآن ما ليس فيه فإنما هما معوذتان تعوّذ بهما النبيّ"، قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس. وكان عبد الله ابن مسعود يمحوهما من المصحف.
وقد تسلّلت روايات التحريف إلى كلّ كتب المسلمين من دون استثناء. والمطلوب اليوم، وإنقاذاً لأجيالنا أن نخرج من دائرة نحن نقول بصحة القرآن وأنتم تقولون بتحريفه والعكس، المطلوب إلغاء الأحاديث الدالّة على حصول الزيادة والنقيصة عن القرآن، والذهاب إلى مشروعٍ قرآنيٍ جديد لإنتاج رؤيةٍ إسلاميّةٍ معاصرة.
وللأسف سقط بعض السنّة وسقط بعض الشيعة في فخّ المستشرقين الذين أسّسوا لفكرة تحريف القرآن، وللأسف أيضاً ما زال المسلمون يقعون في أفخاخ الاستكبار العالمي وغرفه السوداء. فالمستشرق الفرنسي بلاشير الذي اقتفى آثار القائلين بتحريف القرآن كفلوكل ونولدكا وغيرهما يزعم أنّ فقرة الغرانيق المزعومة هي من صميم القرآن، وأنّ القرآن قد تعرّضت أجزاء منه للضياع سواء المحفوظ منها في الدواكر أم المسطور منها في الدفاتر.
أكذوبة مصحف الشيعة عنوان برنامج أ ل م، ويشاركنا في النقاش العلاّمة الشيخ حسين الخشن الكاتب والباحث في الفكر الإسلامي وصاحب المؤلّفات الكثيرة، ومن مصر الحبيبة العلاّمة الدكتور الشيخ محمود سعيد ممدوح أيضاً الباحث والمفكّر الإسلامي المعروف.
مشاهدينا مرحباً بكُمُ جميعاً.
(مشاهد فيديو)
-
إنّنا نختلف مع الشيعة في الأصلين الأساسيّين من الإسلام، عندهم قرآن يختلف عن قرآننا.
-
عند الشيعة مصحف يخالف القرآن الكريم يُسمّى مصحف علي.
-
سورة الولاية المزعومة يا دكتور إسمها الولاية المزعومة من كتاب فصل الخطاب، "يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالنورين أنزلناهما يتلوان عليكم آياته ويحذّرانكم عذاب يوم عظيم". حتى ترى الركاكة والكلام. لا، هذا ليس كلام بشر مع احترامي، هذا كلام واحد جاهل باللغة العربية، جاهل بالأساليب البلاغية.
-
نأخذ بأيديكم من هذا الظلام، فكونوا معنا يرحمكم الله.
يحيى أبو زكريا: مشاهدينا، هذه لقطات ممّا يُذاع في بعض الفضاء الإسلاميّ للأسف الشديد. ولمعرفة الحقيقة كاملةً، كانت هذه الحلقة لدرء الشّبهات وإحقاق الحق.
سماحة العلاّمة الشيخ حسين الخشن، كما سمعت، ادّعاءات لا مثيل لها، وأقوال كثيرة جداً في هذا الفضاء الإسلامي، في المنابر، دعوات للكراهية ومزيد من التفريق.
وحتى نكون ملتزمين بفقه القضاء الحقيقي، لا بدّ من السماع للطرف الآخر. هل مدرسة أهل البيت، هل الشيعة الذين تمثّلهم أنت، يقولون بتحريف القرآن الكريم كما ذكر أولئك وكما ورد في بعض الكتب؟
الشيخ حسين الخشن: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلّى الله على النبي المصطفى محمّدٍ وعلى آله الطيّبين الطاهرين وصحبه المنتجَبين وعلى جميع الأنبياء والمُرسَلين.
أقول بعد بسم الله الرحمن الرحيم، اللّهم إنّا نبرأ إليك مِن كلّ مَن يتجرّأ على حرمة هذا الكتاب المجموع بين الدفتين والمطبوع في المدينة المنورة، وقُدّم هديّة باسم الملك عبد الله. إنّا ندين الله كأتباع لأهل البيت ونفتخر بذلك، ندين الله بهذا الكتاب ونُجِلّه ونقدّسه، ونتعبّد الله بكلّ حرفٍ ورد فيه، ونتلوه في صلواتنا وعلى أمواتنا، ونبرأ إليك من كلّ من ينبذنا ويتّهمنا بأننا نعتقد بتحريف القرآن.
من يتّهم شيعة أهل البيت بتحريف القرآن هو كذّابٌ، أشر، لا يتّقي الله، لا في حرمة القرآن، ولا في حرمة رسول الله محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم، ولا في حرمة أهل بيته، ولا في حرمة الإسلام. إنّه يخدم أغراض أعداء هذه الأمّة، وإنّه يلبّي عصبيّاته الضيّقة. أسألك بالله العظيم، أين مصلحة القرآن في مثل هذا الكلام؟
عندما يخرج هؤلاء الشيوخ الذين يدّعون الحرص على الشيعة وعلى الإسلام وعلى القرآن، ويرمون طائفةً يصل عدد أتباعها إلى مئتي مليون نسمة إلى أنها لا تؤمن بالقرآن وأن لديها قرآناً خاصاً، أين مصلحة القرآن في ذلك؟ إنّها مجرّد نزوات عصبية. إنّهم يشبعون عصبياتهم حيث يريدون تسجيل نقطة على المذهب الآخر ولا يريدون تقديس هذا القرآن.
أخي الكريم، أذكر قضيّةً عن عالِمٍ كبير من علماء الشيعة جاءه شيخٌ ذات يوم، وقد ألّف كتاباً عن تحريف القرآن لدى السّنّة وعرضه عليه. فقال له ذلك الفقيه الكبير احرق كتابك ومزّقه وارمِ به في سلّة المهملات. أين حرمة القرآن؟
إذا كنّا نحن نريد أن نتهم السنّة بأنهم يحرّفون القرآن أو لا يعتقدون بصيانة القرآن من التحريف، وإذا كان السّنة يرموننا بأننا نحن الشيعة نعتقد بتحريف القرآن، فماذا سيكون الصدى لدى المتلقي من الطرف الثالث، من الذين لا يؤمنون بالإسلام؟ سيكون الصدى أن المسلمين مجمعون على تحريف قرآنهم.
لذلك قلت، وإنّي أتحدّى كل هؤلاء الكذابين أن يبرزوا لنا كتاباً باسم مصحف الشيعة يزيد عمّا في هذا القرآن الكريم المطبوع بين الدفّتين، والذي يُطبَع في المدينة المنورة أو يُطبَع في الأزهر ويقرأه الشيعة في قم وفي النجف وفي لبنان. اتّقوا الله في كتاب ربكم، فإنكم ستسألون وسوف تحاسبون يوم القيامة.
يحيى أبو زكريا: هذا المبدأ وهذا المنطلق، وسوف نناقش الروايات التي استند إليها هؤلاء الشيوخ، لأن بعضهم اعتمد على الاحتجاج للطبرسي، والبعض اعتمد على كتاب فصل الخطاب للشيخ النوري. سنعود بعد الذهاب إلى القاهرة.
سماحة الدكتور محمود، حيّاك الله وبيّاك وجعل الجنة مثواك.
طبعاً، لا يتسنّى لي في هذه الحلقة أن أعرض آلاف المراجع، وأنا أدّعي أنني قرأت آلاف الكتب حقيقة في هذا السياق القرآني، لأن القرآن هو الأساس للرؤية الإسلامية، العقدية، الكلامية، الفقهية، الاستنباطية وما إلى ذلك.
لكن جلبت كتابين، "تصحيح الاعتقاد بصواب الانتقاد" للشيخ المفيد، ويسمّى أيضاً "شرح عقائد الصدوق"، في صفحة 102، يشير إلى أن القرآن هو الماثل بين أيدينا اليوم. هذا كتاب تقريباً للمتقدّمين. من المتأخّرين، أبرز مثال "تفسير الميزان" للسيّد محمّد حسين الطبطبائي الفيلسوف صاحب "بداية الحكمة ونهاية الحكمة". في الجزء الأول يقرّ أن القرآن هو القرآن.
لكن الشبهة التي طرحت ونسمعها وردّ عليها الشيخ نظرياً وسوف يغوص بها مبدئياً ليست حديثة، ففي مقالات الإسلاميين واختلاف المصلّين لإسماعيل الأشعري، يقول في صفحة 36، "واختلفت الروافض في القرآن، هل زيد فيه أو نُقِص منه، وهم ثلاث فرق"، يقول فرقة تقول أنّ القرآن هو القرآن، وفرقة تقول أنّ القرآن حُرّف ويتعرض إلى الفرقة الثالثة.
كيف بدأت هذه الشبهة في الموروث الروائي السنّي سماحة الدكتور؟
الشيخ محمود ممدوح: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا ومولانا محمّد وعلى آله الأكرمين ورضي الله عن أصحابه وعن التابعين، وبعد.
موضوع تحريف القرآن الكريم الحقيقة هو مخالف لقول الحق تبارك وتعالى "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ"، فأي دعوة للتحريف هي دعوة مرفوضة ودعوة غير صحيحة لأنها تخالف قول الحق تبارك وتعالى الذي ذكرته. والمصحف الكريم، القرآن الكريم الذي يُقرأ في مكّة المكرمة في القرن الأول هو القرآن الكريم الذي يُقرأ في المغرب وفي اليمن، وفي القاهرة، وفي بلاد فارس، وفي أندونيسيا، وفي الصين، باختلاف المسلمين في طبقاتهم ومذاهبهم وطرقهم وألسنتهم وقوميّاتهم.
لم يحدث بين المسلمين أيّ خلافٍ في المصحف المتداول بينهم على الإطلاق، فالذي قُرئ في القرن الأول في حياة رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم وأصحابه، ثمّ يُقرَأ الآن في القرن الخامس عشر هو نفسه هو المصحف. لم يدّعِ أحدٌ أو لم يُبرِز أحدٌ على الإطلاق نسخة ثانية من المصحف الشريف، وهذا قد اتفق عليه المسلمون جميعاً باختلاف طبقاتهم وباختلاف أوقاتهم وباختلاف مذاهبهم. لا يوجد أحدٌ على الإطلاق قد أبرز نسخة من المصحف الشريف غير النسخة المتداولة في أيّ وقتٍ وفي أيّ مذهبٍ من المذاهب، إنما هي أمور نظرية أدخلها بعض الزنادقة على المسلمين وأدخلها بعض الناس الذين يريدون التشنيع على المسلمين.
فالذي جاء به أبو الحسن الأشعري في كتاب "مقالات الإسلاميين واختلاف المصلّين"، إنما لم يذكر دليلاً عليه، ولم يُبرِز هذا الكلام، وإنما هو كلامٌ مُرسَل، كلامٌ مُطلَق، وعلماء الشيعة الكبار كالشيخ الصدوق والمفيد ثم من تتابع بعدهم لا يقولون بالتحريف على الإطلاق، إنّما هي رواياتٌ بثّها أعداء الإسلام هنا أو هناك، ومعروفٌ أنّ الوضع قد دخل على المسلمين في القرون الأولى، والوضع يدُهُ كانت طويلة، فجاءت هذه الروايات، وهذه الروايات ليست في كتب الشيعة فقط، ولكن في كتب السّنّة، وما يُعرَف بين العلماء المتخصّصين بنسخ التلاوة، أي أنّه كان هناك بعض آيات من القرآن ثم نُسِخت، نُسِخت تلاوةً، أي كانت من القرآن ثم بعد ذلك حصل عليها نوع من الإبعاد، نوعٌ من الإقصاء، وهذا ما يعرف باسم نسخ التلاوة، وهذا موجود كذلك في كتب أهل السنة، حتى في صحيح البخاري كما في حديث "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة".
فإذاً هذا، هناك بعض روايات كانت تقول أنّ هذا من القرآن، وهذه روايات من حيث الإسناد هي صحيحة، ولكن من حيث الواقع ومن حيث العقل ومن حيث القرآن الكريم هي مردودةٌ، غير مقبولةٍ، ولا يقول بنسخ التلاوة إنسان حاقد، هذا لا يقوله أحد.
يحيى أبو زكريا: دكتور محمود، حتى نعالج كلّ المَحاوِر، لدينا محاور كثيرة نريد أن نعالجها جميعاً.
طبعاً، ما دام القرآن هو الأساس، وما دام القاعدة الأصوليّة تقول الحديث إذا خالف القرآن يُضرَب عرض الحائط، لماذا علماء الإسلام أبقوا هذه الأحاديث سواء عند السنّة أو عند الشيعة تشكّك في القرآن الكريم؟ سأعود إليك دكتور محمود.
وهنا السياق يأتي شيخ حسين، عندما تعود إلى كتاب "فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب" للميرزا حسين ابن محمّد تقي النوري، هنالك ادّعاءات كاملة أنّ القرآن محرّف، والشيخ النوري ينتمي إلى مدرسة أهل البيت، عندما تعود إلى أصول الكافي للكليني، معروف عدد آيات القرآن 6263، أليس كذلك؟ من الأول إلى الأخير.
عن علي ابن الحكم، عن هشام ابن صالح، عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن القرآن الذي جاء به جبرائيل عليه السلام إلى محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم 17000 آية، الكافي. والكافي كافي لشيعتنا كما تعارف عليه.
كيف أنا أتصوّر مع هذه الروايات؟ إذا كانت خاطئة ولا شك أنها خاطئة، وقطعاً هي خاطئة، كيف أبقيها في موروثي؟
الشيخ حسين الخشن: في الواقع، هنا علينا أن نتعامل مع هذا الموضوع بشيءٍ من العلمية، بعيداً عن التوتّر والعصبية، وكما قال سماحة الشيخ محمود، أنّ ما يسمّى بروايات التحريف أو النقص موجودة في مصادر المسلمين قاطبةً، إن بالنسبة لآية الشيخ والشيخة، أو بالنسبة لآية ما يُسمّى عشر رضعاتٍ يحرّمن، التي أيضاً قيل نُسِخت تلاوتها، ونسخ التلاوة ماذا يعني؟ أنّ الحكم باقٍ، أنّ هناك آية في كتاب الله نزلت، نُسِف نصّها، نُسِخ النصّ وبقي الحكم، وهذا هو شيء من التحريف في الواقع.
هذه الروايات موجودة في كتب السنّة وتوجد في كتب الشيعة روايات تدل على التحريف، لكن هل آمن الشيعة بهذه الروايات؟ هذا الأمر الأول. هل من الصحيح أن تبقى هذه الروايات في المصادر؟ هذه في المصادر الأولية. العلماء الذين جاؤوا بعد ذلك نسفوها نسفاً قاطعاً، وقالوا هذه أحاديث شاذّة وأخبارٌ لا تفيد عِلماً ولا عَملاً. والملفت أنّ كل الروايات الواردة في التحريف هي روايات من الأشخاص ذوي العقائد الفاسدة، وبعضهم من الزنادقة الذين يكيدون للإسلام.
يحيى أبو زكريا: والكليني ينقل عن الزنادقة؟
الشيخ حسين الخشن: بعض الروايات التي نقلها الكليني هي عن أشخاصٍ فاسدي المذهب، ولذا فإنّ الباب الذي روى فيه بعض هذه الروايات، كما يذكر المجلسي في كتاب "مرآة العقول" الذي هو شرحٌ للكافي، يقول هذه الروايات ضعيفة ولا يؤخذ بها، فهذه أخبارٌ ضعيفة لا يؤخذ بها، والآراء الشاذّة لا تمثل المذهب.
إذا كان الشيخ النوري كما قلتم ألّف كتاباً، نعم، ألّف هذا الكتاب، وبالمناسبة يوجد في الطرف الآخر عند إخواننا السنّة من ألف كتاباً مثل هذا القبيل.
يحيى أبو زكريا: صحيح.
الشيخ حسين الخشن: يقول الشيخ محمّد المدني عميد كلية الشريعة بالأزهر في وقته، يقول "وأما الإمامية فمعاذ الله أن يعتقدوا نقص القرآن"، أنظر المنصفين، هذا العالم المنصف من إخواننا السنّة كيف يقدّس القرآن وينزّه الإمامية عن القول بالتحريف.
يحيى أبو زكريا: هل تسمح أن تؤجّل القول إلى بُعيد الفاصل؟
مشاهدينا فاصل قصير، ثم نعود إليكم مباشرةً، فابقوا معنا.
المحور الثاني
(مشاهد فيديو)
-
إنّنا نختلف مع الشيعة في الأصلين الأساسيّين من الإسلام، عندهم قرآن يختلف عن قرآننا.
-
عند الشيعة مصحف يخالف القرآن الكريم يُسمّى مصحف علي.
-
سورة الولاية المزعومة يا دكتور اسمها الولاية المزعومة من كتاب فصل الخطاب، "يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالنورين أنزلناهما يتلوان عليكم آياته ويحذّرانكم عذاب يوم عظيم". حتى ترى الركاكة والكلام. لا، هذا ليس كلام بشر مع احترامي، هذا كلام واحد جاهل باللغة العربية، جاهل بالأساليب البلاغية.
-
نأخذ بأيديكم من هذا الظلام، فكونوا معنا يرحمكم الله.
يحيى أبو زكريا: مشاهدينا أهلاً بكم من جديد. من أدرك حلقتنا، نحن نعالج موضوع أكذوبة مصحف الشيعة.
طبعاً ما قاله الدُعاة كلّفني ميزانيّة، بحيث ارتحلت أولاً إلى قم، فقرأت المصاحف هناك، ثمّ إلى مشهد حيث الإمام الرضا، وأخيراً ذهبت إلى النجف وكربلاء، وأنا قادم من كربلاء جلبت هذا المصحف عند مقام الإمام الحسين قتيل الطف وقتيل كربلاء. فهذا المصحف، بالمناسبة أخذته من مقام الإمام الحسين، مطبوع في دمشق، يشهد الله تعالى، وعن دار الفجر الإسلامي في دمشق. فحسبنا الله ونعم الوكيل من كلّ مقولةٍ تفرّق المسلمين وتدحض وحدتهم.
هلاّ أكملت شيخنا؟
الشيخ حسين الخشن: كنت أقول، ما يُسمّى بروايات التحريف وهي رواياتٌ شاذّةٌ ومرفوضة موجودة لدى الطرفين، كما قال أخي سماحة الشيخ وكما يعرف كلّ أهل العلم والتحقيق، موجودة هذه الروايات، ولكن هل أخذ بها علماء المذهبين؟ عامّة علماء المذهبين زيّفوا هذه الأحاديث واتّهموها بأنها موضوعة أو مكذوبة، ولذلك لا يجوز لك أن تنسب إلى مذهبٍ لأنّ رجلاً ورأياً شاذاً عند بعض علمائه قال مقولة، أن تنسب هذا الرأي إلى المذهب. المذهب لا يؤخذ من الشواذ، يؤخذ من أقطاب المذهب، وأقطاب المذهب الإمامي الإثنا عشري كلهم مجمعون كعامة الشيعة على أن كتاب الله هو هذا الذي يتلوه المسلمون ويقرأونه ويفسّرونه في كل أقطار الأرض.
يحيى أبو زكريا: ومنهم حتى ندحض هذه الشبهة؟
الشيخ حسين الخشن: ولذلك وجدت أنّ الكثير من علماء إخواننا أهل السنّة، الكثيرين قد أنصفوا، وقالوا عكس ما يقول هؤلاء الذين استمعنا إلى كلماتهم. هذا عميد كلية الشريعة في الأزهر الشيخ محمّد محمّد المدني يقول "وأما الإمامية فمعاذ الله أن يعتقدوا نقص القرآن، وإنما هي رواياتٌ رُويت في كتبهم كما رُوي مثلها في كتبنا، وأهل التحقيق من الفريقين قد زيّفوها وبيّنوا بطلانها، وليس في الشيعة الإمامية أو الزيدية من يعتقد ذلك كما أنه ليس في السنّة من يعتقده"، ويستطيع من شاء أن يرجع إلى مثل كتاب الإتقان للسيوطي ليرى فيه أمثال هذه الروايات التي نضرب عنها صفحاً.
وقد ألّف، كما ألّف النوري كتاب "فصل الخطاب"، أنظر إلى شخص في الضفة الأخرى، وقد ألّف أحد المصريين، ابن الخطيب محمّد محّمد عبد اللطيف سنة 1948 كتاباً أسماه "الفرقان" ملأه بكثير من أمثال هذه الروايات السقيمة المدخولة المرفوضة، ناقلاً إيّاها عن الكتب والمصادر عند أهل السنة وليس عند أهل الشيعة، وقد طلب الأزهر من الحكومة مصادرة هذا الكتاب بعد أن بيّن بالدليل والبحث العلمي أوجه البطلان والفساد فيه.
وهذا عالِم أزهري وعالم كبير هو الشيخ محمّد الغزالي رحمه الله يقول "سمعت واحداً من الذين يلقون الكلام على عواهنه يقول في مجلس عِلم إنّ للشيعة قرآناً آخر، يزيد وينقص عن قرآننا المعروف، فقلت له أين هذا القرآن، ولماذا لم يطّلع الإنس والجن على نسخة منه خلال هذا الدهر الطويل؟ لماذا يساق الافتراق ولحساب من؟" هذا سؤال مهمّ فعلاً، "ولحساب من تفتعل هذه الشائعات وتلقى بين الأغرار ليسوء ظنهم بإخوانهم وقد يسوء ظنهم بكتابهم؟" نعم، هذه نتيجة ما يفعله هؤلاء، أن يسوء ظن المسلم العادي بهذا القرآن الكريم. إنّ المصحف، يقول الغزالي، "إن المصحف واحد، يطبع في القاهرة فيقدّسه الشيعة في النجف أو في طهران ويتداولون نسخه بين أيديهم وفي بيوتهم من دون أن يخطر ببالهم شيء البتة إلا توقير الكتاب ومنزله جلّ شأنه ومبلغه صلّى الله عليه وآله وسلّم، فلِمَ الكذب على الناس وعلى الوحي". هذا في كتابه "دفاع عن العقيدة والشريعة ضد مطاعن المستشرقين".
يحيى أبو زكريا: طبعاً، سنتطرّق لاحقاً إلى أقوال علماء الشيعة الكبار من المفيد إلى الطبرسي إلى العلاّمة الحلي إلى ابن إدريس الحلي إلى صاحب النهاية الشيخ الطوسي إلى كل العلماء المتقدّمين والمتأخّرين وأقوالهم الجازمة بأنّ القرآن هو القرآن.
سماحة الدكتور محمود، وأنا أعمِل النظر في شباك الاستكبار أو الاستعمار أو الاستدمار، رأيت أنّ من حقّق كتاب "تاريخ المصاحف" لإبن أبي داود، وأنت تعرف في تاريخ المصاحف أيضاً الذي كتبه أحد العلماء المعروفين فيه إيراد أن القرآن ناله التحريف. الذي رعى الكتاب هو جفري أرتر المستشرق الأسترالي المعروف الذي كان يهمّه إبراز كمائن من تاريخ المسلمين ليبني عليها المسلمون لاحقاً، لأنّ الحركة الاستعمارية لم تأتِ من فراغ، دمّروا الأمن الثقافي للمسلمين ثمّ اجتاحونا للأسف الشديد.
اليوم، كيف نعالج علمياً هذا الموضوع، سواء بإلغاء الموروث الروائي الذي فيه قول بتحريف القرآن عند أهل السنّة والجماعة، أو إزالة كل الأحاديث الواردة في بحار الأنوار، في مرآة العقول، في كتب الشيعة؟
ما العمل؟ هل التنظيف أولى أو لا، تُكتب كتب وتحقيقات أن هذه الأحاديث تترك جانباً؟
الشيخ محمود ممدوح: بسم الله الرحمن الرحيم. الموضوع الذي تتحدّث فيه يحتاج إلى مجهودات من الطرفين، وهذا الأمر يحتاج إلى مؤسسات علمية قوية تقوم ببيان هذا الأمر للمسلمين، لأنّه الحقيقة يا دكتور، شاع بين كثيرٍ من الناس، بيننا، بين أهل السنّة أنّ الشيعة الإمامية يحرّفون القرآن إلى آخر ما قاله هؤلاء الذين في المقدمة، وهذا الكلام كله باطل كما ذكر سماحة الشيخ حسين حفظه الله تعالى.
لكن كون أنّ هذا الأمر شاع بين الناس، ولا سيما بين الدُعاة السلفيّين، بل وغير السلفيين، شاعت هذه الأمور، فنحن نحتاج إلى مجهودات علمية تبيّن أنّ الرأي الحقيقي والصحيح يؤخذ من الكتاب الحقيقي والصحيح، فالرأي العقائدي يؤخذ من كتب العقائد، لا يؤخذ من كتب الحديث، ولا سيما إذا كانت هذه الكتب لا تُعنى بتمييز الصحيح من الضعيف، فلا ينبغي أن نأخذ الرأي منهم على الإطلاق، أو أن نأخذ العقيدة من الحديث على الإطلاق، ولكن نأخذ العقيدة من كتب العقائد، والعمل مقدَّمٌ على كلّ شيء، فإنّ الشيعة من يوم أن برزوا إلى وقتنا هذا، لا نعرف لهم بين أيدينا ولا بين أيديهم، لا نعرف لهم مصحفاً آخر، فالموضوع انتهى والقضية منتهية والمعادلة صفرية ولا تحتاج إلى أخذ ورد، ولكن تحتاج إلى شيءٍ من المجهود من خلاله نبيّن للناس أن الحقيقة أنّ الشيعة ليس لهم كتاب آخر ولا مصحف آخر ولا هذه الأشياء، وحتى بعض الشيعة، هذه أمور علمية، ادّعوا بوجود مصحف اسمه مصحف فاطمة، هذا مصحف فاطمة عبارة عن أوراق سُمّيت صحفاً، وهذه الصحف كانت كثيرة، حقيقتها أنها كتبت في بيت فاطمة بعد وفاة النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، واتّفق علماء الشيعة قاطبة من الأولين والآخرين بالروايات الصحيحة وغير الصحيحة أنه لا يوجد في هذا المصحف، أي في هذه الصحف، لا يوجد فيها آية قرآنية واحدة ولا يوجد في هذه الصحف ما يتعلق بالتشريعات على الإطلاق، إنما هي وصايا وأسماء بعض الناس.
فمصحف فاطمة كذلك، لا يوجد شيء اسمه مصحف فاطمة إطلاقاً، هذه أكذوبة ليست حقيقية، أنا لا أدري من أين يأتي هؤلاء الناس بهذا الكلام، مصحف علي ابن أبي طالب عليه سلام الله هو مصحف جمعه الإمام علي كما جمع غيره من الصحابة وليست فيه زيادة ولا نقصان، ولو كان هناك نوع من الزيادة أو النقصان فإن الإمام علي عليه سلام الله له ذرية كبيرة وله أتباعٌ كثيرون، ولم ينقطعوا على الإطلاق، هؤلاء كانوا سيُبرزون هذه الاختلافات بين المسلمين وكانوا سيبيّنون هذه السورة عندكم كذا وهذه السورة عندنا كذا، وهذا لم يحدث على الإطلاق، فالمسلمون جميعاً مجمعون على أن المصحف والذي بين دفّتي هذا الكتاب، من وقت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم إلى وقتنا هذا.
ولكن نحن نحتاج إلى مجهود حتى هذه العقليات السيّئة التي ذكرت في المقدمة وبعضها قال كلاماً، هم يشيعون الموضوعات، هذه موضوعات، هم يشيعون هذه الموضوعات بين الناس، هم يشيعون كلام الزنادقة بين الناس، هم يكذبون على الشيعة الحاليين وعلى السابقين، يكذبون عى أئمة آل البيت السابقين والحاليين. هذا أمرٌ مستحيل، ولكن يحتاج لغسل هذه الأفكار السيّئة، يحتاج إلى شيءٍ من المجهودات لا سيما في حال الاستقطاب.
يحيى أبو زكريا: دكتور محمود، في هذا السياق، يُلاحَظ أنّ أهل البيت عليهم السلام ولله ذرّهم قاموا واستشهدوا من أجل القرآن الكريم. الإمام الحسين، ونحن في ذكراه في محرم الحرام، ذُبِح من الوريد إلى الوريد، وكذلك فُعِل بالرضيع وأهله، وسُبيت السيّدة زينب عقيلة الهاشميين إلى الشام من أجل الحفاظ على القرآن. زيد ابن علي تعرف قصّته أنت، قتلوه ثم ذبحوه ثم صلبوه ثم أحرقوه، الإمام الرضا قُتِل مسموماً، الإمام الحسن قتل مسموماً، وكلّهم استشهدوا من أجل القرآن.
الشيخ محمود ممدوح: وموسى الكاظم.
يحيى أبو زكريا: كلهم، لا يكفي، أحتاج إلى مليون حلقة لتبيان فضلهم وجهادهم وزهدهم وما إلى ذلك.
هل يُعقَل أن يحرّف هؤلاء القرآن الكريم، وهم ماتوا من أجل القرآن الكريم؟
الشيخ محمود ممدوح: هذه دعايات ضدّ آل البيت، وشيعة آل بيت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، وهذه أحاديث موضوعة وضعها الزنادقة الذين هم أعداء آل بيت النبي صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم. وبالمناسبة، يقول بعض الناس إنّ الشيعة وضعوا أحاديث ووضعوا ووضعوا ووضعوا. من قال لك إن الشيعة هم الذين وضعوا؟ هؤلاء زنادقة، هذه الأحاديث تدين مذهب آل البيت، فهل أحباب آل البيت يدينون أنفسهم؟
هذه الأحاديث الموضوعة جاء بها أناسٌ عندهم عقليّاتٌ فيها اختلاف كبير مع آل البيت، وهذا معروف عند الباحثين، وكذلك وضعها زنادقة ليسوا من الشيعة على الإطلاق، وليسوا من محبي آل بيت رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم. كما ذكرتم يا سيّدي، الإمام الحسين وآل بيته عليهم سلام الله هم صوت الحق الوحيد في الأمّة بعد أن بايعت الأمّة كلها يزيد ابن معاوية، الأمّة كلها بايعت يزيد وسكتت، وصوت الحق هو الإمام الحسين ابن علي عليهم سلام الله صوت الحق الوحيد في الأمّة، هذا صوت الحق الوحيد، تكذبون عليه وتدعون عليه أنهم يؤلّفون أو أن أتباعه يحرّفون، هذا كلام غير علمي على الإطلاق.
يحيى أبو زكريا: دكتور محمود، وسيظل صوت الحسين صوتاً يعلو فوق الجميع بإذنه تعالى.
شيخ حسين، من الشيخ المفيد الذي قال بالحرف إن القرآن الكريم هو ما بين الدفتين، إلى الشيخ الطوسي في التفسير التبيان المشهور يجادل الزنادقة، الذين قال عنهم الشيخ أنهم زنادقة، إلى العلامة الحلي، إلى ابن ابي ادريش الحلي، إلى السيّد محمّد حسين فضل الله في تفسيره، إلى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في الأمثل، إلى السيّد محمّد حسين الطبطبائي، إلى، إلى. أساطين علماء مدرسة أهل البيت عليهم السلام يقولون إنّ القرآن هو القرآن وألا تحريف فيه نهائياً.
ماذا عن ذلك؟ أشبِعني بهذه الأقاويل التي تدحض دُعاة الفتنة؟
الشيخ حسين الخشن: أهل البيت عليهم السلام هم أكثر الصحابة اهتماماً بكتاب الله، ففي بيوتهم نزل الكتاب، وهم عدل القرآن بنصّ رسول الله في حديث الثقلين "إني تاركم فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردّا عليّ الحوض". تجلّى هذا الاهتمام من خلال سيرتهم العملية، فهم قدّموا أرواحهم فداءً لهذا القرآن. علي كان لا يدخل معركة إلا ويرفع الكتاب ويدعوهم إلى ما في كتاب الله. الحسين كذلك.
يحيى أبو زكريا: حتى مع الخوارج.
الشيخ حسين الخشن: حتى مع الخوارج، كذلك في الجمل وفي غيرها من معاركه، والروايات الواردة عن أئمة أهل البيت التي تقدّس هذا القرآن هي فوق حدّ التواتر، وتحتاج إلى مجلّداتٍ كثيرة لجمعها، أكاد أجزم أنها تبلغ الآلاف المؤلّفة، منها ما يدلّ على عظمة القرآن وفضل سوره سورة سورة، منها ما يدعو إلى التدبّر في هذا الكتاب، منها ما يدل على أسباب نزول القرآن. أصناف شتّى من الروايات الواردة عن أهل البيت في الاهتمام بهذا القرآن الكريم، وعلى نهج أهل البيت سار شيعتهم، فترى أن أتباع أهل البيت عليهم السلام في اهتمامهم للقرآن. إنّ هذا الاهتمام تجلّى في العديد من الميادين، في حفظ القرآن وكتابته. أنت تدخل الآن إلى المعرض الذي يقع في مشهد المقدسة في جوار الإمام الرضا، يوجد قرآن بخط الإمام الرضا عليه السلام. حفظ القرآن، كان الكثير من علمائنا يحفظون القرآن، الآن عشرات المؤسسات الشيعية الآن تعمل على تحفيظ القرآن وتعليمه وتجويده ويخرج الكثير من الشيعة أوائل في العالم في حفظ القرآن وتلاوته، وأيضاً في تفسير القرآن، وقد أشرت، وهناك مئات التفاسير الشيعية التي لا تزال تتوالى.
أدخل الآن إلى الحوزات الشيعية الآن، ستجد عشرات الدروس التي تفسّر هذا القرآن الكريم، ستجد عشرات التأليفات التي تدور في فلك القرآن، في الناسخ والمنسوخ، في المكّي والمدني، في ردّ شبهة التحريف التي تُزعَم، عشرات الكتب، وسأذكر لك عما قريب حدود 25 كتاباً شيعياً في رد كتاب "فصل الخطاب" للمحدث النوري. ما يربو على عشرين عالماً من علماء الشيعة زيفوا هذه التهمة، أضف إلى ذلك ما يدل على اهتمام الشيعة في مسألة القرآن الكريم أنهم اعتبروه كما كل المسلمين، اعتبروه سند النبوة، فلولا القرآن لانتهت النبوة لأن معجزة نبيّنا الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم هي هذا القرآن ببلاغته، بفصاحته، بإشاراته العلميّة، بمضمونه، فالعقل يحيل أن يكون القرآن محرَّفاً، وإلا لبطلت النبوّة.
وهكذا فقد حرص فقهاء الشيعة على الإفتاء بأنّه لا يجوز لك أن تمسّ آيةً من آيات الله إلا إذا كنت على وضوء، حتى أنّ بعض فقهاء الشيعة، بل هذا رأي مشهورهم، أنّ من هتك حرمة القرآن يُقتَل. لا أريد الآن أن أقول نؤيّد هذه الفتوى أم لا، لكن تصوّر إلى أي حد وصلت عناية فقهاء الشيعة في هذا القرآن الكريم، ولذلك بعد كل هذا يأتي من يزعم بأن الشيعة يحرّفون القرآن استناداً إلى رأي شاذ، لذلك قلت لهم وأكرّر إتقوا الله. الكتب التي قلت لك، التي ألّفت في الردّ على المتحدّث النوري على كتاب فصل الخطاب، بعد سنتين من تأليف الكتاب كتب العالِم محمود بن أبي القاسم المشتهر بالمعرب الطهراني، كتب كتابه "كشف الارتياب في عدم تحريف كتاب رب الأرباب"، تلاه بعد سنتين كتابٌ لعالِمٍ آخر، السيّد هبة الدين الشهرستاني، وهو عالم مصلح، "حفظ الكتاب الشريف عن شبهة القول بالتحريف"، تلاه كتاب ثالث "تنزيه التنزيل"، كتاب رابع "الحجّة على فصل الخطاب في إبطال القول بتحريف الكتاب"، كتاب خامس "البرهان على عدم تحريف القرآن"، كتاب سادس وسابع إلى عشرات الكتب إلى مؤخراً، العالم السيّد مرتضى العسكري كتب كتاباً رائعاً باسم "القرآن الكريم وروايات المدرستين، مدرسة الإمامة ومدرسة الخلافة".
يحيى أبو زكريا: وأزيدك "تنزيه التنزيل" للخسرواني وهو من أهم الكتب الداحضة لما ذهب إليه الشيخ النوري.
إذاً، الدكتور محمود، هل من العلم، هل من استحضار الله، عندما أفتي أنا، هل واجبي كعالم أن أستند إلى الأخبار المتواترة، الكثيرة، الصادقة، أم أستند إلى أخبار الآحاد، إلى أخبار الزنادقة الوضّاعين، علمًا أنّ الزنادقة الذين ذكرتهم ذكرهم السيّد أبو القاسم الخوئي في كتابه الرجال "رجال السيّد الخوئي"، والشيخ الممقاني في "رجال الممقاني"، وضعف كل الذين رووا حديث التحريف عند الشيعة؟
فهل من العقل والعلم والصلاح وخوف الله أن أتّهم مدرسة أهل البيت أنّهم يحرّفون القرآن الكريم؟
الشيخ محمود ممدوح: الواقع يا سيّدي، الكلام نتج عن حال الاستقطاب المذهبي التي بين السنّة والشيعة منذ أكثر من 1000 عام، وأنت أتيت بنص من كتاب "مقالات الإسلاميين" لأبي الحسن الأشعري يقول كلاماً قريباً من هذا الكلام ولا دليل عليه، فهذا أمرٌ قائمٌ على الاستقطاب وعدم البحث العلمي الصحيح وعدم اتباعه الواقع. الواقع يقول الشيعة ليس عندهم إلا هذا الكتاب المطبوع في القاهرة وفي لبنان وفي مكّة وفي طهران، هذا هو المصحف، الذي بيننا الواقع يقول ذلك. أي دعوى أخرى لا قيمة لها، إنما جاء الأمر من الاستقطاب لا غير.
وبهذه المناسبة أقول، نحن أهل السنّة والجماعة ينبغي لنا أن نراجع بحث نسخ التلاوة، والنظر في هذا البحث، ولا نتكلّم على غيرنا، والحقيقة بحث نسخ التلاوة، هذا بحث يثبت التحريف بطريقةٍ غير صحيحة، وهذا يثبت التحريف، وهذا لا يجوز على الإطلاق، وهذا الموضوع، نسخ التلاوة، يدرَّس في جميع الكليات الشرعية إلى وقتنا هذا، والله سبحانه وتعالى وفّق شيخنا السيّد العلامة عبد الله ابن محمّد ابن صديق الغماري لتصنيف رسالة عظيمة جليلة، هذه الرسالة اسمها "ذوق الحلاوة ببيان امتناع نسخ التلاوة"، امتناع عقلي، وأنّ هذه الأحاديث أحاديث شاذّة، مردودة، لا يجوز العمل بها على الإطلاق.
فبحث نسخ التلاوة، يا أخي، لا تغير على غيرك، أصلح نفسك أولاً، ثم أنظر إلى غيرك، فأنت تجوّز وجود هذه الآيات، كانت من القرآن الكريم ثم أبعدت، فهذا نوع تحريف، فالحاصل أنّ الضرر إنما سيأتي على المسلمين جميعاً. العلمانيون بأجنحتهم الثلاث، الاستعمار والتبشير والاستشراق، لن يسكتوا علينا إطلاقاً، وسيعيبون السنّة بالشيعة وسيعيبون الشيعة بالسنّة فينبغي علينا أن نتوحّد.
يحيى أبو زكريا: دكتور محمود، والذي رفع السماء بلا عمد، لن نسمح لهم، سيظل قرآن السنّة وقرآن الشيعة موحّداً إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
الكلمة الأخيرة لك.
الشيخ محمود ممدوح: جزاك الله خيراً، هذا الواقع.
يحيى أبو زكريا: شكراً دكتور. تفضّل.
الشيخ حسين الخشن: في الواقع، نحن بدل أن نفتح آفاق هذا القرآن الكريم ونفتح مغاليقه التي تفتح لنا العالم، إذا بنا نتلهّى بمقولات تافهة تجعلنا نرجع إلى الوراء ألف سنة.
إن هذا القرآن الكريم هو كتاب الله الذي إن أحسنّا التدبر فيه لملكنا العالم. إنّ هذا القرآن التحريف الحقيقي الذي طاله هو التحريف المعنويّ، حيث ترك المسلمون هذا القرآن وراءهم ظهريّة وحيث أخذت بعض المدارس تعمل على تأويله بطريقة باطنية مرفوضة. إنّ كتاب الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وعلماء الشيعة ابتداءً من الصدوق في كتابه "اعتقادات الإمامية"، انتهاءً بكلّ عالِمٍ معاصر من علماء الشيعة، تنص على القول التالي، اعتقادنا أن القرآن الذي أنزله الله على نبيّه، هذا كلام الصدوق في القرن الرابع الهجري وكل شيعي يتعبّد إلى الله بهذا الكلام، اعتقادنا أن القرآن الذي أنزله الله على نبيّه صلّى الله عليه وآله وسلّم هو ما بين الدفّتين، وهو ما في أيدي الناس، ليس بأكثر من ذلك على الإطلاق.
يحيى أبو زكريا: شيخ حسين، للأسف داهمني الوقت. دعني فقط أقول لك، عظّم الله لك الأجر بمُصاب قتيل القرآن والفقه والعرفان الحسين بن علي، الذي سيظلّ عنواناً ورمزاً للدفاع عن القرآن وحرمة السنّة النبوية الطاهرة.
سماحة الشيخ حسين الخشن شكراً جزيلاً لك. سماحة العلاّمة الدكتور محمود ممدوح شكراً جزيلاً لك.
مشاهدينا وصلت حلقتنا إلى تمامها. إلى أن ألقاكم، هذا يحيى أبو زكريا يستودعكُم الله الذي لا تضيع أبداً ودائعه.
بوركتم شيخنا العزيز وأدامكم الله تعالى.