حوار مع مركز أفاق للدراسات والأبحاث: مشكلة الأديان تتشكل في الخطاب الفقهي    ثمن الحرية    أمثل الأساليب في عمليّة تهذيب النفس    مزايا الشباب    العمل سرّ النجاح    العبادة وعيٌ وانفتاح لا جهل وانغلاق    اقتناء أصنام الأمم البائدة    المفاهيم الدينية بين وجوب الاعتقاد وحرمة الانكار    البناء الاعتقادي بين الاجتهاد والتقليد    
 
بحث
 
تكريم الإنسان
 
س » هل صحيح ما ورد في بعض الرّوايات عند الشيعة من أنّ علياً قسيم الجنة والنار؟
ج »

أولاً: إنّ فكرة أن يكون عليّ قسيم الجنة والنار مفهومة وما الضير في ذلك؟ وفقاً لما نقل عن الإمام أحمد بن حنبل، فقد نقل عن محمد بن منصور الطوسي: "كنا عند أحمد بن حنبل ، فقال له رجل : يا أبا عبد الله ، ما تقول في هذا الحديث الذي روي أن عليا قال : أنا قسيم النار ؟ فقال : ما تنكرون من ذا؟! أليس روينا أن النبي صلى الله عليه ( وآله ) وسلم قال لعلي: لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق؟! قلنا: بلى. قال: فأين المؤمن؟ قلنا: في الجنة. قال : فأين المنافق ؟ قلنا: في النار . قال: فعلي قسيم النار". فيكون المقصود بكونه (ع) قسيم الجنة والنار أنّ حبّه وموالاته تكون فارقاً بين أهل الجنة والنار، فمن والاه واتبعه ( واتّباعه لا ينفك عن اتّباع القرآن وسنّة النبي (ص) ) فهو من أهل الجنة ومن حاربه وعاداه عن جحود أو تقصير فهو من أهل النار.

ثانياً: أما أنه هو الذي يتولى أو من جملة من يتولى إدخال الناس الجنة والنار، فليس ثمة ما يمنع أن يأذن الله تعالى لبعض أنبيائه أو أوليائه أن يتولوا هذه المهمة إكراماً لهم، بحيث يُدخلون من يستحقّ الجنة إلى الجنة ويُدخلون من يستحقّ النار إلى النار، فيكون هؤلاء الأنبياء والأولياء منفذين لأمر الله تعالى، ويكون دورهم شبيهاً بدور الملائكة التي تتولى بحسب ما يستفاد من القرآن هذه المهمة. وعليه فإذا صحّت الرواية التي تتحدث عن أن علياً (ع) يتولى إدخال الناس إلى الجنة والنار فلا ينبغي رفضها من هذه الجهة.

 


 
س » ما هو الوجه الذي يفهم من بدء الزيارة بالسلام على الأنبياء ومن ثم السلام على الإمام الحسين (عليه السلام)
ج »

إنّ الملاحظ في الكثير من الزيارات أنّ نصّ الزّيارة وقبل أن يُخاطب الإمام المقصود بالزيارة يتوجه بالسّلام إلى الأنبياء السّابقين بدءاً من آدم ومن تلاه من أولي العزم من الأنبياء (ع) وصولاً إلى خاتم المرسلين محمّد (ص)، ثم يتوجّه أخيراً إلى مُخاطبة الإمام المقصود بالسّلام عليه، وهذا الأمر له دلالته البالغة في فقه الزيارة، وهي أنّ الأئمّة (ع) أرادوا أن يُفهمونا أنّهم ليسوا منقطعين عمن تقدم، بل هم امتداد للأنبياء السّابقين ولجدهم خاتم النبيين (ص)، وعلى المسلم أن يعي لهذه الحقيقة القرآنية وهي أنّ الأنبياء والأولياء هم سلسلة واحدة ومتواصلة في خطّ الرّسالة والدّعوة إلى الله تعالى، كما أنّ رسالتهم في العمق والهدف واحدة، وبالتالي فعلينا أن لا نُمارس نوعاً من القطيعة مع أحد منهم أو أن نفرّق بينهم أو نضع أحدهم في وجه الآخر، كما أنّ لذلك دلالة أخرى لا تبتعد عما ذكرناه، وهي إبراز العنصر المشترك بيننا وبين الآخر الدّيني من خلال استحضار رموزه - التي يُقدّسها ونُقدّسها أيضاً - بهذه الطّريقة من الإجلال والاحترام والتّوقير، الأمر الذي يكون مَدعاةً لتلاقي أبناء الإنسان كافة على الرّسل والاجتماع حول رسالتهم ومبادئهم.

 


 
 
  مقالات >> أصول فقه
أخبار الأخذ بقول الإمام الحي
الشيخ حسين الخشن



 ولا بدّ لنا أن نذكر الأخبار الواردة في ذلك ومن ثم نلاحظ دلالتها وما قيل فيها:

  1. خبر الْمُعَلَّى بْنِ خُنَيْسٍ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّه (ع): "إِذَا جَاءَ حَدِيثٌ عَنْ أَوَّلِكُمْ وحَدِيثٌ عَنْ آخِرِكُمْ بِأَيِّهِمَا نَأْخُذُ؟ فَقَالَ خُذُوا بِه حَتَّى يَبْلُغَكُمْ عَنِ الْحَيِّ، فَإِنْ بَلَغَكُمْ عَنِ الْحَيِّ فَخُذُوا بِقَوْلِه، قَالَ: ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّه (ع): إِنَّا واللَّه لَا نُدْخِلُكُمْ إِلَّا فِيمَا يَسَعُكُمْ وفِي حَدِيثٍ آخَرَ خُذُوا بِالأَحْدَثِ"[1].
  2. قال الكليني: وفي حديث آخر: "خذوا بالأحدث"[2]
  3. وروى أيضاً عن مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الْكِنَانِيِّ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّه (ع): يَا أَبَا عَمْرٍو أرَأَيْتَكَ لَوْ حَدَّثْتُكَ بِحَدِيثٍ أَوْ أَفْتَيْتُكَ بِفُتْيَا ثُمَّ جِئْتَنِي بَعْدَ ذَلِكَ فَسَأَلْتَنِي عَنْه فَأَخْبَرْتُكَ بِخِلَافِ مَا كُنْتُ أَخْبَرْتُكَ أَوْ أَفْتَيْتُكَ بِخِلَافِ ذَلِكَ بِأَيِّهِمَا كُنْتَ تَأْخُذُ؟ قُلْتُ: بِأَحْدَثِهِمَا وأَدَعُ الآخَرَ، فَقَالَ: قَدْ أَصَبْتَ يَا أَبَا عَمْرٍو أَبَى اللَّه إِلَّا أَنْ يُعْبَدَ سِرّاً، أَمَا واللَّه لَئِنْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ إِنَّه لَخَيْرٌ لِي ولَكُمْ وأَبَى اللَّه عَزَّ وجَلَّ لَنَا ولَكُمْ فِي دِينِه إِلَّا التَّقِيَّةَ".[3]
  4. مرسل الْحُسَيْنِ بْنِ الْمُخْتَارِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه ع قَالَ أرَأَيْتَكَ لَوْ حَدَّثْتُكَ بِحَدِيثٍ الْعَامَ ثُمَّ جِئْتَنِي مِنْ قَابِلٍ فَحَدَّثْتُكَ بِخِلَافِه بِأَيِّهِمَا كُنْتَ تَأْخُذُ قَالَ قُلْتُ كُنْتُ آخُذُ بِالأَخِيرِ فَقَالَ لِي رَحِمَكَ اللَّه"[4].
  5. وقد سئل (ع) - على ما رواه محمد بن مسلم - : "ما بال أقوام يروون عن فلان وفلان عن رسول الله (ص) لا يتهمون بالكذب فيجيء منكم خلافه؟ قال: "إنّ الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن"[5].

والسؤال: كيف نفهم هذه الروايات بناءً على صحتها[6] بعد استبعاد بل رفض كون تأخر الزمان في نفسه مما له مدخلية في إصابة الدليل وكاشفيته عن الواقع، وبعد استبعاد النسخ الحقيقي عن مدلولها، لأنّ النسخ قد أغلق بابه بوفاة رسول الله (ص)؟

قال الفاضل التوني: "وهذه الروايات الثلاثة دالة على أنّ الواجب الأخذ بالرواية الأخيرة، ولا أعلم أحداً عمل بها غير ابن بابويه في الفقيه .."[7]. وقال الشيخ يوسف البحراني:" يستفاد من الروايات الأخيرة أن من جملة الطرق المرجحة عند التعارض الأخذ بالأخير، ولم أقف على من عدّ ذلك في طرق الترجيحات فضلاً عمن عمل عليه غير الصدوق ( ط ) في الفقيه في باب ( الرجل يوصي للرجلين )، حيث نقل خبرين مختلفين ثم قال : " ولو صح الخبران جميعا لكان الواجب الأخذ بقول الأخير كما أمر به الصادق ( عليه السلام ) ، وذلك لأنّ الأخبار لها وجوه ومعان ، وكل إمام أعلم بزمانه وأحكامه من غيره من الناس "[8].

وقال الفيض الكاشاني تعليقاً على هذه الأخبار:" والأخير هو مقتضي وقته، فإنّ لكل وقت مقتضى بالإضافة إلى العمل، وليس ذلك بنسخ، فإنّ النسخ لا يكون بعد النبي (ص) والأخذ بقول الحي أيضاً كذلك، لأنّه أعلم بما يقتضي الوقت العمل به"[9].

 الوجوه المطروحة في فهم الأخبار

هناك من ضعّف هذه الأخبار وأعفى نفسه من اعتمادها في عملية الترجيح بين الأخبار المتعارضة، ولكنّ البعض وثقها وبالتالي كان لزاماً عليه أن يبدي رأياً في كيفية التعامل معها، وتوجد في المقام عدة نظريات في التعامل معها:

النظرية الأولى: الترجيح بين الحجتين

هذه النظرية التي تبناها الصدوق وقد قال بها بعض المعاصرين، وهو السيد تقي القمي في أصوله واعتمدها في فقهه كما يلاحظ في كتابه مباني منهاج الصالحين[10].

النظرية الثانية: الترجيح بلحاظ الحكمين الواقعيين

أنّ الأخذ بالأحدث يناسبُ الترجيح بين الحكمين الواقعيين وليس بين الحجتين في مقام الإثبات، كما هو مفروض باب التعارض، فكأنّ الإمام (ع) يفسِّر سبب صدور الخبريْن المتعارضين عنهم (ع)، يقول المازندراني: " وهذا الحديث على تقدير حجّيته دلّ على أنّه لو حدّث المعصومُ رجلاً بحديث ثمّ حدّثه بعد ذلك بحديث يخالف الأوّل وجب عليه الأخذ بالثاني، والوجه فيه ظاهر لأنّ صدور أحد الحديثين إنّما يكون للتقيّة والدفع عنه، فإن كانت التقيّة في الأوّل كان الثاني رافعاً لحكمها فوجب عليه الأخذ بالثاني ، وإن كانت في الثاني وجب الأخذ به أيضاً ، وأمّا لو بلغ هذان الحديثان إلى الغير على سبيل الرواية عنه ( عليه السلام ) فلا يجب على ذلك الغير الأخذ بالثاني على الإطلاق لجواز أن يكون عالماً بأنّ الثاني صدر على سبيل التقيّة مع ارتفاع التقيّة عنه ، فإنّه يأخذ بالأوّل كما إذا علم أنّ المعصوم أمر بالمسح أوّلاً ثمّ أمر بالغسل ثانياً ، فإنّه يأخذ بالمسح إذا انتفت التقيّة عنه وأن يكون نسبة التقيّة إليهما سواء عنده فإنّ حكمه هو التخيير أو الوقف كما مرّ في الخبرين السابقين"[11].

 ويقول الفيض الكاشاني:" وجه الأخذ بالأخير أنّ بعض الأزمنة يقتضي الحكم بالتقيّة للخوف الذي فيه، وبعضها لا يقتضيه لعدمه، فالإمام عليه السّلام في كل زمان يحكم بما يراه المصلحة في ذلك الزمان، فليس لأحدٍ أن يأخذ في العام بما حكم به في عام أول، وهذا معنى قوله عليه السّلام في الحديث الآتي "إنا واللَّه لا ندخلكم إلا فيما يسعكم"[12].

واخذ عنه هذا المعنى الشيخ يوسف البحراني، قال: "والعمل بهذا الوجه بالنسبة إلى زمانهم ( عليهم السلام ) لا إشكال فيه . وذلك لأنّ الظاهر أنّ الاختلاف المذكور ناشئ عن التقيّة لقصد الدفع عن الشيعة، كما يشير إليه قوله ( عليه السلام ) في الخبر الثاني من الأخبار المشار إليها : " إنا والله لا ندخلكم إلا فيما يسعكم". وحينئذ فالوجه في الأمر بالأخذ بالأخير أنه لو كانت التقيّة في الأول من الخبرين، فالثاني رافع لها فيجب الأخذ به ، وإن كانت التقية في الثاني وجب الأخذ به لذلك ، وأمّا بالنسبة إلى مثل زماننا هذا فالظاهر أنه لا يتجّه العمل بذلك على الاطلاق ، لجواز أن يحصل العلم بأنّ الثاني إنما ورد على سبيل التقية والحال أن المكلف ليس في تقية ، فإنه يتحتم عليه العمل بالأول ولو لم يعلم كون الثاني بخصوصه تقية بل صار احتمالها قائما بالنسبة إليهما ، فالواجب حينئذ هو التخيير أو الوقوف بناء على ظواهر الأخبار ، أو الاحتياط كما ذكرناه"[13].

وتفسير صدور أحد الخبرين على وحه التقية بالمعنى المتقدم له مؤشرات في الأخبار كما لاحظنا.

ولكن الخبر الأول والأهم في المقام - لأنه الصحيح في نظر البعض وأما البقية فلم تصح سنداً - لا يتعيّن فهمه على ضوء هذه النظرية، بل يحتمل التفسير الآتي في النظرية الثالثة.

 النظرية الثالثة: الحمل على التدبيريّة

 وثمة وجه آخر نطرحه ونميل إليه في تفسير هذه النصوص، وهو ورودها في دائرة الأحكام التدبيرية ذات الطابع المرحلي، وهذا ما يشهد به أخذ عنصر الحياة في الإمام، فالأخذ بقول الإمام الحي لا وجه له ظاهراً إلا أنّه الحاكم الفعلي الذي تلزم إطاعته، والظاهر أنّ هذا هو ما فهمه الشيخ الصدوق من هذه الأخبار، حيث إنّه في باب الوصيّة ذكر خبرين متعارضين ورجح أحدهما على الآخر، ثم قال: "ولو صح الخبران جميعاً لكان الواجب الأخذ بقول الأخير كما أمر به الصادق (ع)، وذلك لأنّ الأخبار لها وجوه ومعان، وكل إمام أعلم بزمانه وأحكامه من غيره من الناس"، فإنّ قوله: "وكل إمام أعلم بزمانه وأحكامه من غيره من الناس" يتناسب مع كون نظره إلى ما ذكرنا من الأحكام التدبيرية.

 وكون مورد الأخبار هو الحديثان لا يمنع من هذا الحمل لأن الحديث يعكس أمر الإمام (ع).

وبناءً على ما ذكرناه تخرج المسألة عن باب التعارض، فلا وجه لما فعله بعض العلماء من اعتماد الأحدثية كميزان أو معيار من مرجحات باب التعارض بين الأخبار[14]، فإن هذا الأمر يواجهه إشكال آخر وهو أنّ الأحدثيّة ليست مفهومة باعتبارها دليلاً أو طريقاً على تعيين الحكم الصادر عن الإمام(ع) واقعاً، إذ تأخر الزمن وتقدمه لا علاقة له بما هو حق أو ما هو صادر عنهم. يقول السيد الشهيد رحمه الله:"  فإن كلمات الأئمة عليهم السلام تنظر جميعاً إلى وقت واحد وتكشف عن حكم شُرِّع في صدر الإسلام فلا أثر لمجرد كون أحد الخبرين أحدث من الآخر صدوراً في الكاشفيّة والطريقيّة التي هي ملاك الحجية والاعتبار"[15]

 فالترجيح بالأحدثية يعني أننا أمام معيار تعبدي في الترجيح لا ينسجم مع القواعد العقلائية، على أن ظاهر الروايتين أنّ الرواي قد سمع الحديثين المختلفين من الإمام (ع) فهو يقطع بصدورهما عنه (ع)، وعليه فلا معنى لتكون الأحدثيّة معياراً لمعرفة الصادر عنه (ع).

ونكتفي بهذا القدر من الحديث حول مسألة الترجيح بالأحدثية، وللتوسع في ذلك مجال آخر من البحث.[16]

أخبار التفويض

وقد يقال: إنّ أخبار التفويض أيضاً ناظرة إلى البعد التدبيري، وهي مجموعة من الأخبار، منها رواه الكليني بسند صحيح عن أَبِي إِسْحَاقَ النَّحْوِيِّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّه ع فَسَمِعْتُه يَقُولُ: إِنَّ اللَّه عَزَّ وجَلَّ أَدَّبَ نَبِيَّه عَلَى مَحَبَّتِه فَقَالَ * (وإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]، ثُمَّ فَوَّضَ إِلَيْه، فَقَالَ عَزَّ وجَلَّ : * (وما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوه وما نَهاكُمْ عَنْه فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]،  وقَالَ عَزَّ وجَلَّ : * (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ الله) [النساء: 80]، قَالَ: ثُمَّ قَالَ: وإِنَّ نَبِيَّ اللَّه فَوَّضَ إِلَى عَلِيٍّ وائْتَمَنَه فَسَلَّمْتُمْ وجَحَدَ النَّاسُ، فَوَاللَّه لَنُحِبُّكُمْ أَنْ تَقُولُوا إِذَا قُلْنَا وأَنْ تَصْمُتُوا إِذَا صَمَتْنَا، ونَحْنُ فِيمَا بَيْنَكُمْ وبَيْنَ اللَّه عَزَّ وجَلَّ مَا جَعَلَ اللَّه لأَحَدٍ خَيْراً فِي خِلَافِ أَمْرِنَا"[17].

وذلك بأن يقال: إنّ التفويض هنا هو بمعنى تفويض أمر السلطة والولاية[18]، وهذا ما يناسبه " الخلق العظيم" ويناسبه قوله: " فَسَلَّمْتُمْ وجَحَدَ النَّاسُ"، فإنّ ما جحده الناس هو ولاية علي (ع) السياسية[19]. نعم قد يقال: إنّ قوله (ع) "أن تقولو إذا قلنا.."، يناسب التشريع أو هو أعم منه ومن ولاية التدبير. وقد ذكر المجلسي أن أحد معاني التفويض هو "تفويض أمور الخلق إليهم من سياستهم وتأديبهم وتكميلهم وتعليمهم وأمر الخلق بإطاعتهم فيما أحبوا وكرهوا وفيما علموا جهة المصلحة فيه وما يعلموا وهذا حق لقوله تعالى : {ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} [الحشر: 7]، وغير ذلك من الآيات والاخبار، وعليه يحمل قولهم عليهم السلام : " نحن المحللون حلاله والمحرمون حرامه "، أي بيانهما علينا، ويجب على الناس الرجوع فيهما إلينا"[20].

أقول: إن لم تساعد القرائن على حمل أخبار التفويض على إرادة ولاية التدبير أو هداية الناس، واستظهر أن المراد بها تفويض التشريع، فليس المقصود أن له (ص) ولاية التشريع ليحلل ويحرم كيف ما أراد، وإنما المقصود كما تقدم في المحور الأول، أنّ الله تعالى لما أكمل نبيه (ص) فوض إليه أن يحكم في دينه، وقد أمضى تعالى بعض ما سنه نبيه (ص). وهذا المعنى لو أردنا أن نسمّيه تشريعاً فلا مشاحة في الاصطلاح بيد أن ذلك لم يثبت لغير النبي (ص).

من كتاب: أبعاد الشخصية النبوية (دراسة أصولية في تصرفات الرسول صلى الله عليه وآله التشريعية والتدبيرية والخبروية والبشرية)



[1] الكافي ج 1 ص 67. ومختصر بصائر الدرجات ص 94.

[2] وسائل الشيعة حديث 7- 9، الباب 9 من أبواب صفات القاضي.

[3] الكافي ج 2 ص 218.

[4] الكافي ج 1 ص 67.

[5] م. ن. ح4.

[6] الروايات المتقدمة لا تخلو من إشكالات سنديّة، أما الأولى فلأن في سندها المعلى بن خنيس، وهو مختلف فيه، فقد ضعفه النجاشي صريحاً فقال: "ضعيف جداً، لا يعول عليه"[6]، ويبدو أنّ رأي السيد الخوئي تغير في الرجل فقد كان يوثقه ويأخذ برواياته، ثم أصبح يضعفه، قال رحمه الله: " وهو وإن كنّا نعتمد على رواياته إلَّا أن الصحيح أن الرجل ضعيف لا يعوّل عليه"[6]، والثانية مرسلة وكذا الرابعة ، وأما الثالثة ففيها أبو عمرو الكناني، وهو مجهول، وقد وصف المجلسي الخبر بالمجهول، انظر: مرآة العقول ج 9 ص 172. "بخبر أبي عمرو، انظر: المحكم في أصول الفقه لسيد محمد سعيد الحكيم ج6 ص443، بل صرّح الصادق الروحاني بأنّه "ضعيف بأبي عمرو الكنائي لأنّه لم يوثقه أحد" (زبدة الأصول ج4 ص443)، ولكن السيد الخوئي عبّر عنها بصحيحة أبي عمرو الكنائي، مصباح الأصول ج3 ص416 وبملاحظة معجم رجال الحديث نجد انّه لا توثيق للكنائي (راجع: معجم رجال الحديث ج22 ص287)، ولذا لا نعرف وجه تصحيح الرواية في مصباح الأصول، اللهم إلا إذا حصل سهو في نقل عبارة السيد الخوئي كأن يكون تعبيره في صحيح هشام بن سالم عن أبي عمرو الكناني، قال السيد الشهيد:" أما الرواية الأولى فهي ضعيفة بأبي عمرو الكناني الَّذي لم يثبت توثيقه . نعم قد نقل السيد البروجردي - قده - في جامع أحاديث الشيعة سنداً آخر لها عن صاحب الوسائل عن البرقي في المحاسن عن أبيه عن محمد بن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللَّه عليه السلام مثله (راجع وسائل الشيعة ج16 ص207)  وهذا سند صحيح يمكن أن يتم على أساسه الحديث إلَّا أن الظاهر سقوط أبي عمرو في هذا السند سهواً فهشام بن سالم ينقل الرواية عن أبي عمرو الكناني أيضا ، والقرينة على ذلك توجه الخطاب إلى أبي عمرو في كلام الإمام عليه السلام مرتين . ولو تنزلنا عن ذلك وقع التهافت في النقل بين السندين بعد استبعاد كونهما روايتين"، انظر: بحوث في علم الأصول ج 7 ص 363.

أقول: ولعل السهو أو الاشتباه حصل من صاحب الوسائل، فإنّ الرواية كما يقول محققو الوسائل لم توجد في المحاسن المطبوع للبرقي، فقول الحر في ذيل الحديث 12 من الباب 24 من كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: ورواه البرقي في المحاسن عن علي بن نضال، والذي قبله عن أبيه عن محمد بن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (ع) مثله" اشتباه، وذلك في قوله: "والذي قبله".

ولهذا يمكن القول: "إنّ روايات الترجيح بالأحدثية لا تتم سنداً، ولا يمكن دعوى حصول الوثوق بها لا سيما بملاحظة ما سيأتي من أنّها لا توافق القواعد العقلائية. ولم يحضرني الآن كتاب القمي في الأصول لأرى على ماذا اعتمد في توثيق روايات الأخذ بالأحدث، وما إذا كان هذا المرجح في طول الأخذ بموافقة الكتاب ومخالفة العامة، أجل في بعض ملحقات كتابه مباني منهاج الصالحين تحدث عن ضعف مستند الرأي المشهور بالترجيح أولاً بموافقة الكتاب وثانياً بموافقة العامة، وبعد ذلك قال:" وعلى هذا الأساس لا يبقى مجال للترجيح بالموافقة مع الكتاب ولا بالمخالفة مع العامة، فيبقى للترجيح كون أحد المتعارضين أحدث من الآخر.."، أنظر: مباني منهاج الصالحين ج 8 ص 584.

[7] الوافية 331.

[8] الحدائق الناضرة ج 1 ص 105.

[9] الأصول الأصيلة 84.

[10] أنظر: مباني منهاج الصالحين ج10 ص 512 -513. ولاحظ ج 8 ص 584.

[11] شرح أصول الكافي ج 2 ص 332.

[12] الوافي ج 1 ص 285.

[13] الحدائق الناضرة ج 1 ص 105.

[14] آراؤنا في أصول الفقه ج3 ص227.

[15] بحوث في علم الأصول ج 7 ص 365.

[16] وليلاحظ ما ذكره بعض العلماء: الكافي في أصول الفقه ج2 ص951.

[17] الكافي، ج 1، ص 265، وللخبر سندان، الأول منهما مجهول والثاني صحيح. ولاحظ: مرآة العقول ج 3 ص 141. وأما تضعيف بعضهم للرواية بحوث فقهية مهمة، ص 528، فهو في غير محله وقد غفل عن أن الكليني رواها بسند آخر.

[18] كما رجحه الشيخ مكارم في كتابه بحوث فقهية مهمة، ص 528.

[19] بحوث في الفقه المعاصر، ج 1، ص 33.

[20] بحار الأنوار، ج 25، ص 349.

 






اضافة تعليق

الاسم *

البريد الإلكتروني *

موضوع *

الرسالة *


 


 
  قراءة الكتب
 
    Designed and Developed
       by CreativeLebanon