ما روي عن الإمام علي(ع) في ذم المرأة (3)
الشيخ حسين الخشن
حديث: "غيرة المرأة كفر"
ومن الأحاديث المشهورة عنه(ع) والمتداولة على الألسن أنّه قَالَ: «غَيْرَةُ الْمَرْأَةِ كُفْرٌ وغَيْرَةُ الرَّجُلِ إِيمَانٌ»[1].
ولنا ثلاث وقفات مع هذه الرواية، نستجلي من خلالها الموقف منها:
الوقفة الأولى: وقفة مع سند الرواية
إنّ الحديث المذكور كما هو بيّنٌ ضعيف السند، بسبب الإرسال، ولم نعثر عليه مذكوراً في المصادر الحديثية الأخرى سواء الشيعية منها أو السنية، وإنّما تفرّد بنقله الشريف الرضي في «نهج البلاغة»، ثمّ وجدناه بعد ذلك قد دخل إلى الكتب المتأخرة ككتاب «ربيع الأبرار ونصوص الأخبار»[2] للزمخشري، وكتاب «غرر الحكم ودرر الكلم» للآمدي، لكن مع شيء يسير من الاختلاف، ففي «غرر الحكم» جاء على النحو التالي: «غيرة الرجل إيمان، وغيرة المرأة عدوان»[3].
الوقفة الثانية: وقفة مع فقه الرواية
إنّه وبصرف النظر عن سند الرواية فإنّ لسائل أن يسأل: لماذا كانت غيرة الرجل إيماناً، بينما كانت غيرة المرأة كفراً؟ ثمّ ما المراد بالكفر؟ هل هو الكفر العقدي أو الكفر العملي؟ فلدينا سؤالان لا بدّ من الإجابة عليهما.
السؤال الأول: لماذا عُدَّت غيرة المرأة كفراً بينما غيرة الرجل إيمان؟
والجواب: أنّ غيرة الرجل إنّما تكون فعل إيمان، باعتبار أنّها تدفعه إلى المحافظة على زوجته وحمايتها من أن يتعرّض لها أهل السوء بفعل أو بقول، أو يتحرّش بها أحد بما يخدش كرامتها وعفتها، كما أنها - أعني غيرة الرجل - تدفعه أيضاً إلى صونها من الانزلاق إلى الحرام. وبهذا المعنى فإنّ غيرة المؤمن لا تقتصر على زوجته، بل إنّها تمتدّ إلى بناته أو أخواته وسائر قريباته وكل النساء المؤمنات، فإنّ هؤلاء هنّ عرضه، ويجدر به حمايتهن من الوقوع في الحرام ما استطاع إلى ذلك سبيلاً. وعلاوةً على ذلك، فإنّ الغيرة لا تدفع المؤمن إلى تحصين الغير فحسب، بل تدفعه إلى تحصين نفسه من الانزلاق إلى ما يكون ارتكابه منافياً للعفة والحشمة، ومن هنا ورد عن الإمام علي(ع): «ما زنى غيور قط»[4]، أي إنّ الغيور لا يرضى لنفسه ما يأباه لغيره.
هذا ولكنّ غيرة الرجل إنّما تكون إيماناً إذا لم تتعد الحدود المعقولة والمعتادة، فبعض الرجال قد تدفعه غيرته إلى منع زوجته من الخروج من بيتها في مطلق الظروف والأحوال، فيتركها حبيسة البيت، ولا يسمح لها بزيارة أحد حتى الأرحام والأقارب، وربما منعهم - أيضاً - من زيارتها، وهذه الغيرة الشديدة والتي تتجاوز الحدود قد ينتج عنها خلاف المقصود، فبدل أن تحصّن المرأة فإنها قد تدفعها - كردة فعلٍ على تشدد الزوج - إلى ارتكاب المحذور، ومن هنا ورد في رسالة أمير المؤمنين(ع) إلى ابنه الإمام الحسن(ع): «إيَّاكَ والتَّغَايُرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْغَيْرَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَدْعُو الصَّحِيحَةَ مِنْهُنَّ إِلَى السَّقَمِ والْبَرِيئَةَ إِلَى الريَبِ»[5]، هذا كله في غيرة الرجل.
وأمّا غيرة المرأة فإنّما تكون فعل كفر، باعتبار أنّها تدفعها للسخط من زوجها بسبب تزوجه من امرأة أخرى، والنقمة عليه، وربما قصّرت في حقه، وغالباً ما تدفعها الغيرة إلى شتم الزوجة الأخرى والتهجم عليها والنيل منها أو الكيد لها، فهذه الغيرة هي التي يرفضها الإمام علي(ع) - بناءً على صحة الرواية - وما يرفضه علي(ع) هو ما يرفضه الإسلام. وأما إذا كانت غيرتها منطلقة من حرصها على أن لا يقع زوجها أو ابنها أو أخوها في الحرام، أو فعل القبيح، فهذه الغيرة هي فعل إيمان ولا تفترق عن غيرة الرجل في شيء، وليست هي محط نظر الإمام(ع). وسيأتي مزيد توضيح لهذا الأمر في الوقفة الثالثة.
السؤال الثاني: كيف نفهم الحكم على غيرة المرأة بالكفر، مع أنّ غيرة المرأة بالمعنى المذكور لا تعدو كونها معصية لله تعالى؟!
والجواب هو بأحد وجهين:
الوجه الأول: إنّ الكفر هنا لا يراد به الكفر العقدي المخرج عن الملة وإنما الكفر العملي، المتمثل بالتمرد على الله تعالى وعصيان أوامره، ويؤيد ذلك قرينتان:
إحداهما: خارجية، وهي ما جاء في رواية الآمدي « وغيرة المرأة عدوان»، حيث نلاحظ استبدال لفظ «كفر» بلفظ آخر، وهو «عدوان»، والعدوان معصية لله تعالى.
والثانية: داخلية، وهي أنّ الإمام(ع) - على فرض صدور الرواية - لم يحكم بتكفير المرأة نفسها بسبب الغيرة، وإنما حكم على غيرتها بالكفر، ومن الواضح أنّ تكفير القول أو الفعل لا يلازم تكفير صاحبه إلا في حال التفات الشخص إلى لوازم ما يقول أو يفعل، والتزامه باللوازم، بما يكون مرجعه إلى تكذيب الرسول(ص) أو الرد عليه.
الوجه الثاني: أن يقال إنّ علياً(ع) عندما حكم بكون غيرة المرأة كفراً فهو ناظر إلى نوع من الغيرة، وهي التي تدفع المرأة الغيراء إلى الاعتراض على حكم الله تعالى الذي ينصّ على حليّة تعدد الزوجات. فإنّ هذا الاعتراض قد ينتهي بها - لا سمح الله - إلى الكفر، إذا ما تضمّن اعتراضاً على الله تعالى واتهاماً له بالظلم وعدم العدل، ونحن نسمع بعض الكلمات المعترضة على عدل الله تصدر من بعض النساء، حيث إنّها تصف الحكم الشرعي الذي يسمح للرجل بالتعدد بأنه حكم ظالم، وتقولها بصراحة: إنّ الإسلام ظلم المرأة من خلال ذلك!
الوقفة الثالثة: دراسة المضمون
هل يمكن القبول بمضمون الرواية فيما لو صحّ سندها؟
إنّ مضمون الرواية يواجهه إشكالان:
الإشكال الأول: كيف تكون الغيرة كفراً مع أنّها - سواء كانت لدى الرجل أو المرأة - من حيث المبدأ صفة كمال وعنصر خير لصاحبها؟! والله تعالى لا يَفْطِرُ الإنسانَ على صفةٍ كريهة وقبيحة ولا يَخْلُقُ فيه غريزةً تكون مصدرَ شرٍّ على إطلاقها، بل إنّ كل ما فطرنا الله عليه وزودنا به من غرائز هو مصدر خير لنا، ولكنّ الإنسان نفسه وبسوء اختياره يلوّث صفاء الفطرة أو يتمادى في استخدام الغريزة في غير محلها، بما يبعده عن خطّ الهداية ومسار الكمال الروحي وصراط الأخلاق النبيلة.
ولهذا لا يسعنا أن نفهم غيرة المرأة على أنّها شر بالمطلق، إذ قد تُوَظِّفُ المرأةُ غيرتَها في خطِّ رضوان الله، كما لو فرض أنّ المرأة كانت تغار على زوجها بمعنى أنّها تخشى عليه من الوقوع في العلاقة الجنسيّة المحرمة، لكون ذلك موجباً لسخط الله تعالى عليه، فإنّ غيرتها هذه هي لله تعالى لا لذاتها، ولذا فإنّها تؤجر عليها ولا تأثم.
على أنّ غيرة المرأة حتى في صورة إقدام زوجها على الزواج بأخرى زواجاً محللاً، ليست أمراً محرماً ما لم تتجاوز - أي المرأة - بسببها الحدود الشرعيّة، فلو ظلّت الغيرة حبيسة نفسها ولم تفجرها بالاعتداءِ على ضرّتها أو تَنَاولها بمكروه أو سوء أو غيبة أو سخرية أو سباب، ولم تقصّر في حقِّ زوجها ولم تنلْ منه ولم تسجّلْ اعتراضاً على إرادة الله وتشريعه، فلا يمكن والحال هذه الحكم بحرمة الغيرة.
الإشكال الثاني: إنّ الغيرة في ذاتها هي أمرٌ أودعه الله تعالى فيها وفطرها عليه، فتكون أمراً لا إرادياً يفرض نفسه على المرأة أو الرجل دون اختيار منهما، ولهذا لا يمكن أن تكون بنفسها مورداً للنهي والتكليف، فإنّ التكليف إنّما يتوجّه إلى الإنسان فيما يقع تحت إرادته. أجل، يمكن أن تقع الغيرة مورداً للتكليف بلحاظ تعبيراتها التي تظهر من خلالها وتتجسد فيها من قول أو فعل، وحالها في ذلك حال سائر الصفات النفسية، كالغضب، أو الحسد، أو حديث النفس بشأن الخالق، أو غيرها؛ ويشهد لذلك ما ورد في حديث الرفع المروي عن رسول الله(ص): «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان.. والوسوسة في التفكير في الخلق، ما لم ينطق بشفة»[6].
إنّ ما تقدّم في هذين الإشكالين يحتّم علينا القول: إنّ الرواية -على فرض صحتها- ناظرةٌ إلى نوعٍ خاص من الغيرة، وهي الغيرة التي تدفع المرأة إلى إظهار غيرتها بقول أو فعلٍ متجاوزة حداً من حدود الله تعالى، وأمّا بدون ذلك فلا يحكم بحرمتها فضلاً عن كونها كفراً. أجل، من الضروري والمهم في آن أن يُعمل على توجيه المرأة الغيراء وإرشادها إلى ضرورة السعي في مجاهدة نفسها وتهذيبها كي لا تندفع مع غيرتها وتقع فيما يُسْخِطُ الله تعالى.
حديث "إياك ومشاورة النساء"
ومن الأحاديث المرويّة عنه(ع) هو ما جاء في وصيته لابنه الحسن(ع): «وإِيَّاكَ ومُشَاوَرَةَ النِّسَاءِ، فَإِنَّ رَأْيَهُنَّ إِلَى أَفْنٍ وعَزْمَهُنَّ إِلَى وَهْنٍ، واكْفُفْ عَلَيْهِنَّ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ بِحِجَابِكَ إِيَّاهُنَّ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحِجَابِ أَبْقَى عَلَيْهِنَّ، ولَيْسَ خُرُوجُهُنَّ بِأَشَدَّ، مِنْ إِدْخَالِكَ مَنْ لَا يُوثَقُ بِه عَلَيْهِنَّ، وإِنِ اسْتَطَعْتَ أَلَّا يَعْرِفْنَ غَيْرَكَ فَافْعَلْ، ولَا تُمَلِّكِ الْمَرْأَةَ مِنْ أَمْرِهَا مَا جَاوَزَ نَفْسَهَا، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ رَيْحَانَةٌ ولَيْسَتْ بِقَهْرَمَانَةٍ، ولَا تَعْدُ بِكَرَامَتِهَا نَفْسَهَا ولَا تُطْمِعْهَا فِي أَنْ تَشْفَعَ لِغَيْرِهَا»[7].
بيان: قال الجوهري: «الأفن» بالتحريك: ضعف الرأي.
ويستوقفنا في هذا النص عدّة أمور:
أولاً: النهي عن مشاورة النساء.
ثانياً: الدعوة إلى حبسهن في البيوت.
ثالثاً: التأكيد على أنّ المرأة لا تملك ممّا جاوز نفسها شيئاً.
وتعليقنا على هذه الرواية نبيِّنُهُ من خلال الوقفتين التاليتين:
الوقفة الأولى: إنّ الرواية ضعيفة السند، فهي في «النهج» مرسلة، وفي «الكافي» وإن كانت مسندة لكنّ سندها ليس صحيحاً[8].
ولكن قد يقال: إنّ هذه الوصيّة لأمير المؤمنين(ع) معروفة ومشهورة وقد وردت في مصادر أخرى[9]، فلا داعي للتشكيك بها سنداً. ناهيك عن أنّ هذه الوصية - في غالب فقراتها - تمتاز بمضمون رفيع ما يؤيّد صدورها عن علي(ع).
الوقفة الثانية: إنّ الرواية مع التسليم بصحة سندها، فإنّ ثمّة أسئلةً وإشكالاتٍ يمكن تسجيلها إزاء ما تضمنته، الأمر الذي يثير الشك في صدورها عن أمير المؤمنين(ع) بداعي بيان القاعدة العامة في المرأة، وإليك بيان ذلك:
هل تصلح المرأة للمشورة؟
أولاً: إنّ ما جاء في الرواية حول النهي عن مشاورة النساء، مخالف لمطلقات القرآن الكريم، كقوله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ}[10]، ولا دليل يقتضي تقييد إطلاق الآية وحملها على خصوص الرجال.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإنّ القرآن الكريم قد نصّ على أهليّة المرأة للمشورة في أمر خطير، وهو وضع حدٍّ للحياة الزوجية، قال تعالى: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا}[11]، فبالأولى أن تستشار فيما دون ذلك من القضايا.
وربما يقال: إنّ الدليل على تقييد مطلقات الشورى موجود، وهو الرواية نفسها، بالإضافة إلى ما روي عن أمير المؤمنين(ع) أيضاً من قوله: «مَنِ اسْتَبَدَّ بِرَأْيِه هَلَكَ، ومَنْ شَاوَرَ الرِّجَالَ شَارَكَهَا فِي عُقُولِهَا»[12]، حيث دلّ على أنّ الرجال هم أهل المشورة.
والجواب: أمّا الرواية المبحوث عنها فلا تصلح لتقييد المطلقات حتى على فرض صحتها سنداً، وذلك لما سيأتي من احتمال أنّها صادرة على نهج القضية الخارجية، وأما ما جاء في كلامه الآخر وهو قوله: «ومن شاور الرجال..» فهو - على فرض صحته سنداً - لا ينافي المطلقات، لأنّ «الرجل» في مثل هذا الكلام ونظائره وارد على سبيل المثال، فلا مفهوم له، فيكون نظير قوله(ص) لعلي(ع) يوم خيبر: «لئن يهدى الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم»[13].
على أنّ تعليله(ع) للنهي عن مشاورتهن بأنّ «رأيهن إلى وهن وعزمهنّ إلى أفن»، ليس مطرداً ولا غالبياً، فالمرأة أمام أعيننا، ونحن نعاين تجربتها في مجالي العلم والعمل، فنراها قد دخلت الكثير من المجالس النيابيّة والتنفيذية والقضائيّة في الكثير من دول العالم، ونراها - في الأعم الأغلب - تصدر آراءً صائبة وتقدّم أفكاراً مفيدة ونافعة. ولذا لا يبعد أن يكون كلامه ناظراً إلى المرأة في زمانه، والإمام(ع) عندما يتحدّث فليس بالضرورة أن يكون صادراً في تقييماته من موقع العلم الخاص الموروث عن رسول الله(ص) عن الله تعالى، - كما ثبت في محله - وإنّما قد يتحدّث من موقع حصيلة معرفيّة معتمدة على ملاحظة حال المرأة في زمانه، ما يعني أنّ كلامه - والحال هذه - ظرفي، وليس وارداً لتأسيس القاعدة العابرة للزمان والمكان.
إنّ الباحث في التاريخ الإسلامي لا يخفى عليه أنّ المرأة في تلك الحقبة الزمانية قد أحاطت بها ظروف خاصة، جعلتها إنساناً جاهلاً ومهمشاً وبعيداً كل البعد عن خوض التجارب في الشؤون العامة، ولذا كان من الطبيعي أن لا يعتدّ برأيها في ذلك، لكن إذا اختلفت الظروف وتوفرت لها الإمكانات وخرجت من حصارات التجهيل والتهميش واللامبالاة، فإنّها ستكون قادرة على التفكير وإعطاء الرأي الصائب[14].
ولنا شاهد على ذلك من خلال سيرة الإمام علي(ع) نفسه، فخلال فترة زمانية قصيرة استطاع علي(ع) أن يربِّي جيلاً من النساء الجليلات ذوات الرأي الصائب والشجاعة الفائقة، أَكُنّ من بناته وأهل بيته أو غيرهن من النسوة اللاتي تعلّمن في مدرسته وجلسن تحت منبره، وقد ذكرنا أسماءهن في محورٍ سابق، وما فعله(ع) يشكّل خطوة هامة كان من المفترض أن يتمَّ استكمالها والبناء عليها، بهدف إيجاد تغييرٍ شامل على صعيد مكانة المرأة ودورها في الحياة، ولكنّ ما حصل بعد ذلك لم يكن على ما يرام، فظلَّ الجو العام الحاكم على تلك المرحلة هو بقاء المرأة على الهامش حبيسة البيت ورهينة الجهل، كما أشرنا إلى ذلك سابقاً.
ولهذا كله يتعيّن علينا القول: إنّه من غير البعيد أنّ يكون النصّ الذي نحن بصدده ناظراً إلى المرحلة الزمانية التي عاشها الإمام(ع) كما يشهد به تعليله المشار إليه، وربما كان نظره(ع) إلى مشورة المرأة في قضايا الحرب بقرينة أنّه(ع) أوصى ابنه الإمام الحسن(ع) بهذه الوصية عند منصرفه من صفين[15]. ومن المعلوم أنّ المرأة - في الأغلب - تضعف أو تتردد في إصدار قرارات الحرب وما يترتّب عليها من قتل وتهجير وأسر للناس وتخريبٍ للديار، وإن كنا قد لاحظنا بعض النسوة في عصرنا هذا قد أقدمنا على إصدار مثل هذه القرارات، إلا أنّ هذا يبقى نادراً في صنف النساء.
ومما يشهد لما قلناه من أنّه(ع) - على فرض صدور الرواية عنه - لا يريد التعميم، هو أنّنا قد لاحظنا وجود رواية أخرى لهذه الوصية وقد استثنى فيها الإمام(ع) النساء المجربات: «إياك ومشاورة النساء إلّا من جُرِّبت بكمال عقل»[16].
الدعوة إلى حبس النساء!
ثانياً: والأمر الآخر المثير للشك، والباعث على الاستغراب هو الدعوة إلى حبس المرأة وحجبها عن الناس بحيث يكون من المستحسن أن لا تتعرف على غير زوجها، والوجه في ذلك ما توحي به إشارات النص وتلميحاته هو ضعف إيمانها، ما يجعلها تسقط أمام أي اهتزاز، فتأملْ مجدداً في قوله: «واكْفُفْ عَلَيْهِنَّ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ بِحِجَابِكَ إِيَّاهُنَّ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحِجَابِ أَبْقَى عَلَيْهِنَّ، ولَيْسَ خُرُوجُهُنَّ بِأَشَدَّ مِنْ إِدْخَالِكَ مَنْ لَا يُوثَقُ بِه عَلَيْهِنَّ، وإِنِ اسْتَطَعْتَ أَلَّا يَعْرِفْنَ غَيْرَكَ فَافْعَلْ»، فهو يأمر الرجل بأن يكفّ بصر المرأة ويحول دون نظرها إلى غيره من خلال حجبها عن الغير ومنع اختلاطها به أو دخوله عليها، أو خروجها إليه، وكل ذلك هدفه الإبقاء عليها وصونها وحفظ عفتها، ألا ترى أنّ الأثر النفسي الذي تتركه هذه الدعوة على الرجل - فيما لو أراد العمل بها - هو جعل زوجته أو ابنته أو أخته تحت المراقبة أو وضعها في قفص الاتهام فلا يأمن جانبها ولا يثق بها! ناهيك عن أنّها دعوة إلى عزل المرأة عن الحياة الاجتماعية العامة وإبقائها حبيسة البيوت، مع ما يعنيه ذلك من إبقائها رهينة الجهل والتخلّف، إذ كيف تنمو ملكات المرأة وتتفجر طاقاتها المودعة فيها وتكتسب التجارب النافعة والمهارات المفيدة في الحياة ما دامت حبيسة بيتها وممنوعة من أن تخالط الآخرين ولا ترى غير زوجها أو أبيها أو ابنها؟!
ودعونا نتأمل في فقرة: «ولَيْسَ خُرُوجُهُنَّ بِأَشَدَّ مِنْ إِدْخَالِكَ مَنْ لَا يُوثَقُ بِه عَلَيْهِنَّ»، حيث أرشد إلى المفسدة المترتبة على إدخال من لا يوثق به عليهنّ معتبراً «أنّ إدخال من لا يوثق به عليهنّ إمّا مساوٍ لخروجهنّ في المفسدة أو أشدّ.. وإنّما كان أشدّ في بعض الصور لأنّ دخول من لا يُوثق به عليهنّ أَمْكَنُ لخلوته بهنّ والحديث معهنّ فيما يُراد من الفساد»[17]. ولسنا نتوقف أو نشكِّك في مفاسد إدخال من لا يؤتمن ولا يوثق به على النساء، ولكنّنا نتوقف في مساواة مفسدة خروجهنّ لمفسدة دخول من لا يوثق به عليهن، وهذا هو محل تأملِّنا المتقدِّم ونستبعد صدوره عنه(ع) على نحو مطلق، اللهم إلا إذا كان مقصوده(ع) هو الخروج إلى الأماكن المشبوهة ومواضع التهمة أو الخروج بصحبة من لا يوثق به بقرينة المقابلة بين الدخول والخروج في الفقرة.
ومما يزيد في الطين بلّة، أنّ هذه الوصايا فيما يبدو ليست مختصّة بالزوجة، بل هي عامة لكل النساء، بناتٍ أو أخواتٍ أو زوجاتٍ أو غيرهنّ، كما يفهم من إطلاق قوله: «إياك ومشاورة النساء»، ويفهم ذلك أيضاً من تعليلات أو تبريرات هذه الوصايا، كتعليل عدم مشاورتهنّ بأنّ «رأيهن إلى أفن» وتعليله لحجبهنّ بأنّه «أبقى لهنّ». أجل ربما كانت فقرة «وإِنِ اسْتَطَعْتَ أَلَّا يَعْرِفْنَ غَيْرَكَ فَافْعَلْ» أكثر التصاقاً بالزوجات، ولكن يمكن فهمها حتى في إطار التعميم المشار إليه، وهذا التعميم يزيد الأمر إشكالاً وتعقيداً.
ولذلك لا نستطيع أن نصدّق بصدور هذه التعليمات عن علي(ع) على سبيل القاعدة العامة والمطردة في كل زمان ومكان وبلحاظ كل النساء، وإنّما يمكن فهمها - لو ثبت صدورها عنه - في نطاق خاص، وهو أن يكون الخروج محفوفاً بالشبهات أو إلى مواضع التهمة والريبة كما أسلفنا. ومما يشهد لعدم الإطلاق في كلامه هو ملاحظة سيرة الإمام(ع) نفسه، فقد كانت المرأة حاضرة في حياته الخاصة والعامة، وقد جَلَسَتْ تحت منبره واستمعت إلى خطبه وأحاديثه، كما أنّه(ع) أخرجها معه في معاركه، لتقوم بدور الخطيبة في الرجال، مشجعةً ومحرّضةً ومستنهضة للهمم في عمل تعبوي جهادي بالغ الأهمية.
على أنّ القرآن الكريم لم يدعُ إلى عزل النساء أو حجبهنّ وإخراجهنّ من الحضور والمشاركة في الأنشطة العامة، وإنّما أمرهنّ -في حديثه عن حدود العلاقة مع الرجل- أن يغضضن من أبصارهن، قال تعالى: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ}[18] والغضّ لا يعني الغمض، وإنما يعني عدم تركيز النظر.
خير للنساء أن لا يرين الرجال!
وقد يقال: إنّ مضمون هذه الفقرة تؤيّده نصوص أخرى ومن أشهرها ما روي عن سيدتنا الزهراء(ع) في هذا المجال، ولا بأس أن ننقل الحديث بسياقه الكامل ثم نعلّق عليه، روى الأربلي في كشف الغمة مرسلاً عن أمير المؤمنين(ع): «قال: كنا عند رسول الله (ص) فقال: أخبروني أي شيء خير للنساء؟ فعيينا بذلك كلنا حتى تفرّقنا، فَرَجِعْتُ إلى فاطمة(ع) فأخبرتُها بالذي قال لنا رسول الله (ص) وليس أحدٌ مِنّا عَلِمَه ولا عَرَفَه، فقالت: ولكنّي أعرفُه: خيرٌ للنساء أن لا يَرَيْن الرجال ولا يراهنّ الرجال، فرجِعْتُ إلى رسول الله (ص) فقلتُ: يا رسول الله سَأَلْتَنَا أي شيء خير للنساء؟ خير لهن أن لا يَرَيْن الرجال ولا يراهنّ الرجال، فقال: مَنْ أَخْبَرَكَ فلم تعلمْه وأنت عندي؟ فقلتُ: فاطمة، فأَعْجَبَ ذلك رسول الله(ص) وقال: إنّ فاطمة بضعة مني»[19].
ولنا عدّة تعليقات على هذا الحديث:
أولاً: ضعف السند بالإرسال كما هو واضح[20]، على أنّنا لم نجدْ هذا الخبر في المصادر الحديثيّة من الدرجة الأولى.
ثانياً: إنّ الرواية تضمّنت جهل الإمام علي(ع) بالجواب عن السؤال الذي طرحه النبي(ص) على أصحابه، وهذا أمر ليس مقبولاً وفق المباني الكلامية للشيعة الإمامية. ومحاولة إعطاء تفسير لذلك بأنّ الإمام(ع) تجاهل عن الإجابة بغرض إظهار فضيلة للسيدة الزهراء(ع)، هي محاولة فاشلة، ولا يساعد عليها سياق الخبر، فإنّه ظاهر في حصول جهل حقيقي للإمام(ع) بهذا الحكم!
ثمّ إنّه وبناءً على صحّة الحديث وتجاوز ما جاء في الملاحظتين السابقتين، فهل يحمل ما جاء فيه على معناها الحرفي؟
ذكر بعض الأعلام رحمه الله: «أننا لا نفهم من هذا الحديث مجرد عدم الرؤية بالمعنى الحرفي للكلمة، بل نفهم منه الكناية عن عدم الاختلاط، لأنّها لم تكن في مجال الحديث عن الحكم الشرعي.. بل كانت في مقام إعطاء الفكرة العميقة التي تعالج مسألة الاختلاط بين الرجل والمرأة، باعتبار أن الاختلاط يمكن أن يؤثّر سلباً على طهارة روحية المرأة تجاه علاقتها بالرجل، أو طهارة روحية الرجل تجاه علاقته بالمرأة.. إنّها تعالج مسألة الاحتياط من خلال ما تريده من طهارة روحيّة في المستوى الأعلى من الطهارة للمرأة والرجل، ولكنّ هذا المستوى العالي من الطهارة رغم أنّه يمثّل قيمة إسلامية أخلاقية كبرى من حيث الغايات الكبرى للكمال الإسلامي لكنه لا يمثّل تكليفاً شرعياً إسلامياً..»[21].
تنظيم حالات الاختلاط
وفي ضوء ما تقدّم، وتعليقاً على الحديث الآنف الذكر المنسوب للسيدة الزهراء(ع)، فإنّه يجمل بنا أن نسجّل رأياً متحفظاً حول مسألة الدعوة العامة إلى خروج المرأة إلى ميدان العمل والمشاركة في كافة الأنشطة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.. دون وضع ضوابط لهذا الخروج؛ لأنّه ومع تأكيدنا على مشروعيّة ذلك، بل وأهميته وكونه حقاً للمرأة، فإنّ الواجب الديني والأخلاقي يحتّم علينا التأكيد على ضرورة إدارة المسألة بطريقة تنسجم مع الرؤية الإسلامية الحريصة، ليس على حفظ عفّة المرأة وكرامتها فحسب، بل وحماية المناعة الأخلاقيّة في المجتمع بلحاظ كل أفراده، ذكوراً وإناثاً، صغاراً وكباراً، بما يحصّنه من الانفلات الغرائزي خارج حدود العلاقة الزوجيّة، ولذا يكون من الضروري العمل على تفعيل الأخذ بالضوابط الأخلاقية والالتزام بالحدود الشرعية التي تنظّم حالات الاختلاط بين الجنسين. كما أنّ من الأهميّة بمكان، العمل في مؤسساتنا وإداراتنا على وضع الضوابط الإداريّة وتهيئة الأمور والمقدمات اللوجستيّة التي تساهم في تحقيق تلك الأهداف، فيفترض بالمؤسسات الإسلامية حكوميّة كانت أو أهليّة أن تراعي الضوابط الأخلاقية في عمليات التوظيف، وأن تعمل على تهيئة الأجواء المناسبة والشروط الملائمة التي تجنِّب أماكن العمل حالات الاختلاط المشبوه، وأن تُصدر المقررات التي تمنع من تحوّل أماكن العمل المختلطة إلى أماكن للإثارة الجنسية والتفلّت الأخلاقي، وأن تضع قيوداً تحدُّ أو تمنعُ من حالاتِ التبرّج الفاقعة والتي تلامس حدّ التعري.
لا تملك مما جاوز نفسها شيئاً!
ثالثاً: والأمر الثالث الذي يبعث على التشكيك في صدور الرواية عن معدن العلم والحكمة علي بن أبي طالب(ع) على سبيل القاعدة العامة والعابرة لكل زمان ومكان، هو تأكيده(ع) على أنّ المرأة لا تَمْلِكُ ممّا جاوز نفسها شيئاً. قال ابن ميثم في شرح الفقرة المذكورة: «نهاه أن يُمَلِّكَ المرأةَ من أمرها ما خرج عن حدّ نفسها من مأكول أو ملبوس ونحوه، وما جاوز ذلك، كالشفاعات، ونبّه على عدم صلوحها بضمير [بقياس] صغراه: قوله: فإنّ المرأة ريحانة وليست بقهرمانة. واستعار لفظ الريحانة باعتبار كونها محلاً للَّذّة والاستمتاع بها. ولعلّ تخصيص الريحانة بالاستعارة لأنّ شأن نساء العرب استعمال الطيب كثيراً، وكنّى بكونها غير قهرمانة عن كونها لم تُخلق لتكون حاكمة متسلطة بل من شأنها أن تكون محكوماً عليها، وتقدير الكبرى: وكلّ من كان كذلك فلا ينبغي أن يجاوزوه أمر نفسه ويمكَّن من التصرّف في أمر غيره»[22].
والخلاصة: أنّ هذه الفقرة تشكك في أهليّة المرأة لتولي الكثير من المهام في الشأن العام أو الخاص، وتؤكِّد على أنّها لا تصلح لتُمَلَّكَ خارجَ نفسها أيَّ أمر من الأمور. وهذا المعنى إذا لم يتمْ وضعه في نطاق خاص، فإنّه قد يُفهم منه أنّه يمثّل دعوة إلى إخراج المرأة وإبعادها عن المشاركة في الحياة الاجتماعية والسياسية والأسرية. ولذلك فإنّنا نرجح أنّه لم يصدر عنه(ع) على سبيل تأسيس القاعدة العامة، ولم يُقصد به بيان عدم صلاحية المرأة للمشاركة في الحياة الاجتماعية والسياسية وغيرهما، وإلّا لكان منافياً للواقع الذي يشهد بأهلية المرأة وجدارتها العمليّة للقيام بالكثير من المسؤوليات والأعمال في الحقل الاجتماعي العام، كما أنّه مخالف للقرآن الكريم الذي أكدّ على صلاحية المرأة وأهليتها للقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما أسلفنا فيما سبق.
حديث: "الْمَرْأَةُ عَقْرَبٌ حُلْوَةُ اللَّسْبَةِ"[23]
وهذه كلمة أخرى تُنسب إلى أمير المؤمنين(ع)، وهي تَصِفُ المرأة بكونها عقرباً، فلا بدّ من التوقف عندها ودراستها للتعرّف على مدلولها ومدى إمكان القبول بصدورها عنه(ع). ولن نتوقف عند السند كثيراً؛ لأنّ الرواية مرسلة، كأكثر روايات النهج، وإنّما يهمنا النظر في مضمونها، وهذا ما سوف نتناوله من خلال عدة وقفات:
وقفة لغوية
يلاحظ أنّه في «النهج» المطبوع وردت الكلمة هكذا «اللبْسَة»، وعلى هذا الأساس شرحها الشيخ محمد عبده، فقال: «اللِّبْسَة - بالكسر - حالة من حالات اللُّبْسِ - بالضم -، يقال: لَبِستُ فلانة، أي عاشرتها زمناً طويلاً. والعقرب لا تحلو لبستها. أمّا المرأة فهي هي في الإيذاء، لكنّها حلوة اللبسة»[24]، وقد ذهب الشيخ مغنية إلى هذا الرأي، فقال: «وهذا القول أقرب إلى الآية 187 من سورة البقرة: {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ}»[25].
ولكنّ الرأي الآخر هو قراءتها كالتالي: «اللسبة»، بتقديم السين على الباء، وهذا ما رجّحه وصحّحه آخرون[26]، وهو ما جاء في «شرح النهج» لابن أبي الحديد وغيره[27]، والمراد بـ «اللسبة» هي اللسعة، يقال: لسبته العقرب، أي لسعته[28]، وفي «مجمع البيان» رواها هكذا: «عقرب حلوة اللسعة»[29].
لماذا وصَفَ(ع) المرأة بالعقرب؟
قدّم شرّاح النهج وجوهاً عدّة تبريراً لهذا التوصيف:
أولاً: ما ذكره ابن ميثم البحراني رحمه الله، حيث رأى أنّ الإمام(ع) إنّما استعار لفظ العقرب في وصف المرأة «باعتبار أنّ من شأنها الأذى، لكنّ أذاها مشوب بما فيها من اللذّة بها، فلا يحسّ به، وهو كأذى الجَرَبِ المشوب بلذّته في زيادة حكَّته»[30].
ثانياً: وأمّا الشارح الآخر لنهج البلاغة وهو المحقق حبيب الله الخوئي رحمه الله، فلم يبتعد عن هذا الجو، موضحاً سِرَّ استخدام لفظ العقرب في وصف المرأة. والسّر -بنظره- هو أنّ المرأة تبثُّ سمّ العشق في قلب الرجل، كما تبثّ العقرب سمّها في جسد الإنسان، قال: «شبّهت المرأة بالعقرب حيث إنّ تماس الرجل بها خصوصاً في عنفوان الشباب وطغيان القوى الشهويّة مُعَرِّضٌ للآفات والبلايا الرّوحية والجسميّة، وتنفذ المرأة بجاذبتها وفتانتها في وجود الرّجل وتنفث على قلبه وروحه سمّ العشق، وأيّ سمّ أضرّ منه وأوجع وآلم منه وأنقع، وإذا أحصيتَ وجدتَ المقتولين والمعتاهين بسمّ الحيات والعقارب معدودين في كلّ عصر ومصر، ولكنّ المقتولين روحاً ومعنى بسمّ فتنة المرأة غير محصور جداً، وكفى لك بذلك ما ترنّم به الشعراء في كلّ زمان ومن أهل كلّ لسان في أشعارهم - والشعر شعور الأمّة والشعب- من التأثر بلقاء المرأة الحسناء حتى قتلاً وجرحاً للقلب والكبد، فبلغ شكواهم عنان السماء وملأ صريخهم أرجاء الفضاء، وقد أشار(ع) أنّ هذا السمّ الناقع حلو ولذيذ»[31].
ثالثاً: وأمّا الشيخ محمد جواد مغنية رحمه الله فطرح وجهاً آخر في المقام، وهو أنه(ع) إنما شبّهها «بالعقرب لأنّها تسرع إلى الغضب على الرجل، وتجحد معروفه لأمر تافه، وقد تؤذيه بكلمة موجعة وحركة نابية بلا سبب موجب ومعقول، فأوصاه الإمام(ع) بأن يصبر عليها، ويتحملها على علاتها، لأنّها مهما تكن فهي أخفّ وخير من العقرب التي لا يمكن معها العيش بحال»، وختم (رحمه الله): «أقول هذا تعبيراً عن فهمي لا تفسيراً لقول الإمام(ع)»[32].
ويمكن لنا في المقام أن نسجِّل تعليقاً على هذه الكلمات، وخلاصته: إنّ التوصيف المذكور ليس ناظراً إلى الطبيعة الإنسانية في المرأة، فالمرأة - بحسب الطبيعة - إنسان كما الرجل دون فرق جوهري بينهما في ذلك، ومن طبيعة الإنسان أنّه مفطور على الخير، ذكراً كان أو أنثى. أجل، إنّ لدى النفس الإنسانية ميولاً ونوازع، ومن جملتها الميل أو النزوع إلى إيذاء الآخرين في بعض الحالات، على نحو الميل الاقتضائي، وذلك إمّا بسبب سوء التربية، أو لغلبة الأهواء والمطامع، أو لغير ذلك، وهذا ما يفسّر وقوع الإنسان في الحسد والظلم والبغي والعدوان، منذ بدء الخليقة وإلى يومنا هذا، وسيظل كذلك إلى أن يرثَ الله الأرض ومن عليها.. ومن هنا احتاجت هذه النفس إلى تربية وتهذيب، وهذا سرّ إرسال الرسل والأنبياء(ع)، والمرأة في الميل المذكور هي صنو الرجل ولا تزيد عنه بشيء، بل إنّ بعض أنحاء الإيذاء والظلم والعدوان الصادرة عن الرجل لا تقوم المرأة - عموماً - بارتكابها ولا تُقْدِمُ عليها، لرقّتها وغلبة العاطفة عليها، ولهذا وجدنا أنّ كبار المجرمين في العالم وأخطرهم هم - في الأعم الأغلب - من جنس الرجال، وعلى هذا الأساس فإذا تحولت - أعني المرأة - إلى عقرب تلدغ وتلسع، فهذا ليس مردّه إلى أنّ الله تعالى جعلها كذلك، وإنّما مردُّه إلى سوء التربية التي لم تعمل على تهذيب شخصيتها، كما ينبغي ويلزم.
وبناءً على ما تقدم يصحّ إطلاق الوصف المذكور (عقرب) على الرجل، كما يصحّ إطلاقه على المرأة، فالرجل - أيضاً - قد يغري المرأة ويوقعها في حباله، ويلسعها بسمّه، فيكون كالعقرب بالنسبة إليها.
بكلمة مختصرة: إنّ الإمام(ع) لا يريد تخصيص المرأة حصراً بهذا الوصف، وتنزيه الرجل عن ذلك، كلا، فهما سيان في صدور الإيذاء عنهما في بعض الأحيان، لكن حيث إن المقام كان للحديث عن المرأة تمّ وصفها بذلك، على أنّ المرأة ليست كذلك في كل الحالات ومن جميع الجهات، وإنّما ذلك أمر طارئ وعارض، وأمّا الأصل والأساس فهو أنّها كائن لطيف مفعم بمشاعر الحب والرقة، وكما قال علي(ع) - فيما روي عنه -: «المرأة ريحانة وليست قهرمانة»[33].
حديث "جند المرأة"
ومن كلام له(ع) في ذم أهل البصرة بعد وقعة الجمل: «كُنْتُمْ جُنْدَ الْمَرْأَةِ وأَتْبَاعَ الْبَهِيمَةِ رَغَا فَأَجَبْتُمْ وعُقِرَ فَهَرَبْتُمْ..»[34].
والمرأة في هذه الكلمة المروية عنه(ع) يُراد بها السيدة عائشة، وأما البهيمة فهي الجمل الذي ركبت عليه أثناء خروجها إلى حرب البصرة، وهي الحرب التي اصطلح على تسميتها بحرب الجمل، بسبب ركوب عائشة عليه والتفاف جمع من أهل البصرة حوله أثناء المعركة، ولم تنتهِ تلك المعركة وتضع الحرب أوزارها إلا بسقوط الجمل أرضاً. ومعنى «رغا» ارتفع صوته عالياً، قال الطريحي: «والرُّغَاء كغراب صوت ذوات الخف. وقد رغا البعير يرغو رغاء ضجّ، ورغت الناقة صوتت، فهي راغية»[35].
والسؤال: هل يستفاد من هذه الكلمة ذمّ المرأة؟
يظهر من بعض شرّاح النهج أنّه فهم منها الذمّ، قال ابن ميثم البحراني: «جند المرأة، وأراد عائشة، فإنّهم جعلوها عقد نظامهم، ولمّا كانت أقوال النساء وآراؤهنّ أموراً مذمومة بين العرب وسائر العقلاء لضعف آرائهنّ ونقصان عقولهنّ... وكان مع ذلك مستشيرهنّ وبايعهُنّ أضعفَ رأياً منهنّ، كما هو شأن التابع بالنسبة إلى متبوعه، لا جَرَمَ حَسُنَ توبيخه لهم بكونهم جنداً وأعواناً»[36].
ولكن يمكن التعليق على ذلك بأنّ وصف أهل البصرة بأنّهم جند المرأة لا يوحي بالذم والتعيير للمرأة نفسها، بقدر ما يوحي بذمّهم على اتباعها فيما لا ينبغي الاتباع، فالذم على اتباعها ليس مطلقاً، بل هو ناظر إلى صورة خاصة وهي صورة الحرب، كما يتضح من كلمة «جند»، فهو يريد القول: إنّ الرجل لا ينبغي له أن يكون جندياً تابعاً للمرأة في الحرب، وذلك لأنّ المرأة وبحسب طبيعة الحرب في ذلك الزمان لا يصلح لها أن تقود الرجال في الحرب، فما بالك بما إذا كانت هذه المرأة هي زوجة النبي(ص) المأمورة بنصّ الكتاب بأن تقرّ في بيتها ولا تغادره[37]، فإنّ المرأة في كلامه تكنية عن عائشة.
ثمّ لو أشعرت كلمته(ع) بالذم فهو لا يقصد جنس المرأة فاللام للعهد، وليس للجنس.
أجل، لا شكّ أنّ عبارة «أتباع البهيمة» تمثّل ذماً واضحاً لأهل البصرة، لأنّهم استماتوا في الدفاع عن الجمل وحمايته، والحال أنّ كرامة إنسان واحد عند الله تعالى هي أغلى من كل الحيوانات.
ومما يؤيّد ما قلناه من أنّ توصيفهم بـ «جند المرأة» لا يمثّل ذماً لهم بخلاف توصيفهم بـ «أتباع البهيمة»، أنّه(ع) لم يعقب على قضيّة كونهم جنداً للمرأة بغير تلك العبارة، بخلاف وصفهم بأتباع البهيمة، فقد عقّب عليه بالقول: «رَغَا فَأَجَبْتُمْ وعُقِرَ فَهَرَبْتُمْ»، أي إنّه عندما كان الجمل الذي كانت تركبه السيد عائشة حياً ويُطْلِقُ صوته، كنتم متحمسين للحرب، ولما عُقِر بالسيوف وسقط إلى الأرض ولّيتم هاربين.
"فلانة أدركها رأي النساء(ع)
وللإمام(ع) كلمة أخرى قالها في السيدة عائشة، وهي لا تخلو من دلالة أو إشارة إلى صنف النساء، فقد روي أنّه(ع) خاطب أهل البصرة قائلاً: «فَمَنِ اسْتَطَاعَ عِنْدَ ذَلِكَ، أَنْ يَعْتَقِلَ نَفْسَه عَلَى اللَّه عَزَّ وجَلَّ فَلْيَفْعَلْ، فَإِنْ أَطَعْتُمُونِي، فَإِنِّي حَامِلُكُمْ إِنْ شَاءَ اللَّه عَلَى سَبِيلِ الْجَنَّةِ، وإِنْ كَانَ ذَا مَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ ومَذَاقَةٍ مَرِيرَةٍ، وأَمَّا فُلَانَةُ فَأَدْرَكَهَا رَأْيُ النِّسَاءِ، وضِغْنٌ غَلَا فِي صَدْرِهَا كَمِرْجَلِ الْقَيْنِ، ولَوْ دُعِيَتْ لِتَنَالَ مِنْ غَيْرِي مَا أَتَتْ إِلَيَّ لَمْ تَفْعَلْ، ولَهَا بَعْدُ حُرْمَتُهَا الأُولَى والْحِسَابُ عَلَى اللَّه تَعَالَى»[38].
وفي التعليق على هذه الكلمة، لنا عدة وقفات:
وقفة بيانية
إنّ اسم الإشارة «ذلك» في مستهل كلامه يشير به(ع) إلى ما سيأتي في قادم الأيام من الفتن والاضطرابات، وقوله: «يعتقلُ نَفْسَه على الله»، أي يحبسها ويضبطها على طاعته تعالى ولا يحرّكها إلّا في خطّ رضوانه، و«الضِّغْنُ»: الحقد. و«المِرْجَلُ»: قِدْرٌ كبيرة. و«القَيْن»: الحداد، فيكون المراد أنّ غليان صدرها هو كغليان قِدْرٍ من حديد[39].
ما المراد برأي النساء؟
ذكر شرّاح «النهج» أنّ قوله: «أدركها رأي النساء» فيه تقدير محذوف وهو كلمة «ضعف»، فيكون المقصود أنّ عائشة - في خروجها إلى حربه(ع) - قد «أدركها ضعف رأي النساء»[40]، وبناءً عليه، فهو(ع) يفسِّر سَبَبَ خروجِها للحرب ضدَّه بأنّه ناتج عن ضعف رأي النساء، لأنّ هذا الخروج لا يُعبِّرُ عن حكمةٍ وبصيرة، هذا مضافاً إلى سبب آخر دفعها إلى حربه، وهو الضغن الذي غلا في صدرها.
ولكن يمكن التعليق على ذلك، بأنّ خروج عائشة إلى هذه الحرب لا يدلّ على ضعف رأيٍ أو قلة عقل لديها، بل إنّ ذلك على العكس أدلّ، لأنّ امرأة لديها هذه القُدْرَة والاستطاعة على تجميع الناس وتحشيدهم حولها وفيهم بعض الصحابة المعروفين، ومن ثمّ قيادتهم في حرب ضروس في وجه شخصية كالإمام علي(ع)، لا يصحّ وصفها بأنّها ضعيفة رأي أو عقل، نعم، يمكن القول مثلاً: إنّها لم تحرّك عقلها بما هي مأمورة به في نصّ الكتاب بأن تقرّ في بيتها ولا تخرج منه إلى مثل هذه المواقع.
ولهذا يمكن أن يكون ثمّة احتمال آخر في تفسير «رأي النساء» في كلامه(ع)، وهو الرأي المنطلق من الغيرة، التي عُرفت بها النساء، ومعلوم أنّ عائشة كانت تحمل في قلبها الشيء الكثير على علي(ع) وزوجته السيدة فاطمة الزهراء(ع)، حتى روي أنّها كانت تغار وتنزعج من دخول علي(ع) على رسول الله(ص) مما تحدّث المؤرخون عنه وذكروا أسبابه بشكل مفصل[41]. والموجب لهذا الاحتمال - بالإضافة إلى ما ذكرناه من أنّ حركة عائشة وقيادتها لجيش من رجال المسلمين لا تعبّر عن ضعف عقلها ورأيها، ولا سيّما أنّها معروفة بذكائها - هو أنّ الإمام(ع) لم يحدِّد في كلامه ما هو «رأي النساء» الذي أدركها، فَيَحْتَمِلُ ما قلناه من أنّ مقصوده بذلك الغيرة التي كانت تعتمل في صدرها، ويكون كلامه بعد ذلك عن الضغن هو من قبيل تفصيل بعد إجمال، وتخصيص بعد تعميم، أو من قبيل ذكر المعلول عقيب علته، فإنّ الضغن ينتج عن الغيرة والحسد.
وثمّة شاهد آخر سياقي يؤكد ما نقول، وهو تعبير الإمام(ع): «أدركها رأي النساء»، فإنّ رأي النساء لو كان المقصود به الرأي الناتج عن ضعف عقلها فهو مما لا ينفك عن المرأة، فلا وجه للتعبير عنه بفعل «أدركها» ممّا هو ظاهر في عروضه عليها، وهذا يوحي بأنّ المرأة ربّما أدركها رأي النساء وربّما لم يدركها. وأمّا لو كان المقصود به الرأي الناتج عن العوامل والمؤثرات النفسية كالحسد والغيرة، فإنّ التعبير عن ذلك بـ «أدركها» له وجه، لأنّ هذه المؤثرات النفسية قد لا تظهر على الدوام، بل تحتاج إلى محفزات وظروف.
حديث آخر عن ضعف رأي النساء
ومن وصية له(ع) موجهة إلى جيشه قبل لقاء أهل الشام في معركة صفين، قال(ع): «لَا تُقَاتِلُوهُمْ حَتَّى يَبْدَؤوكُمْ.. ولَا تَهِيجُوا النِّسَاءَ بِأَذًى، وإِنْ شَتَمْنَ أَعْرَاضَكُمْ وسَبَبْنَ أُمَرَاءَكُمْ، فَإِنَّهُنَّ ضَعِيفَاتُ الْقُوَى والأَنْفُسِ والْعُقُولِ، إِنْ كُنَّا لَنُؤْمَرُ بِالْكَفِّ عَنْهُنَّ وإِنَّهُنَّ لَمُشْرِكَاتٌ، وإِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَتَنَاوَلُ الْمَرْأَةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، بِالْفَهْرِ أَوِ الْهِرَاوَةِ، فَيُعَيَّرُ بِهَا وعَقِبُه مِنْ بَعْدِه»[42].
بيان: قوله(ع): «ولا تهيجوا النساء بأذى»، أي لا تحركوهن. والفهر: الحجر، والهراوة: العصا»[43].
وتعليقاً على هذا الوصية، نُسجِّلُ عدة ملاحظات سريعة:
أولاً: الرواية لم تتوفر على سندٍ صحيح يُعتمد عليه في بناء التصورات والمفاهيم الإسلامية.
ثانياً: فيما يتصل بضعف عقول النساء، قد تمّ التعليق عليه سابقاً تعقيباً على الحديث الثاني، وقلنا إنّه على فرض ثبوت صدوره عنه(ع) فلا يبعد كونه ناظراً إلى مرحلته الزمانية تلك، حيث كانت المرأة مُبْعَدَةً عن أجواء المعرفة والثقافة، الأمر الذي أضعف عقلها وتجربتها.
ثالثاً: إنّ هذه الرواية قد رواها الطبري في تاريخه، وليس في روايته توصيف النساء بأنّهن، «ضَعِيفَاتُ الْقُوَى والأَنْفُسِ والْعُقُولِ»، بل اقتصر على وصف: «فإنهنّ ضعاف»[44]، وحيث إنّ وصف الضعف هذا جاء في سياق النهي عن إهاجة النساء في حالة الحرب، فيرجَّح أن يكون المقصود به هو ضعفهن في الجانب العاطفي أو في الجانب العسكري والقتالي، بحسب موازين الحرب آنذاك، فما دامت المرأة ضعيفة ولا تستطيع المواجهة والقتال في ذاك النوع من المعارك، فلا ينبغي للرجل بل قد لا يجوز له أن يهيجها.
حديث: "عقول النساء في جمالهن"
ومن الأحاديث المرويّة عن أمير المؤمنين(ع) بشأن المرأة، والتي قد تُشْعِرُ بالذم، ما رواه الشيخ الصدوق بإسناده عن الإمام الصادق جعفر بن محمد(ع)، عن أبيه، عن جده(ع)، قال: قال علي بن أبي طالب(ع): «عقول النساء في جمالهن، وجمال الرجال في عقولهم»[45].
وفي التعليق على هذا الخبر سوف نغضّ الطرف عن ضعف السند لوضوح ذلك[46]، وننطلق إلى دراسة المضمون، فكيف نفهم ما تضمّنه هذا الحديث؟
ذكر الحر العاملي في بيان وتفسير هذا الحديث ستة وجوه محتملة، نذكرها تباعاً ونعلق على كل واحدٍ منها:
الوجه الأول: «أن يراد أنّه ينبغي أن يُكتفى بجمالهن ولا يراد منهن العقول، لندرتها فيهن، فكأنّه قال: عقول النساء موجودة في جمالهن، حيث إنّ الجمال يُغني عنها، وهو عِوَضٌ منها، ولا يراد منهن ما يراد من العقلاء من التدبير والرأي»[47].
ولكنّ هذا الوجه مما لا يسعنا الموافقة عليه، لا لابتنائه على فكرة أنّ النساء لا عقل لهنّ، أو أنّهنّ ناقصات عقل إلا ما ندر، وهو الأمر الذي لا يتسنى لنا الموافقة عليه لما تقدّم سابقاً في التعليق على الحديث الثالث. لا لذلك فحسب، بل ولأنّه يؤكّد أنّ المطلوب تجاه النساء هو العناية بجمالهن فقط ويُكتفى بذلك عن النظر إلى عقولهنّ، وذلك لأنّه لا يراد منهنّ العقل والتدبير، وهذا يشكّل دعوة لصرف اهتمامهن إلى قضايا الزينة والجمال وترك العناية بتنمية العقول، وهذا أمر غريب ويصعب نسبته إلى الإسلام، وأئمته وعلى رأسهم الإمام علي(ع). فإنّ ذلك - باختصار - يمثّل دعوة إلى تكريس المرأة باعتبارها جسداً بحتاً، وأنّ قيمتها في جمالها، فمن لم يهبها الله تعالى جمالاً فلا وزن ولا قيمة لها، وهذا مغاير للقيمة الحقيقية التي يؤكد عليها الإسلام وهي قيمة الأخلاق والعفة، وأنّ الأجدر بالرجل أن لا يتزوج المرأة لجمالها ومالها بل لدينها وهو ما ورد في العديد من الأحاديث[48].
الوجه الثاني: «أن يراد أنّ عقلهن لازم لجمالهن غالباً، فالتي هي أجمل أعقلُ من غيرها، وإذا كبرت وذهب جمالها ذهب عقلها، وقد قيل: من حسن خَلْقه حسن خُلُقُه، والجمال يطلق على الحسن والخَلْق والخُلُق»[49].
وهذا أغرب من سابقه، فإنّ تبعية العقل للجمال، لا دليل عليه، ولا واقعية له، إلا إذا كان المقصود أنّ المجتمع يحتقر المرأة غير الجميلة ولا يعطيها الفرصة اللازمة لتنمية عقلها ومهاراتها. وهذا إن فُرِضَ أنّ له بعض التحقق الخارجي في بعض المجتمعات، لكن لا يمكن أن يقبله المشرّع الحكيم أو يقرّه بحالٍ من الأحوال، إذ فُرصُ التعليم لا بدّ من توفيرها لكافة النساء لا للجميلات فحسب.
الوجه الثالث: «أن يكون المراد أنّ عقولهن مصروفة في جمالهن، أي إنّ همّتهن في التجمل وكسب الجمال بالأدوية والأغذية والمحسنات من الدهن والصبغ والطيب، وجمال الرجال في عقولهم، فهمّة الرجال ليست في التجمّل بل في كسب العقل وتكميله وتحصيل العلم، فإنّ العقل ورد بمعنى العلم، لأنه مصدر بمعنى التعقل، ولذلك يقال: العلم والجهل، والعقل والجهل، والعقل والجنون فمقابلته بالجهل قرينة على إرادة معنى العلم منه».
وهذا الاحتمال قريب إلى ظاهر الرواية، وهو قريب من الواقع في حدود معينة، فإنّ المرأة تهتمّ بجمالها اهتماماً بالغاً أكثر من الرجل، ولكن لا إلى الحدّ الذي يلغي دور العقل لحساب الجمال، على أنّ هذا الأمر مرتبط بالتربيّة والتنشئة الخاصة.
الوجه الرابع: «أن يراد: عقول النساء مخفيّة في جمالهن، لأنّ جمالهن ظاهر للناس منظور للعقلاء، وعقولهن لضعفها وندورها لا تظهر بالنسبة إلى الجمال، فكأنّه سَتَرَها وغَطَّاها وأخفاها، والقول في عقول الرجال وجمالهم بالعكس»[50].
وتعليقنا على هذا الوجه - بالإضافة إلى ما عرفته من عدم دقة الكلام عن ضعف عقول النساء - هو أنّ اختفاء عقول النساء أمام جمالهن وإن كان أمراً يصدّقه الواقع إلى حدٍّ كبير، إلّا أنّ المسألة تتصل بثقافة المجتمع وتربيته، وهو أمر قابل للتغيير والتبدل.
الوجه الخامس: «أن يراد عقول النساء كائنة في جمالهن، بمعنى أنّ ذات الجمال منهن تميل النفوس إليها وتقبل القلوب عليها وترضى الناس عقلها، وإن كان ضعيفاً، فإنّ زيادة الجمال تجبره، وغير ذات الجمال لا تميل إليها النفوس وإن كان عقلها أحسن من عقل الجميلة، فكأنّ عقلَ كل واحدة منهن كائنٌ في جمالها، فالجمال يبديه ويقوّيه وعدمه يخفيه ويوهيه وإن كان قربا[51] بالنسبة إلى ما دونه»[52].
وهذا الوجه قريب إلى الواقع وإن كان ذلك غير مبرر، والحديث ليس بصدد التبرير والإقرار بهذا الواقع وإنّما هو بصدد التوصيف.
الوجه السادس: «أن يكون استفهاماً إنكارياً في الفقرتين، كأنّه قال: أتظنون أنّ عقول النساء في جمالهن، فأنتم تميلون إلى الجميلة ولا تسألون عن عقلها، ليس الأمر كذلك، بل العقل ينفكّ عن الجمال، فيوجد منهما بدون الآخر، فينبغي أن لا تكتفوا فيهن بالجمال بدون العقل بل يكون الغرض الأهم عندكم العقل ويكون الجمال مقصوداً لكم بالتبعية لا بالأصالة»[53].
وهذا الاحتمال خلاف الظاهر، وإن كان يتضّمن معنًى صحيحاً.
حديث: «الوفاء من المرأة محال»
ومن أغرب الأحاديث المرويّة عن الإمام علي(ع) بشأن المرأة وأشدّها نكارة هو الحديث القائل: «الوفاء من المرأة محال»، وقد نسب تارة إلى أمير المؤمنين(ع)[54] وأخرى إلى الإمام الصادق(ع)[55].
وقد نُسب إليه بيتان من الشعر يحملان المضمون نفسه، وهما مذكوران في بعض الدواوين الشعرية المنسوبة إليه(ع)، والبيتان هما:
ريح الصَّبا وعهودهُنَّ سواء
|
|
دعْ ذكرَهُنَّ فما لهنَّ وفاء
|
وقلوبهنَّ من الوفاء خلاء(6)
|
|
يكسرن قلبك ثمَّ لا يجبرنه
|
[56]
وتعليقنا على هذا الحديث وعلى الشعر المذكور، نبيّنه من خلال النقاط التالية:
أولاً: إنّ الحديث ضعيف السند، بسبب الإرسال والرفع، سواء ما روي عن الإمام علي(ع) أو ما روي عن حفيده الإمام الصادق(ع)، فلا يصلح للاحتجاج أو الاعتماد عليه في بناء تصور إسلامي حول المرأة. والأمر عينه ينطبق على الشعر المتقدّم، فلم تصح روايته عن الإمام(ع)، ولمزيد من الاطلاع على حال الديوان المذكور ونسبته إلى علي(ع)، راجع الملحق رقم (1) في آخر الكتاب.
ثانياً: إنّ اتهام المرأة بعدم الوفاء سواء فيما يتصل بحياتها الزوجية الخاصة وعلاقتها بزوجها، أو فيما يتصل بحياتها الاجتماعية العامة، هو أمر لا يمكننا الموافقة عليه، وذلك للاعتبارات التالية:
مخالفته لكتاب الله، فإنّه لم يفرّق بين الرجل والمرأة في أمر الخيانة والأمانة، كما في غير ذلك من السلوكيات، فالرجل قد يكون وفياً مؤتمناً، وقد يكون خائناً وغشاشاً، قال تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَّا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا}[57]، والمرأة أيضاً قد تكون خائنة، كما في امرأتي نوح ولوط اللتين خانتا زوجيهما في أمر الرسالة مما عبّر عنه تعالى بقوله: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ۖ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا}[58]، وقد تكون وفيّة وأمينة وحافظة لزوجها في ظهر الغيب، كما قال تعالى: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ}[59]، وقال سبحانه مشيراً إلى تساوي الرجال والنساء في الصدق والوفاء والإيمان: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}[60]. وعليه فلا بدّ من رفض هذا الحديث وكذا الشعر المذكور لمخالفتهما لكتاب الله تعالى.
ومخالفته للعديد من الأخبار التي تؤكد على أنّ المؤمن لا يُجبل على الخيانة، ففي الخبر عن أبي عبدالله(ع): «يُجبل المؤمن على كل طبيعة إلّا الخيانة والكذب»[61]، والمؤمن في مثل هذه الأحاديث لا يختص بالرجل، بل يعمُّ المرأة ويشملها، فظاهر الحديث أنّ الإيمان والخيانة لا يجتمعان. وعليه، فإذا كان الوفاءُ من المرأة محالاً فهذا يعني أنّها مجبولة على الخيانة، ومن كان كذلك لا يكون مؤمناً، مع أنّ حال المرأة كحال الرجل في الإيمان والكفر.
ومخالفته للواقع المحسوس، فالمرأة في سيرتها التاريخية وفي حياتها المعاصرة نراها في الكثير من الحالات، وفي العديد من النماذج التي لا تعدّ ولا تحصى وفيّة أمينة بما لا يقلّ عن الرجل في شيء، وقد ضرب المثل بوفاء بعض النسوة، فقيل: «أوفى من فلانة»[62].
هذا ناهيك عن أنّ المرأة إذا كانت مجبولة على الخيانة وعدم الوفاء، فهذا الأمر خارج عن اختيارها وإرادتها فكيف تُلام عليه؟! والحقيقة أنّ ما جاء في هذا الحديث ينافي العدالة الإلهية.
ولهذه الأسباب يلزمنا ردّ هذا الحديث وعدم الاعتناء به.
وفي الختام
إنّ الأحاديث المتقدمة والمنسوبة إلى الإمام علي(ع)، تحتاج إلى الكثير من التدقيق والعناية والتأمل في أسانيدها ومتونها قبل التسرع بنسبة مضمونها إليه(ع). وقد اتضح من خلال الصفحات المتقدمة، أنّ قراءة تلك النصوص ودراستها وفقاً لقواعد قراءة النص الديني أفضت إلى نتائج هامة على هذا الصعيد، وعلى رأسها: التحفظ على نسبة العديد من المقولات إليه، إذ لا يمكننا التصديق بصدور بعض المضامين عنه، فهو دون شكٍ حتى بصرف النظر عن الاعتقاد بعصمته، إنسان حكيم خبير فكيف يصدر عنه ذمٌ عام لجنس المرأة وبطريقة قاسية ولاذعة على ما جاء في بعض الروايات المنسوبة إليه، كما أنّه عالم بكتاب الله تعالى وأقرب الناس إلى رسول الله(ص)، فلا يعقل أن يتكلّم بما لا ينسجم مع المفاهيم القرآنية ولا تعاليم النبي الأكرم(ص)؟!
ولكن قد يتساءل البعض: أكلُّ هذه الأحاديث المتقدّمة على كثرتها وشيوع نقلها في المصادر التاريخية والحديثية مكذوبة على لسان علي(ع)؟! وحتى لو فرضنا ضعف أسانيدها، أفلا يحصل الاطمئنان والوثوق بصدور بعضها عنه(ع) بسبب تظافرها وكثرتها وشهرتها؟
والجواب على ذلك:
أولاً: إننا لا نريد الجزم بوضع هذه الأخبار بأجمعها، بل يكفينا عدم ثبوت صحتها، وأمّا دعوى الجزم أو الاطمئنان بصدور بعضها(ع) فهي غير تامة؛ لأنّ هذه الأخبار لا تحمل مضموناً واحداً ليتسنى لنا ادعاء حصول اليقين أو الاطمئنان بالقدر المتيقن والمتفق عليه فيما بينها، وأمّا دعوى العلم الإجمالي بصدور واحدٍ منها على الأقل فهي لا تجدي نفعاً.
ثانياً: إنّ الوضع في هذا المجال ليس مستبعداً ولا عزيزاً، فقد وضع على لسان الرسول(ص) عدة أحاديث تذمّ المرأة وتحطّ من شأنها، مما هو مخالف لكتاب الله تعالى، وسيوافيك بعض هذه الأحاديث المنسوبة إلى أشرف الخلق محمد(ص) والتي تفوح منها رائحة اللغة الجاهلية المقيتة.
ثالثاً: إنّ بعض الأحاديث المذكورة حتى على فرض أننا لم ننكر إمكانية صدورها عنه(ع)، بيد أنّ الكلام في جهة الصدور، وأقصد بجهة الصدور أنّها هل ترمي إلى التأسيس للقاعدة الإسلامية العامة التي تحكم النظرة إلى المرأة بشكل شامل وعابر لكل الأزمنة والأجيال، أو أنّها بصدد التوصيف لما كان عليه حال المرأة في زمانه، مما يجعل من تلك الأحاديث ذات بعدٍ تاريخي ومحكومة لهذا البعد؟ وقد رجحنا الاحتمال الثاني في التعليق على العديد من الروايات والكلمات السابقة.
وقصارى القول: إنّنا على يقينٍ بأنّ صورة المرأة عند الإمام علي(ع) ليست كما يتخيلها أو يرسمها البعض صورةً قاتمةً سوداوية، بل هي الصورة عينها التي قدّمها القرآن الكريم عن المرأة، فعليٌّ(ع) لا يُعقل أن يخالف كتاب الله أو يبتعد عنه قيد أنملة، والقرآن الكريم كرّم المرأة وأكد على تساويها مع الرجل في القيمة الإنسانية التي أهلتهما معاً لخلافة الله على الأرض، وقد كان علي(ع) على استعداد لخوض حرب مع أعدائه، حفاظاً على كرامة امرأة تقع ضمن مسؤوليته، ولا فرق عنده أكانت هذه المرأة مسلمة أم معاهدة، كما نصّ على ذلك في خطبة الجهاد المعروفة، فقد كان يتألم من تقاعس أصحابه عن القيام لمواجهة أهل الشام، الذين كانوا يغيرون على بعض النواحي التابعة لحكمه وولايته، فقال(ع): «ولَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ والأُخْرَى الْمُعَاهِدَةِ، فَيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا وقُلُبَهَا وقَلَائِدَهَا ورُعُثَهَا، مَا تَمْتَنِعُ مِنْه إِلَّا بِالِاسْتِرْجَاعِ والِاسْتِرْحَامِ، ثُمَّ انْصَرَفُوا وَافِرِينَ، مَا نَالَ رَجُلاً مِنْهُمْ كَلْمٌ ولَا أُرِيقَ لَهُمْ دَمٌ، فَلَوْ أَنَّ امْرَأً مُسْلِماً مَاتَ مِنْ بَعْدِ هَذَا أَسَفاً، مَا كَانَ بِه مَلُوماً بَلْ كَانَ بِه عِنْدِي جَدِيراً»[63].
هذا المقال من كتاب "المرأة في النص الديني"
[2] ربيع الأبرار ونصوص الأخبار، ج1 ص346.
[3] غرر الحكم ودرر الكلم المفهرس، ترتيب عبدالحسن دهيني ص270، وذكره في عيون الحكم والمواعظ، ص347، وكتاب العيون هذا معتمد على كتاب الغرر كما لا يخفى، وصرّح بذلك في مقدمة كتابه، وقد اعترف السيد عبدالزهراء الكعبي بعدم العثور على مصدر آخر للرواية غير ما جاء في النهج والغرر.
[5] الكافي، ج 5 ص 637، ونهج البلاغة، ج 3 ص 56.
[6] انظر: التوحيد للصدوق، ص353، والخصال، ص417، ومن لا يحضره الفقيه، ج1 ص59.
[7] نهج البلاغة، ج3 ص56، وهي مروية في الكافي، ج 5 ص 338، إلى قوله: «وإِنِ اسْتَطَعْتَ أَلَّا يَعْرِفْنَ غَيْرَكَ فَافْعَلْ».
[8] وقد اعترف العلامة المجلسي بضعفها، انظر: مرآة العقول، ج 20 ص 30.
[9] انظر: تحف العقول عن آل الرسول(ص)، ص 86. وأوردها الشريف الرضي في خصائص الأئمة(ع)، ص 118، ورواها الكراجكي في كنز الفوائد، ص 117، وروى الواسطي بعض المقاطع منها في كتابه عيون الحكم والمواعظ، ص526، وكذا الطبرسي في مكارم الأخلاق، ص218.
[10] سورة الشورى، الآية 38.
[11] سورة البقرة، الآية 233.
[12] نهج البلاغة، ج 4 ص 41.
[13] صحيح البخاري، ج 4 ص 207.
[14] وقد تنبّه إلى هذا المعنى الشيخ محمد جواد مغنية، حيث قال: «فأي إنسان جمع في مشورته بين الوعي والإخلاص يصح الأخذ بها والاعتماد عليها رجلاً كان أم امرأة، ومتى انتفى هذان سقطت المشورة عن الاعتبار وإن كان المشير رجلاً، أما نهي النبي وعلي عن مشورة النساء فيحمل على مشورة الجاهلية، وكان أكثر النساء آنذاك في معزل عن العلم وتجارب الحياة، ولا ذنب للمرأة في ذلك إذا قصّر الرجل في تربيتها مع العلم بأنها من طينة الرجل، وطبيعتهما واحدة، ويشتركان في المسؤولية على قدم المساواة»، انظر: في ظلال نهج البلاغة، ج 3 ص 531.
[15] كما ذكر الشريف الرضي في مستهل الوصية، انظر: نهج البلاغة، ج3 ص37.
[16] كنز الفوائد للكراجكي، ص 177، وكنز العمال، ج 16 ص 183.
[17] شرح نهج البلاغة لابن ميثم البحراني، ج 5 ص 66.
[18] سورة النور، الآية 31.
[19] كشف الغمة في معرفة الأئمة، ج 2 ص 94، وعنه وسائل الشيعة، ج 20 ص 67، الحديث 7 من الباب 24 من أبواب مقدمات النكاح، وبحار الأنوار، ج 43 ص 45. ورواه الطبرسي مختصراً في مكارم الأخلاق، ص 233، وعنه وسائل الشيعة، ج 20 ص 232، الباب 129 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه.
[20] واعترف الفقهاء بضعفه وعدم إمكان التعويل عليه، انظر: شرح العروة الوثقى من تقريرات السيد الخوئي رحمه الله، (موسوعة السيد الخوئي) ج 32 ص 39.
[21] الزهراء القدوة، ص 226.
[22] شرح نهج البلاغة، ج 5 ص 66.
[23] نهج البلاغة، ج 4 ص 88. ونسبه الزمخشري إليه(ع)، انظر: ربيع الأبرار، ج 5 ص 252.
[24] نهج البلاغة، ج 4 ص 15.
[25] في ظلال نهج البلاغة، ج 4 ص 252.
[26] وقد عدّ بعضهم قراءة «اللبسة» من جملة اشتباهات الشيخ محمد عبده، ومثل هذا الاشتباه هو من جملة مؤاخذات الشيخ صبحي الصالح عليه، انظر: نهج البلاغة، بتعليق وتحقيق الشيخ صبحي الصالح ص 23 من المقدمة.
[27] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 18 ص 198، ونحوه ما جاء في شرح النهج للبحراني، ج 5 ص 272، وبحار الأنوار، ج100 ص 228، ومستدرك الوسائل، ج 14 ص 159.
[28] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 18 ص198.
[29] مجمع البيان، ج 2 ص 252.
[30] شرح نهج البلاغة، ج 5 ص 252.
[31] منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، ج 21 ص 99.
[32] في ظلال نهج البلاغة، ج 4 ص 252.
[33] نهج البلاغة، ج3 ص57.
[34] نهج البلاغة، ج 1 ص 44.ورواه الطوسي في الأمالي، ص 702، والاحتجاج للطبرسي، ج 1 ص 250.
[35] انظر: مجمع البحرين، ج 1 ص 192.
[36] شرح نهج البلاغة لابن ميثم البحراني، ج1 ص290.
[37] قال تعالى خطاباً لنساء النبي(ص): {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ} [الأحزاب 33].
[38] نهج البلاغة، ج 2 ص 48.
[39] انظر: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 9 ص 189، وقال البيهقي في شرح هذه الفقرة: « كمرجل القين، يسمّى كلّ محترفٍ قيناً، قال الشاعر :
ولي كبدٌ مجروحة قد بدا بها صدوع الهوى لو كان قينٌ يقينها =
= وفى كتاب الصحاح للجوهري: «قنت الشيء أقينه قيناً لممته»، واستشهد بهذا البيت، وأضاف: «فمن ذهب إلى أنّ القين هو المحترف، أراد به بوطقة الصانع ومرجل الصّنّاع، ومن ذهب إلى أنّ القين هو الحدّاد فحسب، أراد به الحفرة التى يذاب فيها الحديد»، انظر: البيهقي، علي بن زيد (ت: 565هـ)، معارج نهج البلاغة، تحقيق: محمد تقي دانش بزوه، مكتبة آية الله المرعشي النجفي، ط1، قم- إيران، 1409هـ، ص259.
[40] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 9 ص 192، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، ج 9 ص 268، بل ذكر القطب الراوندي أنّ ذلك مروي، قال: «وروي: فأدركها ضعف رأي النساء» انظر: منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، ج 2 ص 101.
[41] انظر على سبيل المثال ما ذكره ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج9 ص192، نقلاً عن شيخه أبي يعقوب يوسف بن إسماعيل اللمعاني من تحليل لأسباب حنق السيدة عائشة على الإمام علي(ع) وزوجته وأولاده.
[42] نهج البلاغة، ج 3 ص 15. وقد استشهد الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء رحمه الله بهذه الفقرة التي عللت ضرب النساء بأنّه موجب للعار حتى لدى أهل الجاهلية للتشكيك في حدوث قضية ضرب الزهراء(ع) ولطمها على خدها فيما جرى بعد وفاة النبي(ص)، انظر: كتابه جنّة المأوى، ص 81.
[43] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 15 ص 104.
[44] تاريخ الطبري، ج 3 ص 544.
[45] معاني الأخبار، ص234، والأمالي، ص298.
[46] أقول: رواه الصدوق عن محمد بن عمر بن محمد بن سلمة بن البراء الحافظ البغدادي، قال: حدثني أحمد بن عبيد الله الثقفي أبو العباس قال: حدثنا عيسى بن محمد الكاتب، قال: حدثني المدائني، عن غياث بن إبراهيم، عن جعفر بن محمد..»
أمّا محمد بن عمر بن محمد بن سلمة بن البراء الحافظ البغدادي فهو من مشايخ الصدوق، قال السيد الخوئي: «لا شك في أنّ الرجل من الأكابر الأجلاء، وهو في أعلى درجات الحسن»، انظر: معجم رجال الحديث، ج 18 ص 71.
وأمّا أحمد بن عبيد الله (عبد الله) الثقفي فلا ترجمة له في الرجال، انظر: مستدركات علم الرجال للشيخ النمازي، ج1 ص354، وذكره في أعيان الشيعة في عداد كُتَّاب الشيعة، انظر: أعيان الشيعة، ج1 ص183.
وأمّا عيسى بن محمد الكاتب فهو مجهول، قال الشيخ النمازي: «لم يذكروه. روى أحمد بن عبيد الله الثقفي»، انظر: مستدركات علم الرجال، ج6 ص 173.
وأمّا المدائني فهو مجهول أيضاً، وما ذُكر في الكتب الرجاليّة عند أهل السُّنة في مشايخ عيسى بن=
= محمد الكاتب أنّه روى عن أبيه، انظر: تاريخ بغداد، ج13 ص25، والعباس بن مصعب، انظر: تاريخ بغداد، ج14 ص394، وتهذيب الكمال للمزي، ج7 ص125، وأبو الهذيل محمد بن الهذيل، انظر: تاريخ بغداد، ج4 ص137.
وأمّا غياث بن إبراهيم، فإن كان هو التميمي الأسدي البصري فهو ثقة، كما ذكر النجاشي، انظر: معجم رجال الحديث، ج14 ص253، ولكن من المحتمل أن يراد به غياث بن إبراهيم الفقيه الذي عرف بالزيادة في حديث «لا سبق إلا في ثلاث»، قال الشهيد الثاني: «غياث بن إبراهيم. دخل على المهدي ابن المنصور، وكان يعجبه الحمام الطيارة الواردة من الأماكن البعيدة. فروى حديثاً «عن النبي - (ص) - قال : لا سبق إلا في خف، أو حافر، أو نصل، أو جناح. فأمر له بعشرة آلاف درهم. فلما خرج، قال المهدي: أشهد أن قفاه قفا كذاب على رسول الله(ص). ما قال رسول الله(ص): جناح، ولكن هذا، أراد أن يتقرب إلينا، وأمر بذبحها، وقال: أنا حملته على ذلك»، انظر: الرعاية في علم الدراية، ص155.
[47] الفوائد الطوسية، ص275، وقد أشار العلامة المجلسي إلى هذا الاحتمال، واستظهره، انظر: بحار الأنوار، ج1 ص82.
[48] انظر: وسائل الشيعة، ج20 ص49، الباب 14 من أبواب مقدمات النكاح.
[49] الفوائد الطوسية، ص257، وهذا الاحتمال أشار إليه المجلسي أيضاً، انظر: بحار الأنوار، ج1 ص82.
[50] الفوائد الطوسية، ص 275.
[51] هكذا وردت في المصدر.
[52] الفوائد الطوسية، ص 275.
[54] عيون الحكم والمواعظ، ص244.
[55] الخصال، ص269، ومن لا يحضره الفقيه، ج4 ص58. ورواه الماطيري في نزهة الأبصار ومحاسن الآثار، ص 332
[56] ورد هذان البيتان في ديوان الإمام علي(ع)، من جمع الدكتور أحمد أحمد شتيوي ص27، وكذلك ديوان الإمام علي(ع)، الذي اعتنى به عبدالرحمن المصطاوي وطبع من قبل دار المعرفة، بيروت، ص14، وشجرة طوبى للحائري، ج2 ص424، ولم نجدهما في الديوان المطبوع في بيروت من قبل مؤسسة الأعلمي.
[57] سورة آل عمران، الآية 75.
[58] سورة التحريم، الآية 10.
[59] سورة النساء، الآية 35.
[60] سورة الأحزاب، الآية 35.
[61] الاختصاص للمفيد، ص 231.
[62] قيل في المثل: «أوفى من مكيهة»، وهي امرأة من بني قيس بن ثعلبة، وذُكر لهذا المثل قصة، وقيل: أوفى من أم جميل»، وهي من رهط ابن أبي بردة من دوس، وذُكر لذلك قصة أيضاً، راجع حول ذلك كتاب: المحاسن والأضداد للجاحظ، ص 42، و43. وفي كتابه هذا عقد الجاحظ فصلاً كاملاً بعنوان «محاسن وفاء النساء»، انظر: المصدر نفسه ص 143 وما بعدها، ثم عقد بعد ذلك فصلاً عن «غدر النساء».
[63] نهج البلاغة، ج1 ص68. والكافي، ج5 ص5، ووقعة صفين لنصر بن مزاحم، ص204، وربيع الأبرار للزمخشري، ج5 ص252. بيان: المرأة «المعاهدة» هي الداخلة في عهد الذمة. و«حِجلها» هو خلخالها. و«قُلْبها»: سوارها. و«رُعُثَها»: أقراطها، و«الاسترجاع» هو قول «إنا لله وإنا إليه راجعون»، وقال الشيخ محمد عبده: الاسترجاع: ترديد الصوت بالبكاء. و«الاسترحام» أن تناشده الرحم، «وافرين» بمعنى منتصرين لم ينقص عددهم، و«الكلم» بالفتح الجرح، انظر: تعليقه على نهج البلاغة، ج1 ص69.