حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » كم كان عمر الزهراء (ع) حين زواجها من أمير المؤمنين (ع)؟ هل صحيح أن الإجماع هو على التسع من عمرها؟
ج »
 
▪️يوجد اختلاف كبير بين العلماء في تحديد عمر سيدتنا الزهراء سلام الله عليها حين زواجها من أمير المؤمنين عليه السلام، وتترواح هذه الأقوال بين تسع سنوات وعشرين سنة.
 
▪️مرد هذا الاختلاف إلى أمرين:
 
- الأول: الاختلاف في تاريخ مولدها، فهل ولدت قبل البعثة بخمس أم بعدها بخمس أو باثنتين؟ 
 
- الثاني: الاختلاف في تاريخ زواجها من أمير المؤمنين عليه السلام، حيث إن ثمة خلافاً في أنها تزوجت بعد الهجرة إلى المدينة بسنة أو بسنتين أو بثلاث.
 
▪️المعروف عند كثير من المؤرخين - كما ينقل التستري في تواريخ النبي (ص) والآل (ع) - أنها ولدت قبل البعثة النبوية بخمس سنين، وهذا ما ذهب إليه محمد بن إسحاق وأبو نعيم وأبو الفرج والطبري والواقدي وغيرهم، وعلى هذا سيكون عمرها حين الزواج ثماني عشرة سنة أو يزيد.
 
▪️ ونقل العلامة الأمين "أن أكثر أصحابنا" على أنها ولدت بعد البعثة بخمس سنين، وعلى هذا سيكون عمرها حين الزواج تسعاً أو عشراً أو أحد عشر عاماً، تبعاً للاختلاف في تاريخ الزواج.
 
⬅️ الظاهر أنه ليس هناك إجماع على أنّ عمرها عند الزواج بها كان تسع سنوات، فقد ذهب الشيخ المفيد في "مسار الشيعة" أنها ولدت بعد مبعث النبي (ص) بسنتين، وهو ظاهر الشيخ الطوسي في المصباح، بل نقل الشيخ عن رواية أنها ولدت في السنة الأولى لمبعثه الشريف، وحينئذ إذا كانت قد  تزوجت في السنة الأولى من الهجرة فيكون عمرها حين الزواج ثلاث عشرة سنة، وإذا تزوجت في السنة الثانية للهجرة سيكون عمرها أربع عشرة سنة، وإذا تزوجت في السنة الثالثة سيكون عمرها خمس عشرة سنة.
 
 وقد رجح التستري وغيره من علمائنا القول بولادتها بعد البعثة بخمس، استناداً إلى بعض الأخبار المروية عن الأئمة(ع).. وكيف كان، فتحقيق المسألة واتخاذ موقف حاسم يحتاج إلى متابعة.. والله الموفق.

 
 
  مقالات >> تاريخية
تنزيه زوجات الأنبياء(ع) على ضوء القرآن الكريم
الشيخ حسين الخشن



تنزيه زوجات الأنبياء(ع) على ضوء القرآن الكريم

 

قرآنياً تواجهنا مجموعة من الآيات الشريفة التي ترتبط بمقامنا، أو يُدَّعى أنّها ناظرة إلى ما نحن فيه، وهي على نوعين:

 

النوع الأول: ما قد يستدل به على نزاهة نساء الأنبياء(ع) عن ارتكاب ما ينافي العفة، لأنّ النبي(ع) لا يختار زوجة له من بين النساء غير العفيفات، أو يستدل به على تبرئة الله تعالى لبعض نساء نبينا محمد(ص) مما اتّهمت به من ارتكاب الفاحشة.

 

النوع الثاني: ما قد يستدل به على إمكانية أو فعلية صدور الفاحشة (الزنا) من بعض زوجات الأنبياء(ع).

 

  1. النوع الأول: آيات البراءة

 

أمّا النوع الأول فيندرج فيه عدة آيات كريمة:

 

الزاني لا ينكح إلا زانية

الآية الأولى: قوله تعالى: {الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 3].

 

وتقريب الاستدلال بهذه الآية المباركة يتصل اتصالاً وثيقاً بمعرفة نقطة أساسية في مضمونها، وهي أنّ الآية هل هي بصدد بيان حكم شرعي، أو أنّها بصدد الإخبار عن سجيّة إنسانية معينة فحسب؟

 

ولا يخفى أنّ في الإجابة على هذا السؤال اتجاهين لدى المفسّرين:

 

الاتجاه الأول: وهو الاتجاه الذي يرى أصحابه أنّ الآية المباركة بصدد إنشاء

حكم شرعي، وهو تحريم الزواج بالزانية أو الزاني، فجملة {الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} وإن كانت جملة خبرية، ولكنها بصدد تشريع حكم مولوي، وهو حرمة الزواج بالزانية، واستعمال الخبر وإرادة الإنشاء )التحريم( شائع في الاستعمالات، بل ربما قيل: إنّه أبلغ دلالة على التحريم من الإنشاء نفسه.

 

ومما يؤكّد هذا الاتجاه ويؤيّده ما جاء في آخر الآية، أعني قوله تعالى {وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}، بناءً على كون مرجع اسم الإشارة إلى النكاح بالزانية وليس إلى الزنا، كما يرى بعض المفسرين.

 

ويرى أصحاب هذا الاتجاه أنّ المستفاد من الآية: "أنّ الزاني إذا اشتُهر منه الزنا وأُقيم عليه الحدّ ولم تتبين منه التوبة يحرم عليه نكاح غير الزانية والمشركة، والزانية إذا اشتهر منها الزنا وأقيم عليها الحدّ ولم تتبين منها التوبة يحرم أن ينكحها إلاّ زان أو مشرك، فالآية محكمة باقية على إحكامها من غير نسخ ولا تأويل".

 

وهذا التفسير هو المستفاد من بعض الأحاديث، ففي الحديث الصحيح عن زرارة قال: سألت أبا عبد الله(ع) عن قول الله {الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً}؟ قال: هنّ نساء مشهورات بالزنا ورجال مشهورون بالزنا شهروا وعرفوا به، والناس اليوم بذلك المنزل، فمن أُقيم عليه حد الزنا أو متهم بالزنا لم ينبغِ لأحد مناكحته حتى يُعرف منه التوبة".

 

الاتجاه الثاني: إنّ الآية تتحدث عن سجية أو ظاهرة إنسانية عامة يساهم في تكريسها جملة من العوامل الاجتماعية والتربوية والنفسية، وهي ظاهرة السنخية والتماثل في العلاقات الاجتماعية، فإنّ الإنسان يميل بطبعه إلى من يماثله ويشاكله في الأخلاق والصفات والأعمال، لأنّه كما يقول المثل الشائع: "إنّ الطيور على أشكالها تقع"، أو كما قال الشاعر:

 

كــل شــكــل لــشــكــلــه ألــف                 أمــا تــرى الــفــيــل يــألــف الــفــيــلا

 

فيكون المعنى أنّ الزاني بحسب تربيته وسجيته وطبيعته المكتسبة التي جعلته مأنوساً بأجواء الانحراف وغير مهتمّ برعاية العفاف والطهارة يميل إلى من كانت من النساء على شاكلته، وهي الزانية أو المشركة، ولا يميل ولا يرغب بالمرأة العفيفة الملتزمة برعاية مقتضيات الأخلاق والعفة، وهكذا الحال في الزانية فإنّها بمقتضى تربيتها تألف الزاني أو المشرك وتميل إليه، ولا ترغب بالمؤمن العفيف الملتزم بالشرع الحنيف المراعي لقواعد الأخلاق ومقتضياتها.

 

وقد يؤيّد هذا الاتجاه ببعض المؤيدات ومنها: أنّ الآية لو كانت بصدد التشريع لدلّت على جواز أن تتزوج المسلمة الزانية بالمشرك، استناداً إلى فقرة {وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ}، وهذا لم يلتزم به أحد من الفقهاء، بل ثبت حرمة زواج المسلمة من المشرك حتى لو كانت المسلمة زانية، بينما لو حملنا الآية على بيان مبدأ التناسب فيكون الأمر مفهوماً، لأنّ الزانية المنحطة لا تجد غضاغة من الزواج بالمشرك.

 

اتجاه ثالث

 

ويمكن أن يُطرح في المقام رأيٌ ثالث في المسألة، وهو جامع بين الرأيين السابقين، وخلاصته أنّ الآية تتضمن الإخبار والإنشاء معاً:

ففي المقطع الأول منها، وهو قوله: {الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} اشتملت على جملة خبرية ناظرة إلى بيان السجيّة المشار إليها، وهي ميل الإنسان إلى ما يناظره في الأخلاق والمواصفات. ولكن المقطع الثاني من الآية ناظر إلى بيان حكم تشريعي، وهو حرمة الزواج من الزانية أو الزاني، لأنّ الظاهر أنّ مرجع اسم الإشارة في قوله: {وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} إلى الزواج بالزانية وليس إلى الزنا، أي إنّ هذا المقطع من الآية ناظر إلى تحريم زواج المؤمنة بالزاني أو المشرك، وتحريم زواج المؤمن بالزانية أو المشركة، وليست بصدد تحريم الزنا نفسه.

 

ولا يخفى لطافة تأخير الحكم التشريعي وهو الحرمة عن الجملة الخبرية المتضمنة للسجيّة المشار إليها، فإنّ ذلك يوحي بأنّ التحريم منطلق من تلك السجية المذكورة، وهو الأمر الذي يمكن في ضوئه تأكيد نظرية أن التشريع  في الأعم الأغلب  ينطلق من اعتبارات عقلائية ذات جذور تكوينية ولا ينطلق من فراغ أو لمجرد الامتحان أو التعبد المحض.

 

النبي(ص) أولى بالمعروف

 

وفي ضوء ما تقدم نقول: إنّ النبي(ع) هو المصداق الأبرز للآية المذكورة سواء قلنا بدلالتها على التشريع أو الإخبار أو الأمرين معاً.

 

أما بناءً على دلالتها على الإخبار، فلأنّ السجيّة المذكورة التي تخبر الآية عنها إن كانت موجودة في المؤمن العادي فلا يميل إلى غير العفيفة من النساء، فمن الطبيعي أن تكون موجودة وحاضرة عند النبي(ع) بصورتها الأكمل، فلا يميل ولا يرغب بالارتباط بامرأة غير عفيفة ولا نظيفة، ولو فعل ذلك إنسان عادي لكان مثار استهجان واستغراب فكيف بالنبي(ع)!؟ نعم من الممكن والمفهوم أن يعمل النبي(ع) على استنقاذ المرأة الخاطئة من مستنقع الانحطاط والرذيلة، ومن ثم يرتبط بها بعقد زواج بعد طهارتها وتوبتها إلى الله تعالى.

 

وأمّا بناءً على دلالة الآية ونظرها إلى الحكم الإنشائي، وهو تحريم الارتباط بالزانية، فإنّ المكلف العادي إذا كان يحرم عليه الارتباط بالزانية المعلنة بالزنا فمن البديهي أن يكون النبي(ع) مخاطَباً بهذا الخطاب، لأنّه مشمول لكلِّ خطابات الشريعة، إلاّ ما ثبت بالدليل الخاص أنّه من مختصاته.

 

أجل، يبقى هناك جملة من الأسئلة المهمة المتصلة بفقه هذه الآية الشريفة، من قبيل: أنّه هل يحكم بحرمة أو فساد الزواج من الزانية ولو كانت غير معلنة بالزنا؟ وهل تساعد الآية على ذلك؟

 

الظاهر أنّه لم يلتزم بذلك فقهاء المسلمين، وإنما التزم بعضهم بحرمة الزواج من المشهورة بالزنا.

 

ثم كيف نجيب على إشكال أنّ الآية الشريفة توحي بمشروعية زواج الزانية من المشرك، كما زواج الزاني المسلم من المشركة وهو الأمر الذي لم يلتزم به أحد أيضاً؟

 

إلى غير ذلك من الأسئلة التي نوكل الإجابة التفصيلية عليها إلى البحث الفقهي والتفسيري.

 

الخبيثات للخبيثين

 

الآية الثانية: قوله سبحانه وتعالى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ ۖ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ۚ أُولَٰئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ ۖ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [النور: 26].

 

والاستدلال بهذه الآية لا يبتعد كثيراً عن الاستدلال بالآية الأولى، ويمكننا أن نوضح ذلك ضمن النقطتين التاليتين:

 

النقطة الأولى: إنّ الخبيثين والخبيثات هما بحسب الظاهر وصفان لصنف من الناس وهم الرجال والنساء المنحطّون أخلاقياً، وهكذا الحال في وصفي الطيبات والطيبين، وليس المراد بهذه الأوصاف الإشارة إلى الكلمات، كما نُقِل عن ابن عباس، ليكون المعنى أن الخبيثات من الكلمات هي للأشخاص الخبيثين، أي إنّها صادرة عنهم، والطيبات من الكلم صادرة عن الطيبين كما أنه لا يراد بهذه الأوصاف الإشارة إلى الأعمال، ليكون المقصود "الخبيثات" أي الأعمال السيئة "للخبيثين" أي صادرة عن الخبيثين، وهكذا "الطيبات" أي الأعمال الصالحة والحسنة "للطيبين" أي صادرة عنهم.

 

والقرينة على استظهار الوجه الأول، بحيث يكون الحديث عن شخص الإنسان، وليس عن الكلمات ولا الأعمال هي سياق الآيات، لأنّ هذه الآية جاءت عقيب آيات الإفك والتي يدور فيها الحديث عن أشخاص خبثاء افتروا على زوجة النبي(ص) كذباً وبهتاناً كبيرين، فيكون النظر في هذه الآية كما في سابقاتها إلى أصناف من الناس، هذا من جهة.

 

ومن جهة أخرى، فإنّ آخر الآية يشهد بذلك أيضاً، فإنّ اسم الإشارة في قوله

تعالى: {أُولَٰئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ ۖ لَهُم..}، ناظر إلى الناس الطاهرين من الدنس.

 

وأضف إلى ذلك أنّ الحديث المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله L يؤكد صحة هذا الاتجاه، فقد رُوِي عنهما L أنّ هذه الآية: "هي مثل قوله تعالى: {الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً}، إن أناساً همّوا أن يتزوجوا منهن فنهاهن الله عن ذلك وكره ذلك لهم".

 

النقطة الثانية: ونطرح فيها السؤال عينه الذي طرحناه في الآية الأولى، وهو هل أنّها بصدد بيان حكم تشريعي، أو جارية مجرى التناسب الطبيعي بين الناس الذي يدفع كل صنف إلى من يشاكله ويناسبه؟

 

والجواب: إنّ الأقرب هنا كونها ناظرة إلى بيان التناسب المشار إليه، بمعنى أنّ كل صنف ينجذب إلى جنسه، ويميل إلى صنوه، ويأنس بنظيره في الأخلاق والسلوك والصفات.

 

ومما يبعّد نظر الآية إلى الجانب التشريعي أنّه لم يثبت حرمة أو بطلان زواج الطيب من الخبيثة، أو زواج الطيبة من الخبيث بشكل مطلق، والكفاءة التي يُتحدَّثُ عنها في الزواج بين الرجل والمرأة لم يثبت اعتبار غير كفاءة الإسلام فيها، كشرط في صحة العقد.

 

وفي ضوء ما تقدم يتضح وجه الاستدلال بالآية المباركة على نزاهة النبي(ع) واجتنابه الزواج من المرأة المنحطّة خُلُقياً والتي لا تتصف بالعفَّة والنزاهة، لأنّ الطيب العفيف الطاهر لا يميل بحسب سجيته إلى اختيار زوجة خبيثة أو فاجرة ومعروفة بقذارة الأخلاق ودناسة المعدن، ومما يؤكّد نظر الآية إلى هذا المعنى أنّها من تتمة آيات الإفك الآتية ومتصلة بها ومشاركة لها في سياقها، كما يقول العلامة الطباطبائي(ره).

 

القانون والاستثناء

 

وتبقى ملاحظة أساسية تربط بهذه الآية والآية السابقة، وهي أنّ السجيّة المذكورة كسائر السنن الاجتماعية والقوانين الطبيعية  خاضعة للاستثناء، فقد يحصل أنّ الإنسان المؤمن يميل إلى امرأة ليست من معدنه الطيب الطاهر، فيتعلّق بها ويتزوجها،فضلاً عن أن يتزوج امرأة معتقداً صلاحها فيتبين له فسادها بعد ذلك، كما لعله حصل مع نوح ولوط L، حيث ابتليا بزوجتين معاندتين لهما وكافرتين بدعوتهما، وسيأتي الحديث عن ذلك لاحقاً، وقد يحصل العكس أيضاً، فيميل الفاسق والمنحرف إلى امرأة طاهرة عفيفة، وتقبل هي بالزواج به، لظروف خاصة ضاغطة، كما حصل مع فرعون وزواجه من الطاهرة المؤمنة آسية بنت مزاحم، قال تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [التحريم: 11].

 

أجل، إنّ ثمّة نوعاً من الانحرافات غير مشمول لهذا الاستثناء ولا داخل فيه، وذلك في خصوص الأنبياء(ع)، وهذا النوع هو ما يتصل بالانحراف عن مقتضيات العفة، فإنّ النبي(ع) كما أسلفنا وسيأتي مزيد تأكيد وتدليل عليه  لا يختار امرأة غير عفيفة وترتكب الفاحشة ليتزوج بها.

 

آية الإفك

 

الآية الثالثة: هي آية الإفك، وإليك الآية في سياقها القرآني الذي يضيء على الكثير من اللطائف المهمة في مقامنا، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ۚ وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ * لَّوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَٰذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ * لَّوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ۚ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَٰئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ * وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ * وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَٰذَا سُبْحَانَكَ هَٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌيَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۚ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [النور: 11-21].

 

ونحن سوف نخصّص لهذه الآيات محوراً مستقلاً )وهو المحور الخامس(، نتعرض فيه لما دار حولها من كلام بخصوص تعيين المرأة المستهدفة بالإفك، لما لذلك من ارتباط وثيق ببحثنا، إلاّ أنّ ما يهمنا هنا في هذا المحور هو استجلاء بعض النقاط التي تضمنتها تلك الآيات الكريمة مما يدل على خطورة اتهام زوجة النبي(ص) بارتكاب الفاحشة، وأهمّ هذه النقاط التي يهمني التركيز عليها هي اثنتان:

 

النقطة الأولى: إنّ المتأمل في آيات الإفك التي برّأت زوجة النبي(ع) أياً كان اسمها أو شخصها  مما رُميت به، يلفته تلك العناية الخاصة والتشدّد البيّن والاهتمام الكبير إزاء الخوض في الأعراض والحُرُمات، ولا سيما عُرْضَ النبي الأكرم(ص)، حيث نجد أنّ هذه الآيات قد تحدثت عن الإفك بشكل مفصّل، فهدّدت وتوعّدت وحذّرت وندّدت بشكل لافت بكل تلك الأصوات التي أفاضت في حديث الإفك، أو يمكن أن تخوض في نظائره مما يتصل بتناول أعراض الناس وحرماتهم، جهراً أو همساً، سراً أو علانية.

 

وفيما يلي إطلالة سريعة على أهم اللطائف البلاغية والمضمونية التي تضمنتها تلك الآيات في التحذير من مغبة التورط في انتهاك الأعراض أو استسهال الحديث في حرمات الناس، مما يعكس حرصاً جلياً على حماية الأمن الأخلاقي للمجتمع:

 

  1. استخدمت الآيات في الحديث عن رمي المرأة المحصنة بالفاحشة تعبير الإفك،{إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ}، في دلالة على عظيم الاتهام، لأنّ الإفك ليس مجرد الكذب، وإنّما هو الكذب الذي يبغي مطلقوه ويعملون على صرف الأمر عن وجهه.

 

  1. وأطلقت الآيات وصفاً آخر على الاتهام المذكور، وهو وصف البهتان، وذلك بعد أن دعت المؤمنين أن لا يخوضوا في الموضوع ولا يتكلموا فيه، قال تعالى: {وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَٰذَا سُبْحَانَكَ هَٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور: 16]، ومعلوم أنّ البهتان هو ذكر الآخر بعيب ليس موجوداً فيه، بخلاف الغيبة التي هي ذكره بعيب موجود فيه، ما يجعل البهتان أعظم إثماً من الغيبة.

 

  1. اعتبرت أنّ رمي الآخر بارتكاب الفاحشة إن لم يكن مترافقاً مع إحضار الشهود العدول فإنّ صاحبه يعدّ كاذباً، {لَّوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ۚ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَٰئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ}، هذا مع العلم أنّه قد لا يكون الشخص كاذباً في واقع الأمر، إلاّ أنه قد عدّ كاذباً أو بمنزلته، سداً لباب الاتهام بغير بيّنة ومنعاً للتجرّؤ على أعراض المؤمنين بغير دليل.
  2. أكّدت الآيات أيضاً على أنّ كل من خاض في الإفك هو آثم بحسب دوره في ترويج الفاحشة، {لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ}، فهؤلاء الذين لم يتورعوا عن الخوض في أعراض المسلمين ولم يرعوا لرسول الله(ص) حرمة ولا ذمة وأشاعوا الفاحشة بين الناس آثمون وسيحاسبون يوم القيامة، ولكلِّ واحد منهم نصيبه من الإثم.

 

  1. حذّرت من استسهال هذا الاتهام، أو حسبانه أمراً عادياً أو بسيطاً، {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ}، فالخوض في الأعراض دون تثبت أو تورع هو أمر قبيح غاية القبح في حد ذاته، كما أنّه أمر عظيم ومبغوض في موازين المولى سبحانه وتعالى.

 

  1. نصحت ووعظت بلسان التحذير كل أولئك الأشخاص الذين وقعوا في هذه المعصية بعدم العودة إلى مثل هذا العمل القبيح، إن كانوا فعلاً من المؤمنين، {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}.

 

  1. وختمت تلك الآيات الشريفة بتوجيه تحذير ووعيد بالعذاب الأليم لكل الذين يحبّون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، {نَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ}، فبمجرد أن تحبّ إشاعة الفاحشة  ولو لم تشارك في إشاعتها فعلاً  تكون آثماً ومستوجباً للحساب الأليم في الدنيا والآخرة.

 

  1. وأسست هذه الآيات المباركة لقاعدة إسلامية ذات أهمية خاصة على صعيد حماية الأمن الأخلاقي للمجتمع، وهي قاعدة: حمل المسلم على الأحسن، والابتعاد عن سوء الظن به، {لَّوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَٰذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ}.

 

 

 

ومبدأ حسن الظن بالمؤمنين هو مبدأٌ إسلاميٌّ عامٌ ولا يختص بمسألة النزاهة عن الفاحشة، بيد أنّ لمقامنا ميزة إضافية تتصل بطريقة التعامل مع مطلقي الإشاعة، فإنّ الله تعالى لم يكتف بتحريض المؤمنين على أن يظنوا بأنفسهم خيراً إذا سمعوا حديثاً يتناول مسلماً أو مسلمة بالإفك، بل أعقب ذلك بدعوتهم إلى تكذيب الفاحشة والخائضين فيها، كما أسلفنا، الأمر الذي ينبغي أن يدفع المسلم إذا سمع اتهاماً لمؤمن أو مؤمنة أن لا ينساق مع الظنون يميناً وشمالاً، بل يحسن الظن بالمؤمنين، لأنّ سرعة التصديق بالإشاعة والترويج لها لا يقل سوءاً وقبحاً عن قذف المؤمنين أو المؤمنات بارتكاب الفاحشة، ولا سيما إذا كان المتهم بالفاحشة زوجة نبي أو إمام، وهذا يشكّل خروجاً عن التعاليم الإسلامية، والضوابط الأخلاقية.

 

النقطة الثانية: لا يكاد يخفى على البصير المتدبّر في دلالة هذه الآيات المباركة ولسانها المتشدّد بكلّ ألوان التعبير المشار إليها والمتضمنة لأبلغ أساليب التنديد والتحذير أنّ ثمة خصوصية في المقام لاتهام زوجة النبي(ص)، باعتبار أنّ اتهامها بارتكاب ما ينافي الأخلاق يمسّ النبي(ص) نفسه ولو بطريقة غير مباشرة، فيكون الهدف من التشدد والتنديد بمطلقي الإشاعة، والدعوة إلى تكذيب الخائضين فيها هو إعلاء شأنه(ص) وإظهار علو منزلته، والتنبيه على نزاهة بيته ونسائه من ارتكاب ما يخل بالشرف، ويخدش الكرامة والعرض، دون أن يمنع ذلك من استفادة مبادىء عامة من الآية فيما يتصل بأعراض المؤمنين قاطبة .

 

ويمكنني القول: إنّنا نتلمس في لحن الآيات المباركة غضباً إلهياً وانتصاراً لحرمة رسول الله(ص)، مردّه إلى أنّ القضية تمسّ عرضه وكرامته(ص)، وهو الأمر الذي يؤثر على حركة الرسالة والدعوة، ويزلزل الثقة بالرسول(ص)، فقوله تعالى: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ} يوحي بأنّ المسألة ليست قضيّة عابرة ولا عادية، بل إنّ ما جرى هو مسألة خطيرة واستثنائية، وهو بكل تأكيد يمسّ النبي(ص) وسمعته ودعوته بالضرر البالغ.

 

يقول العلامة الطباطبائي (ره): "وقوله: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ} أي تظنون التلقي بألسنتكم والقول بأفواهكم من غير علم سهلاً وهو عند الله عظيم، لأنّه بهتان وافتراء، على أنّ الأمر مرتبط بالنبي(ص) وشيوعُ أفكٍ هذا شأنُه بين الناس يفضحه عندهم ويفسد أمر الدعوة الدينية".

 

وخصوصية النبي(ص) فيما جرى من اتهام زوجته واضحة لدى المفسرين قاطبة، فإنّ اتهام زوجة الرجل هو انتهاك لحرمته، يقول الشيخ الطوسي تعليقاً على قوله: {وَقَالُوا هَٰذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ}: "فالآية دالة على كذب من قذف عائشة وأَفَكَ عليها، فأمّا في غيرها إذا رماها الإنسان، فإنّا لا نقطع على كذبه عند الله، وإن أقمنا عليه الحد وقلنا هو كاذب في الظاهر، لأنّه يجوز أن يكون صادقاً عند الله وهو قول الجبائي".

 

  1. النوع الثاني: تَوهّم الفاحشة

 

والنوع الثاني هو بعض الآيات التي تُوهِمُ إمكانية صدور الفاحشة المخصوصة من نساء الأنبياء R أو فعلية صدورها، وهي عدة آيات:

 

"فخانتاهما"!

 

الآية الأولى: قوله تعالى في شأن زوجتي نوح ولوط: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ۖ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} [التحريم: 10].

 

فربما يتخيّل البعض أنّ خيانة هاتين المرأتين لزوجيهما هي الخيانة في المعاشرة الجنسية مع الآخرين، ولا سيما أنّ الآية فرّعت الخيانة على قوله تعالى: {كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ}، ومعه لا يكون ثمة استبعاد لوقوع زوجات الأنبياء(ع) بما في ذلك زوجات نبينا(ص) بهذا الفعل الشنيع، فما وقعت فيه زوجتا نوح ولوط يمكن أن تقع فيه سائر زوجات الأنبياء(ع).

 

ولكن هذا التخيّل غير مقبول وذلك:

 

أولاً: لأنه تفسير بعيد عن ظاهر الآية الشريفة، فإنّ الأقرب  بحسب القرائن السياقية  أنّ يراد بالخيانة في الآية خيانة الرسالة المتمثلة بالتمرّد على النبي(ع) وعدم اتباع خطه.

 

والقرينة على ذلك أنّ الله تعالى قد أورد فعل هاتين المرأتين )زوجتَي نوح ولوط( باعتباره مثلاً للذين كفروا، وليس مثلاً لخصوص النساء اللاتي يخنّ في علاقاتهنّ الزوجية ويرتكبن ما ينافي العفة، فلو كانت الخيانة المقصودة في الآية هي خصوص الزنا لم يكن موجب لاعتبار ذلك مثلاً للكافرين، ولا تعميم المثل للذكور والإناث كما يقتضيه قوله: {لِّلَّذِينَ كَفَرُوا}، هذا من جهة.

 

ومن جهة أخرى فإنّ الآيات الشريفة قد ذكرت مثلاً ثانياً مقابلاً لمثل امرأتَي نوح ولوط، والمثل المقابل هو امرأة فرعون، وقد ذكره الله تعالى باعتباره مثلاً للمرأة المؤمنة، وليس لخصوص المرأة العفيفة البعيدة عن الفاحشة، ولذا نرى أنّ الآية المباركة قدّمت امرأة فرعون مثلاً للمؤمنين جميعاً، ذكوراً وإناثاً، ولم تقدّمها باعتبارها مثلاً لخصوص النساء، قال تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [التحريم: 11].

 

ثانياً: إنّه وبصرف النظر عن السياق، فإنّ الخيانة في مفهومها العرفي واللغوي تستعمل بما يقابل الأمانة، ولا موجب لحمل الخيانة على خصوص الزنا، وإن كانت لا تأبى ذلك، والظاهر أنّ استخدام الخيانة بمعنى الخيانة الزوجيّة حصراً هو مصطلح حادث وجديد، وهو قد يكون استخداماً صحيحاً في بعض الحالات وقد لا يكون صحيحاً في حالات أخرى، وتوضيح ذلك:

 

إنّه عندما يقال ويتردّد في بعض الأوساط - ولا سيما على لسان النساء - : "إنّ هذا الزوج قد خان زوجته"، وذلك فيما إذا أقام علاقة جنسية مع امرأة أخرى، فهنا قد لا يكون إطلاق الخيانة على فعل هذ الزوج صحيحاً، فيما لو كانت علاقته مع المرأة الثانية شرعيّة.

 

وأمّا عندما يقال: "إنّ الزوجة الفلانية خانت زوجها"، فيما لو أقامت علاقة جنسية مع غيره، فإطلاق الخيانة على فعلها هذا صحيح، لجهة أنّ المرأة عندما ترتبط بعلاقة شرعيّة مع رجل معيّن فقد دخلت في ميثاق الزوجية الذي يعني حكماً أنّه لا يحق لها أن تقيم علاقة جنسية مع غيره، ما دامت في عهد الزوجية، فعلاقتها بغيره لا تخلو من خيانة لزوجها، ولكنّ الخيانة الحقيقية التي ارتكبتها هذه المرأة أو ارتكبها الرجل الذي أقام علاقة غير مشروعة معها هي خيانة الله تعالى المتمثلة بتجاوز أوامره ونواهيه، وإنّه  حقاً  لتوهين في أمر الزنا اعتباره

مجرّد خيانة لشريك الحياة الزوجية، فإنّ هذا قد يعطي انطباعاً بأنّه في حال انتفاء العلاقة الزوجية مثلاً فلا يغدو فعل الزنا خيانة ولا قبيحاً، والنظرة إلى الزنا بهذا المنظار هي من المفاهيم التي تمّ إسقاطها على مجتمعاتنا الإسلامية، من خلال الثقافة الغربية واللادينية التي لا ترى في الزنا محذوراً سوى أنّه يمثل خيانة للشريك الآخر وإساءة إلى مشاعره.

 

ثالثاً: إنّ الحديث الوارد عن الإمام الباقر(ع) يؤكّد على استهجان تفسير الخيانة في الآية بمعنى ارتكاب الفاحشة الموصوفة، وسيأتي نقل الحديث في البحث الروائي إن شاء الله تعالى.

 

وما ذكرناه من استظهار أنّ المراد بالخيانة في الآية الشريفة هي خيانة الرسالة هو ما عليه عامة المفسرين من الفريقين، فقد أكدوا  قاطبة  على أنّ خيانتهما )زوجتي نوح ولوط( كانت خيانة في غير الزنا، وسنذكر بعض كلماتهم في المحور الخامس بعون الله تعالى.

 

"من يأتي منكن بفاحشة"

 

الآية الثانية: قال تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} [الأحزاب: 30].

 

والسؤال: إنّه ما المراد بالفاحشة المبيّنة في هذه الآية الكريمة ؟ فهل هي خصوص الزنا ونحوه من العلاقات الجنسية المحرمة أو أنها لا تختص بذلك؟

 

الظاهر أنّه لا مبرّر  بحسب الفهم العرفي والمدلول اللغوي للكلمة  لتفسير الفاحشة بخصوص الزنا أو الانحراف الجنسي، فاللفظة بحسب الظاهر يراد بها مطلق "المعصية القبيحة"، وهذا ما استظهره عامة المفسرين وعلى رأسهم مفسرو الشيعة، يقول العلامة الطباطبائي "الفاحشة: الفعلة البالغة في الشناعة والقبح وهي الكبيرة، كإيذاء النبي(ص) والافتراء والغيبة وغير ذلك، والمبيّنة هي الظاهرة".

 

وقد ورد في بعض الروايات عن الإمام الصادق(ع) في تفسير هذه الآية قال: "يعني الخروج بالسيف"، والرواية  إذا صحّت  فهي من التفسير بالمصداق، لأنّ الخروج بالسيف هو من أظهر مصاديق الفاحشة المبيّنة، وفي الوقت عينه فهي  أي الرواية  شاهد على عدم انحصار مفهوم الفاحشة بالزنا.

 

قد يقال: إنّه قد ورد في القرآن الكريم استعمال لفظة الفاحشة بمعنى الزنا أو غيره من العلاقات الجنسية المحرّمة، كما في قوله تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ ۖ فَإِن شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} [النساء: 15].

 

وهكذا في قوله تعالى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 80]، فإنّ الفاحشة في الآية الأولى ناظرة إلى الزنا، وفي الثانية ناظرة إلى اللواط.

 

ونعلّق على ذلك:

 

أولاً: إنّ هذا الاستعمال لا يشكّل ظهوراً قرآنياً في إرادة الزنا من لفظة الفاحشة حيثما وردت في القرآن الكريم، ليراد بها في الآية المذكورة أعلاه خصوص ذلك، ويشهد لذلك أنّ لفظ الفاحشة في القرآن قد استُعمِل في غير الزنا، أو في الأعم منه، قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الأعراف: 33].

 

وقال تعالى: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا ۗ قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} [الأعراف: 28].

 

ولا يبتعد عن ذلك قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء: 32]، فإنّه ظاهر في كون الزنا مصداقاً للفاحشة، لا أنّه ينحصر بها.

 

وأمّا قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النور: 19] فهو حتى لو جاء في سياق آيات الإفك لكنه عام، ولذا استشهد الأئمة(ع) بهذه الآية للتدليل على حرمة إذاعة عيوب المؤمنين، فعن أبي عبد الله(ع):

 

"من قال في مؤمن ما رأته عيناه وسمعته أذناه فهو من الذين قال الله(عز وجل): {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.

 

 وفي حديث آخر عنه(ع): "يا محمد كذّب سمعك وبصرك عن أخيك فإن شهد عندك خمسون شاهداً وقال لك قولاً فصدّقه وكذّبهم، ولا تذيعن عليه شيئاً تشينه به وتهدم به مرؤته فتكون من الذين قال الله في كتابه: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.

 

ويمكنك القول: إنّ هذه المناقشة لا وجه لها، لأن الآية المذكورة لا تتحدث عن صدور فاحشة بالفعل من بعض نساء النبي(ص) ليقال: إنّ هذه الفاحشة لا يتعيّن تفسيرها بخصوص الزنا، إذ ربما كانت معصية أخرى، بل الآية الشريفة تحدثت بلسان التوعّد وبطريقة افتراضية، مفادها: أنّ أية واحدة من نساء النبي(ص) قد ترتكب فاحشة  أية فاحشة  فإنّ عقابها سيكون مضاعفاً، في تأكيد واضح على أنّ نساء النبي(ص) لسنَ فوق القانون، وعليه فحتى لو لم يكن المراد بالفاحشة خصوص الزنا والعلاقات الجنسية المحرمة، فإنها  أعني لفظة الفاحشة  شاملة لذلك بإطلاقها، وهذا يكفي لإثبات إمكانية صدور الفاحشة من زوجات الأنبياء(ع).

 

ولكننا نقول: إنّه إذا ما تمّ إثبات عدم انحصار مفهوم الفاحشة بخصوص العلاقات الجنسية المحرمة فسيكون لذلك فائدة مهمة، وهي أنّه في حال قيام الدليل العقلي أو النقلي على طهارة نساء النبي(ص) من الزنا، وأنّ الله تعالى لا يمكّن من صدور هذا الفعل منهن، فإنّ هذا الدليل سيكون مقيداً لإطلاق الفاحشة في الآية ويشكّل قرينة على عدم شمولها للزنا رأساً، فتحمل على المصاديق الأخرى للفاحشة.

 

ثانياً: وعلى فرض إرادة خصوص الزنا من الفاحشة، فالآية لا تدل على وقوع نساء النبي(ص) في شيء من ذلك وهذا واضح، ولا تدلّ أيضاً على إمكانية صدور الفاحشة منهن، وذلك لأنّ لسان الآية هو لسان تهديد ووعيد، للإيحاء بأنّه ليس هناك أحد فوق القانون، كما يستفاد ذلك المعنى من قوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65]، أو من قوله(ص) فيما روي عنه: "والله لو سرقت فاطمة لقطعت يدها"، وعليه فلا تكون الآية منافية لحكم العقل باستحالة صدور الفاحشة منهن، أو لما دلَّ على عدم صدور ذلك منهن، لأنّ قوله: {مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ} ليس ظاهراً في صدور ذلك منهن أو في إمكان صدوره، لأنّ مفاد الآية هو جملة شرطية، فكأنها قالت: "إن صدرت الفاحشة من زوجة النبي(ص) فإنّها سوف تعاقب عقاباً مضاعفاً"، ومن المعلوم أنّ الجملة الشرطية تصدق حتى مع عدم صدق طرفيها، أي إنّ هذا الجملة يصح أن يتكلَّم العاقل بها حتى لو لم يكن صدور الفاحشة من المرأة ممكناً، تماماً كما هو الحال في قوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ} مع أنّ الشرك لا يقع منه(ص) حتماً.

 

"إنّه ليس من أهلك".

 

الآية الثالثة: قوله تعالى مخاطباً نبيه نوحاً(ع) في شأن ابنه: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ۖ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۖ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [هود: 64].

 

فقد ذكر بعضهم أنّ المراد بقوله: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} "أنّه لم يكن ابنه على الحقيقة وإنّما وُلِدَ على فراشه"، قال السيد المرتضى:

 

"في هذه الآية وجوه ..ثالثها: إنّه لم يكن ابنه على الحقيقة وإنّما ولد على فراشه، فقال(ع): إنّه ابني، على ظاهر الأمر، فأعلمه الله أنّ الأمر بخلاف الظاهر، ونبّهه على خيانة امرأته.."

 

ولكن هذا القول مرفوض لعدة وجوه، وقد أشار المرتضى وغيره من الأعلام رحمهم الله إلى الوجهين الأولين التاليين:

 

أولاً: وهو وجه يعتمد على قرينة السياق، يقول المرتضى مستبعداً الوجه المذكور: "إذ فيه منافاةٌ للقرآن، لأنّه تعالى قال: {وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ}"، فأطلق عليه اسم البنوة، ولأنه تعالى استثناه من جملة أهله بقوله تعالى: {وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ}".

 

ويمكنك أن تضيف إلى ذلك بأنّ سياق الآيات يوحي بأنّ مشكلة ابن نوح ليست في نسبه بل في عمله، فقوله تعالى: {يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ} ظاهر في أنّ ابن نوح هو نفسه الذي تمرّد وتمنّع من الركوب مع أبيه، وما ذلك إلاّ لكفره، لا أنّ الله تعالى هو الذي منع نوحاً(ع) من إركابه في السفينة بسبب نسبه، كما أنّ قوله بعد ذلك:{وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} ظاهر في أنّ إهلاك قوم نوح هو بسبب ظلمهم لا بسبب أنسابهم.

 

ثانياً: إنّ "الأنبياء يجب أن يُنزَّهوا عن مثل هذه الحال، لأنّها تُعِير وتُشِين، وقد نزّه الله أنبياءه عما دون ذلك توقيراً وتعظيماً عما ينفِّر من القبول منهم، وروي عن ابن عباس أنّه قال: "ما زنت امرأة نبي قط"، وكانت الخيانة من امرأة نوح أنّها كانت تنسبه إلى الجنون، والخيانة من امرأة لوط أنّها كانت تدلّ على أضيافه.."

 

ثالثاً: إنّ العيب المفترض في ابن نوح والذي حال دون أن يكون مع أبيه في السفينة لو كان عيباً في نسبه وليس في خُلقه وأفعاله لكان معنى ذلك أنّه  أي ابن نوح  يُعاقب على ما ليس بالاختيار، فما ذنبه هو إذا كانت أمه  لا سمح الله  قد زنت وأنجبته بهذه الطريقة؟! أيعاقب الإنسان على ما ليس بالاختيار؟! أو يؤاخذ بجريرة غيره؟ والله تعالى يقول: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ} [الأنعام: 164]؟! وعليه فلا بدّ من افتراض أنّ العيب كان في سلوك ابن نوح وسوء اختياره، لجهة انحرافه عن خط أبيه، وهذا هو الذي يجعله مستحقاً للعقوبة في الدنيا بالإغراق وفي الآخرة بالهلاك والإحراق بالنار.

 

رابعاً: إنّ الحديث الوارد عن الإمام الرضا(ع) يكذّب هذا الرأي، ففي علل الشرائع بسند صحيح عن الحسن بن علي الوشاء عن الإمام الرضا(ع): قال:

"قال أبي(ع): قال أبو عبد الله(ع): إنّ الله تعالى قال لنوح: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ}، لأنه كان مخالفاً له، وجعل من اتبعه من أهله.

 

قال: وسألني: كيف تقرأون هذه الآية في ابن نوح؟

 

فقلت: تقرأها الناس على وجهين: إنّه "عَمَلٌ غيرَ صالح"، وإنّه "عَمِلَ غيرَ صالح".

 

فقال: كذبوا هو ابنه، ولكن الله تعالى نفاه عنه حين خالفه في دينه".

 

ومن الغريب ما جاء في تفسير ابن كثير الدمشقي )ت: 774 ه) من نسبة القول بنفي كونه ابنه إلى الإمام الباقر(ع)، فإنّ هذا القول لا مستند له ولم يُنقل ذلك عن أئمة أهل البيت(ع) وهم أدرى برأي باقر العلم(ع)، وهذا حفيده الإمام الرضا(ع) يعتبر الرأي المذكور كذباً وافتراءً.

 

نُشر في تاريخ 28-7-2019 م

 






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon