حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » من المقصود في الزيارة: السلام على عليّ بن الحسين.. هل هو زين العابدين (ع) أم الأكبر أم الرضيع؟
ج »

الظّاهر - بحسب السّياق - أنّ المُراد به هو عليّ الأكبر الشّهيد لدوره الكبير وحضوره في المعركة، ولعظيم مُصيبته على الإمام الحسين (ع)، أمّا الطفل الّرضيع فيكون ُمندرجاً في فقرة أخرى وهو قوله في الزّيارة - وعلى أولاد الحسين -  والتي تشمل سائر أولاده بمن فيهم الإمام زين العابدين (ع) والبنات أيضاً .

 


 
س » يوجد لديّ إشكالات كثيرة على الاستدلال بحديث الثقلين على العصمة، فهو يشمل إجماع العترة وليس آحادهم، ويشمل العباس عم النبي (ص)، فهل هؤلاء معصومون؟؟
ج »

أولاً: إنّ حديث الثقلين لا شكّ فيه من حيث السّند وهو مُستفيض حتى في روايات السّنة ناهيك عن روايات الشيعة ، وأّما من حيث الدّلالة فإنّه وبصرف النّظر عن كون القرآن الكريم أفضل من العترة أم عدم كونه كذلك ، فلا ريب في دلالة الحديث على أن التمسّك بالعترة يُشكّل صمّام أمان للأمّة يمنعهم ويعصمهم من الضّلال - ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا - ، ولا شكّ في دلالته أيضاً على أن العترة لا يفترقون عن القرآن الكريم ، ولا يُتصور أن يصدر عنهم ما يُخالف القرآن وهذا ما يدل عنه قوله في الحديث - لن يفترقا - .


- ثانياً : إنّ ما ذكرتموه بأنّ المراد بالحديث هو إجماع العترة هو كلام ضعيف ولا وجه له لأنّه إن أريد بالعترة ما هو أوسع من الأئمة من أهل البيت (ع) ليشمل العباس وذريته أو غيره، فمن المعلوم أنّ هؤلاء أعني العباسيين لا ميزة لهم عن سائر الصّحابة والنّاس فهم يُخطئون كغيرهم ويُمكن أن ينحرفوا كما انحرف غيرهم، وبالتالي فلا يُعقل أن يكون لرأيهم أو إجماعهم أيّ قيمة أو أن يُشكّل إجماعهم أو قولهم عاصماً للأمّة  عن الضّلال ، ما يعني أن نظر الحديث فقط إلى خصوص شريحة من العترة وهم الذين لا يُمكن أن يقعوا في الضّلال والانحراف، وهؤلاء لا فرق بين الواحد منهم أو الجميع ، فكما يكون قول الجميع حُجّة وعاصماً عن الضّلال ، كذلك قول الواحد، والقرينة على ذلك أنّه حين قال النبيّ (ص) هذا الكلام لم يكن من العترة التي يؤمَن وقوعها في الضّلال إلا عليّ (ع)، أما الحسن والحسين (ع) فكانا طفلين صغيرين، فهل كان الحديث لا قيمة له آنذاك لأنّه بعد لم يتحقّق إجماع العترة؟ من الواضح أن هذا بعيد جداً لأنّ كلامه (ص) ساري المفعول من حين إطلاقه ولا يتوقف على مرور عقود من الزّمن حتى يتشكّل إجماع العترة.


 
 
  مقالات >> اجتماعية
المرأة في القرآن الكريم
الشيخ حسين الخشن



المرأة في القرآن

إنّ الباحث الموضوعي في النصوص الدينية المتصلة بالمرأة لن يعجزه اكتشاف أنّه مع القرآن الكريم قد تمّ التأسيس لمرحلة جديدة من الفكر الديني المتصل بالمرأة، فنصوص القرآن وتعاليمه- وبصرف النظر عن مدى التزام المسلمين بفحواها - قد طوت صفحات مظلمة ومريرة من تاريخ طويل وممتدٍ تحكمه الخرافة في النظرة إلى المرأة ويسوده الامتهان في التعامل معها. وفي الحد الأدنى فإنّنا نستطيع القول: إنّ القرآن الكريم قد قدّم صورة متوازنة عن المرأة، ليس فيها أي تحقير أو ذم لها أو امتهان لكرامتها أو انتقاص من إنسانيتها. وفيما يلي نعرض بشكل موجز لبعض معالم هذه الصورة القرآنية:

أولاً: المرأة في ميزان الحقوق والقيم والمسؤوليات

لا نبالغ بالقول: إنّ الرؤية القرآنية حول المرأة قد شكّلت نقلة نوعيّة على الصعيد الفكري والقيمي والحقوقي، وإليك تفصيل ذلك:

وحدة النوع والهويّة

 إنّ المرأة والرجل - في منطق القرآن - ينحدران من أصل واحد، وحقيقة واحدة، وهي حقيقة الإنسانية، قال تعالى مشيراً إلى هذه الحقيقة {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}[1]، فالنوع الإنساني خلق من نفسٍ واحدة وخُلق منها زوجها، (الزوج يطلق على الذكر والأنثى)، والمرأة هي جزء لا يتجزأ من هذا النوع، تماماً كما هو الحال في الرجل {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}[2]. وانحدار الرجل والمرأة من أصل واحد، واشتراكهما في الهوية النوعيّة يستفاد - أيضاً - من آيات أخرى، منها: قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا}[3].

وهذه المبدأ الأساس (المساواة في أصل الخلقة، والانبثاق من نفس واحدة) يتفرع عليه العديد من الأسس التشريعيّة والمبادئ الأخلاقيّة الآتية.

 

 

دور المرأة والرجل في تكوين الطفل

وكما أن الرجل والمرأة ينبثقان من نفسٍ واحدة، فهما يشاركان ويساهمان معاً -بحسب تقدير الله تعالى - في استمرار هذه النفس وبقائها، من خلال ما أُعدّ لهما في نظام الخلق من دورٍ في تكوين الطفل، فليس صحيحاً أنّ الطفل هو من الرجل، وأنّ المرأة مجرد وعاء في عمليّة التناسل، فهذه من الأفكار الباطلة، ونظيرها في البطلان ما يظنّه البعض من أنّ الولد الذكر هو من الرجل بينما الأنثى هي من المرأة،  والصحيح في هذا المجال - كما يؤكد العلم الحديث - أنّ الطفل ذكراً كان أو أنثى هو وليد الزوجين، الرجل والمرأة معاً، وبصماتهما معاً النفسية والجسدية والروحيّة تظهر عليه، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ}[4]، وقال تعالى في تتمة الآية الأولى المتقدمة من سورة النساء: {الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً}[5]، فتأمل في قوله: {وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} فإنّه صريح في أنّ لكل من الزوج والزوجة دوراً أساسياً في تكوين الطفل[6]. وفي ضوء هذا المبدأ يتضح:

أولاً: أنّ بقاء الإنسان مرهون ببقاء الذكر والأنثى، وليس ببقاء الذكر فحسب، وعليه، فأي تلاعب بهذه المعادلة بما يؤدي إلى استيلاد الذكور فحسب كما يحلو لبعض الناس، سوف يؤثر على هذا التوازن ويهدد بقاء النسل واستمراره، فيكون من أبرز مصاديق العدوان والإفساد في الأرض.

ثانياً: أن البقاء المعنوي لأفراد الإنسان ليس مرهوناً بولادة ذكر لهم، فالأب كما الأم يبقيان ويستمران معنوياً بولادة الأنثى كما يبقيان ويستمران بولادة الذكر، لأنّ الذكر والأنثى يحملان النفس الإنسانية عينها ولا يختلفان في الهويّة، وقد ندّد القرآنُ الكريم بالذهنيّة الجاهلية التي ترى أنّ الإنسان الذي لا يولد له سوى الإناث هو إنسان أبتر، قال تعالى:{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} [7]. فرسول الله(ص) ومع أنّه لم يعشْ له سوى الإناث، ولم يستمر له نسل إلا من خلال الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء(ع)، فقد امتنّ الله عليه في هذه الآيات بأنّه قد أعطاه الكوثر، أي الخير الكثير، وأي خير أعظم بركةً وفضلاً من هذا النسل الذي امتد من خلال ابنته السيدة الزهراء(ع)!

 

 

الاشتراك في مهمة الاستخلاف

 وقد أكّد القرآن الكريم على أنّ الإنسان هو خليفة الله تعالى على الأرض، دون فرق في ذلك بين الرجل أو المرأة، وهذا المبدأ متفرّع عن قاعدة وحدة الخلق والانبثاق من نفس واحدة، قال تعالى:{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}[8]، والمقصود بالخليفة في هذه الآية وسواها هو الإنسان، وأمّا الرأي[9] الذي يذهب إلى أنّ المراد بالخليفة هو آدم حصراً فليس وجيهاً، لأنّ مهمّة خلافة الله على الأرض، هي مهمّة عُهد بها إلى آدم وذريته جميعاً، قال تعالى:{هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ ۚ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ} [10]، وهذا ما يشهد له قوله تعالى:{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا}ً [11]، فالنوع البشري برمته هو الذي عُهد إليه بحمل الأمانة الإلهية التي عجزت الجبال والسماوات والأرض عن حملها، ومما يشهد لما نقول هو سياق آية الاستخلاف المتقدمة، حيث وجدنا أنّ الملائكة وبعد أن أعلمهم الله تعالى بإرادته جعل خليفة على الأرض، توجهوا بالخطاب إلى الله تعالى على الفور وبلسان المستغرب:{أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ}[12]، ومعلوم أنّ الذي يسفك ويُفْسِدُ في الأرض ليس آدم(ع)، بل هم ذريته من النوع البشري.

التساوي في التكريم

 وإذا كان النوع البشري بما يحمله من مؤهلات وكمالات هو المؤهل والمعدّ لخلافة الله على الأرض، فمن الطبيعي أن يشمله التكريم الإلهي بهويته النوعيّة دون تمييز بين الذكر والأنثى، فإنسانيّة الإنسان هي موضع التقدير والاحترام، وليس للخصوصيته الذكوريّة أو الأنثوية دخل في ذلك، قال تعالى:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [13]، فالتكريم - كما تنصّ الآية - هو لبني آدم جميعاً، ذكوراً كانوا أم إناثاً، كما أنّ رزق الطيبات كذلك، والأمر عينه يجري في التفضيل على كثيرٍ من المخلوقات، فهو تفضيل للجنس البشري برمته.

التساوي في القيمة الروحية والأخلاقية

 ومن رشحات المبدأ المتقدم حول وحدة الخلق، أنّ المرأة تتشارك مع الرجل في القابليات والاستعدادات التي تمكّنها من الوصول إلى أعلى المراتب الإيمانيّة والروحيّة والمعنويّة، كما تشاطره الأهليّة والقدرة على تمثّل القيم الأخلاقيّة والسلوكيّة، قال عزّ وجل في الإشارة إلى هذه الحقيقة:{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [14]. إنّ هذه الآية ومن خلال ما تضمنته من تعاقب عطف النساء على الرجال في الأوصاف المذكورة فيها، تريد التأكيد على أنّ خصال وصفات الإسلام والإيمان والقنوت والصدق والصبر والتصدّق والصوم وحفظ الفروج وذكر الله تعالى ليست مما يختصّ به الرجال دون النساء، بل هي قيم وخصال يمكن أن يتصف بها الرجال والنساء على حدّ سواء. ومآل ذلك إلى تساويهما على مستوى القيمة الأخلاقية، فالذكر ليس أفضل من الأنثى، فهما من جنس واحد، وأحدهما من الآخر، {بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ}[15]. ويمتلكان المؤهلات نفسها، فلا يكون هو أفضل منها ولا تكون هي أفضل منه، إلا بمقدار ما يلتزم أحدهما مبدأ التقوى، كما نصّ عليه قوله تعالى:{إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [16].

التساوي في هوى النفس ووساوس الشيطان

 والمبدأ المذكور أعلاه، أعني المساواة والاشتراك في أصل الخلقة يترتب عليه أمر آخر، وهو تساوي الذكر والأنثى في الغرائز والأهواء، وفي قابليتهما معاً للرضوخ لضغط الغريزة أو الانسياق مع وساوس الشيطان. فقدرة الشيطان على الوسوسة لا تختص بالمرأة ولا تنحصر بها، فالرجل قد يقع فريسة الشيطان أيضاً[17]، ولهذا وجدنا أنّ القرآن الكريم، يرفض فكرة كون حواء هي أصل الغواية، وأنّ الشيطان اتخذها وسيلة لإضلال آدم، فهذه الفكرة ذات أصل توراتي[18] وهي مرفوضة قرآنياً، فالشيطان - وفقاً لما نصّ عليه القرآن الكريم - قد وسوس للاثنين (آدم وحواء) معاً، قال تعالى:{فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} [19]، والاثنان معاً انساقا مع تلك الوسوسة الشيطانية ووقعا ضحية لها وسقطا في حبالها، قال تعالى في مورد آخر:{فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} [20]، ونقرأ في آية أخرى أنّ الشيطان وسوس لآدم، دون ذكر لحواء أصلاً، قال تعالى:{فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى} [21]، وهذا ليس تنافياً أو تناقضاً بين الآيات القرآنية، بل إنّ الاختلاف في ذلك مردّه إلى اختلاف جهة الحديث، فعندما كان الحديث عن آدم وحواء معاً وما جرى معهما في الجنة ذُكرت وسوسة الشيطان للاثنين، وعندما كان الحديث منصباً على آدم(ع) فقط ذُكِرَت وسوسة الشيطان له فقط، وهذا لا ينفي أبداً أن تكون حواء قد تعرضت للإغواء أيضاً. وربما كان الوجه في إفراد بعض الآيات القرآنية آدم بالخصوص في الإشارة إلى وقوعه ضحية وسوسة الشيطان، هو أهمية الدور الذي اضطلع به آدم، باعتباره أول نبي يُرسله الله إلى البشرية.

وفي ضوء ما تقدم من أنّ الذكر والأنثى هما على مسافة واحدة من الشيطان ووساوسه، فإنّنا سوف نسجّل لاحقاً ملاحظة نقديّة على الفهم السائد لرواية «النساء حبائل الشيطان»، حيث فهم الكثيرون منها أنّ المرأة فقط هي وسيلة الشيطان لإغواء بني الإنسان.

المساواة في ميزان العدل الإلهي

وهذا المبدأ - أيضاً - متفرّع عمّا سبقه، فإذا كان أصل الخلق واحداً وكان الذكر والأنثى متساويين في الاستعدادات والمؤهلات والقابليات، وكان الشيطان على مسافة واحدة منهما، فمن الطبيعي أن يكونا متساويين في محكمة العدل الإلهية، من دون فرق أو تفاوت بينهما على أساس الهوية النوعية، وهذا ما أكّد القرآن الكريم عليه، قال تعالى:{وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} [22]. فليس للرجل أي امتياز في هذه المحكمة، بل القاعدة التي تحكم الثواب والعقاب هي أنّ كل من آمن بالله ورسله وعمل صالحاً فإن له جنات الفردوس نزلاً، بصرف النظر عن جنسه أو لونه أو عرقه، قال عزّ وجلّ:{فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ} [23][24]. وفي آية أخرى يقول الله تعالى:{وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [25]. وقال عزّ وجلّ مشيراً إلى ذلك: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}  [26].

المشاركة في المسؤوليّة الرساليّة والاجتماعية

 ودور المرأة الرسالي لا يقلّ عن دور الرجل، ومسؤوليتها لا تقصر عن مسؤوليته في مجال الدعوة إلى الله والقيام بالمهمات الإصلاحية وواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}  [27].

انخراطهما في الاجتماع السياسي

 وقد أقرّ القرآن مبدأ مشاركة المرأة في البيعة، بما تعبّر عنه وترمز إليه من انخراط الشخص في الاجتماع السياسي، فالبيعة هي ميثاق تعاقدي بين أفراد المجتمع وبين الحاكم، فهم يبايعونه ويمنحونه تأييدهم ويقرون له بالطاعة ما دام ملتزماً النهج الشرعي المستقيم، وهو يتعهد لله أمام الأمة بأن يحكم بالعدل وأن لا تأخذه في الله لومة لائم، فالبيعة بهذا المعنى لم تكن حكراً على الرجال، بل شملت النساء أيضاً، قال تعالى في الإشارة إلى بيعة الرجال:{إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ۚ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [28]، وقال تعالى في الإشارة إلى بيعة النساء:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ۙ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [29].

اشتراكهما في الشخصية الحقوقية المستقلة

والمرأةُ لا تختلف عن الرجل في أنّ لها شخصيّة قانونيّة وحقوقيّة مستقلة، الأمر الذي يجعل لها الحق في اختيار الزوج الملائم، واختيار الأصدقاء والعلاقات وما ترغب به من التخصصات العلميّة.. ولا يحق لا للأب[30] ولا للزوج ولا للأخ أن يمنعوها من ممارسة هذا الحق بحرية تامة، ويتفرع على ذلك أيضاً أنّ لها ذمة مالية مستقلة عن ذمة الرجل، فهي تملك وترث، وله الحق في اكتساب المال من موارده المشروعة في التجارة والزراعة والصناعة وغيرها، لا فرق في ذلك بينها وبين الرجل، قال تعالى:{لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا ۖ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ} [31]، وقال سبحانه:{لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ۚ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا} [32]. وبموجب الذمة الماليّة المستقلة للمرأة فإنّ لها الحق في أن تبيع وتشتري وتهب وتتبرع، ولا حجر عليها في أي تصرفٍ من التصرفات الماليّة. ومن هنا فقد وقف القرآن الكريم موقفاً صارماً من التعدي على أموال المرأة، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا ۖ وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۚ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ } [33]. وكذلك فقد نهى عن أكل مهور النساء بغير حق، أو الضغط عليهنّ ليتنازلن عن المهور لقاء أن يطلقهنّ الرجل، قال تعالى:{وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا ۚ أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا}  [34].

المساواة في الحقوق والواجبات

 ولا يقتصر الأمر على ما تقدم من تساويها مع الرجل في الحقوق المالية، فالقرآن الكريم ينصّ بشكل لا لبس فيه على أنّ للنساء - بشكل عام - من الحقوق مثل الذي عليهن، قال تعالى:{وَلَهُنَّ مِثلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ بِالمَعرُوفِ} [35]. وهذه الآية المباركة تؤسس لقاعدة تشريعيّة عامة في المجال الحقوقي، ولا يرفع اليد عنها إلا بدليل خاص يدل على الاستثناء هنا أو هناك.

ثانياً: نماذج نسائية رائدة

ومن مظاهر احتفاء القرآن الكريم بالمرأة وتقديره لشخصها وعطاءاتها، هذا الحضور المكثف - نسبياً - لمجموعة لا بأس بها من النماذج النسائية الرائدة، اللواتي فِقْنَ الرجال في عصرهن علماً وعملاً وعقلاً وإيماناً وتقًى وورعاً، وهو الأمر الذي لا نجد له نظيراً في التوراة والإنجيل كما سنشير إلى ذلك لاحقاً [36]. وإليك أهمّ هاتيك النساء اللائي خلّد القرآن أسماءهن وذِكْرَهُنَّ ومواقفهن:

زوجة فرعون عاشقة الله

  ومن أبرز هذه الأسماء اللامعة التي يطالعنا بها القرآن الكريم: زوجة فرعون، آسيا بنت مزاحم[37]، قال تعالى متحدِّثاً عن هذه المرأة الجليلة:{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [38].

ما أعظم هذه المرأة وما أرقى إيمانها! فبالرغم من أنّها كانت تعيش في برج عاجي وقصر عظيم، حيث المال والجاه والرفاهيّة، وحيث الخدم والراحة والرياش، لكنّ ذلك كله لم يُغْرِها ولم يستهوها، فلم تسقط إرادتها ولم يَهِنْ عزمُها، ولم تَعْنِ لها دنيا فرعون وقصوره شيئاً، بل كانت روحُها معلّقةً بالمحل الأعلى، وكانت نفسها تحلّق مع الله تعالى، ولهذا تطلّعت إليه تعالى طالبةً منه أن يبني لها بيتاً عنده [39] في الجنة بدلاً من القصور، وأن ينجيها من فرعون الطاغية وأعماله القبيحة، وهذا ما أهّلها لتكون قدوة صالحة ومثلاً أعلى يقدِّمُه القرآن الكريم ليس لخصوص النساء المؤمنات فحسب، بل وللمؤمنين جميعاً ذكوراً وإناثاً. إنّها - بحق - مثل أعلى في التضحية وصلابة الإيمان[40]، وحجّة على كل الذين يضعفون أمام إغراءات الدنيا ويسقطون أمام التحديات والصعاب، وكمْ كان البون شاسعاً بينها وبين زوجة عزيز مصر «زليخا» التي شغفها حبّ يوسف(ع) واجتاحتها الشهوة الغرائزيّة، فهمّت بيوسفj لتنال مبتغاها الرخيص، وخانت بذلك زوجها وعصت ربها!

مريم رمز العفة والطهارة

ويأتي على رأس النماذج النسائية التي قدمها لنا القرآن الكريم كبرهانٍ على أهليّة المرأة في الوصول إلى أعلى درجات القرب الروحي والمعنوي من الله تعالى: نموذج القديسة العفيفة مريم، والتي أهّلتها طهارتها وإيمانها وإخلاصها وصدقها لحمل كلمة الله تعالى ومعجزته الكبرى عيسى ابن مريم، وهو ما جعلها قدوة صالحة ومثلاً أعلى ضربه الله تعالى للذين آمنوا، رجالاً ونساءً، حالها في ذلك حال زوجة فرعون، قال تعالى:{ وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} [41]. لقد بلغت السيدة مريم (ع) منزلة عظيمة لا يدانيها فيها أكثر الرجال، حتى لقد لاحظنا أنّ نبي الله زكريا(ع) الذي كفّله الله تعالى بتربيتها ورعايتها [42] كان يَعْجَبُ من خدمة الملائكة لمريم ومجيئهم إليها بطعامٍ من عند الله تعالى، قال تعالى: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [43]. وعندما سمع زكريا منها هذا الجواب، كان من الطبيعي أن يتملَّكه إحساسٌ رهيب بعظيم قدرة الله تعالى، وشدّة لطفه وعنايته بالمخلصين من عباده، فاستغل هذه الحالة الروحيّة وتوجّه إلى الله تعالى طالباً إليه أن يرزقه بولد صالح حيث كان إلى هذا الوقت قد حُرِمَ الذرية، قال تعالى:{هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ۖ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} [44] واستجاب الله تعالى دعاءه ورزقه ولداً صالحاً وهو النبي يحيى(ع)، {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ} [45]. والحديث عن «مريم(ع) في القرآن» يحتاج إلى كتاب مستقل، يبيّن سيرة حياتها ومعاناتها، ومآثرها ومقاماتها الروحيّة والمعنويّة، فقد نزلت العديد من الآيات القرآنية التي تستعرض قصتها وتتناول أهمّ محطات حياتها. ومن مظاهر أو علامات الاهتمام القرآني بالسيدة مريم(ع) أنّ هناك سورة كاملة في القرآن الكريم تحمل اسمها(ع).

امرأة عمران: أمُّ مريم وجدَّة المسيح

ومريم القديسة(ع) ما كان لها أن تكون كذلك، وتصبح قدوة لنساء العالمين لولا أنّها نشأت وترعرعت على يدي أمٍ مؤمنة طاهرة، وهي امرأة عمران التي بلغ حبّها لله تعالى أنّها وفي فترة حملها نذرت أن يكون ما في بطنها محرراً خالصاً لله تعالى. وقد تحقق نذرها، بطريقة لم تكن تتوقعها، فقد رزقها الله أنثى، الأمر الذي أثار استغرابها في بادئ الأمر، لأنّها توقعت أن يكون المولود ذكراً، على اعتبار أنّ الأنثى لم يكن يُسمح لها في الشريعة اليهودية بالانقطاع إلى الله تعالى في المعبد، لكنّها تقبّلت عطاء الله تعالى ورضيت بما قَدَّر وقضى، وسمّت مولودتها المباركة بـاسم «مريم»، وعملت جاهدة على تربيتها وإعدادها خير تربية، وكانت خلال ذلك تستعين بالله تعالى وتبتهل إليه بأن يعيذ ابنتها وذريتها من الشيطان الرجيم. وذرية مريم - كما هو معلوم - قد انحصرت بمولود وحيد وفريد، ولا نظير له من بعض الجوانب على وجه الأرض، وهو عيسى المسيح(ع)، وقد تقبل الله دعاء هذه المرأة الصالحة، فنشأت ابنتها مريم في كنف بيت الله تعالى وبكفالة ورعاية نبي الله زكريا(ع)، وكانت عين الله ترعاها من خلال ذلك كله، ما جعل من مريم(ع) قديسة عظيمة وأهّلها لحمل كلمة الله تعالى، وهو المسيح(ع)، الذي سيظلّ مدى الأزمان مقروناً باسم أمه الصالحة، فهو المسيح ابن مريم، ويكفيه ذلك عزاً وفخراً، ويكفيها ذلك شرفاً وكرامة، قال تعالى:{إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ ۖ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ۖ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [46].

إنّ المسيح(ع) هو ثمرة طيبة لامرأتين طاهرتين، وهما: جدته المؤمنة الطاهرة زوجة عمران، والثانية: أمّه العفيفة القديسة مريم، فالأولى نذرت لله تعالى، واستجيب دعاؤها ولو بعد حين، والثانية حملت وأنجبت وربّت ورعت.

 

 ملكة سبأ حكيمة قومها

وملكة سبأ (قيل: إنّ اسمها بلقيس) هي امرأة أخرى حدّثنا عنها القرآن الكريم، بكل تقدير واحترام بما يؤشر على أنّها كانت في مستوى رفيع من العقل والرشد، وهو الأمر الذي مكّنها من أن تقود قومها بكل حكمة وحنكة. لقد كانت بلقيس ذات ملك عظيم، كما وصفها الهدهد لسليمان(ع):{إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} [47][48]، وحيث إنّها كانت تعيش في عصر نبي الله سليمان(ع)، فقد بعث إليها برسالة تدعوها إلى اتباعه والإيمان به، باعتباره نبياً من عند الله تعالى. ولما وصلها كتابُ سليمان(ع) تصرّفت بحكمة وحنكة، فجمعت الملأ من قومها وقرأت عليهم كتاب سليمان بعد أن وصفته بأنّه كتاب كريم، ثمّ طلبت منهم المشورة وإبداء الرأي، رافضة الانفراد باتخاذ قرار خطير ومصيري يتعلّق بها وبقومها:{قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ} [49]، فماذا كان جواب قومها؟ إنّ المفاجأة تكمن هنا، فبدل أن يفكرَّ قومها معها ويشيروا عليها بالرأي الصائب، فإذا بهم يطلبون منها أن تفكر عنهم:{قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ} [50]، وهذا الموقف الغريب من قومها دفعها إلى اتخاذ قرار حكيم في كيفيّة الردّ على رسالة سليمان(ع)، وكان فحوى هذا القرار أن تُقدم على اختبار سليمان لتعرف ما إذا كان نبياً أو ملكاً، والاختبار يكون بإرسال هدية خاصة ومميّزة إليه، فإن كان مَلِكاً فمن المرجح أن يقبل الهدية ويرضى بالمساومة، كما هي عادة الملوك والزعماء، وأمّا إذا كان نبياً فهو لن يخضع للابتزاز ولن يقبل المداهنة والتنازل عن الرسالة الإلهية التي يحملها، لقاء هدية تُهدى إليه مهما كانت ثمينة،{قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ۖ وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ * وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} [51]. وقد أصاب حدس تلك المرأة، فلما وصلت هديتها إلى سليمان(ع) لم يعجبه هذا الأسلوب في التعامل معه، ورأى ذلك تصرفاً غير لائق، أو نوعاً من المماطلة أو التمرد عليه، ولذلك اتخذ قراراً بإخضاعها وقومها لحكمه، وتحرّك جيش سليمان لتنفيذ المهمّة، فلما رأت بلقيس حجم القوّة التي أرسلها سليمان لمواجهتها وقومها عرفت أنّه لا قِبَلَ لها في مواجهته أو التغلّب عليه. وهنا برهنت بلقيس مرّة أخرى عن حكمتها ووعيها، إذ بين اتخاذ قرار بالمواجهة أو الجنوح إلى السلم، نراها جنحت إلى السلم والطاعة، رافضة المواجهة والحرب، لأنّها كانت تعي أنّ الحرب هي خيار انتحاري بالنسبة لها ولقومها.

ثمّ إنّها لمّا جاءت سليمان مسلّمة، أمر(ع) بأن يُنَكِّروا لها عرشها - والذي وصله بطريقة إعجازية - ويُخْفُوا ملامحَه الحقيقية، ليختبر ذكاءها ويهيئ الأجواء أمام هدايتها وهداية قومها إلى الدين الحق، {قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ} [52]، ولمّا وُضِعَ العرشُ أمامَها قيل لها:{قِيلَ أَهَٰكَذَا عَرْشُكِ ۖ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ ۚ } [53]، وجوابها هذا مؤشر آخر على ذكائها وفطنتها، فهي لم تنفِ بشكل جازم ولم تؤكد أنّه عرشها.

وبعد أن دخلت الصرح ورأت العديد من الدلائل على أنّ سليمان(ع) ليس مجرد ملك بل هو رسول مسدّد بالعناية الإلهية أعلنت إسلامها بجرأة تامة، متوجهةً إلى الله تعالى بالقول:{قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [54]، لقد ظَلَمَتْ نفسها فيما سلف بالكفر والابتعاد عن الله تعالى، ثم تابت وأسلمت لله تعالى وحسن إسلامها. وقد لاحظ المفسرون هنا أنّ بلقيس لم تقل بعد توبتها: «أسلمتُ لسليمان»، وإنّما قالت: «أسلمت مع سليمان لله رب العالمين»، فقد جعلت نفسها في رتبة واحدة مع سليمان، أمام رب العالمين، فهما معاً يسلمان لله تعالى وينقادان لحكمه، لا أنّها تنقاد لسليمان الملك وتستسلم له، وقد قالت هذا الكلام مع أنّها وقومها قد انهزموا بحسب الظاهر أمام جند سليمان وأتوْه طائعين مسلّمين، وهذا مؤشر آخر على قوّة نفسها وعميق فهمها ودقة نظرها.

إنّ القرآن الكريم عندما يحدثنا عن تجربة بلقيس وقصتها، هذه القصة التي تدلّل على حكمتها ورجاحة عقلها، فهو يريد القول لنا: إنّ المرأة إذا توفرت لها الفرصة المناسبة في التعليم والتربية، فإنّها قد تفوق الرجال في حكمتها وحنكتها وقدرتها على تدبير الأمور.

سارة وبشرى الملائكة

ويستفاد من الآيات القرآنية النازلة في قصة قوم لوط، أنّ لسارة زوجة خليل الله إبراهيم(ع) مكانةً رفيعة عند الله تعالى، فقد كانت حاضرة في مجلس الملائكة الذين نزلوا لإبلاغ إبراهيم(ع) وإعلامه بأنّه قد تقرر نزول العذاب في قوم لوط(ع)، وقد شاهدت سارة في ذلك المجلس الملائكة وسمعت رسالتهم التي حملوها إلى إبراهيم(ع)، فتعجبت وضحكت، وهنا توجه الملائكة بالبشرى إليها حيث أبلغوها بأنّ الله تعالى سيرزقها بابن وهو إسحاق، وسيولد لها من نسله ابن آخر وهو يعقوب، ولما أبدت استغرابها وتعجبها من ذلك، على اعتبار أنّها امرأة عجوز وزوجها شيخ طاعن في السن، فأنّى لها أن تحمل وتلد! أجابها الملائكة بأنّ هذا تقدير الله تعالى، وهو مظهر من مظاهر رحمته ولطفه وكرمه بآل إبراهيم(ع)، هكذا كانت سارة - إذاً - جليسة الملائكة ومحدّثتهم وكانت - أيضاً - واحدة من أهل البيت الذين شملتهم الرحمة والبركات الإلهية، قال تعالى: {قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ * وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ * قَالَتْ يَا وَيْلَتَىٰ أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَٰذَا بَعْلِي شَيْخًا ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ * قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۖ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ۚ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ} [55].

نبي(ع) يأخذ بمشورة ابنته

وحدثنا القرآن الكريم - أيضاً - عن امرأة أخرى، وهي ابنة نبي الله شعيب(ع) بما يكشف ويؤشر على رجاحة عقلها، فقد اقترحت على أبيها النبي(ع) استئجار موسى(ع) ليكون عوناً لهم في رعي الغنم، وذلك بسبب ما رأته من شهامته ونبله وشجاعته، وقد اكتشفت ذلك إثر موقف نبيل له بادر فيه إلى مساعدتها وأختها على سقي أغنامهما عندما رآهما تذودان الغنم وتردانه عن الماء حتى ينتهي سائر الرعاة من سقي مواشيهم، {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [56]، وقد عمل نبي الله شعيب(ع) بمشورة ابنته وأخذ باقتراحها المنطقي هذا، حيث إنّها برّرت اختيار موسى لهذه المهمة بأنّه قوي وأمين. والقوّة والأمانة صفتان ضروريتان في الكثير من الوظائف والمهام لضمان سلامة العمل، فاستأجر شعيبٌ(ع) هذا الشاب القوي الأمين موسى(ع) لرعي الغنم: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ۖ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ ۖ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ۚ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} [57].

أربع نساء في حياة موسى(ع)

وفي قصَّة كليم الله موسى(ع)، تبرز أمامنا العديد من النسوة اللاتي كان لهنّ دور إيجابي بارز في حياته منذ سني طفولته الأولى وإلى حين زواجه، والنسوة هُنَّ:

المرأة الأولى: هي أمه، التي كانت محلّ عناية الله تعالى ولطفه، فحملت بكليم الله موسى(ع)، ولمّا وضعته أوحى الله إليها أن تقوم بإرضاعه وإذا خافت عليه من جند فرعون الذين كانوا يقتلون الذكور من بني إسرائيل[58]، فما عليها سوى أن تلقي بابنها في اليمّ والله تعالى يتكفل بحمايته وحفظه. ورغم صعوبة الأمر عليها، استجابت المرأة لأمر ربها ووضعت ابنها في تابوت صغير وألقته في اليم، ثقةً منها بوعد الله وتسليماً لأمره، قال تعالى: وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [59] وسرعان ما شعرت أم موسى مع مرور الوقت، بالحنين يغمرها وبالشوق يشدّها إلى ابنها، وبلغ بها الوجد حداً كادت أن تفشي سرّ طفلها، مع ما يكتنف ذلك من المخاطر التي تتهدد حياته، لكنّ الله تعالى ربط على قلبها، وأمدّها بالصبر والتماسك، قال تعالى: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا ۖ إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [60].

المرأة الثانية: هي أخته [61]، وهي التي كلّفتها أمّها بأن تتبع أخاها موسى(ع) بعد إلقائه في اليم، ولحقت به بطريقة ذكيّة لا تثير الشبهات، وقد سمحت لها هذه المتابعة بمعرفة ما آل إليه أمر أخيها وكيف أنّ يد القدرة الإلهية قد قادته إلى بيت فرعون، طاغية زمانه. ولما اقتربت من قصر فرعون، وأحسّت أنّ أخاها الرضيع لا يتقبّل المراضع، اقترحت عليهم أن يسلّموه إلى أهل بيت يكفلونه لهم ويقومون برعايته، فوافقوا على اقتراحها، وأُعيد موسى(ع)  بهذه الطريقة إلى أمّه، فعاش طفولته في كنفها وحضنها، قال تعالى: {وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ ۖ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ *  وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ * فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [62].

المرأة الثالثة: هي زوجة فرعون آسيا بنت مزاحم، والتي تحدثنا فيما سبق عن قوّة إيمانها وصلابتها في ذات الله، فقد شاركت إلى جانب أم موسى وأخته في رعايته وحفظه، وهذا ما تحدّث عنه الكتاب الكريم في قوله تعالى: {وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ ۖ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [63]. فهؤلاء النسوة الثلاث كان لهنّ دور بارز في سنيّ موسى الأولى، رعاية وحفظاً وتربية.

والمرأة الرابعة: هي زوجة موسى، وهذه المرأة هي ابنة شعيب النبي(ع) المتقدمة، والتي التقاها موسى(ع) أول مرّة على الماء هي وأختها، وذلك لما هرب من فرعون، وعندما لاحظ أن البنتين لا تقربا من الماء حتى ينتهي الرجال من سقي أغنامهم، تقدّم موسى(ع) بكل لطف لمساعدتهما في سقي الغنم، وبعد أن رجعت الفتاتان إلى منزلهما وأخبرتا أباهما بقصة هذا الرجل الذي ساعدهما في سقي الغنم دون مقابل، أرسل شعيب إحداهما في طلبه، فانطلقت تمشي على استحياء، وطلبت من موسى(ع) أن يلبي نداء أبيها، فجاء موسى(ع) إلى شعيب(ع) وأخبره بقصته وهربه من فرعون، فخفف عنه شعيب(ع) وطمأنه، ثم اقترح عليه أن يزوّجه إحدى ابنتيه، وقيل: إنّها المرأة التي جاءت في طلب موسىj وهي تمشي على استحياء[64]، قال تعالى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ۖ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ۖ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ * فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ۚ فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ ۖ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ * قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ۖ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ ۖ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ۚ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} [65].

نساء طالحات

والنساء فيهن الطالحات، كما فيهن الصالحات، وفيهن الكافرات كما فيهنّ المؤمنات، حالهنّ في ذلك حال الرجال، فهذه طبيعة الإنسان، فربّما اختار الطاعة والإيمان وربّما اختار الكفر والعصيان، ولهذا نجد أنّ القرآن الكريم كما حدثنا عن بعض الصالحات المؤمنات العاقلات، فإنّه أيضاً قد حدّثنا عن بعض النسوة اللواتي سقطن في فخّ الشيطان، وانحرفن وابتعدن عن الفطرة السليمة والخُلُقِ الأبي.

 وعلى رأس هؤلاء تأتي زوجتا نوح ولوط (ع)، فإذا كانت زوجة فرعون قد شكّلت مثالاً أعلى للتقى والإيمان، مع أنّها كانت تعيش في بيت الطغيان والانحراف والكفر وفي قصرٍ من قصور الملوك، فلم يؤثِّر ذلك على إرادتها، فإنّ زوجتي نوح ولوط (ع) كانتا على العكس منها تماماً، فمع كونهما تعيشان مع نبيين جليلين من أنبياء الله تعالى وفي كنفهما، فإنّهما اختارتا الكفر على الإيمان والضلال على الهدى والنار على الجنة، فلم ينفعهما قربهما من النبيين المذكورين بشيء، فنالتا العذاب والخزي في الدنيا والآخرة، قال تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ۖ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} [66]. إنّنا نستوحي من هذه الآية المباركة قاعدة عامة في تحديد الولاء، وهي أنّ الأساس عند الله في القرب هو القرب الروحي والإيماني، وليس القرب المادي، وأنّ الأساس في القرابة هي قرابة الإيمان والعمل الصالح لا قرابة النسب والسبب. وبهذا المعيار أصبحت هاتان الزوجتان بعيدتين ومطرودتين عن رحمة الله تعالى، لأنّهما خانتا زوجيهما في أمر الرسالة، فكانتا تفشيان أسرار زوجيهما لأعدائهما[67]؛ وبهذا المعيار واستناداً إليه أضحى ابن نوح ليس من أهله كما قال تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [68]، وغدا «أبو لهب» عمّ رسول الله(ص) وامرأته حمالة الحطب من أهل الجحيم[69]، وبهذا المعيار - أيضاً - أضحى سلمان الفارسي من أهل البيت(ع) [70].

ومن هؤلاء النسوة اللواتي ضرب الله بهنّ مثلاً للانحراف عن خط الاستقامة والانجراف مع الشهوة: زوجة عزيز مصر التي أُولعت بفتاها الذي نشأ في بيتها حتى صار بمثابة ابن لها ولزوجها، ومع ذلك راودته عن نفسه وطلبت منه الوصال المحرّم، ولكن هذا الفتى الشاب وهو يوسف الصديق استعصم وعفّ عن الحرام رغم كل الإغراءات والأسباب الكثيرة التي أحاطت به والتي لو أنّها أحاطت بغيره ما كان لينجو، قال تعالى: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [71]. وعن هذه الظروف الصعبة التي أحاطت بيوسف(ع) ومع ذلك لم تسقط إرادته، يمكنكم - إخوتي القرّاء - مراجعة ما ذكرناه في كتاب: «مع الشباب في همومهم وتطلعاتهم»، محور: «الشباب والغريزة الجنسية».

ثالثاً: آيات وإشكالات

كانت هذه إطلالة سريعة على الصورة العامة التي قدّمها لنا القرآن الكريم حول مكانة المرأة ودورها في الحياة جنباً إلى جنب مع أخيها الرجل في خلافة الله على الأرض، وقد أتبعنا ذلك بذكر العديد من النماذج النسائية الرائدة التي حدثنا القرآن الكريم عن سيرتهن وبعض مواقفهن. ولكن في مقابل ذلك، فقد اشتملت بعض الآيات القرآنية على بعض المفاهيم أو التشريعات التي وقعت مثاراً للإشكال والاعتراض من قبل البعض، حيث اعتبرت مؤشراً على دونيّة المرأة في الرؤية الإسلاميّة وتبعيتها للرجل. ولا بأس أن نشير إلى أهم ما قد يطرح على هذا الصعيد من إشكالات، ونبدأ بذكر بعض ما يتصل بالمفاهيم، ومن ثمّ ما يتصل بالتشريعات:

المفاهيم الإشكاليّة

أما المفاهيم القرآنية التي يرى البعض أنّها توحي بدونيّة المرأة، فما قد يذكر في هذا الصدد هو النماذج التالية:

ألف: تفضيل الرجل على المرأة

إنّ القرآن الكريم نصّ بشكل صريح على تفضيل الرجل على المرأة، وذلك في قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [72]، وهذا التفضيل قد يدفع الرجل للاستعلاء عليها، وهو ينافي كل كلام عن احترام المرأة.

وفي الإجابة على ذلك نذكر النقاط التالية:

أولاً: إنّ الآية المذكورة، وخلافاً لما ذكره بعض المفسرين[73] لا يفهم منها جعل القوامة لجنس الرجال على جنس النساء، ليستفاد منها أنّ المرأة لا يشرع لها تولي السلطة التنفيذية أو القضائية مع وجود الرجال، وإنّما هي في صدد بيان جعل القوامة داخل الأسرة، على اعتبار أنّ الأسرة تحتاج إلى شخص يدير أمورها ويكون رأيه هو الفاصل في نهاية المطاف في حال اختلاف وجهات النظر وبعد التشاور بين أعضائها. ويحكى أنّ البشريّة عرفت نوعين من المجتمعات، فهناك المجتمعات الأمومية التي جعلت القوامة للأم، وهناك - في المقابل - المجتمعات الذكورية التي جعلت القوامة للأب، وهذه هي الأغلب، وقد ارتأى التشريع الإسلامي جعل القوامة للأب، لأنه الأقدر على هذه المهمة كما سيتضح، وهذه الآية الشريفة، هي المستند القرآني لهذا التشريع. والوجه في رفضنا للقول الذي يوسّع دائرة القوامة لخارج دائرة الحياة الزوجيّة، هو عدّة قرائن مستوحاة من الآية المباركة:

القرينة الأولى: أنّ الجو العام في الآية هو جو الحديث عن البيت الزوجي، كما يظهر من تتمة الآية والتفريع الذي جاء فيها، والذي تضمّن علاج حالة نشوز المرأة، «وهو ليس تفريعاً جزئياً لأمر عام وشامل، بل يمثّل - بحسب الظهور العرفي - تفريعاً ذا دلالة على نطاق الحكم في الشمول»[74] فلاحظ قوله سبحانه: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} [75].

القرينة الثانية: أنّ الآية - بحسب ظاهرها - ليست ناظرة إلى تنظيم الشؤون العامة في المجتمع وتحديد المؤهل لقيادة الأمة، وإنّما هي ناظرة إلى تنظيم علاقة الرجل بالمرأة، لتكون القضيّة في كل جزئياتها التطبيقيّة قضيّة رجل وامرأة، ومن الواضح أنّ الدائرة الوحيدة التي تكون فيها العلاقة منحصرة بعلاقة الرجل والمرأة، هي دائرة العلاقة الزوجيّة، وأما في السلطة العامة في الحكم أو في القضاء فلا تكون العلاقة فيها علاقة رجل بامرأة، بل علاقة قائد بمجتمع، بذكوره وإناثه[76].

القرينة الثالثة: أنّ تبرير القوامة بالإنفاق هو نفسه يعدُّ شاهداً على انحصار القوامة بالبيت الزوجي، وذلك لأنّ الإنفاق يصلح تبريراً ولو بنحو جزئي لجعل القوامة للرجل في نطاق الأسرة، باعتبار أنّ الرجل ينفق من ماله على الأسرة، والمنفق يكون صاحب قرار أو شريكاً فيه. ولكنّ في القيادة العامة للمجتمع لا معنى لجعل السلطة للرجل لأنّه المنفق، فهنا لا يوجد مسؤوليّة إنفاقيّة يكلّف بها الأفراد، لأن الإنفاق هو من بيت مال المسلمين وليس من كيس الرجل، ليكون الأكثر مالاً هو القائد.   

ثانياً: أنّ القوامة لا تعطي صاحبها سلطة استبدادية، وإنّما تحمّله مسؤوليّة إدارية، وهذه المسؤولية لا تلغي دور المرأة ولا تصادر رأيها ولا دورها، وقد نصّ القرآن على أهليّة المرأة للمشورة وإعطاء الرأي في أخطر قرار تواجهه الحياة الزوجيّة، وهو قرار الطلاق، قال تعالى: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ۗ}  [77]. فبالأولى أن يكون لها دور ورأي في طريقة إدارة هذه الحياة. ونلاحظ أنّ القرآن الكريم لم يستخدم في المقام مصطلح السلطة أو نحوها، وإنما استخدم مصطلح «القوامة»، وهذا اختيار فيه عناية ودقّة فهو يدل على أنّ الرجل قوّام على المرأة، أي قائم بأمورها ورعايتها، ما يوحي أنّ القوامة ليست عملاً تشريفياً وإنّما هي مهمة وتكليف.

ثالثاً: في مقام تبرير جعل القوامة بيد الرجل ذكرت الآية سببين: أحدهما هو قضيّة التفضيل، والثاني هو قيام الرجل بأمر الإنفاق على الأسرة. ونلاحظ أنّ الآية عندما ذكرت السبب الأول لبيان قوامة الرجال على النساء لم تقل: «بما فضّلهم عليهنّ»، وإنّما قالت: {بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ} [78]، وشتان بين التعبيرين، فالأول يدلُّ على التفضيل المطلق للرجال على النساء، بينما الثاني وهو الوارد في القرآن يدلُّ على التفضيل المتبادل بينهما، فتأمل ملياً في قوله: «فضَّل اللّه بعضهم على بعضٍ»، تجد أنّ البعض الأولى والثانية جاءت مطلقة، فتكون شاملة للرجال والنساء، ولو أراد بالبعض الأولى الرجال وبالثانية النساء، بحيث يكون مقصوده بيان التفضيل المطلق لجنس الرجال على جنس النساء لذكر ذلك بشكل مباشر وواضح ودون إبهام، فقال: «بما فضّلهم عليهنّ»، وبما أنّه عدل عن ذلك واستخدم تعبيراً ظاهراً في أنّه أراد بيان التفضيل المتبادل والمتقابل بين الرجال والنساء، فيكون مراده بيان أنّ الرجل مُفضّلٌ على المرأة في بعض الأمور، والمرأة - في المقابل - مفضّلة على الرجل في أمور أخرى. وفيما خصّ مقام إدارة الحياة الزوجية، فإنّ الرجل هو الأفضل، ربما بسبب غلبة حزمه على عاطفته، وهو ما تحتاجه إدارة الأسرة، ومن جهة أخرى فإنّ الأسرة بحاجة إلى عاطفة جياشة، وهذا ما توفره لها الأم، وهو ما يجعلها أفضل من الرجل في هذا الجانب، ومما يؤيد هذا الفهم وأنّ الحديث في الآية هو عن التفضيل المتبادل ما جاء في آية أخرى وهي قوله تعالى: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا ۖ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ} [79].

والخلاصة: أنّ التفضيل المذكور ليس تفضيلاً مطلقاً، لجنس الرجال على جنس النساء، وإنّما هو تفضيل نسبي للرجل فيما يتصل بإدارة شؤون الأسرة، ولهذا فليس هو تفضيل قيمة وإنما تفضيل دور، فعلى صعيد القيمة الأخلاقية لا فضل للرجل على المرأة إلا بالتقوى والعمل الصالح، كما أسلفنا فيما سبق.   

باء: «تحت عبدين»!

من التعابير القرآنية التي توهّمَ البعض أنّها تعكس مفهوماً مهيناً للمرأة ما جاء في قوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ۖ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ} [80]، فعبارة: «تحت عبدين» موحية بدونيّة المرأة.

ولكنّنا لا نوافق على هذا الفهم، لأنّ هذا التعبير لم يُقصد به المعنى الحرفي الموحي بانخفاض المرأة وعلوِ الرجل، وإنّما هو كناية عن وجود علقة خاصة أعطي الزوج فيها قواميّة معينة على المرأة، وفقاً للرؤية القرآنية التشريعية القائمة على مبدأ اعتماد النظام الأبوي في إدارة الحياة الأسرية. وهذه القوامية - بالإضافة إلى ما هو معروف فقهياً من كون الطلاق بيد الرجل - كافية لتبرير استخدام كلمة «تحت»، فالتحتيّة لا تختزن معنى الدونيّة، تماماً كما هو الحال في الكثير من الاستعمالات، فالله تعالى يحدثنا في العديد من الآيات عن الجنة، فيقول: {جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [81]، مع أنّ هذا لا يشير ولا يوحي بدونية الأنهار أبداً، فالأنهار والمياه هي العنصر الأهم في الجنة، ولا وجود للحياة من دون الماء. ويحدثنا القرآن أيضاً عن نبي الله عيسى(ع) أنّه وفور ولادته نادى أمه من تحتها مسلياً ومخففاً عنها، قال تعالى: {فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا} [82]، فهل إنّ مناداته لها من تحتها هو دليل على دونيّة المسيح بالنسبة لأمِّه مريم الصديقة؟! بالطبع لا، فالمقام ليس مقام تفاضل، وإنّما تشير التحتيّة هنا إلى تحديد جهة المناداة، فقد كان عيسى(ع) مولوداً للتو، ووضعه الطبيعي في هذه الحالة أن يكون تحت أمه.

وقد وردت كلمة «تحت» في الأحاديث النبويّة مراراً دون أن تختزن معنى الدونية، فقد روي عنه(ص): «الجنّة تحت أقدامِ الأمهات»[83]، وعنه(ص) أيضاً: «الجنّة تحت ظلال السيوف»[84]. وفي هذين الاستعمالين ونظائرهما لا توحي كلمة «تحت» بالدونية كما هو واضح، وإنّما تشير إلى وجود رابطة معينة تختلف باختلاف الموارد.

جيم: النساء حرث للرجال!

ومن الإشكالات التي يثيرها البعض في المقام أنّ القرآن الكريم قد شبّه المرأة بأنّها حرثٌ للرجل، في قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ ۖ } [85]، وهو تشبيه لا يخلو من توهين، لأنّه ينظر إلى المرأة باعتبارها مزرعة للرجل!

ولكنّنا لا نوافق على هذا الفهم ونعتبره غير سديد، فالآية الكريمة لا توحي بالإساءة للمرأة، بل على العكس من ذلك، فإنّها تلفت الأنظار إلى نعمةٍ جليلة ووظيفة عظيمة الفائدة وجليلة النفع في المرأة، ألا وهي أنّها مهيّأة تكويناً لتكون أساساً للتناسل. فالحرث وهو مكان الزرع، إنّما يُراد به هذا المعنى، وشُبّهت المرأة به من هذه الجهة، وهو تشبيه مجازي، فالنطفة الَّتي تُلقى في أرحامهنّ للاستيلاد هي بمثابة البذر الذي يلقيه الفلاح في الأرض ليصبح ثمراً طيباً أو زرعاً مفيداً. وكما أنّ الأرض الطيبة هي المكان اللائق للزرع والغرس، فإنّ المرأة هي المهيأة - في تقدير الله - لتكون أماً، وليكون رحمها موئلاً للاستيلاد. وقدرتها على الاستيلاد هي طاقة عظيمة ولا يحقّ لأحدٍ أن يعمل على تجميدها أو تعطيلها، بما في ذلك المرأة نفسها، ومن هنا فلا يَسْمَحُ لها الشرعُ بالعزوف عن الزواج والانقطاع إلى التبتل والرهبنة. وإننا نستوحي من تأكيد الآية على صفة الاستيلاد في المرأة، أنّها لم تخلق لمجرد قضاء الشهوة العابرة من قبل الرجل، وقد نستطيع في هذا الزمن فهم هذه الآية جيداً، حيث تسود فكرةٌ ترمي إلى إبعاد المرأة عن القيام بدور الأمومة وعن مجال التناسل، حفاظاً على أناقتها ولياقتها الجسميّة، وقد أخذت فكرة الرحم البديلة تنتشر في بعض الأوساط، ولعلّ البعض يذهب به الخيال والشطط إلى اعتماد أسلوب التوالد من خلال الرحم الصناعية، لو كان ذلك متيسراً، في انحراف بيّن عن قوانين الطبيعة ومسارها، وهذا الانحراف له عواقب وخيمة على الإنسان عامة وعلى المرأة بشكل خاص.

قال بعض المفسرين: إنّ في الآية «إشارة رائعة لبيان ضرورة وجود المرأة في المجتمع الإنساني. فالمرأة بموجب هذا التعبير ليست وسيلة لإطفاء الشهوة، بل وسيلة لحفظ حياة النوع البشري»، إلى أن يقول: «هذا الأمر القرآني يشير إلى أنّ الهدف النهائي من الجماع ليس هو الاستمتاع باللذة الجنسية، فالمؤمنون يجب أن يستثمروه على طريق تربية أبناء صالحين، وأن يقدموا هذه الخدمة التربويّة المقدسة ذخيرة لأخراهم. وبذلك يؤكد القرآن على رعاية الدقة في انتخاب الزوجة كي تكون ثمرة الزواج إنجاب أبناء صالحين وتقديم هذه الذخيرة الاجتماعية الإنسانية الكبرى»[86].

دال: المرأة والنبوّة

ومن القضايا الإشكالية المطروحة في المقام، أنّه لماذا كان اختيار الأنبياء (ع) بأجمعهم من الذكور؟ حيث إنّه وفي كل هذا التاريخ الديني - حسب ما جاء في القرآن الكريم ونصّت عليه الكتب السماوية الأخرى والأحاديث الشريفة - لم نجد أنّ امرأة واحدة اختيرت لمقام النبوّة، ويؤيّده ما جاء في قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ ۚ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [87][88]، ما قد يرى فيه بعض الناس دليلاً أو مؤشراً على أنّ المرأة غير مؤهلة لهذا المقام، ويرى فيه آخرون ظلماً وتهميشاً للمرأة من قبل الدين نفسه.

وتعليقنا على ذلك، أنّ عدم إرسال أو بعثة نبي من جنس النساء ليس مردّه إلى نقصٍ ذاتي في المرأة يمنعها من الوصول إلى مرتبة عالية من الكمال الروحي كالتي يتطلّبها مقام النبوة، كيف وقد حدّثنا القرآن الكريم عن وصول عددٍ من النساء إلى مقامات روحيّة عالية ملازمة لمقام النبوّة:

     فبعض النسوة قد أوحي إليهنّ، كما هو الحال في « أم موسى»، قال تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [89]، والوحي وإن كان بمعنى الإلهام فإنه مرتبةٌ عظيمة لا يبلغها -في أعلى مستوياتها- إلا الأنبياء والمرسلون(ع) قال تعالى: {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىٰ} [90].

وبعضُهنّ قد وصلت إلى درجةٍ كانت الملائكة تنزل لخدمتها وتأتيها برزقها من عند الله تعالى، كما حصل مع السيدة مريم(ع) الأمر الذي أثار تعجّب نبيٍ من الأنبياء(ع) وهو زكريا(ع)، قال تعالى: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [91].

وهكذا فإنّ مريم(ع) نفسها قد وصلت إلى درجة الصديقين، قال تعالى: {مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ۖ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ ۗ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ} [92]، وهذه الدرجة هي من الدرجات الرفيعة جداً واللصيقة بالنبوّة، قال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا} [93]، وقال سبحانه: {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا} [94]، وقد ورد في الحديث الصحيح عن أَبِي الْحَسَنِ موسى بن جعفر(ع) قَالَ: «إِنَّ فَاطِمَةَ(ع)صِدِّيقَةٌ شَهِيدَةٌ»[95].

وفي ضوء ذلك يمكن القول: إنّ عدم إرسال نبي من صنف النساء ليس مردّه إلى قصور المرأة عن بلوغ هذه الرتبة، بل مردّه إلى سبب آخر، وهو أنّ المجتمعات البشرية في الأزمنة الغابرة كانت مجتمعات ذكوريّة ولم تكن لتتقبل أن يكون النبي(ع) من النساء. والنسوة أنفسهنّ كنّ مقتنعات بذلك، فقد حدّثنا القرآن الكريم أنّ امرأة عمران نذرت ما في بطنها محرراً لله تعالى، وكانت تقدّر أنّه سيكون ذكراً، لأن المرأة لا تصلح - في نظر اليهود- لخدمة المعبد والقيام بمهمة الإرشاد الديني، ولهذا فإنّ هذه المرأة الطاهرة الجليلة لم تستوعب أن ترى مولودها أنثى! فتوجهّت إلى الله تعالى توجهاً لا يخلو من ذهول وتحسّر، قائلة: ﭐﵛﭐﲨ ﲩ ﲪ ﲫﵚ[96]؟! ﵛﭐﲰ ﲱ ﲲﵚ[97]، فكأنّ الأنثى ليست مؤهلة للقيام بالمهام الدينيّة!

وأمام ذهنيّة ذكوريّة مستحكمة إلى هذا الحدّ، كان مقتضى الحكمة الإلهيّة أن تتم مراعاة هذا الأمر، نزعاً للذرائع وإقامة للحجّة على العباد.

وهذا غاية ما يستفاد من الآية المتقدمة، أعني قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا} [98]، فهي لا تدلُّ على نفي أهليّة المرأة للوصول إلى مقام النبوّة، وإنّما تشير إلى واقع الحال وما جرت عليه السيرة في الأمم الماضية، من إرسال رجال واختيارهم لهذا المقام، ولسان الآية وإن كان يوحي بعدم إرسال نساء لهذه المهمة، ولكنّها لم تبيّن سبب اختيار الرجال دون النساء لذلك، وهل أنّ مردّه إلى عدم صلاحيّة النساء للنهوض بأعباء هذه المهمة، أو أنّ مردّه إلى عدم تقبّل المجتمع الذكوري لهذا الأمر؟ ولو سلّمنا بأنّ السبب هو في عدم صلاحيّة النساء لتولي هذه المهمّة، فهل عدم الصلاحيّة هذا ناشئ من قصورها الذاتي المانع من بلوغها مقام النبوّة، أو أنّه نابع من قصورها العرضي بسبب ما تعرضت له من تهميش وإقصاء تاريخيين، الأمر الذي أفقدها الأهليّة لتولي هذه المهمّة وجعلها غير قادرة على بلوغ المقامات الروحيّة والمعرفية التي يتطلبها موقع كموقع النبوّة؟

إنّ الآية المباركة ساكتة عن ذلك كله، ولا يمكن إسقاط أحد هذه الاحتمالات عليها إلا بقرينة أو دليل، ونحن نستطيع التأكيد على أنّ عدم اختيارها ليس نابعاً من قصورها الذاتي عن بلوغ مقام النبوّة، ودليلنا على ذلك هو ما أشرنا إليه قبل قليل من وصول بعض النسوة إلى أعلى المقامات والكمالات الروحيّة الملازمة لمقام النبوّة.

هاء: الإله الذكر!

وقد سجّل البعض على الفكر الديني اعتراضاً مفاده أنّ هذا الفكر قدّم الإله على صورة الرجل، وهو الأمر الذي أتاح اضطهاد المرأة وسهّل للرجل الإقدام على استعبادها، يقول بعض الربوبيين [99] :«المشكلة الأخرى حول فكرة الإله في الأديان السماوية أنّها صوّرته كرجل، أي إنّ الإله هو ذكر، وهذا سيجعل النساء منفيات شعورياً ولا شعورياً إلى مقام أقلّ في المجتمع. ومن هنا نجد أن هذا انعكس على هذه المجتمعات بطريقة غير مباشرة ومباشرة حيث أصبحت المرأة تخضع للرجل» [100].

إلا أنّ الكلام مستغرب ومرفوض ومجافٍ للحقيقة، فليس ثمّة رأي يعتد به في المجال الديني ولا سيما على الصعيد الإسلامي ينصّ على ذكورية الإله [101]، وأعتقد أنّ مجرد طرح السؤال عن جنس الله تعالى وأنّه ذكر أو أنثى هو جهل بحقيقته، لأنّ الانقسام إلى الذكور والإناث هو من خصائص المخلوق، ولا يشمل الخالق، فمن خصائص الذكر أو الأنثى أنهما يتزاوجان وينجبان، والله فوق ذلك وهو أسمى من أن يحتاج إلى الزوجة أو الولد، كما وصف نفسه في كتابه: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [102]. ولو كان ذكراً لكان له نظير وكفوء، والله تعالى يقول أيضاً: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [103][104]، ولو كان ذكراً أو أنثى لكان له مثيل. فهو تعالى حقيقة مغايرة لما عليه خلقه.

ولكن يبقى تساؤل في المقام، وهو أنّه إذا لم يكن الله تعالى ذكراً فلماذا وصف نفسه في القرآن الكريم بأوصاف الذكر، سواء على صعيد استخدام الأسماء أو الأفعال أو الضمائر، فلاحظ على سبيل المثال قوله تعالى: { اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} [105] فقد استخدمت هذه الآية في التعبير عن الله تعالى والإشارة إليه ضمير «هو» ولم تستخدم ضمير الأنثى «هي»، واستخدمت أسماء مذكرة، فعبرّت عن الله تعالى بأنّه «الحي القيوم» ولم تقل: «الحيّة القيّومة» والأسماء المذكرة كثيرة في القرآن، وامتد التذكير إلى الأفعال، فاستخدمت الآية فعلاً مذكراً فقالت: «تأخذه»، وليس «تأخذها»؟!

والجواب على ذلك يتضح من خلال ذكر المقدمات التالية:

المقدمة الأولى: إنّ الموجودات على نوعين:

الأول: هو ما ينقسم إلى مذكر ومؤنث، كما هو الحال في الإنسان والحيوان، (المخلوقات المتوالدة)، ولكل من المذكر والمؤنث ضمائر وأسماءُ إشارة وأسماءٌ موصولة خاصة بها في لغة العرب، فتقول: هذا الغلام هو الذي اصطاد ثُعْباناً، وهذه البنت هي التي خافت من الأَسد. والمذكر في هذه الحالة يسمى المذكر الحقيقي وكذلك المؤنث.

الثاني: ما لا ينقسم إلى مذكر ومؤنث، كما في الأشياء الجامدة، من قبيل الأرض والجبال والنجوم وسائر الأشياء، والله تعالى من هذا القبيل.

المقدمة الثانية: ذكر علماء العربية أنّه في الموارد التي يكون الشيء مما ينقسم إلى جنسين، وهما الذكور والإناث، تكون مراعاة التذكير والتأنيث ضرورية ولازمة، وأمّا في المواضع التي لا تنقسم إلى مذكر ومؤنث فيتعين إدراجها في مقام التعبير إما تحت المذكر أو المؤنث، استناداً إلى عدم وجود تعبير محايد في اللغة العربية، فإذا أدرج الشيء تحت المذكر وعومل معه معاملة المذكر في الضمائر والإشارة والموصول من قبيل كتاب أو بيت أو عشب، قيل له مذكر مجازي، وإذا أدرج تحت المؤنث وعومل معه معاملة المؤنث في ذلك، من قبيل صحيفة ودار ووردة، قيل له: مؤنث مجازي.

المقدمة الثالثة: ويرد سؤال هنا ما هي القاعدة المعتمدة في التأنيث أو التذكير المجازيين؟ قال بعض النحويين[106]: «ليس هناك قاعدة في معرفة التذكير والتأْنيث المجازيين، بل المدار في معرفة ذلك على السماع، وذلك بالرجوع إلى كتب اللغة». وعليه فالتأنيث في لفظ «الشمس»، حيث يقال: هذه الشمس، أو كما ورد في القرآن الكريم: {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت [107] والتذكير في لفظ القمر، حيث يقال: القمر طالع، أو كما جاء في القرآن الكريم: {وَانشَقَّ الْقَمَرُ} [108]، إنّ التذكير والتأنيث المشار إليهما لا تفسير لهما إلا السماع، ونحوهما سائر الموارد، ولم ينطلق ذلك من أي اعتبار قيمي، يقول المتنبي:

وما التأنيث لاسم الشمس عيب     ولا التذكير فخر للهلال[109]

 

وفي ضوء ما تقدّم يمكن القول: إنّ تعامل اللغة العربية مع اسم الله تعالى وأوصافه تعامل المذكّر مرجعه إلى السماع ولا قاعدة قياسية له.

وكون المسألة سماعيّة لا يعني أنّها مبتنية على خطأ، وقد جرى القرآن على الخطأ، فالسماع لا يوصف بالخطأ؛ لأنّ اللسان العربي العام قد جرى على ذلك، فيصبح السماع قاعدة مطردة، والخروج عليه هو المخالف للقاعدة وهو الخطأ.

وممّا يشهد بكون التذكير في اسم الله تعالى ليس منطلقًا من احتقار الأنثى، إنّا وجدنا العرب قد يؤنثون بعض الألفاظ المتصلة بالله تعالى، فيقولون: الذات الإلهية، ويقولون في الجمع: قالت الآلهة، ونظائر ذلك كثير في لغتهم. كما أننا وجدناهم قد أنّثوا بعض أسماء الذكور من قبيل «طلحة» و«معاوية» و«حارثة» و«عبيدة» ومسعدة وغيرها.

التشريعات الإشكاليّة

وأما ما يتصل بالتشريعات القرآنية التي قد يرى البعض فيها مؤشراً على أنّ الإسلام لم ينصف المرأة، فيمكن أن نذكر النماذج التالية:

  • الحكم بإعطاء الأنثى نصف ميراث الذكر، مما جاء في قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ}[110].
  • الحكم بأن شهادة امرأتين تعادل شهادة رجل واحد، ممّا جاء في قوله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} [111].
  •  إعطاء الزوج حقّ ضرب زوجته في حالة نشوزها، ممّا جاء في قوله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} [112].
  • إلى بعض الأحكام الأخرى المتصلة بإعطاء الزوج القيمومة على المرأة، وحق إنهاء العلاقة الزوجية بالطلاق، أو غير ذلك من الأحكام.

وهذه التفاصيل التشريعية المهمة تحتاج إلى دراسات بحثيّة مستقلة، وقد تناولها بعض المفكرين بالدرس الفكري والفقهي، وأجابوا على العديد من الإشكالات المطروحة إزاءها، والمسألة تحتاج إلى مزيد من البحوث على هذا الصعيد.

وقد وفّقني الله تعالى لبحث بعض هذه القضايا والمسائل في مجالات أخرى، فلديّ بحث مستقل تناولت فيه قضية زواج القاصرات[113]، ولديّ - أيضاً - بحث تفصيلي حول مسألة ضرب الزوجة، وخَلَصْتُ فيه إلى أنّ ذلك ليس حقاً للزوج.

وأمّا موضوع إعطاء الذكر في الميراث ضعف ما تُعطى الأنثى، فلا يثير مشكلة مهمة؛ لأنّ ذلك ليس مردّه إلى تمييز الرجل وتفضيله على المرأة، وإنّما مرجعه إلى تضاعف مسؤوليات الرجل الإنفاقية. ولذا فإنّ هذا الحكم لا يفهم إلا ضمن معرفة منظومة المسؤوليات الإنفاقيّة في التشريع الإسلامي، فالإسلام الذي ورّث المرأةَ نصفَ ما يَرِث الرجل، لم يلزمْها بالإنفاق على زوجها أو أسرتها، بخلاف الرجل فهو ملزمٌ بالإنفاق على أولاده وعلى زوجته، وملزمٌ بدفع المهر إلى المرأة. والنفقة اللازمة هي عبارة عن كل ما تحتاجه المرأة من المأكل والمشرب، والملبس والطبابة بالإضافة إلى تأمين المسكن الشرعي لها.. 

وأما كون شهادة الرجل معادلة لشهادة امرأتين، فقد أجاب عنها الفقهاء ببعض الأجوبة، وسوف يأتي ما ينفع حول هذه المسألة في المحور الرابع.

 

هذا المقال من كتاب "المرأة في النص الديني"

 

 


[1] سورة النساء، الآية 1.

 

[2] سورة الشمس، الآيات 7-10.

 

[3] سورة الشمس، الآيات 7-10.

 

[4] سورة الحجرات، الآية 13.

 

[5] سورة النساء، الآية 1.

 

[6]  انظر حول هذا الأمر ما ذكره السيد موسى الصدر، مسيرة الإمام الصدر، ج 11ص 488.

 

[7] سورة الكوثر، الآيات 1-3.

 

[8] سورة الكوثر، الآيات 1-3.

 

[9]  راجع حول هذا الرأي: تفسير مجمع البيان، ج 1 ص 147.

 

[10] سورة فاطر، الآية 39.

 

[11] سورة الأحزاب، الآية 72.

 

[12] سورة البقرة، الآية 30.

 

[13] سورة الإسراء، الآية 70.

 

[14] سورة الأحزاب، الآية 35.

 

[15] سورة آل عمران، الآية 195.

 

[16] سورة الحجرات، الآية 13.

 

[17] وقد نبّه على هذا الأمر الشهيد مرتضى مطهري، انظر كتابه نظام حقوق المرأة في الإسلام، ص 139.

 

[18]  كما سوف نبين ذلك في المحور الخامس.

 

[19] سورة الأعراف، الآية 20.

 

[20] سورة البقرة، الآية 36.

 

[21] سورة طه، الآية 120.

 

[22] سورة النساء، الآية 124.

 

[23] سورة آل عمران، الآية 195.

 

[24]  وبهذا المضمون نزلت العديد من الآيات المباركة، لاحظ: النحل 97 وغافر 40.

 

[25] سورة التوبة، الآية 72.

 

[26] سورة النحل، الآية 97.

 

[27] سورة التوبة، الآية 71.

 

[28] سورة الفتح، الآية 10.

 

[29] سورة الممتحنة، آية 12.

 

[30]  يوجد في موضوع «ولاية الأب» على البنت عدة أقوال لدى الفقهاء: منها: إن أمر تزويجها يعود إليه حصراً. ومنها: أنه يتعيّن عليه مع كونه ولياًعلى تزويجها أن يأخذ رأيها ولا يحق له أن يزوّجها بمن لا ترضى به. ومنها: أنّه لا ولاية له على زواجها وإنما الأمر إليها كما إذا كانت بالغة رشيدة، فكما لا ولاية له على البالغ الرشيد من أبنائه كذلك لا ولاية على البالغة الرشيدة من بناته. وإن كان يجدر بها أن تأخذ رأي والدها بعين الاعتبار. وهذا القول هو الأرجح والأقوى في نظرنا.

 

[31]  سورة النساء، الآية 32.

 

[32] سورة النساء، الآية 7.

 

[33] سورة النساء، الآية 19.

 

[34] سورة النساء، الآيتان 20-21.

 

[35] سورة البقرة، الآية 228.

 

[36]  انظر الملحق رقم (2) في آخر الكتاب.

 

[37]  على ما هو مشهور في تحديد اسمها وإن كان القرآن الكريم لم يسمها.

 

[38] سورة التحريم، الآية 11.

 

[39]  من لطائف ما لاحظه المفسِّرون في هذه الآية أنّ امرأة فرعون لم تقل «ابن لي بيتاً عندك»، بل قدّمت العندية على البيت، فقالت: ﵛﭐﲦ ﲧ ﲨ ﲩﵚ، ما يوحي بأنّ البيت ليس مهماً بالنسبة إليها، كيف وهي التي تتخلى عن قصور فرعون الفاخرة لأجل الله تعالى، وإنّما المهم لديها أنّ البيت هو عند الله تعالى.

 

[40]  ذكر المفسرون: «أنّها لما عاينت المعجز من عصا موسى، وغلبته السحرة، أسلمت. فلما ظهر لفرعون إيمانها، نهاها فأبت، فأوتد يديها ورجليها بأربعة أوتاد، وألقاها في الشمس. ثم أمر أن يلقى عليها=

=    صخرة عظيمة. فلما قرب أجلها {قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ}، فرفعها الله تعالى إلى الجنة، فهي فيها تأكل وتشرب.. وقيل: إنّها أبصرت بيتاً في الجنة من درة، وانتزع الله روحها، فألقيت الصخرة على جسدها، وليس فيه روح، فلم تجد ألماً من عذاب فرعون. وقيل: إنّها كانت تعذب بالشمس، وإذا انصرفوا عنها أظلتها الملائكة، وجعلت ترى بيتها في الجنة»، انظر: مجمع البيان، ج10 ص64.

 

[41] سورة التحريم، الآية 12.

 

[42]  قال تعالى:{فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} [آل عمران 37].

 

[43] سورة آل عمران، الآية 37.

 

[44] سورة آل عمران، الآية 38.

 

[45] سورة آل عمران، الآية 39.

 

[46] سورة آل عمران، الآيات 35-37.

 

[47] سورة النمل، الآية 23.

 

[48]  لقد جاءت كلمة المرأة في كلام الهدهد منكرّة ومنونة، في سياق يوحي بشيء من الاستغراب لدى الهدهد، ولكنّ هذا الاستغراب ليس بالضرورة أن يكون منشؤه أنّ تولي المرأة للسلطة مرفوض في دين الله، فالهدهد ليس مصدراً للمعرفة الدينية، ولعّله إنما عبّر بهذا التعبير الموحي باستغرابه، بسبب أنّ هذا الأمر، أعني تولي المرأة للملك غير معهود في ذلك الزمان.

 

[49] سورة النمل، الآيات 29 - 32.

 

[50] سورة النمل، الآية 33.

 

[51] سورة النمل، الآيتان 34 - 35.

 

[52] سورة النمل، الآية 41.

 

[53] سورة النمل، الآية 42.

 

[54] سورة النمل، الآية 44.

 

[55] سورة هود، الآيات 70-73.

 

[56] سورة القصص، الآية 26.

 

[57] سورة القصص، الآية 27.

 

[58]  كما هو مذكور في التواريخ، وذلك لأنّ فرعون رأى رؤيا مزعجة وأوّلها له المعبّرون بأنّ طفلاً سيولد ويكون هلاكه وانقضاء ملكه على يديه، فقرر قتل المواليد الذكور، وهذا المعنى أشار له الذكر الحكيم، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ} [إبراهيم 6].

 

[59] سورة القصص، الآية 7.

 

[60] سورة القصص، الآية 10.

 

[61]  في بعض المصادر أن اسمها كليمة، أو حليمة، انظر: مجمع البيان، للطبرسي ج10 ص65.

 

[62] سورة القصص، الآيات 11-13.

 

[63] سورة القصص، الآية 9.

 

[64]  جوامع الجامع، ج 2 ص 739.

 

[65] سورة القصص، الآيات 23-27.

 

[66] سورة التحريم، الآية 10.

 

[67]  وليس المقصود بالخيانة الخيانة الزوجية، ففي عقيدتنا أنّه ما زنت زوجة نبي قط، كما أوضحنا ذلك بالدليل القاطع في كتاب بحوث حول السيدة عائشة-رؤية شيعية معاصرة، فليراجع.

 

[68] سورة هود، الآية 46.

 

[70]  طِبْقاً لما ورد في الحديث النبوي الشريف «سلمان منا أهل البيت (ع)»، انظر: المستدرك، للحاكم النيسابوري ج3 ص598، وعيون أخبار الرضا(ع)، للشيخ الصدوق ج2 ص70.

 

[71] سورة يوسف، الآية 23.

 

[72] سورة النساء، الآية 34.

 

[73] انظر: مجمع البيان، للطبرسي ج 3 ص 7، والوجيز في تفسير الكتاب العزيز، للواحدي ج 1 ص 263، والميزان، ج 4 ص 343، قال العلامة الطبطبائي: «قوله: ﵛﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄﵚ [النساء 34] غير مقصور على الأزواج بأن يختص القوامية بالرجل على زوجته، بل الحكم مجعول لقبيل الرجال على قبيل النساء في الجهات العامة التي ترتبط بها حياة القبيلين جميعاً، فالجهات العامة الاجتماعية التي ترتبط بفضل الرجال كجهتي الحكومة والقضاء مثلاً اللذين يتوقف عليهما حياة المجتمع وإنما يقومان بالتعقل، الذي هو في الرجال بالطبع أزيد منه في النساء، وكذا الدفاع الحربي الذي يرتبط بالشدة وقوة التعقل كل ذلك مما يقوم به الرجال على النساء. وعلى هذا فقوله: ﵛﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄﵚ ذو إطلاق تام». انظر: المصدر نفسه. 

 

[74]  من وحي القرآن، ج 7 ص 230.

 

[75] سورة النساء، الآية 43.

 

[76]  انظر: من وحي القرآن، ج 7 ص 230.

 

[77] سورة البقرة، الآية 233.

 

[78] سورة النساء، الآية 34.

 

[79] سورة النساء، الآية 32.

 

[80] سورة التحريم، الآية 10.

 

[81] سورة طه، الآية 76.

 

[82] سورة مريم، الآية 24.

 

[83]  كنز العمال، ج16 ص461.

 

[84]  صحيح البخاري، ج3 ص208.

 

[85] سورة البقرة، الآية 223.

 

[86]  الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج 2 ص 123.

 

[87] سورة النحل، الآية 43.

 

[88]  ورود هذا النصّ في سورة الأنبياء أيضاً، آية 7، ونحوه ما جاء في سورة يوسف 109.

 

[89] سورة القصص، الآية 7.

 

[90] سورة طه، الآية 13.

 

[91] سورة آل عمران، الآية 37.

 

[92] سورة المائدة، الآية 75.

 

[93] سورة مريم، الآية 41.

 

[94] سورة النساء، الآية 69.

 

[95]  الكافي، ج 1 ص 458.

 

[96] سورة آل عمران، الآية 36.

 

[97] سورة آل عمران، الآية 36.

 

[98] سورة الأنبياء، الآية 7.

 

[99]  الربوبيون: هم الذين يؤمنون بوجود الله تعالى، ولكنهم ينكرون النبوة ولا يؤمنون بالأنبياء(ع).

 

[100]  انظر: مدوّنة الربوبي العربي، موقع إلكتروني، من مقال بعنوان «جمال الربوبية» منشور بتاريخ 26 آب/أغسطس 2009م.

 

[101]  ثمّة رأي شاذ جداً يرى أنّ الله تعالى جسم ولكنه لم يتطرّق إلى جنس الإله، فقد «حُكي عن داود الجواربي أنّه قال: اعفوني عن الفرج واللحية واسألوني عما وراء ذلك، وقال: إنّ معبوده جسم ولحم ودم وله جوارح وأعضاء من يد ورجل ورأس ولسان وعينين وأذنين، ومع ذلك جسم لا كالأجسام ولحم لا كاللحوم ودم لا كالدماء وكذلك سائر الصفات وهو لا يشبه شيئاً من المخلوقات ولا يشبهه شيء، وحُكي عنه أنه قال: هو أجوف من أعلاه إلى صدره... وإن له وفرة سوداء وله شعر قطط»، انظر: الملل والنحل للشهرستاني ج 1 ص 105.

 

[102] سورة الإخلاص، الآيتان 3-4.

 

[103] سورة الشورى، الآية 11.

 

[104] ويلاحظ في الآية الأخيرة أنّه ولمزيد من المباعدة ورفع التوهم حول شبه الله بخلقه جاءت الآية بالكاف والمثل، فهي لم تقلْ ليس له مثلٌ، ولا قالت: ليس كالله شيء، وإنّما قالت ليس كمثله، فكأنّ الآية تريد الإيحاء بأنّه لو فرض جدلاً أنّ لله مثيلاً فليس هناك شيء يشابه هذا المثيل.

 

[105] سورة البقرة، الآية 255.

 

[106] هو سعيد الأفغاني، انظر: الموجز في قواعد اللغة. موقع إلكتروني.

 

[107] سورة الكهف، الآية 17.

 

[108]  سورة القمر، الآية 1.

 

[109]  من قصيدة المتبني في رثاء والدة سيف الدولة الحمداني، وجاء قبل هذا البيت قوله:
ولو كان النساء كمن فقدنا        لفُضّلت النساء على الرجال
انظر: ديوان أبي الطيب المتنبي، ص 223

[110] سورة النساء، الآية 11.

 

[111] سورة البقرة، الآية 282.

 

[112] سورة النساء، الآية 34.

 

[113]  انظر: كتاب تحت المجهر، ص73 وما بعدها.

 

 

 

هذا المقال من كتاب "المرأة في النص الديني - قراءة نقدية في روايات ذم المرأة"






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon