حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » من المقصود في الزيارة: السلام على عليّ بن الحسين.. هل هو زين العابدين (ع) أم الأكبر أم الرضيع؟
ج »

الظّاهر - بحسب السّياق - أنّ المُراد به هو عليّ الأكبر الشّهيد لدوره الكبير وحضوره في المعركة، ولعظيم مُصيبته على الإمام الحسين (ع)، أمّا الطفل الّرضيع فيكون ُمندرجاً في فقرة أخرى وهو قوله في الزّيارة - وعلى أولاد الحسين -  والتي تشمل سائر أولاده بمن فيهم الإمام زين العابدين (ع) والبنات أيضاً .

 


 
س » يوجد لديّ إشكالات كثيرة على الاستدلال بحديث الثقلين على العصمة، فهو يشمل إجماع العترة وليس آحادهم، ويشمل العباس عم النبي (ص)، فهل هؤلاء معصومون؟؟
ج »

أولاً: إنّ حديث الثقلين لا شكّ فيه من حيث السّند وهو مُستفيض حتى في روايات السّنة ناهيك عن روايات الشيعة ، وأّما من حيث الدّلالة فإنّه وبصرف النّظر عن كون القرآن الكريم أفضل من العترة أم عدم كونه كذلك ، فلا ريب في دلالة الحديث على أن التمسّك بالعترة يُشكّل صمّام أمان للأمّة يمنعهم ويعصمهم من الضّلال - ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا - ، ولا شكّ في دلالته أيضاً على أن العترة لا يفترقون عن القرآن الكريم ، ولا يُتصور أن يصدر عنهم ما يُخالف القرآن وهذا ما يدل عنه قوله في الحديث - لن يفترقا - .


- ثانياً : إنّ ما ذكرتموه بأنّ المراد بالحديث هو إجماع العترة هو كلام ضعيف ولا وجه له لأنّه إن أريد بالعترة ما هو أوسع من الأئمة من أهل البيت (ع) ليشمل العباس وذريته أو غيره، فمن المعلوم أنّ هؤلاء أعني العباسيين لا ميزة لهم عن سائر الصّحابة والنّاس فهم يُخطئون كغيرهم ويُمكن أن ينحرفوا كما انحرف غيرهم، وبالتالي فلا يُعقل أن يكون لرأيهم أو إجماعهم أيّ قيمة أو أن يُشكّل إجماعهم أو قولهم عاصماً للأمّة  عن الضّلال ، ما يعني أن نظر الحديث فقط إلى خصوص شريحة من العترة وهم الذين لا يُمكن أن يقعوا في الضّلال والانحراف، وهؤلاء لا فرق بين الواحد منهم أو الجميع ، فكما يكون قول الجميع حُجّة وعاصماً عن الضّلال ، كذلك قول الواحد، والقرينة على ذلك أنّه حين قال النبيّ (ص) هذا الكلام لم يكن من العترة التي يؤمَن وقوعها في الضّلال إلا عليّ (ع)، أما الحسن والحسين (ع) فكانا طفلين صغيرين، فهل كان الحديث لا قيمة له آنذاك لأنّه بعد لم يتحقّق إجماع العترة؟ من الواضح أن هذا بعيد جداً لأنّ كلامه (ص) ساري المفعول من حين إطلاقه ولا يتوقف على مرور عقود من الزّمن حتى يتشكّل إجماع العترة.


 
 
  مقالات >> أصول فقه
البعد التدبيري في شخصيّة النبي (ص) -4
الشيخ حسين الخشن



ثامناً: منطلقات الحكم التدبيري وأهدافه

واستكمالاً لما تقدم من أنّ للحاكم الشرعي صلاحيّة إصدار مقررات إلزامية في منطقة الفراغ التشريعي أو غيرها، فمن الحريّ بنا أن نتعرّف على منطلقات الحكم التدبيري وأهدافه التي يفترض مراعاتها قبل إصدار هذه الأحكام، فما الذي يستهدفه ويستهديه الحاكم عند إصدارها؟

أعتقد أنّ على الحاكم الشرعي أن يستهدي في حكمه بعض المرتكزات ويراعي بعض الضوابط، منها:

  1. مراعاة المصلحة العامة

ولا يخفى أنّه عندما يجعل الحكم السلطاني بيد النبي (ص) باعتباره الحاكم، وكذلك بيد الأئمة (ع) أو يد الحاكم العادل، فليس معنى ذلك أن يحكم على هواه، أو وفق رغباته الشخصيّة، ولا انطلاقاً من اعتبارات المصلحة الحزبيّة أو القوميّة، وإنّما ينطلق من اعتبارات المصلحة العامة المستقاة من ضوابط الشريعة ومقاصدها، وكل حكم يكون منطلقاً من موقع الهوى والمصالح الخاصة ( طبيعي أنّ المعصوم منزّه عن ذلك[1] ) فلا شرعيّة له ولا تلزم الأمة بتنفيذه، بل إنّ عليها والحال هذه رفضه والتمرد عليه، لأنّه حكم بغير ما أنزل الله، فالحاكم الذي ينطلق في حكمه من موقع الهوى يفقد شرعيته.

ومن الطبيعي أنّه ليس بمقدور كل شخص أن يشخِص هذه المصلحة العامة، وإنما يشخّصها من كان عالماً بالإسلام، عقيدة وشريعة ومنهج حياة، حتى لا تأتي أحكامه السلطانية مصادمة لثوابت الإسلام، ومن كان بصيراً بمقتضيات العصر ومتطلباته، والاستعانة في هذا المجال بأهل الخبرة وذوي الأنظار الصائبة هي أمر ملح وقد يكون واجباً، وهو ما يفرض وجود مجالس أو لجان متخصصة تزود الحاكم بالاقتراحات المطلوبة.

وقد أشار الفقهاء في ثنايا كتبهم الفقهيّة إلى ضرورة رعاية الإمام أو الحاكم في إصداره للتعليمات التنفيذية صلاح الأمة أو العباد أو المسلمين، ويكثر مثل هذا التعبير في قضايا الحرب والجهاد وتنظيم العقود مع غير المسلمين[2]، وإدارة الأموال ذات الملكيّة العامة، فعلى سبيل المثال يقول الشيخ الطوسي متحدثاً عن تصرّف الإمام بالأرض المفتوحة عنوة: "وهذا الضرب من الأرضين لا يصحّ التصرف فيها بالبيع والشراء والوقف وغير ذلك، وللإمام أن ينقله من متقبّل إلى غيره إذا انقضت مدة ضمانه ، وله التصرف فيه بحسب ما يراه من مصلحة المسلمين"[3]، إلى غير ذلك من الموارد[4].

الاستصلاح والتدبير

وعلى ذكر الكلام عن أنّ الحاكم لا بدّ أن يراعي المصلحة، تجدر الإشارة إلى أنّ ثمّة قاعدة في بعض المذاهب الفقهية هي قاعدة الاستصلاح، والمتأمل في بعض الأمثلة المذكورة للقاعدة المذكورة يجدها تلتقي مع الأحكام التدبيرية، فقد مثّلوا لها بأمثلة منها:

  •  إنشاء الدواوين.
  • صكّ النقود.
  • فرض الإمام العادل على الأغنياء من المال ما لا بدّ منه كتكثير الجند وإعداد السلاح وحماية البلاد.
  • سجن المتهم كي لا يفر.

إلى غير ذلك من الأمثلة التي تعدّ من صلاحيات الحاكم الشرعي التي خُوّلت إليه، بغية تنظيم أُمور المجتمع في أطار الأحكام الأوّلية والثانوية"[5].

والواقع أنّ الاستصلاح ليس سوى منطلق للحكم التدبيري، بمعنى أنّ الحاكم بعد أن يستصلح أمراً فإنّه يصدر فيه حكماً تدبيرياً إلزاماً بالفعل أو الترك.

  1. عدم الاصطدام مع أحكام الشريعة

 والأمر الآخر الذي يجدر أخذه بعين الاعتبار في كل الأحكام التدبيريّة الصادرة عن الحاكم هو مراعاة ما هو ثابت من قواعد الشريعة الإسلامية وأحكامها بعناوينها الأولية والثانوية، لأنّ المسؤولية الأولى الملقاة على عاتق الحاكم الإسلامي هي تنفيذ الشرع الحنيف، كما اسلفنا، ولم يُعط - خارج الصلاحيات المشار إليه سابقاً - ولايةً تسمح له بإصدار أحكام تنافي الشريعة وتصادمها وتشرع أبواب الفساد، وإذا صدر عنه حكم كهذا فلا قيمة ولا اعتبار به، لأنّ "شرط الله  قبل شرطكم"[6]، و"لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"[7]، وهذا الشرط بديهي، يقول الشيخ المنتظري: " وما سمعت منّا سابقاً من تقسيم الأحكام إِلى أحكام إِلهية كان الرسول داعياً إِليها وواسطة لإبلاغها، وكانت الأوامر الصادرة عنه في بيان هذه الأحكام أوامر إِرشاديّة محضة، وإِلى أحكام سلطانية مولويّة صدرت عنه بما أنّه كان ولىّ أمر المسلمين وحاكمهم، فليس معنى ذلك أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يحكم في القسم الثاني بما يريده ويهواه، وأنّه كان له أن يحكم بأحكام مضادّة لأحكام اللّه - تعالى - ناسخة لها. بل الظاهر أنّ القسم الثاني كان أحكاماً عادلة موسميّة من قبيل الصغريات والمصاديق للأحكام الكليّة الشاملة النازلة من قبل اللّه تعالى على قلبه الشريف. فالروح الحاكم على مجتمع المسلمين ليس إِلاّ ما أنزله اللّه تعالى حتّى فيما ربّما نسمّيها بالأحكام الثانوية، فإنّها أيضاً مستفادة من كبريات كليّة أنزلها اللّه تعالى على نبيّه"[8].

  1. استهداء المقاصد الكليّة للشريعة الإسلامية

ومن الطبيعي أنّ على الحاكم أن يأخذ بعين الاعتبار في حركة أحكامه التدبيرية المقاصد الكلية للشريعة الإسلامية[9]، وهي أدلة التشريع العليا[10]، فإنّ هذه المقاصد والأهداف العامة للشريعة تُلهم الحاكم الشرعي وتحدد له خطّ المسار الذي يفترض أن يخطوه ويسير عليه في أحكامه التدبيرية، فهي تشكّل ناظماً وهادياً لحركة الأحكام التدبيرية الصادرة من ولي الأمر لملء منطقة الفراغ.

 ومثال ذلك، كما يذكر الشهيد الصدر (رحمه الله)، النص القرآني الآتي: {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فللّه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم} [الحشر:7]، فإنّ الظاهر من النصّ الشريف أنّ التوازن وانتشار المال بطريقة تشبع كل الحاجات المشروعة في المجتمع وعدم تركيزه في عدد محدود من أفراده هدف من أهداف التشريع... وعلى هذا الأساس يحقّ لولي الأمر أن يضع كلّ الصيغ التشريعيّة الممكنة التي تُحافظ على التوازن الاجتماعي في توزيع المال وتحول دون تركزه في أيدي أفراد محدودين[11]. ومن الإجراءات التي يمكن للحاكم اتخاذها لتحقيق الهدف المذكور، أن يفرض بعض الضرائب على أصحاب رؤوس الأموال والأثرياء أو ما شابه ذلك[12].

ومثال آخر يذكره الشهيد الصدر أيضاً: وهو أنّ نصوص الزكاة صرّحت بأنّ الزكاة ليست لسدّ حاجة الفقير الضرورية فحسب، بل لإعطائه من المال بالقدر الذي يلحقه بالناس في مستواه المعيشي، أي أنّ توفير مستوى معيشي متقارب لكل أفراد المجتمع هدف إسلامي أصيل لا بدّ للحاكم الإسلامي من السعي في سبيل تحقيقه[13]. والنصوص التي يشير إليها الشهيد الصدر هي من قبيل: خبر إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِيه عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه ع عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِنَا لَه ثَمَانُمِائَةِ دِرْهَمٍ وهُوَ رَجُلٌ خَفَّافٌ ولَه عِيَالٌ كَثِيرَةٌ ألَه أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الزَّكَاةِ فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أيَرْبَحُ فِي دَرَاهِمِه مَا يَقُوتُ بِه عِيَالَه ويَفْضُلُ قَالَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ كَمْ يَفْضُلُ قُلْتُ لَا أَدْرِي قَالَ إِنْ كَانَ يَفْضُلُ عَنِ الْقُوتِ مِقْدَارُ نِصْفِ الْقُوتِ فَلَا يَأْخُذِ الزَّكَاةَ وإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ الْقُوتِ أَخَذَ الزَّكَاةَ قُلْتُ فَعَلَيْه فِي مَالِه زَكَاةٌ تَلْزَمُه قَالَ بَلَى قُلْتُ كَيْفَ يَصْنَعُ قَالَ يُوَسِّعُ بِهَا عَلَى عِيَالِه فِي طَعَامِهِمْ وشَرَابِهِمْ وكِسْوَتِهِمْ وإِنْ بَقِيَ مِنْهَا شَيْءٌ يُنَاوِلُه غَيْرَهُمْ ومَا أَخَذَ مِنَ الزَّكَاةِ فَضَّه عَلَى عِيَالِه حَتَّى يُلْحِقَهُمْ بِالنَّاسِ"[14].

وهذا في الحقيقة يمثّل إحدى ثمرات البحث عن مقاصد الشريعة، فإنّ التفكير المقاصدي إن لم يستطع أن يكتشف علل الأحكام الواقعية كون العقل البشري غير قادر على الوصول إليها كما يقال، فلا ريب أنه يستطيع الإسهام في إلقاء الضوء على الأهداف والمؤشرات العامة للتشريع الإسلامي، الأمر الذي يسمح في إعطاء ضابط لحركة الأحكام التدبيرية.

  1. تدبيرات النبي (ص) والإمام (ع)

إنّ الأحكام التدبيريّة الصادرة عن النبي (ص) أو الإمام (ع) تمثّل خير هادٍ يرسم أمام الحاكم غير المعصوم خطاً يسير على ضوئه، فيما يتخذه من إجراءات ويصدره من تدبيرات، لأنّ المعصوم هو الحجة في هذه المجال، لأنه الأعرف بحدود الأحكام التدبيرية ومجالالتها ومساراتها.

ومن هنا يكون تحري موارد استخدامه (ع) لصلاحيته كحاكم من الأهميّة بمكانٍ، ولا ريب أنّ تجربة النبي (ص) ومن بعده الإمام علي (ع) هي تجربة غنية بالأحكام التدبيرية، وهي تضيء كثيراً على هذا الجانب الذي لا يزال - مع الأسف - بكراً لم يعمل على استكشاف كافة أبعاده.

تاسعاً: الحكم التشريعي والحكم التدبيري: فوارق ومعايير

وبعد الفراغ عن أن النبي (ص) أو الإمام (ع) قد تصدر عنهما كلمات أو مواقف بصفتهما التدبيرية الولايتية، فإنّ التساؤل المهم في المقام يقع عن الفوارق بين الأحكام التدبيرية وبين الأحكام الشرعية؟ وكيف نميّز بأنّ هذا الحكم أو ذاك هو حكم سلطاني تدبيري أو حكم مولوي إلهي؟

إننا وبعد التأمل نستطيع القول: إنّ ثمة موائز عديدة بين الحكمين، أهمها المائز المضمونية التي تتصل بطبيعة الحكم[15]، والموائز التعبيرية، التي تشكل معياراً إثباتياً للتفرقة بينهما، وثمّة موائز أخرى، منها ما يرجع إلى اختلاف مجال أحد الحكمين عن الآخر، ومنها ما يرجع إلى اختلاف مصدر أحدهما عن الآخر.

وإليك توضيح ذلك:

  1. الفوارق المضمونيّة:

إنّ دراسة طبيعة الحكم وبصرف النظر عن لسانه التعبيري قد تساعد على معرفة كونه تشريعياً أو تدبيرياً، وبالإمكان أن نذكر عدة فوارق من حيث مضمون الحكمين وطبيعتهما:

  • إن الحكم التشريعي هو حكم يراعي فيه المشرع مقتضيات الفطرة وهي تتسم بالثبات، بينما الحكم التدبيري، ينطلق من مصالح متغيرة، يقول السيد الطباطبائي: "إنّ الأحكام الإسلامية التي تطبق في المجتمع الإسلامي، على قسمين: القسم الأول: هو الأحكام السماوية وقوانين الشريعة وأحكامها الثابتة التي لا مجال لتغييرها، وهي وحي سماوي نزل على رسول اله (ص) تشكل عنوان الدين الفطري الذي لا مناص للبشرية من تنفيذه والالتزام به إلى الأبد، كما أشارت الآية الكريمة لذلك في قوله تعالى: { فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [الروم: 30]...أما النوع الثاني المنوط بدائرة الولاية والمنبثق عن صلاحياتها فهو الأحكام المتغيرة التي تتبع المصالح المتبدلة في المجتمع"[16].

وهذا الفارق صحيح في الجملة، لا بالجملة، فإنّ أحكام الشريعة الكلية ومبادئها العامة - كما نلاحظ - هي من مقتضيات الفطرة دون ريب، ومنسجمة معها كامل الانسجام، لكن في الأحكام التفصيلية قد لا يختلف الأمر بين الأحكام التشريعية وغير التشريعية في وضوح الانسجام مع مبادئ الفطرة أو عدم وضوح ذلك، ما يعني أننا لن نتمكن من تمييز ما صدر عن النبي (ص) من موقع التشريع عما صدر عنه من موقع التدبير بالاستنداد إلى قضية الفطرة.  

  • إنّ الحكم الإلهي التشريعي يمتلك صفة الدوام والثبات، ( ما دام موضوعه ثابتاً) وهو ما تعكسه وتعبّر عنه الرواية المشهورة: "حَلَالُ مُحَمَّدٍ حَلَالٌ أَبَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وحَرَامُه حَرَامٌ أَبَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ"[17]. كما هو الحال في العبادات مثلاً، وأما الأحكام السلطانية والولايتية، فليست أحكاماً دائميّة بطبيعتها، لأنّها لم تصدر عن النبي (ص) باعتباره مبلّغاً للأحكام العامة الثابتة، بل باعتباره حاكماً وولياً للمسلمين[18].

وقد قدمنا الحديث عن هذه النقطة بشكل مفصل، فلاحظ. ونقطة الضعف في هذا الفارق أننا قد ذكرنا في المحور الأول أنّ الحكم التشريعي قد يكون حكماً ظرفياً ومؤقتاً أيضاً.

  • إنّ الحكم التشريعي المولوي هو حكم لا يخضع للنقاش ولا مجال فيه للتداول والتشاور مع الآخرين، لأنّه حكم إلهي أوحي به إلى الرسول(ص)، وعلى الناس جميعاً بما فيهم الرسول (ص) نفسه أن يلتزموا به فور صدوره، ولا يحقّ لهم إبداء الرأي فيه، قال تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} [ النساء 65]، وأمّا الحكم التدبيري، فبما أنّ أمره بيد النبي (ص) أو الإمام (ع) أو الحاكم فمن الممكن والمستحسن وقبل إبرامه أن يشاور الحاكمُ الآخرين فيه ويطلب إليهم إبداء الرأي[19].
  •  إنّ الحكم الشرعي الإلهي لا يملك أمر إنشائه وإصداره أحدٌ غير المشرع الحقيقي وهو الله تعالى ، ولا يتسنى لأحد معرفته والاطلاع عليه بشكل تام إلاّ عن طريق الوحي الإلهي الذي يلقي بأحكام الشريعة ويوحي بها إلى النبي الأكرم (ص)، فالنبي (ص) هو المطلع على أحكام الله الواقعيّة لا من موقع الاجتهاد، بل من موقع تلقي الوحي، فدوره (ص) هو نقل الوحي إلينا، قال تعالى: { وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى }،[النجم 3- 4 ] وقال أيضاً: { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِين }، [الحاقة 44 - 47 ]، ويأتي الإمام المعصوم وفقاً لمدرسة الشيعة الإمامية كامتداد لرسول الله (ص) في هذا المجال، فالأئمة (ع) ليسوا مشرعين ولا يوحى إليهم[20]، وإنما ينقلون إلى الناس أحاديثَ جدهم المصطفى (ص) كما جاء في الحديث عن الإمام الصادق (ع): "حَدِيثِي حَدِيثُ أَبِي وحَدِيثُ أَبِي حَدِيثُ جَدِّي وحَدِيثُ جَدِّي حَدِيثُ الْحُسَيْنِ وحَدِيثُ الْحُسَيْنِ حَدِيثُ الْحَسَنِ وحَدِيثُ الْحَسَنِ حَدِيثُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع وحَدِيثُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ حَدِيثُ رَسُولِ اللَّه (ص)، وحَدِيثُ رَسُولِ اللَّه قَوْلُ اللَّه عَزَّ وجَلَّ "[21]. أمّا الحاكم فهو وإن كان في ممارسته الاجتهادية يسعى لاستنباط الحكم الشرعي، ولكنه قد يخطئ أحياناً في اجتهاده، هذا في الحكم التشريعي المولوي. وأمّا الحكم السلطاني التدبيري، فإنّ كلاً من النبي (ص) والإمام (ع) والحاكم الشرعي على حد سواء فيه، فكل واحد منهم يملك أمر إصداره وإنشائه في موارده، من خلال تقديره للمصلحة، وبالتالي تلزم إطاعته فيه، دون فرق في ذلك، بينهم، فطاعة النبي (ص) أو الإمام (ع) في الحكم السلطاني هي طاعة له بصفته حاكماً وليس نبياً أو إماماً، وهذا ما يشترك فيه مع الحاكم العادل غير المعصوم.

 وانطلاقاً من هذا، فلا يملك أحد تغيير الحكم الإلهي، أمّا الحكم السلطاني فيملك الإمام المتأخر، وكذا الحاكم الشرعي - سواء كان هو الفقيه بناءً على القول بولايته أو غيره - أمر تغييره أو تعديله إذا رأى مصلحة تفرض ذلك.

  • إنّ الحكم السلطاني بما أنّه حكم تنظيمي إداري وسياسي، فهو - في رأي بعض الفقهاء - يتصل أو ينصبّ على الأمور الجزئية، من قبيل نصب قائد أو والٍ أو عزله أو إصدار أمر إلى الجيش بالتحرك إلى جبهات القتال أو نحو ذلك[22]، بينما الحكم المولوي هو حكم إلهي كلي صادر على نهج القضية الحقيقية، ولا يتوقف تشريعه على وجود مشكلة قد تحققت في الخارج، ولهذا فقد اعترض جمع من الفقهاء على الإمام الخميني الذي عدّ قوله (ص): "لا ضرر" حكماً سلطانياً بالقول:

أولاً: "بأنّ النهي عن الإضرار بالغير ظلم عليه، وقبح الظلم من القوانين الفطرية.. فكيف تكون صفحة التشريع الإلهي خاليةً عن مثل هذا الحكم الفطري؟"[23].

ثانياً: "إنّ مسألة السلطنة والقضاء إنما تتصل بالأمور الجزئية التي تقتضيها حركة السلطة من نصب الحاكم للجيش أميراً وجعل الوزراء والمدراء وإصدار التعليمات للجيش أو المحافظ. أما القضايا العامة .. فلا بدّ فيها من خطّ تشريعي عام مثل تشريع حرمة القتل والجرح والسرقة مما يتصل بالواقع العام للأمة.. بل إن الدولة عندما تمارس سلطتها فإنها تمارسها من خلال القانون "[24].

 وقال فقيه آخر: "أن إعمال السلطنة إنما يكون في الموارد الخاصة التي ترتبط بمصالح الأمة مما لا يندرج تحت ضابطة كلية، كنصب القضاة، وأمراء الجيوش، وما شاكل، فإن تعيين ذلك وتطبيقها على مواردها الجزئية، التي لا ضابطة لها بيده صلى الله عليه وآله على ما يراه مصلحة للعباد، ولا سبيل إلى جريان ذلك في الموضوعات الكلية "[25].

ويمكننا القول: إنّ النصّ الذي يتصل ببيان المبادئ هو نصّ تشريعي، وأمّا النص الذي يرتبط ببيان الوسائل المتحركة هو نص مرحلي ظرفي، ومثال ذلك قوله تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم..} [الأنفال 60]، فإنّ إعداد القوة هو من المبادئ الثابتة، لأنّها تنطلق من حاجة ثابتة، بينما "الخيل" هو من الوسائل، والوسائل لا قداسة لها لأنّها متغيرة، ولذا يلزمنا الآن إعداد وسائل القوة التي تناسب عصرنا من الطائرات والدبابات ونحوها.

ولكننا نلاحظ على ذلك:

أولاً: إنّ ما ذكر من أنّ السلطة دورها في تطبيق الموارد الجزئية هو غير تام، فقد تقدم أنّ أحد أهمّ الدوائر التي تشملها الأحكام التدبيريّة، هي دائرة المباحات بالمعنى الأعم، حيث إنّ بإمكان الحاكم الشرعي، أن يصدر قراراً إلزامياً في هذه الدائرة، وحكم كهذا - كما ترى – قد يكون قراراً عاماً وليس جزئياً.  

ثانياً: في الأمثلة الآتية للحكم التدبيري أنّ بعضها ليس مجرد قضايا جزئية تطبيقية، بل هي أحكام ذات مضمون واسع وكلي، من قبيل ما ورد عنه (ص):" من أحيا أرضا ميتة فهي له"، فهذا الحكم أو الإذن السلطاني هو حكم عام وليس جزئياً، وهذا هو الأرجح.

إنّ الجزئية أو الكلية هنا تتبع طبيعة الموضوع الذي ينصبّ عليه الحكم، فربما كانت القضيّة جزئيّة، وربما كانت الظروف الاجتماعية والسياسية والثقافية التي تحيط بالأمة تستدعي قراراً أو إذناً تدبيرياً عاماً، ويستمر لقرون عديدة.

  • هذا إذا كان الكلام في الفرق بين الحكم التشريعي الواقعي والحكم الولايتي، وأمّا إذا فُرض أنّ الكلام في الفرق بين الفتوى والحكم الولايتي فالفارق بينهما، هو أنّ الحكم الولايتي هو حكم إنشائي، والذي ينشئه هو الولي، وأمّا الفتوى فهي حكم طريقي كاشف عن الواقع، حيث يجهد الفقيه لاستنباطه من الأدلة الشرعية، والحكم الولايتي يكون حجة على الجميع حتى سائر الفقهاء ومقلديهم، بينما الثاني (الفتوى) ليس حجة إلا على الفقيه ومن يقلده.
  1. الفارق المجالي

 كما أنّ التدبيرية لها مجال يختلف عن مجال الحكم التشريعي، وهذا ما سوف يتجلى أكثر في البحوث القادمة، عند الحديث عن هذه النقطة، وعلى سبيل المثال، سيأتي أنّ قضايا التنظيم المدني وكلّ ما يتصلّ بحركة المواصلات والطرقات أو القوانين المتصلة بقضايا البيئة والصحة العامة أو حركة السوق هي قضايا متروكة للحاكم على ضوء التجارب وتطور الحياة... وما صدر بشأنها من أحكام هو أحكام تدبيرية، وكذلك الحال في مجال القضايا العسكرية والحرب والسلم، فإنّها من المجالات التي للحاكم صلاحيات كبيرة مع أنّ مبادئها العامة قد تكون أحكاماً تشريعيّة. إنّ التعرف على نوعيّة الحكم من خلال التعرّف على المجالات والمسارات، يعدّ مؤشراً في هذا المجال، ويمكن أن نسميه ( الفارق المجالي ).

 بيد أننا لا نستطيع أن نعدّ ذلك فارقاً حاسماً وكلياً، وذلك لأنّ ثمة مؤشرات على أنّ سلطة التدبير تمتد في بعض الحالات إلى المجال العبادي، فبعض الأمثلة التي سيأتي الحديث عنها، من قبيل قضية الرمل في طواف الحج، وكذلك ما ورد عنه (ص) من أمر أصحابه بإخراج أعضادهم في الطواف، "ليريهم أنّه لم يصبهم جهد"، تؤكد امتداد التدبيريّة إلى هذه المجالات.

ولو قلنا بمقالة المشهور وهي أن الزكاة والخمس هما عبادة من العبادات فسيأتي أن الأئمة (ع) قد أعملوا صلاحيتهم التدبيرية في هذين الحقلين، كما أنّ حالة التزاحم المشار إليها قد يكون أحد طرفيها عبادة.

ولكنْ قد يرد إشكال في المقام، وهو أنّ التدبيرية في العبادة لا تنسجم مع توقيفيتها ومع كونها متلقاة من الله تعالى، وفتح باب التدبيرية فيها سيؤدي إلى تغيير العبادة، ولكن يمكن القول: إنّ الأمر يتصل بشكل التعبد وليس في أصل العبادة.

  1. الفارق في المصدر

في الفارق المصدري يمكن الإشارة إلى أمرين:

الأمر الأول: إنّ الحكم التدبيري قسيمٌ للحكم الشرعي، وعليه، فإذا كان الحكم الشرعي هو حكم إلهي، ومصدره هو الله تعالى، وبإمكاننا - بكل تأكيد - نسبته إلى الدين[26] وإلى الله تعالى، فإنّ الحكم التدبيري هو حكم صادر عن بشر، أكان معصوماً أو غير معصوم، وإنْ كان واجب الطاعة، والذي نستطيع أن نسنده إلى الله تعالى في الأحكام الولايتية التدبيرية هو - بالإضافة إلى إعطائه الولاية للحاكم - حكمه تعالى بوجوب إطاعة الحاكم في أحكامه، { قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}[النور: 54] وعدم جواز الرد عليه ولا مخالفة أحكامه، أما ما يصدر عن الحاكم نفسه من تدبيرات وأحكام ولايتية فهي أحكام إنشائية أنيط أمرها بيده وليست أحكاماً إلهية وإن وجبت إطاعتها، والوجه في عدم إلهيتها واضح فإنها تصدر عن الحاكم ولو كان نبياً (ص) أو إماماً بصفته قائداً يقدر المصالح العامة وينشئ الأحكام على وفقها. 

وقد يقال: إنّ ثمة شاهداً على أنّ ما يصدر عن الحاكم ليس حكماً إلهياً ولا هو تشريع ديني، والشاهد هو أنّ الأحكام الولايتيّة قد تتغيّر من زمان لآخر، تبعاً لاختلاف أنظار الحكّام وما يتبدى لهم من المصالح بين فترة وأخرى، فلو كانت أحكام الحكام كلها دينية وإلهية لتعددت أحكام الله بتعدد الحكام أو باختلاف الأنظار.

قلت: إنّ هذا لا يعدّ إشكالاً في حد ذاته، فإنّ أحكام الله قد تتعدد أو تتغير بتغير الموضوع أو بالنسخ أو بغير ذلك من أسباب تغيّر الحكم، وليكن حال الأحكام الولايتية من هذه الجهة حال الأحكام الظاهرية، فإنها قد تتغير تبعاً لتغير الاجتهاد. 

الأمر الثاني: يرى بعض العلماء أنّ مصدر الحكم لو كان هو القرآن الكريم، فإنّ أحكامه هي أحكام مولوية تشريعية تتصف بصفة الدوام والثبوت والشمول، أي أنّ لنصوص القرآن إطلاقاً أزمانياً وأحوالياً بحسب تعبير الأصوليين، وأمّا نصوص السنة "فكثير منها لا تتضمن أحكاماً شرعية إلهية، بل تتضمن تدبيرات وأحكاماً تنظيمية وإدارية"[27].

ولكنْ لنا أن نلاحظ على ذلك بأنّ الأحكام الواردة في القرآن الكريم وإن لم يكن احتمال التدبيرية وارداً فيها، ( بالمعنى المتقدم للتدبيرية الذي يعني صدور الحكم من موقع القيادة الحاكمة في المجتمع )، لكن لا يمكن نفي احتمال الظرفية عنها بشكل مطلق، وهذا ما عبّرنا عنه سابقاً بأنّها تحمل روح التدبيريّة، بأن يكون الوارد في القرآن حكماً خاصاً وارداً في ظروف معينة وينتفي بانتفائها، وقد ذكرنا سابقاً أنّ الوحي في مواكبته لحركة النبي (ص) في تبليغ الرسالة وما تواجهه من تحديات وصعاب وما يحاك ضدها قد يوجّه بعض الإرشادات إلى نبيه (ص) تسديداً له وتثبيتاً للجماعة المؤمنة المحيطة بالنبي (ص) وهذه الإرشادات حتى لو اشتملت على توجيهات إلزامية، فإنه قد تحمل روح الحكم التدبيري لجهة كونها مختصة بمرحلة معينة ولا تمتد امتداد الزمان كما هو الحال في الأحكام التشريعية الصادرة لتنظيم حياة الإنسان، في الحالات الطبيعية. وسيتضح لاحقاً أنّ ظرفية الحكم لا تنشأ من كونه صادراً عنه (ص) بصفته قائداً وسلطاناً فحسب، بل ثمّة منشأ آخر للظرفية وهي أن يكون الحكم في نفسه محدداً بزمان أو مكانٍ خاصين.

 ويمكنك القول: إنّ القرآن كما أنّ له وظيفة التأصيل والتقعيد، فإنّ له وظيفة التوجيه والمتابعة والإشراف على حركة الرسالة والرسول، وهذا ما قد يستدعي صدور تعليمات مؤقتة، ولعلّ هذا ما يفسّر ظاهرة النسخ في القرآن الكريم، وعليه فقد يصدر عنه تعالى أحكام ذات بعد تاريخي، ويمكن أن نذكر لذلك مثالاً قريباً إلى مقامنا، وهو ما جاء في قوله تعالى: {إنّ الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون} [البقرة 6]، بما أنّه جملة خبريّة لكن يستفاد منها عدم وجوب إنذار الكافرين، لأنّه سيان أأنذرهم أم لم ينذرهم، وهذا ليس حكماً مطرداً بحق كافة الأزمنة والأمكنة والأشخاص، يقول العلامة الطبطبائي: "هؤلاء قوم ثبتوا على الكفر وتمكّن الجحود من قلوبهم، ويدلّ عليه وصف حالهم بمساواة الإنذار وعدمه فيهم، ولا يبعد أن يكون المراد من هؤلاء، الذين كفروا من صناديد قريش وكبراء مكة الذين عاندوا ولجوا في أمر الدين ولم يألوا جهداً في ذلك، ولم يؤمنوا حتى أفناهم الله عن آخرهم في بدر وغيره، ويؤيده انّ هذا التعبير، وهو قوله: {سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون} (البقرة 6)، لا يمكن استطراده في حق جميع الكفار، وإلاّ انسد باب الهداية، والقرآن ينادي على خلافه"[28].

  1. الفارق التعبيريّ

 أمّا عن المائز التعبيري بين الحكمين، بحيث نتمكن بواسطته من معرفة نوع الحكم، فيمكن طرح ضابطين إزاءه:

الضابط الأول: ما ذكره الإمام الخميني، وخلاصته أنّ :"كل ما ورد عن رسول الله وأمير المؤمنين (ع) بلفظ "قضى" أو "حكم" أو "أمر" وأمثالها، ليس المراد منها بيان الحكم الشرعي، ولو أريد منه ذلك لا يكون إلا مجازاً أو إرشاداً إلى حكم الله تعالى، فإنّ الظاهر من تلك الألفاظ هو أنّه قضى أو حكم من حيث إنّه سلطان وأمير أو من حيث إنه قاض وحاكم شرعي، لا من حيث أنّه مبلغ للحرام والحلال، لما عرفت من أنّ الأحكام الإلهية ليست أحكام رسول الله (ص)، وأنّه لا يكون ذا أمر ونهي وحكم وقضاء بالنسبة إليها حقيقة، بل هو مبين ومبلغ"[29]. وهذا ما جرى عليه بعض الفقهاء[30].

 طبيعي أنّ عبارة " حكم رسول الله"، أو أمر رسول الله "، ليس واضحةً في التدبيرية بشكل مطرد، لأنه قد يستخدم ذلك في الحكم المولوي، على اعتبار أنّ هذا الحكم صدر عنه (ص) لا من موقعه كسلطان بل كمبلغ لشرع الله. وصاحب الضابط المذكور وهو السيد الخميني معترف بذلك، ولكنه قال إنّه من الاستعمال المجازي.

ولكن مع ذلك يمكن التعليق على هذا الضابط: أنّه إذا كان مقصوده هو أنّ استخدام الرواية لفعل "قضى" أو "حكم" أو " أمر" يدلّ على التدبيريّة لخصوصيّة في هذه الأفعال أياً كانت صيغتها - سواءً كانت صيغة الماضي أو المضارع أو الأمر - أو موادّها، فيلاحظ عليه بأنّه قد يتم استخدام هذه الأفعال في الأوامر المولوية، كما لو قيل: إنّ حكم الله أو قضاءه أو أمره تعالى هو كذا، أو قيل: إنّ الله حكم أو قضى أو أمر بكذا.. ولكننا نرجح أنّ مقصوده ما سيأتي في الضابط الثاني.

الضابط الثاني: أنّ مناط التدبيرية هو في نسبة الحكم إلى النبي (ص) نفسه أو الإمام (ع) سواء استخدم كلمة "حكم" أو "أمر" أو "قضى" أو استخدم أفعالاً أخرى مناظرة لها في انتساب الحكم إلى الحاكم وليس إلى الله تعالى. وهذا الضابط يستفاد من غير واحد من الفقهاء[31]، ومن الراجح أن يكون الإمام الخميني رحمه الله ناظراً إلى هذا الضابط، لأنّه بعد ذكر أفعال " قضى" وحكم " "وأمر" قال: "ونظائرها". ومن هذا الباب ما لو قال: " إنّي آمركم بكذا "، أو "أوجبت عليكم كذا"، أو " أنهاكم عن كذا" أو " أبغض لكم كذا " فلا خصوصية لمادة " حكم " أو " أمر"، وإنّما الخصوصية هي في نسبة النبي (ص) أو الإمام (ع) للحكم إلى نفسه، أو نسبة الإمام للحكم إلى رسول الله (ص) أو إلى إمام آخر، سابق عليه، فهذا هو الذي يعدّ قرينة على كونه حكماً صادراً عنه بصفته التدبيرية وليس بصفته مبلغاً لشرع الله تعالى. ومما يشهد لهذا المعيار إننا لم نعتد في كلام النبي (ص) والأئمة (ع) نسبة الحكم إليهم لو كان حكماً إلهياً مولوياً.

وإليك بعض النماذج التي ورد فيها نسبة الفعل إلى النبي (ص) أو الإمام (ع)، مما يعدّ شاهداً على التدبيرية:

  • في صحيحة محَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ وزُرَارَةَ عَنْهُمَا جَمِيعاً (ع) قَالا: "وَضَعَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) عَلَى الْخَيْلِ الْعِتَاقِ الرَّاعِيَةِ فِي كُلِّ فَرَسٍ فِي كُلِّ عَامٍ دِينَارَيْنِ وجَعَلَ عَلَى الْبَرَاذِينِ دِينَاراً"[32]. وقد اعترف السيد الخوئي بهذه النكتة، حيث اعتبر أنّ "إسناد الوضع إلى أمير المؤمنين (ع) يوعز إلى عدم ثبوته في أصل الشرع، وإلا لأسنده إلى النبي صلى الله عليه وآله، كما في بقية الأعيان الزكوية فلعلّ ذلك منه (ع) كان لمصلحةٍ وقتية وسياسة اقتضتها آنذاك"[33]. وسيأتي لاحقاً أنّ قول (ع): "وضع رسول الله الزكاة "، هو محتمل للتدبيرية[34].
  • وانسجاماً مع هذا المائز التعبيري فقد استقرب بعضهم أن يكون قوله (ص): "لست آخذ الجزية إلاّ من أهل الكتاب"[35]حكماً سلطانياً وليس حكماً إلهياً، وبالتالي يجوز للحكام من بعده (ص) أخذ الجزية من غير أهل الكتاب، واعتبر أنّ ظاهر الحديث يساعد على هذا الفهم[36]، ومقصوده بظاهر الحديث: قوله (ص): "لست آخذ"، حيث نسب الأخذ إلى نفسه لا إلى الله سبحانه.
  • ومن الموارد التي يرجح فيها التدبيرية، للنكتة نفسها، ما جاء في صحيحة زكريا بن آدم، قال: قال أبو الحسن ( عليه السلام ): "إنّي أنهاك عن ذبيحة كل من كان على خلاف الذي أنت عليه وأصحابك، إلا في وقت الضرورة إليه"[37].

ومن أبرز المؤشرات على كون الصادر عن المعصوم (ع) حكماً تدبيرياً، ما إذا اقترن بتحديد زمني أو مكاني معين. أما التحديد الزماني، فمثاله ما في مكاتبة علي بن مهزيار إلى أبي جعفر ( الجواد )عليه السلام: "إنّ الذي أوجبت في سنتي هذه وهذه سنة عشرين ومائتين فقط لمعنى من المعاني، أكره تفسير المعنى كله خوفاً من الانتشار .. وأحببت أن أطهرهم وأزكيهم بما فعلت في عامي هذا من الخمس .. ولم أوجب ذلك عليهم في كل عام ولا أوجب عليهم إلا الزكاة التي فرضها الله عليهم، وإنما أوجب عليهم الخمس في سنتي هذه في الذهب والفضة التي قد حال عليها الحول، ولم أوجب عليهم ذلك في متاع ولا آنية ولا دواب ولا خدم ولا ربح ربحه في تجارة ولا ضيعة إلا ضيعة سأفسر لك أمرها تخفيفا مني عن موالي ومنا مني عليهم لما يغتال السلطان من أموالهم.."[38].

  وأما التحديد المكاني، فمثاله ما جاء في الخبر عن الإمام الصادق (ع) أنه قال لإثنين من أصحابه: "حرّمتُ عليكما المتعة من قبلي ما دمتما تدخلان عليّ"[39]. ومع انضمام قرينة التحديد الزماني أو المكاني إلى قرينة نسبة الإمام للحكم إلى نفسه يغدو الظهور بيّناً في إرادة الحكم التدبيري.

الخلاصة: أنه في كل الموارد التي ينسب فيها النبي (ص) أو الإمام (ع) الحكم إلى نفسه، فيكون الأصل فيه التدبيرية، إلا إذا قامت قرينة على التشريعية، وفي كل مورد لا ينسب فيه الحكم إليه من قبيل " يجوز " أو " يحرم" أو يلزم " أو " لا يجوز " أو نظائرها فالأصل فيه التشريعية إلا إذا قامت القرائن على التدبيرية.

ولكنْ قد تقدّم في كلام السيد الخوئي ما ظاهره التفصيل بين نسبة الحكم إليه (ص) أو نسبته إلى الإمام (ع)، ففي حال نسبته إلى النبي (ص) يكون ظاهراً في التشريع، بخلاف نسبته إلى أمير المؤمنين (ع) مثلاً.

أقول: إنّ علينا أن نفرّق بين أن يكون المتكلمُ هو النبي (ص) ويقول للمسلمين: "وضعت عليكم"، فهنا مع كون احتمال التشريع وارداً، بيد أنّه يمكن ترجيح التدبيرية بناءً على ما تقدم، من أنّ الحكم لو كان تشريعاً إلهياً، فالأولى نسبته إلى الله تعالى، كما أثر عنه (ص)، في قوله في مواطن شتى: " أمرني ربي"[40]، وأما لو كان المتكلم هو الإمام (ع) فقال: "وضع رسول الله (ص)" فهنا يكون ما ذكره السيد الخوئي محتمل بنحو قوي، وذلك باعتبار أنّ النبي (ص) بما أنّه صاحب الشرع، فيصحّ نسبة الحكم إليه ولو كان يتلقى ذلك من الوحي، ولكنّ الاحتمال الآخر قائم أيضاً، ولذا لا بدّ لحسم الموقف من الرجوع إلى سائر القرائن لتحديد التدبيرية، أو التشريعيّة، وإن لم يوجد ما يشهد لهذا أو ذاك فيرجع إلى مقتضى الأصل عند الشك في التدبيرية والتشريعية، وسيأتي الحديث عن هذا الأصل.

  1. فوارق وموائز أخرى

وثمة فوارق أخرى بين الحكمين، وبعضها موائز ذات بعد معياري لتشخيص أحدهما عن الآخر، وهذا ما ننبه عليه في الفقرات التالية:

  • إنّ المائز التعبيري المشار إليه ليس هو الوحيد الذي تنحصر قرينة التدبيريّة فيه أو تدور مداره، بحيث تنتفي بانتفائه، إذ يمكن الحملُ على التدبيريّة حتى مع عدم وجود التعبير المذكور، وذلك فيما إذا ساعدت القرائن على ذلك، وأهمّها مناسبات الحكم والموضوع، فالحكم التدبيري يأتي في طول الحكم التشريعي، (وتستطيع تسمية ذلك بالفارق الرتبي). وتجدر الإشارة هنا إلى أمر، وهو أنّه إذا كانت التعبيرات اللفظية الواردة في الحديث تعدّ شاهداً على صدور الحديث عن مقام التدبير، أو مقام التشريع، أو غيرهما، فإنّ بالإمكان أن نقول أيضاً: إنّ معرفة المقام نفسه الذي صدر عنه النبي (ص) في موقفه أو تصرفه هو الآخر مؤشر على فهم الكلام الصادر عن النبي (ص)، أو الأئمة (ع) ومعرفة المقصود لهم.
  •  إنّ الحكم التشريعي المنصبّ على موضوعٍ معيّن يُفترض أن لا يتبدل ولا يتغيّر ما لم يتغيّر الموضوع وما لم يكن الزمان المعيّن مأخوذاً فيه شرطاً أو شطراً، لأنّ حكم الشرع في كل موضوع واحد ودائم، ولذا يفترض أن لا تختلف الأخبار التي تتضمن حكماً تشريعياً، إلا لدواعٍ وأسباب أخرى، كالتقيّة، أو غيرها، وأما الحكم التدبيري، فحيث إنّه بطبيعته لا يتسم بالثبات ويمكن أن يتغيّر من مرحلةٍ إلى أخرى، فبطبيعة الحال سوف ينعكس ذلك على الأخبار المتضمنة لبيانه، فتختلف إلى حدٍ يبدو للناظر إليها أنّها متعارضة، وقد يتعامل الفقهاء معها على هذا الأساس، ويجرون عليها أحكام وقواعد باب التعارض، ومنها: تساقط الخبرين، غفلة عن أنّهما قد يكونان صادرين لبيان حكمين تدبيرين، أو أن أحدهما صادر لبيان حكم تشريعي والآخر لبيان حكم تدبيري. وعلى ضوء هذا، فإنّه وعند اختلافَ الأخبار في المورد الواحد فلا ينبغي التسرع إلى التعامل معهما تعامل المتعارضين، غذ قد يكون ذلك بسبب تدبيريّة أحدهما أو تدبيرية الإثنين معاً، والحمل على التدبيرية أولى من إسقاط الخبريْن[41].
  • إنّ مستوى العناية بإيصال الحكم التدبيري، لا يبلغُ مستوى العناية بإيصال الحكم التشريعي، فالحكم التشريعي باعتباره يعبر عن الجانب الثابت في هذا الدين، يفترض أن تشتد العناية لإيصاله وبيانه وإبلاغه إلى الأمة، ما يفرض تكراره في أكثر من مناسبة، وإبلاغه بأكثر من بيان، وهذا بخلاف الحكم التدبيري، فإنّ العناية به ليست بهذا المستوى، إلا في حالات خاصة تبلغ أهمية استثنائية، والكلام بعينه يجري في إبلاغ الحكم الخبروي، فإن العناية في إبلاغه لا تبلغ مستوى الحكم التشريعي، بل وحتى أنها لا تبلغ أحياناً مستوى إبلاغ الحكم السلطاني، لأنّ الحكم التدبيري يتصل بانتظام المجتمع، ومخالفته تستدعي تبعة قانونيّة، بخلاف مخالفة الحكم الخبروي. والشواهد على حرص النبي (ص) على إبلاغ الأحكام الشرعيّة وإيصالها إلى الأمة وافرة، منها:

أولاً: تكرار الحكم في مجلس واحدٍ أكثر من مرة، ولذا يرد في الأخبار أنّه "قالها ثلاثاً"[42]، وقد روي عنه (ص): " أنّه كان إذا تكلّم بكلمةٍ أعادها ثلاثاً حتى تفهم عنه"[43]، أو تكرار المضمون نفسه في أكثر من مجلس أو مناسبة، وهذا  

ثانياً: إقامة "مسمعين يسمعون الناس ما يقوله.."[44]، كما حصل في خطبةِ الوداع   

ثالثاً: ما فُعل لأجل التأسي والتشريع[45]، كأفعال الصلاة، وأفعال الحج 

مع أمره (ص) بالاقتداء بفعله، بقوله (ص) - فيما روي عنه - :"صلوا كما رأيتموني أصلي"[46]، وقوله (ص): "خذوا عنّي مناسككم"[47].

رابعاً: أمره أو حثّه على نقلِ الحكم إلى الآخرين، كما في قوله (ص): "فليبلغْ الشاهد الغائب"[48]، أو قوله (ص): "نضّر الله عبداً سمع مقالتي فبلّغها"[49].

خامساً: إحاطة الحكمِ بجملةٍ من القرائن الحالية أو المقالية الموحية بأهميّة الأمر في دين الله تعالى، كما في قوله: "اللهم فاشهد". أو قوله: "ألا هل بلغت"[50]،

وقد يجتمعُ أكثر من عنصر من هذه العناصر في خبرٍ واحد، كما فيما روي عنه (ص) في حجة الوداع، ففي صحيحة أَبِي أُسَامَةَ زَيْدٍ الشَّحَّامِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه ع قَالَ: "إِنَّ رَسُولَ اللَّه ص وَقَفَ بِمِنًى حِينَ قَضَى مَنَاسِكَهَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ اسْمَعُوا مَا أَقُولُ لَكُمْ واعْقِلُوه عَنِّي، فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَلْقَاكُمْ فِي هَذَا الْمَوْقِفِ بَعْدَ عَامِنَا هَذَا، ثُمَّ قَالَ: أَيُّ يَوْمٍ أَعْظَمُ حُرْمَةً؟ قَالُوا: هَذَا الْيَوْمُ، قَالَ: فَأَيُّ شَهْرٍ أَعْظَمُ حُرْمَةً؟ قَالُوا: هَذَا الشَّهْرُ، قَالَ: فَأَيُّ بَلَدٍ أَعْظَمُ حُرْمَةً؟ قَالُوا: هَذَا الْبَلَدُ، قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَه فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ. أَلَا مَنْ كَانَتْ عِنْدَه أَمَانَةٌ فَلْيُؤَدِّهَا إِلَى مَنِ ائْتَمَنَه عَلَيْهَا، فَإِنَّه لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ ولَا مَالُه إِلَّا بِطِيبَةِ نَفْسِه، ولَا تَظْلِمُوا أَنْفُسَكُمْ ولَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً"[51].

هذا ولكنّ الإنصاف أنّ ما ذكر لا يعدّ معياراً عاماً وفارقاً حاسماً بين الحكميْن، فإنّ العناية كما تشتدّ وتعظم في إبلاغ الحكم الشرعي أو العقدي، فإنّها - أحياناً - تشتد وتعظم في إبلاغ الحكم التدبيري ذي الأهمية الخاصة، كما لو كان مرتبطاً بانتظام المجتمع واستقراره، وقد لاحظنا أنّ بعض القرائن المذكورة كشواهد على التشريعية استخدمت في بعض بيان بعض الأحكام التي قيل بتدبيريتها[52].     

عاشراً: الأصل عند دوران الأمر بين التشريعيّة والتدبيريّة

   عندما نحرز تشريعيّة الحكم الصادر عن النبي (ص) أو الإمام (ع) أو نحرز تدبيريته استناداً إلى القرائن السياقية أو اللفظية فلا تواجهنا مشكلة، ولكنْ ما هو الموقف لو اشتبه علينا الأمر ولم نعرف أنّ النبي (ص) مثلاً يتكلم بما هو مبلغ أو بما هو حاكم وسلطان؟

ذكر غير واحد من الأعلام أنّ الأصل هو المولويّة، قال بعض الفقهاء: "أنّ الأصل الأولي في كل ما يبينه النبي (ص) يقتضي صدوره عنه بداعي التشريع وتبليغ الحكم الكلي الإلهي المنزل عليه إلاّ مع قيام قرينة توجب رفع اليد عنه"[53]. وقال آخر: "الوظيفة الأوليّة والأساسية للنبي (ص) هي تبليغ الأحكام الإلهيّة بقوله وفعله وتقريره، فكلها - بحسب المبدأ - كاشفة عن الحكم الإلهي الدالة عليه في مواردها، ولا يمكن صرفها إلى غير ذلك إلا بقرينة دالة على أن قوله أو فعله أو تقريره إجراء ولايتي"[54].

وسوف يتكرر ذكر هذا الأصل ببيانات أخرى في مبحث الجبليّة، والخبرويّة، فإنّ فعله (ص) قد يدور أمره بين أن يكون فعلاً بشرياً جبليّاً أو تشريعيّاً، أو أنه تصرّف خبروي أو تشريعي، ويذهب البعض - كما سيأتي - إلى حمل فعله على التشريع في الحالين، وذلك، "لأنه (ص) بعث لبيان الشرعيات"[55].

 وفي تقرير مستند هذا الأصل يمكن أن نطرح أكثر من بيان:

 أولاً: ما ذكره العز بن عبد السلام والقرافي والشهيد الأوّل، قال الأول: " لأن فتياه أغلب من أحكامه"[56]، يقصد أحكامه القضائية، وقال الثاني: "الغالب في تصرفه صلى الله عليه وسلم الفتيا والتبليغ، والقاعدة أنّ الدائر بين الغالب والنادر إضافته إلى الغالب أولى"[57]، وقال الثالث: "ولا ريب أنّ الحمل على الإفتاء أولى، لأنّ تصرفه (ص) بالتبليغ أغلب، والحمل على الغالب أولى من الحمل على النادر"[58].

 ولكنّ الظاهر أنّ هذا التوجيه لا يتمّ، فالغلبة على فرض التسليم بها ليس بمستوى إلحاق التدبيريّة بالنادر الشبيه بالمعدوم، ليحصل الاطمئنان بالحمل على التشريع، ولذا لا تصلح دليلاً، غايته أنها تبعث على الظن وهو لا يغني من الحق شيئاً، فحالها كحال الاستقراء الناقص، بل أدون، لأن الاستقراء ولو كان ناقصاً يكشف أنّ الوصف الذي لاحظناه عندما يتكرر وجوده في الأفراد هو وصف ثابت لنفس الطبيعة، وأنّه ليس من عوارض الفرد، ولذا لم نلحظ انفكاكه في أي فرد، وأمّا الغلبة فلا يمكن أن تكشف عن طبيعة الشيء، فتشريعيّة هذا الفرد أو ذاك أو ذاك لا تبرهن أنّ طبيعة الحكم هي التشريع، إذ لو كانت الطبيعة كذلك فلمَ انفكت في العديد من الأفراد؟!

 ثانياً: إنّ الأصل المذكور هو ما يقتضيه شأن النبي (ص)، يقول بعض الفقهاء: "فإنّ شأن النبي (ص) بما هو نبي إنّما هو تلّقي الأحكام بالوحي وبيانه للأمة"[59].

أقول: ما أفيد من أنّ الأصل الأولي يقتضي صدوره عنه بداعي التشريع أشبه بالمصادرة، صحيح أنّ شأن النبي (ص) ومغزى نبوّته هو في تلقي الأحكام من خلال الوحي وبيانها للأمة، لكنّ للنبي(ص) وكذا الإمام (ع) شأناً آخر ووظيفة أخرى، وهي الحاكمية وتدبير شؤون الأمة، وهي تستدعي صدور أحكام تناسبها.

ثالثاً: وربما يمكن إثبات نتيجة الأصل ( أقصد أصالة التشريع ) وأنّه في حال الشك وعدم إحراز تدبيرية أو تشريعية الحكم الصادر عن النبي (ص) أو الإمام (ع)، فلا بدّ من الجري على مقتضى التشريعيّة عملاً، وذلك لأحد التوجيهات التاليّة:

التوجيه الأول: استصحاب بقاء الحكم السابق، فإنّه في حال الشكّ في ظرفيّة الحكم الصادر عنه (ص) فاستصحاب بقائه يكون ساري المفعول، والاستصحاب هنا لا يجعل من الحكم المستصحب تدبيرياً أو مولوياً، لكنه يثبت بقاءه واستمراره.

ولكن ثمة من يرفض جريان الاستصحاب في الشبهات الحكميّة.

التوجيه الثاني: التمسك بعموم قول الإمام الصادق (ع): "حَلَالُ مُحَمَّدٍ حَلَالٌ أَبَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وحَرَامُه حَرَامٌ أَبَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يَكُونُ غَيْرُه ولَا يَجِيءُ غَيْرُه"[60]، بناء على أن حلاله وحرامه هو أعم من حلاله بصفته رسولاً أو حلاله بصفته إماماً وقائداً.

 ولكن هذا لا يخلو من إشكال، وتأمل، لقوة انصراف الحديث المذكور إلى ما أحلّه (ص) بصفته رسولاً وليس بصفته مدبراً لشؤون المجتمع، وإلا لو صحّ لكان معارضاً لأصل التدبيرية، وبكلمة أخرى: إنّ التأبيد مختص بما من شأنه التأبيد والحكم التدبيري ليس كذلك.

التوجيه الثالث: التمسك بالإطلاق الأزماني لكلامه، (ص)، فاحتمال التدبيرية في قوله (ص) لا يمنع من بقائه على الحجيّة أخذاً بالإطلاق، وبالتالي فلا يسمح ذلك للحاكم أن يلغي ذلك الحكم الصادر عن المعصوم ما لم يثبت له تدبيريته، أو يكون إلغاؤه مؤقتاً استناداً إلى صلاحية الحاكم بتجميد بعض الأحكام في حالات التزاحم كما أسلفنا.

وقد اتضح مما سلف أنّ أصالة التشريع في كلام (ص) لا دليلَ عليها على إطلاقها، والأمرُ يجري في فعله (ص) أيضاً، بل إنّ الأمر أكثر وضوحاً في الفعل، لأن الفعل وإن كان حجة بيد أنه عمل صامت واحتمال التدبيرية فيه لا يدفع إلا مع قيام قرينة مقامية أو مقالية على التشريع.

نعم، ثمّة وجهٌ آخر في المقام يقتضي التفصيل، وحاصله: إنّ ثمة مجالات يكون التشريع الإلهي هو الأساس فيها كما في قضايا العبادة أو نحوها مما يغلب التعبد أو الغيبيّة عليها، فهنا يكون الأصل فيها هو التشريعيّة، إلا إذا قامت القرينة على التدبيرية، وفي المقابل ثمّة مجالات أخرى يكون التعبد فيها مستبعداً وهي القضايا النظاميّة والإدارية، فهنا إذا لم يسعنا القول: أنّ الأصل فيها هو التدبيريّة، ما لم تقم قرينة على التشريعيّة، فلا أقل من أن يقال: إن هذا النطاق هو مظنة التدبير.

بين التخصيص والتدبير

وثمة مسألة على صلة وثيقة بما نحن فيه ( دوران الأمر بين التشريعية والتدبيرية )، وهي أنّه إذا دار الأمر بين التخصيص أو التدبير فعلى أيّهما يُبنى؟

 وعلى سبيل المثال: إنّ قوله تعالى {حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [محمد: 4]، ظاهر في طرح خيارين فقط في التعامل مع الأسرى، وهما المن أو الفداء، ومقتضى الإطلاق هو لزوم الأخذ بهذين الخيارين حتى مع إمكان الاسترقاق، وعليه، فما دل على جواز الاسترقاق من السيرة ومن بعض الأخبار، يمكن حمله - كما هو المشهور - على تقييد الإطلاق المذكور، فيكون الاسترقاق  خياراً تشريعياً ثالثاً، ويمكن حمله - أيضاً - على التدبير، لبعض القرائن، منها أنّ هذا المقام (مقام الحروب وأساليبها) هو أمر يناط بيد الحاكم الشرعي، ما يجعل التدبيريّة أمراً محتملاً في حركة الكثير من تفاصيله، حتى لو كانت مبادئه العامة تشريعية، وعليه، فعند دوران الأمر بين تقييد الآية أو  بقائها على إطلاقها، فإنّ الأمر في الاسترقاق يدور بين التشريع والتدبير، فما هو الأصل في هذه الصورة؟

 وهنا يمكن القول: ما دام بالإمكان الاحتفاظ بإطلاق المطلق، وهو الآية في المثال، فلا يصار إلى التقييد، ولا يرفع اليد عنها إلا بدليل، ولسنا نملك دليلاً ملزماً بالالتزام بالتقييد ما دام أنّه يمكن الحفاظ على إطلاق الدليل أو عمومه.

وفي المقابل، قد يقال: إنّ ذلك (الاحتفاظ بإطلاق الآية) ينافي الإطلاق الأزماني في كلامه (ص) الدال على شرعية الاسترقاق، وهذا الإطلاق جارٍ ومحكم، وهو يُثبت نتيجة التشريعية، لجهة استمرار الحكم. فنحن أمام إطلاقين، وهما: الإطلاق الأحوالي في الآية، والإطلاق الأزماني لكلامه (ص)، والأخذ بالإطلاق الأحوالي للآية يعني نفي وجود خيار ثالث في أصل الشرع ما يفتح الباب على تدبيرية ما صدر عنه (ص)، والأخذ بالإطلاق الأزماني لكلامه (ص) يعني تقييد إطلاق الآية في نفي الخيار الثالث، ومرجع هذا الدوران بين الإطلاق والتقييد إلى الشك بين الأقل والأكثر، والأكثر هنا هو الإطلاق بينما التقييد هو الأقل[61]، فنجري أصالة البراءة عن الأكثر. 

ويمكن أن يقال: إنّ مؤشرات التدبيريّة المحتملة تجعل الكلام محتفاً بما يصلح للقرينية، الأمر الذي يمنع من انعقاد الإطلاق الأزماني، لأنّ حجيّة الإطلاق ليست من باب التعبد بل من باب إفادته للظهور، ووجود احتمال معتد به على التدبيرية يمنع من انعقاد الظهور

ويمكن دعوى أنّ الكثير من الحالات التي تعامل معها الفقه على أساس التقييد والتخصيص هي ليست كذلك، ولا سيما أن كثرة التخصيص والخروج عن المبادئ العامة هي حالة مستهجنة.

حادي عاشر: الحكم التدبيري: خارطة طريق

هذا المحور من الحديث هو من المحاور المهمة، حيث يتمّ من خلاله إلقاء الضوء على المجالات التي تتحرك فيها الأحكام التدبيرية، بما يبين لنا الدائرة التي تطالها تلك الأحكام، وسوف نكتشف أنّ مساحة الأحكام التدبيرية واسعة، وقد أحصى بعض العلماء موارد التدبير فعدّ منها ثلاثين مورداً كلها بنظره كانت "تدابير وأوامر حكومية، وولايتية"[62]. ولكننا ومن خلال التتبع اكتشفنا أنّ تصرفاتهم (ع) الصادرة عنهم من موقع التدبير تزيد على ذلك بكثير، وهي تكاد تغطي كافة الأبواب الفقهية، بالأخص أبواب المعاملات.

 وسوف نحرص فيما يأتي على ذكر عدد كبير من الأمثلة التي عثرنا عليها والتي يُرجَّح أو يحتمل أنها أحكام تدبيرية، وذلك تأكيداً للمبدأ العام وتعزيزاً للفكرة، وتمكيناً للباحثين من التعرّف على موارد التدبير وتمييزها عن موارد التشريع، وهذا ما قد يساعد أيضاً على إيجاد ناظم بين هذه الأحكام وتحديد دائرتها.

 وما سوف يُذكر من أمثلة ونماذج فيما يأتي لا نحتّم فيها الرأي بتحديد جهة الصدور، وأنّها أحكام تدبيريّة، فحسم الموقف في الأمثلة الآتية بحاجة إلى دراسة معمقة وموسعة، وهذا ما ينبغي أن يتولاه علم الفقه، وإنّما غرضنا هنا ذكر ما قيل أو يمكن أن يقال بكونها أحكاماً تدبيرية، وذلك بصدد إعطاء صورة تقريبيّة لحركة الأحكام التدبيريّة، وقد يكون من المناسب عقد باب خاص لها في الحديث والفقه تحت عنوان الأحكام التدبيرية أو الولايتية.

 وقد لاحظنا بعد جمع العدد الأكبر من الأمثلة أنّ بالإمكان تبويبها ضمن بعض العناوين العامة:

النطاق الأول: القضايا المتصلة بالتنظيم المدني

إنّ قضيّة التنظيم العام للمدن هو أمر متغير ومتحرك، تبعاً لتطور نمط الحياة ووسائل النقل، وكثرة السكان، ومن الطبيعي أن تقلّ الأحكام الإلزامية التشريعية في هذا المجال، لأنها قد تكون عامل جمود أمام الحياة المدنيّة المتطورة، وبذلك يُفسح في المجال أمام الحاكم الشرعي لإصدار قرارات متغيّرة. وقد تكلّمنا عن ذلك في كتاب الإسلام والبيئة عن دور السلطة في التنظيم المدني بشكل عام، وسوف أقتصر هنا على ذكر نموذجين يؤشران على حركة الأحكام التدبيرية في هذا النطاق:

  1. الطرقات وسعتها

في تحديد عرض الطريق العام الذي يتمّ شقّها في الأرض العامة (أرض الموات) يوجد قولان:

الأول: "أنّ حدّه في الموات خمسة أذرع، وهو ظاهر المحقق في الشرايع، وحكي عن فخر المحققين نسبته إلى كثير من الأصحاب وعن بعض آخر نسبته إلى الأكثر"[63]، ومستندهم هو معتبرة أبي العباس البقباق عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا تشاح قوم في طريق، فقال بعضهم: سبع أذرع، وقال بعضهم: أربع أذرع، فقال أبو عبد الله عليه السلام: لا، بل خمس أذرع"[64].

الثاني: " أنّ حدّه في الموات سبعة أذرع، ونسب هذا القول إلى الشيخ، والقاضي، والحلبي، والفاضل في جملة من كتبه، وولده، والشهيدان، والمحقق الكركي"[65].

ودلّت على ذلك معتبرة السكوني عن الإمام الصادق (ع): ".. والطَّرِيقُ يَتَشَاحُّ عَلَيْه أَهْلُه فَحَدُّه سَبْعَةُ أَذْرُعٍ"[66].

ويرى بعض الفقهاء أنّه يحصل التعارض بين المعتبرتين المتقدمتين، وذلك "في المقدار الزائد على الخمسة. وأما فيها فهما متفقتان.. فالنتيجة هي أنّ خمسة أذرع لا بد منها على كل تقدير، وإنّما النزاع بينهما في المقدار الزائد عليها، فإنّ إحداهما تثبته، والأخرى تنفيه، وبما أنه لا يتوفر الترجيح لإحداهما على الأخرى لتعالج به مشكلة التعارض بينهما فتسقطان معاً عن الاعتبار في مورد المعارضة"[67].

 بهذه الطريقة قارب بعض الفقهاء المعاصرين مسألة عرض الطريق، ليضيف على ذلك متسائلاً: هل يجوز التصرف في الزائد على السبعة إذرع بإحياء أو نحوه؟ وأجاب: فيه تفصيل، فإن كان الزائد عن ذلك ليس مورد الحاجة جاز إحياؤه، وأمّا إن "كان مورداً لحاجة المارة من ناحية كثرتها أو كثرة وسائلها النقلية لم يجز إحيائه على أساس انه يوجب مزاحمتها، ولا سيما في مثل زماننا هذا"[68]. وقد توصّل إلى هذه النتيجة جمع من الفقهاء في الماضي والحاضر[69].

ثمّ إنّه وفي مقام التغلّب على إشكاليّة التحديد المذكور سواء كان بخمس أذرع أو سبع لعدم وفائه بحاجات الإنسان المعاصر لجأ بعض الفقهاء[70] إلى التمسك بصلاحيات الولي الفقيه، على قاعدة أنّ عرضَ الطريق وإن كان خمسة أذرع في أصل الشرع، ولكنْ بإمكان الحاكم أن يأمر بتوسيعه تبعاً لحاجات الناس.

 وملاحظتنا على ذلك هي أنّ هذا ليس بأولى من حمل أصل التحديد بالخمسة أو السبعة أذرع الوارد في النصوص على أنّه تحديد تدبيري ولايتي، على أنّ هذه الطريقة التي يتمسك بها بعض العلماء كثيراً في محاولة تفسير النص، توحي بأنّ الشريعة بحسب أحكامها الأوليّة غير قادرة على مواكبة الحياة، ولهذا يلجأ إلى سلطة ولاية الفقيه للتغلب على المشكلة!

إنّ الحكم الشرعي في مثل هذه الحالات هو أنّ عرض الطريق يجب أن يكون بالمقدار الذي يحقق حاجة الناس وينظّم حياتهم، فهو يتسع ويضيق حسب اختلاف الحاجة، وحيث كانت الحاجة متغيرة من وقت لآخر ومن مكان وآخر، فيكون تقدير الحاجة هو الحاكم الشرعي.

والشاهد على تدبيريّة هذه الأحكام، هو:

أولاً: إنّ هذا المجال المتصل بالتنظيم المدني وخصوصاً حركة الطرقات العامة، هو من المجالات المتحركة والمتغيرة، والتي تختلف باختلاف وسائل النقل وازدحام السكان السالكين لهذا الطريق، وعليه فمن غير المناسب للمشرع الحكيم أن يملأ هذا الحقل بأحكامٍ تشريعيّة ثابتة ودائمية.

 ثانياً: وفي بعض الأخبار ما يؤشر على تدبيريّة هذا الحكم، وأنّه قابل للتغيير في المستقبل، وذلك في زمن الإمام المهدي، فقد روى أبو بصير، عن أبي جعفر عليه السلام - في حديث طويل - أنه قال: " إذا قام القائم عليه السلام سار إلى الكوفة فهدم بها أربعة مساجد، فلم يبق مسجد على وجه الأرض له شرف إلا هدمها وجعلها جماء، ووسع الطريق الأعظم، وكسر كل جناح خارج في الطريق، وأبطل الكنف والمآزيب إلى الطرقات ، ولا يترك بدعة إلا أزالها ولا سنة إلا أقامها.."[71]. ويوضح نقل آخر للخبر مقدار التوسعة التي يقوم بها المهدي (ع) في الطريق الأعظم، وذلك ما رواه الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة بسنده عن أبي بصير [ عن أبي جعفر ] في حديث له اختصرناه، قال: "إذا قام القائم عليه السلام، دخل الكوفة وأمر بهدم المساجد الأربعة حتى يبلغ أساسها ويصيّرها عريشاً كعريش موسى، وتكون المساجد كلّها جمّاء لا شُرف لها كما كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله، ويوسّع الطريق الأعظم فيصير ستين ذراعاً، ويهدم كل مسجد على الطريق ، ويسدّ كل كوة إلى الطريق ، وكل جناح وكنيف وميزاب إلى الطريق"[72].

وتقريب سياقِ الحديث أنّ التوسعة في الطريق التي تحصل في زمن المهدي المنتظر (ع)[73] هي من باب إقامة السنة وإزالة البدعة، وهذا لا وجه له مع كون عرض الطريق شرعاً مقدار خمسة أو سبعة أذرع، فكيف يكون ذلك بدعة؟ وهو مما جاء في الخبر عنه؟! إنّ هذا يؤشر إلى أن ما هو سنة هو أن يكون الطريق بمقدار يفي بتحقيق احتياجات المجتمع، وأما الخمسة أذرع أو السبع أو الستين فهي تطبيقات للمبدأ العام وهو مراعاة حاجة الناس.

ثالثاً: إنّ اللافت أنّ الخبرين المشار إليهما قد ذكرا حكم المسألة في حالة التشاح، وموارد التشاح في الشأن العام هي مما يتدخل فيها الإمام بصفته حاكماً بهدف حسم النزاع، وكأنّه في حال عدم التشاحّ لم يكن هناك مشكلة تبرر إصدار تحديد للطريق.

ولا يخفى أنّ حملَ التحديد المذكور في الخبريْن على التدبيريّة سيخلّصنا من مؤونة التعارض والتفكير في علاجها، لأنّ التحديد التدبيري في كل خبر محمول على نطاق زماني معين، فلا معارضة، وهذا أقلّ مؤونة من إسقاط الخبرين في مادة التعارض.

  1. تنظيم الأسواق

لا يخفى أنّ للحاكم دوراً أساسياً في مراقبة الأسواق وتنظيم حركتها، لجهة التزامها بالضوابط الشرعيّة في الاجتناب عن بيع المحرمات والممنوعات والمضرات أو ممارسة الاحتكار أو غيره، وله أيضاً دور مهم في تنظيم الأسواق لجهة بنائها وتوفرها على شروط النظافة والسلامة والصحة العامة. وهذا النطاق أو الحقل يخضع للعديد من الاعتبارات المتغيّرة، فلا يناسب أن تملأه الشريعة بأحكام تفصيلية تشريعية ثابتة، فينبغي أن تترك مساحة للسلطة الشرعية لتملأها بالأحكام السلطانية المناسبة، ومن هنا فإننا نرجح أنّ كثيراً مما فعله النبي (ص) أو أمير المؤمنين (ع) في هذا الإطار إنّما فعله بصفته قائداً يرمي إلى تنظيم شؤون السوق. وفيما يلي نشير إلى عملين أساسيين للحاكم في هذا المجال:

  • اختيار المكان الملائم للسوق

تشير المصادر المختلفة أنّ النبي (ص) كان يقوم بنفسه باختيار وانتخاب المكان الملائم للسوق، ففي الحديث، أنّ رسول الله (ص) ذهب إلى سوق النبيط[74]، فنظر إليه، فقال: "ليس هذا لكم بسوق"، ثم ذهب إلى سوق، فنظر إليه، فقال: "ليس هذا لكم بسوق"، ثم رجع إلى هذا السوق فطاف فيه، ثم قال: "هذا سوقكم، فلا ينتقصن ولا يضربن عليه خراج"[75].

وفي رواية أخرى: عن أبي أسيد، جاء إلى النبي (ص) فقال: بأبي أنت وأمي إني قد رأيت موضعاً للسوق أفلا تنظر إليه؟ قال: بلى، فقام معه حتى جاء موضع السوق، فلما رآه أعجبه، وركضه برجله، وقال: نعم سوقكم، فلا ينتقض ولا يضربن عليه خراج"[76].

  • منع التعدي في بناء السوق

ومنع التعدي في بناء الأسواق هو - أيضاً - من المهمات التي تضطلع بها السلطة، ونجد في سيرة أمير المؤمنين (ع) أنّه كان يتصدى لمنع التعديات والمخالفات في بناء السوق، ففي الخبر عن الأصبغ بن نباتة المجاشعي أنّ علياً (ع) خرج إلى السوق، فإذا دكاكين قد بنيت بالسوق، فأمر بها فخربت فسويت، قال: ومرّ بدور بنى البكاء، فقال: هذه من سوق المسلمين، قال: فأمرهم أن يتحولوا وهدمها، قال: وقال علي (ع): من سبق إلى مكان في السوق فهو أحق به، قال: فلقد رأيتنا يبايع الرجل اليوم ههنا وغداً من ناحية أخرى"[77].

وهذا النصّ في الوقت الذي يدل على أنّ السلطة من حقها منع التعديات والتجاوزات المضرة في الأسواق، فإنه يكشف لنا طبيعة السوق آنذاك، فالأسواق كانت من إنشاء الدولة وهي ملك لها، وهي تبيح للناس بالإفادة منها، دون أخذ أجرة على ذلك، وكان كل من يسبق إلى مكان في السوق فهو أحق به إلى الليل، وهذا ما يدلّ عليه الخبر المعتبر عن طلحَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه ع قَالَ: "قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) سُوقُ الْمُسْلِمِينَ كَمَسْجِدِهِمْ فَمَنْ سَبَقَ إِلَى مَكَانٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِه إِلَى اللَّيْلِ[78] قَالَ: وكَانَ لَا يَأْخُذُ عَلَى بُيُوتِ السُّوقِ كِرَاءً"[79].

وهذا يذكرنا بالأسواق الشعبيّة التي لا تزال قائمة إلى يومنا هذا في بعض البلدان، حيث يتوافد الناس كل أسبوع إلى بقعة محددة ومعدّة مسبقاً ويفترشون بضائعهم أمام الزبائن. وطبيعي أنّ هذه الأسواق كانت تفي بحاجات الناس آنذاك، ولكنها اليوم لم تعد تفي بها.

وكيف كان، فإنّ النبي (ص) لما كان ينظّم السوق لم يفعل ذلك بصفته رسولاً بل بصفته قائداً وولياً للأمر.

  1. استحداث المؤسسات الضرورية

ومن الأمور المتحركة التي يفرضها تطور الحياة المدنية، بهدف تنظيم الأمور في المجتمعات، إنشاء بعض المؤسسات الضرورية، ومنها إنشاء السجون، أو غيرها، ويمكن أن نذكر في هذا السياق: إنشاء مربد[80] للإبل الضالة من قبل الإمام علي (ع)، ففي الوقت الذي روي عن النبي (ص) أنّ ضالة الإبل لا تؤخذ وتترك لشأنها، وهذا ما رواه الفريقان، ففي صحيحة هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه ع قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ص فَقَالَ لَه: يَا رَسُولَ اللَّه إِنِّي وَجَدْتُ شَاةً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّه (ص): هِيَ لَكَ أَوْ لأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّه إِنِّي وَجَدْتُ بَعِيراً، فَقَالَ: مَعَه حِذَاؤُه وسِقَاؤُه حِذَاؤُه خُفُّه وسِقَاؤُه كَرِشُه فَلَا تَهِجْه"[81]، وفي صحيح مسلم بسنده عن زيد بن خالد الجهني أنه قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن اللقطة فقال اعرف عفاصها ووكاءها ثم عرفها سنة فان جاء صاحبها والا فشأنك بها قال فضالة الغنم قال لك أو لأخيك أو للذئب قال فضالة الإبل قال ما لك ولها معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها"[82]. إلا أننا نجد في سيرة الإمام علي (ع) أنه بنى لضوال الإبل مربداً خاصاً توضع به إلى أن يأتي صاحبها ببينة ويأخذها، ففي الخبر عن سعيد بن المسيب قال: رأيت علياً بنى للضوال مربداّ، فكان يعلفها علفا لا يسمنها ولا يهزلها من بيت المال، فكانت تشرف بأعناقها، فمن أقام بينة على شيء أخذه، وإلا أقرها على حالها لا يبيعها، فقال سعيد بن المسيب: لو وليت أمر المسلمين صنعت هكذا"[83]. وإنشاء الإمام (ع) للمربد - لو ثبت بطريق معتبر - هو إجراء تدبيري اتخذه بصفته ولياً للأمر.  وربما يقال: إنّ الوجه ما دفعه إلى ذلك أنّه (ع) رأى إبقاء ضالة الإبل دون حفظ قد يضيّعها على أهلِها بسبب حدوث تغيّر اجتماعي جعل البعض يستسهل تملك الضوال مثلاً.

من كتاب: أبعاد الشخصية النبوية (دراسة أصولية في تصرفات الرسول صلى الله عليه وآله التشريعية والتدبيرية والخبروية والبشرية)



 [1]في الحديث عن الإمام علي (ع): "اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّه لَمْ يَكُنِ الَّذِي كَانَ مِنَّا مُنَافَسَةً فِي سُلْطَانٍ، ولَا الْتِمَاسَ شَيْءٍ مِنْ فُضُولِ الْحُطَامِ، ولَكِنْ لِنَرِدَ الْمَعَالِمَ مِنْ دِينِكَ، ونُظْهِرَ الإِصْلَاحَ فِي بِلَادِكَ، فَيَأْمَنَ الْمَظْلُومُونَ مِنْ عِبَادِكَ، وتُقَامَ الْمُعَطَّلَةُ مِنْ حُدُودِكَ" نهج البلاغة، ج 2، ص 13.

[2] يقول العلامة الحلي مبيناً شروط عقد الذمة: " الأول: أن يتولاه الإمام أو من يأذن له، لأنه من الأمور العظام، لما فيه من ترك الجهاد على الإطلاق أو في جهة من الجهات. ولأنه لا بد فيه من رعاية مصلحة المسلمين والنظر لهم، والإمام هو الذي يتولى الأمور العامة"، انظر: تذكرة الفقهاء ج 9 ص 353. ويقول الشيخ كاشف الغطاء في بيان شروط عقد المهادنة: "وتشترط فيها موافقة مصلحة المسلمين، فلو كان في المسلمين قوّة، ولا صلاحَ لهم فيها، لم يَجُز عقدها"، انظر: كشف الغطاء في مبهمات الشريعة الغراء ج 4 ص 351.

[3] المبسوط ج 1 ص 335. ونظيره ما ذكره في النهاية في مجرد الفقه والفتاوى 195. وإصباح الشيعة بمصباح الشريعة ص 122، وتحرير الأحكام للعلامة ج 2 ص 170. وفي كيفية تأجير هذه الأرض وهو ما يعرف بالخراج أو المقاسمة يقول المحقق الكركي:" ومرجع ذلك إلى نظر الإمام حسب ما تقتضيه مصلحة المسلمين عرفا"، انظر: الخراجيات ص 70.

[4] فلو تظاهر غير المسلمين في ظلّ الدولة الإسلامية بفعل المحرمات كشرب الخمر أو نكاح المحرمات نقضوا بذلك العهد فقد ذكر بعض الفقهاء (الشيخ الطوسي) أنّ الإمام "يفعل فيهم ما يراه صلاحاً للمسلمين"المبسوط ج 2 ص 44. ومثال آخر، قال ابن حمزة في بيان ما يحق للحاكم في إدارة الحرب:" ويجوز بذل الجعل لمن دل على مصلحة المسلمين"، انظر: الوسيلة ص 201.

[5] موسوعة طبقات الفقهاء، ج ،1 ص 272.

[6] كما جاء في معتبرة محمد بن قيس، أنظر: تهذيب الأحكام، ج 8، ص 51، وانظر: ج 7، ص 370، والاستبصار، ج 3، ص 231.

[7] مروي عن الإمام علي (ع)، رواي مرسلاً، كما في نهج البلاغة، ج 4، ص 41، من لا يحضره الفقيه، ج 4، ص 381، ورواه الصدوق عنه (ع) مسنداً في الخصال، ص 139، ودعائم الإسلام، ج 1، ص 350، وهو مروي أيضاً عن الإمام زين العابدين (ع) في رسالة الحقوق، انظر: من لا يحضره الفقيه، ج 2، ص 621، والأمالي للصدوق، ص 452، والخصال، ص 567، ومروي عن الإمام الصادق (ع)، رواه الصدوق بسنده إلى الأعمش، عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال: "هذه شرائع الدين لمن أراد أن يتمسك بها وأراد الله هداه..." انظر: الخصال، ص 603، وهو مروي أيضاً عن الإمام الرضا فيما كتبه للمأمون في محض الاسلام وشرائع الدين، انظر: عيون أخبار الرضا (ع)، ج 2، ص 129.

[8] دراسات في ولاية الفقيه ج 2 ص 60.

[9] حول ذلك يمكنك مراجعة ما ذكرناه في كتاب الشريعة تواكب الحياة ص

[10] بحسب تسمية بعض الفقهاء، انظر: الاجتهاد والتجديد للشيخ شمس الدين، ص

[11] الإسلام يقود الحياة ص45.

[12] المرجعية والقيادة للسيد الحائري، ص 133.

[13] الإسلام يقود الحياة ص45.

[14] الكافي، ج 3، ص 560، ومن لا يحضره الفقيه، ج 2، ص 34. وفي خبر آخر عن إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِيه قَالَ دَخَلْتُ أَنَا وأَبُو بَصِيرٍ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّه ع فَقَالَ لَه أَبُو بَصِيرٍ إِنَّ لَنَا صَدِيقاً وهُوَ رَجُلٌ صَدُوقٌ يَدِينُ اللَّه بِمَا نَدِينُ بِه فَقَالَ مَنْ هَذَا يَا أَبَا مُحَمَّدٍ الَّذِي تُزَكِّيه فَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ صَبِيحٍ فَقَالَ رَحِمَ اللَّه الْوَلِيدَ بْنَ صَبِيحٍ مَا لَه يَا أَبَا مُحَمَّدٍ قَالَ جُعِلْتُ فِدَاكَ لَه دَارٌ تَسْوَى أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ ولَه جَارِيَةٌ ولَه غُلَامٌ يَسْتَقِي عَلَى الْجَمَلِ كُلَّ يَوْمٍ مَا بَيْنَ الدِّرْهَمَيْنِ إِلَى الأَرْبَعَةِ سِوَى عَلَفِ الْجَمَلِ ولَه عِيَالٌ ألَه أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الزَّكَاةِ قَالَ نَعَمْ قَالَ ولَه هَذِه الْعُرُوضُ فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ فَتَأْمُرُنِي أَنْ آمُرَه أَنْ يَبِيعَ دَارَه وهِيَ عِزُّه ومَسْقَطُ رَأْسِه أَوْ يَبِيعَ جَارِيَتَه الَّتِي تَقِيه الْحَرَّ والْبَرْدَ وتَصُونُ وَجْهَه ووَجْه عِيَالِه أَوْ آمُرَه أَنْ يَبِيعَ غُلَامَه وجَمَلَه وهُوَ مَعِيشَتُه وقُوتُه بَلْ يَأْخُذُ الزَّكَاةَ وهِيَ لَه حَلَالٌ ولَا يَبِيعُ دَارَه ولَا غُلَامَه ولَا جَمَلَه الكافي، ج 3، ص 562، وعنه وسائل الشيعة، الحديث 3، الباب 9 من نس الأبواب. ووصف المجلسي الخبر بالموثق، انظر: مرآة العقول، ج 16، ص 112.

[15] انظر الاجتهاد والتجديد ص 204.

[16] مقالات تأسيسية في الفكر الإسلامي، ص 168 – 170.

[17] الكافي ج1 ص58.

[18] اقتصادنا ص 401.

[19] إنّ النبي (ص) أو الإمام (ع) عندما يشاوران فليس بالضرورة أنّهما بحاجة للمشورة، ولكنه أدبٌ قرآني وسلوك للقدوة، ولكنّ من عداهما من الحكام هم بكل تأكيد بحاجة للاستنارة بآراء الآخرين، وهناك جدل فقهي حول مدى لزوم المشورة ابتداءً، ومن ثمّ لزوم الأخذ بنتيجتها، وهذا يبحث في محله. وأمّا بعد إبرام الحكم التدبيري فيجب امتثاله ولا يحقّ لأحدٍ الاعتراض عليه، قال تعالى: {..وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إنّ الله يحب المتوكلين} [آل عمران 159]. 

[20] يقول الشيخ مرتضى المطهري: " إن النبي (ص) كان يتلقى الأحكام من الوحي بصورة مباشرة، أما الذي يأتي بعده فيتلقاها منه ويبلغها للناس، وهذه هي الإمامة"، الإسلام ومتطلبات العصر، ص 142، وهذا - فضلاً عن كونه محل إجماع -  يستفاد من النصوص، ومنها ما روي عن أمير المؤمنين (ع) وقد سئل هل عندكم من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) شئ من الوحي سوى القرآن قال لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا أن يعطي عبدا فهما في كتابه" التفسير الصافي، ج 1، ص 31، ولم أعثر على هذه الرواية في مصادر الحديث الشيعية، وإنما هي موجودة في مصادر السنة، ففي سنن النسائي بسنده إلى أبي جحيفة يقول: سألنا عليا فقلنا هل عندكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم شىء سوى القرآن فقال لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا أن يعطى الله عز وجل عبدا فهما في كتابه أو ما في هذه الصحيفة قلت وما في الصحيفة قال فيها العقل وفكاك الأسير وأن لا يقتل مسلم بكافر" سنن النسائي، ج 8، ص 24، وورواه البيهقي في السنن الكبرى، ج 8، ص 28، والصنعاني في المصنف، ج 10، ص 100..

[21] الكافي ج 1 ص 53.

[22] قاعدة لا ضرر للسيد فضل الله ص93.

[23] قاعدة لا ضرر للسيد السيستاني ص186.

[24] كتاب النكاح من تقرير درس السيد فضل الله ج 2 ص 159 – 160.

[25] فقه الصادق ج 18 ص 397.

[26] على تفصيل فيما يجوز إسناده إلى الله تعالى، فإنه لو كان الدليل قطعياً فيجوز دون شك نسبته إلى الله تعالى، وأما إذا كان أمارة ظنية وقام الدليل على حجيته، فلا ريب في جواز إسناد الحجية أعني الكم الظاهري نفسه إلى الشارع، لأنه قطعي الصدور، وأما إسناد مؤدى الأمارة إلى الشارع ففيه كلام مطروح في علم الأصولأ، أنظر: دروس في علم الأصول، الحلقة الثانية، ص 53.

[27] الاجتهاد والتجديد للشيخ شمس الدين ص78.

[28] الميزان، ج، 1 ص 52.

[29] بدائع الدرر ص108.

[30] أنظر: المنتظري، دراسات في المكاسب المحرمة ج1 ص540.

[31] تبنى ذلك الشيخ شمس الدين، انظر: الاجتهاد والتجديد م. ن. ويستفاد ذلك من الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، حيث قال في تفسير كون ما صدر عن عمر تحريماً زمنيا: " بل نسب التحريم إلى نفسه، وجعل العقاب عليهما منه لا من الله سبحانه".

[32] الكافي ج 3 ص 530، والاستبصار ج 2 ص 12 وتهذيب الأحكام ج 4 ص 67.

[33]  شرح العروة الوثقى - الزكاة ( موسوعة الإمام الخوئي ): تقرير بحث السيد الخوئي للبروجردي، ج 23، ص 142.

[34] احتمل ذلك الشيخ المنتظري كما تقدم، لكنه اعتبر ذلك من الأحكام السلطانية التي تتسم بالدوام.

[35] الكافي ج 3 ص 568.

[36] دراسات في ولاية الفقيه ج3 ص379.

[37] تهذيب الأحكام، ج 9، ص 70.

[38] الاستبصار ج 2 ص 61.

[39] الكافي، ج 5، ص 468، في سنده سهل بن زياد.

[40] من قبيل ما روي عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه ع قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّه ص أَمَرَنِي رَبِّي بِمُدَارَاةِ النَّاسِ كَمَا أَمَرَنِي بِأَدَاءِ الْفَرَائِضِ"، الكافي، ج 2، ص 17. وفي حديث آخر عنه (ص): " أَمَرَنِي رَبِّي بِحُبِّ الْمَسَاكِينِ الْمُسْلِمِينَ"، الكافي، ج 8، ص 8.، وقال (ص) في شأن صلاة العشاء الآخرة: " ، أمرني الله وأمتي بهذه الصلاة"، المحاسن، 2، ص 323، وفي حديث فدك روي عن الكاظم (ع) عن رَسُولُ اللَّه ص) َقَالَ: "يَا فَاطِمَةُ إِنَّ اللَّه أَمَرَنِي أَنْ أَدْفَعَ إِلَيْكِ فَدَكاً"، الكافي، ج 1، ص 543،

[41] تطرقنا إلى هذا الأمر في بحث الولد غير الشرعي، لاحظ: موضوع شهادة الولد غير الشرعي.

[42] عن مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (ع) قَالَ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يُظِلَّه اللَّه يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّه، قَالَهَا ثَلَاثاً، فَهَابَه النَّاسُ أَنْ يَسْأَلُوه، فَقَالَ فَلْيُنْظِرْ مُعْسِراً أَوْ لِيَدَعْ لَه مِنْ حَقِّه"، الكافي، ج 4، ص 35، وعن أبي عبد الله (ع): " كَانَ عَلِيٌّ ع أَفْضَلَ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّه ص وأَوْلَى النَّاسِ بِالنَّاسِ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثاً"، الكافي، ج 8، ص 80، وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا نساء المسلمات - قال يحيى قالها ثلاثا - : "لا تحقرن جارة لجارتها"، مسند أحمد، ج 2، ص 432، وعنه (ص): " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه قالها ثلاثاً"، مسند أحمد، ج 3، ص 76، وعن  أنس قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني بما افترض الله على من الصلاة فقال افترض الله على عباده صلوات خمسا قال هل قبلهن أو بعد هن قال افترض الله على عباده صلوات خمسا قالها ثلاثاً"، مسند أحمد، ج 3، ص 267، وفي خبر معاذ، يا معاذ قلت لبيك قال هل تدري ما حق الله على العباد قال فقلت الله ورسوله أعلم قالها ثلاثاً، فقلت: ذلك ثلاثا، ثم قال: حقه عز وجل أنْ يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، ثم قال: هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك؟ فقلت: الله ورسوله أعلم، قالها ثلاثاً، وقلت: ذلك ثلاثا فقال: حقهم عليه إذا هم فعلوا ذلك أن يغفر لهم وان يدخلهم الجنة"، مسند أحمد، ج 5، ص 234، إلى غير ذلك من الأخبار.

[43] صحيح البخاري، ج 1، ص 23.

[44] مقاصد الشريعة الإسلامية، ص 54.

[45] أضواء البيان للشنقيطي، ج 4، ص 304

[46] صحيح البخاري، ج 1، ص 155، وسنن الدارمي، ج 1، ص 286، وقد نقلت كتبه الفقه الشيعية هذا الخبر، وهو من الأحاديث التي نرجح أنها جاءت إليها من مصادر السنة، انظر: الانتصار للمرتضى، ص 151، والخلاف للشيخ ج 1، ص 314، إلى غيرها من المصادر الفقهيّة.

[47] السنن الكبرى، ج 5، ص 125.

[48] ورد في خطبته يوم النحر في حجة الوداع، انظر: صحيح البخاري، ج 1، ص 24، و ج 2، ص 191، وعقد البخاري باباً خاصاً تحت عنوان " " ليبلغ العلم الشاهد الغائب"، ج 1، ص 34.

[49] في صحيحة ابن أبي يعفور عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه ع أَنَّ رَسُولَ اللَّه ص خَطَبَ النَّاسَ فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ فَقَالَ نَضَّرَ اللَّه عَبْداً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا وحَفِظَهَا وبَلَّغَهَا مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَرُبَّ حَامِلِ فِقْه غَيْرُ فَقِيه ورُبَّ حَامِلِ فِقْه إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَه مِنْه"، الكافي، ج 1، ص 403، والأمالي للصدوق، ص 432، وسنن الدارمي، ج 1، ص 75، وسنن ابن ماجة، ج 1، ص 84.

[50] قال ذلك في غدير خم، وبعد أن أبلغ الناس ولاية علي (ع)، الكافي، ج 1، ص 289، وج 8، ص 344، وروي أنه قال ذلك في خطبة له في مسجد الخيف، تتضمن حقائق دينية وأحكام شرعيّة، انظر: الكافي، ج 1، ص 403، ورود ذلك في خطبته (ص) يوم النحر في حجة الوداع، صحيح البخاري، ج 2، ص 191، وروي أنه بعد أن صلى صلاة الكسوف قال: "إن الشمس والقمر من آيات

الله وانهما لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتموهما فكبروا وادعوا الله وصلوا وتصدقوا يا أمة محمد إنْ من أحد أغير من الله أن يزنى عبده أو تزني أمته، يا أمة محمد، والله لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلاً الا هل بلغت؟!"، صحيح مسلم، ج 3، ص 28.

[51] الكافي، ج 7، ص 273. ونحوه موثق سماعة عن أبي عبد الله (ع) عنه (ص)، ج 7، ص 275. وروي نحوه في مصادر السنة، ففي صحيح البخاري، بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم النحر فقال يا أيها الناس أي يوم هذا قالوا يوم حرام قال فأي بلد هذا قالوا بلد حرام قال فأي شهر هذا قالوا شهر حرام قال، فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا فأعادها مرارا ثم رفع رأسه فقال اللهم هل بلغت اللهم

هل بلغت قال ابن عباس رضي الله عنهما فوالذي نفسي بيده إنها لوصيته إلى أمته فليبلغ الشاهد الغائب لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض"، صحيح البخاري، ج 2، ص 191، وروى مسلم في صحيحه بسنده عن الإمام الصادق (ع) عن أبيه الباقر عن جابر بن عبد الله، قال: - في بيان حجة الوداع - " حتى أتى (ص) عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس امر بالقصواء فرحلت له فاتى بطن الوادي فخطب الناس وقال: إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا كل شئ من امر الجاهلية تحت قدمي موضوع ودماء الجاهلية موضوعة وان أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث كان مسترضعا في بنى سعد فقتلته هذيل وربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضع ربانا ربا عباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن ان لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه فان فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ولهن عليكم رزقهن كسوتهن بالمعروف وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده ان اعتصمتم به كتاب الله وأنتم تسألون عنى فما أنتم قائلون قالوا نشهد انك قد بلغت وأديت ونصحت فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس اللهم اشهد اللهم اشهد ثلاث مرات"، صحيح مسلم، ج 4، ص 41.

[52] فقد ورد تعبير " فليبلغ الشاهد الغائب في قضيّة تحليل الخمس للشيعة، ففي خبر الحرث بن المغيرة النصري عن أبي عبد الله عليه السلام قال:" .. وكل من والى آبائي فهم في حل مما في أيديهم من حقنا فليبلغ الشاهد الغائب"، تهذيب الأحكام، ج 4، ص 143.

[53] منتهى الدراية، ج 6، ص 605.

[54] الاحتكار، ص 189.

[55] القواعد والفوائد، ج 1، ص 211، أنظر: تمهيد القواعد، ص 236، وقد ذكر أصل التشريع هذا في موارد أخرى: منها: الشك في دوران الأمر في الألفاظ الواردة على لسانه (ص) بين المعنى اللغوي أو المعنى المشرعي الاصطلاحي، فيحمل على المعنى الاصطلاحي، " لكونه بعث لبيان الشرعيات لا لبيان موضوعات اللغة"، فتح الباري، ج 2، ص 200، وإرشاد الفحول في بيان الحق من علم الأصول، ص 173. ومنها: إذا دار أمر كلام المشرع بين الإرشاد إلى حكم العقل أو التأسيس الشرعي، قال الفخر الرازي: " إذا كان كلام الشرع متردداً بين الحكم العقلي والشرعي، فحمله على الشرعي أولى، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث لبيان الشرعيات لا لبيان ما يستقل العقل بإدراكه"، المحصول في علم أصول الفقه، ج 1، ص 412.

[56] قواعد الأحكام في مصالح الأنام، ج 2، ص 245، قال هذا عند دوران الأمر بين التشريع والقضاء، وعند دوران الأمر بين التشريع والتدبير، قال أيضاً بالحمل على التشريع " لأنه الغالب"، المصدر نفسه.

[57] الفروق، ج 1، ص 209.

[58] القواعد ج1 ص216.

[59] دراسات في ولاية الفقيه، ج 3، ص 175.

[60] الكافي ج1 ص58.

[61] وهذا بخلافه في الشبهات الوجوبية فإنّ الإطلاق يقتضي التوسعة، فيكون هو الأكثر، بينما التقييد يقتضي التضييق وهو الأقل، فنجري البراءة عن الأقل.

[62] السوق في ظل الدولة الإسلامية، ص 65. إلا أنّ بعض ما ذكره تحت هذا العنوان، هو ليس من الأحكام التدبيرية، من قبيل ما ورد في بعض الأخبار، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِه عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ قَالَ رَآنِي أَبُو عَبْدِ اللَّه ع وأَنَا أَحْمِلُ بَقْلاً فَقَالَ يُكْرَه لِلرَّجُلِ السَّرِيِّ أَنْ يَحْمِلَ الشَّيْءَ الدَّنِيَّ فَيُجْتَرَأَ عَلَيْه"، انظر: الكافي، ج 6، ص 439، والخصال، 10، والخبر صحيح بحسب ما في الخصال، وفي خبر عَبْدِ اللَّه جَبَلَةَ الْكِنَانِيِّ قَالَ: اسْتَقْبَلَنِي أَبُو الْحَسَنِ ع وقَدْ عَلَّقْتُ سَمَكَةً فِي يَدِي فَقَالَ: اقْذِفْهَا إِنَّنِي لأَكْرَه لِلرَّجُلِ السَّرِيِّ أَنْ يَحْمِلَ الشَّيْءَ الدَّنِيَّ بِنَفْسِه ثُمَّ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ أَعْدَاؤُكُمْ كَثِيرَةٌ عَادَاكُمُ الْخَلْقُ يَا مَعْشَرَ الشِّيعَةِ إِنَّكُمْ قَدْ عَادَاكُمُ الْخَلْقُ فَتَزَيَّنُوا لَهُمْ بِمَا قَدَرْتُمْ عَلَيْه"، انظر: الكافي، ج 6، ص 480، فهذا ليس من الأحكام السلطانية، وإنما هو حكم شرعي بالكراهة.

[63] الأراضي للشيخ الفياض، ص 152.

[64] تهذيب الأحكام، ج 7، ص 130.

[65] الأراضي، ص 153.

[66] الكافي، ج 5، ص 296.

[67] الأراضي، ص 154.

[68] الأراضي، ص 154.

[69] يقول السيد الخوئي إنّ الخمسة أذرع هو "حد الطريق المعين من قبل الشرع، بل الأفضل أن يكون سبعة"، منهاج الصالحين، ج 2، ص 162.

[70] قال السيد الشهيد تعليقاً على تحديد الطريق العام بخمسة أذرع من قبل السيد الحكيم: " ما لم يُلزم ولي الأمر، حسب المصلحة بأزيد من ذلك، هذا عند ابتكار الشارع وإنشائه، وأما الشارع المنشأ تسبيلاً أو إحياء فلا يجوز الاقتطاع منه ولو زاد على خمسة أذرع"، منهاج الصالحين، للسيد الحكيم، ج 2، ص 181.

[71] الإرشاد، ج 2، ص 385، ورواه الشيخ الطوسي في الغيبة،

[72] الغيبة، ص 475.

[73] التغييرات في المجال المدني والتي يحدثها المهدي (ع) طبقاً للرويات كثيرة، منها ما أشار الخبر المتقدم، ومنها التغيير في بناء المساجد، ففي خبر َمْرِو بْنِ جُمَيْعٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (ع) عَنِ الصَّلَاةِ فِي الْمَسَاجِدِ الْمُصَوَّرَةِ؟ فَقَالَ: أَكْرَه ذَلِكَ، ولَكِنْ لَا يَضُرُّكُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ، ولَوْ قَدْ قَامَ الْعَدْلُ رَأَيْتُمْ كَيْفَ يُصْنَعُ فِي ذَلِكَ"، الكافي، ج 3، ص 369. وتهذيب الحكام، ج 3، ص 259، وفي صحيح الْحَلَبِيِّ قَالَ سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّه ع عَنِ الْمَسَاجِدِ الْمُظَلَّلَةِ أيُكْرَه الصَّلَاةُ فِيهَا قَالَ نَعَمْ ولَكِنْ لَا يَضُرُّكُمُ الْيَوْمَ ولَوْ قَدْ كَانَ الْعَدْلُ لَرَأَيْتُمْ كَيْفَ يُصْنَعُ فِي ذَلِكَ قَالَ وسَأَلْتُه أيُعَلِّقُ الرَّجُلُ السِّلَاحَ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ نَعَمْ وأَمَّا فِي الْمَسْجِدِ الأَكْبَرِ فَلَا فَإِنَّ جَدِّي نَهَى رَجُلاً يَبْرِي مِشْقَصاً فِي الْمَسْجِدِ"، الكافي، ج 3، ص 369، ومن لا يحضره الفقيه، ج 1، ص 235، وتهذيب الأحكام، ج 3، ص 253. وطبيعي أنّ تظليل المساجد ليس محرماً، فقد ورد أن رسول الله (ص) قد أذن بتظليل مسجده في صحيحة عَبْدِ اللَّه بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه ع قَالَ سَمِعْتُه يَقُولُ إِنَّ رَسُولَ اللَّه ص بَنَى مَسْجِدَه بِالسَّمِيطِ، ثُمَّ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ كَثُرُوا فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّه لَوْ أَمَرْتَ بِالْمَسْجِدِ فَزِيدَ فِيه فَقَالَ نَعَمْ فَأَمَرَ بِه فَزِيدَ فِيه وبَنَاه بِالسَّعِيدَةِ ثُمَّ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ كَثُرُوا فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّه لَوْ أَمَرْتَ بِالْمَسْجِدِ فَزِيدَ فِيه فَقَالَ نَعَمْ فَأَمَرَ بِه فَزِيدَ فِيه وبَنَى جِدَارَه بِالأُنْثَى والذَّكَرِ ثُمَّ اشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الْحَرُّ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّه لَوْ أَمَرْتَ بِالْمَسْجِدِ فَظُلِّلَ فَقَالَ نَعَمْ فَأَمَرَ بِه فَأُقِيمَتْ فِيه سَوَارٍ مِنْ جُذُوعِ النَّخْلِ، ثُمَّ طُرِحَتْ عَلَيْه الْعَوَارِضُ والْخَصَفُ والإِذْخِرُ فَعَاشُوا فِيه حَتَّى أَصَابَتْهُمُ الأَمْطَارُ فَجَعَلَ الْمَسْجِدُ يَكِفُ عَلَيْهِمْ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّه لَوْ أَمَرْتَ بِالْمَسْجِدِ فَطُيِّنَ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّه ص لَا عَرِيشٌ كَعَرِيشِ مُوسَى (ع) فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى قُبِضَ رَسُولُ اللَّه ص وكَانَ جِدَارُه قَبْلَ أَنْ يُظَلَّلَ قَامَةً فَكَانَ إِذَا كَانَ الْفَيْءُ ذِرَاعاً وهُوَ قَدْرُ مَرْبِضِ عَنْزٍ صَلَّى الظُّهْرَ وإِذَا كَانَ ضِعْفَ ذَلِكَ صَلَّى الْعَصْرَ. وقَالَ السَّمِيطُ لَبِنَةٌ لَبِنَةٌ والسَّعِيدَةُ لَبِنَةٌ ونِصْفٌ والذَّكَرُ والأُنْثَى لَبِنَتَانِ مُخَالِفَتَانِ"، الكافي، ج 3، ص 296، وتهذيب الأحكام، ج 3، ص 262.  ومن التغيرات التي يحدثها المهدي بحسب الأخبار: نصب المحاريب داخل المساجد، ففي خبر طلحة بن زيد عن جعفر بن محمد عن أبيه (ع) أن علياً (ع) كان يكسر المحاريب إذا رآها في المساجد ويقول: كأنها مذابح اليهود"، علل الشرائع، ج 2، ص 320، ومن لا يحضره الفقيه، ج 1، ص 236، وتهذيب الأحكام، ج 3، ص 253.

[74] في مصادر أخرى جاء " النبط"، الأحاد والمثاني للضحاك، ج 2، ص 3، ص 454، وفي تفسير القمي أنه كان في بني قينقاع، قال: " لما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله من بدر اتى بنى قينقاع وهو يناديهم وكان بها سوق يسمى سوق النبط"، تفسير القمي، ج 1، ص 97، والنبيط أو النبط، عرق معروف.

[75] سنن ابن ماجة، ج 2، ص 751،

[76] مجمع الزوائد، ج 4، ص 76.

[77] السنن الكبرى، ج 6، ص 151.

[78] في الخبر الذي رواه البيهقي بسنده عن أبي يعفور قال: كنا في زمن المغيرة بن شعبة من سبق إلى مكان في السوق فهو أحق به إلى الليل"، السنن الكبرى، ج 6، ص 151.

[79] الكافي، ج 2، ص 662، وج 5، ص 155، وتهذيب الأحكام، ج 7، ص 9.

[80] المربد الموضع الذي يحبس فيه الإبل وغيره، مشتق من ربد أي أقام، ومنه مربد المدينة.

[81] الكافي، ج 5، ص 140.

[82] صحيح مسلم، ج 5، ص 134.

[83] المصنف لابن أبي شيبة، ج 5، ص 133. وهو مروي في دعائم الإسلام، ج 2، ص 497، ومناقب آل أبي طالب لابن شهر آشول، ج 1، ص 378.

 






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon