كلمات علماء الشيعة في مسألة تنزيه زوجات الأنبياء
الشيخ حسين الخشن
كلمات علماء الشيعة في المسألة
لا يخفى أنّ هناك إجماعاً إسلامياً على نزاهة نساء الأنبياء(ع) عن الوقوع فيما ينافي العفة من ارتكاب الفاحشة، ولم يخرقه سوى ثلاثة من المفسرين القدامى وهم الحسن ومجاهد وابن جريج، حيث ذهبوا على ما نسب إليهم في تفسير قوله تعالى مخاطباً نبيّه نوح(ع): {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} إلى أنّه لم يكن ابنه على الحقيقة، وإنّما وُلد على فراشه من غيره، وأنّ نوحاً عندما قال(ع): {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} فإنّما قال ذلك على ظاهر الأمر، فأعلمه الله تعالى أنّ الأمر بخلاف الظاهر، "وليس في ذلك تكذيب لخبره، لأنّه إنّما خبّر عن ظنّه وعمّا يقتضيه الحكم الشرعي، فأخبره الله تعالى بالغيب الذي لا يعلمه غيره"، وأمّا فيما عدا هؤلاء الثلاثة فلم نجد قولاً لأحد من علماء المسلمين بوقوع زوجات الأنبياء(ع) في الزنا.
ولكن القول المذكور ظلّ قولاً شاذاً ومرفوضاً لدى علماء أهل السنة، وقد ردّه معظم أهل العلم، من المفسرين وغيرهم. ولم نجد في المسألة قولاً مخالفاً في غير قضية ابن نوح(ع). وقد تقدم سابقاً أنّ الآية المذكورة لا تدل على هذا القول ولا علاقة لها به من قريب أو بعيد.
وأمّا علماء الشيعة من أهل الكلام والفقهاء والمفسرين وغيرهم فهم مجمعون على تنزيه نساء الأنبياء R ولا سيما زوجات نبينا الأكرم محمد(ص) عن ارتكاب علاقة غير مشروعة، ونصّ الكثيرون منهم على كون ذلك من مستلزمات عصمة النبي(ع)، ولذلك يكون وقوعه مستحيلاً، والله تعالى لا يسمح بوقوعه، حماية لنبيه(ص)، ولدوره الرسالي.
وقد ألف بعض علمائنا القدامى، وهو الشيخ نصير الدين عبد الجليل بن أبي
الحسن القزويني )كان حياً سنة 556 ه( رسالة خاصة تحت عنوان "تنزيه عائشة
من الفواحش العظيمة".
وعليه، فأي كلام يُنسَب إلى الشيعة أنّهم يتهمون زوجة النبي(ص) بارتكاب الفاحشة هو افتراء وإفك عظيم، فهذه كتبهم تصرّح بنزاهتهن من شائبة الفاحشة، وها هم علماؤهم مجمعون دون أي مخالف منهم على تبرئة زوجات الأنبياء قاطبة وخصوصاً زوجات نبينا الخاتم محمد(ص) من ارتكاب كل ما ينافي الشرف والعفة، ولا يرضى أحد منهم بأن تُتهم بذلك لا السيدة عائشة ولا غيرها من أزواجه(ص)، أو يُغمز من قناة إحداهن بشيء من ذلك، بل إنّهم بشهادة السيد نعمة الله الجزائري المتقدمة يستنكفون عن الاستماع لأي خبر أو أثر ينال من عرض النبي(ص) ويخدش من حياء أزواجه .
وفيما يلي سوف نستعرض بعض كلمات علمائنا التي تنصّ على نزاهة زوجات الأنبياء R عموماً وزوجات نبينا الأكرم(ص) خصوصاً عن الوقوع في ذاك العمل الشنيع:
-
السيد المرتضى )ت: 436 ه)، قال في تفسير قوله تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ}: "في هذه الآية وجوه... والوجه الثالث: إنّه لم يكن ابنه على الحقيقة، وإنّما وُلد على فراشه. فقال(ع): {إِنَّ ابْنِي}على ظاهر الأمر. فأعلمه الله تعالى أنّ الأمر بخلاف الظاهر، ونبّهه على خيانة امرأته، وليس في ذلك تكذيب خبره، لأنّه إنّما خبّر عن ظنّه وعمّا يقتضيه الحكم الشرعي، فأخبره الله تعالى بالغيب الذي لا يعلمه غيره. وقد روي هذا الوجه عن الحسن ومجاهد وابن جريح. وفي هذا الوجه بُعد، إذ فيه منافاة للقرآن، لأنّه تعالى قال: {وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهُ} [هود: 42] فأطلق عليه اسم البنوّة، ولأنّه تعالى أيضاً استثناه من جملة أهله بقوله تعالى: {وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ} (منهم). ولأنّ الأنبياء يجب أن يُنَزّهوا عن هذه الحال لأنّها تعيير وتشيين وتنقيص من القدر، وقد جنّبهم الله تعالى ما دون ذلك تعظيماً لهم وتوقيراً ونفياً لكل ما ينفّر عن القبول منهم.
-
الشيخ الطوسي )ت: 460 ه( قال في تفسير قوله تعالى في شأن امرأتي نوح ولوط: {فخانتاهما}: "قال ابن عباس: كانت امرأة نوح كافرة تقول للناس إنّه مجنون، وكانت امرأة لوط تدل على أضيافه، فكان ذلك خيانتهما لهما، وما زنت امرأة نبيّ قط، لما في ذلك من التنفير عن رسول الله وإلحاق الوصمة به، فمن نسب أحداً من زوجات النبي(ع) إلى الزنا فقد أخطأ خطأً عظيماً وليس ذلك قولاً لمحصِّل".
وفي تفسير قوله تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ}، ردّ الشيخ الطوسي وجهاً نُسب إلى بعض المفسرين )الحسن ومجاهد( في أن يكون المقصود أنّه ليس ابنه على الحقيقة وإنما ولد على فراشه، فقال: "وهذا الوجه ضعيف، لأنّ في ذك طعناً على نبي وإضافة ما لا يليق به إليه".
-
ابن ادريس الحلي )القرن السادس الهجري(، قال: "كانت امرأة نوح كافرة تقول للناس.."، وذكر كلام الشيخ الطوسي المتقدم بعينه.
-
الشيخ الطبرسي (548 ه): "في تفسير قوله تعالى: {فخانتاهما} قال ابن عباس: كانت امرأة نوح كافرة، تقول للناس إنّه مجنون، وإذا آمن بنوح أحد أخبرت الجبابرة من قوم نوح به، وكانت امرأة لوط تدلُّ على أضيافه، فكان ذلك خيانتهما في الدين".
-
الشيخ ابن شهر آشوب) ت 588 ه(، يقول(ره): ".. وبعد فإنّ كل منفر لا يجوز على الأنبياء والأئمة(ع) مثل: كفر الوالدين وفسق الأزواج، لأنهما يتعديان إليهم، وما لا يكون منفراً جاز فيهم، مثل: كفر أولادهم أو فسقهم، إلاّ أنّ الفاحشة لا تجوز على أزواجهم فإنها لازمة لهم"، أي أنّ الفاحشة لازمة لأزواجهم وهم الأنبياء(ع)، بمعنى أنه تطالهم بشينها وعارها.
-
الشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي )ت: 984 ه( قال في شأن الصحابة عموماً: "ليس في مذهبنا وجوب القدح في أحد منهم، وإنما قد يقع ذلك من عوام الناس المتعصبين، وأما علماؤنا فلم يقل أحد منهم بذلك".
-
الملا فتح الله الكاشاني (ت: 988 ه( يقول في تفسيره الفارسي لآيات الإفك ما ترجمته: "{وَاللّهُ عَلِيمٌ} بجميع الأحوال، ومنها طهارة ذيل عائشة، {حَكِيمٌ} في تدبير أمور العباد.. وقد حفظ أذيال أزواجه(ص) من لوث الفجور". وفي تفسيره العربي "زبدة التفاسير" وفي بيان المراد من "الفاحشة المبيّنة" والواردة في قوله تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ} يقول: "..ومن قال: الزنا فقد أخطأ، لأنّه سبحانه عاصم رسوله(ص) من ذلك". وفي تفسير قوله تعالى الوارد في قضية الإفك: {وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَٰذَا سُبْحَانَكَ هَٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} يقول شارحاً معنى "سبحانك": "تنزيه لله من أن تكون حرمة نبيه فاجرة، فإنّ فجورها ينفّر الناس عنه، وهذا مُخِلٌّ بالبعثة والتبليغ، بخلاف كفرها، فإنّ الأنبياء بعثوا ليدعوهم.. فيجب أن لا يكون معهم ما ينفرّهم عنهم، ولم يكن الكفر عندهم مما ينفّرهم، وأمّا الكشخنة))) والعياذ بالله فمن أعظم المنفِّرات".
-
المولى محمد صالح المازندراني)ت: 1081 ه( قال: "وخيانة المرأتين ليست هي الفجور، وإنّما هي نفاقهما وإبطانهما الكفر وتظاهرهما على الرسولين، فامرأة نوح قالت لقومه: إنّه مجنون، وامرأة لوط دلت قومه على ضيفانه، وليس المراد بالخيانة البغي والزنا، إذ ما زنت امرأة نبي قط".
-
الشيخ فخر الدين الطريحي )ت: 1085 ه(، قال: «ولا يجوز أن يراد بالخيانة الفجور، قال ابن عباس: "ما زنت امرأة نبي قط"، لما في ذلك من التنفير عن الرسول وإلحاق الوصمة به".
-
الشيخ محمد باقر المجلسي (ت: 1111 ه) يقول(ره) تعليقاً على رواية القمي المتقدمة: "لكن وقوع أمثال ذلك صدور الفاحشة من زوجة النبي(ص) بعيد عقلاً ونقلاً وعرفاً وعادةً، وترك التعرّض لأمثاله أولى".
-
السيد نعمة الله الجزائري(ت: 1112ه)، يقول في شأن زوجتي نوح ولوط: "وأما خيانتهما فهو نفاقهما وإبطانهما الكفر وتظاهرهما على الرسولين، فامرأة لوط دلّت على أضيافه، وامرأة نوح قالت لقومه: إنّه مجنون، ولا يجوز أن يراد بالخيانة الفجور، لأنه سمج في الطباع، نقيصة عند كل أحد، بخلاف الكفر، فإنّ الكفار يسمونه حقاً".
وقال في ردّ ما ذكره البعض من أنّ ابن نوح لم يكن ابنه على الحقيقة: "وهذا الوجه بعيد.. ولأنّ الأنبياء يجب أن يُنَزَّهوا عن مثل هذه الحال، لأنها تعيير وتشيين وقد نزّه الله أنبياءه عمّا دون ذلك".
-
العلامة الخاجوئي المازندراني(ت: 1173ه)، قال: "ولكنّ اللائق بمنصب النبوة نزاهتهن عنه".
وتعليقاً على ما قيل في تفسير قوله تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ}: من أنه ليس ابنه على الحقيقة وإنما ولد على فراشه، قال(ره): "فهو فاسد يأباه" {وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهُ} [هود: 42]، مع أنّ الأنبياء يجب أن ينزهوا عن مثل هذه الحال، لأنها تنفِّر وتشين، وقد نزّه الله أنبياءه عما دون ذلك، توقيراً وتعظيماً مما ينفِّر من القبول، وخاصة على مذاهب أهل الحق، فالمراد أنه ليس على دينك، فكأنّ كفره أخرجه أن يكون له أحكام أهله".
-
الشيخ محمد طه نجف (ت: 1323 ه)، قال تلميذه السيد عبد الحسين شرف الدين: "صرّح فقيه الطائفة أستاذنا المقدس الشيخ محمد طه النجفي أعلى الله مقامه وهو على منبر الدرس بوجوب عصمتها يقصد عائشة من مضمون الإفك، عملاً بما يستقل بحكمه العقل من وجوب نزاهة الأنبياء(ع) عن أقل عائبة ولزوم طهارة أعراضهم عن أدنى وصمة".
-
السيد محمد باقر الحجة الطباطبائي الحائري (ت:1331 ه)، يقول في
منظومته الشهيرة:
فيا حميرا سبّك محرمُ لأجل عين ألف عين تكرمُ
-
السيد محسن الأمين (ت: 1371ه)، يقول رداً على صاحب الوشيعة: "إنّ احترام أمهات المؤمنين عموماً وأُمَّي المؤمنين خصوصاً علينا لازم، احتراماً لنبينا(ص) فلو جاء في كتاب ما ينافي ذلك لا نقول به، لما ذكرناه غير مرة من أنّ جميع ما في الكتب لا يمكن لأحدٍ الاعتقاد بصحته، وعقيدة الشيعة في الأزواج عموماً وفي عائشة وحفصة خصوصاً هو ما نزل به القرآن الكريم وجاءت به الآثار الصحيحة، لا يمكن أن يحيدوا عنه، وهو أنّهن جميعاً أمهات المؤمنين في لزوم الاحترام والتكريم، احتراماً للنبي(ص) وحرمة نكاحهن..".
ويقول(ره): "يعتقد الشيعة وجوب تنزيه الأنبياء(ع) عن جميع العيوب والنقائص سواء كان ذلك في أفعالهم، كالأكل على الطريق ومجالسة الأراذل، أو صناعتهم، ككونه حجاماً أو زبالاً، أو أخلاقهم كالحقد والحسد والجبن والبخل، أو في أجسامهم كالبرص والجذام، أو عقولهم كالجنون والبله، أو في الخارج عنهم كدناءة الآباء وعهر الأمهات أو الأزواج، فتحصّل من ذلك أن زوجة النبي(ع) يجوز أن تكون كافرة، كما في امرأتي نوح ولوط، ولا يجوز أن تكون زانية، لأن ذلك من النقائص التي تلحق النبي(ع)، فتوجب سقوط محلّه من القلوب وعدم الانقياد لأقواله وأفعاله، وذلك ينافي الغرض المقصود من إرساله، وحينئذٍ فقوله تعالى في حق امرأتي نوح ولوط:{فخانتاهما} يراد منه الخيانة بغير ذلك، ولا عموم في لفظ الخيانة.
أما اعتقادهم في خصوص أزواج النبي(ص) فهو ما نطق به القرآن الكريم واتفق على نقله أهل الآثار والأخبار دون ما انفرد به بعضهم ولم يقم برهان على صحته، وما روي لأمور سياسية في عصر الملك العضوض، أو انفرد به شذاذ لا عبرة بهم، هذا هو اعتقادهم )أي الشيعة(، ومن نسب إليهم سوى ذلك فقد أخطأ،
فأزواج النبي أمهات المؤمنين في لزوم الاحترام والتكريم احتراماً للنبي(ص) وحرمة نكاحهنّ من بعده، {النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6] وإنّ الزوجية للنبي(ص) لا ترفع عقاب المعصية، بل تضاعفه كما تضاعف ثواب الطاعة، {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا * ۞ وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا * يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ ۚ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا} [الأحزاب: 32]".
ويقول(ره) في محل آخر رداً على من اتهم "غلاة الشيعة" بالنيل من نزاهة عائشة في قضية الإفك: "ليس من غلاة الشيعة ولا معتدليهم من ينسب ذلك إلى عائشة، كبرت كلمة تخرج من أفواه هؤلاء المفترين، وإن كانوا صادقين فيما يقولون فليأتونا باسم من يقول ذلك وفي أي موضع وجدوه أم في أي كتاب رأوه، كلا إنهم لكاذبون مفترون ظالمون مفسدون لا حجة لهم على ما قالوا ولا برهان، وما حملهم على ذلك إلاّ العداوة والعصبية بالباطل ورقة الدين، وهكذا ما حكاه دحلان عن الحسن ابن زيد الداعي كذب وبهتان، لأنا نعلم علماً يقيناً أنه ليس
في الشيعة من ينسب أم المؤمنين عائشة إلى القبيح، وإنّ من عقيدتهم أن زوجة النبي(ص) يجوز أن تكون كافرة كامرأتي نوح ولوط ولا يجوز أن تكون زانية لأنّ ذلك يخلّ بمقام النبوة. وإنّما يقولون ولا يتحاشون بأنّها أخطأت بخروجها على الإمام العادل وحربها له ومخالفتها أمر القرآن لها أن تقرّ في بيتها".
-
السيد عبد الحسين شرف الدين (ت: 1377 ه)، يقول(ره) رداً على من يتهم الشيعة بأنّهم يطيلون ألسنتهم على السيدة عائشة ويتكلمون في حقها من أمر الإفك والعياذ بالله: "إنّها يقصد السيدة عائشة عند الإمامية أنقى جيباً وأطهر ثوباً وأعلى نفساً وأغلى عرضاً وأمنع صوناً وأرفع جناباً وأعز خدراً وأسمى مقاماً من أن يجوز عليها غير النزاهة أو يمكن في حقها غير العفة والصيانة، وكُتُبُ الإمامية قديمها وحديثها شاهد عدل بما أقول، على أنّ أصولهم في عصمة الأنبياء تحيل ما بهتها به أهل الإفك بتاتاً، وقواعدهم تمنع وقوعه عقلاً"، ثم ينقل كلام أستاذه )الشيخ محمد طه نجف( الآنف، ويضيف قائلاً: "فنحن والله لا نحتاج في براءتها إلى دليل، ولا نجوّز عليها وعلى غيرها من أزواج الأنبياء والأوصياء(ع) كل ما كان من هذا القبيل".
-
الميرزا أبو الحسن الشعراني (ت:1393ه): يقول : "..نعم لا كلام في براءتها مما رميت به في مسألة القذف، لأنّ رميها به هتك لحرمة رسول الله(ص)، وكذلك كل زوجة بالنسبة إلى بعلها".
-
السيد حسن الحسيني اللواساني (ت: 1400ه) يقول: "وحسن مكارم الشيعة الاثني عشرية وإكرامهم للنبي الأعظم واحترامهم له يقتضي السكوت عن عرضه وحرمه، وترى الكل يلهجون:
فيا حميرا سبّك محرمُ لأجل عين ألف عين تكرمُ"
-
الشيخ محمد جواد مغنية (ت: 1400ه)، يقول: "إنّ الشيعة الإمامية يعتقدون ويؤمنون أنّ نساء الأنبياء جميعهن عفيفات طاهرات وأنّ النبي، أي نبي، لا يضع ماءه إلاّ في أرحام مطهرة، وأنّ زوجته قد تكون كافرة ولن تكون بغياً، لأنّ الرسول أكرم على ربه وأعز من أن يجعل تحته بغياً". ويقول(ره) في مورد آخر: "وقد ضرب سبحانه مثلاً لذلك بامرأة نوح وامرأة لوط، فقد كانت الأولى تؤذي زوجها وتقول: إنّه مجنون، وتفشي أسراره بين المشركين، وكانت الثانية تعين الطغاة على زوجها وتدلهم على أضيافه.. ومن أجل هذا وصفها الله سبحانه بالخيانة التي هي ضد الأمانة لا بمعنى الزنا، فإنّ المسلمين يعتقدون أنّه ما زنت امرأة نبي قط".
-
السيد محمد حسين الطباطبائي (ت: 1412 ه(، يقول(ره): "إنّ تسرّب الفحشاء إلى بيت النبي ينفّر الناس عنه، فمن الواجب أن يطهّر الله سبحانه ساحة أزواج الأنبياء(ع) عن لوث الزنا والفحشاء، وإلاّ لغت الدعوة، وتثبت بهذه الحجة العقلية عفتهن واقعاً لا ظاهراً فحسب".
ويقول(ره) تعليقاً على قول من قال بأنّ الله تعالى إنّما نفى ابن نوح عنه لأنه لم يكن ابنه على الحقيقة: "وفيه: أنّه - على ما فيه من نسبة العار والشين إلى ساحة الأنبياء(ع)، والذوق المكتسب من قوله تعالى يدفع ذلك عن ساحتهم وينزّه جانبهم عن أمثال هذه الأباطيل ليس مما يدل عليه اللفظ بصراحة ولا ظهور، فليس في القصة إلاّ قوله تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} وليس بظاهرٍ فيما تجرأوا عليه، وقوله في امرأة نوح ]ولوط]: {امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ۖ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا} [التحريم: 10] ليس إلاّ ظاهراً في أنهما كانتا كافرتين تواليان أعداء زوجيهما وتسران إليهما بأسرارهما وتستنجدانهم عليهما".
-
السيد محمد حسين فضل الله(ره)، قال في تفسير قوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا..}: "فكانتا زوجتين لنبيين من أنبياء الله هما نوح ولوط، {فَخَانَتَاهُمَا} في موقفهما المضاد للرسالة، حيث اتبعتا قومهما في الكفر، ولم تنسجما مع طبيعة موقعهما الزوجي الذي يفرض عليهما أن تكونا من أوائل المؤمنين بالرسالة، لأنّهما تعرفان من استقامة زوجيهما وأمانتهما وصدقهما وجدّيتهما ما لا يعرفه الآخرون، فلا يبقى لهما أيّ عذر في الانحراف عن خط الرسالة والرسول، ولكن المشكلة أنّهما غير جادّتين في مسألة الانتماء الإيماني والالتزام العملي، فلم تنظرا إلى المسألة نظرة مسؤولة، بل عاشتا الجوَّ العصبي الذي يربطهما بتقاليد قومهما، فكانتا تُفشيان أسرار النبيين ما قد يسيء إلى مصلحة الرسالة والرسول، وكانتا تبتعدان في سلوكهما عن منطق القيم الروحية الإيمانية لتبقيا مع منطق الوثنية، مما يجعل البيت الزوجي النبوي يتحرك في دائرة الجاهلية إلى جانب دائرة الإيمان، ولعل ضلال ابن نوح كان خاضعاً لتأثير والدته، ويقال: إنّ امرأة لوط كانت تخبر قومها بالضيوف الذين يزورون زوجها، ليقوموا بالاعتداء عليهم، فكانت خيانتهما للموقف وللموقع".
-
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، يقول حفظه الله: "والخيانة هنا لا تعني الانحراف عن جادة العفة والنجابة، لأنّهما زوجتا نبيين ولا يمكن أن تخون زوجة نبي بهذا المعنى للخيانة، فقد جاء عن الرسول(ص) "ما بغت امرأة نبي قط".
-
السيد القائد علي الخامنئي، يقول حفظه الله رداً على استفتاء موجه إليه: "يحرم النيل من رموز إخواننا السنة، فضلاً عن اتهام زوج النبي(ص) بما يخلّ بشرفها، بل هذا الأمر ممتنع على نساء الأنبياء(ع)، وخصوصاً سيدهم الرسول الأعظم(ص)".
-
الشيخ جعفر السبحاني، يقول في بيان موقف الشيعة الإمامية من حديث الإفك: "إنّ السيدة عائشة من زوجات النبي(ص) وأمهات المؤمنين، لها من الشرف والكرامة ما لسائر نسائه(ص) غير خديجة رضي الله عنها، فقد رأت النور في بيته وعاشت معه فترة طويلة، ولم يشك أحد من المسلمين القدامى والجدد في براءتها من الإفك الذي صنعته يد النفاق ونشره عميد المنافقين وأذنابه "عبد الله بن أبي سلول" في عصر النبي(ص)، وحدّث عنه القرآن في آيات، يقول سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ۚ وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: 11] {وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَٰذَا سُبْحَانَكَ هَٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور: 16] وكفى في براءتها أنّه سبحانه سمّى النسبة إفكاً وبهتاناً عظيماً وأوعد من تولى كبره بعذاب أليم".
ويقول الشيخ السبحاني أيضاً في شأن امرأتي نوح ولوط: "لم تكن خيانتهما خيانة فجور، لما ورد: "ما زنت امرأة نبي قط"، وإنّما كانت خيانتهما في الدين".
هذه كلماتُ جَمْعٍ من أعلام الشيعة الإمامية وهي كافية للتدليل على الموقف الشيعي العام في تنزيه نساء الأنبياء(ع) من ارتكاب الفاحشة وفي دحض أية تهمة يراد إلصاقها بمذهب أهل البيت(ع) في هذا المجال، وهذا الموقف هو من الوضوح بمكان، ما دفع الشيخ الآلوسي إلى تكذيب نسبة هذه التهمة إلى الشيعة، حيث قال: "فالحق عندي أنّ عهر الزوجات كعهر الأمهات من المنفرّات التي قال السعد: إنّ الحق منعها في حق الأنبياء(ع)، وما يُنسب للشيعة مما يخالف ذلك في حق سيد الأنبياء(ص) كذبٌ عليهم فلا تُعوِّل عليه وإن كان شائعاً".
نُشر في تاريخ 15-8-2019 م