البعد التدبيري في شخصية النبي (ص) -6
الشيخ حسين الخشن
أولاً: دور الحاكم في النظام الاقتصادي
إن دور السلطة في مجال الاقتصاد دور حساس ودقيق، ولسنا هنا بصدد دراسة ذلك بشكل مسهب، ولكن يحسن بنا الإشارة إلى مهمتين أساسيتين للسلطة على الصعيد الاقتصادي:
-
دور الحاكم في إدارة عمليتي جباية الضرائب وتوزيعها
والدور الأساسي الذي تؤكد النصوص على ضرورة أن يضطلع الحاكم به هو قيامه بإدارة عملية جباية الضرائب ومن ثمّ توزيعها على مستحقيها. وإننا نرجح أنّ أمر الله تعالى لنبيه بأخذ الزكاة من الناس وذلك في قوله تعالى: { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصلّ عليهم إن صلاتك سكن لهم واللّه سميع عليهم } [التوبة: 103]، ليس أمر موجهاً إليه بصفته رسولاً مبلغاً لشرع الله تعالى، بل بصفته قائداً وولياً للأمر، لذا فالأمر بجباية الزكاة لا يختص به (ص)، وإنما يتولاه كل من كان في موقع ولاية الأمر وإدارة أمور المجتمع الإسلامي. ومن يجبي الزكاة هو الذي يوزعها. كما أنّ جعل سهم للعاملين عليها في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ والْمَساكِينِ والْعامِلِينَ عَلَيْها والْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وفِي الرِّقابِ والْغارِمِينَ وفِي سَبِيلِ الله وابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ الله} [التوبة: 60]، هو دليل آخر على أنّ أخذ الزكاة وتوزيعها هو بيد الولي وليس المالك، إذ "لو كانت بحسب التشريع الأولى بتصرف المالك لم نحتج إلى عامل يجمعها ويوصلها إلى من يقسمها"[1].
وأضف إلى ذلك أنه قد جرت سيرة النبي (ص) والخلفاء من بعده ومنهم سيدنا أمير المؤمنين (ع) على إرسال الجباة إلى البلدان والأماكن المأهولة لأجل جباية الزكاة من أهلها، وهذا أمر معروف ومشهور، ومتسالم عليه.
وقد تضمنت العديد من النصوص الروائية بيان دور الإمام في توزيع الزكاة على المستحقين، ففي صحيحة الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه ع قَالَ: قُلْتُ لَه: مَا يُعْطَى الْمُصَدِّقُ؟ قَالَ: مَا يَرَى الإِمَامُ ولَا يُقَدَّرُ لَه شَيْءٌ"[2]. وسيأتي في صحيحة زُرَارَةَ ومُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ أَنَّهُمَا قَالا لأَبِي عَبْدِ اللَّه (ع): أرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّه عَزَّ وجَلَّ : {إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ والْمَساكِينِ والْعامِلِينَ عَلَيْها والْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وفِي الرِّقابِ والْغارِمِينَ وفِي سَبِيلِ الله وابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ الله}[التوبة: 60]، أكُلُّ هَؤُلَاءِ يُعْطَى وإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُ فَقَالَ: إِنَّ الإِمَامَ يُعْطِي هَؤُلَاءِ جَمِيعاً، لأَنَّهُمْ يُقِرُّونَ لَه بِالطَّاعَةِ..".
وما نقوله قد تبناه كثير من الفقهاء، قال الشيخ المفيد: " باب وجوب إخراج الزكاة إلى الإمام: قال اللّه عزّ وجلّ : { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصلّ عليهم إن صلاتك سكن لهم واللّه سميع عليهم } [التوبة: 103]، فأمر نبيه بأخذ صدقاتهم تطهيراً لهم بها من ذنوبهم ، وفرض على الأمة حملها إليه بفرضه عليها طاعته ونهيه لها من خلافه . والإمام قائم مقام النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فيما فرض عليه من إقامة الحدود والأحكام لأنه مخاطب بخطابه في ذلك على ما بيّنّاه فيما سلف قدمناه ، فلما وجد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان الفرض حمل الزكاة إليه ، ولما غابت عينه من العالم بوفاته صار الفرض حمل الزكاة إلى خليفته . فإذا غاب الخليفة كان الفرض حملها إلى من نصبه منه خاصته لشيعته، فإذا عدم السفراء بينه وبين رعيته وجب حملها إلى الفقهاء المأمونين من أهل ولايته لأن الفقيه أعرف بموضعها ممن لا فقه له في ديانته"[3].
والأمر عينه نقوله في الخمس، فإنّ مرجعه إلى الإمام (ع)، ونصوص الخمس فيها الكثير من الشواهد والدلائل على دور الحاكم في استلام الخمس وتوزيعه.
وبناءً عليه فلو أن الإمام طالب بالزكاة لا يجوز التخلف عن أدائها إليه، أما لو أذن في تولي المكلف نفسه صرفها في مواردها، جاز للمكلف تولي الأمر، وكذلك لو فرض عدم وجود جهة شرعية تتمكن من جباية الزكاة وصرفها في مورادها فمن الطبيعي عندها أن يتولى المكلف نفسه ذلك ولا يسقط الفرض عنه.
-
دوره في حماية الاقتصاد الإسلامي
وحماية اقتصاد المجتمع من الانهيار أو التلاعب هي من مسؤولية السلطة الشرعية، حيث يمكن للحاكم أن يمنع على سبيل المثال من التداول المالي بالعملة الأجنبيّة، ومنع تصدير وإخراج العملات الصعبة إلى خارج البلاد، أو يمنع تهريب الثروات والآثار الوطنية، وله أن يمنع إغراق السوق المحلي بالسلع الأجنبية التي تؤثر سلباً على الإنتاجية الوطنية، وله أن الوقوف في وجه الذين يتلاعبون بسعر صرف العملات.. إلى غيرها من الإجراءات التي قد يتخذها رعاية للمصلحة العامة في مواجهة التحديات الاقتصادية. وبناءً عليه، يمكن القول: إنّ إعطاء الدولة حقّ التدخل في الحياة الاقتصادية هو من العناصر الثابتة في الشريعة الإسلامية[4].
ثانياً: تدبيرات مالية منصوصة
وإننا نلاحظ كثرة الإجراءات والتصرفات الوراردة عن النبي (ص) أو بعض الأئمة (ع) في المجال المالي، وهي تصرفات قد قيل أو قد يقال بتدبيريتها، فيما يلي نستعرض المهم منها، مع التأكيد على أنها بحاجة إلى دراسة موسعة، وذلك في مجالاتها الفقهية المناسبة:
التدبير الأول: تقدير حاجات الموظفين وكيفيّة إعطائهم مستحقاتهم
لا يخفى أنّ تحديد أجور الموظفين والعاملين في سلك الدولة هو من الأمور المتغيّرة والمتحركة، وذلك تبعاً لمتطلبات الحياة وضغوطها، وأمر كهذا من الطبيعي أن يناط بالسلطة الشرعية، ونتيجة الظروف الاقتصادية فقد لا يكون من المصلحة جعل رواتب ثابتة لبعض الأشخاص ويترك الأمر إلى تقدير الحاكم، ولعل مما يشهد لذلك أنّه قد ورد حديث في أمر العاملين على الزكاة يعطي الحاكم صلاحية تقدير ما يحتاجه المستحق في الزكاة، في صحيحة الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه ع قَالَ: قُلْتُ لَه: مَا يُعْطَى الْمُصَدِّقُ؟ قَالَ: مَا يَرَى الإِمَامُ ولَا يُقَدَّرُ لَه شَيْءٌ"[5].
وكما أنّ للحاكم أن يقدر حاجات الموظفين ومقدار ما يعطون، فإنّ له أن يقدر طريقة إعطائهم، وقد أسلفنا أن الإمام علي (ع) لما رأى أن بعض الناس يترددون أكثر من مرة لأخذ المساعادت من بيت المال بما يزيد على حقهم أمر بتسجيل أسماء الفقراء في ديوان خاص.
التدبير الثاني: التدخل لتحديد مقدار الضرائب
إنّ تحديد مقدار الضريبة هو من الصلاحيات المناطة بيد الحاكم الشرعي الذي عليه أن يراعي المصلحة العامة ولا يجحف على العامة من الناس. ويستفاد من بعض الأخبار أنّ تحديد مقدار الخراج المجعول على الأرض الخراجية، وهي المفتوحة عنوة، هو بيد الحاكم الشرعي، ففي صحيح أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: ذكرت لأبي الحسن الرضا عليه السلام الخراج وما سار به أهل بيته فقال: العشر ونصف العشر على من أسلم تطوعا تركت أرضه في يده وأخذ منه العشر ونصف العشر فيما عمّر منها ، وما لم يعمّر منها أخذه الوالي فقبّله ممن يعمره وكان للمسلمين، وليس فيما كان أقل من خمسة أوساق شئ ، وما أخذ بالسيف فذلك للامام يقبله بالذي يرى كما صنع رسول الله صلى الله عليه وآله بخيبر قبل أرضها ونخلها"[6].
التدبير الثالث: توجيه الصرف إلى جهات محددة
ورعاية المصلحة، قد تقتضي توجيه الصرف في اتجاهات معينة، أو إعطاء الأولوية لبعض الشرائح الاجتماعية، في صرف المال، لشدة الحاجة أو لأنها تعيش حصاراً مالياً معيناً لسبب أو لآخر، ونشير هنا إلى نموذجين:
النموذج الأول: ما ورد عن الأئمة (ع) من إعطاء الزكاة لخصوص الإمامية، دون غيرهم فقد لاحظنا في بحث العلاقة مع الآخر المذهبي أنّ حصر الصرف بخصوص الإمامي مثّل إجراءً تدبيرياً ولايتياً وكان مبرره هو الحالة الاقتصادية الصعبة التي مر بها أتباع أهل البيت (ع)، وقد أوضحنا أدلتنا على تدبيريّة هذا الحكم فلتراجع[7]، ونكتفي هنا بذكر الرواية الصحيحة الدالة على ذلك. وهي صحيحة زُرَارَةَ ومُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ أَنَّهُمَا قَالا لأَبِي عَبْدِ اللَّه (ع): أرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّه عَزَّ وجَلَّ : {إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ والْمَساكِينِ والْعامِلِينَ عَلَيْها والْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وفِي الرِّقابِ والْغارِمِينَ وفِي سَبِيلِ الله وابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ الله}[التوبة: 60]، أكُلُّ هَؤُلَاءِ يُعْطَى وإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُ فَقَالَ: إِنَّ الإِمَامَ يُعْطِي هَؤُلَاءِ جَمِيعاً، لأَنَّهُمْ يُقِرُّونَ لَه بِالطَّاعَةِ، قَالَ: قُلْتُ: فَإِنْ كَانُوا لَا يَعْرِفُونَ فَقَالَ: يَا زُرَارَةُ لَوْ كَانَ يُعْطِي مَنْ يَعْرِفُ دُونَ مَنْ لَا يَعْرِفُ لَمْ يُوجَدْ لَهَا مَوْضِعٌ، وإِنَّمَا يُعْطِي مَنْ لَا يَعْرِفُ لِيَرْغَبَ فِي الدِّينِ فَيَثْبُتَ عَلَيْه، فَأَمَّا الْيَوْمَ فَلَا تُعْطِهَا أَنْتَ وأَصْحَابُكَ إِلَّا مَنْ يَعْرِفُ، فَمَنْ وَجَدْتَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَارِفاً فَأَعْطِه دُونَ النَّاسِ، ثُمَّ قَالَ: سَهْمُ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وسَهْمُ الرِّقَابِ عَامٌّ والْبَاقِي خَاصٌّ، قَالَ: قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يُوجَدُوا؟ قَالَ: لَا تَكُونُ فَرِيضَةٌ فَرَضَهَا اللَّه عَزَّ وجَلَّ لَا يُوجَدُ لَهَا أَهْلٌ. قَالَ: قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ تَسَعْهُمُ الصَّدَقَاتُ. فَقَالَ: إِنَّ اللَّه فَرَضَ لِلْفُقَرَاءِ فِي مَالِ الأَغْنِيَاءِ مَا يَسَعُهُمْ ولَوْ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَسَعُهُمْ لَزَادَهُمْ إِنَّهُمْ لَمْ يُؤْتَوْا مِنْ قِبَلِ فَرِيضَةِ اللَّه ولَكِنْ أُتُوا مِنْ مَنْعِ مَنْ مَنَعَهُمْ حَقَّهُمْ لَا مِمَّا فَرَضَ اللَّه لَهُمْ ولَوْ أَنَّ النَّاسَ أَدَّوْا حُقُوقَهُمْ لَكَانُوا عَائِشِينَ بِخَيْر"[8]، وهذه الرواية مهمة جداً وهي تفسر لنا سبب المنع في سائر الروايات، وأنه منع تدبيري أملته - على الأرجح - ظروف خاصة واستثنائية، وهي فترة إقصاء الأئمة (ع) عن موقع الحكم وقيادة المجتمع وما مورس عليه من ضغوط وحصار مالي شديد، الأمر الذي دفعهم في سبيل حماية الجماعة المؤمنة التي تحمل مشروعهم إلى اتخاذ هذا الإجراء، وليلاحظ قوله (ع): "لو كان يعطي من يعرف دون من لا يعرف لم يوجد لها موضع "، فإنّه صريح في أنّ الإمام لو كان يعطي جماعته دون سواهم فإنّ ذلك سيؤدي إلى تكدس أموال الزكاة وهذا لا ينسجم مع فلسفة تشريعها، كما أنّه - كحاكم - مسؤول عن جميع المنضويين تحت لواء النظام ويقرون له بالطاعة.
وأعتقد أنّ الغفلة عن تكليف الدولة وعن البعد الاجتماعي للتشريع الاسلامي جعلت شرط الإيمان بالمعنى الأخص يسود في الأوساط الفقهية ويبدو وكأنه الأصل في مستحقي الزكاة، مع أننا نلاحظ أنّ الأدلة والنصوص الصحيحة تدل على أنّ هذا الحكم ومراعاة هذا الشرط إنّما هو مرحلة مؤقتة وظرفيّة وأنّه إذا قام الحكم الاسلامي فإنّه يعطي كل من يقر له بالطاعة سواء كان مواليا له مؤمناً بامامته أو لم يكن كذلك.
والأمر عينه يمكن تطبيقه على زكاة الفطرة، استناداً إلى ما رواه الشيخ بإسناده عن الفضيل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان جدي رسول الله صلى الله عليه وآله يعطي فطرته الضعفاء ومن لا يجد ومن لا يتولى، قال: وقال أبو عبد الله عليه السلام: هي لأهلها إلا أن لا تجدهم، فإنْ لم تجدهم فلمن لا ينصب، ولا تنقل من أرض إلى أرض، وقال: الامام أعلم يضعها حيث يشاء ويصنع فيها ما يرى"[9].
وفي خبر أَبِي عَلِيِّ بْنِ رَاشِدٍ قَالَ: سَأَلْتُه عَنِ الْفِطْرَةِ لِمَنْ هِيَ؟ قَالَ: لِلإِمَامِ، قَالَ: قُلْتُ لَه: فَأُخْبِرُ أَصْحَابِي، قَالَ: نَعَمْ، مَنْ أَرَدْتَ أَنْ تُطَهِّرَه مِنْهُمْ"[10].
ولا يبعد القول إنّ الإمام (ع) هنا لا يراد به المعصوم حصراً، بل مطلق الحاكم العادل، كما أنّ الظاهر من الخبرين أنّ أمر الفطرة للإمام، وهذا ظاهر في لزوم الدفع إليه، ولكن الفقهاء حملوا ذلك على الاستحباب، لما دلّ على جواز تولي المكلف لدفعها إلى المستحق[11]، مع أنّه لا موجب لهذا الحمل، لأنه فرع التعارض، والحال أن ما دل على جواز تولي المكلف لصرفها ناظر إلى صورة عدم قيام الدولة، فهذا تكليف الفرد، ولكن الحكم في حال قيام الدولة هو إعطاؤها للإمام.
النموذج الثاني: منع بني هاشم من أخذ الزكاة وإعطائهم من الخمس، فإنّ هذا المنع هو حكم محتمل التدبيريته، مع أنّ المعروف فقهياً أنه حكم تشريعي، وبيان ذلك:
أنه قد ورد في بعض الأخبار أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لمّا طلب منه بعض الهاشميين، ومنهم "المطلب بن ربيعة بن الحرث والفضل بن عباس"[12] أن يُؤمِّرهما على الزكاة أراد (صلى الله عليه وآله وسلم) إبعادهم عن هذا المنصب، دفعاً للتهمة عنه، أو الشبهة التي قد تراود ذهن بعض الصحابة، أو يثيرها بعض المنافقين في أنّ محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) قد آثر أهل بيته وعشيرته وقدَّمهم على مَنْ سواهم، ولذلك فإنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) اتخذ قراراً حكيماً بمنعهم من تولي أمر الزكاة، ومِنْ أخذِ المال الزكوي، وقال لهم ما مفاده: أما احتياجاتكم فهي عندي، وأنا أكفلها لكم، فأنتم عيالي وأنا أكفيكم، في صحيح مسلم أنّ أحد المذكوريْن، "قال: يا رسول الله أنت أبرّ الناس وأوصل الناس، وقد بلغنا النكاح فجئنا لتؤمرنا على بعض هذه الصدقات فنؤدي إليك كما يؤدى الناس ونصيب كما يصيبون، قال: فسكت طويلاً.. ثم قال: إنّ الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنّما هي أوساخ الناس"[13].
ولكنْ لماذا استخدم (صلى الله عليه وآله وسلم) في التعبير عن الزكاة وصفاً مهيناً، وهو "أوساخ الناس"؟
أقول: لو صح استخدامه لهذا التعبير فغير بعيد أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) استهدف من ذلك تنفير الهاشميين حتى لا يطمعوا ببعض المناصب أو المواقع الإدارية المتصلة بالزكاة، كما يرى الفقيه الشيخ المنتظري[14]. إلاّ أنّ هذا الإجراء الذي اتخذه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو التدبير الذي اعتمده (صلى الله عليه وآله وسلم) قد استمر إلى ما بعد وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم)، وظلّ كذلك إلى يومنا هذا، ثم استثني من ذلك تناول الهاشمي للزكاة من الهاشمي.
والحمل على التدبيريّة - في حال تبنيه - يحلّ إشكالية كبيرة تمسّ عدالة التشريع الإسلامي، وحرصه على جعل الناس سواسية تحت سقف القانون دون تمييز بينهم، وهي أنه كيف تخصص عشيرة معينة بحصة كبيرة من ميزانية الدولة.
صحيح أنّ ثمّة رأياً معاصراً هو الأقرب إلى الصواب وإلى عدالة التشريع الإسلامي يرى أنّ الخمس لا ينقسم إلى السهمين المذكورين اللذين يُخصَّص أحدهما "بالإمام"، والآخر "بالسادة"، بل إنّه - أي الخمس - حقّ واحد يُعبِّر عن ميزانية متكاملة أقرّها المشرِّع الإسلامي بهدف سدِّ احتياجات الأمة الإسلامية بأكملها، وقد تبنّى هذا الرأي جمع من الأعلام المتأخّرين[15]، حيث إنّهم رأوا أنّ بني هاشم هم مصرف من مصارف الخمس ولا يملكون نصفه بحيث يُحبس عليهم بانتظار وجود مستحقّين منهم، وقد استند هؤلاء الفقهاء[16]- في رأيهم هذا - إلى بعض الأدلة المحكمة من الكتاب والسُّنّة، لكنْ مع ذلك، فإنّ تمييز السادة بالخمس ومنعهم من الزكاة ليس مفهوماً إلا بلحاظ النكتة المشار إليها أعلاه.
التدبير الرابع: إجراءات مالية للتخفيف على الناس
من شؤون الحكومات أن تتخذ في الظروف الصعبة إعفاءات ماليّة معينة لبعض الفئات الفقيرة، وربما لعامة مواطنيها، وهذا ما نجد له بعض النماذج في الأخبار، وأكتفي بالنموذج التالي، وهو تحليل الأئمة (ع) الخمس للجماعة المؤمنة السائرة على خطهم، فقد وردت روايات بتحليل الخمس للشيعة وإسقاطه عنهم[17]، وقد التزم بمضمون هذه الأخبار بعض الفقهاء، بينما حملها آخرون على بعض المحامل:
منها: أن المقصود بها هو تحليل الشيعي من خمس الأشياء التي وصلته من غيره مما تعلق به الخمس لدى الغير، لا أنه إذا تعلق به الخمس وهو عنده فلا يجب خمسه[18]، وقد يناقش في ذلك بأن بعض الروايات يصعب حملها على ذلك، لأنها تدل على تحليل الخمس بشكل مطلق.
ومنها: أن هذا التحليل هو تحليل تدبيري ولايتي صادر عن الإمام (ع)، بصفته يملك الولاية على ذلك، إذ من المستبعد جداً حمل التحليل على أنه تحليل تشريعي دائم وشامل، ويرجح أنه تحليل ظرفي صدر عن الإمام من موقع ولايته على ذلك، وذلك لعدة قرائن:
أولها: إنّ تحليل الخمس بشكل مطلق ودائم يعني باختصار لغويّة تشريع الخمس، فالخمس إنما شرع لسدّ حاجات معينة وقد أشارت الآية إليها، وهي حاجات لا تزال مستمرة، وعليه كيف يعقل تحليله مع بقاء تلك المصارف والحاجات؟!
ثانيها: إنّ روايات التحليل في غالبيتها مرويّة عن الإمامين الباقر والصادق (ع) ونجد أنّ الأئمة (ع) من بعدهما قد طالبوا بالخمس وعينوا الوكلاء لجبايته[19]، ما يعني أن التحليل كان ظرفياً ومؤقتاً، بل حتى لو صدر التحليل من بعض الأئمة المتأخرين فإنّ هذا التحليل تارة والمطالبة به تارة أخرى هو بدوره مؤشر على ذلك.
ثالثها: "إنّ الخمس وكذا الأنفال ليسا ملكاً لشخص الإمام المعصوم كما قد يتوهم، بل هما لمنصب الإمامة، أعني منصب زعامة المسلمين وإدارة شؤونهم العامة، والإمامة والزعامة من الضروريات لمجتمع المسلمين في جميع الأعصار، والخمس من أهمّ الميزانيات والضرائب المشرعة لها ولذا عبّر عنه في رواية المحكم والمتشابه عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بوجه الإمارة كما أن الأنفال أيضاً أموال عامة راجعة إلى الحكومات في جميع النظامات ومنها نظام الإسلام. فالتحليل المطلق للخمس والأنفال هدم لأساس الإمامة والحكومة الحقة"[20].
رابعها: إنّ بعض القرائن تشير إلى ظرفيّة هذا الحكم، ففي معتبرة يونس بن يعقوب: " كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فدخل عليه رجل من القماطين[21] فقال: جعلت فداك تقع في أيدينا الأرباح والأموال وتجارات نعرف أنّ حقك فيها ثابت وإنا عن ذلك مقصرون؟ فقال عليه السلام: ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك اليوم"[22]. فقوله "اليوم" واضح في أن التحليل ظرفي ومؤقت.
واستناداً إلى هذه القرائن[23]، فإنّنا نستظهر أنّ التحليل هو تحليل تدبيري ولايتي، صدر عن الإمام (ع) لمصلحة ارتآها، كما لو فرض أنه رأى الظروف المالية الصعبة التي تمر به الجماعة المؤمنة المتبعة لخط أهل البيت (ع)، فقدر أنّ في إعفائهم من الخمس مصلحة عظيمة، فأصدر تعميماً بالإعفاء، أو إعفاءً خاصاً بالمعوزين، كما دلت عليه بعض الأخبار[24]. وهو تعميم تدبيري لا يمكن استمرار فاعليته إلا إذا أمضاه الإمام اللاحق أو من له مقام الولاية، ومن المصالح التي يرجح أنّ بعض الأئمة (ع) أخذها بعين الاعتبار في إصدار التحليل المذكور: صعوبة اجتناب المؤمنين عن بعض ما تعلق به الخمس، كما هو الحال في الجواري المسبيات اللواتي كثر الابتلاء بهنّ في تلك الأعصار، فأحلّ الإمام (ع) للمؤمنين نكاحهن أو تملكهن، حرصاً على طهارة المواليد، كما جاء في الأخبار[25]، أو لغير ذلك من الأغراض.
يقول السيد الحائري: بشأن التحليل الوارد في الأخبار أنّه " تحليل مالكي ولائي، أي أنّه يحلل ما يملكه منصبه الولائي، ويحتمل أن يكون التحليل عملاً ولائياً له من باب إعمال الولاية على الفقراء والمساكين وابن السبيل، أو من باب عدم وجوب استيعاب الأقسام"[26]. وربّما عدّ بعضهم تحليل الإمام للخمس شاهداً على التدبيرية في الخمس نفسه، لأنّ الخمس لو كان حكماً تشريعياً فلا مجال لتحليله من قبل الإمام (ع)، ولكن يمكن التعليق على ذلك بأن من يملك الولاية الشرعية العامة له أن يجمّد بعض الأحكام التشريعية إذا رأى مصلحة في ذلك، وربما تذكر بعض القرائن على تدبيرية الخمس في أرباح المكاسب، وسنتطرق إلى ذلك، فيما يأتي.
التدبير الخامس: غرامات ماليّة
من المتعارف عليه في الدول المعاصرة اتخاذ تدابير قانونيّة اقتصاديّة رادعة، وذلك برفع نسبة الضريبة على بعض الأنشطة الاقتصادية أو الصناعية، ومنها بعض عمليات الاستيراد أو التصدير ، وذلك لمصالح شتى، منها: تخفيف استيراد السلع من الخارج بهدف تشجيع الصناعة الداخليّة، أو بهدف تخفيف انتشار السلعة في أيدي الناس بسبب ضررها بشكل أو بآخر، كما تفعل كثير من الدول في رفع الضريبة على تجارة الدخان ( السجائر)، أو رفع الضريبة الجمركية على استيراد بعض أنواع السيارات القديمة أو التي تتسبب بأضرار بيئية، وكذلك فإنّ بعض الدول ترفع نسبة الضريبة على العقارات التي يراد بيعها لغير مواطنيها لتقلل من إقدام غير المواطنين على شراء الأراضي، لما لذلك من محاذير، إلى غير ذلك من الدواعي.
ومن النماذج التي يمكن درجها في هذه الإطار: رفع نسبة الضريبة على الأرض الخراجية إذا ما بيعت لغير المسلم إلى الضعف، فبينما يفرض على المسلم أن يدفع العشر من الأرض الخراجيّة، فإنّ الأرض ذاتها لو بيعت لغير المسلم فيتم مضاعفة العشر، ليغدو الواجب عليه هو الخمس، فهذا يحتمل كونه إجراءً تدبيرياً يرمي إلى الحدّ من شراء غير المسلمين للأرض الخراجيّة التي هي ملك للمسلمين إلى يوم القيامة، وفي الوقت عينه يحتمل أن يكون حكماً شرعياً. وما ذكرناه مبني على أنّ الخمس في الأرض التي يشتريها الذمي من المسلم ليس من الخمس المصطلح في شيء، خلافاً لما عليه مشهور الفقهاء، فإنّ مستند هذا الحكم هو صحيحة أبي عبيدة الحذاء عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: "أيما ذمي اشترى من مسلم أرضا فعليه الخمس"[27]. وهذه الرواية من المحتمل بل المرجح نظرها إلى تضعيف العشر، بسبب كون الأرض خراجية، ويشهد لهذا الاحتمال عدة قرائن:
أولاً: أنّ هذا الحكم لم يذكره الفقهاء قبل الشيخ الطوسي[28]، فلو كان واجباً في أصل الشريعة فكيف يُغفلون ذكره؟!
ثانياً: إنّ الشيخ طرحه في سياق الحديث عن الأرض العشرية، مستشهداً بالرواية المذكورة، فقال: "إذا اشترى الذمي أرضاً عشرية وجب عليه فيها الخمس، وبه قال أبو يوسف فإنه قال: عليه فيها عشران. وقال محمد: عليه عشر واحد. وقال أبو حنيفة: تنقلب خراجية. وقال الشافعي: لا عشر عليه ولا خراج. دليلنا إجماع الفرقة فإنهم لا يختلفون في هذه المسألة، وهي مسطورة لهم منصوص عليها، روى ذلك أبو عبيدة الحذاء.."[29]. ثم في مسألة لاحقة قال: "إذا باع تغلبي وهم نصارى العرب أرضه من مسلم وجب على المسلم فيها العشر أو نصف العشر، ولا خراج عليه. وقال الشافعي: عليه العشر. وقال أبو حنيفة: يؤخذ منه عشران. دليلنا أن هذه ملك قد حصل لمسلم ولا يجب عليه في ذلك أكثر من العشر، وما كان يؤخذ من الذمي من الخراج كان جزية، فلا يلزم المسلم ذلك"[30]. "فالشيخ لم يكتف بحمل صحيح أبي عبيدة الحذاء على معنى العشرين، بل نسب هذا الفهم إلى الأصحاب"[31].
ثالثاً: إنّ تعبير الرواية بالخمس يُرجّح انصرافه إلى ما كان مألوفاً من أخذ الخمس جزيةً من أهل الذمة، كما تشهد به بعض الأخبار، منها صحيحة محمد ابْنُ مُسْلِمٍ قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّه (ع): أرَأَيْتَ مَا يَأْخُذُ هَؤُلَاءِ مِنْ هَذَا الْخُمُسِ مِنْ أَرْضِ الْجِزْيَةِ ويَأْخُذُ مِنَ الدَّهَاقِينِ جِزْيَةَ رُؤُوسِهِمْ أمَا عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مُوَظَّفٌ؟ فَقَالَ: كَانَ عَلَيْهِمْ مَا أَجَازُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ ولَيْسَ لِلإِمَامِ أَكْثَرُ مِنَ الْجِزْيَةِ إِنْ شَاءَ الإِمَامُ وَضَعَ ذَلِكَ عَلَى رُؤُوسِهِمْ ولَيْسَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ شَيْءٌ وإِنْ شَاءَ فَعَلَى أَمْوَالِهِمْ ولَيْسَ عَلَى رُؤُوسِهِمْ شَيْءٌ فَقُلْتُ فَهَذَا الْخُمُسُ فَقَالَ إِنَّمَا هَذَا شَيْءٌ كَانَ صَالَحَهُمْ عَلَيْه رَسُولُ اللَّه (ص)"[32].
رابعاً: تعارف إطلاق الخمس في كلمات فقهاء ذلك الزمن على العشريْن اللذين يؤخذان من أهل الذمة، ما يكفي في انصراف لفظ الخمس المجعول في الرواية على الأرض المذكورة إلى هذا المعنى. يقول ابن قدامة: " قال محمد بن موسى سألت أبا عبد الله عن المسلم يؤجر أرض الخراج من الذمي قال لا يؤجر من الذمي إنما عليه الجزية وهذا ضرر وقال في موضع آخر لأنهم لا يؤدن الزكاة فإن آجرها منه ذمي أو باع أرضه التي لا خراج عليها ذميا صح البيع والإجارة وهذا مذهب الثوري والشافعي وشريك وأبي عبيد وليس عليهم فيها عشر ولا خراجقال حرب : سألت أحمد عن الذمي يشتري أرض العشر ؟ قال : لا أعلم شيئاً أهل المدينة يقولون في هذا قولا حسناً : يقولون : لا يترك الذمي يشتري أرض العشر ، أهل البصرة يقولون قولا عجباً : يقولون : يضاعف عليهم ، وقد روى عن أحمد أنهم يمنعون من شرائها ، اختارها الخلاّل وهو قول مالك وصاحبه فإن اشتروها ضوعف عليهم العشر فأخذ منهم الخمس"[33].
واستناداً إلى هذه الوجوه وغيرها ذهب بعض فقهائنا إلى التشكيك في هذا الحكم المشهور بوجوب الخمس في الأرض التي يشتريها الذمي من المسلم، ويُعدّ الشيخ حسن بن زين الدين العاملي المعروف بصاحب المعالم ( 1011 هـ) أول المشككين فيه، قال: "ظاهر أكثر الأصحاب الاتفاق على أنّ المراد بالخمس في هذا الحديث معناه المعهود ، وللنظر في ذلك مجال ، ويُعزي إلى مالك القول بمنع الذمي من شراء الأرض العشرية وأنه إن اشتراها ضوعف العشر فيجب عليه الخمس ، وهذا المعنى يتحمل إرادته من الحديث، إمّا موافقة عليه، أو تقيّة، على الرأي الظاهر لأهل الخلاف وقت صدور الحكم، ومعلوم أنّ رأي مالك كان هو الظاهر في زمن الباقر عليه السلام، ومع قيام هذا الاحتمال بل قربه لا يتّجهُ التمسك بالحديث في إثبات ما قالوه، وليس هو بمظنة بلوغ حدّ الإجماع ليغني عن طلب الدليل، فإنّ جمعاً منهم لم يذكروه أصلاً، وصرح بعضهم بالتوقف فيه.. "[34]. وقد ذهب بعض أساتذتنا[35] إلى ترجيح ما احتمله الشيخ حسن من أنّ الخمس هنا إنما هو خمس في خصوص الأرض الخراجية التي يأخذها الذمي من المسلم.
التدبير السابع: تأمين مصادر تمويليّة جديدة/ رفع نسبة الضريبة
ذكرنا سابقاً لدى الإشارة إلى منطقة الفراغ أنّ المقاصد والأهداف العامة للشريعة تُلهم الولي الشرعي وتحدد له خط المسار الذي يفترض أن يسير عليه في أحكامه التدبيرية، فهي ( المقاصد ) تشكّل ناظماً وهادياً لحركة الأحكام التدبيرية الصادرة من ولي الأمر لملء منطقة الفراغ، وعلى سبيل المثال: فإنّ قوله تعالى: {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فللّه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم} [الحشر:7]، يظهر منه أنّ التوازن وانتشار المال بطريقة تشبع كل الحاجات المشروعة في المجتمع وعدم تركيزه في عدد محدود من أفراده هدف من أهداف التشريع ومقصد من مقاصده في الجانب الاقتصادي... وعلى هذا الأساس يحقّ لولي الأمر أن يضع كلّ الصيغ التشريعيّة الممكنة التي تُحافظ على التوازن الاجتماعي في توزيع المال وتحول دون تركزه في أيدي أفراد محدودين[36]، ومن الإجراءات التي يمكن للحاكم اتخاذها لتحقيق الهدف المذكور، أن يفرض بعض الضرائب على أصحاب رؤوس الأموال والأثرياء أو ما شابه ذلك[37].
هذا ولو لاحظنا بعض الأحكام الماليّة الصادرة عن بعض الأئمة (ع)، فإنّ بالإمكان ترجيح كونها أحكاماً تدبيرية، ولا أقلّ من أنّ ذلك مطروح كوجهٍ فقهي فيها، وهذا ما نشير إليه إجمالاً فيما يلي، تاركين الدراسة التفصيليّة لذلك إلى مجالها في البحوث الفقهيّة:
النموذج الأول: وضع الزكاة في إناث الخيل
ذهب المشهور من فقهائنا إلى استحباب الزكاة في إناث الخيل، مع أنّ ظاهر النصّ هو الإلزام بدفعها، لكنه بحسب الظاهر إلزام تدبيري، وإن لم يتوجه إليه كثيرون، وهذا أحد موارد الغفلة الفقهيّة عن البعد السلطاني التدبيري في شخصية الإمام (ع)، وإليك توضيح ذلك:
ورد في صحيحة مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ وزُرَارَةَ عَنْهُمَا ( الباقر والصادق ) جَمِيعاً (ع) قَالا: وَضَعَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) عَلَى الْخَيْلِ الْعِتَاقِ[38] الرَّاعِيَةِ فِي كُلِّ فَرَسٍ فِي كُلِّ عَامٍ دِينَارَيْنِ وجَعَلَ عَلَى الْبَرَاذِينِ دِينَاراً"[39]. والوجه في جعل الزكاة على إناث الخيل دون ذكورها، هو أنّها منتجة وتلد، فهي مصدر ربح لمالكها. وهذا ما أوضحته صحيحة زُرَارَةَ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّه (ع): هَلْ فِي الْبِغَالِ شَيْءٌ؟ فَقَالَ: لَا، فَقُلْتُ: فَكَيْفَ صَارَ عَلَى الْخَيْلِ ولَمْ يَصِرْ عَلَى الْبِغَالِ؟ فَقَالَ: لأَنَّ الْبِغَالَ لَا تَلْقَحُ، والْخَيْلُ الإِنَاثُ يُنْتَجْنَ ولَيْسَ عَلَى الْخَيْلِ الذُّكُورِ شَيْءٌ، قَالَ: فَقُلْتُ: فَمَا فِي الْحَمِيرِ؟ فَقَال:َ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ.."[40].
وقد جرى الفقهاء على حمل هذا الحكم على الاستحباب، قال الشيخ الطوسي:" فالوجه في هذا الخبر أن نحمله على ضرب من الاستحباب دون الفرض والإيجاب، ليطابق ما قدمناه من الأخبار في أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله عفا عما عدا التسعة الأشياء التي قدمنا ذكرها"[41].
ولكنّ الحمل على الاستحباب خلاف ظاهر قوله (ع) "وضع"، قال السيد محمد هادي الميلاني ( 1395هـ): "ظاهر الوضع هو التشريعي وإطلاقه يقتضي الوجوب، بل ربما استفيد المفروغيّة عن ثبوت الزكاة في الخيل الإناث، لكنْ يعارضها الحصر الوارد في روايات صحاح ومستفيضة، فيحمل الجعل والوضع على الاستحباب"[42].
هذا ولكنّ السيد الخوئي اعتبر أنّ "إسناد الوضع إلى أمير المؤمنين (ع) يوعز إلى عدم ثبوته في أصل الشرع، وإلا لأسنده إلى النبي صلى الله عليه وآله كما في بقية الأعيان الزكوية، فلعل ذلك منه (ع) كان لمصلحة وقتيّة وسياسة اقتضتها آنذاك"[43]. لكنّه مع ذلك ذهب إلى حمل الأمر على الاستحباب، قال: "ولو سلم دلالتهما على الوجوب فتحملان على الاستحباب جمعا بينهما وبين النصوص المستفيضة المتقدمة الحاصرة للزكاة الواجبة في الحيوانات في الأنعام الثلاثة وأنه صلى الله عليه وآله عفى عما سوى ذلك"[44].
أقول تعليقاً على ما تقدم:
أولاً: إنّ ما أفاد السيدان ( الميلاني والخوئي ) من ظهور الوضع في الوجوب صحيح، وما أفاده السيد الخوئي من أنّ نسبة الوضع إلى أمير المؤمنين (ع) يوعز إلى عدم ثبوته في أصل الشرع هو استفادة متينة، وقد أشرنا سابقاً إلى أنّ هذا هو أحد المعايير في معرفة الحكم التدبيري وتمييزه عن الحكم التشريعي.
ثانياً: إنّ السيد الخوئي مع تنبهه لذلك، فإنه حمل الخبرين على الاستحباب، وأفتى به[45]. وهذا لا يخلو من غرابة، وذلك لأنّ ما ذكره من القرينة على حمل الأمر على عدم ثبوته في أصل الشرع وإنما هو حكم ظرفي، كما يجري لنفي الوجوب في أصل الشرع كذلك فإنه يجري لنفي الاستحباب، إذ الاستحباب كالوجوب حكم دائمي ثابت في أصل الشرع وليس حكماً سياسياً ظرفياً، ولو كان وضع الاستحباب هو المراد لأمير المؤمنين (ع) لنسبه إلى النبي (ص) أيضاً. فكما لا يمكن الجمع بين نسبة الوضع إلى أمير المؤمنين(ع) وكون الحكم هو الوجوب تشريعاً، كذلك لا يمكن الجمع بين نسبته إليه وكون الحكم هو الاستحباب تشريعاً.
ثالثاً: إن الحمل على التدبيريّة هو الأرجح في المقام، لوجود ما يشهد له، وعدم ما يمنع منه، أمّا ما يشهد له فهو نسبة الوضع إلى أمير المؤمنين(ع)، إنّ هذا يعدّ قرينة على أنّ الحكم قد صدر لمصلحة مؤقتة، كما ذكر السيد الخوئي نفسه، وأمّا عدم وجود ما يمنع منه، فلأننا لا نرتكب مخالفة الظاهر بالحمل على التدبيريّة، لا في الخبر الظاهر - بقرينة التعبير بالوضع - في الوجوب كما قلنا، ولا في ظاهر الحصر في التسعة في عدم الوجوب في غيرها، فإنّ الحصر ظاهر في النظر إلى الوجوب التشريعي، ( بصرف النظر عما سيأتي).
وهذا بخلاف الحمل على الوجوب أو الاستحباب التشريعيين، فإنّ كل منهما فيه ارتكاب مخالفة للظاهر، أمّا مخالفة الظاهر في الحمل على الوجوب التشريعي فهي من جهتين، من جهة منافاته للحصر في التسعة، ومن جهة منافاته لنسبة الوضع إلى أمير المؤمنين (ع)، وأمّا مخالفة الظاهر في الحمل على الاستحباب، فمن جهة منافاته لظاهر الوضع في الوجوب.
باختصار: الأقرب هو حمل تعبير الوضع على ظاهره من الوجوب لكن على أن يكون الوجوب تدبيرياً، وقد تنبه غير واحد من الفقهاء المتأخرين إلى تدبيرية هذا الحكم[46].
النموذج الثاني: خمس مال الناصب
ومن نماذج التدبيرات المالية الرامية - على وجه - إلى تأمين مصادر مالية لتأمين حاجات المجتمع: ما ورد حول حليّة مال الناصب مع إرسال خمسه إلى الإمام، ففي معتبرة حفص عن أبي عبد الله (ع):" قال: "خذْ مال الناصب حيثما وجدته وادفعْ إلينا الخمس"[47]. ونحوه خبر المعلى بن خنيس[48]، وخبر إسحاق بن عمار[49]، فإنه لو بني على الأخذ بهذه الأخبار، وصرفنا النظر عن معارضتها بما دلّ على حرمة مال ودم كل من تشهد الشهادتين، وما ورد في سيرة أمير المؤمنين (ع) وتعامله مع أهل حربه وفيهم النواصب، فلم يبح أموالهم ولا دماءهم، أقول: بصرف النظر عن ذلك، فإنّ ثمّة وجهاً في المقام، وهو حمل الأخبار على نحوٍ من التدبيرية، فكأنّ إذنه (ع) هو "إذن ولايتي، ويشهد على ذلك ورود هذا التعبير في ذيل المرسلة "ولكنّ ذلك إلى الإمام".."[50]، ويشهد له أيضاً أنّ التعبير في تلك الروايات هو "خذ مال الناصب" فقد نسب الأخذ إليه. ولمعرفة المزيد من المناقشات المطروحة في هذه الأخبار، راجع ما ذكرناه في كتاب فقه العلاقة مع الآخر المذهبي.
النموذج الثالث: خمس أرباح المكاسب
ومن النماذج التدبيريّة في المجال المالي: الخمس في أرباح المكاسب، فهذا الخمس قد احتمل بعض الفقهاء أن يكون صادراً عن الأئمة (ع) من موقع ولايتهم وليس من موقع دورهم في بيان الحكم الشرعي[51]. ومن أوائل من نبّه على هذا الأمر هو الشيخ المنتظري، قال: " ويمكن أن يقال أيضاً: إنّ هذا الخمس ميزانية حكومية وضريبة سلطانية وضعها الأئمة المتأخرون (ع) حسب الاحتياج.. ولذلك ترى الأئمة (ع) محللين له تارة ومطالبين أخرى، وللحكومة الحقة هذا النحو من الاختيار.."[52].
ومن جملة القرائن التي تعدّ شاهداً على التدبيرية فيه:
أولاً: أنّ هذا الخمس - لو فرض ثبوت تشريعه في صدر الإسلام استناداً إلى ما قيل من دخوله تحت عنوان المغنم الوارد في الآية الكريمة[53] أو استناداً إلى بعض الأحاديث المرويّة عن رسول الله (ص) - قد أُهمل العمل به في فترة صدر الإسلام، ولا سيما في عهدي رسول الله (ص) وعهد خلافة أمير المؤمنين (ع)، ولم يظهر إلا في زمن الصادقين (ع)، ومن بعدهما من الأئمة خصوصاً الجواد والهادي(ع)، فلو كان واجباً في أصل الشرع فلمَ تأخر بيانه؟! ولو فرض أنه قد تمّ بيانه في صدر الإسلام لكن لا شك أنه لم يعمل به، فلم يذكر في سيرة النبي (ص) أو سيرة الإمام علي (ع) أنه جبى الخمس أو طالب به إلى هذه الفترة المتأخرة!
هذا ولكنّ الفقهاء طرحوا أكثر من تفسير أو توجيه لهذا التأخر، منها: ما قيل إنّ هذا "الحكم قد ثبت في عصر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بنحو الاقتضاء والإنشاء المحض ، ولكن لما كان تنفيذه وإجراؤه موجباً للحرج بسبب الفقر النوعي أو لاستيحاش المسلمين منه لكونهم حديثي العهد بالإسلام ، أو كونه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مظنة للتهمة حيث إن الخمس كان بنفع شخصه وأهل بيته فلأجل ذلك أخرت فعليته وتنفيذه إلى عصر الأئمة - عليهم السلام"[54]. وهذه الإجابة محل تأمل وتحتاج إلى بحث مفصل نأمل أن نوفق له.
ثانياً: إنّ التدبيريّة تستفاد من لسان بعض الأخبار التي تنسب جعل الخمس وإيجابه وتحليله إلى الإمام نفسه، ففي رواية علي بن مهزيار قال: كتب إليه أبو جعفر عليه السلام وقرأت أنا كتابه إليه في طريق مكة قال: إنّ الذي أوجبت في سنتي هذه وهذه سنة عشرين ومائتين فقط لمعنى من المعاني، أكره تفسير المعنى كله خوفاً من الانتشار، وسأفسر لك بقيته إن شاء الله إنّ موالي أسأل الله صلاحهم أو بعضهم قصروا فيما يجب عليهم فعلمت ذلك، وأحببت أن أطهرهم وأزكيهم بما فعلت في عامي هذا من الخمس قال الله تعالى :{ خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم أن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم ، ألم تعلموا أن الله يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم }[ التوبة: 103] {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون} [التوبة: 105]، ولم أوجب ذلك عليهم في كل عام ولا أوجب عليهم إلا الزكاة التي فرضها الله عليهم، وإنّما أوجب عليهم الخمس في سنتي هذه في الذهب والفضة التي قد حال عليها الحول ، ولم أوجب عليهم ذلك في متاع ولا آنية ولا دواب ولا خدم ولا ربح ربحه في تجارة ولا ضيعة إلا ضيعة سأفسر لك أمرها تخفيفاً مني عن موالي ومنا مني عليهم لما يغتال السلطان من أموالهم ولما ينوبهم في ذاتهم، فأمّا الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام"[55]. وهذه الرواية إن لم تصلح شاهداً على التدبيرية في الخمس من أصله، فإنها تشهد للتدبيرية فيه بلحاظ بعض جوانبه، حيث إنّ حكم الإمام الجواد (ع) بإيجاب الخمس في خصوص الذهب والفضّة في سنة معيّنة وعفوه عن خمس ما سواهما من الأمتعة والفوائد، وكذلك إيجابه نصف السدس في سائر الأمتعة والأرباح على من تقوم ضيعته بمئونته وإباحة باقي الخمس عليهم عفواً وتخفيفاً عليهم.. إنّ ذلك كله يعدّ تصرفاً صادراً عنه من موقع الولاية كما لا يخفى. ونكتفي بهذا القدر، موكلين حسم الموقف إلى المجال الفقهي.
التدبير الثامن: التدبيريّة في تعيين تطبيقات الضريبة الثابتة في الشريعة
وخلاصة النظرة المطروحة هنا: أنّ الشريعة الإسلامية قد أوجبت الزكاة كما هو نص القرآن الكريم، وأما تحديد مقدار الزكاة أو الجنس الزكوي أو كيفية وطريقة جبايتها أو زمان الجباية فهذا كله موكول إلى الحاكم الشرعي، فما يصدر عنه في هذا الإطار يكون من الأحكام التدبيرية المتحركة، ووجاهة هذه الفكرة تنشأ من بعض الاعتبارات، منها:
-
أنّ القرآن الكريم نصّ على الزكاة في سياق أمر صدر للنبي (ص) بأخذ الزكاة من أموال الناس: { خذ من أموالهم صدقة تطهّرهم وتزكّيهم بها } [التوبة: 103]، دون تحديد لمقدارها ومواردها، وإنما صدر ذلك ( تعيين المقدار والموارد ) عن النبي (ص)، كما هو معروف، ونصّت عليه الأخبار، منها ما جاء في صحيحة الفضلاء عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وأَبِي عَبْدِ اللَّه ع قَالا: فَرَضَ اللَّه الزَّكَاةَ مَعَ الصَّلَاةِ فِي الأَمْوَالِ وسَنَّهَا رَسُولُ اللَّه (ص) فِي تِسْعَةِ أَشْيَاءَ وعَفَا رَسُولُ اللَّه عَمَّا سِوَاهُنَّ فِي الذَّهَبِ والْفِضَّةِ والإِبِلِ والْبَقَرِ والْغَنَمِ والْحِنْطَةِ والشَّعِيرِ والتَّمْرِ والزَّبِيبِ وعَفَا عَمَّا سِوَى ذَلِكَ"[56]، ومن المرجح - ولسان الرواية شاهد عليه - أنّ ما صدر عنه (ص) إنما هو تصرف أو فرض تدبيري ولايتي.
-
إنّ هذا المعنى في حال استظهاره يحلّ لنا إشكاليّة كبيرة في باب الزكاة، وهي أنّ الشريعة الإسلاميّة هي الشريعة الخاتمة والعامة لكل البشر، فقوانينها لا بدّ أن تلائم كل العصور، فإذا كان الإنسان السابق ولا سيما في الجزيرة يعتمد على المواشي والغلات الأربعة فهناك شعوب بأكملها لا تعتمد على القمح بل على الأرز مثلاً، فهل من المعقول أن نقول لمن يملك طناً من القمح عليك الخمس ومن يملك مئات الأطنان من الأرز لا تجب عليه الزكاة؟! وهل من المنطقي أن نقول لمن يملك بضعة دنانير تعادل خمسة عشر مثقالاً صيرفياً من الذهب يجب عليك أن تخمسها بينما من يملك الماس والجواهر الكريمة والثمينة ليس عليك خمسها؟![57]. إنّ التدبيرية في هذا المجال تجعل من الوجيه حصر الزكاة بهذه الأصناف، وذلك لأنها كانت في زمنه (ص) تشكل عمدة الثروات المالية المقومة لاقتصاد المجتمع، بينما أصبحت الأعيان الزكوية المذكورة اليوم لا تشكل سوى رصيد بسيط من اقتصاد المجتمع. وإلغاء الخصوصية عن النقدين ( الذهب والفضة )، وإلحاق الأموال النقدية الورقية بهما وإن أوجد مصدراً مالياً مهماً، لكنه لا يحل المعضلة، بل ربما أوقعنا في إشكاليّة أخرى، وهي تعلق كل من الزكاة والخمس في الأموال النقدية الورقيّة، كما فعل بعض الفقهاء وهذا أمر غير عقلائي، وفيه إرهاق للمكلف.
وثمة فكرة هنا هي أعم وأشمل مما تقدم، وتقوم على فرضيّة محتملة فقهياً وعليها بعض الشواهد والقرائن، ولكنّها تحتاج إلى متابعة - في محلها - ليصار إلى تبنيتها أو نفيها على ضوء الأدلة، وخلاصة الفكرة: أنّ الشريعة الإسلامية في المجال الضرائبي لديها شيء واحد ثابت، وهو أصل تشريع الضريبة والتي يهدف تشريعها إلى سدّ حاجات النقص في المجتمع، أمّا كميتها ومقدارها وموردها وكيفية جبايتها واحتسابها فهي من الأمور المتحركة والموكولة إلى الحاكم الشرعي بحسب ما يراه من المصلحة العامة، وتقديره للظروف ومعرفته بالحالة الاقتصادية للمكلفين، وعليه فليس لدينا في الشريعة نوعان متغايران من الضرائب على الأموال، وهما الزكاة والخمس، وإنّما الخمس هو نوع من الزكاة مع رفع النسبة، فهو وفقاً لهذه الفرضية ليس ضريبة مالية أخرى ومستقلة، وقد تجتمع مع الخمس على المكلف بلحاظ بعض الأموال وفقاً لبعض الاجتهادات الفقهيّة. ويؤيده ما تقدم من استشهاد الإمام الجواد (ع) على الخمس بآية أخذ الصدقة / الزكاة، ما يعني أنّ الإمام يرى أن الخمس هو من مصاديق الزكاة، وليس ضريبة مالية مستقلة.
يقول بعض الفقهاء:
"إنّ الزكاة اسم لكل واجب ماليّ يشرّع من قبل الحكام الواجدين للشرائط حسب الأموال والحاجات. فأصل الزكاة مما شرّعها اللّه - تعالى - في الكتاب العزيز وأمر بإعطائها وأخذها فقال : { أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} [] ، وقال : { يا أيها الذين آمنوا ، أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض } []، فهي وظيفة مالية شرّعها اللّه - تعالى - في الإسلام وفي الشرائع السابقة في جنب الصلاة التي هي من أهمّ الوظائف العبادية البدنية . ولم يذكر في الكتاب العزيز خصوص ما تتعلق به، بل ظاهر الآية الأخيرة تعلّقها بجميع ما يحصل للإنسان سواء كان بالكسب أو بالاستخراج من الأرض. كما أن ظاهر قوله: { خذ من أموالهم صدقة تطهّرهم وتزكّيهم بها } [التوبة: 103] جواز أخذها من جميع الأموال لظهور الجمع المضاف في العموم . فالمتعلق بحسب الحكم الاقتضائي والإنشائي جميع الأموال، وقد فوّض تعيين ما تؤخذ منها [ و] تطالب فعلاً إلى أولياء المسلمين وحكّام الحق في كل صقع وزمان ، حيث إنّ ثروات الناس وأعيان أموالهم تختلف بحسبهما ، والشريعة الإسلامية شريعة خالدة عامّة لجميع الأصقاع والأزمان إلى يوم القيامة. فعلى والي المسلمين في كل عصر ومكان ملاحظة ثروات الناس والاحتياجات الموجودة في عصره ومقر حكمه ، ووضع الضرائب بحسبهما وتنصبغ هذه قهراً بصبغة الزكاة . وهكذا كانت الزكاة المشرّعة في الشرائع السابقة أيضاً لا محالة فكانت مناسبة للثروات والحاجات. وقد وضع رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بما أنه كان إمام المسلمين وحاكماً عليهم في عصره الزكاة على تسعة أشياء معهودة لما كانت هذه التسعة عمدة ثروة العرب في عصره ومجال حكمه ، وعفا عما سوى ذلك كما دلّ على ذلك صحاح مستفيضة ، والعفو لا يصدق إلا مع وجود الحكم لولاه"[58].
وبناءً على هذه الفكرة فإنّ اللغط الذي أثير حول بعض تصرفات الأئمة (ع) في الزكاة أو في مجال الخمس يرتفع، فما صدر عن علي (ع) من وضع الزكاة في إناث الخيل، جاء في سياق استعماله لصلاحيته الثابتة بالعنوان الأولي، بمعنى أنّ هذا الأمر في الأساس هو من صلاحياته، لا أنه كان جارٍ على خلاف القاعدة التشريعية، وكذلك ما ورد عنهم (ع) من تحليل الخمس تارة وإيجابه أخرى، وكذا مطالبة الأئمة المتأخرين للخمس في أرباح المكاسب، دون أن يرد شيء في ذلك عن النبي (ص) أو أمير المؤمنين (ع) فهذا وذاك يغدو مفهوماً ومندرجاً في إطار تطبيق ما هو من صلاحياتهم التدبيرية وفق تشخيصهم للمصلحة العامة.
التدبير التاسع: استرجاع أموال الأمة
ومن صلاحيات الحاكم في بسط العدل وإحقاق الحق: العمل على استرجاع الأموال التي صرفت في غير وجه حق، كما فعل الإمام علي (ع) في استرجاع قطائع عثمان إلى بيت المال، وفي ذلك قال (ع): "والله لو وجدتُه ُ قد تُزُوّجَ بِه ِ النِّسَاءُ ، ومُلِكَ بِه ِ الإمَاءُ ؛ لَرَدَدْتُه، فَإِنَّ فِي الْعَدْلِ سَعَةً، ومَنْ ضَاقَ عَلَيْه الْعَدْلُ فَالْجَوْرُ عَلَيْه أَضْيَقُ"[59].
وفي دعائم الإسلام: "روينا عن علي ( ع ) أنه لما بايعه الناس أمر بكل ما كان في دار عثمان من مال وسلاح ، وكل ما كان من أموال المسلمين ، فقبضه ، وترك ما كان لعثمان ميراثا لورثته"[60].
ومن الأموال التي استعادها إلى بيت المال ما كان من أموال استملكها الأشعث بن قيس، ففي الدعائم: "أنه حضر الأشعث بن قيس ، وكان عثمان استعمله على أذربيجان ، فأصاب مائة ألف درهم ، فبعض يقول : أقطعه عثمان إياها ، وبعض يقول : أصابها الأشعث في عمله . فأمره علي صلوات الله عليه بإحضارها، فدافعه، وقال : يا أمير المؤمنين ، لم أصبها في عملك. قال: والله لئن أنت لم تحضرها بيت مال المسلمين ، لأضربنك بسيفي هذا أصاب منك ما أصاب. فأحضرها وأخذها منه وصيّرها في بيت مال المسلمين، وتتبع عمال عثمان، فأخذ منهم كل ما أصابه قائما في أيديهم وضمنهم ما أتلفوا"[61].
قال ابن أبي الحديد ( 656 هـ): "قال الكلبي : ثم أمر عليه السلام بكل سلاح وجد لعثمان في داره ، مما تقوى به على المسلمين فقبض ، وأمر بقبض نجائب كانت في داره من إبل الصدقة ، فقبضت ، وأمر بقبض سيفه ودرعه ، وأمر ألا يعرض لسلاح وجد له لم يقاتل به المسلمون ، وبالكف عن جميع أمواله التي وجدت في داره وفي غير داره ، وأمر أن ترتجع الأموال التي أجاز بها عثمان حيث أصيبت أو أصيب أصحابها"[62].
التدبير العاشر: التصرف في الأرض المفتوحة عنوة
اختلف فقهاء المسلمين في حكم الأراضي المفتوحة عنوة على قولين، فمنهم من قال: إنها بحكم سائر الغنائم، يؤخذ منها الخمس ويصرف في مصارفه، والأخماس الأربعة المتبقية توزع على المقاتلين، واستند هؤلاء إلى أنها غنيمة فتدخل في عموم آية الغنيمة، مضافاً إلى ما فعله رسول الله (ص) في أراضي خيبر من تقسيمها على المقاتلين، ومنهم من قال: إنّها لا توزع وإنّما هي ملك للمسلمين إلى يوم القيامة، واستندوا في ذلك إلى ما فعله عمر في أرض العراق، " قال أبو عبيد: وجدنا الآثار عن رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والخلفاء بعده قد جاءت في افتتاح الأرضين بثلاثة أحكام : أرض أسلم عليها أهلها ، فهي لهم ملك أيمانهم ، وهي أرض عُشر لا شيء عليهم فيها غيره. وأرض افتتحت صلحاً على خرج معلوم. فهم على ما صولحوا عليه لا يلزمهم أكثر منه. وأرض أخذت عنوة، فهي التي اختلفت فيها المسلمون: فقال بعضهم : سبيلها سبيل الغنيمة فتخمس وتقسم فيكون أربعة أخماسها خِطَطاً بين الذين افتتحوها خاصة ، ويكون الخمس الباقي لمن سمّى اللّه تبارك تعالى، وقال بعضهم : بل حكمها والنظر فيها إلى الإمام : إن رأى أن يجعلها غنيمة فيخمّسها ويقسمها كما فعل رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بخيبر ، فذلك له . وإن رأى أن يجعلها فيئاً فلا يخمسها ولا يقسمها ولكن تكون موقوفة على المسلمين عامة ما بقوا ، كما صنع عمر بالسواد ، فعل ذلك"[63]. وروي عن الخليفة الثاني أنه قال: "لولا آخر المسلمين ما فتحت عليهم قرية إلا قسمتها كما قسم النبي صلى الله عليه وسلم خيبر"[64].
وتقسيمه (ص) لأرض خيبر، مرويٌ في المصادر، ففي سنن أبي داوود، بسنده عن بشير بن يسار مولى الأنصار، عن رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ظهر على خيبر قسمها على ستة وثلاثين سهما ، جمع كل سهم مائة سهم ، فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمسلمين النصف من ذلك ، وعزل النصف الباقي لمن نزل به من الوفود والأمور ونوائب الناس"[65].
ويظهر من بعض التواريخ أنّ علياً (ع) هو الذي أشار عليه بإبقاء الأرض المفتوحة عنوة للمسلمين، ففي تاريخ اليعقوبي: وشاور عمر أصحاب رسول الله في سواد الكوفة ، فقال له بعضهم : تقسمها بيننا ، فشاور عليا ، فقال : إن قسمتها اليوم لم يكن لمن يجئ بعدنا شيء ، ولكن تقرها في أيديهم يعملونها ، فتكون لنا ولمن بعدنا . فقال : وفقك الله ! هذا الرأي"[66]. وفي فتوح البلدان للبلاذري بسنده عن حارثة بن مضرب أن عمر بن الخطاب أراد قسمة السواد بين المسلمين ، فأمر أن يحصوا ، فوجد الرجل منهم نصيبه ثلاثة من الفلاحين . فشاور أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فقال علي: دعهم يكونوا مادة للمسلمين"[67].
وإبقاء الأرض المفتوحة عنوة وقفاً للمسلمين قاطبة، هو ما دلت عليه الأخبار الصحيحة المروية عن أهل ا لبيت (ع)، ففي صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: ذكرت لأبي الحسن الرضا عليه السلام الخراج وما سار به أهل بيته، فقال: "... وما أخذ بالسيف فذلك للامام يقبله بالذي يرى، كما صنع رسول الله صلى الله عليه وآله بخيبر قبل أرضها ونخلها والناس يقولون لا تصلح قبالة الأرض والنخل إذا كان البياض أكثر من السواد وقد قبل رسول الله صلى الله عليه وآله خيبر وعليهم في حصصهم العشر ونصف العشر"[68]. فقوله (ع) " يقبلها بالذي يرى"، يراد به "أنّ ولي الأمر يدع الأراضي المفتوحة عنوة إلى القادرين على استثمارها من أفراد المجتمع الإسلامي ، ويتقاضى منهم أجرة على الأرض، لأنها ملك مجموع الأمة ، فحينما ينتفع الزارعون باستثمارها يجب عليهم تقديم ثمن انتفاعهم إلى الأمة . وهذا الثمن أو الأجرة هو الذي أطلق عليه في الخبر اسم: الخراج"[69]. وفي صحيحة محمد الحلبي قال : سئل أبو عبد الله عليه السلام عن السواد ما منزلته ؟ فقال : هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم ولمن يدخل في الاسلام بعد اليوم ولمن لم يخلق بعد.."[70]. " وأرض السواد في العرف السائد يومذاك هي : الجزء العامر من أراضي العراق التي فتحها المسلمون في حرب جهادية . وإنما أطلق المسلمون هذا الاسم على الأرض العراقية ، لأنهم حين خرجوا من أرضهم القاحلة في جزيرة العرب يحملون الدعوة إلى العالم ظهرت لهم خضرة الزرع والأشجار في أراضي العراق . فسموا خضرة العراق سواداً ، لأنهم كانوا يجمعون بين الخضرة والسواد في الاسم"[71].
وفي مرسلة حمَّادٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِه عَنْ أَبِي الْحَسَنِ (ع) قَالَ: "يُؤْخَذُ الْخُمُسُ مِنَ الْغَنَائِمِ فَيُجْعَلُ لِمَنْ جَعَلَه اللَّه عَزَّ وجَلَّ ويُقْسَمُ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسٍ بَيْنَ مَنْ قَاتَلَ عَلَيْه ووَلِيَ ذَلِكَ .. قَالَ: ولَيْسَ لِمَنْ قَاتَلَ شَيْءٌ مِنَ الأَرَضِينَ ولَا مَا غَلَبُوا عَلَيْه إِلَّا مَا احْتَوَى عَلَيْه الْعَسْكَرُ"[72]. إلى غير ذلك من الأخبار.
ولا نعتقد أنّ ما أشار به علي (ع) من إبقائها للمسلمين، وكذا ما روي عن أبنائه من الأئمة (ع) ينافي ما فعله النبي (ص) في أرض خيبر، وذلك لأن الظاهر أنّ النبي (ص) فعل ذلك بصفته ولياً للأمر وقد رأى مصلحة في ذلك، ولذا اختلف فعلُه في هذا المجال، ففي حين وزّع أرض خيبر بعد تقسيمها، فإنّه عفى عن أهل مكة وترك لهم أرضهم وأملاكهم، مع أنّ مكة فتحت عنوة، كما هو المعروف، ودلت عليه الأخبار، قال العلامة: " وأما أرض مكة، فالظاهر من المذهب أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) فتحها بالسيف ثم آمنهم بعد ذلك، وبه قال أبو حنيفة ومالك والأوزاعي، لأن العامة رووا عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال لأهل مكة : " ما تروني صانعاً بكم ؟ فقالوا : أخ كريم وابن أخ كريم ، فقال: أقول كما قال أخي يوسف: * ( لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين }[يوسف: 92]، أنتم الطلقاء"[73]. ومن طريق الخاصة: رواية صفوان بن يحيى وأحمد بن محمد بن أبي نصر قالا : ذكرنا له الكوفة ، إلى أن قال : " إن أهل الطائف أسلموا وجعلوا عليهم العشر ونصف العشر ، وإن أهل مكة دخلها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عنوة وكانوا أسراء في يده فأعتقهم وقال : اذهبوا فأنتم الطلقاء"[74]. وقد ذكر ابن قيم الجوزية وجهين آخرين على فتحها عنوة، "أحدهما: أنه لم ينقل أحدٌ أن النبي (ص) صالح أهلها زمن الفتح.. ولو كانت قد فتحت صلحاً لم يقل من دخل داره أو أغلق بابه، أو دخل المسجد فهو آمن، فإن الصلح يقتضي الأمان العام. الثاني: أن النبي (ص) قال: إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليهم رسوله والمؤمنين ألا وإنها لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد من بعدي ألا وإنما أحلت لي ساعة من نهار"[75]. وهذا صريح في أنها فتحت عنوة"[76]. وعليه فما دلّ على أن الغنيمة هي للغانمين، لا يشمل ما كان كالأراضي، فهذه إن لم تكن خارجة تخصصاً – بدعوى انصراف الآية عنها – فهي خارجة تخصيصاً، بقول النبي (ص) وفعله.
والواقع أنّ الاعتبار يساعد على هذا القول الذي يجعل الأرض الخراجية ملكاً للأمة، ويكون زمامها بيد الإمام العادل، فإنّ الأرض المفتوحة عنوة هي أراضٍ شاسعة جداً وتتوزعها في زماننا دول عديدة، فهلْ يعقل أن يكون حكمها أن توزّع من قبل الإمام آنذاك على بضعة الآف من المقاتلين الذين
فتحوها؟! مع ما يستلزم ذلك من تحويل هؤلاء إلى جماعة من أغنى الأغنياء والأثرياء في العالم، والحال أنّ مصدراً مالياً كهذا هو من أهم المصادر المالية للدولة.
من كتاب: أبعاد الشخصية النبوية (دراسة أصولية في تصرفات الرسول صلى الله عليه وآله التشريعية والتدبيرية والخبروية والبشرية)
[1] دراسات في ولاية الفقيه، ج 1، ص 98.
[2] الكافي ، ج 3، ص 563، وعنه تهذيب الأحكام، ج 4، ص 108.
[4] يقول السيد الشهيد: " تدخّل الدولة في الحياة الاقتصادية ، يعتبر من المبادئ المهمة في الإقتصاد الإسلامي ، التي تمنحه القوة والقدرة على الاستيعاب والشمول . ولا يقتصر تدخل الدولة على مجرد تطبيق الاحكام الثابتة في الشريعة ، بل يمتد إلى ملء منطقة الفراغ من التشريع . فهي تحرص من ناحية على تطبق العناصر الثابتة من التشريع ، وتضع من ناحية أخرى العناصر المتحركة وفقاً للظروف . ففي مجال التطبيق تتدخل الدولة في الحياة الاقتصادية ، لضمان تطبق أحكام الإسلام ، التي تتصل بحياة الأفراد الاقتصادية. فتحول مثلا دون تعامل الناس بالربا ، أو السيطرة على الأرض بدون احياء ، كما تمارس الدولة نفسها تطبيق الاحكام التي ترتبط بها مباشرة ، فتحقق مثلاً الضمان الاجتماعي والتوازن العام في الحياة الاقتصادية بالطريقة التي سمح الإسلام باتباعها ، لتحقيق تلك المبادئ . وفي المجال التشريعي تملاً الدولة منطقة الفراغ التي تركها التشريع الإسلامي للدولة ، لكي تملأها في ضوء الظروف المتطورة ، بالشكل الذي يضمن الأهداف العامة للاقتصاد الإسلامي ، ويحقق الصورة الإسلامية للعدالة الاجتماعي"، اقتصادنا، ص 685.
[5] الكافي، ج 3، ص 563، وتهذيب الأحكام، ج 4، ص 108.
[6] تهذيب الأحكام، ج 4، ص 119.
[7] راجع فقه العلاقة مع الآخر المذهبي، ج 2 ، ص
[8] الكافي ج 3 ص 496، وتهذيب الأحكام ج 4 ص 49، ومن لا يحضره الفقيه ج 2 ص 5، وعنها وسائل الشيعة ج 9 ص 209، الحديث 1 من الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة.
[9] تهذيب الأحكام ج 4 ص 89.
[11] قال العلامة الحلي:"ويجوز للمالك أن يفرّقها بنفسه بغير خلاف بين العلماء كافّة ، أمّا عندنا فظاهر ، وأمّا عند المخالف ، فلأنّها من الأموال الباطنة . ويستحبّ صرفها إلى الإمام أو من نصبه ، لأنّه الحاكم وهو أعرف بمواقعها . ولما رواه الشيخ عن أبي عليّ بن راشد ، قال : سألته عن الفطرة لمن هي ؟ قال : "للإمام ". ولو تعذّر ذلك صرفت إلى الفقيه المأمون من فقهاء الإماميّة فإنّهم أبصر بمواقعها وأعرف بالمستحقّ . ولأنّ فيه إبراء للذمّة ، وتنزيها للغرض فيكون أولى"، انظر: منتهى المطلب ج 8 ص 494، وقال السيد الخونساري:" وأما جواز تولى المالك إخراجها فالظاهر عدم الخلاف فيه وتدل عليه الأخبار ، والأفضل الدفع إلى الإمام عليه الصلاة والسلام"، انظر: جامع المدارك ج 2 ص 99.
[13] صحيح مسلم، 3، ص 118. وفي سنن النسائي، أخبرنا عمرو بن سواد بن الأسود بن عمرو عن ابن وهب قال حدثنا يونس عن ابن شهاب عن عبد الله بن الحرث بن نوفل الهاشمي أن عبد المطلب بن ربيعة بن الحرث ابن عبد المطلب أخبره أن أباه ربيعة بن الحرث قال لعبد المطلب بن ربيعة بن الحرث والفضل بن العباس بن عبد المطلب ائتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولا له: استعملنا يا رسول الله على الصدقات، فأتى علي بن أبي طالب ونحن على تلك الحال، فقال لهما: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يستعمل منكم أحدا على الصدقة، قال عبد المطلب: فانطلقت أنا والفضل حتى أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لنا: إن هذه الصدقة إنما هي أوساخ الناس وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد صلى الله عليه وسلم"، سنن النسائي، ج 5، ص 105.
[15] وعلى رأسهم الإمام الخميني والسيد فضل الله والشيخ المنتظري والسيدان الحائري والهاشمي.
[16] أنظر: كتاب الخمس للشيخ المنتظري ص...وكتاب ولاية الفقيه، ج 3، ص 20، وكتاب الخمس للسيد محمود الهاشمي ج2 ص380 وما بعدها، ومباني فتاوى في الأموال العامة للسيد كاظم الحائري ص108.
[17] راجع وسائل الشيعة، ج 9، ص
[18] قال السيد الخوئي: " والأقوى في مقام الجمع حمل نصوص التحليل على ما انتقل إلى الشيعة ممن لا يعتقد الخمس - أولا يخمس وإن اعتقد كما ستعرف – وأما ما وجب على المكلف نفسه فلا موجب لسقوطه ، ولم يتعلق به التحليل "، موسوعة الإمام الخوئي، ج 25، ص 351.
[19] قال الشيخ اامنتظري: "المطالبة ووجوب الأداء رويت عن موسى بن جعفر ( عليه السلام ) ومن بعده من الأئمة المتأخرين - عليهم السلام - وهي مستفيضة بل لعلها متواترة أفتى بمضمونها الأصحاب . وأما أخبار التحليل فمرويّة عن الإمامين الهمامين : الباقر والصادق – عليهما السلام - إلا صحيحة علي بن مهزيار عن أبي جعفر الثاني ( عليه السلام ) ولكن موردها صورة الإعواز وعدم إمكان الأداء . والتوقيع المروي عن صاحب الزمان ( عليه السلام ) . وفيه إجمال ، لكون الجواب فيه ناظراً إلى سؤال السائل وهو غير معلوم ، فلعله كان في مورد خاص ، مضافاً إلى ظهوره في المناكح خاصة بقرينة التعليل فيه بطيب الولادة ، فعلى هذا يكون التحليل في زمان خاص أو موضوع خاص ويتعين العمل بالأخبار الصادرة عن الأئمة المتأخرين عن الصادقين ( عليه السلام ) الدالة على وجوب الأداء وفعليته"، انظر دراسات في ولاية الفقيه، ج 3، ص 75، فإن اذا كان الأئمة المتأخرين عنهما ( عليه السلام ) يحكمون بوجوب الخمس في الأرباح يطالبونه ويأخذونه كلا أو بعضاًفلا محالة يجب أن تحمل أخبار التحليل على موضوعات خاصة أو زمان خاص"، المصدر نفيه، ج 3، ص 79.
[20] دراسات في ولاية الفقيه، ج 3، ص 81.
[21] القماط - كشداد - : من يصنع القمط للصبيان، والقمط - بضمتين - : الحبال . وقيل : القماط من يعمل بيوت القصب.
[22] من لا يحضره الفقيه، 2، ص 44، وتهذيب الأحكام، ج 4، ص 138.
[23] بعض القرائن قد يقال بانسجامها مع التفسير الأول للتحليل، وهو المنقول عن السيد الخوئي، بيد أننا ذلك لا يخلو من إشكال، والتفصيل في ذلك موكول إلى محله.
[24] في صحيحة علي بن مهزيار أنه قال : " قرأت في كتاب لأبي جعفر عليه السلام ( أي الثاني) إلى رجل يسأله أن يجعله في حل من مأكله ومشربه من الخمس ، فكتب عليه السلام بخطه : من أعوزه شئ من حقي فهو في حل "، من لا يحضره الفقيه، ج 2، ص 44.
[25] انظر: وسائل الشيعة، ج 9، ص 544، وما بعدها، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام،
[26] مباني فتاوى في الأموال العامة السيد الحائري ص 110.
[27] من لا يحضره الفقيه، ج 2، ص 42، ومن لا يحضره الفقيه، ج4، ص 123.
[28] قال العلامة في المختلف: "لم يذكر ذلك ابن الجنيد ولا ابن أبي عقيل ولا المفيد ولا سلاّر ولا أبو الصلاح، فالمسألة مختلف فيها "، مختلف الشيعة، ج 3، ص 89،
[31] مباني فتاوى في الأموال العامة، ص 213.
[34] منتقى الجمان، ج 2، ص 443.
[35] انظر: مباني فتاوى في الأموال العامة، ص 215 – 216، وكتاب الخمس للسيد الهاشمي ج 1، ص
[36] الإسلام يقود الحياة ص45.
[37] المرجعية والقيادة للسيد الحائري، ص 133.
[38] بيان: "العتيق العربية الكريمة الأصل، والبرذون العجمية الأصل أو ما سوى العتيق". الوافي ج 10 ص 110.
[39] الكافي ج 3 ص 530، والاستبصار ج 2 ص 12 وتهذيب الأحكام ج 4 ص 67.
[41] الاستبصار، ج 2، ص 12.
[42] محاضرات في فقه الإمامية، الزكاة ج 1 ص 100
[43] شرح العروة الوثقى - الزكاة ( موسوعة الإمام الخوئي ): تقرير بحث السيد الخوئي للبروجردي، ج 23، ص 142.
[45] قال: "وتستحب أيضا في مال التجارة ، وفي الخيل الإناث ، دون الذكور ودون الحمير ، والبغال "، منهاج الصالحين، ج 1، ص 298.
[46] أنظر: كتاب الزكاة للسيد محمود الهاشمي ج 1 ص 298، وما بعدها، وبحوث فقهية مهمة للشيخ ناصر مكارم الشيرازي ص 373، ودراسات في ولاية الفقيه للشيخ المنتظري ج 3 ص 27.
[47] تهذيب الأحكام ج 4 ص 122، ومستطرفات السرائر ص 195.
[48] تهذيب الأحكام ج 4 ص 123، ولكنه موقوف على المعلى، أجل رواه الشيخ في التهذيب أيضاً ج 6 ص 387. ورواه ابن إدريس في آخر السرائر ص 194.
[49] تهذيب الأحكام، ج 6، ص 378.
[50] كتاب الخمس للسيد الهاشمي ج 1 ص 76.
[51] انظر: كتاب الخمس للشيخ منتظري، ص ، ومباني فتاوى في الأموال العامة، ص 228، وكتاب الخمس للسيد محمود الهاشمي، ج 2، ص 44.
[52] دراسات في ولاية الفقيه، ج 3، ص 73، ونظيره ما ذكره في كتاب الخمس، ص202.
[53] وهي قوله تعالى: { واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل} [ ].
[54] دروس في ولاية الفقيه، ج 3، ص 73.
[55] الاستبصار ج 2 ص 61، وتهذيب الأحكام، ج 4، ص 141.
[57] يقول المنتظري: "وهل يمكن الالتزام في مثل أعصارنا بحصر الزكاة مع سعة مصارفها الثمانية في خصوص التسعة المعهودة بشرائطها الخاصة ؟ مع أن الذهب والفضة المسكوكتين وكذا الأنعام الثلاثة السائمة لا توجد إلاّ أقلّ قليل ، والغلات الأربع في قبال سائر منابع الثروة من المصانع العظيمة والتجارات الضخمة ، والأبنية المرتفعة والسفن والسيارات المحصولات الزراعية المتنوعة غير الغلات الأربع قليلة القيمة جدّاً المصارف الثمانية التي تساوق عمدة خلات المجتمع والدول تحتاج إلى أموال كثيرة ، وقد دلّت أخبار كثيرة على أن اللّه - تعالى - فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يكفيهم ولو علم أن الذي فرض لهم لا يكفيهم لزادهم ، ولعل الفقراء من باب المثال فيراد به المصارف الثمانية للزكاة"، دراسات في ولاية الفقيه، ج 4، ص 290.
[58] دراسات في ولاية الفقيه، ج 4، ص 288، وقد ذكر نظير هذا الكلام في كتاب آخر، انظر: الخمس، ص 202 – 203. وفي محل آخر ذكر الشيخ المنتظري أنه حكم سلطاني لكنه يتسم بالدام، قال: "أن الأحكام السلطانية الصادرة عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والأئمة ( عليهم السلام ) على قسمين : بعضها أحكام خاصة موسمية ، وبعضها أحكام سلطانية مستمرة ، نظير ما احتملناه في قول النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : " لا ضرر " من كونه حكماً سلطانياً له ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ونظير وضع رسول اللّه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الزكاة في تسعة وعفوه عما سواها على ما في بعض الأخبار أفتى به المشهور"، دراسات في ولاية الفقيه، ج 3، ص 307.
[59] نهج البلاغة، ج 1، ص 46.
[60] دعائم الإسلام، ج 1، ص 396.
[62] شرح نهج البلاغة، ج 1، ص 270.
[63] نقله العيني في عمدة القاري في شرح صحيح البخاري، ج 15، ص 44.
[64] صحيح البخاري، ج 5، ص 81.
[65] سنن أبي داوود، ج 2، ص 36، وراجع السنن الكبرى للبيهقي، ج 6، ص 317، والطبقات الكبرى، لابن سعد، ج 2، ص 113، وتاريخ المدينة، لابن شبة، ج 1، ص 182.
[66] تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 152.
[67] فتوح البلدان، ج 2، ص 326.
[68] تهذيب الأحكام، ج 4، ص 119.
[70] تهذيب الأحكام، ج 7، ص 147.
[73] السنن الكبرى للبيهقي، ج 9، ص 118، وتاريخ الطبري، ج 2، ص 337.
[74] تذكرة الفقهاء، ج 9، ص 188، والرواية المذكورة، مروية في الكافي، ج 3، ص 513، وعنه تهذيب الأحكام، ج 4، ص 38.
[75] صحيح البخاري، ج 8، ص 38.
[76] زاد المعاد في هدي خير العباد، ج 3، ص 108 – 109.